آخر 10 مشاركات
سيدة القصر المظلم *مكتملة * (الكاتـب : CFA - )           »          236-واحة القلب -جيسيكا هارت -عبير مكتبة مدبولي (الكاتـب : Just Faith - )           »          1-لمن يسهر القمر؟-آن هامبسون -كنوز أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          الضحية البريئة (24) للكاتبة: Abby Green *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          هل يصفح القلب؟-قلوب شرقية(33)-[حصرياً]للكاتبة:: Asma Ahmed(كاملة)*مميزة* (الكاتـب : Asmaa Ahmad - )           »          ستظل .. عذرائي الأخيرة / للكاتبة ياسمين عادل ، مصرية (الكاتـب : لامارا - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          إلى مغتصبي...بعد التحية! *مميزة ومكتملة *(2) .. سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          [تحميل]رواية قل متى ستحبني؟!!/ للكاتبة شيماءمحمد ShiMoOo، مصرية (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل تجد بداية الرواية مشوقة؟
نعم 2 100.00%
لا 0 0%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 2. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-05-21, 03:33 PM   #21

Wafaa elmasry

? العضوٌ??? » 427078
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 233
?  نُقآطِيْ » Wafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond repute
افتراضي


حمدا لله على سلامتك
أتمنى أن تكونى بخير وكل أمورك على ما يرام
يعجبنى كثيرا أسلوبك في الكتابة
بأمر الله تواصلى الكتابة دون انقطاع و بالتوفيق دائما




Wafaa elmasry غير متواجد حالياً  
قديم 28-05-21, 08:52 PM   #22

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة wafaa elmasry مشاهدة المشاركة
حمدا لله على سلامتك
أتمنى أن تكونى بخير وكل أمورك على ما يرام
يعجبنى كثيرا أسلوبك في الكتابة
بأمر الله تواصلى الكتابة دون انقطاع و بالتوفيق دائما
شكرًا لكِ عزيزتي على السؤال 💗
أتمنى أن تكونِ أنتِ أيضًا بخير على الدوام💗
بعون الله ساستمر هذه المرة في النشر بفضل دعمكم لي.


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 04-06-21, 12:53 PM   #23

نورة502

? العضوٌ??? » 441759
?  التسِجيلٌ » Mar 2019
? مشَارَ?اتْي » 322
?  نُقآطِيْ » نورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond reputeنورة502 has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عَليكم ورحمة الله وبركاته.. أهلاً بك خديجة…
إجابة على الاستفتاء في الأعلى: نعم شدتني القصة وبقوة.. أعجبني السرد الممتع الذي تمتلكينه…‏وأتمنى أن تصل قريبًا إلى صفوف الروايات المكتملة.
لدي استفسار: هل حددتِّ عدد معين لأجزاء الرواية؟ وهل هي مكتملة لديك؟


نورة502 غير متواجد حالياً  
قديم 05-06-21, 02:01 AM   #24

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة502 مشاهدة المشاركة
السلام عَليكم ورحمة الله وبركاته.. أهلاً بك خديجة…
إجابة على الاستفتاء في الأعلى: نعم شدتني القصة وبقوة.. أعجبني السرد الممتع الذي تمتلكينه…‏وأتمنى أن تصل قريبًا إلى صفوف الروايات المكتملة.
لدي استفسار: هل حددتِّ عدد معين لأجزاء الرواية؟ وهل هي مكتملة لديك؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 💗
سعيدة بأن الرواية نالت أعجابك وشدتك لقراءتها.💕
أنا أيضًا اتمنى أن أراها ذات يوم هي مكتملة.

أما بالنسبة لاستفسارك حول فصول الرواية فهي ليست مكتملة لدي وليس لها عدد فصول معين إلى الآن فقط أقدر بأنها ربما تكون 20 جزء، بحسب الأحداث القادمة التي لم اكتبها بعد.


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 05-06-21, 02:04 AM   #25

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

الفصلُ الرَّابع - إِحسَانٌ ومَغفرة

شيئًا ما على نحوٍ غريب أطفأ نيران غيظها الملتهبة، ما إن عادت إلى البيت وأحاط بها سكون الغرفة وظلمتها، لعلها الأعوامٌ المتعاقبة من الاحتكاك والتعامل مع الناس بمختلف أصنافهم استطاعت أن تمدها بشحنة عالية من الصبر والسماحة لا تنفذ، وليس وكأنها إذ واجهت إساءة من شخصٍ غريب ستسعى على الفور للانتقام منه، حتمًا إن حقها سيعود إليها ولكن على طريقتها الخاصة

. في اليوم التالي تمكنت من جعل والدتها تتقبل عذرها المزيف وتتهيأ للرفض. إلا أنها لم تستطع غير اللجوء إلى الصمت حينما بدا لها أكثر أشكال الرفض ملائمةً وتهذيبًا، لا سيما وهي تعلم عمق الرغبة التي سبق وأن أفشتها نظرات وأقوال الجارة يومئذٍ بكل جدية. وكان من حظها أن تمر الأيام التالية في هدوءٍ وسلم وخلوٍ من صعوبات التفكير.


ثم أقبل صباحٌ مشمشٌ يلوح بظهيرة شديدة الحرارة مع رطوبة عالية تسببت في أجواء عصيبة وخانقة بعض الشيء. لم تكن الطبيبة أمل لتستشعر شيئًا من ذلك وهي في كنف البرد والراحة والاسترخاء داخل غرفتها التي يسودها الظلام وفوق سريرها الوثير الذي يقابل النسيم البارد المنبعث من مكيف الهواء. فمن الطبيعي أن يصيبها الانزعاج لسمع صفارة الإنذار بحلول الوقت الذي عليها أن تستيقظ فيه وتتجهز لتوصيل والدها إلى عمله، ثم الذهاب إلى المشفى الحكومي الذي تعمل به ليومان. تلك هي أكثر لحظات يومها تعاسةً.


نهضت بتثقلٍ ثم غادرت الغرفة لأجل كوبٍ من الماء فوجدت والدها في أسمى درجة من النشاط جالسٌ فوق الكرسي، يقرأ كتابًا من كتبه القديمة المفضلة التي تتذكره بزمنٍ قد خلا، كان على أهبة الاستعداد يرتدي قميصًا صيفي مقلم ذو أكمامٍ طويلة، وبنطالًا قماشي بلون الرماد فيما شعره الخفيف الأشيب مسرحٌ للخلف في انتظام. ألقت على مسامعه تحية الصباح ثم سارعت في تحضير نفسها وما هي إلا دقائقٌ حتى غادرت المنزل نحو السيارة.

جلست في كرسي السائق ثم قامت بإشعال المحرك في حين تحتسي رشفاتٍ من الشاي المنكه داخل كوبٍ ورقي، وما إن فرغت من الاستمتاع بمذاقها حتى انطفأت السيارة على نحوٍ مفاجئ كما فعلت بالأمس في طريق العودة. ولكن لا يبدو هذه المرة أنها ستعبر بهما مترًا واحدًا كما يبدو. جربت أن تشغلها مرارًا وتكرارًا حتى نالها اليأس فترجلت منها وراحت ترفع الغطاء المعدني في المقدمة حتى تلقي نظرة عن كثب.

صدرت عنها تنهيدة ملؤها الضيق فمثل هذه المواقف لا تليق بها على الإطلاق، ثم ليس هذا الوقت المناسب للتوقف وخسارة الدقائق الثمينة المدخرة لزحام السير، رفعت رأسها وكانت في نيتها أن تنادي أباها إلا أنها عوضًا عن ذلك وجدت أنظارها تنجذب لمشهدٍ غير متوقع على الطريق المعبد.

جسدٌ متين وأرجلٌ مهرولة تكاد تمر من جانبها، أما تلك العينان الحادتين فلم تستطع تمييزها فورًا مثلما فعلت هي، وحينما تحقق الاصطدام تحولت نظراتها نحوه للقلق والفزع فتحاشته بواسطة الغطاء المعدني وتلفتت إلى باب المنزل لتتفقد أباها ولكنه على نحوٍ مريب لم يأتي حتى هذه اللحظة. في تلك الأثناء أتى صوت مزلزل ليبغتها من الوراء وهو يقول:
- صباحُ الخير.

تلفتت لتجده، ذاك الجار غريب الأطوار والطباع بقامته المثالية التي تزداد طولًا عنها بنحو الثمانية عشر سنتيمترًا، تلك البدلة الرياضية الزرقاء ببنطالها القصير الذي يصل عن حدود ساقيه، وسترتها ذات الأكمام الخفيفة والطويلة في ذات الوقت، لم تكن تصدق أن هنالك من يحتمل ذلك في مثل هذه الأجواء. بتعابيره الهادئة والخالية من الإحراج تساءلت ماذا يريد منها بالضبط! أو كيف له أن يتناسى ذاك الجدال ويتصرف وكأنما لم يحدث بينهما شيء. لكنها لم تكن تملكُ تلك الوقاحة في التصرف بحيث تترفع عن إجابة التحية ولو وسط غيظٍ مكبوت. وإذ على الفور يطلق سؤاله قائلًا:
- ما الخطب؟ هل أنتِ بحاجة للمساعدة؟

كانت لترد بالنفي القاطع لولا قدوم السيد علي في تلك اللحظة، ووقوفه بجانبها متساءلًا عن حال السيارة بتعابيرٍ متعجبة فأجابته:
- لقد توقفت مجددًا كما فعلت بالأمس، ربما بسبب البطارية.

في تلك الأثناء فقط لاحظ الأب وجود نزار بالقرب منهما فابتسم بإحراج حينما تلقى تحية منه، بدا ذلك واضحًا من خلال رده. وعندها تراجعت أمل بيديها المتسختان ببعض الغبار فلا رغبة لها بتلويث ملابسها الآن، وقررت أنها ستدع الأمر لهما ليجدان حلًا له. دخلت إلى البيت وغسلت يداها جيدًا ثم عادت لتجد أن ابن الجيران قد تولى زمام الأمور بالفعل. مرت دقائق وهي متكئة على باب السيارة الخلفي قبل أن تسمعه يقول بعد أن قد قامته وأطلق تنهيدة قصيرة:
– يبدو بأن الخلل يكمن في شماعات الاشتعال. يجب أن نقوم باستبدالها. حسنًا هذا يحتاج إلى بعض الوقت.

كان السيد «علي» يغطي نصف وجهه بباطن الكف بينما النصف الأخر تغمره الحيرة، وقد مرت ثواني قليلة قبل أن يستطرد:
– لا يمكننا أن ننتظر إلى حين استبدالها فقد تأخر الوقت.

عند ذلك استقامت أمل ثم تلفتت بسرعة لتقوم بفتح الباب وانتشال معطفها والحقيبة بينما تطلق:
- هيا، علينا أن نستقل سيارة أجرة.

ليأتي رد أبيها سريعًا وهو يقول:
- حسنًا، هيا بنا.

بعد أن أقفلت السيارة سارت أمل حتى توقفت على مقربة منه، بصرها بكل حزمًا يتفادى النظر إلى جارهم، وقلبها يترقب قدوم اللحظة التي سينصرفان بها هي وأبيه بشوقٍ حقيقي أخذ في تزايد إلى أن أتت تلك الصاعقة واهلكته. كان ذلك حينما استهل نزار قائلًا:
- مهلًا! دعوني أحضر السيارة وأقوم بتوصيلكم.

شعر السيد علي ببعض الإحراج فأطلق معارضًا:
- لا نريد أن نكون عبئًا عليك يا بني، يكفي ما فعلته لأجلنا شكرًا لك.

- أنا لم أفعل شيئًا على الإطلاق يا عماه، وليس هنالك ما يشغلني الآن، انتظروني قليلًا لأحضر السيارة.

لم يخطر هذا على بال الطبيبة أمل إطلاقًا، لم تتخيل أن يكون الحل الوحيد والأخير للخروج من مأزقها على يده مستحيل. وقد صارت تعتقد بأنه لا يتذكر شيئًا مما جرى، كأنما جزءًا من ذاكرته قد تبخر، إذ كان من المفترض له أن يتجنبها ويتجاهلها في أي مكانٍ وتحت أي ظروف وليس أن يمد يد العون بسخاء.

لا تجد لأفعاله هذه سوى تفسيرًا منطقيًا واحدًا وهو أنه لا يرى فيما تفوه به أية خطيئة تذكر. أنه لا يحمل ذنبًا يقيده أو يجثم على قلبه لإساءته لها وجرحه لمشاعرها الرقيقة وهذا ما زادها نقمًا.

غاب عنهما لزمنٍ قصير وعاد وهو يقود سيارة جديدة الطراز، رباعية الدفع، يتألق هيكلها كأنما لم تمس منذ زمنٍ طويل في منأىً عن الغبار والأتربة. صعد أباها بجانبه بينما ترددت هيا قبل أن تمد يدها نحو المقبض لفتح الباب والجلوس بالخلف من حيث كان والدها، اراحت معطفها الطبي فوق فخذيها حتى تبقيه في حالة سليمة، ثم قررت أن تلتزم الصمت المطبق ومطالعة الطريق إلى حين وصولها إلى مقر عملها هكذا لن تشعر بالإحراج أو الخجل.

إلا أنها ولطول الطريق وتعثره راودتها لحظاتٍ من السهو لبعض ما يحيطها مستكشفة إياه بشرود بينما كان أباها يتبادل أطراف الحديث معه أو بالأصح يدفع نزار إلى مشاركته الحديث مرغمًا. انتقلت عيناها لتطالع المرآه الأمامية التي تعكس جزءًا من ملامحه، عينه اليمنى بالتحديد تبدو كما في السابق هادئة وفي ذات الوقت قلقة ومتكدرة، أنها تتفهم موقفه الآن لقد تعرض إلى حادث شنيع فيما مضى ونجى منه بمعجزة فليس من العجيب أن يشعر بالتوتر أثناء القيادة غيره كان ليصاب برهابٍ يمنعه حتى من صعود السيارة.

حقًا أن المرء يستشعر النظرات الموجهة إليه خلسة لا سيما لو امتدت لوقتٍ طويل. لقد لاحظها ونظر إليها مثلما فعلت كان هذا لبضع ثوانٍ لا أكثر فكان عليه أن يبقي عينيه على الطريق. وبعد عدة منعطفات توقفت السيارة أمام وجهتها فخرجت مسرعة دون النطق بحرف على خلاف العادة؛ إذ لم تستطع أن تتشكره وهي لا زالت تذكر كلماته من تلك الليلة فقط حينما ترجلت اكتفت بمنح والدها ابتسامة دافئة. ولحسن الحظ مضى نهار العمل سريعًا من دون متاعب أو مشاق، عادت إلى البيت برفقة أبيها وزميله من العمل وقد كانت ممتنة لكل هذا وسط الأجواء الحارة أن تصل في أسرع وقتٍ ممكن لكي تحظى بكوبٍ من الماء البارد، ووجبة شهية، وقيلولة هنيئة. وضعت رأسها على الوسادة وجعلت تسترجع الأحداث من نهار اليوم وتطرح التساؤلات على نفسها.

تتصور لو لم يأتي والدها في تلك اللحظة ماذا كانت ستفعل، هل ستقبل المساعدة منه أم سترفض نقمًا وثأرًا لكبريائها الجريح، أم ستكتفي بالنظر إليه شزرًا وإعراضًا بمؤخرة عينها ثم تنصرف عنه. أنها لا تعلم، ولعلها لن تفعل ما دامت لم تعايش تلك اللحظة من جديد. ولكن بوسعها على الأقل أن تخلد للنوم براحة تامة لكونها لم ترتكب جرمًا أو فعلًا طائشًا.


***


يا لها من سعادة خفية نابعة من الأعماق تنتابها كلما استوقفتها اللقاءات به صدفةً، ويا لها من خيبة وقنوط يمتلأ به فؤادها لا تصده سوى قدرتها الفائقة على الاحتمال في كل يومٍ يمر من دون أن تراه. ولكن الشيء الوحيد الذي لا تفهمه كونها كلما أوشكت على نسيانه تمامًا يعود لينعش ذاكرتها كما لا يود منها أن تنساه.

وهذه المرة حينما تلقت صباحًا رسالة نصية منه عبر البريد الإلكتروني واتصالًا هاتفيًا من والدته تطلب منها المجيء إلى بيتها كي تستلم بطاقة التعريف الخاصة بها والتي لا بد وأنها قد سقطت من جيب المعطف وانتهى الأمر بها في أرضية السيارة دون أن تشعر لشدة ارتباكها. شعرت بالخجل الشديد من نفسها ولكن سرعان ما تداركته بارتداء العباءة السوداء والخمار العاجي الذي تتخلله بعض النقوش الملونة. كان الوقت حينئذ مناسبٌ لمثل هذه الزيارة القصيرة. كان كل ما يلزمها أن تتأكد من وجود السيدة ربيعة في المنزل وما إذ كانت لا تمانع مجيئها.

وعلى تمام الساعة الخمسة والربع كانت أمام البوابة الحديدية التي تقود إلى الفناء الجانبي للفيلا، حاملة بين يديها طبق مغطى يحوي قطعًا من حلوى البسبوسة، رفعت قبضتها لتدق الباب بتهذيب فيما عينيها تعنقان بلاط الرصيف في حياء، وتلك اللمحة من التوتر التي تحتلهما أخذت في التفاقم مع سير الثواني وهي متسمرة دون إجابة لطرقاتها المتقطعة والخجولة.

وفي اللحظة التي كادت أن تتراجع فيها انتبهت إلى جرس الإنذار الذي كان معلقًا على جانب الأيسر من الجدار، فتنهدت قبل أن ترفع أناملها الرشيقة لتضغط فوق الزر، بينما أخذ لسانها يتلفظ بعبارات التهكم والسخرية من حالة التيه والضياع التي أصابتها.

وتوقفت حينما توافد إلى مسامعها ذاك الوقع البطيء لإقدام السيدة ربيعة فإذ بها تقبل من خلف البوابة وهي مبتسمة بحبورٍ وبشاشة وكأن الربيع قد أقبل على بابها، دعتها للدخول فأبت في أول الأمر لكونها كانت تخطط لاستلام البطاقة ومنحها الطبق الذي تحمله تعبيرًا على مدى امتنانها.

- يجب أن تدخلِ، لن أقبل بغير ذلك، ولن أمنحكِ إياها إلا إذ شاركتني فنجانًا من القهوة.

ألحت السيدة ربيعة في دعوتها للدخول فما كان منها إلا أن تخضع لرغبتها قائلة وسط ابتسامة:
- حسنًا لا بأس.

تأملت الفناء ذو المساحة المتوسطة والمكتظ بأصص الزرع المتنوعة، كنباتاتُ الزينة الملونة والأعشاب العطرية، وأخيرًا عند الزاوية اليسرى كانت شجره العنب المتسلقة نحو الأعلى والمتدلية فروعها وأوراقها فوق الشبكة المعلقة من الحديد. شعرت بالسير أسفلها بأنها وسط حديقة صغيرة وساحرة. أفاقت من غمرة التأمل على صوت الجارة وهي تتساءل بخيبة:

- لما لم تأتي والدتك؟! ظننتها ستأتي معك.
- أنها مشغولة بعض الشيء. واوصتني أن أبلغ لك سلامها.

ثم صعدت برفقتها عتبات الدرج القصير المؤدي نحو الباب الخشبي الثقيل للمنزل، فدخلت برفقتها وسارت خلفها بخطواتٍ رقيقة ومتمهلة إلى أن توقفتا عند الردهة المؤدية لغرفة الاستقبال وعدة غرف أخرى هنالك رأتها تشير بيدها نحو اليسار قائلة:
- تفضلي بالجلوس، سأعد قهوتنا ثم ألحق بك.

أخذت تراقبها وهي تكمل طريقها نحو الأمام بوهن، لا تبدو بأفضل حالاتها، لربما تعاني من توعكٍ بسيط أو تخفي ما هو أعظم من ذلك عبر التظاهر بالعافية. أرادت أن توقفها وتعتذر عن شرب القهوة لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة ليقينها بالفشل.

لحظاتٌ واختفت من أمام ناظريها فأرادت أن تدخل تلك الحجرة الواسعة إلا أن شيئًا ما شد انتباهها كثيرًا غير الأثاث الفاخر والمقتنيات العريقة والمميزة التي تحيط بها، فمكثت تحدق به عن بعد، تلك الصورة المعلقة التي تجمع بين الأبناء الأربعة وهم صغار وأباهم الجالس في المنتصف.



استطاعت أن تميز إحدى الفتاتين والتي تدعى «رويدة» متزوجة منذ زمن ولديها أطفال، أما الأخرى فلم تكن تبدو مألوفة كثيرًا بالنسبة لها. انتقلت بعدها لتطالع تلك الابتسامة المضيئة والقامة الأطول بين الأبناء، لا بد وأنه نزار فملامحه أيضًا تقر بذلك. أسفل الصورة كان هنالك شهادة تقدير مبروزة اقتربت لتتفحصها عن قرب لترى أنها تخص أباه، السفير السابق لدى دولة كندا.

اكتفت بهذا القدر فهي لا تريد أن تأتي السيدة ربيعة وتجدها لا زالت متسمرة وتحدق في الحائط، ليس هذا من الأداب والأخلاق التي تربت عليها غير أنها تجد عقلها دون إرادة في حاجة ماسة للاستكشاف والتحري، فحياة الابن الأكبر لهذه العائلة المرموقة يشكل لغزًا غامضًا تود لو تجد له حلًا.

اسرعت في الجلوس فوق الكنبة وانتظرت قدوم السيدة حاملة بين يديها سفرة فضية اللون براقة تحوي فنجاني القهوة وكأسًا من الماء وصحن كريستالي بداخله حلوى البسبوسة.

- هل أنتِ بحاجة لسكب المزيد من السكر؟ فقد وضعت القليل بها. المعذرة، كان على أن أسئلك.

انطلق ذاك السؤال من فاه السيدة بعد أن ناولتها الفنجان، ولمحت شفتاها ترتشفان القهوة وتستطعمها. فردت أمل قائلة بلباقة ورقي:
- لا بأس أنها جيدة، أنا أيضًا أحبها هكذا. سلمت يديكِ.

فتقوست شفتا الأخرى في ابتسامة لتقول:
- أنتِ أيضًا. مذاق البسبوسة رائع للغاية.
- يسرني أنها أعجبتكِ.

أحنت رأسها لتطالع الفنجان ذو الطراز الكلاسيكي المميز لم ترى كيف ظهر أثرٌ طفيفٌ للمكر على ابتسامة السيدة ربيعة قبل أن تردف قائلة:
- ستُعجب نزار أكثر مما فعلت فهو يحب الحلويات بجميع أصنافها، كما أنه لا زال شابًا باستطاعته تناول الكثير منها على عكسنا.

لقد اجتاح الحر جسدها، وشعرت بكمٍ هائلٍ من الإحراج والخجل لم تتداركه ولم تستطع بعده أن تنبش بكلمة واحدة إلى غاية أن قطع الصمت سؤال السيدة وهي تقول:
- هل عادت سيارتك لتعمل جيدًا؟

هنا استذكرت أمل ما جرى بعد يوم الحادثة وكيف تولى نزار استبدال الشماعات بأخرى جديدة دون الحاجة لجرها إلى إحدى الورشات، ولكنها تجنبت أن تمتدحه أمام والدته التي لا زالت متأملة ومترقبة لردها بتوقٍ شديد، فتزداد رغبتها في لَم شملهما لذلك اكتفت بالقول:
- الحمد لله. عادت لتعمل بشكلٍ صحيح.

«هذا جيد» توارد صوتها هذه المرة يشوبه التعب والإعياء فانعش ذاكرتها حول الاعتقاد الذي استنبطته منذ زمنٍ ليس ببعيد ما دفعها للسؤال:
- يبدو عليك الانهاك والتعب! هل أنتِ بخير؟!

فرأت كيف برزت مقلتيها وتوسعتا، واستعادت قناع التظاهر مجددًا مزيلة كل أثارٍ للوجع الذي تدسه لتستطرد بعدها:
- أجل أنني بخير، أعاني من صداعٍ طفيف سيزول عن قريب فقد أخذت مسكنًا للآلام.

تنهدت أمل بيأسٍ وقلقٍ قبل أن تسألها:
- لا يبدو لي أنه مجرد صداع. هل ضغطك مرتفع؟ هل أخذت دواءكِ؟

- أجل لقد أخذته في موعده.
- هل لديك جهاز قياسٍ زئبقي؟ دعينا نتأكد بأنكِ على ما يرام.

اكتسح الحزن تعبير السيدة ربيعة، اخفضت رأسها واحتارت بما تجيب وهي تواجه كل ذلك الإصرار من طرف ضيفتها. ولكن جرعة قليلة من المصارحة لعلها تكفي.

- ليس لدي الآن أنه بحوزة ابنتي تمت خللٌ به. لا تشغلِ بالك أنه مجرد صداع لا أكثر، وإذ ظل على حاله سأخبر نزار أن يقلني إلى المشفى حسنًا؟ لا داعي للقلق.

- حسنًا. وأنا سأمر عليكِ غدًا إن شاء الله لأطمئن على حالك. أرجوك أن تهتمِ بصحتكِ فهي ثمينة للغاية.

فأومأت برأسها ثم استأنفت شرب قهوتها في هدوءٍ تام. وما هي إلا دقائق حتى أقرت أمل برغبتها في الرحيل فاستلمت منها البطاقة وغادرت المنزل ممتنة ومتشكرة. وحينما حل الليل وضجعت فوق الفراش باكرًا لشدة احتياجها للراحة، شرعت في كتابة رسالة إلى نزار عبر البريد الإلكتروني تقول فيها: «ربما تعاني والدتك من ارتفاعٍ بضغط الدم، عليك أن تعتني بها، اصطحابها إلى المشفى لإجراء بعض الفحوصات» ما إن انتهت من كتابة النص حتى لاحظت بأن حسابه مغلق منذ الليلة الماضية، ربما لن يقرأ رسالتها في وقتٍ قريب ولكن رأت أن من واجبها تبليغه. وفي اليوم التالي خرجت في ذات الموعد لأجل أن تتفقد حالها وتفي بوعدها، فهي لا تخلف وعودها قط. هذه المرة كان في استقبالها الزوج وقد كان يبدو أفضل حالًا مما كان عليه أخر مرة راته فيها.

- السلام عليكم.

بدا عليه السعادة الشديدة لرؤيتها وهو يقول:
- وعليكم السلام، أهلا وسهلا بالدكتورة.

ابتسمت بحياءٍ ثم أطلقت سؤالها:
- أين الخالة ربيعة؟ هل هي موجودة؟
- لقد ذهبت للنوم قبل ساعة، سأذهب لأيقظها. أرجوك تفضلي بالدخول.

ولكنها فضلت البقاء في فناء المنزل ريثما تتأكد بعد أن غاب عنها السيد، أمام تلك اللوحة الجميلة التي نالت استحسانها. ثم تساءلت في سرها عن نزار، لا تجد له أثرٌ في البيت وهذا ما يدفعها للتساؤل عن مكانه ثم إلى الاعتقاد بأنه يقضي الوقت بالخارج أكثر مما يقضي برفقة والديه. ولكن ألا يشعر بأن والدته مريضة وبأن واجب الاعتناء بها يقع على عاتقه! وربما حان الوقت للتراجع عن ظنونها فهي لا تريد أن تسيء الظن به فتقع في الذنب.

مضت دقيقتان دون أن يأتي أحدًا منهما، لقد بدأ القلق يتوغل إلى قلبها شيئًا فشيئًا حتى تحقق حينما أت السيد حاملًا معه ذلك الخبر السيء:
- أنها شبه عاجزة على النهوض من الفراش، أرجوك يا ابنتي تعالي لتريها.

اسرعت في صعود الدرج والتوجه إلى الغرفة التي أشار إليها السيد، لحظة وصولها توقفت في عتبة الباب بعينين متوسعتين ولسان معقود، ضربات قلبها لم تهدأ إلا حينما رأتها وهي في درجة جيدة من الوعي متكئة بظهرها على مسند السرير. ثم وهي تمد ذراعها اليسرى ناحيتها راحت تنبش الحديث بوهن:
- تعالي يا ابنتي. تقدمي.


فتقدمت ووضعت جهاز القياس فوق الطاولة المجاورة للسرير، أخرجت سماعة الأذن وباشرت عملها دون النطق بكلمة. لم يستغرق الأمر منها دقائق جعلت خلالها تتفحص ضغط دمها وضربات قلبها حتى أضاءت عيناها بمفاجأة تقول:
- يجب أن نذهب إلى المستشفى حسنًا، أرتدي ملابسك حالًا، هل ابنك موجود؟

فردت بنبرة ضعيفة:
- كلا...

أخذت أمل تفكر لبعض الوقت وتدرس الأمر في عقلها جيدًا قبل أن تردف:
- حسنًا سنذهب سويًا. سأقوم بجلب السيارة في الحال. أما أنتِ فتجهزي أخبري ابنك بأننا سنذهب إلى المشفى.



إيماءة ضعيفة ومنهكة من رأسها كانت كافية لحث أقدامها لمغادرة الحجرة. وحينما عادت إلى بيتها وجدته خاليًا من أهله وهذا ما سهل عليها العودة بأقصى سرعة ممكنة. فإذ كان والديها هناك لأصبح الأمر صعبًا ولكان عليها لزومًا أن تقر بما حدث وإن فعلت فهي لن تستطع أن توقف نوبة الاضطراب والخوف التي ستعصف بهما لهذا هي جد ممتنة.

لحظة توقفها أمام البوابة خرجت لأجل أن تساعد السيدة لكي تجلس في المقعد الأمامي، في حين جلس زوجها الذي أصر على الذهاب بصحبتهما في الخلف. نصف ساعة من التوتر مرت عليها قبل أن تقطع أخيرًا بوابة المشفى حيث توجهت حالًا نحو مدخل الإسعاف.

***

نلتقي في جزءٍ جديد بعنوان《ربيع القلوب》


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 05-06-21, 02:12 AM   #26

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الفائت إهداء إلى("Wafaa elmasry")💕⚘
شكرًا لوجودكِ بالقرب عزيزتي وأرجو أن يعجبكِ الجزء.

كما اعتذر لكل متابعين الراوية على عدم النشر بالأمس لظروف طارئة لم استطع التنزيل فيها. نلتقي في جزءٍ جديد وأحداث محورية محمسة جدًا سننتقل معاها إلى مرحلة مختلفة تمامًا. استودعكم الله ⚘


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 05-06-21, 11:18 AM   #27

Wafaa elmasry

? العضوٌ??? » 427078
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 233
?  نُقآطِيْ » Wafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ك.خديجة القطوس مشاهدة المشاركة
الفصل الفائت إهداء إلى("wafaa elmasry")💕⚘
شكرًا لوجودكِ بالقرب عزيزتي وأرجو أن يعجبكِ الجزء.

كما اعتذر لكل متابعين الراوية على عدم النشر بالأمس لظروف طارئة لم استطع التنزيل فيها. نلتقي في جزءٍ جديد وأحداث محورية محمسة جدًا سننتقل معاها إلى مرحلة مختلفة تمامًا. استودعكم الله ⚘
شكرا جزيلا لاهدائك الرقيق أسعدنى كثيرا
كان جزء اليوم رائعا و جميلا بحق و يبدو أن الأحداث ستزداد عمقا و إثارة لنظل في ترقب دائم لها
أتمنى لك دوام التوفيق


Wafaa elmasry غير متواجد حالياً  
قديم 07-06-21, 06:24 AM   #28

زهرورة
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 292265
?  التسِجيلٌ » Mar 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,283
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » زهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

مبرووك روايتك ..بصراحة اسلوبك جميل والرواية مشوقة ياترى حيحصل ايه بين امل ونزار وهو احسه بيقرب وبيبعد مش عارف هو عاوز ايه ياترى هل السبب الحادث الي حصله ..منتظرين الاحداث بشوق ودمتي بخير

زهرورة غير متواجد حالياً  
قديم 07-06-21, 01:22 PM   #29

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرورة مشاهدة المشاركة
مبرووك روايتك ..بصراحة اسلوبك جميل والرواية مشوقة ياترى حيحصل ايه بين امل ونزار وهو احسه بيقرب وبيبعد مش عارف هو عاوز ايه ياترى هل السبب الحادث الي حصله ..منتظرين الاحداث بشوق ودمتي بخير
💕
شكرًا لكِ عزيزتي ⚘
سعيدة لسماع ذلك فما يهمني أن تكونوا متشوقين للأحداث القادمة التي سنتكتشف عن تساؤلاتك شيئًا فشيئًا. دمتِ بعافية. 😘


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 12-06-21, 09:27 PM   #30

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الخامس – ربيع القُلوب –

ثائرٌ وقلق يود لو يفر من قطبان قفصه، دقاته العنيفة تتوالى بضجيجٍ يطن الأذان. بذاك القلب المرهق عبر الممر حتى توقف على بعد خطواتٍ من الحجرة الواسعة، التي تقبع بداخلها والدته برفقة مريضاتٍ أخريات، ثم تقدم ببطءٍ حتى بلغ الباب الذي يكاد يكون مغلقٍ، وبأصابع يده اليسرى أحدث شقًا كافيًا لأخذ جولة حول المكان بعينيه.


فلمح بعد تمعنٍ دقيق ظهر أبيه العريض وهو يغطي على ملامح زوجته المستلقية فوق السرير، ثم على الجانب المقابل كانت تلك الطبيبة الحسناء متسمرة بالقرب، وكان باستطاعته أن يلاحظ حركة يدها البطيئة وهي تمسد ذاك الكف المغطى بتضاريس الزمان بحنية بالغة.


لم يكن نزار في ذلك الوقت لينكر حقيقة أنها خلقت في جوفه مزيجٍ غير متناسقٍ من العواطف المتضاربة عسيرة على الفهم، فرؤيته لتلك العينين الدافئتين باتت تسره حقًا، وهو ويود لو يظل يتأملها على الدوام، إن لم يكن حريصًا على قلبه من أن تصيبه حرارة التعلق أشد الحرص، وهو ليس مغفلًا إلى الحد الذي يصطحب فيه قلبًا محبًا على متن الطائرة، فكر أنها ستكون أسوأ جريمة يرتكبه بحق نفسه لو فعل.


وما داما يحتفظ بذات القدر من الشوق والإصرار نحو العودة إلى حياته السابقة وحيدًا، عليه أن يتطلع إلى تلك اللحظات لا لشيءٍ أخر. وعليه نسيان أنه على نحوٍ ما يكره الطريقة التي تسير بها الأمور بينهما، نحو اللقاءات المستمرة والغير متوقعة.


لم يدرك أنه قد استغرق وقتًا طويلًا في التفكير بالأشياء، بالقلق مما يحدث وتحميل نفسه الذنب فيما أصاب والدته. حتى انكشف النور، وتلاشت ظلمات الشرود والتفكير، في تلك اللحظة التي أتت فيها إحدى الممرضات لتسحب الباب وتتفاجأ به متسمرًا يسد طريقها، فلم تكبح لسانها على الاحتجاج عليه بعنفٍ قائلة:
– عفوًا! لا يمكنك التوقف أمام الباب بهذا الشكل.


فتراجع نزار على الفور بخطواتٍ إلى الخلف فاسحًا لها المجال للمغادرة، فنبرة صوتها المرتفعة بعض الشيء كانت كفيلة لجعله يستعيد رشده، والأكثر من ذلك لقد شدت انتباه أمل للمشهد، ثم انتباه والديه اللذان قد باشرا للتو في التحدث إلى بعضهما البعض.

فما كان منه إلا أن عبر الباب وتقدم يمينًا بعجلة نحو العينين المضاءتان بنور اللهفة، والحضن الدفيء الذي كان في استقباله برحابة متناسيًا الأوجاع.

– أمي ما الذي حدث؟ ما بكِ؟!

رفع رأسه بعد حين وهو يستشعر خفقان قلبه بشدة، وارتعاش يديه وربما جسده كاملًا، لم يكن نزار يجيد إخفاء حزنه ومدى ضعفه حينما يتعلق الأمر بوالدته، ولا شيء جعله عاجزًا على اقتحام الصمت بسرعة غير خوفه من رؤيتها بهذا الشكل. ولحسن الحظ جاءت تلك النبرة الحنونة منها لتدخل في قلبه بعض الاطمئنان وهي تقول:
– أنني بخيرٍ يا بني أرجوك لا تقلق.


تزامنًا مع ذلك لقد لمح نزار بطرف عينه التي أجهشت وغلب عليها لمعان الدمع، ابتعاد الآنسة أمل وهي توجه كلماتها الأخيرة نحو السيد علي بصوتٍ خفيض أسر:
– إن شاء الله لا بأس عليها وتعود بأفضل حال.

وحينما قد قامته، وأزاح تلك الأثار الطفيفة للحزن على عينيه كانت قد غادرت تمامًا، عبر عن استياءه الضئيل بزفرة قصيرة لم تدوم، إذ كان حقًا يخطط لأن يقر بمدى شعوره بالشكر والامتنان؛ لاعتنائها بوالدته واصطحابها كل هذا الطريق إلى المشفى، ولكنه فكر بأن هذا الأمر يحتمل التأجيل إلى حين الاطمئنان الكلي على صحة السيدة ربيعة وبعد العودة إلى البيت حيث الأجواء ملائمة للتحدث.

رأى أن الواجب ينديه نحو أن يكون ولدًا بارًا في أخر أيام الزيارة الطويلة، قلبه المهموم لم يعد يتسع إلا لمشاعر المحبة والتقدير لهذه المرأة بجانبه، ولا شيء كان يبدو مهمًا بقدرها.

إلا أن تلك النظرات الذابلة على محياها، والرامية إلى معانٍ عدة كانت تشبه الصدمات الكهربائية في خلقها حلًا أخيرًا ينتشله من حالة الإغماء التي تصيبه، فيبتعد مستأذنًا منهما، ويقطع الممرات ركضًا إلى محطة السيارات سعيًا للحاق بالآنسة أمل قبل فوات الأوان.

وقد كان شيءٌ ما مجهول الهوية بالنسبة له، يدفع قدميه للتحرك وعيناه للبحث عنها في الأرجاء. يمضي به على ألا يلتفت للصعوبة التي يواجهها في ظل وجود عدد كبير من السيارات، وبعض الأشجارٌ الصنوبرية المتفرقة.


ولا يعلم أي حظٍ يملكه حتى استطاع رؤيتها وهي على وشك الذهاب. هرع إليها وتوقف أمام نافذتها، قرع الزجاج وراح يستطرد من بين أنفاسه الثقيلة:
– مهلًا انتظري!

لم تصدق أمل أذنيها في بادئ الأمر، فتلفتت نحو النداء بعينين متسعتين أصابهما الذهول لحظة رؤيته. أنزلت الزجاج قليلًا ثم تساءلت في حيرة عارمة:
– ماذا هناك؟

سرعان ما قرر التخلي عن مبادئه وحملق فيها برجاءٍ طفيف، لم تواجه أيه صعوبة في الإحساس به لا سيما من خلال سؤاله بكياسة وحذر قائلًا:
– هل يمكننا أن نتحدث قليلًا؟

تراقصت أهدابها الكثيفة بوتيرة عالية دلالة على بلوغها منتهى الحيرة والاندهاش، كانت تريد أن ترفض طلبه ولكنها في ذات الحين فكرت أن سماع السبب الذي قاده للحاق بها أمرًا مشوقًا. وحتى إذ أردت أن تتصرف على نحوٍ فظ ومتغطرس لقد تعثرت الحروف، واختنقت الكلمات، حضوره القوي كان له تأثيرًا واضحًا في جعل امرأة حكيمة مثلها تجيد فنون الرد عاجزة على فعل شيءٍ في مواجهة طلبه.


وضعت حقيبة الكتف ثم ترجلت من السيارة لتسير معه قاطعة الطريق إلى حديقة الزيارة المعشبة. وبخطىً بطيئة تمشت بجواره فوق البلاط الأبيض، حينئذٍ أطلق قائلًا بعرفان:
– شكرًا لكِ، لا أعلم ماذا كان سيحدث لولا وجودك.
– أنه واجبي.

كالعادة كانت تستحي من أي لحظة تتلقى بها ثناءٍ عن تصرفاتها العفوية النابعة من فطرتها السليمة كطبيبة. وما زاد الأمر سوءًا كان تركيزها الشديد حول ما حدث ولا زال يحدث بينهما الآن، لا تذكر بإية فرصة أنها قد تشاركت معه السير والنقاش بمفردهما، ليس أن يعرض بمحض إرادته وتوافق هي بمحض إرادتها الأمر الذي جعل منها بعض الشيء محمرة خجلًا.


ولكن لا يبدو بأن نزار قد لاحظ شيئًا من ذلك في غمرة التفكير بما حدث مع أمه، عبر لها عن شعورًا عظيمًا بالاستيحاء يراوده جراء جهله بتدهور حالتها الصحية، وكيف أن لا أحد من عائلته قد لاحظ هذا الأمر، وهنا تأكدت لها الشكوك وصارت على يقينٍ من تخميناتها حول تصرفات السيدة ربيعة، مما جعلها تردف:
– اعتقد بأن والدتكِ أردت أن تخفي عنكم جميعًا ما تعاني منه، حتمًا لم تود أن تجعلكم قلقون.


لم يكن هذا الاعتقاد بعيدًا عن مخيلته هو الأخر، كان فقط ينتظر إجابة كتلك وافية لا تدع مجالًا للشك في نفسه. لقد أخذه الانشغال بترتيبات السفر، ورغبته في الفرار من الأجواء المحتقنة داخل البيت لقضاء وقتٍ أطول بالخارج.

قبل أيامٍ عدة أصبح يدوم على أداء التمارين الرياضية المعتادة في كل صباح، وأخر أوقات الظهيرة بعد الغداء كان يخرج للتجوال أو لفنجانٍ فاخرٍ من القهوة في أحد المقاهي محاطًا برفقة قديمة.


لم تكن لديه إي نية للتراجع عن قراره قبل وقتٍ قصير، وهو لا زال غير متأكدٌ ما إذ كان سيقدم على ذلك الآن بعد الذي حدث، ولكنه على الأقل يمكنه الاعتراف والقول بأن والدته قد كانت محقة بشأن هذه المرأة التي تسير بجانبه، أنها بالفعل جوهرةٌ كريمة نبيلة في الحسن. وليست امرأة عادية.

– بت أعلم الآن لمَ والدتي تحبكِ بهذا القدر، أنتِ إنسانة طيبة وخلوقة ومجتهدة في عملك أيضًا.

تلفتت أمل إليه بتعابيرٍ يغشيها الذهول، كأنما تساءله عن السبب الذي دعاه إلى قول هذا. أنها تتفهم رغبته في إبداء الشكر ولكن ليس إلى غاية المديح، إلا إذ كانت تلك مقدمة لكلماتٍ أخرى أشد تعقيدًا.


أصرفت نظرها عنه بعيدًا حتى لا يرى تعابير وجهها، بالكاد تخلت على نيتها في ايقاع نقاشٍ حادٍ حول التناقض بين تصرفاته السابقة وكلامه الآن الذي يبدو لها محض مجاملة.

كان نزار لأول مرة في تراقبٍ لابتسامتها الساحرة، وحينما لم تأتي عرف أن تمت خطبٌ ما. تجاهلها له على هذا النحو يبدو بأنه يخفي سببًا قويًا وراءه. وأي شيءٍ هو غير تلك المشاجرة.

لم يكن التنازل عن جزءٍ من كبريائه خيارًا سهلًا، لكنه أقدم عليه على أية حال حينما أردف وعينيه مصوبتان للأمام بخلو:
– أعتذر عما بدر مني تلك الليلة.

أخفضت أمل رأسها ثم أجابت بطريقة مشابهة:
– لستَ بحاجة للاعتذار.

بعد ذلك توقفت خطواته فجأةً، أدركت أمل هذا سريعًا فتوقفت هي الأخرى، استدار إليها ثم أطلق برزانة:
– إذًا ما الذي تعنيه هذه التعابير والتصرفات؟! صدقيني أنتِ ليست بحاجة لإخفاء مدى نقمك علي، كما لم تكونِ مجبرة على مشاركتي هذا الحديث فقط لأنك تستحين من الرفض.

لم تنبش بحرف، ولم تستطع أن تخبره بأنه محقٌ في ما قاله، بالطبع لم تكن لتفعل حتى لا تبدو في عينه امرأة مثيرة للشفقة ما إذ فسر تصرفها خوفًا منه لا أسلوبًا تتبعته مع أغلب من يسيء إليها. ولقد أخبرها أن عليها الاستماع إلى السبب الذي جعله يبدو في نظرها رجلٌ متعجرف لا يكترث لشيءٍ سوى أهدافه ورغباته الخاصة. واثقًا بأنها ستجده منطقيًا ومقنعًا إلى حدٍ كبير.

فتساءلت بفضولٍ حقيقي:
– ما هو؟ أخبرني.
– ليس الآن، لا الوقت ولا المكان مناسبان. يجب أن نلتقي مرة أخرى في أي وقتٍ يناسبك، فقط أخبريني.

فلم تفكر أمل كثيرًا قبل أن ترد قائلةً:
– حسنًا.

ثم بعد إلقاء تحية الوادع أملًا في لقاءٍ جديد مضى كل واحدٍ منهما في طريقه، عاد نزار بجوار والدته مرتاح البال، أما أمل فلم تجد الراحة في ظل تفكيرها المستمر به. وبلقائهما المقبل الذي سيكشف عن حقائق عدة.

***

يتبع...


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
حب، عشق، عاطفية، رومانسية، خذلان، غيرة، شوق، اشتياق، فراق، حنين، رومنسية،

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:18 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.