آخر 10 مشاركات
أرواحٌ تائـهـة في غياهِبِ القَدَر (الكاتـب : الـميّادة - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          [تحميل] يدري إن أسباب ضعفي نظرته يدري إني ما أقاوم ضحكته بقلم/ساكبت العود جميع الصيغ (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          لا تلمُني *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : Siaa - )           »          بحر الشك - ايفون ويتال - عدد مميز - ع.ج** (الكاتـب : حنا - )           »          56 - لأنك السعادة - سالي ونثورت - ع.ج** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          صفقات ملكية (58) للكاتبة: لوسي مونرو (الجزء الثالث من سلسلة العائلة الملكية) ×كاملهـ× (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          أزهار قلبكِ وردية (5)*مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          خادمة القصر 2 (الكاتـب : اسماعيل موسى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل تعتقدون أن خالد قد مات وانتهى دوره بأحداث الرواية؟؟
نعم 0 0%
لا 6 100.00%
المصوتون: 6. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree484Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-03-21, 11:10 PM   #181

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile8 تصميمات


ودي مجموعة من التصميمات الجميلة لبعض الاقتباسات من الفصل السادس بأنامل فاطمة محمد









شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-03-21, 02:42 PM   #182

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile8 تصميمات

ودي آخر مجموعة وصلتلي من التصميمات.. وصممتها صديقتي الجميلة مريم زهرا

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .







انتظروني غدا باذن الله مع الفصل السابع



مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-03-21, 05:26 PM   #183

نوارة البيت

? العضوٌ??? » 478893
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,845
?  نُقآطِيْ » نوارة البيت is on a distinguished road
افتراضي

بالتوفيق حبيبتي بانتظار المزيد 🖤

نوارة البيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-03-21, 08:27 PM   #184

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Icon26

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نوارة البيت مشاهدة المشاركة
بالتوفيق حبيبتي بانتظار المزيد 🖤
تسلمي حبيبتي وشكرا ع المتابعة


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-03-21, 06:28 PM   #185

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 الفصل السابع - القسم الأول

الفصل السابع

حازم


مرت حوالي نصف ساعة ببطء شديد منذ انقطاع المكالمة بشكل مفاجئ.. وكأن xxxxب الساعة تحالفت ضدي.. وضد خالد.

بعد سماعي لصوت دوي طلقات الرصاص، ظللت واقفا متجمدا بمكاني بحالة من الصدمة.. عاجزا عن التصرف وغير قادر على تحليل ما حدث بشكل صحيح..
أو ربما كنت أتخوف أن يصل توقعي لما حدث فعليا بشكل صحيح..

حاولت مرات ومرات أن أطلب خالد مجددا، وفي كل مرة كان يفشل الاتصال.. بالنهاية اقتنعت أن هاتفي قد تلف فجأة، فشبكة الاتصالات نفسها كانت منقطعة تماما مهما غيرت موقعي في المكان المحيط..

دلفت إلى السيارة وقذفت الهاتف بغضب على التابلوه المواجه لعجلة القيادة وكأنني أعاقبه على إخلاله بمهمته الأساسية في هذا الوقت الحرج.

قدت السيارة طويلا حتى شاهدت أمامي مركزا للاتصالات، فترجلت واستعرت أحد الهواتف المحمولة من مدير المتجر.. وحاولت أن أطلب رقم خالد مجددا، ولكن دون فائدة، فطلبت من عامل المركز أن يجرب الرقم الأرضي بمفتاح المحافظة التي انتقل إليها خالد.
كان الهاتف يرن بالفعل ولكن بدون مجيب.. وأنا أزداد قلقا وتوترا وعقلي يتحرك في مليون اتجاه ومليون توقع سيء.

وبينما أنا أنتظر الرد، هالني ما تم إعلانه عبر شاشة التليفزيون التي كان ينظر إليها عامل المركز، حيث كانت إحدى الفضائيات تنشر خبرا عاجلا أنه قد تم قطع كافة شبكات الاتصال المحمولة وشبكة الانترنت في عموم مصر.. ماذا؟؟

لم أدرِ بنفسي إلا وأنا أقود سيارتي بأقصى سرعة في الاتجاه المعاكس.. متوجها رأسا إلى المدينة الريفية حيث مكان إقامة خالد مستعينا بالعنوان الذي كان قد تركه لي..
فكل ما كان يدور برأسي في تلك اللحظات أن أمرا سيئا قد وقع له دون أن يجد من يمد إليه يد المساعدة..

كنت أتحرك بالسيارة بنصف تركيز وأحاول قدر المستطاع تجنب الوقوع في حادث سير، ولكن لحسن حظي لم يكن الطريق مزدحما في هذا الاتجاه،

فشردت بذهني إلى ذكريات واحد من أهم لقاءاتي الأولى بخالد، وكيف استطاع بسهولة شديدة اكتشاف حقيقتي القبيحة.

كان ذلك منذ ما يزيد عن 10 أعواما كاملة، عندما تحداني خالد في بطولة الجمهورية للملاكمة وظل يطاردني ويستفزني ويثير حنقي حتى أقاتله بشراسة بعد أن لاحظ أنني لا أطيق توجيه لكمات عنيفة ضد المنافسين..

كان جليا للجميع أنني لا أستخدم كل قوتي.. وبالفعل نفذت له أمنيته بسبب استفزازه المتكرر وجعلته يخسر البطولة بشكل مذل بعد أن تركت لمساتي الخاصة على وجهه الذي ضاعت ملامحه بفعل قوة قبضتي على الرغم من ارتدائه الخوذة الواقية.

وبعد المباراة لم يتوقف عن مطاردتي، بل عاد إليّ وقالها دون تردد أو تلكؤ..
ببضع كلمات، سحب مقبض فوهة الخندق الذي أخفيت بداخله كل كوابيسي وآلامي وعيوبي.. كل زلاتي وآثامي وذنوبي.. وأسراري المرهقة القبيحة التي كانت تأكل من روحي دون أن أستطع مقاومتها بطاقتي المحدودة.

قال لي خالد وقتها: "لا يجب عليك أن تظل صامتا.. أنا اعرف حالتك هذه.. أنت بحاجة للمساعدة".
عندها أجبته بإضطراب جليّ محاولا التمسك بقبس من سيطرة على أعصابي وكلماتي: "ماذا تقصد؟ ما الذي أحتاجه؟"، ثم أكملت بنبرة متعالية يملأها الغرور: "كما أرى، فأنت من تحتاج لمساعدة بوجهك المهشم وضلوعك المغطاة بالرضوض"، ومنحته ابتسامة نصفية مليئة بالتفكه والسخرية.

نظر لي خالد مليا وكأنه يتردد في قول كلماته التالية، لكنه زفر نفسا طويلا وبدا وكأنه حسم قراره كمن يحاول إقناع طفل صغير تاه من والديه أن بإمكانه مساعدته في العثور عليهما من أجله وجمعه بهما من جديد بشرط أن يثق هذا الطفل به ولا يظنه عدوا جاء لاختطافه أو إيذائه..

قال خالد بنبرة هادئة: "انظر أنا أعلم أنك مريض.. وأعلم أنك لا تحب التواجد وسط الجموع أو الاختلاط بالآخرين.. أنا قرأتك منذ اللحظة الأولى.. وأريد مساعدتك.. أعلم أنك لا تعرفني ولا تثق بي.. ولكن أنا حقا يمكنني مساعدتك".

لأكن صادقا.. أنا بالفعل شعرت أكثر من مرة أنه يريد مساعدتي.. ولكن ألجمتني الصدمة بعد إعلانه الصريح.. فهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها أحد معي على أنني شخصا يعاني من علة ما وأن هناك علاجا لها، وليس مسخا منفرا قادرا على نقل العدوى للآخرين بمجرد التواجد في محيطهم..!

انتقلت كلماته لمسامعي كبضع قطرات من الندى حملتها الرياح بالصدفة إلى صحراء مقفرة.. فهل آن أوان الارتواء من قيظ الوحدة والألم والوحشة أخيرا ؟
هل بالفعل هناك علاج لذلك العطب برأسي؟

لم أشأ أن أتحلى بالتفاؤل بدون داعِ.. فإذا غاليت في حماسي الآن، قد تكون الصدمة قاسية لاحقا.. وأنا على كل حال تعايشت مع لعنتي.. وأسست لنفسي روتينا يوميا يجعل من يتابع من بعيد يظن أنني سليما بلا عيب وأن حياتي كاملة، بينما هي في الحقيقة مجرد فتات على هامش الحياة...
وهل يستحق شخص مثلي حياة كاملة من الأساس؟

ناظرته بتشكك فاضح ثم أطبقت أصابعي على عنقه، وسألته مزمجرا أبثه كل النفور من مجرد اكتشافه لحقيقتي وتخمينه لطبيعة مرضي: "من أرسلك في أثري؟.. ماذا تريد مني؟ انطق وإلا حطمت رأسك"، ومع تدفق الدماء بعنف إلى وجهه وتحول لونه إلى الأحمر المائل للزرقة.. أرخيت أصابعي وابتعدت عنه ليلتقط كلانا أنفاسه من هذه المواجهة الغريبة.

لم يكن غاضبا من تصرفي الجنوني نحوه، بل قال بنبرة ضاحكة: "أعرف أنك برغم حماقتك لا تريد إيذائي بقبضتك العنيفة ولن تقدر على ذلك أصلا، وأنا متيقن أن أمنيتك الوحيدة حاليا هو تخلصك من هذا المرض الذي يأكل داخلك رويدا رويدا.. كما قلت لك منذ دقائق.. بإمكاني مساعدتك.. وأنت لست مخبولا لتظن أن هناك من أرسلني.. فبالنهاية، كيف يمكن لشخص مثلي أن يضر شخصا مثلك؟".

تجاهل خالد بعدها صوت زئيري الغاضب من كلماته المزعجة كما تجاهل كل محاولاتي لإدعاء عدم الاكتراث والتقليل من أهمية كلماته، وأكمل بهدوء: "هذه البطاقة مدون عليه معلومات التواصل معي.. لديك عنواني ورقم تليفوني.. اطلبني وقتما تكون مستعدا.. وأنا على يقين أننا سنصبح صديقين على عكس ما تعتقد أنت.. ولا تقلق.. أنا لا أسدي لك خدمة ولن تكون مدينا لي.. فأنا أحتاج أن أساعدك كما تحتاج أنت للمساعدة.. إلى اللقاء".

استغرقني الأمر بضعة أيام وأنا في دوامة من التفكير، تتقاذفني أمواج الخيارات وتعصف التساؤلات برأسي.. هل هذه الخطوة مجدية؟ هل هناك أمل لي؟ هل عليّ أن أتشبث بالفرصة؟

سببان فقط رجحا كفة خالد، وجعلاني مستعدا للاتصال به، وهما أملي في تقليل شعوري بالألم، إذ كنت على يقين أنني لن أحيا للأبد وسط هذا الحريق المستعر، فإما أن يكون هناك بالفعل علاج يجعلني أتحمل تلك الحياة، أو ستكون نهايتي سريعا هي الحل الأقرب لكل آلامي..

أما السبب الثاني فهو رغبتي في رعاية شقيقي حسام الذي كان ما يزال وقتها مجرد مراهق يتلمس طريقه في هذه الحياة، ولم أكن لأسامح نفسي وأنا أتركه في منتصف الطريق دون أن أجهزه حتى يشتد عوده ويصبح قادرا على استيعاب تقلبات الدنيا ومناطحتها بثقة وجسارة.

بالنهاية، حسمت أمري واتصلت بخالد وطلبت لقاءه بأحد المقاهي الراقية، وكان أول سؤال استقبلته به قبل حتى أن أقوم بتحيته أو أسمح له بالجلوس، هو: "لماذا تريد مساعدتي؟ قلت أنك تحتاج لهذا الأمر.. اشرح".

بابتسامة عريضة جلس على المقعد المواجه لي داخل المقهى الذي كان يحتضن مقابلتنا، ثم قال بكل هدوء: "أنا أحتاج لمساعدتك لأنني ببساطة أعلم أنك تعاني وأعلم ما يمكن أن تفعله بك آلامك وإلى أي طريقٍ قد تدفعك بالنهاية.. ولن أحتمل معاناة شخص آخر أمامي دون أن أقدم له كل ما أستطيع من مساعدة".

قاطعته بتعجل: "مهلا.. مهلا.. من تقصد بالشخص الآخر؟.."
رد خالد بأسى واضح: "كريم.. صديق طفولتي ومراهقتي.. بل كان صديق عمري"..
رددت وراءه بدهشة: "كان؟ هل قاطعك؟".

احتجزت جفونه قطرات من الدموع بداخلها لتلتمع عينيه ببريق زجاجي يعكس حزنا شديدا.. ثم تحدث هو بنبرة مريرة قائلا: "أحتاج أن أشعل سيجارة إذا كنت سأروي لك هذه القصة"، وبالفعل أشعل لفافة تبغ وسحب نفسا طويلا من دخانه، ثم أكمل: "أنا لست مدخنا بعادتي، ولكن في بعض الأوقات أفقد السيطرة.. مثلك تماما"..

نظرت له بحدة واستهجان، فتراجع قائلا: "حسنا ليس مثلك تماما، ولكن لكل منا صندوقه الأسود الذي يمتلئ بعثراته وأخطائه ونقاط ضعفه.. لنعد لقصتنا.. كريم صديقي لم يقاطعني.. بل قاطع الحياة كلها.. لقد انتحر.. تخلى عن حياته في ثانية واحدة عندما سيطر عليه اليأس في أن يحصل على المساعدة. كان ذلك منذ حوالي أربع سنوات".

توقف خالد لبرهة عن الكلام ونظر لأسفل، وكأنه يحاول إخفاء نظراته حتى لا أرى من خلالهما ما يراه هو بعودته لحادث فقدانه لصديق عمره..
ابتلع غصة في حلقه، ثم قال بصوت خفيض تكسوه مرارة الحزن: "كريم رمى نفسه تحت عجلات قطار الأنفاق.. كان جالسا بجواري أحدثه حول بعض الأمور.. وبين لحظة وأخرى.. لم يعد موجودا"، ثم علا صوته مجددا ونظر في عينيّ بشكل مباشر وقال: " وأنا لا أستطيع أن أتجاهل حقيقة أنني لم أساعده بما يكفي.. ولهذا أنا سأطاردك بكل طاقتي حتى تقبل المساعدة.. فالرفض ليس خيارا مطروحا هنا".

رمقته بعينيّ محاولا استنباط أي كلمات زائفة أو تضليل لما رواه على مسامعي خلال الدقائق الماضية.. ولكنه كان صادقا بشكل مؤلم.. فهو بالفعل يتألم لفراق صديقه وللطريقة المفجعة التي قرر بها إنهاء حياته.

لم يمنحني فرصة للرد، واستطرد في حديثه قائلا: "أنت بالفعل أقوى منه.. هو لم يكمل عامه السابع عشر.. وأنت بالفعل قد تخطيت عامك العشرين.. وأمامك أعوام كثيرة وحياة طويلة يجب أن تعيشها بدون ألم أو عزلة.. كما قلت لك.. أنا بإمكاني مساعدتك".

قلت بسخرية: "هل تملك العلاج؟ كنت أظن أنك ضابط شرطة.. ولكن يبدو أنني لم أفهم جيدا.. متى تحولت لدراسة الطب يا هذا؟"
ضحك بشدة ثم قال: "هل سترد على كل كلمة أقولها بكلمات هازئة؟ قل لي هل تأخذ الموضوع بجدية أم أنك طلبت مقابلتي اليوم بدافع الفضول والتسلية فقط؟ أنا لا أملك وقتا للمزحات والنكات.. إذا لم تكن على نفس المستوى من الجدية والالتزام.. فيمكنك أن تتجاهل كل ما قلته لك حتى هذه اللحظة".

قطع استرساله قدوم النادل، فصرفناه سريعا بطلب فنجانين من القهوة، وبعدها استأذن خالد لإجراء مكالمة هاتفية..
أغلب الظن أنه تحجج بتلك المكالمة لأنه أراد أن يتركني بمفردي لبضع دقائق حتى أنظم أفكاري..

وتلك الأخيرة لم تضيع وقتا، فقد تسارعت في ذهني باندفاع جنوني وكأنها تهرب من وحش يطاردها بمثابرة، ثم تصارعت فيما بينها بين مؤيدة لكلمات خالد ومعارضة تماما له.. وأنا حائر في المنتصف.
لست جبانا لكنني خائفا..
خائف من التغيير..
خائف من الأمل..
باختصار.. خائف من الحياة نفسها..

فقد عشت كل تلك السنوات بآلية بحتة.. كنت أعيش كل يوم كأنه الأخير.. لا أخطط لشيء ولا أسعى لإنجاز شيء..
كزائر غير مرحب به، كنت أحاول الانزواء وأحتمي بالظلام كي أختبئ من كل من يرفضونني لأنني لا أشبههم..
لا أشعر بمباهج الحياة كغيري.. لا أرسم المستقبل ولا أتطلع إليه..
كنت أحاول فقط الخروج بأقل الخسائر يوما بعد يوم.. وأنا مؤمن أنني بهذه الطريقة أكون.. فائزا.

عاد خالد إلى الطاولة، وظل ينظر لي محاولا استنباط قراري الذي وصلت إليه.
وقتها وجدت نفسي أجيبه بأن ألقيت على مسامعه بعض الأبيات للشاعر إبراهيم ناجي، والتي تقول:
یا ریاحا لیس يهدأ عصفه
نضب الزیت ومصباحي انطفأ
وأنا أقتات من وهم غفا
وأفي العمر لناس ما وفى
وإذا القلب علی غفرانه
?لّما غار به النصل عفا


عاجلني هو برده الفوري: "لم أظنك جبانا أبدا.. أتعتقد حقا أنك حين تستسلم تصبح فائزا؟ أنت تجبر نفسك على الخسارة كل ساعة بتجاهل الأمر.. ثم لماذا تحكم على نفسك بالعذاب مدى الحياة؟..

توقف خالد لبرهة ثم زفر بغضب، وبعدها أنهى كلماته بقوله: "الفيلسوف الألماني نيتشه يقول (كم هزئت من أولئك الضعفاء الذين يعتبرون أنفسهم صالحين لمجرد أن لا مخالب لهم!).. ولكنك لست ضعيفا.. بل مستسلما.. رباه.. من جعلك متخاذلا هكذا.. أنا أرى مخالبك تتوارى استسلاما.. أنت فقط لا تريد شحذها واستـ...".
هدرت مقاطعا له: "ولكنني لست صالحا أيضا"..

رد هو بهدوء تام: "الصلاح ليس صفة وراثية بغيابها يتحول الفرد لوحشٍ كاسرٍ، بل هو اختيار.. حتى إذا لم تتربى عليه صغيرا، بإمكانك التشبث به الآن.. فهو فطرة البشرة جميعا قبل أن يتحولوا هم بملء إرادتهم لجانب الشر ويتمسكون به.. امتلاك المخالب لا يعني التلويح بها في وجه كل من يقابلك، كما لا يعني أنك في قتال مع الجميع.. أنت لست وحدك.. يمكنك تطويع مخالبك للانتصار في حربك على مرضك.. وتهيئة حياة مقبولة لنفسك"..

رددت أنا كالأبله كلماتٍ لم أكن أنا نفسي مقتنعا بها: "حياتي مقبولة.. ماذا تعرف أنت عن حياتي.. أنا وأخي.. سعداء.. نعم.. كلانا سعداء"..
يبدو أن كلماتي الأخيرة قد أصابته بالضيق وجعلته يفقد البقية الباقية من صبره، فقد زفر نفسا غاضبا وقال: "حسنا.. إذا كنت مقتنعا أن ما تفعله الآن هو الأفضل لك.. ولأخيك.. فلا فائدة من كل هذا الجدال.. إلى اللقاء"، ونهض ليغادر الطاولة بنزق، وإذ بيدي تسجن رسغه بين أصابعها دون أي تدخل مني..
والكلمات تخرج من فمي بحدة وعنف وكأنني محكوما بالإعدام وجد لتوه دليلا لبراءته: "كيف بإمكانك مساعدتي؟.. أخبرني الآن بلا مماطلة أو تلكؤ".

ارتسمت على وجه خالد ابتسامة حقيقية وعاود الجلوس على مقعده، وأجاب: "أنا أعرف طبيب نفسي يمكنه مساعدتك.. فهو متخصص في حالتك المرضية رغم ندرتها.. صدقني ستكون الأمور أفضل بالنسبة لك بعد أن تتحدث إليه".

الآن، جاء دوري لأرسم الابتسامة الساخرة على وجهي، وتساءلت هازئا: "طبيب نفسي؟ هل هذا هو حلك العبقري؟ أتريدني أن أسلم رأسي لرجل غريب يعبث بها كيف يشاء؟ أن يجرب معي كل الxxxxات المهدئة ومثبطات المشاعر ويحولني إلى شبه مدمن أو تائه بلا عقل أو شعور؟ لا شكرا.. تعجبني رأسي كما هي وأنا قادر على تحمل أوجاعي"..

رد خالد بجدية وحزم: "حازم.. مرضك لا تفلح معه الأدوية المهدئة.. فأنت لا تعاني من نوبة اكتئاب.. صدقني.. أنا كنت أتابع حالة كريم عن كثب.. فهذا المرض يفلح معه فقط العلاج السلوكي.. وهذا بالضبط ما يمكن للطبيب مساعدتك به.. احتواء انفعالاتك المتأججة.. أنا لا أعدك بأن تبرأ نهائيا.. فأنت لست مريضا بنزلة برد ستتخلص منها بتناول بضعة أقراص بانتظام.. مشوارك طويل ولكنني أثق في مثابرتك.. وأنا سأدعمك طوال الطريق.. فأنا كما أخبرتك سابقا قد اتخذتك صديقا.. ولا أنتظر رأيك في هذا الشأن.. أنت صرت صديقي منذ سمحت لك بتجريدي من لقبي كبطل للجمهورية وتحويلي لمزحة زملائي طوال الأسبوع في الأكاديمية بعد تهشيمك لوجهي وتخريب وسامتي المفرطة "، ثم غمزني بإحدى عينيه وقد ارتسمت ابتسامة سخيفة على وجهه.

سخرت منه بمزح: آية وسامة يا هذا؟ أنت بالكاد تشبه البشر.. من أوهمك بأنك وسيما؟"، ليرد هو بحالمية غريبة وكأنه يرى شخصا آخر بعين عقله: "هي قالت لي.. أخبرتني أنني مفرط الوسامة.. والرجولة أيضا"..
سألته بفضول مراهق: "من هي؟"

أجاب هو بمكر: "هي هي.. لكي تتعرف عليها نحتاج لحديث آخر.. وأنا أحتاج لمواجهة للنفس.. أخبرتك أن لكلٍ منا صندوقه الأسود.. على العموم لن أخوض الحديث معك عنها قبل أن تقبل زيارة الطبيب.. هذا كل ما أطلبه منك.. زيارة واحدة وبعدها تقرر خطوتك التالية.. أنت لست ملزما بالمتابعة معه ومعاودته باستمرار إذا لم يعجبك أسلوبه العلاجي أو لم تجد تحسنا ملموسا في وضعك الصحي"..

في النهاية اضطررت للانصياع لاقتراحه بعد إلحاحه الذي أصابني بضيق، فقلت باستياء وكأنني مجبرا على هذا الخيار: "حسنا.. لنرى.. هي زيارة واحدة".
بعد بضعة أيام هاتفني خالد ليخبرني بالموعد الذي حدده لي مع الطبيب، مؤكدا أنه سيصطحبني في زيارتي الأولى له وبعدها سيترك القرار لي.


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-03-21, 06:37 PM   #186

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 الفصل السابع - القسم الثاني

في الموعد المحدد بعد بضعة أيام، وجدت نفسي جالسا على مقعد جانبي أمام مكتب أنيق يتوسطه مقعد وثير يجلس عليه رجل خمسيني ذو بنية عريضة تميل نحو الامتلاء ويتسم بملامح هادئة ومسالمة.

استقبلني بابتسامة ودودة، وعرّف عن نفسه قائلا: "مرحبا بك.. أنا دكتور فؤاد.. لقد سمعت عن مشكلتك من صديقك خالد.. ولكنني أريدك أنت أن تصف لي حالتك".

وقتها أجبته بتحفز: "هو ليس صديقي.. كما أنني لا أحب الحديث.. أنا هنا لأسمعك.. ألم تعرف بالمشكلة منه؟ حسنا صف لي العلاج ولك الشكر"..

رد هو بطريقة ذكية استفزتني: "هل أنت معتاد أن يتحدث الآخرون نيابة عنك؟"..
أجبت بغيظ: "ليس عادة.. ولكن ظننت أنك طبيبا بارعا ستتمكن من تشخيصي بدون تكرار ممل للتفاصيل".

رمقني الطبيب بنظرة ماكرة، ثم اتبعها بسؤاله بلهجة مغيظة: "هل يمكن لأحد أن ينقل مشكلة أو آلام أو أحاسيس شخص آخر ما لم يمر بهم بنفسه؟"..

كنت أعرف الفخ الذي يريد هو إيقاعي به، ومع ذلك سقطت فيه بكلتيّ قدميّ طوعا عندما أجبته أنا بلهجة تقريرية ملأها اليقين النابع من خبرة وتجربة شخصية: "نعم.. يمكن ذلك.. ولكن ليس بإمكان الجميع القيام بذلك.. الملعونون فقط".

هنا لمعت عينا دكتور فؤاد بحماس امتزج بالتفهم، وكأنه يعي تماما ما أقصد، فتابع بفضول واضح: "أكمل.. أسمعك.. أخبرني عن هؤلاء الملعونين.. وكيف عرفت أن بإمكانهم شرح معاناة الآخرين وتفسيرها وكأنهم أصحاب المشكلة؟".. أجبت أنا بصوت خفيض غلفه تعب سنين: "لأنني واحدا من الملعونين".

عند هذا الاعتراف، باغتني الطبيب بإلحاح: "حدثني عن الأمر.. متى بدأ؟.. وكيف تطور؟ كيف تعايشت معه طوال تلك السنوات؟ وهل قام أحد بمساعدتك طوال تلك الفترة؟"..

كانت كل الإجابات لأسئلته اللحوحة تدور في دائرة واحدة..
رحيم عماد الدين..
لكن لسبب ما استثنيته من حديثي للدكتور وأنا أحكي له تاريخي مع هذا المرض..

سردت على الطبيب رحلتي مع مشاعري المضطربة وأفكاري المتقدة وآلامي الكاسحة، ظل هو يستمع بإنصات شديد ويدون بعض الملاحظات من وقتٍ لآخر في دفتره الخاص.

بعد أن انتهيت من الحديث، رد هو بكلمات علمية بحتة: "أنت تصف حالتك بأنها آلام تصيبك عندما تقابل أشخاص لديهم مشاعر سلبية سواء خوف أو غضب أو ألم أو غيرها من المشاعر المهلكة للنفس والحارقة للأعصاب.. دعني أفسر الأمر لك بطريقة مبسطة.. المقدار المتعارف عليه طبيعيا ومجتمعيا وصحيا من مشاطرة مشاعر الآخرين اسمه (التعاطف) وهو حالة محمودة تجعل الإنسان يرغب في مساعدة الآخرين، ولكن أنت تعاني من حالة من إفراط التعاطف".

كنت أستمع إليه لشرح الدكتور فؤاد بانتباه شديد، بينما أخذ هو يستعرض أعراض وتفاصيل مرضي بسلاسة بعيدة عن المصطلحات العلمية المعقدة هادفا لأن تكون مفهومة لي دون أن يحتاج للتفسير بعبارات أخرى ويضطر للاستطراد في حديثه، حيث أكمل: " مرضك ليس غريبا، ولكنه غير شائع ولهذا فإن الدراسات حوله مازالت في مهدها.. المرض ببساطة هو نوع من أنواع إضطرابات الشخصية الناتجة عن عدم استقرار كيمياء المخ، فهو إحدى الحالات المتقدمة من التشاعر أو التقمص الوجداني، وهو ما يصطلح عليه بعض علماء النفس بإسم Hyper Empathy Syndrome بينما يسميه آخرون Empathy Disorder، ورغم أن الأبحاث ما زالت غير متقدمة بخصوص هذا المرض إلا أن هناك دراسات ونظريات يرصدها الكثير من الأطباء النفسيين ويأخذونها بعين الاعتبار عند محاولة معالجة الحالات التي يلتقون بها".

عاجلته باستفسار عن طبيعة المرض وكيف يراه الأطباء، ليمسك بطرف الحديث من جديد ويقول: "متلازمة الإمباثية المفرطة هي التفاعل التام مع مشاعر الآخرين والتأثر بهم وتجاهل مشاعرك الذاتية بشكل عام، وهي درجة أعلى من التعاطف وأشد وطأة على النفس وتستهل طاقة الإنسان بشكل كبير، لأن مريض التشاعر أو الشخص الإمباثي يتبنى مشاعر الشخص الآخر وكأنها مشاعره هو الداخلية، سواء كانت سعيدة أو حزينة، فهو يستعير تلك المشاعر وكأنه مغناطيسا يسحبها لداخله ثم تثير في داخله استجابات نفسية وفسيولوجية معينة".

التقط الدكتور فؤاد أنفاسه لبضع ثوانٍ، ثم استأنف شرحه قائلا: "لكن الأمر قد يصبح صعب التحمل إذا كانت هذه المشاعر سلبية مثل شعور الألم أو الضعف أو المرض أو الإهانة أو حتى الشعور بالذنب، فيكون الشخص مفرط الإمباثية وقتها هو عبارة عن مرآة عاكسة لما يشعر به الشخص الأصلي صاحب المشكلة بعد أن يسحبها المتشاعر لداخله.. وبسبب اضطرابه الشعوري فإن عقله قد يترجم تلك المشاعر بصورة مضاعفة عما يشعر به الشخص الأصلي.. وبالتالي فإن تواجد الشخص الإمباثي في بيئة معينة تغلب عليها المشاعر المؤلمة مثل المستشفيات مثلا تجعله في قمة الوهن والألم الذي يصل إلى حد العذاب. فمشاعره تكون دائمة محتلة ويتم استهلاكها دون هوادة، وفي النهاية يصيبه الإنهاك الشديد بسبب اختزان وترجمة ثم تبني تلك المشاعر".

استطرد الدكتور فؤاد بعد لحظات من التوقف لكي يرتشف بعض الماء، بقوله: "بالطبع، تختلف حالات التشاعر المفرط بين المصابين بها من فرد لآخر، فهي غير ثابتة الأعراض، وهناك من يتعايش بها دون مشكلات لأن درجة تأثره بالمحيطين به تكون أقل من غيره.. أما من تكون مشاعرهم مفرطة في انجذابها لما يمر به الآخرون، فإنهم يعانون بصورة أكبر حتى أن بعضهم قد لا يحتمل وطأة الألم ويقرر مثلا الانزواء بشكل تام فلا يغادر منزله أبدا ولا يقابل أحدا ويحول مكان إقامته لقبر يدفن نفسه فيه حيا، مبتعدا عن كل ما يمكن أن تقدمه الحياة له من فرص ومتع ومسببات للسعادة.. والبعض الآخر قد يلجأ تحت وطأة المشاعر العنيفة للتخلص من حياته تماما كما فعل كريم صديق خالد.. والذي كنت قد بدأت علاجه قبل بضع سنوات، لكن وفاة شقيقته ومعاناة أسرته من فقدانها سيطرت على مشاعره تماما فلم يحتمل الأمر أبدا".

وأفاض الطبيب في شرحه مكملا: "خلصت الكثير من الدراسات إلى أن الأشخاص مفرطي التشاعر يعانون في الأساس من خلل في توازن كيمياء خلايا المخ، وبالتحديد في الخلايا المرآتية أو Mirror Neurons".

قاطعته مجددا مستفهما: "عفوا.. أنا لا أفهم كثيرا التحليل العلمي الدقيق لطبيعة المرض، لكن ماذا تقصد بالشخص مفرط التشاعر؟.."

أجاب هو بعد أن لمح تركيزي الشديد مع كل كلمة تخرج من فمه: "من سمات الشخص الإمباثي أنه يمتص مشاعر الآخرين لتعتمل بداخله وكأنها مشاعره الخاصة، كما أنه شخصا انطوائيا لا يفضل التواجد في جماعات حتى لا يضطر لترجمة وتقمص مشاعر المحيطين به، ولهذا أعتقد أن البعض كان يظنك مصابا بالتوحد في صغرك عندما كنت تعزل نفسك عن الآخرين وتعيش داخل دائرتك الخاصة لتحمي مشاعرك الهشة"..

قال الجملة الأخيرة بأسى، ثم استطرد بنوع من الحيوية والتفاؤل: "لكن مفرط التشاعر أيضا شخص حدسي كما لو أن بإمكانه قراءة أفكار الآخرين أو استنباط ما يعتمل في دواخلهم، وهذه ميزة بالطبع.. فكّر بها وكأنها حاسة سادسة تعينك على اكتشاف الشخص السيء من الشخص الجيد وبالتالي حماية نفسك من التعرض للغدر والخداع والاستغلال".

أجبت بمرارة: "ميزة؟ أية ميزة يا دكتور؟ كلما قابلت شخصا سيئا أو ضعيفا أو متألما تصبح هناك حربا طاحنة بداخلي.. وأجاهد في كل مرة كي أحمي نفسي من تلك المشاعر التي تفرض نفسها على داخلي دون إرادة حقيقية مني.. فكيف تكون هذه ميزة؟"..

أجاب الطبيب مبتسما: "هنا يأتي دوري.. فأنا سيكون عليّ مساعدتك على التحكم في تلك المشاعر والسيطرة عليها حتى لا تتطور الأمور معك بشكل مفاجئ.. فهناك بعض الدراسات مثل كتابات كارلا ماكلارن التي تعتبر رائدة في دراسات التشاعر وباحثة في العلوم الاجتماعية، والتي لفتت في نتائج بعض الأبحاث التي أجرتها إلى أن التشاعر المفرط قد يؤدي لنتائج فسيولوجية على المصابين به، ولذلك قد يلجأ البعض لإيذاء أنفسهم بتعمد جرح أجزاء من أجسامهم حتى يحولون أوجاعهم النفسية المفاجئة إلى أخرى جسمانية يمكنهم التعامل معها، والبعض قد لا يتحمل وطأة المرض وينتهي به الأمر للانتحار مثل حالة كريم الذي عانى من صدمة مفاجئة بوفاة شقيقته التوأم بعد معاناتها معظم سنوات طفولتها ومراهقتها مع مرض السرطان، ولهذا أنهى حياته، لأن ألم فراقها كان أقوى من احتماله خاصة في ظل أجواء الحداد الفاطرة للقلوب داخل بيت أسرته".

كلماته جعلتني أفكر بخالد الذي اقتحم حياتي بدون إذن و أصر على أن يكون مقربا مني رغم اختلافاتنا الواضحة في التوجهات والطبيعة الشخصية وأسلوب الحياة، وحتى على المكان الذي يقف كلا منا فيه فيما يخص القانون..

ولكن عبارة الطبيب الأخيرة أكدت لي أن خالد يحتاج بالفعل لمساعدتي كما قال مسبقا..
ومن أنا لكي أرفض طلبه؟!


خرجت من شرودي على صوت زامور قوي قطع رحلتي في ممر الذكريات.. وحمدت الله على أنني لم أرتكب حادثا بينما كان عقلي مغيبا فيما حدث قبل عقد كامل من الزمن.

انتبهت إلى الطريق مجددا، فوجدتني قد انحرفت بالسيارة قليلا عن الطريق الرئيسي وكدت أن أصطدم بكوخ صغير على الطريق لولا سائق السيارة التي كانت تتحرك خلف سيارتي والذي لمح الكارثة وشيكة الوقوع، فسعى لإنقاذي في اللحظة الأخيرة.. والشكر له.

استعدت تركيزي من جديد، خاصة وأنني قد اقتربت بالفعل من بوابة المدينة، وبدأت أستعيد سيطرتي على السيارة من جديد وأقودها بسلاسة بدون مشكلات.

عند نقطة العبور الأمنية المؤدية لمداخل المدينة، سألني الضابط المختص عن سبب رغبتي في العبور في هذا التوقيت تحديدا..

ورغم دهشتي من وجود نقطة أمنية من الأساس إلا أنني حافظت على هدوئي ولم يعكس وجهي سوى الثقة، فأخرجت له بطاقة عملي المدون عليها اسم مجموعة شركات رحيم عماد الدين، كما أخبرته أنني أحتاج لدخول المدينة لأن ابن خالتي يخضع لجراحة عاجلة ويجب أن أكون موجودا بالقرب منه لأن لا أقارب له في تلك المدينة وهو ويحتاج لمن يعتني به.

بالطبع، منحني الضابط الإذن بالعبور بعد أن قرأ الاسم المدون على البطاقة، لأبدأ العمل على الخطوة التالية بدون المزيد من إضاعة الوقت.
توجهت من فوري إلى العنوان الذي كان خالد قد أملاه لي، وهناك وجدت مجمعا سكنيا من عدة مبانٍ..

تحركت نحو رقم البناية التي يقطنها خالد، ووجدت رجلا عجوزا يحرسها، حيث أخبرني أن خالد يسكن بالطابق السابع وأن زميله وصديقه إسماعيل عبد الخالق يقيم مع زوجته في الطابق الرابع، مؤكدا أن الزوجة موجودة بالفعل في شقتهما الآن.. لكن خالد وإسماعيل في عملهما ولم يعودا بعد..

استقليت المصعد إلى الطابق المنشود، ثم ضغطت على جرس الباب لتفتح لي سيدة في بداية الثلاثينات ترتسم على وجهها علامات القلق، ولا تكاد الدموع الراقدة على وجنتها تجف.

فور أن تحرك الباب ودون أن تنظر لوجهي، هتفت بانفعال: "سامح.. ما الأخبار؟" ثم انتبهت أنني لست الشخص المنتظر عندما تلاقت أعيننا، فعاجلت بالتوضيح بقولها: "عذرا.. كنت أظنك زوجي.. مرحبا بك.. كيف يمكنني أن أساعدك؟".

أجبتها متلهفا: "مرحبا.. أنا حازم".. صمتت للحظة ثم أكملت: "عبد القادر.. حازم عبد القادر.. صديق الرائد خالد الكومي.. أنا أحاول العثور عليه.. اتصل بي منذ نحو ثلاث ساعات وكان يبدو من صوته أنه واقعا في مأزق.. وبعدها انقطعت الاتصالات، ولا أستطيع إيجاده.. هل يمكنك مساعدتي؟".

أفسحت مجالا أمام الباب وطلبت مني الدخول بإلحاح، وأشارت لي بالجلوس على أحد المقاعد في غرفة الاستقبال، ثم قدمت نفسها مجددا: "أنا زوجة المقدم سامح. هل أخبرك سيادة الرائد عما حدث؟ لقد حلت كارثة".. قالتها بتوتر ثم عادت الدموع لتنهمر على وجهها مجددا.

تنهدت هي وأخذت بعض الأنفاس البطيئة لتستعد السيطرة على نفسها، ثم أكملت: "مبنى إدارة السجن ومجمعه الرئيسي تعرضا لهجوم إرهابي كاسح.. وسقط العشرات من رجال الشرطة شهداء.. وبينهم مأمور السجن وعدد من مساعديه.. ونجا زوجي بجرح بسيط في ساقه وآخر في ذراعه، أما خالد فتعرض لطلق ناري نتج عنه إصابتين، إحداهما في بطنه والثانية في ذراعه".

قاطعتها بقلق: "كيف عرفتِ كل تلك التفاصيل؟ أين خالد الآن؟ كيف هي حالته؟" ردت بحيرة وألم: "هاتفني زوجي منذ نحو ساعة ونصف على الخطوط الأرضية وقال إن الطبيب قرر نقله إلى العاصمة في سيارة إسعاف مجهزة، لأنه يحتاج لجراحة في بطنه لإخراج الرصاصة العالقة بداخلها وإمكانيات المستشفى لا تسمح بتلك الجراحة التي تحتاج قبلها لبعض الأشعة الدقيقة.. وعندما رن جرس الباب، ظننتك هو.. هو أخبرني أنه سيعود إلى المنزل فور أن يطمئن على باقي زملائه الذين نجوا من الموت في هذا الهجوم اللعين".

الآن عليّ العودة إلى القاهرة فورا، لا يمكنني أن أتركه هكذا..

سألت السيدة عن مكان المستشفى التي سيتوجهون إليها، فأجابت أنهم سيذهبون إلى مستشفى الشرطة الموجودة في حي العجوزة..

ودعتها على عجل.. وأسرعت الخطى نحو سيارتي مستعدا لرحلة العودة والقلق يملأني..
أرجو أن يكتب له الله النجاة.

لم تكن رحلة العودة طويلة مثل رحلة الذهاب، فقد نهبت عجلات سيارتي الطريق كلما كانت الفرصة سانحة، كما لم أتوقف مطولا في نقطة التفتيش الأمنية بعد أن أخبرتهم أن قريبي سبقني بسيارة إسعاف..

خلال أقل من ساعتين ونصف كنت أصف سيارتي أمام المستشفي، ثم هرعت إلى موظفة الاستقبال اسألها عن حالة الرائد خالد الكومي، فأخبرتني أنه قد خرج لتوه من غرفة العمليات إلى غرفة الإفاقة في الطابق الثالث.

وقبل أن تنهي كلماتها، كنت أنا قد توجهت راكضا على درجات السلم بخطوات واثبة إلى الغرفة التي وصفتها.

أمام الغرفة كان يجلس شاب يبدو عليه أنه في النصف الثاني من العقد الثالث من عمره وقد ربط ذراعه بواقٍ طبي كذلك الذي يستخدموا من يتم تجبيره..

فور أن رآني.. أمعن النظر قليلا قبل أن يقول بنبرة مستفهمة: "أنت أستاذ حازم صديق خالد!"، قلت: "نعم.. كيف عرفتني؟"

أجاب هو: "قابلتك بحفل ليلة رأس السنة.. أتذكر أنك أتيت متأخرا عندما شارف الحفل على نهايته"..

أجبته بلا اكتراث: "نعم بالطبع.. كيف خالد الآن؟"..

رد هو بنوع من الهدوء الذي أرسل موجات متدفقة من الطمأنينة لقلبي: "هو بخير الآن.. بداخل غرفة الإفاقة بعد نهاية الجراحة.. لقد أخضعه الأطباء لجراحة عاجلة لإخراج رصاصة من بطنه بالقرب من الكبد.. وحالته الآن مستقرة.. وبمجرد أن يفيق سيزول عنه الخطر تماما.. ولكن سيحتاج وقتا للاستشفاء بالطبع.. بالمناسبة أنا المقدم علاء، تم انتدابي معه إلى السجن منذ نحو شهر، والآن عدنا معا إلى القاهرة بعد ما حل بالمقر".

تهاويت على المقعد المجاور له، ثم قلت: "حمدا لله على سلامتكما.. كيف هي إصابتك؟"..

رد هو بحنق: "الإصابة بسيطة والحمد لله مجرد رصاصة بالذراع استقرت بين العضلات ونجح الأطباء في إزالتها بعملية سريعة.. لكن الجرح الأكبر في تجرؤ هؤلاء المجرمين علينا واندفاعهم نحو تصفيتنا بعمل إرهابي لئيم حتى يتسنى لهم تهديد حياة الآمنين بعد نجاحهم في تهريب قاداتهم من المحكومين من السجن".

سألته بتعجل: "وكيف تعرض خالد لإطلاق النار؟ لا أفهم كيف يتم الهجوم على سجن مركزي كبير بهذا الشكل؟ ألم يكن مؤمنا بشكل كافٍ؟"..
احتل قسمات وجهه الغضب وتغضن خديه بحمرة قانية كشفت بوضوح عن رغبته الأكيدة بالثأر، لكنه أزاح وجهه عن مرأى ناظري حتى هدأ تماما وعادت ملامحه إلى شكلها الطبيعي الخالي من أي تعبير.. وأجاب باقتضاب: "سنحقق في الأمر.. وسنكشف المسئول عن هذا الأمر.. سنجد الخونة وسنقدمهم للعدالة"..

ارتسمت على وجهي ابتسامة صفراء..
عن أية عدالة يتحدث؟
هذا الوطن أُعميت كلتا عينيّ عدالته وقُطعت ذراعاها وساقاها، فباتت عمياء كسيحة مبتورة الأوصال.. عاجزة وفاشلة.

سمعت كثيرا عن لفظة "العدالة النائمة".. لكنها في بلدي "مريضة حد الموت"..
إذا كان هناك عدالة على هذه البقعة من الأرض.. لم يكن حالنا ليصل لهذا الحد، لأن يكون حراس الأمن هم أول من يتعرضون للاعتداءات السافرة من جانب القتلة عديمي الإنسانية والرحمة، أو يتم دفعهم ليصبحوا طرفا في المواجهة مع المتظاهرين حتى يحمي النظام نفسه من رافضي مشروع التوريث والمطالبين بالإصلاح السياسي والاجتماعي..

أخبرت علاء أنني بحاجة للحديث مع الطبيب الذي أجرى الجراحة لحازم، فوصف لي مكان غرفته..

فور أن دلفت إليها وقدمت نفسي إليه، طمأنني الطبيب أن حالة خالد مستقرة الآن، وأن الرصاصة لم تترك أثرا على أعضائه الداخلية وأنه سيتعافى بشكل كامل بعد أن يحصل على الراحة الكافية من آثار الجراحة، كما لفت إلى أن الطبيب بالمستشفى الريفي قام بتقطيب جرح آخر بذراعه طالته رصاصة ثانية، وأخبرني أنه سيترك لي مهمة مهاتفة أسرة خالد لأخبرهم عن تعرضه للإصابة.

عدت إلى غرفة الإفاقة، لأجدهم قد نقلوا خالد إلى غرفة ثانية بعد أن أفاق من أثر التخدير..
عندما دلفت إلى الغرفة، استقبلني بابتسامة ضعيفة.. هرعت إلى حافة السرير الذي يرقد عليه، وجلست عليه ببطء وأنا القوة بينما أتشرب بداخلي كل الآلام التي تعتصره بعد أن انتهى مفعول التخدير..

قلت له بفرحة حقيقية رغم القلق الذي يشوب صوتي: "حمدا لله على سلامتك يا ولد.. متى تتوقف عن مغامرات الأبطال الخارقين الذين أدمنت قراءة قصصهم المصورة.. أقول لك للمرة الألف.. أنت إنسان ولست سوبرمان"، ثم مازحته قائلا: "حتى أنك فشلت في الحصول على بطولة الجمهورية للملاكمة من وغد ضعيف مثلي"..

رد هو محاولا التماسك: "بل حمدا لله أنك لم تراني.. كنت أشبه بشجرة متيبسة هموا باجتثاث فروعها دون أن تكون قادرة على المقاومة.. صدقني يا أخي.. حدث كل شيء بسرعة.. لم تكن هناك آية فرصة لكي أستعرض مهاراتي الخارقة"، ثم أكمل بأسى شديد: "والنتيجة كانت وفاة سيادة اللواء وعدد من زملائي، وإصابة العشرات من الضباط والمجندين"..

كان عليّ أن أغادر الغرفة فورا، فآلامه كانت تفوق احتمالي سواء العضوية نتيجة حاجته للمسكنات أو النفسية نتيجة تأثره بتذكر ما تعرض له من هجوم عنيف.

نهضت فورا، ثم أخبرته أنني سأذهب لأطلب من الطبيب أن يصف له حقنة لتسكين آلامه..
وهو بالطبع فهم السبب الحقيقي لمغادرتي، فأومأ برأسه بعد أن طلب مني أن أتصل بوالديه لأطمئنهما على حالته.

خرجت متوجها إلى غرفة الاستقبال، وطلبت من الموظفة المسئولة استدعاء الطبيب المتابع لحالة خالد، ثم طالبته بحقنه بxxxx مسكن لأنه يعاني من آلام في مكان الجراحة..

بعد ذلك، استأذنت الموظفة في إجراء بضع مكالمات على الهاتف الأرضي.

اتصلت أولا بوالديّ خالد اللذين كانا يوشكان على الإصابة بالجنون من قلقهما عليه بعد الإعلان عن الهجوم الإرهابي على السجن عبر المحطات الفضائية، خاصة مع قطع شبكة الاتصالات وعدم قدرتهما على التواصل معه أو أي من زملائه..

أخبرتهما أنه بخير، ولكنه تعرض لطلق ناري بسيط وتمت إزالة الرصاصة، واعتذرت بأنه لا يستطيع الحديث إليهم لأن مكان الهاتف بعيد عن غرفته كما أنه قد تلقى لتوه حقنة مسكنة قد تجعله يشعر بالنعاس، ثم طلبت منهما أن يخبرا خطيبته بشأن سلامته ونجاته من حادث الهجوم الإرهابي على السجن.

بعد ذلك، طلبت الرقم الخاص بمنزلي، ولكن لم يأتيني رد.. ما يعني أن شقيقي المتهور ما زال يتجول كما يحلو له غير عابئ بسلامته وسط هذا التصعيد المخيف.

وأخيرا، هاتفت السيدة سناء على الرقم الأرضي الخاص بمنزل رحيم عماد الدين، فأخبرتني أن الأمور كما هي هناك، وأن شروق ما زالت نائمة، وأن صديقتها حنان ما زالت ترافقها وتنتظر أن تستيقظ حتى تتسليا معا لبضع ساعات حتى تقرر العودة لمنزلها.

عدت إلى غرفة خالد بعد أن أعطاه الطبيب جرعة معقولة من المسكنات، فعاد للنوم مرتاحا هذه المرة.

استقبلني علاء الذي كان جالسا على واحد من مقعدين يستندان على أحد الجدران المواجهة لسرير خالد، حيث نهض فور جلوسي بجواره، وأخبرني أنه بات مطمئنا على زميله الآن بوجودي، وأنه سيضطر أيضا إلى العودة لمنزله لكي يطمئن أسرته، كما سيقوم بكتابة تقرير عن الواقعة ورفعه إلى الإدارة المختصة في القاهرة لبدء التحقيق على الفور، وتحريك قوات لإعادة القبض على الهاربين من تنفيذ أحكامهم القضائية، ثم محاكمتهم بعد توجيه الاتهام لهم بتدبير هذا الهجوم الإرهابي، فقط بعد جمع الأدلة اللازمة.

جلست على المقعد الموازي لسرير خالد حوالي ساعة، قبل أن يستفيق قليلا ليصبح في حالة بين النعاس واليقظة..

أخذ ينظر لي والتحفز يملأ عينيه وكأنه يعيد معايشة ما تعرض له وزملاؤه من هجوم مباغت داخل السجن.

يبدو أنه كان يحاول استنباط أسباب الواقعة والمتسببين بها..

أعرفه جيدا.. لا يسمح لرأسه أبدا أن ترتاح أو تتوقف عن التفكير..

دائما يخطط ويحلل.. ولذلك هو من أمهر القيادات الشابة في المباحث..

يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-03-21, 06:48 PM   #187

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 الفصل السابع - القسم الثالث والأخير

مرت نحو ساعتين، وأنا جالس برفقته في الغرفة دون أن يتكلم أحدنا قبل أن يندفع الباب فجأة لتدخل خطيبته زينة بخطى متسارعة ويتبعها والداه بخطى واهنة وكأن قلقهما على ابنهما لبضع ساعات قد أكل عدة سنوات من عمريهما.

اقتربت زينة من خالد الذي ارتسمت على ملامحه ابتسامة عريضة لكي يطمئن حبيبته ووالديه الذين لما يتخلصوا بعد من قلقهم رغم أنهم قد رأوه بأم أعينهم وتأكدوا أنه بخير وأنه قد نجا بالفعل.

كانت زينة هي أول من كسر هالة الصمت التي سيطرت على الجميع، حين أمسكت يده غير المربوطة، ورفعتها إلى شفتيها وقبلتها برقة وهي تقاوم دموعها المتساقطة..

ظلت تخبره أنه بخير وأنه سيكون دائما بخير وإن اضطرت لأن تترك عملها وترافقه بعمله حتى تحميه بنفسها، لتدخله في نوبة من الضحك الواهن التي تألمت لها بطنه، مما اضطرها للصمت تماما..

ثم اقتربت والدة خالد لتجلس بجواره على جانب السرير، ومالت عليه لتقبيل رأسه وذراعه المصابة برفق، وهي تحمد الله من بين دموعها على سلامته..

استأذنت في الخروج قليلا حتى أترك لهم المجال لكي يمضوا بعض الوقت برفقته بخصوصية..

جلست بأحد المقاعد المرصوصة في منطقة الاستراحة الخاصة بالزوار والموجودة أمام غرف المرضى، وأخذت أفكر في الخطوة التالية..
غدا لدي الكثير من العمل في الشركة، كما أن عليّ أن أعرج على منزل رحيم عماد الدين، لكي أحاول الاطمئنان على تلك الآنسة.. وربما عليّ أن أجد طريقة لكي أتواصل بها مع حسام في ظل سقوط شبكة الاتصالات..

لست مرتاحا على الإطلاق.. ولكن ألا يقولوا أن عدم وجود أخبار سيئة يعني أن الأمور بخير.. سأتمسك بهذه المقولة لآخر لحظة..

سأعرج على شقتنا أولا في الصباح.. فربما عاد أو ترك لي رسالة لكي أطمئن عليه..
تبا لك ياحسام.. سأموت بسببك يوما ما.

عدت إلى غرفة خالد، لأجد خطيبته قد غادرت إلى منزلها فور أن سمعت بتطبيق حظر التجوال كإجراء جديد هدفه السيطرة على الأجواء بعد هروب الكثير من المساجين من السجون وقيام بعضهم بالاعتداء على أقسام الشرطة وإثارة حالة من الذعر باقتحام المتاجر ونشر حالة من الفوضى بافتعال الشغب في الشوارع..

أما الأبوين، فقد رفضا تماما مغادرة جانب ولدهما وأصرا على المبيت معه، فقاما بحجز غرفة أخرى كمرافقين له.. وأنا جلست معه قليلا متحاشيا الحديث فيما حدث وما يحدث في البلد، وفور أن غلبه النوم.. خرجت إلى سيارتي وقررت النوم بداخلها حتى الصباح بعد أن أوصيت الممرضة بأن ترسل لي أحد العاملين إذا احتاج خالد لشيء.

في الصباح، توجهت مرة أخرى إلى غرفة خالد الذي تحسنت حالته إلى حدٍ ما وصار متيقظا وخف شعوره بالألم، كما سمح له الطبيب بارتشاف بضع قطرات من الماء، وطلب منه أن يتمشى قليلا بالغرفة حتى تتحرك دورته الدموية وتسرع عملية التئام جروحه الدااخلية..

تطوعت أنا لمساعدته في هذا الأمر.. وفور أن جاءت خطيبته تسبقها دموع القلق عليه، أفسحت لها المجال لكي تعتني هي به وتدللـه قليلا، ثم استأذنت في الانصراف للتوجه لعملي واعدا بالعودة مرة أخرى للزيارة في المساء والمبيت معه بسبب فرض حظر التجول، وأقنعت والديه أن يعودا اليوم للمنزل بعد أن تأكدا من سلامة ابنهما وبداية تماثله للشفاء دون خوف من حدوث نزيف داخلي أو آية تطورات مزعجة أخرى.

أسرعت بالسيارة إلى منزلي.. وللمفاجأة، كان حسام هناك بالفعل..

عندما دلفت إلى الشقة، كان هو يجلس في غرفة الاستقبال ويبدو عليه الحزن والإجهاد..

لم أترك له الفرصة لينبس بكلمة واحدة.. فقط احتضنته بشدة.. وهو حاول أن يتماسك ويخبرني أنه بخير..

كان بحاجة شديدة لإفراغ ما بداخله، فبدأ يحكي أن هناك بعض المناوشات التي حدثت بين المتظاهرين وقوات الشرطة خاصة في محيط شارع محمد محمود المؤدي لمبنى وزارة الداخلية..

أخبرته أن الشرطة حاليا غاضبة جدا ومتحفزة من الهجمات التي تتعرض لها على يد إرهابيين ومخربين يحاولون اقتحام مقار أقسام الشرطة والمنشآت الحيوية... وأن عليهم حماية أنفسهم وتلك المنشآت ولن يلومهم أحد..

اعترف حسام بتردد أن حالة العنف المتبادل بين المتظاهرين ورجال الأمن فضلا عن انقطاع الاتصالات وهرب المساجين وانتشار الفوضى والشغب، كلها أمور أقلقته بشدة وجعلته يسارع بالعودة للمنزل صباح اليوم حتى يثبت لي أنه بخير ولم يتعرض لسوء.. سوى استنشاق الغاز المسيل للدموع ونيل بعض الضربات على ظهره بسبب التدافع والاشتباك مع جنود الأمن..

وبعد انهياره المؤقت، قال بلهجة تقريرية خالية من الخوف إنه سيحصل على حمام سريع ويعود للميدان من جديد..
لم أنظر إليه.. لم أعقب على ما قاله.. بالأمس أمضيت يوما في الجحيم.. وهيئته تؤكد أن يومه كان أسوأ..

وهو يخبرني بكل هدوء ولا مبالاة أنه سيعود..
ألا سحقا لاندفاعه ونزقه..!

دلفت إلى غرفتي لكي أتحمم وأتخلص من عناء ساعات كانت من أصعب ما مر بي في عمري كله،

أخرجت بعض الملابس البيتية وحملتها مع المنشفة ثم توجهت للاستحمام..

تبعني حسام إلى داخل غرفة الاستحمام في صمت.. وقفت أنا خلف الحاجز الزجاجي وأغلقت الستارة العازلة، ثم نزعت ثيابي وفتحت مرشاش الماء.. وسمحت للماء البارد بالانسياب على رأسي وجسمي..

ظل يتحدث هو بلا توقف.. يسوق المبررات والدوافع.. ويريدني أن أتفهم موقفه..
لم أستطع أن أستمع لكلمة أخرى منه.. كنت منهكا للغاية.. نفدت طاقتي بالكامل..
أنا فقط عزلته.. أخرجت صوته وكلماته وحتى هو بكليته من رأسي تماما وانشغلت بالاستحمام..

هو لن يغير قراره وأنا لن أتشاجر معه مجددا..
الناس يموتون وهو لا يكترث..
أو ربما هو يكترث.. يكترث لدرجة أنه يريد أن يكون في قلب بؤرة الخطر لأن ذلك هو العدل في رأيه..
وأنا لا أستطيع أن أثنيه عن قراره.. فتركته لمصيره..
فإما أن يعود سالما أو يعود مصاب الجسد أو مشوه الروح أو لا يعود على الإطلاق..
وأنا.. أنا.. تعبت من الركض خلفه.. خلفهم جميعا.. لن أستطيع حماية الجميع..
ماذا أفعل يا ربي؟

بعد أن انتهيت من الاستحمام، قمت بلف المنشفة حول خصري وتجاهلت ارتداء الملابس التي أحضرتي معي.. خرجت من غرفة الاستحمام وهو ما زال يتبعني ويعتذر ويشرح ويبرر..
طلبت منه مغادرة الغرفة حتى أرتدي ثيابي وهو انصاع بتلكؤ..

أتممت ارتداء حُلتي لكي أمر على الشركة بعد قليل، كما وضعت أوراقي وجهاز اللابتوب الخاص بي في حقيبة عملي استعدادا للمغادرة من جديد.. والوجهة المقررة هي مؤسسة رحيم..

قبل أن أغادر المنزل.. صاح باسمي بعتب، فالتفتت له.. لكنه صمت.. لم يقل أي شيء..

هل هذا دوري الآن؟ ماذا أقول له؟ كيف أعبر عما بداخلي وهو يعلمه جيدا ومع ذلك يصر على استكمال طريقه بإقدام وجسارة تصل حد التهور؟

اقتربت منه بضع خطوات، ثم تحدثت بفتور مخفيا كل الخوف الذي يزلزل صدري: "هناك مقولة لأحد المفكرين المغاربة تقول: (الثورة تأكل.. أول ما تأكل أبناءها).. فقط حافظ على نفسك.. وعد سالما.. هذا واجبك نحوي.. أراك لاحقا"، واستدرت وغادرت المنزل دون أن أنتظر منه ردا.

أمضيت بضع ساعات في المكتب بشكل آلي، محاولا لملمة الكوارث التي خلفها انهيار أسهم الشركة في البورصة وتلويح بعض الشركاء الأجانب بتعطيل إرسال شحنات البضائع وقطع الغيار من دولهم بدعوى عدم استقرار الأوضاع هنا في الوطن..
كان تركيز وسائل الإعلام العالمية منصبا على ما يحدث في مصر.. والكل هنا يتابع نشرات الأخبار خوفا من المجهول بعد انقطاع شبكات المحمول والانترنت..

لا أحد يفهم شيئا.. لا أحد يعرف شيئا.. والشائعات تتصدر المشهد..
الحزن يتسلل والحداد يسيطر.. والوجوم والترقب عنوان رئيسي لكل شيء..
لا أحد يستطيع تفسير ما يحدث..

هل غضب النظام لأن مجموعة من المواطنين قالوا إن الأحوال لم تعد مقبولة؟؟
هل فوجئوا برفض شعبي ترجمه ملايين نزلوا إلى الشوارع في عدة مدن؟
هل اندهشوا أن من رفعوا راية التحدي ليسوا مأجورين أو مخربين فقابلوهم بصلف غير مبرر مستغلين اندساس بعض المخربين ودعاة العنف بينهم؟

ولماذا قطعوا الاتصالات بحق الله؟ هل هذا غطاء لحمايتهم من انهيارهم؟ هل يظن النظام أن حجب المعلومات بقطع الاتصالات سيمنع العالم من متابعة ما يحدث على أرض الواقع بشكل حثيث؟

ألم تكن نوبتهم الباطشة الموازية لحالة الفوضى التي تسبب فيها هرب المساجين واندفاع أصحاب المصالح من المجرمين وأعضاء الجماعات المحظورة تعبيرا واضحا عن إنفلات زمام الأمور من بين أيديهم؟

وفي المقابل، كان خطاب رأس النظام للمواطنين مخيبا لآمال من يعتصمون بميدان التحرير فازدادوا عنادا، خاصة بعد أن تحدث ببضع عبارات تشي بالكثير من التعالي والتعامل مع الأزمة بمنطق "تغيير الديكورات" لتجميل البيت المهترئ دون محاولة فعلية لترميمه، حيث أعلن حل الحكومة وتعيين رئيس وزراء جديد، وكذلك قراره لأول مرة بتعيين نائب له، ولكن تلك التجديدات التي لا تعبر عن نية حقيقية في التغيير وتلبية مطالب المتظاهرين، زادتهم عنادا وقرروا مواصلة اعتصامهم حتى تتحقق مطالبهم بإسقاط نظام الحكم بالكامل خوفا من عودة مشروع التوريث بآية صورة إذا أنهوا التظاهرات وعادوا لمنازلهم من جديد.

لا أحد يدري كيف ستتطور الأمور في الأيام القادمة..
هل سيتم السيطرة على المظاهرات وفضها باعتبارها "هوجة غادرة ضد النظام بهدف ضرب الاستقرار"؟.. أم أن حلم الملايين سيتحقق قريبا بإقامة نظام عادل يحمي المواطنين ويسمح لهم بتقديم أفضل ما لديهم لبناء البلد في ظل دولة يسودها القانون، فيعاقب المخطئين ويحفظ حياة الآمنين..

أتعبني التفكير.. واليوم لم يكن يليق به العمل على أي حال..
حالة من الفوضى تسيطر على رأسي كما سيطرت على كل مكان في هذا الوطن.

حاولت تناسي قرار حسام المتهور بالاستمرار في التظاهر والاحتماء بزملائه في الميدان، والذين هم أوهن من بضع شتلات لأشجار أمامها سنوات حتى تنضج وتقوى جذوعها وتمتد جذورها لتقف صلبة في وسط الرياح العاتية.

قلبي يقلقني على هذا الشاب والوساوس تلعب برأسي.. تخبرني أن أمرا سيئا سيحدث له دون أن يكون بمقدوري إنقاذه أو حمايته..

بعد نهاية العمل، قدت السيارة حتى فيلا رحيم، حيث استقبلتني السيدة سناء التي فتحت لي الباب، ثم تطوعت بعرض ما جرى خلال الأمس بتقرير مفصل..

أخبرتني أن شروق نامت أغلب اليوم وأنها استيقظت غاضبة، ولكنها لم تعلم أن لي يد في تنويمها، حيث بررت لها هي الأمر لها بأن الطبيب وصف لها الأدوية وهي كانت تعطيها الجرعات في مواعيدها كما طلب منها تماما دون أن تعلم تأثيراتها الطبية.

لا أنكر سعادتي بغياب تلك المتهورة عن مظاهرات الثامن والعشرين.. يكفيني القلق على حسام وخالد..
صحيح أنني قد تأكدت أنها بخير ولم تتصرف بتهور كذلك الأحمق.. لكنني لست في مزاج يسمح لي بمقابلتها الآن..

فتوجهت مسرعا إلى غرفة المكتب، وانهمكت لبضع ساعات في قراءة بعض التحليلات لاقتصاديات الدول في أوقات عدم الاستقرار السياسي، وخصوصا حالات الاقتصاد الروماني والصيني والإيراني بعد الثورات التي قلبت الأحوال في تلك البلاد خلال القرن العشرين.

قطع تركيزي صوت رنين الهاتف الأرضي في غرفة المكتب.. رفعت السماعة لتلقي المهاتفة، لأجد السيد رحيم على الجانب الآخر..
كان صاخبا وغاضبا للغاية.. كعادته

يبدو أن المداولات السياسية في الحزب قد أثرت كثيرا على حالته المزاجية وأججت نوبات الغضب التي أعلمها جيدا..
هو لم يتحدث كثيرا فقط أخبرني أن أكون متواجدا في منزله صباح يوم الثلاثاء الموافق الأول من فبراير المقبل لأمر عاجل.. ثم أغلق الهاتف!

۞۞۞۞۞۞۞۞۞

مر اليومان التاليان بنفس الشكل الروتيني..
الاتصالات مازالت مقطوعة.. والبورصة مازالت تهبط بشكل مزعج..

وشروق محتجزة في بيتها كعصفورة محبوسة في قفص صغير بعد أن تلقت رسالة تحذيرية حازمة من والدها بعدم مغادرة المنزل حتى يعود..

وحسام لا يعود للمنزل.. لكن المطمئن في الأمر أن الأيام التالية لم تشهد اشتباكات جديدة وباتت الأمور أكثر هدوء بالنسبة للمتظاهرين..

أظن أن الوضع الآن بين الثوار والنظام أصبح يسير بسياسة النفس الطويل، وكلا الجانبين ينتظر أن يصاب الطرف الآخر بالملل أولا ليتصرف بتهور فيحقق هو النصر.

أما خالد، فهو يتعافى بشكل جيد يوما بعد يوم، ويساعده بالطبع بنيته الجسدية الرياضية التي أكسبته لياقة عالية وقوة تحمل لا يستهان بها، فضلا عن تدليل خطيبته الدائم له حتى يستعيد عافيته بالكامل.

وأنا.. بخير..
هكذا أظن.. وهكذا أبدو للآخرين..

وهكذا عليّ أن أكون اليوم تحديدا أمام رحيم عماد الدين الذي أستعد الآن للتوجه إلى منزله للاجتماع معه كما أمرني.. ولا أعلم لماذا أشعر بالضيق من فكرة مقابلته حاليا..

هناك أمر مثير للشك..
رائحة العنف تحوم في الأركان..
ماذا سيطلب هذه المرة؟

۞۞۞۞۞۞۞۞۞

وصلت إلى منزله، حيث كان هو ينتظرني في غرفة المكتب كعادته، فتوجهت إليه بخطى ثابتة محكما قناع الهدوء والثبات أمامه.

رمقني بنظرات متفحصة، ثم تحدث بلهجة آمرة دون حتى أن يترك لي مجالا لكي ألقي تحية الصباح عليه.. حيث قال: "اسمع.. أمامنا عمل كثير في الفترة المقبلة.. الأمور لا تبشر بخير وعلينا أن نحافظ على سيطرتنا على الأمور"..
منعت بصعوبة ابتسامة ساخرة من الظهور حول شفتيّ..

عن أية سيطرة يتحدث؟ الفوضى عمت ويبدو أن الاستقرار قد امتطى الجنون ولم يعد النظام قادرا على إحكام اللجام أبدا..
والمتظاهرون يملؤهم العناد ويرفعون سقف مطالبهم مع كل رد بارد متغطرس من الحكومة.

أكمل كلامه قائلا: "اليوم عليك أن تتوجه إلى ميدان التحرير.. لا تندهش هكذا.. نعم.. أريدك أن تذهب إلى هناك..
المشاكسِة اللعينة في الأعلى تصر على الذهاب للميدان، ومهمتك الأولى هي منع حدوث أي ضرر لها.. لا أقصد أن تحميها.. لا أهتم كثيرا.. فلتدفع ثمن تهورها إن أرادت..".

رفعت حاجبيّ بدهشة، فأكمل هو موضحا: "فقط لا أريد أن يتم إلقاء القبض عليها تحت أي ظرف، حتى لا يلتصق باسمي في الحزب أن ابنتي تثور ضد النظام الذي يحمي مصالحي والذي أعتبر أنا أحد أهم رجاله.. حتى وإن كان الأمر سريا بعيدا عن الأضواء ووسائل الإعلام.. وهذه هي مهمتك الأولى".

أشعل سيجاره الكوبي الفاخر، ثم نفث بعض دخانه، وأكمل: "أما مهمتك الثانية.. فهي دقيقة إلى حدٍ ما.. وتحتاج قلبا جريئا.. الليلة عليك جمع بعض الرجال وأن تدخلوا الميدان من مدخل ميدان عبد المنعم رياض، أريدكم أن تظهروا كمثيرين للشغب، لا تحملوا معكم هويات.. وأخفوا وجوهكم جيدا.. وخذوا كميات كبيرة من فوارغ زجاجات المياه والبنزين والكيروسين.. أريدكم أن تصنعوا مفرقعات بدائية من مخلوط الكحول أو ما يطلقوه عليها (قنابل المولوتوف) وأن تقذفوها نحو الموجودين في الميدان حتى تشتتوهم وترعبوهم وتدفعوهم للمغادرة".

قاطعته قائلا: "قلت لك يا سيدي من قبل.. القتل هو حدودي.. لا تطلب مني أن أقتل أحدا"..

رد هو بعنف: "ومن طلب منك أن تقتل أيها الأحمق.. أنا فقط أريدك أن تشيع الفوضى بين المتظاهرين وأن تفزعهم قليلا.. حتى يغادروا الميدان ويعودوا لمنازلهم.. لقد طالت إقامتهم هناك وتجمدت سبل الحياة بسببهم، وانهارت البورصة وتوقفت المشروعات.. سيخرب حفنة من الحمقى البلد، ولن تصلح بعدها لأي أحد.. وواجبنا الوطني أن نمنعهم من التصرف برعونة حتى وإن كان عن طريق الحزم والضرب على أيديهم.. تذكّر يا بني.. الأهل دائما من حقهم أن يقسوا على أبنائهم.. وعلينا أن نتعامل ببعض الحزم مع من يهددون الاستقرار حتى يعيدوا التفكير في خططهم الشيطانية ويتراجعوا عنها".

قاطعته متسائلا بسخرية: "ولماذا تقول إن خططهم شيطانية؟ هم لم يفعلوا شيئا خاطئا.. فقط طالبوا بغدٍ جديدٍ.. ما الضرر في ذلك؟"..

رد رحيم بعصبية: "حتى إذا لم تكن خططهم شيطانية، سيلتصق بهم منتهزو الفرص بكل تأكيد، وسيكثر حولهم الوصوليون وجماعات المصلحة.. اسمع.. لست في مزاج لكي أتناقش معك.. أنت بحاجة للذهاب للميدان بأي حال.. فوجودك وسط جمع غفير سيفيدك في السيطرة على مرضك.. أليس كذلك؟".. قال كلمته الأخيرة بسخرية واضحة ومسح شفته السفلية بلسانه ببطء وكأنه يلعق طعاما لذيذا..

هو دائما يتسلى بالسخرية مني ومن مرضي.. لا أنكر أنه حاول علاجي مرارا بطريقته الخاصة.. ولكنها لم تفلح أبدا.. بل كانت مثل مخدر قوي المفعول، يأتي بسرعة بنتائج مرضية لتذهب آثاره لاحقا بشكل أسرع.. تاركة ندوب من نوع آخر بخلجات روحي المهترئة..

حاولت التملص من الأمر بدعوى أن تنفيذ هذا الأمر فيه خطورة شديدة إذا تم افتضاحه ووصل للسلطات أو وسائل الإعلام، فقال بثقة مفرطة: "لا تقلق يا فتى.. إنني أفعل ما أفعله لحماية النظام نفسه.. هذه هدية أقدمها للحزب.. إنهاء المظاهرات بدون أن يضطروا هم للتعامل بقسوة مفرطة.. لا مجال أمامك للرفض.. وتذكّر أن أخاك في الميدان".

شرعت في الرد بانفعال على تهديده المبطن، ليكمل هو: "نعم.. نعم.. أنا أعلم كل شيء.. لا تقاطعني.. اسمعني جيدا.. الميدان مكان مفتوح ومليء باللصوص والخونة و.. حتى محترفي القتل.. من يعلم؟ ربما استقرت رصاصة طائشة في رأس أخيك أو صدره"..

خارت قواي وتهاويت على المقعد المواجه لمكتبه مطأطيء الرأس استمع لتعليماته ورأسي يشتعل قلقا على حسام!

نهاية الفصل
دمتن بودن وحب وسعادة وسلام


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-03-21, 11:41 PM   #188

شيرى رفعت

? العضوٌ??? » 482388
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 90
?  نُقآطِيْ » شيرى رفعت is on a distinguished road
افتراضي

الرحيم يزيدك من فضله 💗السرد روعة بجد ومؤثر جدا 👏
خصوصا سرد الفلاش باك لحازم 👌
علاقة حازم بخالد ونعم الصداقة بل الاخوة بدون رابطة الدم💗
الرحيم كان لطيف جدا لحازم وبعت ليه خالد ف الوقت المناسب
أظن لو حازم مش جواه إنسان كويس مش كان وقع خالد ف طريقه🤔


شيرى رفعت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-03-21, 03:15 PM   #189

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:thanks:

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيرى رفعت مشاهدة المشاركة
الرحيم يزيدك من فضله 💗السرد روعة بجد ومؤثر جدا 👏
خصوصا سرد الفلاش باك لحازم 👌
علاقة حازم بخالد ونعم الصداقة بل الاخوة بدون رابطة الدم💗
الرحيم كان لطيف جدا لحازم وبعت ليه خالد ف الوقت المناسب
أظن لو حازم مش جواه إنسان كويس مش كان وقع خالد ف طريقه🤔

شكرا يا شيري جدا على اهتمامك بعرض رد فعلك على الفصل..



مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 02:40 PM   #190

م ام زياد

مشرفة منتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية م ام زياد

? العضوٌ??? » 389344
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,607
?  نُقآطِيْ » م ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond repute
افتراضي

جميل قوي يا مروه وصفك لكل شئ خفيف ومن غير اطالع
رحيم مريض اكتر من حازم، على الأقل حازم مريض لكن فيه ضمير عنده بده غير مرضه ايلي مخليه بيحس بزياده
وسبحان الله الوسط في كل شئ مطلوب
يعني الشعور بمشاعر الآخرين نعمه وبيسمي تعاطف لكن زيادته بتتحول لنقمه وفعلا انا حسيت زي حازم لقتره كده وكنت بقعد بالايام مكتأبه لأي موقف حزين ومؤلم لحد ويمكن عندي دايما احساس بهم تقيل على قلبي ووجع داخلي لو قصرت في طلب حد طلبه مني
بس الحمد لله الأحاسيس ديه مازادتش عن كده🥴
حازم اخ وصديق انسان بيحفظ الجميل حتى لو من شخص زباله زي رحيم رغم أنه ملوش جمايل ولا نيله
حازم عنده مبادئ رغم أنه مش بيعرف بكده بدليل انه قال لزفت البرك القتل من حدوده
قلبي علينا يا بنتي المواجع 😭


م ام زياد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:09 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.