آخر 10 مشاركات
رواية العودة المتأخرة _روايات غادة (الكاتـب : الأسيرة بأفكارها - )           »          الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )           »          ذكريات سجينة (69) للكاتبة: أبي غرين (الجزء الثاني من سلسلة الشقيقان) *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          خائف من الحب (161) للكاتبة : Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ذكرى ضاعت منه(132)للكاتبة:Dani Collins (الجزء الثاني من سلسلة الوريث الخاطئ)*كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          خادمة القصر 2 (الكاتـب : اسماعيل موسى - )           »          نيران الجوى (2) .. * متميزه ومكتملة * سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          363 - رجل غاضب - روبين دونالد (الكاتـب : أميرة الورد - )           »          بعد النهاية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Heba aly g - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل تعتقدون أن خالد قد مات وانتهى دوره بأحداث الرواية؟؟
نعم 0 0%
لا 6 100.00%
المصوتون: 6. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree484Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-03-21, 01:28 PM   #201

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة MonaEed مشاهدة المشاركة
روعة يامروة
الان عرفنا مرض حازم
رحيم بجد رجل رهيب غير رحيم بالمر يهدد بكل الحب
يحمى بكل الكرة
يعالج بكل المرض
رحيم الشر
الرجل الذى به كل الشرور

حازم الشبح
شبح يتلبس روح كل انسان ابتسامة شروق غضب رحيم طيبة ثناء ضعب الضعفاء

تسلم ايدك ع المراجعة يامونمون. يسعدني تعليقك دائما


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-03-21, 01:30 PM   #202

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيرى رفعت مشاهدة المشاركة
مين دا الولد اللى انقذه حازم ولاحسام 🤔🤔
ليلتها فل لو سمعها زومى🤣🤣
بس اعتقد إن حنان معجبه فعلا بيه 💃🏼💃🏼

خلينا نشوف كده حنان هتعجب بمين.. حازم لو عرف هيخليها تاخد شريط المنوم كله


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-03-21, 05:03 PM   #203

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة م ام زياد مشاهدة المشاركة
إياك ثم إياك يا مروه 😒
تتكلم عن حازم ماشي غيره يوك ✋😂
لا تخافوا ولكن احذروا


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-03-21, 03:27 AM   #204

ايدا بولت

? العضوٌ??? » 484028
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 7
?  نُقآطِيْ » ايدا بولت is on a distinguished road
افتراضي

لا ثانية واحدة كده شوشو حبيبتي انتي حبيبتنا وكل حاجة وحنان كمان فوق راسنا وصاحبة جدعة بس انتم بتتكلموا على مين ان شاء الله لو مش حازم احنا هنروح نخطف شروق بنفسنا مش هنعمل خاجة هنعرفها غلطها بس ونفهمها ان ابننا مريض بس جدع ونش هتلاقي حد زيه يحبها😪😪

ايدا بولت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-03-21, 03:49 PM   #205

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile8 تصميمات

مساء الخير يا حلوات...
التصميم الجميل ده لأحد اقتباسات الفصل السابع بأنامل صديقتي مريم زهرة..



ترقبوا الفصل الثامن غدا باذن الله في تمام السادسة بتوقيت أم الدنيا


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-03-21, 07:23 PM   #206

زهرة الغردينيا

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 377544
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,778
?  نُقآطِيْ » زهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond repute
افتراضي

رحيم بدأ يظهر وجهة الحقيقى أمام حازم ...لقد هددة يقتل اخية
ان لم يستجيب ل مطالبة ...
حازم يشعر انة مكبل بالمسوؤليات ...من ناحية عملة مع رحيم
ومن ناحية أخرى حياة شقيقة المتهور و سلامة شروق الغبية ...
بعد كلام رحيم سوف ينفذ اوامرة ...ف اخية هو من تبقى لة من عائلتة...
علاقة قوية جمعت بين خالد و حازم ....لقد شعر حازم بالخوف والقلق
من فقدان صديقة . ..
خالد هو من ساعدة لكى يتعالج ....ودفعة ل زيارة طبيب نفسي...
مرض حازم جعلة اسير ل رحيم ....لقد استغلة رحيم اسوء
استغلال ...فهو يعاملة ك عبد لدية....
تسلم ايدك على الفصل المؤثر
بانتظار القادم 💖😘


زهرة الغردينيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-03-21, 06:14 PM   #207

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 الفصل الثامن

الفصل الثامن

شروق


طرق متواتر في رأسي.. وعيناي مثقلتان بشدة.. أين أنا؟ ولماذا تيبس جسمي هكذا؟
آه.. ظهري..
ما هذا المكان؟ ولماذا لا أستطيع أن أفتح عيناي؟
الجنديان.. سيقتلاني.. لابد أن أهرب.. ولكن أنا مكبلة..
صوتي لا يخرج.. لماذا لا أستطيع الصراخ؟
آاااااه.. آاااااااااااااااااااااااا ااه.

انتفضت من نومتي فجأة بحركة عنيفة جعلت الدنيا تدور بي.. أغلقت عيني مجددا لبضع ثوانِ ثم فتحتهما برفق لأتبين أين أنا..
نظرت حولي أستكشف المكان..
مهلا.. هذا فراشي.. وهذه غرفتي.. ماذا حدث؟ كم ساعة نمت؟

أمسكت المنبه الصغير الموضوع على المنضدة الجانبية المجاورة لفراشي أتفحصه بقلق..
الساعة تشير إلى السادسة والربع صباحا..
المستشفى.. يجب أن أذهب للمستشفى..

أمسكت هاتفي المحمول لكي أتصل بحنان صديقتي لأسألها عن موعد نوبتي اليوم.. فأنا لا أتذكر شيئا..
ولكن الهاتف لا يعمل..
هل تلف؟

أخذت نفسا عميقا.. ثم آخر.. وثالثا..
حاولت أن أهدئ نفسي وأستجمع أفكاري وأخرج من حالة التشوش الغريبة التي تلفني.
فكرت أن أحصل على حمامٍ أولا لأستعيد حيويتي وأتخلص من آلام عضلاتي التي تئن بإصرار موجع..

غادرت الفراش بتأنٍ وأنا أتحسس وقع قدميّ المتيبسين حتى وصلت إلى الحمام، وجلست بداخل حوض الاستحمام برفق، ثم فتحت مرشاش الماء الساخن، لتنساب خيوط الماء على جسمي تفيقه من حالة الخمول المسيطرة عليه وتفكك عضلاتي من تيبسها وتعيد سريان الدماء بحيوية بداخلي وتمنحني دفئا كنت أتلمسه منذ استيقظت فزعة.

فجأة.. اندفعت الذكريات إلى رأسي كشلال هادر..
كان يوم 25 يناير عندما تعرضت للضرب... ثم.. ثم وجدت نفسي في المنزل ويقال إن سائق أجرة هو من أوصلني للمنزل بعد أن نجوت بأعجوبة من الجنديين اللذين كادا يفتكان بي.. وبعدها..

بعدها كنت بالفراش ليوم ونصف.. ثم.. ثم جاءت حنان.. وتحركنا قليلا في الفيلا.. ثم.. ثم.. لا أتذكر..

أغلقت صنابير الماء بعنف، وارتديت روب الاستحمام بعجلة كيفما اتفق، ثم هرعت إلى خزانة ملابسي وأخرجت منامة شتوية من المخمل الأسود وارتديتها على عجل.. وسحبت هاتفي المحمول وتوجهت إلى المطبخ..

كان نصف جسد ماما سناء يختبئ بداخل الثلاجة، حيث كانت تسحب بعض الأغراض من أجل إعداد وجبة الإفطار، وحينما التفتت ووجدتني أمامها.. أسقطت سلة الخضر التي جمعتها وشقهت من الفزع، ثم استعادت رباطة جأشها وسألتني بلهفة: "هل استيقظت يا صغيرتي؟ كيف حالك الآن؟"

أجبتها وأنا مازلت أحاول الخروج من حالة الضبابية المسيطرة على تركيزي: "بخير.. أظن أنني بخير.. ولكن ماذا حدث لي؟ متى نمت؟"..

ردت هي بابتسامة مفتعلة: "آه يا صغيرتي لقد نمتِ لأكثر من نصف يوم.. يبدو أن جسمك كان مجهدا وبحاجة للراحة.. عليك أن تنتبهي لنفسك أكثر وأن تهتمي بطعامك وتحصلي على ساعات نوم أكبر وتقومي بـ..."..

قاطعتها بتساؤل مُلح: "أنا نمت كل هذه المدة؟ كيف؟"..
ردت هي بتوتر واضح: "لا أعلم.. أنا نفسي اندهشت.. فور أن أخذتِ دواءك.. هاجمك النعاس على الفور ولم تستيقظي حتى الآن".
سألتها بدهشة: "أنا؟ أي دواء يدفعني للنوم هكذا؟ أريني العبوة"..

تحركت ماما سناء بخطوات متثاقلة ثم أحضرت لي صينية عليها أربعة أصناف من الأدوية من بينها xxxx كالميبام المنوم..

أمسكت العبوة بعنف ثم أشرت بها نحو ماما سناء التي بدت متلعثمة وسألتها: "متى أحضرتِ هذه العبوة؟ أنا لم أرها من قبل؟ عندما كنت أخذ الxxxxات المسكنة للآلام، لم تكن هذه العبوة موجودة ضمن الأدوية التي وصفها لي الطبيب.. كيف جاءت إلى هنا؟ ثم كيف ولماذا أعطيتيني منها؟ هذا أمر غريب".

ومض شيء برأسي، فاستطردت: "مهلا.. أنا أتذكر الآن.. ألم أكن أنتوي الذهاب إلى ميدان التحرير مجددا؟ ماذا حدث ياماما؟ هل فعلتِ ذلك كي تمنعيني من الذهاب؟ هل أنا طفلة صغيرة لا تستطيع اتخاذ قرار وتحمل نتائجه؟".

ردت هي بهدوء غريب: "لماذا تفكرين هكذا يا بنيتي؟ أنا لم أمنعك من الذهاب أو ما شابه.. أنا فقط نفذت أوامر الطبيب.. هو اتصل بي ووصف الدواء وقال إن عليكِ أن تأخذيه في اليوم الثالث من العلاج.. وقال إن مفعوله يظهر بشكل أفضل إذا تم تناوله مذابا في كوب من العصير الطازج بدلا من ابتلاعه كقرص جاف حتى لا يحدث.. امم قرحة أو ما شابه.. وأنا.. امم فقط نفذت أوامره.. فأنا أخشى عليكِ كما تعلمين وليست لدي خطط أخرى.. كما أنني لا أضع نفسي في مكانة لا تناسبني".

لم أستطع الاحتفاظ بغضبي وهي تنطق جملتها الأخيرة بأسى واضح ملمحة بأنها مجرد عاملة في المنزل وليست لها سلطة عليّ.. فأردت أن أبهجها بعد كلماتي الثقيلة نحوها، فرفعت كلتي يديّ لتحتضنا كتفيها، ثم علقت: "تعلمين أنني لا أقصد ذلك.. أنا فقط مندهشة من نومي كل ذلك الوقت ولم أقصد اتهامك أو تعنيفك.. أنا آسفة.. ماما.. أنا جائعة للغاية.. ماذا ستعدين لي على الإفطار؟"

انفرجت أساريرها بعد كلماتي، وهمت بإعداد وجبة الإفطار لي، قائلة بحبور: "حالا يا حبيبتي"، ثم سكبت لي فورا كوبا ضخما من الحليب الدافئ المحلى بعسل النحل، وقربته من مكان جلوسي أمامها على الطاولة، وقالت: "عليك أن تشربي هذا أولا.. لقد فقدت بعض الوزن خلال الأيام الماضية".

قلت أنا بتسلٍ: "هذا خبر جميل.. ألم تلاحظي كم كنت ممتلئة؟ كنت على وشك الانفجار كأنبوب غاز متضخم"..

ردت هي باستنكار: "عفوا؟ أنتِ تتمتعين بجسم رائع متناسق.. من المؤكد أن الرجال يأكلون أصابعهم غيظا كلما رأوكِ.. أنيقة ورشيقة وذات قدٍ ممتلئ بأمارات الأنوثة الملفتة.. أنتِ تشبهين نجمات الستينات بقوامك الصارخ الأنوثة.. وعليكِ أن تستعيدي هذه الهيئة بسرعة.. أريد أن أزوجك لشاب أحمق وأتخلص منك بأسرع وقت".

أجبتها أنا بطفولية بحتة: "وأين سأجد شابا أحمقا يتقبلني كما أنا؟ تعلمين أن طالبات الطب لا يكون لديهن وقت للحب وللزواج.. ثم أي وطن هذا الذي سأتزوج فيه وأنجب أطفالا ليس لهم مستقبل؟ فلندعو الله أن يحدث التغيير أولا.. وبعدها نفكر في مسألة الزواج.. أنا لست بحاجة للحب على أي حال.. فلديّ أنتِ.. و.. والدي".. قلت الكلمة الأخيرة بتردد، فحاولت تداركه بكلماتي التالية: "ثم أين سأجد رجلا مصريا يتمتع بطول قامة رشدي أباظة ووسامة عمر الشريف وخفة ظل أحمد رمزي وحنان شكري سرحان ودلال خالد النبوي و...".

قاطعتني ماما سناء بصوت ضحكاتها ثم قالت: "عريس بهذه المواصفات يجب صناعته يدويا.. فلنبحث عن المقادير أولا وطريقة التحضير.. أيتها السخيفة.. فقط جدي شابا لطيفا وحنونا يحبكِ.. ويعوضكِ"..

صمتت برهة وابتلعت ما كانت تريد قوله، ثم استطردت: "أقصد يعوض انتظارك ومقاطعتك للحب كل تلك السنوات يا شمطاء".

أجبتها متصنعة الغضب: "الآن صرت شمطاء؟ هل أصبحت منتهية الصلاحية لمجرد أنني أقاطع الحب والزواج حتى لا أتعطل عن التركيز في دراستي وبحثي العلمي؟ ارتاحي يا ماما.. جميع الشباب لديهم سوء تغذية ويعانون من قصر القامة وضعف البنية الجسدية.. أريد رجلا كالفهد الواثب.. ذا نظرة ثاقبة.. وجسدا فارع الطويل ممشوق ومشدود القوام.. يشبه المحاربين الرومانيين ولكن بطباع مصرية.. هل لديكِ رجل بهذه المواصفات؟"

لترد هي وعيناها تلمعان بالذكاء: "إذا نظرت حولكِ جيدا.. ستجدين من تبحثين عنه"، ثم ضمت شفتاها وأرسلت لي قبلة عبر الهواء، قبل أن تستدير وتبدأ في إعداد طبق من الأومليت الشهي مع المشروم والخضروات الطازجة وخليط الجبن المبشور..

الرائحة زكية وأنا جائعة للغاية.. سألتهم هذا الطبق بكل تأكيد...

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

بعد وجبة الإفطار.. أمضيت بضعة ساعات في غرفتي أتابع القنوات الإخبارية لكي أكتشف ما فاتني في الساعات التي غبت فيها عن العالم.. والحقيقة أنني أشعر أنها لم تكن بضع ساعات فقط، فأنا تقريبا غائبة ع العالم منذ اليوم الأول للثورة.. وربما فاتتني كل الأحداث والتصعيدات التي تلتها حتى يومها الخامس..

توالت الصدمات على رأسي.. ما ذكرته التقارير عن التعامل بعنف مع المتظاهرين وقطع الاتصالات أملا في تفريقهم دون جدوى كان أمرا صادما.. ما زال النظام يتصرف بطريقة فاشية غاشمة لحماية نفسه فقط..

ألا يعلمون أن الشباب حين قرروا النزول من بيوتهم كانوا يدركون أن السلطة لن تقابلهم بالورود وحبات الشوكولاتة؟

خطتهم بإخافة المتظاهرين أتت بنتائج عكسية تماما والآن أصبح الشباب أكثر عنادا في مطالبهم التي ارتفعت لعنان السماء بعد احتقار الحزب الحاكم لهم.. وبات رد الاعتبار المناسب لهم هو إحداث تغيير كامل يبدأ من قمة السلطة ويطال كل المؤسسات التي تمكن منها الفساد.

أي نظام هذا الذي يمنح نفسه سلطة أبوية ويعامل أفراد شعبه وكأنهم أطفالا صغارا لا يستطيعون التصرف بحكمة ويجب عقابهم بتهمة الصخب حتى يرتدعوا؟!!
الويل لهم..

لو كان فقط بإمكاني أن أنشر بعض أفكاري الآن عبر مدونتي.. كنت سأكيل لهؤلاء الحمقى ما يستحقون.. ولكن لحسن حظهم فإن الاتصالات بشبكة الانترنت مقطوعة تماما..
تبا لهم..

قاطع استرسال أفكاري، صوت الهاتف الأرضي في غرفتي.
سحبت السماعة باندفاع لأجد على الطرف الآخر صوت صديقتي الحبيبة حنان التي أخذت تسألني بلهفة عن حالتي الآن وتعتذر أنها لم تتمكن من المبيت معي ليلة أمس، حيث كان عليها السهر بالمستشفى لتغطية غيابي بعد أن تقدمت بطلب اعتذار عن نوبات الأيام الماضية نظرا لمرضي المفاجئ، مؤكدة أنها لم تخبر أحدا أنني قد تعرضت للاعتداء بعد مشاركتي في مسيرات اليوم الأول للاحتجاجات.

ظلت حنان تردد وتحلف أنها قد أصابت ماما سناء بالصداع من كثرة اتصالاتها الهاتفية كل ساعة حتى تطمئن عليّ.. وفي النهاية أخبرتني أنها قد قدمت لي طلبا لرفعي من جدول الدوام بالمستشفىى لبضعة أيام مقبلة بعد أن قدمت تقريرا بحالتي المرضية وحاجتي للراحة والعلاج..

أخبرتها أنني بخير وأستطيع استئناف جدول وردياتي المقبلة، فردت هي بأن المستشفى مزدحم بالأطباء والمتطوعين من طلاب الامتياز بعد الأحداث الأخيرة.

أنهت حنان المكالمة وهي تخبرني أنها ستغادر المستشفى بعد قليل، وستأتي لزيارتي مباشرة مطالبة بوجبة دسمة من يد ماما سناء تكون جاهزة بانتظارها عند وصولها لأنها لم تتناول شيئا منذ الأمس.

وبالفعل، كانت حنان واقفة أمامي بعد أقل من ثلاث ساعات. اقترحت عليها أن تأخذ حماما وتغير ملابسها لملابس لأخرى مريحة. أعرتها إحدى فساتيني المنزلية الفضفاضة، ثم جلسنا معا في الفراش وتدثرنا بغطاء خفيف، وبدأنا نشاهد من جديد القنوات الإخبارية التي تنقل تطورات الأحداث أولا بأول ..

إحدى القنوات بدأت في عرض مقاطع فيديو مسجلة بكاميرات الهواتف المحمولة وتظهر أعمال العنف التي شهدتها المسيرات على مدار الأيام الأخيرة.

مع توالي عرض تلك اللقطات، شعرت بضربات قلبي تتسارع وبجسدي يتصلب شيئا فشيئا..
عدت بالذاكرة إلى يوم تبادل رجلي الأمن ركلي بعنف في بهو ذلك الxxxx باليوم الأول للاحتجاجات وبدأت أنشج بذعر..
لم أشعر بنفسي إلا عندما احتضننتي حنان بقوة، فقد كنت أرتعش وأنشج الدموع بألم وهلع..

أنا متأكدة أن الجنديين كانا سيفتكان بي لولا.. لولا ذلك الملثم بالوشاح الأسود والذي ظهر فجأة وأسقطهما أرضا ببضع لكمات سريعة وكأنه عنصرا خاصا في جهة أمنية سرية..

تُرى من هو هذا الرجل؟ لو كنت أعرف هويته كنت سأتوجه إليه بالشكر لأنه أنقذ حياتي ببسالة.

سحبت نفسي برفق من بين ذراعيّ حنان وكفكفت دموعي بأصابع يديّ، ثم التفتت نحو حنان وأنا أخبرها بلهفة وإصرار: "حنان.. أنا متأكدة أن شخصا ثالثا كان موجودا يوم أن ضربني الجنود.. في البداية كان هناك هذا الشاب الذي علمنا أول أمس أنه مخرجا.. وبعد أن تدخلت أنا لمنعهم من البطش به.. كان هناك شخص ثالث ظهر فجأة.. جاء بسرعة ومنع الجنود من الفتك بي.. أنا متأكدة من ذلك.. كان الجنديان ينهالان عليّ ركلا تمهيدا لتكبيلي واعتقالي ربما، ولكن انشقت الأرض فجأة عن ذلك الملثم المتشح بالكامل بالسواد كشبح مظلم أو فهد جاجوار أسود..".

تنهدت بصوت متحشرج بألم الذكرى، ثم أكملت: "ارتعبت منه في البداية وظننت للحظة أنه جاء ليؤذيني مثلهما.. ولكنه قام ببعض الحركات القتالية السريعة ليسقطهما أرضا في خلال دقيقتين فقط.. أو هكذا أظن.. لم أكن في كامل تركيزي.. لكن من المؤكد ان تدريبه يفوق تدريبهم بمراحل.. ثم .. ثم فقدت الوعي بعدها ولم أستيقظ إلا في منزلي.. ماما سناء تقول إنه حلما وأن بعض الشباب أوقفوا سيارة أجرة بعد أن تفحصوا أوراق هويتي في حقيبتي وقاموا بإملاء العنوان للسائق وهو من أحضرني إلى هنا.. ولكن لا.. لم يكن حلما.. أنا لا أهذي.. لولا إنقاذه لي لكانت حياتي قد انتهت على الأرجح.. أعتقد أنني غبت عن الوعي بمجرد أن شعرت بالأمان.. يجب أن أبحث عنه وأقــــــــــــ"..

قاطعتني حنان برفق وهي تمرر كفها على ظهري ببطء لتهدئتي: "ششش.. لا بأس عليك يا صديقتي.. اهدئي الآن وسنتحدث عن هذا الأمر لاحقا.. حمدا لله أنك قد خرجتِ من تلك المحنة سليمة.. لقد كان الله رحيما بكِ وبنا.. لا أتخيل ماذا كان سيحدث لي إذا كان قد أصابك مكروه.. اهدئي يا غاليتي.. سيكون كل شيء بخير".

ظللنا على هذا الوضع لبضع دقائق أخرى، حتى هدأتُ تماما، وذلك حين قررت حنان أن تغير الأجواء بحديثها العابث الذي لا يناسب أبدا شخصيتها المتدينة، حيث قالت بمرح مفتعل: "حسنا.. متى ستقابلين حبيب القلب الذي وضعتِ حياتك على المحك من أجل انقاذه.. لقد ظهر في التليفزيون بالأمس وأنتِ نائمة.. إنه وسيما بحق.. آه.. ليتني قابلته أولا.. لم أكن لأتركه لكِ أبدا.. كما أنه ظل يتحدث كالمثقفين أصحاب وجهات النظر المؤثرة.. لقد أعجبني اختيارك هذه المرة.. أنا موافقة".

دفعتها بقسوة متصنعة الضجر، ثم سحبت الوسادة وقذفتها باتجاه رأسها، وأنا أهاجمها بكلماتي وأصابعي تدغدغ جانبيها: "ماذا تقولين يا غليظة؟ هل تظنين أنني معجبة به؟ يا تافهة.. هل ينقصني الآن سخافتك؟.. ثم إن قامته قصيرة نوعا ما.. لا يناسبني أبدا.. أظن أنه يناسبك أنتِ يا باربي الصغيرة.. فلماذا لا تتزوجي منه إذا كان قد أعجبك لهذا الحد؟ يمكنني أن أتوسط بينكما"، قلت العبارة الأخيرة وأنا أغمز لها بعيني اليسرى، وأكملت بسرعة: "فأنا يمكنني بسهولة الحصول على أرقام الاتصال الخاصة به كما تعرفين.. ومن المؤكد أنني سألتقيه قريبا.. ما رأيك في الانضمام لي في لقائنا الأول؟ سأقوم بدور (الخاطبة) على أكمل وجه.. ثقي بي يا صغيرتي.. سأجعلك عروسا في ظرف يومين".

انتفضت حنان من جلستها، وقذفتني بالوسادة التي استقرت على رأسها منذ قليل، وهي تقول: "يا لك من مزعجة.. تعلمين أنني لا أفكر في الزواج.. كنت أمازحك يا سخيفة.. فجأة صرت أنا العاشقة الآن؟ استغفر الله العظيم.. لن أمزح معكِ هكذا بعد الآن"..

كانت تتصنع هي الغضب وأنا أعلم.. فقلت لها بملل: "حسنا.. كما تشائين.. لكن العريس موجود.. فكري في الأمر ريثما أخطط للقائه قريبا.. وإلا سرقته لنفسي"، ثم أخرجت لها طرف لساني بحركة طفولية لتدخل هي في نوبة من الضحك.

دلفت ماما سناء إلى داخل الغرفة أثناء انهماكنا في الضحك، حيث كانت تحمل صينية من الأطعمة اللذيذة ووضعتها على المنضدة الصغيرة في جانب الحجرة، ثم قالت بابتسامة هادئة: "هيا يا فتيات.. إلى الطعام.. لقد جهزت لكما دجاجا متبلا بحشوة الأرز مع بطاطس مهروسة باللحم المفروم وسلطة خضراء.. وأضفت بعض المخللات من أجلك يا نونا".

ثم التفتت نحوي وهي تقول بشكل عرضي: "الأستاذ حازم هنا.. دخل إلى غرفة المكتب مباشرة لإحضار بعض الملفات.. يبدو أنه منهمكا في العمل بعد سفر والدك.. أعانه الله.. هل تريدين أن أخبره بشئ؟"، أنهت سؤالها بابتسامة مشجعة وكأنها تريدني بالفعل أن أطلب منه شيئا..
ما شأني به؟.. لا أهتم.. رفعت لها كتفيّ بعدم اكتراث ففهمت هي الإجابة، وغادرت الغرفة على الفور..

انقضت حنان على الطعام كمارد قضى أياما هائما في الصحراء بلا مؤونة وتم انقاذه للتو..
هذه النهمة الصغيرة تأكل ما يحلو لها دون أن تكتسب أي وزنٍ إضافي.. المحظوظة لم تشغل نفسها يوما بحساب السعرات الحرارية أو اضطرت لممارسة الرياضة بشكل منتظم خوفا من امتلاء قوامها بشكل منفر.

تركتها تأكل بتلذذ، وتحركت نحو جهاز الآيبود الموصل بسماعات ضخمة تنتشر حول الغرفة واخترت تشغيل أغنية قديمة لفيروز اسمها: "بدنا نكمل"..

فور أن علا صوت الموسيقى الحاد، ناظرتني حنان بغضب وتساءلت متهكمة: "هل سنحارب الآن؟ أريد أن أستمتع بوجبتي.. ما هذه الأغنية المخيفة".. زجرتها بعيني وأشرت لأذنيّ – أن استمعي – فعبست بوجهها قبل أن تعود لاستكمال التهامها للأطباق المرصوصة أمامها على الطاولة..

أمضينا بضع ساعات أخرى ونحن نتسامر، وتخللها بالطبع تحذيرات مبطنة من حنان تثنيني عن العودة للتظاهر من جديد بعد ما تعرضت له من تجربة مرعبة.. بعدها أعلنت عن مغادرتها لمنزلها قبل أن يحل الظلام.

بعد رحيل حنان، كان النوم يجافيني، فأخذت أقلب بين القنوات لأكتشف أنه قد تم الإعلان عن كلمة سيوجهها الرئيس للشعب مساء اليوم.
بقراءتي للموقف من خلال المعلومات التي استعرضتها القنوات التليفزيونية، لم أتوقع أبدا أن يلبي الرئيس طلبات المتظاهرين ويعلن عن انسحابه من السلطة والحياة السياسية عموما ليوقف بشكل عملي مشروع التوريث..

أظن أنه سيستمر حتى الرمق الأخير.. فهو يعتبر المتظاهرين مجرد مجموعة من الطائشين الذين يجب تعنيفهم لأنهم تطاولوا على كبيرهم وأساءوا لوالدهم بأسلوبهم الفظ الوقح في التعبير عن رغبتهم في إحداث تغييرات سياسية واقتصادية.

لنرَ كيف سيجري خطابه المنتطر..

بعد سويعات قليلة، عرضت القنوات التليفزيونية خطاب الرئيس الذي بدا فيه وكأنه لم يعايش التطورات المتسارعة الأيام الماضية..
تُرى هل ينقل له مستشاريه صورة كاذبة عما يجري فعليا على أرض الواقع؟

تحدث هو بشكل عملي بحت، وبدأ في استعراض قراراته الجديدة ومن بينها إقالة رئيس الوزراء وإلزام رجل آخر من رجاله بتشكيل الحكومة، كما قرر لأول مرة تعيين نائب له..

لا أظن أنه أحسن التصرف على الإطلاق بهذه القرارات المتأخرة.

صدق حدسي.. فهو ما زال ينظر للأمر بتعالٍ وعدم اكتراث بدلا من السعي جديا لاحتواء الموقف.
يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 13-03-21, 06:22 PM   #208

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 الفصل الثامن - القسم الثاني

في صباح اليوم التالي، استعرضت النشرات الإخبارية أهم الوقائع التي تمت في مصر خلال أسبوع كامل من الاحتجاجات في أطول سلسلة اعتصامات شعبية شاملة في تاريخ مصر المعاصر..

أظن أن قرار قطع الاتصالات لم يكن مفيدا أبدا للنظام كما ظن، فهو سمح للقنوات المتحاملة على الوطن بشن حملات تشويه مكثفة تزيف الحقائق وتنقل الأحداث بلا حيادية في ظل غياب المعلومات، بينما إذا كانت قد سمحت بإتاحة المعلومات عن طريق عدم قطع الانترنت، لكان المتظاهرين أنفسهم هم أول من نقل الحقائق بدون تزييف أو تجميل..
في عصر الأجهزة الذكية، صار كل شيء مسجلا بالصوت والصورة ولا مجال للخداع..

الآن، أشعر أنني مغيبة أو عاجزة بسبب انقطاع خدمات الانترنت.. فقط أسيرة لبضع القنوات الإخبارية، كلٌ منها يقدم الحقائق من وجهة نظره فقط.. ولا أملك رفاهية البحث والتعمق، كما لا أستطيع مغادرة المنزل بينما لا توجد وسيلة اتصال اطمئن بها والدي..

هو لا يعلم أصلا أنني شاركت في مظاهرات اليوم الأول.. ليس وكأنه يهتم.. بالبلد.. وبي.. هو يهتم بنفسه واستثماراته فقط..

لم أرد أن تتمحور أفكاري حول علاقتي بأبي.. فالآن وقت الاطمئنان على مئات الآلاف من المتظاهرين الذي يحاولون التأثير في مستقبل أمة كاملة شارف عدد سكانها على تخطي حاجز المائة مليون نسمة.

تغيرات كثيرة لحقت بالمشهد العام في مصر على مدى أقل من أسبوع واحد، حيث تم اعتقال أحد النشطاء الذي كان من أوائل الداعين للثورة، وبعدها أعلن المنتمون لبعض التيارات المتشددة عن مشاركتهم في مظاهرة 28 يناير، وهو ما دفع قوات الأمن للتصرف بعنف مع المتظاهرين بعد أن اختلط أنصار الجماعات المحظورة بالمتظاهرين، وبدأت المسيرات السلمية تتحول لجبهات داخلية وتكتلات حيث يبحث أصحاب كل جبهة عن جائزتهم ومغانمهم قبل حتى أن تكلل الثورة بالنجاح..

ومساء الأمس بدأت بوادر الفوضى، بإعلان تعرض بعض البازارات المواجهة للمتحف المصري للسرقة، وكذلك بعض ماكينات الصراف الآلي، بالإضافة للاعتداء على بعض المتاجر الضخمة والمراكز التجارية، فضلا عن هرب المساجين وسط أعمال دموية راح ضحيتها العشرات من رجال الشرطة والمواطنين الأبرياء.

أخذت ساعات أحاول فيها تحليل الموقف الآن، واستقراء كيف ستتحول الساعات المقبلة وتؤثر بشكل حاسم على مسار الثورة، خاصة بعد أن دعا الرئيس الأمريكي إلى ضرورة بدء خطوات فعلية نحو التحول الديمقراطي الحقيقي في مصر نزولا على رغبة الشعب.

يبدو أن خطة الحزب الحاكم بالتعديل الشكلي في كادراته وتغيير الوجوه لم تنجح بإقناع العالم بنية الحزب الحاكم الحقيقية في عدم الانفراد بالسلطة.

لم يعد يمكنني الجلوس في المنزل والانتظار هكذا.. يجب أن أجد حلا.. وأن أنضم للمتظاهرين حتى ولو بالتطوع في المستشفى الميداني لعلاج المصابين..

ربما أبدأ بتنفيذ خطتي بعد عودتي لنوبات العمل في المستشفى..

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

اليوم السابع للثورة شهد المزيد من التطورات المزعجة وأنا مازلت حبيسة المنزل، فقد احتشد المتظاهرون في الميادين الرئيسية في أغلب محافظات مصر مؤكدين على الاعتصام وعدم الرحيل رغم تهديدات الأمن وانتشار قطاع الطرق وكثافة الشائعات المخيفة حول مصير المتظاهرين وكذلك احتمالية الاعتداء على عدد من المنشآت الحيوية من جانب مجرمين يتبعون جماعات سرية تسعى لإشاعة الفوضى في أرجاء البلاد..

الأمور مشتعلة ومقلقة، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بما يمكن أن يحدث فعليا بعد الآن بسبب العناد المتبادل بين المتظاهرين وكبار رجال السلطة.. وهذا ما يشي بأن هناك أمرا مخيفا على وشك الحدوث..

لا أحتمل الجلوس في المنزل هكذا وأنا بعيدة عن مساندة زملائي المدونين.. لابد أن يكون لي دور.. أنا أشعر بالعجز التام..
قطعت الغرفة جيئة وذهابا وأنا أفكر في وسيلة تجعلني أذهب إلى الميدان للمشاركة في الاعتصام.. وفجأة اقتحمت ماما سناء الغرفة لتخبرني بصوت مندفع أن والدي قد عاد من السفر..

الآن جاءت الفرصة.. في الصباح سأفاتحه في الأمر.. ولن يرفض بالتأكيد..

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

في الصباح تناولت وجبة الإفطار مع والدي في غرفة الطعام.. وكان اللقاء فاترا للغاية.. قررت مواجهة أبي واقتراح التوجه إلى ميدان التحرير اليوم، حيث لم تواتني الشجاعة لكي أخرج من المنزل بدون أن أخبره..

لم يكن من المناسب على أي حال أن أغادر دون علمه وهو موجود في المنزل.. أنا لم أتعود أبدا على القيام بهذا التصرف.

بدأت الحديث إليه بعبارات مقتضبة ومنتقاة، ولكنه لم يسمح لي بإكمال ما كنت سأقوله ورفض بكل حدة.. حاولت أن أستجمع شجاعتي وأقنعه أن الأمور صارت هادئة الآن وليس من المحتمل أن تكون هناك موجات عنف بين المتظاهرين وقوات الأمن.. وأن عملي كطبيبة يحتم عليّ الذهاب لمساعدة المحتاجين في العلاج.. ولكنه رفض بشدة ونهض من مقعده وغادر منفعلا بشدة، تتساقط خلفه كلمات ساخطة أفرغها كل حقده غير المبرر عليّ: "الغبية تظن أنني أخشى عليها.. لا تفهم برأسها الصغير أن كل ما يشغلني حاليا هو كيف ستتطور الأمور خلال اليومين المقبلين.. يجب إنقاذ الموقف بآية وسيلة".

صعدت إلىى غرفتي لأفكر كيف سأفاتحه مجددا في الأمر متجاهلة تأثير كلماته القاسية على روحي.. وفي النهاية استجمعت رباطة جأشي وتصنعت الجدية والحسم وتوجهت نحو غرفة المكتب التي يقضي بها والدي أغلب ساعات يومه عندما يكون في المنزل.

كانت خطواتي تقترب حثيثا من باب الغرفة وهممت بأن أفتحه متسلحة بالقناعات التي كنت قد ركزت عليها قبل التوجه إليه لكي يسمح لي بالذهاب للميدان، عندما سمعت أبي يوجه كلماته لأحدهم ويقول: "الوقت صار حرجا يا بني.. أنت لا تتخيل سعادتي كلما نفذت لي طلبا بدون مقاومة أو مجادلة.. الآن جاء دورك يابني.. يجب أن نحسم الأمور لصالحنا. أنت سلاحي الأقوى والأذكى.. أنت صناعة يديّ ومصدر فخري.."

من الذي يتحدث إليه والدي؟ ولماذا لا يشاركه الآخر الحديث أو يرد عليه؟؟

كانت الفرصة مهيئة لكي أستمع لهذه المحادثة.. فهذه الكلمات مريبة ومثيرة للقلق.. ربما.. ربما تكشف شيئا عن غموض والدي..

تسللت بخفة إلى الغرفة المجاورة لغرفة المكتب وبدأت أشحذ أذنيّ للاستماع للمحادثة الغامضة بين أبي ومن يدعوه بكل حبور (بُني).

استأنف أبي كلماته بقوله: "كنت أحدثك دائما عن الولاء والاحترام.. أنا كنت أحترمك وأحترم مرضك الغريب.. وقمت بمساعدتك على التغلب عليه مرارا.. كما ساعدتك في تربية شقيقك.. سبق وقدمت الكثير من أجلك وحميتك عندما ارتكبت حماقتك التي كادت تضيع حياتك.. والآن حان دورك.. جاء الوقت لكي تظهر لي ولاءك.. وهذا الأخير لا يأتي إلا عندما يوضع المرء أمام خيارات تدفعه لاتخاذ القرار الصحيح.. ليس وكأن أمامك الكثير من البدائل.. فأنت ابني العزيز وستنفذ بالتأكيد الاختيار الأمثل.. ألست كذلك؟!".

ما الذي يقصده أبي بالولاء؟ ولماذا يبدو وكأنه يهدد أحدهم حتى يجبره على تنفيذ ما يريد؟
هل الولاء هو انعدام القدرة الحقيقية على الاختيار، والانصياع الأعمى لمطالب شخص ما، والتلبية الفورية لرغباته؟
أليست هذه عبودية؟
هناك مقولة لجورج أورويل تقول: "إن الولاء يعني إنعدام التفكير.. بل إنعدام الحاجة للتفكير .. الولاء هو عدم الوعي".. وأنا مقتنعة تماما بهذه المقولة..

ما الذي تخطط له يا أبي الآن؟ ومن الذي سيقف في المواجهة من أجلك هذه المرة؟!

قطع استرسال أفكاري صوت أبي وهو يوجه كلماته نحو الشخص الموجود معه في غرفة المكتب أو ربما يحادثه عبر الهاتف، فصوت الآخر لم يخرج أبدا منذ اقتربت من غرفة المكتب، حيث قال بحزم: "اجمع الرجال وجهزوا ما طلبت منكم.. واجهوا المتظاهرين الحمقى.. أخيفوهم.. أرهبوهم.. أجبروهم على المغادرة.. واذا لم يذعنوا.. أحرقوهم.. هل فهمت يا حازم؟"

من؟
حازم؟
وما شأن حازم بــــــــــــــــــــــــ ـ..

لحظة.. لحظة..
ماذا؟
ما الذي يحدث؟

يبدو أن لقاء أبي بحازم قد انتهى لأن صوته قد توقف تماما..

كان عليّ التسلل من المكان الذي اختبئ به قبل أن يتم اكتشافي، وبعدها سأفكر مليا في خطوتي التالية..
تحركت بخفة قاصدة الصعود لغرفتي من جديد..

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

دقيقة واحدة هي مقدار الوقت الذي احتجته كي أتخذ قراري بالتوجه إلى ميدان التحرير..
هناك أمر جلل على وشك الحدوث.. وأبي سيتسبب في كارثة على ما يبدو.. وواجبي أن أكون هناك.. ولست في حاجة لإذنه.. بعد ما سمعته، لم يعد هناك منطق لمثل هذا الأمر..

وكأنني أكتشف أبي للمرة الأولى.. لكن الآن ليس وقت الدهشة والتساؤل.. لا يمكن إهدار طاقتي الآن في محاولة فك ألغاز تزيده بشاعة في نظري.

ساعة واحدة هي مقدار الوقت الذي احتجته لكي أغير ثيابي واملأ حقيبتي ببعض الأدوات الطبية ومستحضرات تطهير الجروح وتعقيمها.. وكذلك تجهيز الكثير من العصائر وأصابع الجرانولا الغنية بالبروتين فضلا عن بعض وحدات الشوكولاتة والبسكويت المغلفة لكي أوزعها على بعض المتظاهرين في المحيط الذي سأتواجد به داخل الميدان.

كنت أتمنى أن أجهز لهم بعض الأغطية أيضا ولكن لن أستطيع حملهم والتحرك بحرية في الميدان بنفس الوقت، خاصة وأنني سأصف سيارتي بالجراج المتاخم لميدان عبد المنعم رياض..

في خلال ساعة أخرى كنت قد وصلت إلى ميدان التحرير بعد أن عرجت على إحدى الصيدليات لجمع المزيد من القطن والشاش الطبي والمطهرات وبعض الأدوية المسكنة من أجل المتظاهرين، حتى أساعد في علاجهم إذا حدثت اشتباكات أو ما شابه.

ترجلت نحو بوابة العبور الأقرب لميدان عبد المنعم رياض.. وهي البوابة المتاخمة للمتحف المصري.. توجهت على الفور نحو ركن قصي اتخذه بعض المصابين كاستراحة قصيرة لهم.. فانضممت إليهم لكي أسألهم إذا كانوا في حاجة للمساعدة..

أغلبهم كان قد عاد لتوه من المستشفى الميداني.. ولم يكونوا بحاجة لتضميد جروحهم أو ما شابه.. فاستخرجت بعض وحدات العصاير وأصابع الجرانولا وعرضت عليهم تناول بعضها.. وبالطبع لم يرفضوا طلبي وأخذوا القليل خاصة وأن منهم من كان يعتصم لبضعة أيام.. ثم تركتهم وتوجهت نحو جماعة أخرى..

لست هنا اليوم بصفتي متظاهرة بل بصفتي المهنية..
إذا كان أبي سيتسبب في إيذاء المتظاهرين، فواجبي كابنة له قبل أن أكون طبيبة أن أحاول تلافي آثار ما يخطط هو له بانعدام ضمير..

وكأن هؤلاء الشباب ليس لهم أهالي يقلقون عليهم.. إن كان هو لا يقلق عليّ ولا يكترث لحياتي البتة، فليس الجميع مثله.

اقتربت من الجماعة التي بدت على البُعد أكثر مرحا.. كانوا نحو عشر شباب وست فتيات، وبينهم اثنان يعانيان من السعال الشديد بفعل تأثير قنابل الغاز التي كانت رائحتها النفاذة تملأ الأجواء، وواحد منهم كان مصابا بشق عريض أسفل كتفه الأيسر، ويبدو أن إصابته سببها ضربات قاسية متكررة من عصا أحد الجنود أو ربما نتيجة التدافع مع بعض مثيري الشغف، فالجرح مفتوح طوليا وحوله تورم شديد، لكنه يبدو نظيفا بدون تلوث..

كان أحد أصدقائه يحاول تضميده، فهرعت للمساعدة فورا، وقدمت نفسي إليهما، فقلت بوجه مبتسم أخفته بالتأكيد الكمامة الطبية التي أضعها للوقاية من استنشاق رائحة الغاز المسيل للدموع: "مرحبا.. اسمي شروق رحيم.. أنا طالبة في السنة النهائية في كلية طب القصر العيني.. هل أساعدكم يا شباب؟"..

جاوبني الشاب الذي كان ينوي مساعدة صديقه المصاب بابتسامة ودودة، وقال: "مرحبا.. اسمي سامح عادل وأنا مصور حر ومدون وهذا صديقي حسام عبد القادر وهو صحفي ومترجم حر ويسعى للعمل كسيناريست سينمائي، لكنه الآن بالطبع يعمل كثائر بدوامٍ كاملٍ كما ترين"..

دخلنا جميعا في حالة من الضحك، قطعتها أنا بأن قدمت نفسي للشاب الآخر من جديد وأنا أصافحه بتهذيب، ثم قلت بلهجة عملية ودودة اكتسبتها من التدريب داخل المستشفى: "اسمح لي أن أعطيك وصديقك الأخر هذا الدواء لتقليل السعال، وارتاحا قليلا وأنا سأتكفل بعلاج الثائر السينمائي"، وشاركني الجميع الضحك قليلا قبل أن ينصرفوا إلى الحديث عن أحوال الميدان ومدى تقدم الثورة مع بداية أسبوعها الثاني.

خلعت حقيبتي من خلف ظهري ووضعتها أمامي، وأخرجت منها أدوات تقطيب الجروح، وكذلك سوائل التطهير والتعقيم ورذاذ يساعد على التئام الجروح بسرعة، واقتربت من حسام، وعندما هممت بتقطيب جرحه، لاحظت التوتر الشديد على ملامحه، فحاولت المزاح قليلا كي يتحمل الألم.

سألته بمزاح: "يبدو أنك من النوع المتهور.. من المؤكد أنك عشت طفولة مليئة بالمقالب والحوادث.. قل لي كم مرة تم فيها تقطيب ساقيك؟.. لا يبدو أنك تعرضت لإصابات في وجهك.. فهو على خير ما يرام.. لا يوجد به آثرا لغرزة واحدة".

ضحك هو ساخرا، وإن بدا الحزن حبيسا بداخل عينيه يحاول أن يتسلل إلى الخارج..
هل قلت شيئا خاطئا؟

أخذ حسام يحدق النظر بعينيّ ويبدو كأنه يحاول أن يتفحصني ويتأكد من تمام قواي العقلية، ثم قال بلهجة ممازحة: "أتغازليني يا دكتورة؟ هل علموك ذلك في كلية الطب؟ هذه بالتأكيد أغرب تقنية لطبيب لكي يجهز مريضه قبل الجراحة.. أعتقد أنهم قد اخترعوا التخدير لهذا السبب".

ضحكت بشدة، وسألته باستنكار: "هل تأخذ كل شيء على محمل السخرية هكذا.. أنا لم أغازلك بالتأكيد، وإن كنت أشك أنك لم تسمع كلمات الغزل من قبل"، ثم استطردت بسخرية: "رغم أنك لستَ بهذه الوسامة.."

كيف قلت له هذا؟
يا لوقاحتي..
ولكن الشاب وسيم للغاية رغم اعوجاج أنفه قليلا، والتي تبدو ضحية حادث في الصغر.. لكنه يشبه حقا نجوم الدراما التركية بشعره الأسود وحاجبيه الكثيفين..

ماذا دهاني؟ لم أكن أتحدث أبدا بهذه السلاسة والأريحية مع شاب من قبل.
ربما لأنه يبدو ودودا كمشروع صديق ربما.. لطافته تذكرني أنني لم أحظ أبدا بشقيق، وإن كانت حنان تعوضني عن عدم وجود أخت في حياتي..

لكان الأمر سيكون مذهلا أن يكون لي أخ وأخت.. نتبادل معا الأحاديث ونقع في المواقع المضحكة ويكون كلٌ منا سند للآخر..
بالتفكير فيما اكتشفته اليوم عن أبي.. أنا في غاية السعادة أنه لم ينجب أبناء آخرين.. يكفي أن له ابنة واحدة.. تعيسة تشعر بالنبذ والآن.. الاستياء..

أخرجني حسام من شرودي بقوله بجدية يغلفها الهدوء: "أنا لا أخذ كل شئ على محمل السخرية.. ولكنني شعرت أنك متوترة أكثر مني فأردت أن ألطف الأجواء قليلا.. لنرَ مهاراتك الآن.. وبالمناسبة.. أنتِ أول امرأة تخبرني أنني لست وسيما"، ثم غمزني بعينه اليسرى، قبل أن يكمل: "وللإجابة على سؤالك الأول أنا لم أتعرض لآية إصابة في ساقي أو وجهي من قبل سوى مرة واحدة.. لأن أخي يعتني بي دائما منذ الصغر.. حتى في تلك المرة كان موجودا من أجلي".

اختفت ابتسامته وهو يقول جملته الأخيرة، حيث ومضت بعينيه للحظة بعض أمارات الندم..
يبدو أن علاقته بأخيه يغلفها الكثير من الأسرار.. ولكن لن يتسنى لي الوقت لكي أتعرف عليه أكثر بعد الآن..

طلبت منه أن يستدير ويخلع قميصه تماما، ثم أعطيته قطعة نظيفة من الشاش الطبي ليعض عليها بأسنانه، فهو قد يحتاجها الآن عندما أبدأ تقطيب جرحه بالإبرة الطبية المعقوفة.

كنت سأهم بتوبيخه، كيف ترك جرحه للآن بدون تقطيب.. ولكن يبدو أنه شعر أن الجرح ليس خطيرا وأن هناك من هم يستحقون الرعاية الطبية أكثر منه.. كما أنه لن يستطيع التحدث الآن بأي حال بعد أن ملأ فمه بقطعة الشاش..

بدأت أولا بتطهير الجرح ثم شرعت في تقطيبه بخمس غرز وبعدها نثرت عليه بعض الرذاذ الطبي الذي يساعد على التئام الجروح ثم غطيته بشاش الفازلين، وساعدته على ارتداء قميصه مجددا، ليقوم هو بإخراج قطعة الشاش التي كان يضغط عليها بفكيه ويحاول حرمان الدموع من الانهمار بحرية على خديه.. ليرد بطفولية واضحة: "لم تؤلمني أبدا.. أنا بخير.. ولكي أكافئك على مهاراتك الواضحة في التقطيب.. سأعطيكِ صندوقا من العصير المفضل لديّ.. شكرا يا دكتورة.. أتمنى أن أراكِ مجددا".

أمسكت بصندوق العصير وابتسمت له شاكرة، ووضعته بحقيبتي، ثم أخذت أجمع أدواتي للمغادرة نحو مصاب آخر، عندما صرخ صديقه سامح بعد أن ضرب كفه على جبهته وكأنه قد تذكر شيئا لتوه: "مهلا.. مهلا.. هل قلت أن اسمك شروق رحيم وأنك طبيبة؟ هل أنت صاحبة مدونة (بالطو وسماعة في مطبخ السياسة)؟".

أجبت بخجل: "نعم.. أنا"..
تدخل حسام في تلك اللحظة قائلا بحماس: "أنا وأخي نتابع مدونتك.. رغم أنه لا يهتم كثيرا بالسياسة حتى أنه يرفض وجودي هنا اليوم".

تذكرت موقف أبي من تواجدي هنا، فأجبته بجمود محاولة إخفاء الحزن خلف كلماتي: "وأنا أيضا أبي يرفض وجودي هنا.. لكنني اليوم أتيت كمتطوعة ولست متظاهرة.. كنت قد شاركت في مظاهرات اليوم الأول وبعدها تعرضت لإصابة ألزمتني الفراش ليومين".

ليجيب هو بتعاطف: "بالتأكيد أصبحت بخير الآن وإلا ما كنت لتتواجدي هنا.. ألست كذلك؟"

أجبته بتعجل: "بلى.. بلى.. أنا بخير حال.. أستأذنكم للمرور على مجموعة أخرى.. فعدد المصابين يبدو كبيرا على ما يبدو وهذا ما لم تذكره وسائل الإعلام ربما بسبب انقطاع الاتصالات الإلكترونية التي ساهمت في تقليل سرعة ودقة نقل المعلومات عن الوضع داخل الميدان".

ودعتهما بابتسامة لطيفة، ثم تجولت قليلا في الميدان بحثا عن مصابين آخرين..

مررت على بعض الرجال الذين تنوعت إصاباتهم، فمنهم من كان يضمد عينه، ومنهم من كان يضع لاصقا طبيا على جانب يده والبعض يربط رأسه بالشاش الطبي، والكثير ممن يعانون من السعال بسبب الغازات المسيلة للدموع.

وعندما سألتهم لماذا ظلوا مرابطين بالميدان بدلا من الراحة في المنزل.. رد أحدهم: "وهل هذا وقت الراحة؟ لن نغادر الميدان قبل أن يتحقق هدفنا.. حتى لا يأتي يوم على الجيل القادم فيتهمنا بالتخاذل والكسل.. لن نتحرك من هنا قبل أن تتحقق الديمقراطية الحقيقية على أرض هذا الوطن.. تعبنا من الأنظمة الفاشية الشمولية ".

منحتهم بعض الأدوية لمعالجة السعال، وأخرى كمسكنات للآلام ومطهرات للجروح، ثم استكملت طريقي، لأجد جماعة لطيفة يقومون بغناء بعض الأهازيج والأغاني الوطنية.. كنت أريد الجلوس قليلا معهم والاستماع إليهم.. ولكن لم أتعب بعد.. فقررت التجول بين جنبات الميدان ومحاولة مساعدة عدد آخر من المصابين، ووعدت هذه الجماعة بالمرور عليهم لاحقا.
مررت على جماعة بدوا وكأنهم ينفردون بأنفسهم دون أن يسمحوا لأي من المعتصمين بمخالطتهم، وعندما عرضت مساعدة المصابين بينهم كوني طبيبة، رد أحدهم بغلظة أنهم لا يحتاجوا مساعدة من امرأة سافرة.. فانسحبت فورا دون حتى أن أجرب مجادلته فيما يقول..

مثل تلك العقول الظلامية لا تستمع سوى لوجهة نظر واحدة، وليست لديها رغبة في المناظرة أو حتى المناقشة..
أكملت سيري حتى وصلت إلى مشارف مسجد عمر مكرم، وفي خلال رحلتي القصيرة، كنت قد عالجت بعض الأشخاص المصابين بتورمات وكدمات.. كما قمت بتوزيع بعض الأدوية والأقراص على من يسعلون بشدة.

عندما اقتربت من المسجد، علمت من البعض أن هناك مستشفى ميدانيا مواجها له، وأنه واحدا من بعض المستشفيات التي تمت إقامتها على عجل لعلاج المرضى بعد الاشتباكات التي حدثت يوم 28 يناير.. حيث أن هناك ثلاث مستشفيات أخرى تنتشر بين جنبات الميدان وفقا لروايات المعتصمين..

في المستشفى الميداني تعرفت على بعض الأطباء من زملائي في كلية الطب، وآخرين من النواب، حتى أنه كان هناك بعض المتطوعين من كبار الأطباء المشهورين في داخل الدوائر الطبية برغم تقدمهم في العمر نوعا ما..

ساحة المستشفى لم تكن ممتلئة والحمد لله، حيث أخبرني أحد زملائي الأطباء أن الحالات التي تعذر علاجها هنا بالإمكانات البسيطة تم إرسالها بواسطة سيارات إسعاف إلى بعض المستشفيات الأخرى المحيطة ومن بينها القصر العيني ومستشفى المنيرة والحسين الجامعي.

أمضيت الساعات التالية في مساعدة زملائي الأطباء في تقطيب جروح بعض المصابين أو تجبير من يعانون من التواءات أو كدمات بسيطة بأطرافهم، وعندما صارت ساحة المستشفى الميداني شبه خالية مع اقتراب منتصف الليل، استأذنتهم في العودة للميدان، فقد قررت ألا أرجع مجددا إلى المنزل الليلة..

سأعتصم هنا وأراقب الأجواء علّني أكتشف ما الذي ينوي أبي فعله هنا في الميدان.. وربما واتتني الفرصة لكي أمنعه..
مهلا مهلا.. ما الذي أفكر فيه..

كيف سأستطيع منع جيش صغير من المجرمين من القيام بخطة شيطانية يتزعمهم هذا الرجل المدعو حازم، بهدف تفريق المتظاهرين وإخلاء الميدان بالقوة الغاشمة..

أية خطة قادرة على تنفيذ هذا الأمر بعيدا عن القوات النظامية التابعة للحكومة؟

لم يكن يبدو هذا الـ حازم من قبل كعنصر إجرامي.. بل كان يتصرف بلياقة وكياسة وتهذيب.. والآن ظهرت حقيقته جلية..
على الأرجح، هذا المجرم كان يقوم مع أبي بأعمال غير قانونية.. وربما لسنوات.. !

تُرى أي نشاط إجرامي ينغمسان به الآن؟..
تخنقني الأفكار ولم أعد قادرة على تجاهلها..

كيف تجاهلت من هو أبي حقا طوال تلك السنوات؟ هو حتى لم يكن حريصا على التظاهر بهيئة تخالف شخصيته الحقيقية..
هل حاجتي الشديدة لاهتمامه جعلتني أغض الطرف عن حقيقة أنه قد لا يكون شخصا شريفا في نهاية الأمر؟
يجب أن أبحث حوله بشكل أكبر..

هو وتابعه..
سأفعل هذا حتما عندما أعود للمنزل.. سأضع خطة مناسبة وأبــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ

يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 13-03-21, 06:34 PM   #209

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: الفصل الثامن - القسم الثالث

قطع تفكيري صوت صراخ شديد، فأخذت أنظر حولي لتقابلني ومضات ذهبية وبرتقالية وكتل من النيران كانت تشتعل في السماء ثم تسقط باتجاهي.

شردت بمنظرها الغريب فتجمدت مكاني ولم يسعفني تفكيري للتحرك بعيدا عن اتجاه سقوطها، لكنها سقطت على مسافة بضعة أمتار خلفي دون أن تصيبني بأذى..

وقتها خرجت من ذهولي، وأخذت أتابع ما يحدث حولي بذعر..
هناك حالة من الفوضى.. الجميع مرتعبون.. وكل واحد يركض في اتجاه مختلف..

ما الذي يجري؟
تعالت الصرخات بشكل مقلق في جانب الميدان المقابل للمتحف المصري، وتبعه أصوات تهشم كتل زجاجية بشكل عنيف، وصارت رائحة المحروقات والمواد الكحولية الكاتمة للأنفاس تلف الأركان.. وصراخ.. صراخ يتزايد عاكسا حالة الهلع والخوف التي عمت بالميدان ليلة الثاني من فبراير 2011..

في البداية ظننت أن أحدهم يحاول إحراق المتحف المصري لإلصاق الاتهام بالمعتصمين ووصمهم بالهمجية والإجرام وبعدها الدعوى لإخراجهم عنوة من الميدان..

مهلا.. هل هذا؟؟

قبل أن تأخذني الفكرة في حالة جديدة من الشرود، اصطدم بي أحدهم خلال اندفاعه للركض، فالتفتت لكي أتحرك وأحتمي بمكان ما كما يفعل الجميع من حولي، ولكن سقطت كتلة من النيران بالقرب من قدمي اليمنى فتجمدت ذعرا من جديد لا أقو على الحراك..

وكأن ساقيّ لا تخصاني ولا سيطرة لي عليهما.. لم أستطع أن أدفعهما للتحرك..
للحظات شُل تفكيري من هول المنظر المفزع..

فكرة واحدة سيطرت على رأسي، أنه ربما كانت ماما سناء محقة حين أعطتني الدواء المنوم حتى لا أتواجد بالميدان.. فأنا على ما يبدو غير قادرة على حماية نفسي في وضع كهذا، وقد أواجه مصير أسوأ مما حدث لي المرة الفائتة..

ظللت قابعة في مكاني في حالة من الجمود أنتظر مصيري كصخرة حمقاء مصمتة لا تدري شيئا عما يجري حولها، لكن فجأة، شعرت بأن هناك كتلة ضخمة تلفني..

بلحظة كنت واقفة، وفجأة وجدت نفسي راقدة في وضع أفقي ثم أخذت تلك الكتلة التي تغلفني كسياج حمائي خارجي، تدور بي على الأرض في حركات رشيقة تتعارض تماما مع التفافها الصارم حولي وكأنها درعا حديديا..

قبل أن أستوعب ما يحدث.. وجدتني راقدة ممددة على أرض الميدان بجوار جدار أحد المباني، ولا يوجد شئ في مجال رؤيتي سوى زوج من العيون البنية اللتين اشتعلتا بالنيران عاكستين المواد النارية المحلقة في الجو كألعاب نارية تنذر بالشؤم بدلا من البهجة..

ناظرت العينين المواجهتين لي لثانية وأخرى، لأجدهما قد تحولتا لأتون حارق من قلب الجحيم..
مهلا.. هل العيون تحترق؟ ما الذي أفكر فيه؟ ما هذا العبث؟
ربما أنا سقطت وفقدت الوعي، والآن أتخيل أمورا غريبة..!

أغمضت عينيّ للحظات ثم فتحتهما مجددا بعد أن شعرت بأنفاس لاهثة تلفح وجهي..
فتحت مقلتيّ لأرى ذات العينين المشتعلتين تحدقان بي بغضبٍ مستعر.. وكأنهما توجهان اللوم لي..

الآن أرى بوضوح.. لم تكن العينان تشتعلان.. بل كان ذلك إنعكاس كرات النيران التي تتساقط من أعلى في الاتجاه المقابل لهما، ورغم تلك الومضات الذهبية داخل المحجرين بلون البن، فإنهما في الحقيقة كانا يبدوان في حالة من الوهن الذي لا يظهر إلا بعد معاناة شديدة من الوجع بشكل مستمر..

أسدلت العينين المستعرتين ستائرهما، ثم حركت جفونها من جديد لتواجهني بنظرات مختلفة تماما..

كيف بدلتا ما بداخلهما خلال ثوانٍ قليلة، من قلق وغضب.. لألم ووجع.. لتعودان وتشتعلان بالحنق والاتهام..
اختفى الجمود الذي سيطر عليّ في اللحظات الأولى من الصدمة، وصار كل ما أشعر به الآن هو وجود كتلة ضخمة تجثم على جسدي وتشل حركتي بالكامل سوى ذراعيّ اللذين يستندان باستحياء على لوحٍ رخامي منحوت ممدد فوقي مغطى بطبقة صوفية رقيقة..

مهلا.. هذا ليس لوحِ مصمت.. إنه ينبض.. هذا.. هذا صدر رجل.. انتبهت للوضع الغريب الذي كنت فيه بعد أن لفتني ذبذبات دافئة مصدرها قلبه الملتصق بي..

لم أشعر بنفسي إلا وأنا أدفعه بكل قوتي حتى تحرك قليلا ليسقط بجانبي..

لكنه لم يتوقف هنا أو ينهض ويبتعد أو حتى يعتذر عن التصاقه بي بتلك الطريقة المستهجنة، خاصة في ميدان عام، بل

سحبني بجلافة من ذرعيّ فنهضت عنوة ليقف كلا منا في مواجهة الآخر..

هو يحدق بي باستياء وأنا أمرر عينيّ عليه بكليته من أعلى لأسفل أحاول استكشاف هذا الكائن الغريب الواقف أمامي تحيطه موجات غاضبة شعرت للحظة أنها ستصعقني إذا لمسته أو اقتربت منه خطوة إضافية..

أول ما لاحظته بعد ذلك، كان ذلك الشال الصوفي الأسود الذي لثم به وجهه بالكامل. وإن كان جمود عينيه يعكس صرامته وعنفوانه بوضوح..

أما هيئته، فكان يمتلك صدرا واسعا عضليا تخفي تفاصيله سترة شتوية عصرية من الصفوف المغلقة حتى ذقنه بسحاب فضي معدني..

كان طويلا.. ومخيفا.. كهذه الليلة، وكان متشحا بالسواد بدءا من الشال المغطي لوجهه وحتى حذائه الرياضي أيضا.. حتى خصلات شعره الهاربة من ربطة الوشاح الذي لثم رأسه ووجهه كانت سوداء أيضا..
هل هذا شبح؟

أنا أهذي بالتأكيد. هل تنبض الأشباح وتشتعل عيونها بالغضب؟
ربما.. ربما كان لسقوطي على الأرض أثرا في تركيزي.

أعدت النظر إليه، لأجد صدره يعلو ويهبط وهو يحاول التقاط أنفاسه وكأنه ركض مئات الأميال لينهي سباق الماراثون بسرعة قياسية.. إذًا لم يكن شبحا أو تمثالا حجريا..

نظرات عينيه الصارمة المتوافقة تماما مع بعض قسمات وجهه القاسية وعظام وجنتيه النافرة التي لم يغطيها الوشاح بالكامل، بالإضافة للخطوط المستقرة باستحياء على الزوايا الخارجية لعينيه لا تكشف عمره بأي حال ولكنها تعبر عن غضب محتدم ومخيف..

برغم غرابة الموقف، ألحت فكرة على رأسي بأنه لو سمح لهذا الغضب بالظهور على السطح، كأن ينفثه كتنين خرافي غاضب مثلا.. وقتها فإنه سيحرق المكان بسرعة أكبر من الكتل النارية المترامية حولنا..

هذا الشخص الغامض بدا ككائن أسطوري يحاول السيطرة على ألسنة اللهب بداخله بدلا من أن ينفثها فيحرق كل شيء في محيطه.

كنت أحاول استجماع شجاعتي لكي أسأله عن هويته.. ولكن ألجمتني عيناه مجددا بلونهما البني المشتعل، حيث كانتا تطالعاني بشراسة، ولكن هذه الشراسة تحولت فجأة لنهر دافئ من الشوكولاتة المنصهرة التي يبدو أنها ذابت مع تراجع تساقط كتل اللهب من حولنا.. ربما لابتعادنا أو لانتهاء تلك المغامرة الفوضوية الإجرامية فجأة تماما كما بدأت..

غير أن هذا الدفء بعينيه لم يخفِ تماما هيئته المرعبة كشبح أسود ملثم، حيث تغيرت نظرته سريعا بعدها..
بدا و وكأنه.. يعرفني؟

لقد تحولت هيئته المخيفة بعد لحظتين إلى كائن مرتعب مذعور.. عيناه تدوران بهلع جيئة وذهابا على جسمني تتفحصانه لتتأكدا أنني بخير.. بعدها أخذ نفسا عميقا وكأنه كان يحتاج لهذا التأكيد أكثر من ملء رئتيه بغاز الأكسجين.. ورغم أن مقلتيه بهيئة حبتي البن المزينتين لوجهه كانتا تحاولان إظهار الثبات إلا أن القلق الذي كان حبيسا بينهما أطل متسللا، ولم يستطع هو إخفاءه..

مهلا.. هاتان العينان.. لقد رأيتهما من قبل.. أنا شبه متأكدة أنني أعرف هذا الملثم..
رأسي تتحرك في اتجاه معين.. هل هو؟
لا.. مستحيل..

استغل هو انشغالي بمحاولة استكشاف هويته، ثم سحبني للاحتماء بمحاذاة جدار مقابل، ثم باغتني هو بصوته المبحوح من أثر صراخ متكرر ربما، حيث بادر بسؤاله المتلهف: "هل أنتِ بخير؟ هل حدث لكِ شيء؟"..

لم ينتظر ردي، بل أكمل بنبرة قاسية فبدا وكأنه يعنفني بدلا من الاطمئنان عليّ: "لماذا تقفين مثل البلهاء تحت النيران بهكذا الشكل؟ ألا تقدرين حياتك؟ لماذا لا تحتمي مثل أصدقائك بمكان ما؟".
من يظن نفسه هذا الوقح؟

منذ دقيقة احتضنني ممددة بمنتصف الساحة ليؤطرني ببنيته القوية وكأنه حارسا شخصيا أو فهدٍ وجل يخشى على صغيره من الهلاك وسط معركة حامية الوطيس أمام قطيع من الضباع، والآن يتصرف بفوقية غريبة ويبدأ في إهانتي ومحاسبتي وكأنه معلمي أو والدي..
من أعطاه الأهلية ليحدثني بهذا الأسلوب الوقح.. لن أسمح بذلك..

صحت به: "لماذا تصرخ عليّ هكذا؟ من أنت؟ هل طلبت منك مساعدتي؟ وهل وصفتني فعلا بالبلهاء؟ أحمق تعيس وقح"..
هنا أطلقت عيناه موجات هادرة من الغضب لم يحاول حتى مداراتها.. لكنه لم يتفوه بكلمة.. وكأنني لا أستحق ردا أو تفسيرا..

فقط لف أصابعه حول معصم يدي اليسرى وسحبني خلفه بشدة وكأن صبره قد نفد..

مضى يسحبني بجواره بخطوات واثبة رشيقة وأنا أتبعه قسرا وقد تسلل الخوف إلى قلبي وفقدت شجاعتي التي كنت أتسلح بها منذ لحظات..
إلى أين يأخذني ذلك الرجل؟

أتعبني الركض خلفه وهو يسحبني بتحفز غريب، وكأنه يقتاد عنزة إلى مسلخها..
هنا تغلب ضيقي على ترددي وماطلت في متابعة الركض خلفه لتتثاقل خطواتي بتعمدٍ، ثم سألته بزئير عنيف: "لماذا تجرني هكذا؟ من أنت؟ ماذا تريد مني؟ إلى أين تأخذني؟ اترك يدي.. دعني"..

رد بصوت ثائر وبكلمة واحدة: "اصمتي"، ثم أسرع الخطى متحركا خلف المتحف، وساقاي تحاولان مجاراته ركضا بنفس السرعة.. كانتا تطيعانه رغما عني.. ربما لأنهما أدركتا قبلي أنه يأخذني إلى مكان آمن أو ربما لأنني لو أبديت آية مقاومة بعد، سأسقط أرضا وسيستمر هو بسحبي بعيدا عن المكان المشتعل بنفس العزم..

يبدو أن الجسم يطبق أحيانا قواعد السلامة بشكل آلي حتى إذا كان العقل عاجزا عن التفكير.

لم يقل ضغط أصابعه عن معصمي إلا عندما وصلنا قبالة بوابة مسجد عمر مكرم البعيدة نسبيا عن مرمى كرات اللهيب المشتعلة.. أنا متأكدة أن براجمه الحديدية التي تحولت لمخالب قاسية ستترك علامة حول معصمي..

هو لم يعتذر ولم يفسر ولم يبرر.. ولم يعلن عن هويته.. فقط أمرني بحزم: "اجلسي هنا ولا تتحركي حتى ينتهي الأمر.. لا تعودي إلى قلب الميدان هذه الليلة أبدا.. وابتعدي تماما عن محيط المتحف بـأكمله.. وفي الصباح غادري ولا تعودي أبدا إلى الميدان.. كم مرة ستتصرفين بتهور؟".

لم ينتظر مني ردا أو تأكيدا بأنني سأنفذ ما طلبه، فعيناي أعطته التأكيد الذي يريد بعد أن سيطر عليهما الذعر..
وكما ظهر أمامي فجأة.. اختفى من أمامي فجأة..

كانت خطواته الواثبة المسرعة تأخذه بعيدا.. إلا أنه لم يتوجه إلى قلب الميدان مثل باقي المتظاهرين.. بل تحرك بخفة مثل شبح أسود مخيف نحو أحد الأبنية التي استوطنها مثيرو الشغب الذين كانوا هم مصدر كرات اللهب المرعبة..
بدلت الدهشة كل مشاعر الخوف بداخلي وتعالت الأسئلة بعقلي بوتيرة متسارعة بشكل مزعج يبعث على إصابة الرأس بالصداع..

من هذا الشبح؟ ولماذا أنقذني إذا كان أحد مثيري الشغب الذين يكرهون معتصمي الميدان ويريدون حرقهم والتخلص منهم؟
ولماذا أشعر أنني أعرفه؟ لقد رأيت عينيه من قبل؟

وذلك الصوت.. بالتأكيد أنا سمعته من قبل رغم أنه بدا الليلة مبحوحا ومتحشرجا..
من أنت أيها الشبح الأسود؟

مضت دقائق عديدة لم أهتم بحسابها وأنا أفكر في هوية هذا الرجل.. وفي كل مرة لا أصل سوى لاستنتاج واحد..
هو حازم..

جاء إلىى هنا بأمر من أبي لإحراق المتظاهرين..
أذكر جيدا ما أمره به أبي في غرفة المكتبة اللعينة.. (أحرقوهم) هكذا قالها..
لم تكن لدي رفاهية للتفكير الآن بعد سقوط العديد من المصابين بحروق من كرات اللهب وجروح بسبب ارتطام قطع الزجاج بأجسامهم..
الآن وقت العمل.. وبعدها لكل حادث حديث.

كان أفضل ما فعله هذا الأحمق اللعين هو إحضاري إلى هنا، حيث المستشفى الميداني..
ركضت بسرعة إلى داخل ساحتها، لأجد عشرات المصابين الذين أحضرهم زملاؤهم لتلقي العلاج السريع. كانوا يفترشون الأرضيات محاولين التقاط أنفاسهم بعد الركض مذعورين لدقائق عديدة، وكذلك حاولوا التحامل على أنفسهم وعدم التعبير عن شعورهم بالألم بسبب ما تعرضوا له من هجوم إجرامي مشين.

توجهت إلى غرفة التخزين وأحضرت صندوقا من الضمادات وكريمات معالجة الحروق، وعدت بسرعة إلى حيث يتجمع المصابون، وبدأت في مساعدة البعض.. منهم من كان مصابا برأسه وآخر بكتفه.. وكان هناك شابا احترق سطح الجلد المغطي لظهره، حيث انفجرت زجاجة حارقة بالكامل عليه.. ساعدت بتضميده بقدر الإمكان ولكن نصحت صديقيه بنقله إلى المستشفى لتلقي علاجا ومتابعة بشكل أفضل ، خاصة وأن جلده قد يلتهب بفعل التلوث فتصبح حالته مقلقة.

وعلى الجانب الآخر، كان هناك الكثير من المصابين بإصابات طفيفة بسبب قطع الزجاج التي استقرت بأجسامهم..
كانت المستشفى كخلية نحل، ولكن لم تكن الأجواء المحيطة مليئة بالنشاط والحيوية والتفاؤل.. فالجميع واجم وحزين.. والكثيرون غاضبون ويريدون الرد بطريقة تناسب ما تعرضوا له..

بعد مرور بضع ساعات ومع تسلل الخيوط الأولى لضوء الفجر، استقرت الأمور نوعا ما، وصارت الأجواء هادئة بداخل المستشفى.. فقررت الخروج واستكشاف الأمر في الميدان.

أخذت أتجول باتجاه مجمع التحرير، حيث يتمركز العديد من المتظاهرين في خيام بدائية الصنع..

كان النوم يجافي الجميع.. وازدادت حلقات النقاش حدة وغضبا بعد أن خبت صدمة الهجوم الناري الهمجي منذ سويعات قليلة، وبات الانفعال والرغبة في العثور على مرتكبي تلك الجريمة الشنعاء ومحاسبتهم هو الشغل الشاغل للمعتصمين.

للحظة، شعرت أنني دخيلة وأنني لا أستحق الوقوف بينهم وأنا ابنة الرجل الذي أمر بحرقهم بلا اكتراث أو مبالاة، وكأنهم بضع حشرات مزعجة يملؤون المجارير والتخلص منهم أمر محمود ومطلوب.. بل مُلح.

بصعوبة، أوقفت نفسي عن التفكير بهذا الشكل.. يجب أن أتحلى بالإيجابية.. أنا ابنة رحيم عماد الدين.. ولكنني لست هو.. أنا مسؤولة عن تصرفاتي فقط، لا عن تصرفاته وقراراته وأخطائه هو..

وإذا كان بإمكاني التخفيف من وطأة تلك الأخطاء ومحو آثارها بمساعدتي التطوعية لمصابي الميدان.. فليكن!
اقتربت من مجموعة من المعتصمين الذين كشف ارتفاع أصوات نقاشهم عن حالة الهياج والفوران التي تلبستهم بسبب ما حدث..

هم غاضبون ولهم كل الحق..

حالة من التوتر كانت تسيطر بشدة على الأجواء نتيجة الخوف الذي تسلل إلى قلوبهم وحرمهم النوم، خاصة بعد أن سقط بعضهم جريحا بحرق أو شق في جسمه بسبب تناثر الزجاج وألسنة اللهب والحجارة التي ألقاها بعض المخربين الهمجيين، فتبدلت الأجواء من أهازيج وأغان ونقاشات حول الأمل والمستقبل إلى ترقب وخوف وشعور بالخيانة.

ظلت النقاشات ترتفع بأصوات تحاول أن تبدو شجاعة وقارئة للموقف بشكل صحيح..
نهضت لأكمل جولتي بمحيط المجمع، فوجدت وجها مألوفا يبتسم لي.. كان ذلك هو حسام.. الشاب الذي قطبت أسفل كتفه بالأمس..

كان يبدو عليه الإجهاد والتعب، ولكنه أشار لي للإنضمام إليه.. اقتربت منه وجلست على الأرض وقد ثنيت ساقيّ خلف جانبي الأيمن، ثم وضعت حقيبتي إلى جانبي، وذلك عندما بدأ حسام في تقديمي إلى مجموعة من أصدقائه الذين كانوا يحيطون به بالأمس ولكن لم يسنح الوقت لي بالتعرف عليهم بتركيز.

بعد أن تم التعارف بيننا، استأنف الشباب نقاشهم، حيث كانت هناك مجموعة تقول إنهم في حاجة للرد بشكل فوري على ذلك الهجوم الغادر، وكان من بينهم من يطالب برفع وتيرة الغضب بتخريب بعض المنشآت مثل مجمع التحرير مثلا ظنا منهم أن السلطات هي من أرسلت هؤلاء المجرمين لتفريقهم وفض الاعتصام بالقوة..

بينما رد البعض بأنه من الضروري الآن التصرف بحكمة حتى لا تخرج الثورة عن سلميتها.. مؤكدين أن المسار الصحيح لها هو الاحتجاج داخل الميدان بشكل حضاري، فالتخريب ليس من مصلحة أحد بل سيسيء لمن حرصوا على التزام الهدوء وضبط النفس لما يقرب من أسبوع كامل ناقلين صورة حضارية رائعة عن مصر لفتت انتباه العالم.

وتحدث بعض الشباب بحالة من الفخر والامتنان عن إنقاذ بعض المتظاهرين لمبنى المتحف المصري من أن تطاله كتل النيران الملتهبة حتى لا تأكل محتوياته الثمينة، وكذلك إصرار العديد منهم على التطوع بإحاطته بأنفسهم كسورٍ بشري لمنع المجرمين من محاولة اقتحامه وسرقة محتوياته أو إتلاف آثاره التي لا تُقدر بثمن.

انتابني شعور بالخجل.. فالشباب هنا لا يكترث لحياته بقدر اهتمامه بالاحتفاظ بالشكل الحضاري للمظاهرات وحماية الميراث الذي تركه لنا الأجداد من نيران الهجمية وتجار المصلحة..

الآثار التي عشقتها والدتي الراحلة وكانت سببا في هجرتها لمصر لدراستها بعد أن شغفت بحب الحضارة الفرعونية.. واليوم يأتي والدي بفكرة جهنمية كريهة لتحطيم كل معاني الحضارة وترويع المتظاهرين بالعنف الممنهج.

كيف إذا عرف الشباب أن من وراء هذه الهجمة القبيحة واحدا من هؤلاء الذين لا ينظروا سوى لمصلحتهم المباشرة على حساب أي شخص طالما أنهم لن يدفعوا الثمن ولن تطالهم يد العقاب؟
وماذا إذا عرفوا أنه.. أبي؟!

خرجت من شرودي على كلمات حسام وهو يقول: "مهما حدث.. سنظل على موقفنا يا شباب.. لا نريد أن يكتب التاريخ أن ثورتنا قامت بالعنف والدماء وأن أبناء الوطن الواحد قد انقسموا وتفرق شملهم وصاروا أحزابا تتناحر ويقتل بعضهم بعضا.. الجميع يعلم أن هذه البلاد لن تنهض أبدا من كبوتها التي دامت سنين طويلة بدون تكتل الجميع كيد واحدة بعيدا عن الحسابات الخاصة والاختلافات الفكرية والطبقية والمذهبية".

هنا رد أحد أصدقائه: "عن أي شكل حضاري تتحدث يا حسام؟ ألم تشاهد بنفسك كيف قضينا ليلتنا؟ هل كانوا يدبرون لنا محرقة جماعية للتخلص منا بضربة واحدة؟ هل كان مطلبنا بحل النظام السياسي وإقامة دولة ديمقراطية أمر مستحيل وغير مشروع؟".

رد حسام بتعقل وهدوء: "الآن نحن غاضبون ومجهدون للغاية.. لا يمكننا التفكير بشكل سليم.. لنحاول النوم قليلا لكي نمنح أجسامنا وعقولنا بعض الراحة لتصفية أذهاننا ونعود أقوى ونستأنف اعتصامنا بعقل سليم وطاقة بدنية عالية".
هنا اقترح عليه بعض أصدقائه أن يعودوا إلى مكان اعتصامهم التقليدي بالقرب من المتحف المصري حتى يطمئنوا على باقي مجموعتهم بعد أن تعذر الاتصال بهم نتيجة انقطاع خدمات الاتصالات.. واقترح حسام عليّ أن أنضم لجماعته.. ولكنني رفضت طلبه حيث كنت أفضل الجلوس بداخل المستشفى الميداني لمساعدة زملائي وأساتذتي في علاج المصابين.

توجهت بالفعل إلى المستشفى الميداني، وهناك وجدت بعض زملائي الذين كانوا يتسامرون وهم يتناولون بعض اللقيمات من الخبز والجبن كوجبة إفطار بسيطة.. ويبدو أن هذا كان وقت الراحة الخاص بهم بعد أن اعتنوا بالمصابين بقدر الإمكان..

أشار بعضهم إليّ لكي أنضم إليهم.. فتحركت لكي أجلس برفقتهم، وأخرجت بعض عبوات أصابع الطاقة وصناديق العصير ودعوتهم لمشاركتي طعامي كما دعوني هم لأتناول بعض شطائر الجبن..

تشاركنا الطعام لبضع دقائق في صمت.. فقد كان الجميع مجهدا وليس هناك مجال الآن لكي نتحدث عما حدث الليلة الماضية.

بعد أن انتهينا من تناول الإفطار، اقترحت عليّ بعض الفتيات أن أتوجه معهن إلى إحدى غرف التخزين داخل المبنى المتاخم للمسجد والذي تحول لمقر إقامة الأطباء المتطوعين، وذلك حتى ننام لبضع سويعات حيث لم تحصل أينا على أي قدر من الراحة منذ ظهر الأمس.

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

استيقظت على صوت آذان الظهر الذي كان يرفعه إمام مسجد عمر مكرم، وبينما كنت أحاول أن أستفيق قليلا من آثار النوم.. هالني صوت صرخات حادة وزلزلة الأرض بوقع تدافع غريب لا يشبه أصوات تحرك الشباب في المسيرات..
انقبض قلبي فزعا.. فنهضت من فوري من الفراش البسيط الممدد على أرضية الغرفة..
ما الذي يحدث الآن؟

استيقظت زميلاتي من نومهن مرتعبات بسبب هذه الأصوات المخيفة والمرعبة.. ثم تسللنا سويا بحالة من القلق والتوجس إلى خارج الغرفة.

حين اقتربنا من الساحة الداخلية للمستشفى، كان بعض الشباب يهرعون نحونا، وكان أحدهم يصرخ بكلمات هيستيرية تتقافز بسرعة من فمه: "الخيول تدوسنا.. الشباب يسقطون.. الخيول.. الجمال.. إنهم يسحقوننا".

تجمدت من الصدمة ولم أستطع أن أترجم ما قاله هذا الشاب بعقلانية..
ما الذي يهذي به هذا الشاب؟ أية خيول؟ وأية جمال؟ هل نحن في قلب الصحراء؟
ما الذي سيجلب الخيول والجمال إلىى قلب الميدان؟

لم أستوعب الأمر إلا عندما دخل شابين يحملان شخصا ثالثا، وهو ينزف بشدة من جبهته التي تشكلت عليها علامة تشبه حدوة الفرس..
يا رب العالمين.. ما الذي يحدث؟
صوت بداخلي علا بكلمة واحدة..
كارثة..

أخرجتني إحدى زميلاتي من الجمود الذي غلفني، عندما قالت: "دكتورة شروق.. اتبعيني.. يجب أن نحضر المزيد من الشاش والقطن والضمادات ومطهرات الجروح وأدوات التقطيب.. يبدو أن المصائب لن تنته الآن.. صدق من قال (إن المصائب لا تأتي فرادى).. فليكن الله في عوننا".

تبعتها وأنا شبه مغيبة حتى غرفة التخزين وحملنا الصناديق وعدنا إلى قلب ساحة المستشفى التي توالى عليها قدوم المصابين بفضل مجموعة من الشباب الذين حضروا بدراجات نارية لحمل المصابين من قلب الميدان وتولوا على عاتقهم مسؤولية نقلهم إلى المستشفيات الميدانية في أطراف الميدان، وكذلك نقل بعض الحالات إلى المستشفيات المركزية القريبة.
أخذت بعض دقائق لأستعيد رباطة جأشي وأخرج من حالة الصدمة، حيث ساهمت في علاج وتجبير بعض الحالات بآلية فرضها عليّ التدريب المستمر والذي أتى بثماره في تلك اللحظات..

حين مدد مجموعة من الشباب لاحقا رجلا على الطاولة أمامي.. ناظرته بقلق، حيث بدا في حالة غير طبيعية..
عندما تفحصته لم يكنه بيديه أو ساقيه آية إصابات، إلا أن منظر الدماء المندفعة من بطنه قد وشت بحالته قبل حتى أن أفتح أزرار قميصه.. كان هناك علامات كثيرة على محيط بطنه التي تعرضت للسحق تحت أقدام الخيول الثقيلة.. وقبل حتى أن أحاول مساعدته.. كان أحد أصدقائه ينطق الشهادتين..

لقد.. مات.. الرجل..
في ثانية كنت أهم بمساعدته..
وفي الثانية التالية..
انقطعت أنفاسه تماما..

فجأة، دفعني أحد الأطباء إلى ركن بعيد.. وأخذ يحاول إنعاش الرجل بكل الطرق الممكنة..
لكن عينيه.. عينيه اللتين كانتا تنظران نحوي.. كانتا خاليتين من الحياة..

عندما تأكد الطبيب أن المريض قد التقط أنفاسه الأخيرة ومن المستحيل إنعاشه.. استدار ليساعد شخصا آخر.. لكن جمودي ونظراتي الزائغة جعلته يعيد النظر إلى جثة الرجل الممددة أمامه.. وانتبه إلى أن عينيه مازالتا مفتوحتين.. فهم بإغلاقهما وقام بتغطية جسده.. ثم طلب من أصدقائه الانتظار جانبا حتى يتم نقله إلى المشرحة.

في تلك اللحظة، خانتني ساقاي.. جلست في الأرض وأجهشت في نوبة من البكاء.
بعد بضع دقائق أخرى، توقفت عن البكاء ونهضت مسرعة بشيء من التوتر، عندما لمحت شابا آخر يحمله صديقه بين ذراعيه..

وعندما اقتربا، اكتشفت أن هذا الشاب هو سامح وأن من يحمله مصابا بين يديه هو صديقه حسام..
وضعت يدي على فمي وأنا أهز رأسي غير مصدقة ما أرى أمامي.

كان حسام يصرخ بشدة من الألم، وعندما التقت أعيننا.. صاح بي: "آه.. ساقي.. ساعدوني.. الألم يقتلني.. أرجوك يا دكتورة.. ساعديني ياشروق.. أشعر أني أموت".

نهاية الفصل الثامن
دمتن بود وحب وسعادة
وفي انتظار تعليقاتكن



مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 13-03-21, 06:35 PM   #210

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Mh04

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة الغردينيا مشاهدة المشاركة
رحيم بدأ يظهر وجهة الحقيقى أمام حازم ...لقد هددة يقتل اخية
ان لم يستجيب ل مطالبة ...
حازم يشعر انة مكبل بالمسوؤليات ...من ناحية عملة مع رحيم
ومن ناحية أخرى حياة شقيقة المتهور و سلامة شروق الغبية ...
بعد كلام رحيم سوف ينفذ اوامرة ...ف اخية هو من تبقى لة من عائلتة...
علاقة قوية جمعت بين خالد و حازم ....لقد شعر حازم بالخوف والقلق
من فقدان صديقة . ..
خالد هو من ساعدة لكى يتعالج ....ودفعة ل زيارة طبيب نفسي...
مرض حازم جعلة اسير ل رحيم ....لقد استغلة رحيم اسوء
استغلال ...فهو يعاملة ك عبد لدية....
تسلم ايدك على الفصل المؤثر
بانتظار القادم 💖😘
شكرا زهرتي الجميلة على مراجعتك الجميلة.. تابعي المزيد عبر الفصل الثامن


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:06 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.