آخر 10 مشاركات
68 - قبل الغروب - آن ميثر (الكاتـب : فرح - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          1099 - اسرار الماضي - جوانا مانسيل - د.ن (الكاتـب : Gege86 - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          لا تعشقــــي أسمراً :: سلسلة روايات قصيرة (نوفيلا) بأقلام نخبة من كاتبات قلوب أحلام** (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          السرقة العجيبة - ارسين لوبين (الكاتـب : فرح - )           »          تبكيك أوراق الخريف (4) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          ذنوب مُقيدة بالنسيان *مكتملة* (الكاتـب : الريم ناصر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل تعتقدون أن خالد قد مات وانتهى دوره بأحداث الرواية؟؟
نعم 0 0%
لا 6 100.00%
المصوتون: 6. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree484Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-04-21, 07:13 AM   #301

إنجى خالد أحمد

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية إنجى خالد أحمد

? العضوٌ??? » 156140
?  التسِجيلٌ » Feb 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,041
?  مُ?إني » مصر ..
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » إنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مروة سالم مشاهدة المشاركة
إنجي الغالية... جاءتني الكثير من التعليقات التي تخص الفصول.. والتي كان معظمها دقيقا وشديد التركيز .. لكن أعترف أن تخميناتك دائما بشكل ما تكون هي الأصوب...
تشربك لتفاصيل الأحداث دون تشويش يجعلني أتشكك أنك واحدة من صديقاتي المقربات اللاتي رافقن رحلة كتابة الفصول واطلعن على كل الكواليس الخاصة بها..
تخميناتك تبهرني حقا... واستقرائك للمواقف غير المصاغة بشكل علني صريح يعكس مدى اندماجك بالأحداث وتخيلها..

سعيدة جدا جدا أنك تشعرين بدفقات المشاعر الوليدة بين الثنائي خاصتنا رغم عدم وجود مواقف كثيرة تجمعمها.. وسعيدة أكثر أنك تفهمت نفسية شروق قبل أن أوضح الأمر من وجهة نظرها.. وعلمتِ أن من تحلم به حتما هو الفارس الذي أنقذها...

أنتظر بشغف مراجعتك الكاملة وأنا ممتنة للغاية لكل منشوراتك

كما أخبرتك عزيزتي مروة أنني أيضًا مستغربة هذا الانغماس الشديد الذي يكتسحني كلما قرأت الفصول.... 💜💜💜
لكني حقًا أشعر بمشاعر جميلة كلما طرق عيناي اسم "حازم" أو "شروق"... وكم هي سعادتي بكلماتك حول قدرتي المتواضعة على التخمين وعلى استقراء المشاهد!
ربما لأني أحب أيضا التأليف وإلقاء الكلمات المفتاحية فى الفصول وأحب القارىء الذي يتمعن ويستطيع اقتناصها... أحب الروايات التي تكون أحداثها جميعا عبارة أحجية يتم حلها بتقدم الفصول ومن خلال الكلمات المفتاحية التي تظهر للقارىء الدقيق!!
أحب ذلك جدا... فمثلا عندما أخبر خالد حازم بعنوانه فى القرية الريفية، استنتجت أنك ستتكلمين على لحظة معينة سيستخدم حازم العنوان لغرض ما... وهكذا!
أفعل ما أحب أن أراه يُفعل معي! 💜💜
أجل، لاحظت طبعا قلة المشاهد الجامعة للاثنين وكم يحزنني ذلك، لكن ليس طويلا لأني أدرك أن هذا يخدم واقعية الرواية.. ففى يوم ٢ فبراير ٢٠١١، ستراه ملثمًا ولكن لقلة المواقف الرابطة لهما، لن تستطيع الجزم بسرعة بهويته (ولا أعرف إن كانت ستعرف بها أبدًا أم لا)....

متابعتي تسعدني، وأشكر القدر على إلهامي فتحها وأن أخاطر بمتابعة رواية جديدة هنا بعد أعوام من الدخول المتقطع للمنتدى 💜💜💜
دمتي بكل الحب.... 💖💖


إنجى خالد أحمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-21, 07:16 AM   #302

إنجى خالد أحمد

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية إنجى خالد أحمد

? العضوٌ??? » 156140
?  التسِجيلٌ » Feb 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,041
?  مُ?إني » مصر ..
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » إنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

هكذا يبقى لي التعليق على الفصل السابع بإذن الله....
سأحاول ذلك خلال ساعات العصر.....

تقديري ومحبتي لك ولحازم ولشروق💜💜💜


إنجى خالد أحمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-21, 01:38 PM   #303

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Icon26

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إنجى خالد أحمد مشاهدة المشاركة
هكذا يبقى لي التعليق على الفصل السابع بإذن الله....
سأحاول ذلك خلال ساعات العصر.....

تقديري ومحبتي لك ولحازم ولشروق💜💜💜
عزيزتي قرأت كل مراجعاتك.. وسأقوم بالرد عليها باذن الله بعد نشر الفصل الجديد.. حيث أنشغل حاليا بمراجعته وسأبدأ في عملية نشره على الموضوع من الخامسة وحتى السادسة.. بعدها سأتفرغ للرد على كلماتك

شكرا جزيلا يا حبيبتي


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-04-21, 06:48 PM   #304

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 الفصل الحادي عشر

الفصل الحادي عشر

حازم


كتلة لاهبة من بغض واحتقان تراقصت بجنون بمعدتي..

كنت أعلم جيدا أن رحيم يفعل أي شيء لكي يحقق هدافه، وأنه مستعد للتضحية بكل ما لديه من أجل المحافظة على مكاسبه.. ولكن لم أتصور أبدا أن تكون الضحية التالية هي.. ابنته الوحيدة.

ظل هو يهذي بكلمات كثيرة لم تلتقط أذناي منها سوى: "تزوج ابنتي"..

أي انحطاط هذا؟
يقولون في الأثر الشعبي (إذا جاء الطوفان.. ضع ابنك تحت قدميك)..

ولكن ما أنا بطوفان.. أنا مجرد شاب أحمق أجبرته الظروف على الالتصاق به والبقاء في دائرته وتحت سطوته لسنوات أكره أن أحصيها أو أتذكر ما خسرته بسببها..

مجرد شاب حرص هو على أن ينهش كرامته وثقته بنفسه وينخر روحه لسنوات لي حتى يكون متيقنا ومطمئنا أنني لن أتمكن أبدا من الوقوف في وجهه ومناطحته أو الانقلاب عليه..

وحشٌ مدجنٌ لا يستل أنيابه ومخالبه بدون إشارة من مروضه، ومهما قاومته أو عصيته، سيكون هو بالتأكيد جاهزا لإيقافي من جديد بأساليبه الملتوية مفرطة العنف.. فلماذا يضحي بابنته بهذا الشكل؟!

أنا واثق أنه لا يهابني لتلك الدرجة، كما أنه قد لا يكون في حاجة ماسة لي، خاصة وقد قرر بشكل منفرد الارتكان إلى جيشه السري من المجرمين وقُطاع الطرق..

فلماذا يعرضها كقربان حتى يضمن استمرار طاعتي وولائي له؟
استدرت وتحركت بضع خطوات للأمام لأقف في مواجهته من جديد..

رمقته بنظرة سقيتها كل النفور والكراهية والسخط الذين يملؤون صدري تجاهه الآن، ثم هدرت فيه: "ما الذي تهذي به الآن؟ أي جحيم تجهزه لي وتريد إقحام ابنتك الوحيدة طرفا فيه؟ ألن تتوقف أبدا عن استغلال كل المحيطين بك؟ عن أي زواج تتحدث؟".

كان صوتي يعلو شيئا فشيئا دون قدرة لي على السيطرة عليه.. فأنا منزعج وغاضب ومقهور.. وخائف..

نعم خائف.. فأنا فعلت كل ما فعلت من أجل حماية أخي وفشلت رغم كل شيء.. فما الذي سأخسره بعد؟

وهذا الرجل عرفته لسنوات.. لا يكترث لأحد.. يفكر في الفوز فقط وبأي ثمن.. ويتلذذ بقهر الجميع والشعور بالفوقية.. هوايته الترفيهية هي التلاعب بالآخرين وتحطيم حاضرهم وتخريب مستقبلهم.. لكن لم أتصور أبدا أن يقحم ابنته الوحيدة في معادلة لا قِبل لها بها.. ومؤكد ستكون هي الخاسرة من أجل أن يخرج هو ظافرا كالعادة..
زواج؟ لقد فقد صوابه هذا العجوز..

ظل رحيم محافظا على هدوئه وعيناه تلتمعان بنشوة الظفر واثقا من خروجه فائزا لمرة جديدة، ثم زفر بهدوء ونظر إلى داخل عينيّ وكأنه يريد استقراء ما بداخل أعماقي، ليعقّب بوجه شديد الحبور: "زواجك أنت وشروق.. أنا أريدكما أن تتزوجا.. وأن.."

في تلك اللحظة، قطعت مدام سناء استرساله في الحديث، بعد أن اقتحمت غرفة المكتب بشكل اعتيادي حاملة صينية صغيرة عليها فنجان من القهوة التركية بنكهة غنية تطايرت رائحتها في كل الاتجاهات مغلفة الجو بعطن بطعم المرار ورائحة الحداد..

بعد أن وضعت القهوة واستدارت للخروج، بادلتني النظرات بطريقة شبه مقصودة وكأنها تريد أن تقول شيئا من خلال عينيها دون أن تنبس به بشفتيها، لكنها أكملت طريقها للخارج في صمت دون أن ينتبه رحيم لتصرفها.

ارتشف العجوز بعض القهوة، ثم تنهد قليلا وعاد للابتسام بشكل مزعج، وأخذ يقول: "إذا كنت تعتقد أنني لا أعلم ما يجري في منزلي.. فأنت أحمق.. أعرف أنك تحبها.. نظراتك تفضحك"..

كنت أهم بالرد ولكنه قاطعني.. وهذا جيد.. فلم أكن أدري ما ستنبس به شفتاي في تلك اللحظة.

عاد هو للابتسام بملء فيه، وقال بهدوء وثقة: "كما قلت أنت تحبها.. ومنذ سنوات.. وها قد جاءتك الفرصة لتحقيق مناك.. فأنا أقبل زواجكما، فلا تتصنع الممانعة"..

هنا لم أستطع السيطرة على نفسي أكثر من ذلك.. فلا مجال للإدعاء بعد الآن.
تهاويت على المقعد المواجه لمكتبه بضيق بينما استمر هو من جديد في ارتشاف قهوته، فانتهزت الفرصة وأمسك بدفة الحديث وعقبّت بحمق: "لن تقبل هي الزواج بي".

تبا..
لقد قلت أول شيء تبادر إلى ذهني برعونة منقطعة النظير.. يا لي من غبي..

هكذا اعترفت ببلاهة أنني لا أرفض.. ليكرر هو نفس الكلمات على مسامعي بشكل تقريري وكأنه لسان عقلي: "إذًا أنت لا ترفض.. وهذا هو المهم.. الباقي اتركه لي.. أنا سأجعلها تقبل".

سيطر الضيق عليّ فانطلقت الكلمات مني دون رادع: "هل ستجبرها الآن؟ لماذا تفعل بها هذا؟ لماذا تضحي بابنتك الوحيدة لأجل أن تحقق أهدافك مع رجل مثلي؟ ألا تعرف أي نوع من الرجال أنا؟ أنا ظلك الأسود.. مطرقتك الباطشة التي توجهها بتلذذ مقرف نحو كل من يفكر أن يعاديك.. أنا الذي تذكّره يوميا بأن عقله خرب ولا يصلح لأي شيء.. وأنه وضيع وأحمق.. فلماذا تلقي بجوهرتك الأثمن داخل جحيم مظلم لا نجاة لها منه؟ هل تريد أن تغتال براءتها وتلوث نقاءها من أجل أن تضمن ولاء شخصا مثلي؟".

أنهيت كلماتي بحدة، ثم نهضت عن المقعد بعصبية، وأنا أضغط بأصابع يدي اليمنى على أنفي لأسيطر على الصداع الذي انتشر كمطارق عنيفة تضرب جانبي رأسي وجبهتي دون رحمة..

زفرت بانفعال، ثم أكملت: "أنت فهمت خطأ.. أنا لم أقبل هذه الزيجة ولن أقبلها.. وكما أخبرتك منذ قليل.. هنا تنتهي علاقتنا للأبد.. لا تورط ابنتك في خططك الدامية، فهي لا تستحق".

قفز هو من مقعده وكأن النيران اشتعلت تحته، وأمسكني مجددا من ياقة قميصي المهترئ، وقال بنفاد صبر واضح: "اسمع أيها الفتى الغر.. أنا دللتك كثيرا.. وتسامحت معك كثيرا.. لا تظن أن بقاءك بعيدا عنها سيحميها من غضبي وانتقامي.. نعم.. سأنتقم منك فيها.. سأجعل قلبك ينزف حيا حتى يأكلك الخذلان من الداخل.. أنا أعرف جيدا ما الذي يفعله الشعور بالخزي والقهر لضعيف مثلك لا يقو على تطويع مشاعره وترويضها.. أيها المريض.. أعدك.. الجحيم الحقيقي سيكون ببقاءها بمنزلي بينما ترحل أنت عن حياتي".

زفر أنفاسه الكريهة التي تخبئها نكهة القهوة في وجهي ثم أكمل كاشفا عن وجهه السادي الذي تعودت عليه وعشت سنوات وأنا أقوم بتبرير أسبابه الملتوية وتناسي نتائجه الممزقة للروح: "هل تظن أنني لا ألاحظ حين تتدخل أنت لحمايتها مني كلما شرعت في تأنيبها أمامك؟.. صحيح أنني لم أستخدم يدي معها من قبل لإجبارها على الطاعة.. لكن من يدري؟".

أطلق ضحكة قصيرة، ثم أكمل: "كنت مكتفيا بالتنكيل بك أنت فقط لأن الأمر كان يغذي شعورا ما بداخلي.. هل تصدق حقا أن كل مرة كنت أضربك فيها كان الأمر لصالحك؟ لتقويمك؟ أيها الساذج".

عندها، نظرت إليه بغضب وكدت أهم بالرد ليرفع هو يده كي يمنعني عن الكلام، ويستطرد بلهجة تقريرية: "حسنا في البداية كنت أضربك لأنها كانت الطريقة الوحيدة لمساعدتك، لكن بعدها.. بعدها أنت بدأت بالفعل في السيطرة على حالتك بمساعدة طبيبك النفسي، لكنني لاحظت وقتها أنني أشعر بالافتقاد لشيء ما.. فكنت أتحين الفرصة حتى أقوم بتعذيبك بحزامي الجلدي".

صمت للحظتين وكأنه ممثل مخضرم يقف على خشبة المسرح وينتظر فقط لإحداث تأثير درامي لدى الجمهور المتلقي، ثم أكمل: "لأنني في الحقيقة أستمتع بهذا.. وأنت.. أنت كنت تسمح لي.. والآن أنت تريد الرحيل وترك ذلك الخواء بداخلي من جديد دون أن يشغله البديل، فلماذا لا تكون هي هذا البديل؟".

ثم رمقني بنظرة سادية، وتابع: "بالتأكيد لن تستطع شروق أن تقاومني.. هي في كل الأحوال ليست أقوى منك.. كما أنها لا تمتلك جسارتك وقوة تحملك.. تخيل فتاة برقتها وهشاشتها واعتدادها بنفسها.. كيف سيكون شعورها عندما تتعرض لما تحملته أنت لسنوات؟"..
ظل رحيم على نظرته المقرفة، ثم أشاح بيده بطريقة استعراضية مثيرة للضيق قائلا بلا مبالاة: " هيا.. اذهب إن شئت ما دمت تصدق أنك لن تنظر وراءك بعد الآن ولن تهتم بمن يدفع ثمن عصيانك المفاجئ غير المبرر".

فجأة سقط هو على مقعده بعنف.. بينما كانت يداي مرفوعتين في مستوى صدري..
يبدو أنني دفعته دون أن أسيطر على أعصابي.. صدقا لا أتذكر ما حدث..

أنا لا أكاد أشعر بجسمي.. وكأنني أشاهد ما يجري في هذه الغرفة اللعينة من زاوية جانبية.. أقف محايدا لأتابع ما سيفعله ذلك الـ حازم الذي يواجه رحيم الآن ولا يفصل بينهما سوى عشرات من السنتيمترات..

كانت أنفاسي تتلاحق وكأنني أنهيت لتوي جولة من الركض استمرت لساعات.

استندت براحتيّ على ساقيّ وأخذت أنهت محاولا السيطرة على أعصابي، ثم سألته بعدم تصديق: "ولكن لماذا؟ هي ابنتك.. لماذا تضعها في طريق شخص ملعون مثلي؟ لماذا تكره الجميع بهذا الشكل؟.. حتى وحيدتك.. ماذا فعلت هي لك؟ هي لا تستحق.. لا تستحق".

أجاب هو بتحفز غريب: " أنت لاتدري ما تحملته برؤيتها أمامي طوال السنوات الماضية.. ابنة التركية الملعونة.. كل ما فيها يذكرني بالأخرى".. ثم شرد وكأنه قد تاه في وادٍ مظلم من الذكريات ولا يجد سبيلا للعودة..

تغيرت تعبيرات وجهه بشكل متلاحق بين الأسف والحزن والضيق والغضب والنفور والتوجس.. كان وجهه صفحة من الانفعالات المقبضة المتتابعة بتواتر جنوني..

لم أفهم أو أستشف ما كان يدور بعقله، لكن الشيء المؤكد أن ما كانت ذاكرته تعيده على عقله في تلك اللحظات لم يكن أمرا جيدا أبدا..
وهذا ما يؤكد أن شروق ليست بأمان معه.. لم تكن يوما ولن تكون بعد الآن..

زفرت من جديد بإنهاك وانهزام.. فهذا الملعون نجح للتو في إخضاعي مرة جديدة.

تحركت بشكل آلي نحو الباب وأنا أتعجل المغادرة قبل أن أطاوع الصوت الذي يصرخ بغضب بمنتصف عقلي.. يطالبني أن أقتله في مكانه.

وقبل أن أحرك المقبض وأخرج لاستنشاق هواء نقيا بعيدا عن بؤرة العفن تلك، نظرت إليه مرة أخيرة، وقلت بصوت مستكين مهزوم الكلمات التي كان هو يتوق إليها ليتأكد أن خطته قد كُللت بالنجاح حين سمعها من بين شفتيّ: "سأتزوجها".. والتتمة في عقلي ..( وليلعنني ويلعنك الله)..

غادرت وآخر ما سجلته عيناي ابتسامته الظافرة المقززة تأكيدا على استمراره في التلاعب بالجميع..

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

خرجت من بوابة الفيلا الداخلية متوجها نحو سيارتي القابعة أمام البوابة الخارجية حيث وجدت إحداهن تنتظر بتحفز..

كانت تلك مدام سناء التي ركضت نحوي فور أن رأتني اقترب من السيارة، ثم أمسكتني من يدي وسحبتني خلفها وهي تشير بإصبعها على شفتيها تحثني على الصمت قبل أن أسألها عما تفعل.

استسلمت لتصرفها الغريب وسرت برفقتها حتى قادتني هي إلى داخل المطبخ من باب جانبي يدخل منه عمال التوصيل الذين يحضرون مخزون الأطعمة والوجبات السريعة لـ آل رحيم عماد الدين.

فور أن دلفنا للمطبخ، قامت هي بصرف بعض الفتيات العاملات اللاتي يأتين للمساعدة في التنظيف والغسيل والطهي مرتين أسبوعيا بسبب تقدم عمر السيدة سناء وزيادة وزنها بعض الشيء.

فور أن خلا المكان، أشارت هي لي لكي أجلس أمام الطاولة، ثم أحضرت لي كوبا من عصير الجوافة المثلج، وسكبت لنفسها واحدا.. وطلبت مني أن أبدأ بارتشاف خاصتي، لتفعل هي المثل.. وكأن الأجواء عادية تستدعي جلسة تسامر..

رمقتها ببعض النظرات المتسائلة، وأنا أنتظرها أن تبدأ بالحديث، فوضعت كأسها جانبا، ثم قالت: "تعلم بالتأكيد أنني سمعت ما قاله لك رحيم بك منذ دقائق"، ثم ابتسمت ببراءة طفولية وأكملت: "حسنا.. للأمانة أنا وقفت أمام الباب قليلا وتعمدت استراق السمع بعد أن أدخلت القهوة له.. فأنت تعرف أن شروق تخصني.. أنا من ربيتها بمفردي منذ طفولتها بعد وفاة والدتها المرحومة، ولذلك فكل ما يخص حياتها وحماية مستقبلها يخصني.. لذلك سأكون صريحة معك الآن".

فجأة تركت هي مقعدها المواجه لي، واتخذت مقعدا آخر يجاورني، ثم نظرت إلي! وعلى وجهها شبه ابتسامة وهي تتساءل بصوت بدا لي يغرد بالسعادة: "بني.. هل تتذكر حديثنا السابق؟ عندما كنت أحدثك عن سر اهتمامك بشروق وعنايتك الخاصة بها ورغبتك في حمايتها تحت أي ظرف؟".
ماطلت في الاعتراف بأمر يبدو أن الجميع قد انتبه له بالفعل..

وبصرف النظر عن كل الجنون الذي يحيط بي حاليا.. انشغل عقلي لثوانٍ بفكرة واحدة..
تُرى هل لاحظت شروق أيضا؟

قطع شرودي صوت سناء وهي تعقب: "لا بأس.. لا ترد.. أعرف أنك تتذكر بالتأكيد وأشعر أنك تمنحها اهتماما خاصا بعيدا عن كونها ابنة رئيسك في العمل".

تنهدت مدام سناء ببطء يأسا من الحصول على تعليق مني، ثم ضغطت على معصمي بكلتي يديها، وتساءلت بعتاب حاولت إخفاءه: "إذا كنت تحرص على رعايتها وحمايتها بهذا الشكل.. فلماذا إذن ترفض الزواج بها؟".

نظرت إليها مطولا أحاول أن أقدم لها أية إجابة سوى تلك الواضحة كشمس أغسطس..
أنني لا أليق بها بكل الأحوال!
لم أجد كلمات مناسبة لصياغة تلك الإجابة، فالتزمت الصمت..
فأنا لا أريد أن أعترف أنني لا أستحقها بصوت عالٍ سواء لمربيتها أو لغيرها..
هناك حد يتحمله الرجل حتى يقوم طوعا بكشف عيوبه أمام الآخرين..

يبدو أنها قد أدركت بنفسها ما يصمت لساني عن إعلانه بينما تعترف به عيناي دون مواربة، حيث حركت يدها اليمنى لكي تمسك بكف يدي من جديد..

ما بالها والضغط على راحتي اليوم؟ وكأنها قررت للمرة الأولى أن تتخلى عن أي تحفظ في علاقتها بي..
هل تفعل هذا من أجل شروق؟
أ
مسكت هي بطرف الحديث من جديد، حيث قالت بدفء: "لا بأس.. احتفظ بصمتك.. لكنك لن تستطيع أن تنكر أمامي أنك تحبها.. لا تظن أنني عجوز لا تدري شيئا عن الحب.. بني.. مشاعرك تسبقك دائما عندما تكون هي بالجوار مهما حاولت إخفاءها، فأنت شاب يحركك الشغف والشعور المسؤولية برغم صمتك."

عندما لم تجد سناء مني ردا، تنهدت بعمق، ثم استأنفت كلماتها التي تسللت مباشرة إلى عقلي مخترقة سحبا ضبابية قاتمة، حين قالت: "أنت كنت ملاكها الحارس منذ اليوم الأول الذي وطأت فيه قدماك هذا المنزل.. لقد شعرت بفطنتك أنها بحاجة للحماية بدون أن تطلب هي، أو حتى أن يرشدك أي من سكان هذا المنزل لذلك.. وسارعت بحمايتها طوعا دون حتى أن تدرك أنك تقوم بذلك".

نظرت إليها مذهولا، لتكمل هي: "وفي الفترة الأخيرة.. كنت أرى لمعة الحب في عينيك كلما ظهرت هي أمامك أو مر اسمها حتى على مسامعك.. حتى قبل أن تتعرض هي لذلك الحادث يوم الخامس والعشرين، كنت تحاول حمايتها حتى من إهانات والدها المستترة بكلماته السامة الثقيلة.. أنت أخذت على عاتقك مسئولية حمايتها دون أن يوكلك أحد بها ودون أن تنتبه أنك تفعل"..

صمتت السيدة سناء لبضع ثوانٍ، عاودت خلالها الربت على يدي بحنو، ثم استطردت: "بني.. أنت تحبها.. فلماذا تعارض فكرة زواجكما كأنها الموت؟ هل يقاوم الإنسان حلمه؟"

سحبت يدي القابعة باستكانة خائنة أسفل راحتها وتجاهلت النبضة الخافقة التي هدرت بقلبي بنسق مخالف لشقيقاتها محدثة دويا تطايرت توابعه على شكل دفقات عنيفة تحركت لمخي تحفزة وتنبهه للتصرف، فوقفت بانفعال وفي نيتي المغادرة..
خطوت خطوتين باتجاه الباب الذي دلفنا منه، لكنني استدرت وعدت إليها من جديد.

أثنيت قامتي حتى تتلاقى مآقينا.. فتتمكن هي من أن ترى ما تكشفه عيناي عما يعتمل في داخلي، ثم أكدته بكلماتي التي خرجت بنبرة يائسة: "لأنها تستحق الأفضل.. وأنا كما ترين لست الأفضل.. بل إنني لست مقبولا حتى.. أنا لا أليق بها أبدا، وهي ستكون بحال أفضل مع رجل آخر يقدرها ويعتني بها.. وتفخر هي به".

وقفت هي باندفاع كالملسوعة وعلى وجهها علامات عدم التصديق، ثم نظرت في عينيّ بصرامة قاضٍ على وشك إنزال حكمه النافذ بمتهم ينتظر حكم الإعدام ولا يصدق أن البراءة من نصيبه لثبوت التهم عليه لدرجة أنه بات مقتنعا أنه مذنبا بالفعل..

قالت مدام سناء بنبرة أمومية صارمة لا تخلو من الغضب النزق: "أيها الشاب الأحمق.. هل تظن أن والدها سيترك لها الفرصة لكي تجد رجلا مثاليا كما تظن؟ ألن يستغلها في أقرب فرصة؟ عاشت معه كل تلك السنوات ولم تسمع منه كلمة حب واحدة.. لم تذق منه قطرة من الحنان والدفء.. هل تظن أن مثل هذا الأب يؤتمن على ابنته الوحيدة؟".

وقبل أن أرد، ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة، ثم تساءلت بضيق: "هل هناك أحد مثالي بالأساس؟ كلنا خطاؤون.. وكلنا نستحق فرصة ثانية.. لا أعلم لماذا تشعر أنك لا تستحقها؟.. ولكن يمكنني فقط أن أخمن أو أتخيل خاصة وأنت تبقي فمك مطبقا.. لكن ما رأيته منك خلال تلك السنوات يؤكد أنك تستحق، بل لا أبالغ إذا قلت أنه لا أحد يستحقها مثلك.. وأنا متأكدة أن زواجكما سيغير شكل حياتيكما للأفضل.. صدق كلامي وتأكد أنها حتى إن كانت تظن أنها مجبرة على الزواج منك.. فإن وجودها معك سيجعلها تعيش في أمان وسلام واستقرار.. ستقدرها أكثر مما يفعلها والدها نفسه.. وستحبها بكل ما فيك.. ستمنحها الدفء والحنان والحماية.. ووقتها ستعرف هي من أنت حقا.. وبالتأكيد ستحبك أيضا".

ستحبك أيضا..
ستحبك.. ستحبك!

هنا.. في تلك اللحظة.. تهاويت أنا على المقعد من جديد وسألتها بانهزام لم أمتلك الطاقة الكافية لمداراته: "وماذا إذا لم تحبني عندما تعرف من أنا حقا؟".

ردت سناء بابتسامة واثقة: "أشك.. وفي كل الحالات هناك دائما طلاق لمن لم تكلل حياتهم الزوجية بالسعادة.. حتى إذا كان زواجكما بغرض إبعادها عن والدها وحمايتها منه ومن تصرفاتها الحمقاء بالفترة الأخيرة والتي كادت أن تقضي على حياتها بأبشع الصور كما كنت أنت شاهدا بنفسك عليها، فإن بإمكانكما الانفصال في حال لم يفلح الأمر".

تنهدت سناء ببطء وكأنها تترك فسحة من الوقت لما قالته لكي يمر بداخل عقلي، ثم أكملت: "صدقني يا حازم.. شروق تحتاجك بشدة الآن.. هي لن تجد أفضل منك لتستند عليه من أب ماتت مشاعره منذ سنوات ويعاملها كأنها لا تنتمي له أبدا، إذا لم تقم أنت بذلك، فلن يحميها أحد آخر، خاصة في ظل الظروف الحالية وجنونها فيما يتعلق بالمشاركة في التظاهرات التي أصبحت مليئة بالمخاطر.. ألم تنقذها مرتين بالفعل خلال أسبوع واحد؟ من غيرك سيتحمل تلك المسئولية إذا رحلت أنت عن الصورة؟".

أنهت سناء كلماتها بابتسامة حانية، اتبعتها نصيحتها الأخيرة، حين قالت: "لا تفكر بالفشل ونتائجه من الآن.. أمامك الفرصة لكي تحميها حقا، ولكي تجعلها تقع في حبك.. وإذا حدث الفراق بعد ذلك، فإنك لن تشعر بالندم وقتها.. لأنك ستكون قد خضت التجربة بالفعل وحاولت بكل ما أوتيت من قوة أن تمنحها السعادة.. ألن تفعل؟ أثق بأنك ستكون بوح سعادتها.. كما أنني متيقنة أنك أيضا تحتاجها لتزين حياتك وتملؤها بهجة وحنان".



يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-04-21, 06:55 PM   #305

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 الفصل الحادي عشر - القسم الثاني

خرجت من المنزل ولا شيء في رأسي سوى آخر جملة رمتها سناء على مسامعي.. هل فعلا أحتاج إليها؟

لقد تعودت ألا أحتاج شخصا أو شيئا.. كنت أعتمد على نفسي طوال الوقت حتى أنني تعلمت الطهي والأعمال المنزلية..
خزنت كل مشاعري بداخلي لا أشاركها مع أحد.. حتى نفسي..

لا أجد وقتا أساسا للتفكير فيما أحس فيه كل يوم، فمشاركتي للآخرين مشاعرهم وما تحدثه بداخلي من تقلبات عاطفية ووجدانية ونفسية تكفيني وتزيد..
لم أفكر أبدا في مشاعري وفيما أحتاجه قبل الآن.. لكن هل هذا هو الوقت المناسب؟

اللعنة عليّ.. أنا حتى لم أطمئن على الوضع الصحي لأخي بشكل سليم..
أي أحمق أناني أنا؟؟!!

قدت سيارتي باتجاه المستشفى من جديد، وبعد أن صففتها عشوائيا، توجهت على الفور إلى غرفة الطبيب الاستشاري لكي أسأله عن وضع أخي الصحي بعد الجراحة، لكنني وجدتها فارغة، فتحركت لكي أسأل إحدى الممرضات عنه، فأبلغتني أنه يقوم الآن بالمرور على المرضى قبل أن يستعد للمغادرة.

عرجت على الغرفة التي يتواجد بها أخي لكي أطمئن عليه قبل أن أعود لمقابلة الطبيب قبل أن يرحل.

ما أن اقتربت من الردهة التي تحتضن غرفته، حتى لمحت حبيبته علياء تدلف من بابها، فقررت أن أمنحهما بعض الخصوصية وأن أنتظر الطبيب جالسا على أحد مقاعد الانتظار القريبة من مكتبه حتى أشاهده عن عودته إليها قبل أن يغادر من جديد..

رغم يقيني أن علياء تلك لا تحب حسام كا يستحق، لكنني تمنيت حقا أن تخلف ظنوني وتكون زيارتها له سببا في منحه بعض الراحة والسرور في ظل ظروفه الحالية.

بعد مرور ربع ساعة تقريبا، كان الطبيب قد عاد من جولته، فتبعته إلى داخل مكتبه.

رحب بي الطبيب الذي كان قد جلس على مقعده أمام المكتب المواجه للباب. كان يبدو في أواخر الخمسينات، بلحية منمقة بعناية ونظارة طبية ذات إطار عريض، بينما تعكس نظراته الثقة والذكاء..

قابلني بابتسامة وسألني كيف بإمكانه مساعدتي، فقدمت نفسي إليه وسألته مباشرة عن حالة حسام الصحية، لترتسم على ملامحه على الفور علامات التعاطف، ثم ابتسم وقال: "إذًا أنت حازم. كان حسام يهذي باسمك في مرحلة الإفاقة بعد انتهاء الجراحة.. أفهم أنكما مقربين.. هذا جيد.. فهو سيحتاج إليك خلال الفترة المقبلة.. فحالته ليست بسيطة أبدا وأمامه مشوار طويل من العلاج والتأهيل البدني والنفسي، وسيكون عليك عامل كبير في تحفيزه على الشفاء..".

قاطعته بسؤالي الذي ماطلت طويلا في إطلاقه والحصول على إجابته، وكأنني أهرب مما أعلم أنه سيكسرني كما كسر قلب أخي: "إذًا يا سيدي.. ما هي حالته تحديدا؟"

أجاب الطبيب: "شقيقك نجا بمعجزة.. لقد سحقت أقدام الخيول ساق أخيك اليمني.. وكنتيجة لذلك أصيب بتفتت في عظام الساق الكاحل.. كان من الممكن أن يكون الأمر أخطر ولكن رعاية الله كانت تحوطه.. في نهاية الأمر حاولنا تثبيت العظام في أماكنها الطبيعية، ولكن سيكون هناك بعض الآثار الجانبية.. سنبدأ معه العلاج الطبيعي فور أن يصبح متأهبا للأمر نفسيا".

أمسك الطبيب قلما من الحاوية الموضوعة أعلى سطح المكتب بأطراف أصابعه، ربما كحركة تخفي توتره مما سيقوله بعد، ثم استأنف كلماته: "اسمع.. سيستغرق العلاج الطبيعي ما بين ستة أشهر إلى سنة على أكبر تقدير، وذلك حسب قوة تحمله ورغبته في الشفاء.. ولهذا أقول أن هناك عاملا كبيرا عليك كونك شقيقه الوحيد كما فهمت من أصدقائه الذين رافقوه.. ويؤسفني أن أخبرك أنه لن يستطيع السير بشكل سليم بنسبة 100% بعد نهاية العلاج.. إذ سيكون هناك بعض العرج في مشيته نتيجة تأثر الأوتار العصبية في ساقه المصابة".

توقف الطبيب للحظتين مبتسما بأسف، ثم أنهى استعراض تشخيصه بقوله: "المهم أنه نجا من الموت.. وإصابته تلك رغم أنها تبدو مقلقة لكنها بإذن الله لن تعيقه عن استكمال حياته بشكل طبيعي.. على كليكما أن تنظرا للأمر بإيجابية من هذه الزاوية.. أثق أنه سيتخطى الأمر بعد بضع جلسات مع الطبيب النفسي فضلا عن مساندتك وأصدقائكما له طوال رحلة العلاج".

برغم برودة طقس فبراير الأسود الملبد بالغيوم والرياح الحاملة للأتربة، إلا أنني شعرت أن الحرارة تجتاح جسمي بشكل خانق..

لابد أن الطبيب قد أخطأ التشخيص.. أو أنه يرعبني.. كنوع من التأنيب لأنني تركت حسام بمفرده يواجه المجرمين.

عاجلته بسؤالي مستنكرا: "ماذا تقصد بقولك إنه سيكون أعرجا؟ إذا لم يكن العلاج متوفرا في مصر فيمكنني اصطحابه للسفر إلى آية دولة أخرى يتوافر بها العلاج المناسب له".

ابتسم الطبيب بتعاطف.. تبا لتعاطفه الأجوف، ثم قال: "ليس هناك داعِ للسفر، فلن يتم علاجه بالخارج بشكل أفضل مما ستأتي به خطة العلاج المقررة له. وعلى كل حال يمكنك الحصول على صور الأشعة واستشارة طبيب آخر هنا في مصر أو بالخارج"، ثم مد يده نحو أحد أدراج مكتبه وأخرج بطاقة صغيرة وناولني إياها وهو يشرح: "وهذا عنوان أكبر مركز طبي في الشرق الأوسط للتأهيل البدني والعلاج الطبيعي وهو موجود هنا في منطقة مدينة نصر.. هذا المركز يستعين به الرياضيون بعد الإصابات الشديدة للحصول على التأهيل المناسب من أجل العودة لممارسة الرياضة بشكل آمن وتنافسي.. أثق أنه سيسهم في مساعدة أخيك في وقت قياسي وبشكل احترافي".

نظرت إلى البطاقة التعريفية، فوجدتها تتضمن عنوان المركز وأرقام هواتفه وبريده الإلكتروني، ثم شكرت الطبيب على مضض، ونهضت منهكا كي أعود بدوري متحركا نحو غرفة حسام، وأنا أهيئ نفسي لذلك اللقاء الذي تأجل كثيرا متجاهلا آثار اللكمات والصفعات على وجهي وهيئتي الرثة وقلة هندامي، بما يعكس أنني لست في أفضل حال.

وبمجرد أن ضغطت على المقبض وقبل أن أحركه لكي ينفتح الباب، قابلني صوت علياء الذي جاء مسيطرا وقاسيا.

كنت أنوي المغادرة، ولكن تنامى إلى مسامعي بضع كلمات ألقتها هي بنبرة محتدة، إذ بدت من خلالها وكأنها تقذفها نحوه بعجلة ودون رحمة حتى تتحرر نهائيا من مشاعر متقزمة وباهتة كان كلاهما يظن أنها حب حقيقي قادر على مواجهة الأزمات.

كيف لحب جذوره راسخة أن يفشل مرة بعد مرة أمام معوقات الحياة؟

كان حبهما من الأساس يواجه عقبات كثيرة ويتأرجح بين بُعد ووصال.. تارة لرفضها أسلوب حياته، وتارة لرغبتها في أن تجبره على أن يقبل بآية وظيفة ثابتة متخلية عن مساندته في سعيه نحو تحقيق حلم عمره بالعمل ككاتب سينمائي، والذي كان بالأساس هو بوابة إعجابها به..

لكن الآن، ومع ما يعانيه حسام من أزمة صحية قد يطول علاجها دون أن يحقق شفاء تاما، فإن علاقتهما تواجه أكبر عائق.

وقفت أنصت لكلمات علياء الباترة، والتي أعلنت عبرها بصراحة مؤلمة عن نهاية علاقة لم يكن مقدرا لها النجاح منذ البداية، وظل كل منهما يدور في فلك الآخر إما خوفا من التغيير أو الوحدة أو حتى بدافع التعود.

شعرت بغضب ونفور، عندما سمعت تلك الــــ علياء التي تلاعبت بحسام كثيرا بين راحتي يديها، وهي تعلن أخيرا عن قرارها النهائي، وتدق مسمار الانفصال في صرح علاقتهما المتهالك لتندلع أبخرة الفراق متأججة بحرقة وأسف في كل الاتجاهات، وذلك حين قالت: "كان طريقنا صعبا من البداية.. والآن أصبح السير فيه هو المستحيل بذاته... سيكون من الجنون والعبث استمرارنا معا في ظل الظروف الجديدة".

ضحكت بعدها بتسلٍ وكأنها قالت لتوها نكتة طريفة، ثم أكملت بلهجة مستنكر: "أنت حتى لا تستطيع السير.. فكيف ستركض خلف أحلامك بساق واحدة؟.. دعني لأرحل يا حسام.. لن يجمعنا طريق نسير فيه يدا بيد بعد الآن.. على كلٍ منا المضي قدما نحو حياته.. صدقني هذا هو الأفضل لكلينا"، ثم توقفت برهة، وقالت بعدها بصوت محايد ليست به آية ذرة من المشاعر: "أتمنى لك الشفاء".

أكان عليها أن تكون بهذا الجمود؟ هذا النفور؟ هذه القسوة؟ أكان عليها أن تتعجل النهاية بينهما سريعا وتلقي على رأسه دلوا آخر من الهموم والآلام.. أن تشتته بانكسار جديد وهو الذي لم يستوعب بعد خيبته الأولى؟..

لو كان الأمر بيدي لكنت خنقتها الآن وأمامه.. فقط بسبب أسلوبها الفظ.. ولكن هو لن يسمح لي..

فتحت الباب بعنف، ودلفت إلى داخل الغرفة بخطوات هادرة حتى أسكتها، وبالفعل صمتت هي تماما فور أن انتبهت لوجودي، ثم نهضت باندفاع وعدلت حقيبتها على كتفها وغادرت دون كلمة أخرى.

وجهت نظراتي نحو حسام دون أن أنطق بآية كلمة..

هل هناك كلمات مواساة مناسبة الآن؟ هل كلمات الدعم التي يقولونها في مثل تلك المواقف تكون فعالة أساسا؟ هل سيصدق آية عبارات منمقة تخرج من لساني بعد أن رسمت تلك الحمقاء صورة قاتمة للغاية لمستقبله بعد هذا الحادث؟

أما حسام.. فكان في عالم منفصل..

كان يبدو كمن خاض حربا في الجحيم مع زبانية جهنم ثم عاد لتوه هاربا من الموت بمعجزة..

معجزة تركته حيا.. ولكن.. مكسورا.. مقهورا.. يداري غضبه بابتسامة شبه ميتة..

كان ممددا على فراشه الأبيض الكريه في تلك الغرفة الخانقة، وساقه اليمنى مغطاة بجبيرة طبية ضخمة، ونصفه العلوي عارٍ، حيث يكتسي الجزء السفلي من بطنه بضمادات كبيرة.. وبدا أعلى ذراعه الأيسر متورما بكدمات صفراء وخضراء تصل حتى كتفه..

أما وجهه فبدا هزيلا للغاية.. كان يشبه ذلك الطفل الحزين الذي كان يلتصق بي كلما شعر بالخوف قبل سنوات طويلة..

وقبل أن أقترب منه أو أنبس بكلمة، تبدل الحال فجأة، إذ تحولت عيناه الدامعة إلى نهرين من الزئبق الجليدي يرمقاني بقسوة وغضب.. ولم يقل سوى كلمة واحدة: "غادر".

كنت أشعر به.. كان يريد حجب مشاعره عني، خاصة بعد كلمات تلك الحرباء.. كان يريد أن ينفرد بعذاباته ليتركها تتطفل على أعصابه وتزيده ألما..
تلبية لطلبه الفظ الذي لم يخبئ بطياته سوى توسلا حزينا، استدرت متجها نحو الباب، ومشيت بضع خطوات بالفعل منتويا الرحيل، ولكن.. لم أستطع..

ليس وهو في هذه الحالة..
لن أتركه للمشاعر السلبية لكي تنهل مما تبقى من طاقته..

ركضت نحو غرفة الطبيب لكي أطلب منه منحه حقنة مهدئة موضحا أنه قد استمع لخبر آخر محزن فتلفت أعصابه. وبالفعل أوكل الطبيب الأمر لإحدى الممرضات التي دلفت إلى الغرفة وغرزت حقنة المهدئ بقنينة المحلول المعلقة على حامل مجاورا لسريره والموصلة بجسمه بإبرة عبر ظاهر يده، لكي يتدفق السائل داخل أوردته سريعا، بينما كنت أقف منتظرا بركن قصي من الغرفة، وفور أن خرجت الممرضة معلنة أن مفعول المهدئ قد بدأ يظهر بالفعل ويصيبه بالخدر والنعاس، تسللت أنا من جديد وجلست بجواره على طرف السرير..
لحظة.. و أخرى..

ثم فاضت الدموع خارج محابسها وتحركت ببطء جنائزي يائس كأخاديد من الحزن تلون وجهي بانكسار جديد..





يتبع



التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 03-04-21 الساعة 08:33 PM
مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-04-21, 06:59 PM   #306

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: الفصل الحادي عشر - القسم الثالث


يبدو أنه قد غلبني النعاس بعد كل ما حدث اليوم، حيث شعرت فجأة بنكزة في كتفي الأيمن أعادت لعقلي الانتباه.. ففتحت عيناي مركزا بصري على موضع الألم، حيث كانت الممرضة تسحب كفها بعد أن قامت إيقاظي، وابتسمت وهي تقول: "لا تؤاخذني.. حسام من طلب مني ذلك".

اعتدلت في جلستي مستغلا تلك اللحظات لكي أستجمع شجاعتي وأتظاهر بالثبات، ثم وجهت نظراتي نحو الصغير، أتفحصه بعينيّ قبل أن تنطق شفتاي بكلمة واحدة..

ظهر حسام أكثر تحكما بأعصابه مبديا نوعا من الهدوء، وكأنه يحاول أن يبدو قويا ومتماسكا من أجلي..

تبا.. وكأن حياتي أنا التي تدمرت.. أو كأنني ألتمس القوة منه.. حتى في أضعف حالاته يحاول مساندتي.

بادر حسام بقول بعض الكلمات البسيطة بنبرة متماسكة، غير أنها لم تفلح في إخفاء حزنه وغضبه وحتى.. ألمه..
إذ خرج صوته واهنا ومتحشرجا بعض الشيء، حين قال: "اطمئن يا حازم.. أنا سأكون بخير.. أنا فقط.. أنت.. أنت فاجأتني بالأمس حين لم أكن مستعدا للحديث".

بالأمس؟ هل نمت الليل بأكمله؟

عندما لم أرد، رسم هو ابتسامة شجاعة على شفتيه.

هو يعلم أنني لا أكون سويا أبدا داخل غرف المستشفيات.. وخصوصا عندما يكون هو المصاب.. ولكن هل الآن عليه أن يبسط غطاء محكما من الكتمان على مشاعره الخاصة كي لا ألتقطها بأن يحاول.. مواساتي؟

تبا للإمباثية وما تفعله بي من اضطرابات تجعل الآخرين يرونني ضعيفا لهذا الحد..

أخذت نفسا عميقا بهدوء، فكل هذا لا يهم الآن..

الآن نحن معا.. وسنبدأ سويا رحلة الشفاء..

حاولت ترتيب أفكاري رغم أنني لم أكن في كامل انتباهي برغم مرور دقائق قليلة منذ استيقاظي.. يجب أن نضع حدا أولا لأسلوبه معي.. لا أستحق أن ينتبه لانفعالاتي ومشاعري.. فلأذهب بمشاعري ومرضي اللعين إلى أعمق نقطة من الجحيم..

تصنعت الهدوء، وخاطبته بكلمات متعلقة نوعا ما، حيث قلت بنبرة موضوعية لا تحمل مشاعر معينة: "حسام ليس عليك أن تكون هكذا.. لا تكترث لي أو لما قد أشعر به.. يحق لك أن تحاسبني.. أن تغضب مني وتحتد عليّ.. يحق لك أن تحطمني وتكسرني كيفما تشاء.. فأنا.. أنا".

فقدت تماسكي كليا، فقمت من جلستي الغريبة وتجولت بالغرفة جيئة وذهابا وأنا أتحاشى النظر لعينيه مباشرة، ثم أكملت بصوت مختنق مكبل بالخيبة والخذلان: "أنا آسف بشدة.. أقسم أنني آسف وأتمنى لو أنني أستطيع تصحيح الأمور.. أتمنى العودة بالزمن وحمايتك كما كان يجب وملاصقتك بالميدان طوال الأيام الماضية.. ليتني.. ليتني كنت مكانك".

رد هو: "لا يمنع حذر من قدر يا أخي.. توقف عن الشعور بالذنب.. لست نادما على قراراتي التي جاءت نتيجتها بهذا الشكل.. ولست الضحية الوحيدة لتلك الأحداث الغادرة الدامية.. وهذا يثبت أننا على حق أكثر من أي وقت مضى.. وأن النظام العتيق ليس له عهد ولا ميثاق ولا يعرف رجاله شيئا عن حقوق الأفراد.. هم يظنون أن الوطن لهم هم فقط.. هم صانعوه والمسيطرون على مقدراته وأننا كائنات متواكلة نستحق العقاب إذا فكرنا فقط أنهم لا يحسنوا صنعا.. أرادوا تشتيت العقل الجمعي لشعبنا بطريقة (نحن وهم) ووصفنا بالمخربين الممولين من الخارج لتنفيذ أهداف تخص أعداء الوطن.. وكأنه ليس من المنطقي أبدا أن نطالب بالعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية.. وكأن رغبتنا في الارتقاء بالوطن تعتبر مطمعا وليس غاية سامية"

قاطعته من جديد بعنف هادر هذه المرة: "هل ستتحدث من جديد عن الثورة؟ بعد كل ما حدث؟"

أجاب حسام بيقين تام: "دائما وللأبد"، ثم عدّل من نومته قدر المستطاع، وكأنه يبحث عن أفضل وضع للرقود يجنبه الشعور بالألم أو تيبس الجسم، ثم أكمل: "أنا حزين لما حدث، وخائف مما قد يحدث، ولا أعلم كيف سيسير المستقبل.. كما أنني في تلك اللحظة أتألم بشدة.. ولكنني لست نادما.. كل ما أريده الآن أن يدفع المجرمون الثمن.. أن تتحقق العدالة ويتطهر الوطن من دنسهم."

"يكفي".. قاطعته بضيق، ثم أكملت محاولا السيطرة على صوتي الحاد: "الآن ليس عليك أن تفكر سوى في مشوار علاجك.. لقد أخذ منك النضال الثوري ما أخذ.. وأنت لن تصدقني عندما أقول لك أن لا شيء سيتغير.. وأنك للأسف قد خسرت ساقك بدون فائدة.. لأنهم ببساطة متوغلين داخل تفاصيل السلطة كأخطبوط متعدد الأذرع، كلما قطعت له ذراعا، نمت غيرها في الحال، فلا تظن أن نهايتهم قريبة.. هذا مستحيل".

فتح حسام فمه ينتوي الرد، فرفعت يدي لأوقفته ونهرته برفق: "دعنا لا نناقش أحوال البلد الآن.. أنا لا أهتم.. صدقا لا يهمني تغيير الحكومة أو حل الحزب الحاكم وإقصاء قائده عن منصبه.. كل ما يهمني هو أنت".

أشار لي حسام أن أقترب منه، ثم أمسك يدي وسحبني إليه بما تبقى لديه من طاقة، وعندما تلاقت أعيننا، قال بلهجة شبه عادية محاولا إخفاء طبقات من الأسى تحت ظل ابتسامة ضعيفة: "أنت لم تنظر لعينيّ منذ دلفت إلى هنا.. انظر إليّ.. لا تسمح لما يدور في رأسك بالسيطرة على أفكارك.. أنت لم تفعلها.. كلانا نعلم ذلك.. بل أنني على يقين أنك حاولت منع الأمر بكل طاقتك.. حتى لو كنت ملاصقا لي يومها.. كان الأمر ليحدث بنفس تفاصيله.. لا يمنع حذرٌ من قدر.. ولا يصيبنا إلا ما قدرّه الله لنا".

بادلته النظرات بترددٍ.. كانت نظراته مشفقة وخاصتي يلمؤها الشعور بالذنب، فاستطرد هو: "لقد روى لي سامح والآخرون ما حدث خلال زيارتك الأولى وأنا في مرحلة الاستفاقة، عندما اتهمتك الدكتورة شروق بأنك وراء هذا الأمر.. ولا أفهم سبب إصرارها على ذلك.. لكنني أثق أنك لا تفعل مثل هذا الأمر أبدا.. تحمل ذنب إراقة الدماء بهذه الوحشية هو أمر فوق طاقتك.. سيقتلك على الفور.. فلا تتأثر بكلماتها وتستسلم للشعور بالذنب".

كلماته أذهلتني بشدة.. كنت أظنه سيسرع بتوجيه اللوم لي.. لهذا كنت أتجنب مواجهته متذرعا بزيارة رحيم تارة والطبيب تارة أخرى، وبالهرب للنوم مرة ثالثة.. ولو كان الأمر بيدي، لكنت استيقظت وتسللت خارجا قبل أن يراني.. ولكن الإجهاد تمكن مني، وجعلني أدخل في سبات عميق لم أستيقظ منه قبله، وهكذا وضعني في المواجهة قبل أن أستعد..

ماذا أقول له؟ هل أعترف أنني كنت مستأجرا بشكل قسري لإثارة الشغب في الميدان؟ هل وصل هو لهذه القناعة بمفرده؟

هل أخبره أن رحيم الحقير قد ساومني على حياته؟ وأنني نفذت تحت التهديد حتى يحافظ على حياته.. لكنه رغم ذلك عاد إليّ بعاهة مستديمة ليظل يذكّرني طوال حياتي أنني كنت سببا فيما حدث له ولمئات المتظاهرين أيضا؟

أمسك حسام من جديد بدفة الحديث محاولا أن يخرجني من شرودي ويشتتني بعيدا عن أفكاري السوداء التي عكستها صفحة وجهي بلا شك، حيث قال: "أخي.. استمع إليّ.. الطبيب يظن أنني بحاجة لجلسات نفسية لأنني يائس ومصدوم.. أعترف أنني حزينا وخائفا وأحتاج للكثير من الوقت لأتقبل الوضع وأتخيل شكل مستقبلي.. وأتعود على تلك الإعاقة حتى وإن كانت نسبتها ستصبح ضعيفة جدا في المستقبل كما بشرني هو.. ولكنني لست نادما كما أخبرتك.. لا تشعر بالذنب.. أنت لست مسؤولا عما حدث.. ولا يمكنك الركض خلفي لحمايتي طوال الوقت.. أنت أخي ولست حارسي الخاص.. حتى أنك قد أرسلت واحدا خلفي.. لا أفهم لماذا تلوم نفسك ويمنعك الخزي من أن ترفع عينيك؟ ما حدث كان نتيجة قراراتي أنا.. وأنا لا ألومك.. فتوقف عن الشعور بالذنب والتهرب من النظر إليّ بهذا الشكل".

بادلته النظرات ليتحول حديثنا إلى كلام عيون صامت، هو يحاول طمأنة قلقي ويطلب الدعم دون أن ينطقها صراحة، وأنا أحاول الاعتذار وأطلب الصفح دون كلمات..

بعد ثوانٍ، تسلحت بالقوة للمواجهة متخلصا من صمتي بقولي: "أعلم أنك تحاول أن تخلصني من الشعور بالذنب، ولكن لا تجمل الأمور يا حسام.. أنت لا تعلم ما اقترفته يداي.. تعلم أنني تورطت بشكل ما مع رحيم من جديد، فلا تنظر إليّ وكأنني بطلا.. أنا لا أصلح سوى أن أكون مسخا أو غولا يستخدمونه لإخافة الأبرياء وترويعهم.. لكن أنا وكلمة بطولة لا يمكن أن نجتمع في جملة واحدة".

صاح هو بعناد متقمصا دور الأخ الأكبر لأول مرة: "حسنا.. اذهب من هنا ولا تعد قبل أن تكون مقتنعا بما أقول.. لن أقبل بمقابلتك إلا بعد أن تعود كما أعرفك دائما.. هيا غادر الآن.. فأنا أحتاج لبعض الهدوء والراحة"، مشيرا بيده للباب وهو يشيح بوجهه عني.



يتبع



التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 03-04-21 الساعة 08:32 PM
مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-04-21, 07:03 PM   #307

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: الفصل الحادي عشر - القسم الرابع

غادرت المستشفى وأنا أشعر بالإحباط..

لا أدري السبب.. هل لأن حسام لم يسبّني ويتهمني كما فعلت شروق؟ أم لأنه بالفعل يراني بطلا أحاول التحامل على أوجاعي سعيا لحماية الآخرين؟

كانت محاولته واضحة في التخفيف برغم ما يعانيه هو.. ولهذا السبب تحديدا ازداد شعوري بالخسارة والهزيمة..

أخذت أتجول بسيارتي بلا وجهة حقيقية نابذا فكرة العودة لشقتنا بينما هو محتجزا على سرير المرض يصارع آلامه ومخاوفه بمفرده..

أخذت الأفكار تتصارع برأسي في مليون اتجاه، لكنها تعود جميعا لتتبلور في فكرة واحدة متوهجة ببريق التمرد.. أنني يجب أن أجد طريقا لكي أنتقم لأخي من رحيم وأنقذ الفتاة من براثن والدها المتوحش..

فكرت أن الوسيلة الوحيدة هي أن أقوم بتسليم نفسي والاعتراف بالجريمة التي لم أرتكبها فعليا ولكن كنت مسؤولا بقدر إهمالي وعدم قدرتي على الانتباه إلى ما يخطط له رحيم منذ اللحظة الأولى..

ولكن سأعترف لمن؟ لمنظمي للجريمة؟ للمستفيدين منها؟

هل أنا حقا مسؤول عن المجزرة الوحشية التي جرت بالميدان؟

هل يداي تلوثتا أخيرا بالدماء وأنا الذي عشت حياتي أحاول إنقاذ الأبرياء رغم انغماسي في أعمال العنف غير المشروع مُصرا على معادلة قاسية وسخيفة كان تنفيذها يوجعني أنا قبل أي شخص آخر؟

ما هو المشروع وغير المشروع في وطن كهذا؟ من الذي يحدد معايير الصواب والخطأ؟ ومن الذي يتألم في النهاية؟

يقولون إن العنف هو الملجأ الأخير لغير الأكفاء..

إذًا هل ما حدث بالأمس في قلب الميدان هو إعلان بداية الفشل بالنسبة للسلطة الحاكمة؟

هل يكون إصرار المتظاهرين على عدم المغادرة برغم ما تعرضوا له من عنف هو أول مسمار في نعش النهاية المحتومة لنظام عجوز يكاد يتهاوى بين لحظة وأخرى؟

العالم كله صار يشاهد ما يحدث في بلدنا، ولن تفلح قرارات الحكومة الأخيرة التي أستمع في تلك اللحظات لمذيعة الراديو وهي تعلنها عبر مذياع السيارة، في أن تخمد نيران الغضب..

تأخر الوقت.. كثيرا

الشباب يتساقطون ضحايا.. والمحصلة؟
صفر..

لا الشباب خافوا وعادوا لمنازلهم.. ولا الحكومة أحكمت قبضتها على الميدان وفرقت المتظاهرين..

فكيف ستكون الخطوة القادمة ومن الذي سيصمد بين القوتين؟

هل يسير أصحاب المصالح الآخرين من رجال الأعمال المتوحشين أو أصدقاء النظام الحاكم على خطى رحيم بافتعال المزيد من الكوارث وارتكاب الجرائم العنيفة لتخويف المتظاهرين؟

أنا شخصيا أشك في إمكانية حدوث ذلك، خاصة بعد الإعلان عن التحقيق فيما حدث في الميدان من جريمة نكراء.. كما أنه بعودة الاتصالات وشبكة الانترنت، صارت مواقع التواصل الاجتماعي تمتلئ بمقاطع فيديو ترصد شهادات الكثيرون عما يجري في الميدان..

ولأن كل ما يحدث يتم رصده وتوثيقه، يجب أن يتصرف النظام بذكاء ووعي لأن الوضع صار شديد الحساسية..
برأيي يجب أن يبذل النظام جهده بالسعي نحو إرضاء المتظاهرين بأي شكل بدلا من تجاهلهم أو تخويفهم.

ورغم كل قناعاتي أنه لن يحدث أي جديد، حتى إذا تم تغيير الحكومة مرة أخرى لأنها مجرد تعديلات شكلية وليست في جوهر السلطة نفسها، إلا أنني أتمنى لمرة واحدة فقط أن ينتصر الحق وأن يتم عقاب المخطئ..
من أجل حسام.. من أجل شروق.. من أجل الجميع.

دارت الأفكار برأسي من جديد باتجاه شروق ووالدها الذي يثبت في كل مواجهة لي معه أنه مازال المعلم وأنا مجرد دمية ماريونيت خيوطها بيده يحركها كيفما يشاء..

لماذا لم أنتبه من قبل أنه كلما لمس مني رغبة في التغيير أو الابتعاد عنه، وجد وسيلة أخرى لتكبيلي بالقيود وإبقائي داخل دائرته ليتحكم بحياتي دون تحفظ.

يتأكد لي بعد كل مرة أواجهه فيها أنني غير مستعد بعد..

كيف ظننت أنه يمكنني أن أدخل في نزال مع وحش سادي، وأنا لا أمتلك سوى أنياب مدرمة على يديه؟

بالتأكيد ستكون النتيجة خسارتي في كل جولة.. ودون أي مجهود شاقٍ من جانبه..

رحيم نجح في تدجيني وتحويلي لحيوان أليف ومطيع له وشرس وعدائي مع من يعارضه..

شرس حتى أمام نفسي.. أقاوم آية فرصة لمواجهة مرضي والتعامل معه.. وأكبل نفسي بقيد الامتنان لما فعله من أجلي منذ سنوات، فلا أجرؤ على التفكير في معارضته أو التمرد عليه..

متى سأتخلص من هذا العجز وأخرج من سيطرته؟

وبعد أن قبلت الزواج من ابنته تحت تهديد جديد.. كيف سأتصرف الآن؟

عقلي لا يعتقني..

يذكرني بمسؤوليتي تجاهها.. وهناك شيء بأعمق نقطة في روحي المظلمة يأمرني بالعناية بها ومساندتها وعدم تكرار فشلي في حماية أخي معها.

نعم.. عليّ حمايتها.. من أبيها.. ومن نفسي إذا لزم الأمر.. لأن قلبي لن يتحمل صدمة ثانية.

قلبي.. ذلك الخافق بجنون بين ضلوعي، ينبض بترددات متناقضة ما بين رغبة في القرب وانتهاز الفرصة التي
فرضت نفسها، ورغبة أخرى في الهرب حتى لا أكبلها بمستقبل مظلم هي أنقى وأغلى من أن تتقيد به.

قاطع شرود أفكاري المتلاطمة بين بحار عقلي الثائرة، صوت رنين هاتفي المحمول، كنت أعلم أن خالد هو من يطلبني على الطرف الآخر بكل تأكيد بعد أن تقاعست عن مهاتفته ليوم كامل.

لا أنكر احتياجي له الآن.. أجبته سريعا لعلمي أنه يريد الاطمئان على حسام، وأخبرته أنني سأتوجه لمنزلي لتغيير ثيابي ثم سأزوره في منزله لكي أطمئن عليه وأسرد عليه كل ما حدث خلال الساعات الماضية..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-04-21, 07:07 PM   #308

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 الفصل الحادي عشر - القسم الخامس

بعد أن أنهيت استحمامي وبدلت ملابسي، توجهت مجددا في رحلة جديدة بالسيارة إلى حي المهندسين هذه المرة.. حيث منزل خالد..

وكأنني قد اتفقت ضمنيا مع نفسي أن أقضي أيامي التالية بعيدا عن المنزل.. منذ غادر حسام وأنا بين منزل رحيم والميدان والمستشفيات.. وباقي الوقت أقضيه بالسيارة، فلا أعود للمنزل إلا بغرض الاستحمام وتغيير ثيابي، ثم أتحرك لزيارة خالد أو الاجتماع برحيم، ومع إصابة حسام، لن أكون قادرا على البقاء بالمنزل بدونه.

كانت سيارتي تنهب الطريق نحو منزل خالد ولا شيء برأسي سوى أنه هو الشخص الوحيد القادر حاليا على مساعدتي على إعادة ترتيب أفكاري ومصارحتي حول صحة قرار الزواج بشروق من عدمها.

حين وصلت إلى منزله، كان خالد يجلس بشرفة منزله برفقة خطيبته زينة التي لا تفارقه بالفترة الأخيرة، وتحديدا منذ أن تعرض لإصابته الأخيرة..

زينة كعادتها كانت ترفض المغادرة والابتعاد عن خطيبها، لكنها وافقت على مضض أن تتركنا بمفردنا لبعض الوقت بعد أن وعدها خالد أنه سيقضي يوم الغد بكامله معها.. ولهذا حملت حقيبتها ورحلت قبل أن تحل ساعات الغروب ويحل معها تطبيق قرار حظر التجوال فيصبح من الصعب عودتها للمنزل بأمان إذا تحركت في وقت متأخر.

اقترح خالد أن ننتقل إلى غرفته حتى نتحدث بأريحية بعيدا عن والديه اللذين كانا يجلسان بغرفة المعيشة المواجهة للشرفة.

فور أن دلفنا للغرفة واتخذ هو جلسته المريحة أعلى فراشه ممددا ساقيه أمامه بأريحية، بينما جلست مواجها له إلى الطرف الآخر من السرير، ثم بدأ الحوار بيننا.

أخبرته بكل ما حدث معي ولم أحجب عنه آية معلومة لأول مرة، وكأنني أحثه على اتخاذ رد فعل قانوني ضدي..

فقد اعترفت بما فعلته منذ تلقيت الأوامر بإثارة الشغب والقلاقل في الميدان إلى أن قايضني البغيض على الزواج من ابنته بعد حادث الاعتداء على حسام، والذي كان رحيم سببا فيه حتى وإن تم الأمر بدون أمر مباشر منه.. فهو من أرسل هؤلاء المجرمين بالنهاية.

بعد أن أنهيت سرد كل شيء، ظل خالد صامتا لفترة طويلة يفكر فيما قلته له، ثم نظر إليّ وكأنه يحاول قراءة السر الذي حرصت على إخفائه لسنوات قبل أن أكتشف أنه كان جليا للجميع.. لرحيم وسناء.. وربما لخالد أيضا..

قال خالد بتعقل: "إن كنت قد بدأت بإثارة بعض القلاقل وافتعال الشغب في الميدان، فإنك قد تطهرت فوريا من فعلتك بحمايتك للمتحف وإيقافك لعمليات التخريب فور أن اكتشفت دخول عناصر إجرامية هدفها الدم.. كما أنك حركت جسرا متحركا من الدراجات النارية لنقل المصابين فورا، وبهذا أنقذت مئات الأرواح كان من الممكن أن يكون مصيرها الموت.. وبالتأكيد ضميرك ينغزك الآن بسبب ما تورطت فيه..".

تنهد بعدها بضيق ثم أكمل: "حاليا ليس بالإمكان فعل شيء، فحتى إذا تحركت الشرطة ضدك، فإن ستعاقبك أنت بدلا من الفاعل الحقيقي وعصابته.. ربما في وقت لاحق نستخدم شهادتك في مكانها المناسب.. لكن رمي نفسك في الجحيم حاليا لن يكون له فائدة.. ولذلك اترك هذه النقطة حاليا.. لنتحدث عن الأهم الآن.. فهناك أرواح متعلقة بك..".

قطع خالد كلماته، ثم بادلني النظر صمتا وكأنه يخبرني بعينيه أنه كان يعلم طوال الوقت أن رحيم يجبرني على القيام بتصرفات غير قانونية تماما ولكن الوقت الآن غير مناسب للحساب..

قطع صمته بعد ثوانٍ بقوله: "يبدو لي أنك تحبها.. حرصك على حمايتها وخوفك من الزواج بها بنفس الوقت يؤكدان لي هذا الأمر.. هي ليست مجرد ابنة لرئيسك في العمل المعروف بعلاقاته القوية بالحزب الحاكم والتي تخرجه من كل مصيبة يجد نفسه فيها قبل حتى أن تصل للصحافة أو المحكمة".

شرعت أنا في الرد، لكنه قاطعني قائلا: "حازم.. إن كنت ترفض الاعتراف لي.. فلا بأس.. لكن عليك ألا تكذب على نفسك.. أنت معجب بها بالفعل.. بل على الأرجح أنك تكتوي بنيران حبها في صمت.. لماذا لا تفكر بالأمر على أنه بداية جديدة للجميع.. لك ولها ولحسام؟ لماذا لا تستغل هذه المنحة التي وضعتها الحياة أمامك في الوقت الذي كنت تعتقد فيه أن كل أوراقك صارت محروقة وأن عليك الاستسلام لما تظن أنك تستحقه من عقاب على عدم حمايتك لأخيك كما كنت تأمل؟".

أطرقت برأسي متحاشيا الإفصاح عما يجول بعقلي من أفكار مضطربة ومتباينة، ليكمل هو:" أتعلم يا صديقي.. لا أحاول أن أمارس عليك نظريات فلسفية محيرة.. وحتى أنني أتخلى طوعا في تلك اللحظات عن قبعتي الشرطية وما تفرضه عليّ من أفكار محددة بعيدا عن المرونة التي تتطلبها بعض المواقف الحياتية.. فاللعب بالكلمات لن يخفي الحقائق الواضحة.. والعدل قبل القانون أحيانا..".

نظرت إليه بعدم فهم، فأكمل هو: "دعني أخبرك شيئا واحدا.. للضائعين الذين سحقتهم الحياة دون رحمة.. هناك وطن واحد.. هو المرأة"، ثم تنهد ببطء، واعتدل في جلسته وتناول زجاجة الماء الموضوعة على المنضدة الجانبية المجاورة للسرير، وارتشف بعض الماء، وتابع بعد إعادة الزجاجة لمكانها: "أعرف أنك كنت تفعل بعض الأمور غير القانونية رغم حرصك على إخفاء التفاصيل عني.. لكنني متأكد من معدنك.. أنت إنسان نظيف مهما صوّر لك رحيم أو غيره عكس ذلك.. مؤكد أنه كان يحرص دائما على أن يزرع في رأسك فكرة أنك شريك له.. لكن إذا فكرت في الأمر بحيادية، ستجد أنك كنت مجبرا على إطاعته.. أيا كانت الدوافع والأسباب.. أنت لم تفعل تلك الأمور الرمادية طوعا ولم تتلذذ بها.. بل كان ضميرك يوخزك بعنف.. خاصة مع معاناتك مع مرض التشاعر..".

تنهد خالد مستغلا التزامي الصمت التام حتى أستمع إليه متفاجئا كليا بوجهة نظره عما كنت أخفيه عنه بشأن الأمور التي يلزمني رحيم بالقيام بها لإخافة أعدائه، ثم أكمل من جديد: "أمامك فرصة ذهبية لكي تتطهر من كل تلك الأخطاء.. أقصد.. ماذا إذا أصبحت شروق هي وطنك الذي سيربطك بالحياة من جديد ويمنحك الأمل للعيش بسلام؟ ماذا إذا كان الله قد وضعها في طريقك الآن لتكون هي سبيلك للتكفير عن كل آثامك وللخلاص من كل آلامك؟"

أجبت بلهجة ساخرة: "على الذين يعيشون للرصاص والدم ألا يمرضوا أو يحلموا، وعليهم ألا يبحثوا عن راحة إلا في الموت ".

ضحك خالد رغم نظرات الحزن التي تجول بين عينيه، ثم قال: "الآن عدت لاقتباسات نجيب محفوظ من جديد.. من قال أنك تعيش للرصاص والدم؟ أنت نجحت أخيرا في التصدي لرحيم وإيقافه.. وهو الذي انهزم أمامك وبدأ بالمساومة.. لا تظن أنك لم تحقق مكسبا بتلك المواجهة.. بل أنك صرت أقوى بوقوفك أمامه بوضوح ودون مواربة لأول مرة.. هو نفسه صار متأكدا أنك أصبحت ندا له، وأنا متأكد أنك لن تسمح له بعد الآن باستغلالك.. وبوجودك في محيط شروق وحسام من الآن فصاعدا.. سيكون من الميسر لك حمايتهما دون أن تستسلم تحت وطأة تهديداته.. وأنا أيضا سأكون في ظهرك يا صديقي.. فلا تخشى شيئا.. صدقني في المواجهات القادمة ستكون أنت الطرف الأقوى.. فتوقف عن رثاء الذات أو توقع الفشل".

نهضت منفعلا لأتحرك قليلا حول السرير، فالجلوس في وضعية واحدة يكاد يصيبني بالاختناق.

رفعت يديّ إلى السماء وكأنني استجدي معجزة من الله، ثم ضغطت قبضتي محاولا السيطرة على أعصابي المتململة التي ترتعش بنزق..

ولما طال الانتظار دون أن أستعد السيطرة أو أشعر بالتحسن، أنزلت ذراعيّ وأطرقت ناظرا بخزي إلى موطئ قدمي..

منذ متى تساند السماء الشياطين؟ متى كان الله عونا للظالمين؟

قطعت الغرفة جيئة وذهابا بضع مرات أخرى، ثم توقفت أمام خالد لأسأله بنزق وأنا ألوح بيدي في وجهه بغضب من نفسي قبل أي شيء آخر: "ألا يعد إجبارها على قبول الزواج مني نحرا لها؟ ألا نظلمها هكذا؟".

رد خالد: "يبدو لي أنها تعلم الآن أن أبيها يستغلك لتحقيق أهدافه غير المشروعة بدليل مواجهتها لك في المستشفى، ثم اقتحامها لغرفة المكتب خلال مواجهتك لوالدها واصطحابها لك للعناية بجروحك وكدماتك، وأنا متأكد أنها عندما تتعرف عليك عن قرب، فإنها ستساعدك على التحرر من باقي القيود التي يفرضها والدها عليك.. لا أصدق أن ذلك الحقير السادي كان يستنزفك لتلك الدرجة.. حقا أنا غاضب لأنك لم تتحدث عن هذا الأمر من قبل، فما كان يفعله هو معك ليس علاجا أبدا بل استغلالا مقرفا لإرضاء نزعات مريضة بداخله هو. والله لو لم أكن مصابا الآن لكنت ذهبت إليه في بيته وأسقيته من نفس الكأس.. ذلك اللعين".

قلت بصوت خفيض تمنيت ألا يصل إلى مسامعه.. "أنا فقط أشعر بالعجز".. ليهدر هو بحدة: "يا لك من أحمق يلتف حول ذاته بانهزامية دون أن يؤمن بإمكانية الخروج من النفق المظلم ببعض الخطوات البسيطة. هل أنت رجل يا ولد أم من الرخويات؟ يا بني.. افهم.. العجز الحقيقي هو أن يتوقف رأسك عن التفكير.. أو تفقد القدرة على اتخاذ القرار.. أو تفتقر للمساندة من أشخاص يحبونك بحق.. لديك حسام وأنا كما أن زنزونتي ستدعمك أيضا، وهناك كذلك السيدة سناء، فمما رويته لي فهمت أنها أيضا تظن أن هذا الزواج لمصلحة شروق.. يبدو لي أنك المعارض الوحيد للأمر".

ضرب خالد براحة يده على المنضدة بجواره، وكأنه يدق طبول الحرب، ثم قال بحماس: "اسمع يا ولد.. أنت أعلنت لرحيم موافقتك على الزواج بها.. وهذا قرار في حد ذاته.. حتى وإن كنت من داخلك تظن أن مبرراتك غير منطقية وأهدافك مغلفة بالأنانية والانتهازية.. فكل شخص يتصرف بأنانية في وقت ما.. وأنت قضيت عمرك كله حتى هذه اللحظة متحصنا بالإيثار.. تعطي بلا حدود دون أن تأخذ شيئا.. حتى في عملك مع رحيم بكل ما قدمته من تنازلات، فإنك لم تنل شيئا بالمقابل.. جميع الأعمال مسجلة باسمه وأنت تأخذ راتبك الشهري كأي موظف، ويظل هو يخدعك بإدعاء أنه ينوي أن يترك لك إدارة كل شيء في وقت ما في المستقبل، وذلك حتى يضمن ولاءك الأبدي لي".

علقت أنا بغيظ: "وهل يكون زواجي بابنته هو الثمن؟ هل يبيعها والدها لي بأبخس سعر ليضمن استمراري تحت إدارته؟".

زفر خالد، ثم تحدث بروية كمن يحدث طفلا بطيء الفهم: "حازم.. لماذا تفكر في الأمر كتعويض أو مكافأة؟.. قد يكون زواجك بشروق اختبار.. نعم.. اختبار لمدى قدرتك على الاستقلال بعيدا عن رحيم والعمل على حماية وتأمين مستقبلها بدلا من تركها تحت رحمة أب سادي لا يهتم بها بل تسول له نفسه استغلالها وإيذائها متغاضيا عن صلة الرحم.. أثق أن رعايتك لشروق ستكون هي أكبر تكفير عن شعورك بالأنانية لموافقتك على طريقة زواجكما".

توقف خالد للحظات حتى تتسلل كلماته لعقلي ويتأكد من فهمي لما قصده، ثم أكمل دون أن يمنحني فرصة لصياغة أفكاري في شكل كلمات: "سواء كانت الأنانية منك أو من والدها.. فإن زواجك منها هو الحل الوحيد المثالي الآن.. فأنت لا تعلم ما قد يفعله والدها المريض لكي ينتقم منك فيها كما هددك هو بشكل صريح.. ألم تسأل نفسك كيف يمكن له أن يؤذيها في لحظة جنون؟.. وقد كنت أنت نفسك ضحية لنزواته السادية المقرفة.. كما أنك بالطبع لن تتحمل ما قد يحدث لها.. فلماذا لا تُبقِ الأمور تحت سيطرتك أنت ليتسنى لك رعايتها وحمايتها، فتصبح أكثر قوة في مقاومته بمواجهاتكما القادمة.. لأن الأمر لم ينته بينكما بعد.. أنا متأكد أن زواجك من شروق سيغير بداخلك الكثير.. فقط تسلح بالأمل واليقين واغتنم الفرصة يا صديقي".

يبدو أن خالد كان عازما على ألا يتوقف سيل كلماته قبل أن يصير متأكدا أنني سأسير قدما في أمر الزواج دون تلكؤ أو إحساس بالذنب، حيث أنهى كلماته بقوله: "أعلم جيدا أنك تعاني من التخبط الشديد خاصة بعد إصابة حسام، ولكن عليك أن تفكر بواقعية هذه المرة.. ربما عليك أن تزور دكتور فؤاد. ما رأيك أن تتصل به؟.. قد يكون لديه فسحة من الوقت خاصة وأن الأحوال مضطربة في البلد.. قد لا يكون جدوله مزدحما.. جرب الاتصال به.. واستمع لرأيه في الأمر".



يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-04-21, 07:12 PM   #309

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: الفصل الحادي عشر - القسم الأخير

في صباح اليوم التالي كنت في طريقي إلى عيادة دكتور فؤاد الواقعة في حي الدقي.. ورغم قربها من مواقع اعتصامات المتظاهرين المؤيدين للحكومة والحزب الحاكم، إلا أنني لم أجد صعوبة في الوصول بموعدي، ربما بسبب انخفاض أعدادهم مقارنة بمتظاهري ميدان التحرير..

كنت قد هاتفت دكتور فؤاد مساء أمس تنفيذا لنصيحة خالد لكي أطلب منه موعدا، فاتفق معي على أن أكون أمام عيادته في تمام التاسعة صباحا بعدما استشعر أن ما أريد أن أتحدث معه بشأنه أمرا لا يحتمل التأجيل، خاصة بعد أن ماطلت في زيارته طوال الأشهر الماضية برغم محاولته إقناعي بالجلوس معه مجددا لمراجعة أسلوب مقاومتي لنوبات الحزن والألم، والتخلي عن انغماسي في إيذاء نفسي..

الآن أنا هنا.. وهذا ما يهم.. أليس كذلك!

استقبلني دكتور فؤاد بابتسامة ونظرة متفحصة، ثم قدم لي كوبا من القهوة وطبقا يحتضن شطيرتين من الطعمية الساخنة برائحتها النفاذة التي تسللت الطريق إلى بطني، فصرخت الأخيرة بغضب لكي تذكّرني أنها بحاجة للطعام.

أنهيت تناول محتويات الطبق في وقت قياسي بعد إصرار دكتور فؤاد أننا لن نتحدث عن أي شيء قبل أن نتناول الإفطار موجها نحوي نظرة لائمة لأنني عبثت بنظام يومه المقدس وجعلته يحضر إلى العيادة مبكرا بدلا من الإفطار مع أسرته كما تعوّد، عندما أخبرته أن الأمر ملّحا ولا يحتمل التأجيل..

ومع ارتشافي لفنجان من القهوة، بدأت أروي القصة كاملة من جديد على مسامعه كما رويتها بالأمس لخالد.

لم أحاول أبدا المداهنة أمام الطبيب بكلماتي.. فأنا هنا لإيجاد حل لأن رأسي تؤلمني من التفكير المستمر.

لا أثق بقدرتي على الزواج وتحمل مسؤولية فتاة لطيفة وناعمة.. هي لا تستحق أبدا الدخول إلى عالمي المظلم لتهرب من ظلام أكبر، فهي في كل الحالات ستفقد حريتها وبراءتها وهي الرقيقة عندما تجد نفسها فجأة حبيسة كطائر حسون لطيف وجد نفسه جأة في قفص زينة براق تلونت قضبانه بحبر وثيقة الزواج، بتوقيع حارسها وسجانها في خانة الزوج..

شردت لدقائق، فسألني الدكتور فؤاد عن الشعور الرئيسي الذي يسيطر عليّ حاليا، فأجبته بصدق: "أنا غاضب للغاية.. هناك ندم وحيرة وقلق.. ولكن الغضب هو الذي يأكلني.. غاضب من نفسي ولا أجد العقاب المناسب لها كوني انشغلت بتتبع شروق لحمايتها وفشلت في حماية أخي.. مثلما ركضت وراء خالد صديقي وتكاسلت عن حماية حسام.. لقد خذلته.. والآن انظر لأنانيتي.. لهثت ككلب متشرد جائع فور أن لوح سيده بعظمة أمامه.. ما أن عرض رحيم زواجي من ابنته حتى قبلت بفرحة سرية كتمتها عن الجميع وادعيت الممانعة.. ثم ركضت إليك أنت تحديدا لكي تخبرني أنني فعلت حسنا بقبول الزواج، وأنني لست مسؤولا عن إصابة أخي".

ازداد حنقي على ذاتي حتى شعرت وكأن مقعدي قد أمسكت به النيران من تحتي، فنهضت منفعلا، وهدرت بنفور: "أنا.. أنا أسوأ شخص في العالم.. قضيت على حياة أخي الذي لن يتمكن من السير طبيعيا طوال حياته والآن أنال مكافأتي باحتجاز فتاة بريئة في سجن مشدد مع شخص بغيض مجرم بوثيقة زواج".

تجاهل دكتور فؤاد ثورتي المحتدة، وتساءل بهدوء: "هل فكرت بالبدائل؟ إذا لم تركض خلف خالد.. ماذا كان ليحدث له؟ ربما تعرض للإيذاء على طريق العودة للقاهرة، فأنت تعلم جيدا أن هناك حالة تحفز من بعض الجماعات المسلحة وأهالي المساجين الخطرين ضد رجال الشرطة، وهناك حالات اعتداء عديدة تمت ضدهم منذ اندلعت المظاهرات.. كيف كنت ستتلقى خبر مقتل صديقك الوحيد؟ أو حتى اختطافه بهدف طلب فدية أو الإفراج عن أسماء معينة من المساجين؟ أو تعذيبه وإحداث عاهات مستديمة به لإثارة خوف باقي الضباط؟ هل برأيك كان يستحق مثل هذا المصير؟ هل كانت خطيبته ستحتمل؟ وهل ستحتمل أنت ما كان من الممكن أن يتعرض له إذا لم تركض خلفه؟".

سكت دكتور فؤاد لبرهة، ثم أكمل بنفس المنطق: "وماذا عن شروق؟ إذا لم تقم بحمايتها ليلة الاعتداء على المعتصمين بقنابل حارقة.. هل كت ستتقبل فكرة احتراق وجهها أو جسمها أو موتها؟ إذا لم تكن موجودا في الميدان واشتعل الأمر وتم إحراق الثوار أو المتحف المصري.. ألم تكن ستحمّل نفسك المسؤولية عندها خاصة وأنت تمتلك مشاعر قوية تجاهها برغم محاولاتك المستميتة للمداراة على الأمر؟".

توقف دكتور فؤاد عن الكلام لثوانٍ ليلتقط أنفاسه ويرتشف بعض الماء، ثم أكمل: "أما ما حدث لأخيك، فهو قضاء من الله.. الفتى أصيب وهو ينقذ فتاة.. كان الأمر ليتكرر بتفاصيل مختلفة في أي وقت آخر.. هل كنت ستترك عملك وتدور خلفه لتحميه طوال الوقت؟ هل هذا منطقي في رأيك؟".

فتحت فمي كي أعارضه، ففهم هو ما أنتوي قوله، حيث استطرد: "حتى وإن كانت إصابته نتيجة مباشرة لتواجده في الاعتصام وليست مجرد حادث غير مدبر بخسة وندالة.. فهي ثمن كان عليه أن يدفعه من أجل مبادئه التي يؤمن أنها السبيل لتغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الوطن للأفضل.. والشاب أعلن أنه يتقبل نتيجة ما أصابه، فلماذا تريد أن تنتقص من قيمة تضحيته وتحولها بأنانية بحتة لمجرد تقصير من جانبك؟ وكأن عليك أن تلاصقه في كل خطوة يخطوها طوال حياته.. هو كان موجودا في ذلك المكان بملء إرادته.. فلماذا تحرمه من بطوليته وتفسر تضحيته العظيمة بأنها تقاعس منك عن حمايته وليست عملا إنسانيا محمودا يستحق هو الثناء عليه؟"

عاد هو لصمته من جديد، ثم نهض من مقعده وتحرك ليجلس بجواري، وربت على ساقي وهو يشرح بهدوء: "قلت لك في جلسات سابقة أن ارتباطك الوثيق بأخيك أمر محمود.. لكنه زائد قليلا عن المقبول.. فأنت لا يمكنك حمايته من كل شئ. هناك حوادث قدرية تصيب المرء مهما احتاط.. فقد تحدث له آلاف الأشياء دون أن تكون أنت موجودا برفقته.. حتى أنه قد يسقط فجأة تحت وطأة المرض أو ما شابه.. فكيف ستحميه عندها؟ كما أنك أيضا قد تتعرض لمصير مماثل في أية لحظة.. فالأقدار كتبها الله وانتهى الأمر.. نعم كنت تقوم بحمايته طوال السنوات الماضية عندما كان طفلا هشا وضائعا.. ولكنه الآن شاب رائع.. يمكنه حماية نفسه والتخطيط لمستقبله كما يريد.. والأبواب كلها مفتوحة أمامه ولن تمنعه إعاقة بسيطة عن رؤية هدفه بوضوح والسعي نحوه..".

ابتسم الطبيب بمرارة وكأنه تذكر أمرا مؤلما يخصه أو عزيزا لديه، ثم قال: "اتركه يتحرك بحرية بعيدا عن الحظيرة التي حصرته داخلها. فحين تضعه داخل قصر عالي الأسوار وتخنقه بالرعاية الزائدة، فإنك لا تساعده على التطور والإبداع بل تخنقه وتقيده حتى وإن كان بكامل صحته.. لقد قابلت هذا الشاب المليء بالحيوية من قبل وتعرفت على طبيعة شخصيته المذهلة عن قرب، وأثق أنه سيخرج من هذه الأزمة قويا.. فقط قدم له دعمك بلا حدود.. وانتظر قليلا.. وستبهرك النتائج.. وحتى إذا كان يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، وتعرض لنوبات غضب لاحقا، فيمكنني وقتها أن أرشح لك الكثير من أصدقائي من الأطباء المتخصصين في هذا المجال.. أخوك يحتاج للدعم فقط".

توقف عقلي عن الجنون فيما يخص ممانعة الزواج بشروق، لكن نبتت بدلا عن ذلك آلاف الأفكار الأخرى.. إتمام الزواج.. و... و... هي ستراني بصفة يومية.. وستعرف عن مرضي.. وعقلي المعطوب.. ستكرهني بالتأكيد.. كيف لي أن أخفي الأمر عنها؟

باغته بسؤالي التالي بانفعال: "كيف لي أن أبدو طبيعيا أمامها؟ لا أريدها أن تعرف شيئا عن مرضي"..

رد دكتور فؤاد بهدوء شديد: "ليس هناك من خطأ أن تعرف هي ما بك.. فالأمر ليس سبة أو عارا يا حازم.. ولكن إذا لم تكن مرتاحا للتصريح لها بالأمر في بداية زواجكما.. فيمكنك أن تتصرف كما تتصرف دائما أمام حسام وخالد.. أي على طبيعتك.. وإذا شعرت فجأة أن مشاعرك تغمرك بشكل خانق.. فيمكنك أن تبتعد قليلا لالتقاط أنفاسك وترتيب أفكارك.. تذكر دائما التدريبات الذهنية التي تدربت عليها، ولا تستسلم أبدا لإيذاء نفسك بالآلات الحادة لتشتيت الشعور بالتضخم العاطفي الذي يصيبك في بعض الأوقات.. فهذا الأمر لا ينتج عنه سوى نتائج لحظية لا تفيد.. وأرى من اهتراء راحة يدك أنك لا زلت تقوم بهذا الأمر".

أخفضت رأسي باستسلام وشعور بالخزي دون أن أعقب، فاختتم هو كلامه قائلا: "أنا أعلم أن الأمر صعب عليك وأنك تمر بشتى أنواع المشكلات.. ولكن الأمر لم يعد جديدا بالنسبة لك.. عليك أن تتعامل معه ببعض الخبرة التي اكتسبتها على مدار السنوات الماضية.. ابتعد إذا فاق الأمر طاقتك على التحمل.. انعزل.. لكن لا تؤذ نفسك.. لا شيء يمنعك عن الزواج أو بناء حياة جديدة بسعادة.. أنت تستحق السعادة على عكس ما تظن.. ولا تتردد أبدا في زيارتي إذا كنت تشعر بحاجة للحديث معي ويسعدني دائما أن أطمئن على أحوالك".

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

عدت إلى المنزل لكي أعد وجبة صحية سريعة لحسام.. جهزت له بعض الدجاج المسلوق جيدا بالقليل من التوابل، وبعض البطاطس المهروسة.. وحضرت قنينة من عصير البرتقال الطازج بالجزر، ثم توجهت إلى زيارته بالمستشفى..

أمضيت فترة الظهيرة كلها بصحبته.. تسامرنا وتحدثنا عن كثير من ذكرياتنا دون أن نعيد الكلام في الواقع أو بداية جلساته النفسية وبعدها التأهيل البدني.. كما تجنبت أنا الحديث عن لقائه الأخير مع علياء مثلما تجنب هو أن يوجه دفة الحديث نحو مسألة زواجي بشروق.

كان حديثنا بسيطا ومريحا وبعيدا عن آية منغصات.. وكان هذا ما نحتاجه كلانا.

بعد أن طلبت مني الممرضة المغادرة بنبرة تسلطية نظرا لتجاوزي مواعيد الزيارة المسموح بها، ودعته بعد أن أكد لي أنه سينام وليس بحاجة لمرافقتي له حتى الصباح لأن الأدوية تدخله في حالة من النعاس.

بمجرد مغادرتي للمستشفى وتوجهي نحو السيارة، بدأ هاتفي يرن من جديد..

الاسم الذي ظهر على شاشة الهاتف وأصابني بدهشة ألجمتني لثوانٍ، كان هو آخر ما أتوقعه..
شروق.. كانت هي..

استقبلت المكالمة وأنا أسيطر على تنفسي بالكاد. وقبل أن أنطق بكلمة واحدة كانت هي تخبرني بحدة واضحة: "أنتظرك غدا في الظهيرة لتمر عليّ في الفيلا.. علينا الذهاب معا لشراء فستان الزفاف"، ثم أنهت المكالمة دون كلمة أخرى!



نهاية الفصل
دمتن بود وحب وسعادة وسلام..


إن شاء الله سيتم نشر المزيد من المحتوى يوم السبت المقبل.. وبعدها سنتوقف قليلا خلال شهر رمضان الكريم.. أعاده الله علينا بالخير واليمن بالبركات..


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-04-21, 07:19 PM   #310

نوارة البيت

? العضوٌ??? » 478893
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,845
?  نُقآطِيْ » نوارة البيت is on a distinguished road
افتراضي

💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜

نوارة البيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:33 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.