آخر 10 مشاركات
الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )           »          ندبات الشيطان- قلوب شرقية(102)-للكاتبة::سارة عاصم*مميزة*كاملة&الرابط (الكاتـب : *سارة عاصم* - )           »          602 - عودة الحب الى قلبي - كارول مورتيمر - ق.ع.د.ن *** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          ❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )           »          [تحميل]من قريت الشعر وانتي اعذابه من كتبت الشعر وانتي مستحيلة لـ /فاطمه صالح (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          متاهات بين أروقة العشق(1) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          كُنّ ملاذي...! (92) للكاتبة: ميشيل ريد *كــــاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          وأغلقت قلبي..!! (78) للكاتبة: جاكلين بيرد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          ساحرتي (1) *مميزة , مكتملة* .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل تعتقدون أن خالد قد مات وانتهى دوره بأحداث الرواية؟؟
نعم 0 0%
لا 6 100.00%
المصوتون: 6. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree484Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-05-21, 10:05 PM   #381

جزيرة

? العضوٌ??? » 307068
?  التسِجيلٌ » Nov 2013
? مشَارَ?اتْي » 398
?  نُقآطِيْ » جزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مروة سالم مشاهدة المشاركة
عزيزاتي..
نظرا لأن الاجواء ليست مواتية تماما حاليا نظرا للاجواء العامة المسيطرة على عالمنا العربي.. سأقوم بنشر الاقتباس خلال الايام القليلة المقبلة..

عيد سعيد
عيد سعيد وكل علم و انت بخير
الوضع محزن حقيقة
الله يحفظ المسلمين و ينصر الدين


جزيرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-05-21, 11:55 PM   #382

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جزيرة مشاهدة المشاركة
عيد سعيد وكل علم و انت بخير
الوضع محزن حقيقة
الله يحفظ المسلمين و ينصر الدين
اللهم امين ..ربنا يصلح الاحوال


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 18-05-21, 06:40 PM   #383

Maryoma zahra

? العضوٌ??? » 403302
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 135
?  نُقآطِيْ » Maryoma zahra is on a distinguished road
افتراضي

لسه قارئة الفصل ال١٢ و بجد شوشو و حازم وحشونى أووى 🥺❤️❤️
و ماما سناء تشبيهاتها و حركاتها عسسسل بجد😂😂❤️
و رحيم ما شاء الله لسه حلوف زي ما هو 🙂🙂
منتظرين الفصل الجديد يا مروتي متتأخريش علينا بليييز🥺❤️❤️❤️


Maryoma zahra غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-05-21, 12:08 AM   #384

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Maryoma zahra مشاهدة المشاركة
لسه قارئة الفصل ال١٢ و بجد شوشو و حازم وحشونى أووى 🥺❤️❤️
و ماما سناء تشبيهاتها و حركاتها عسسسل بجد😂😂❤️
و رحيم ما شاء الله لسه حلوف زي ما هو 🙂🙂
منتظرين الفصل الجديد يا مروتي متتأخريش علينا بليييز🥺❤️❤️❤️

انا كمان وحشوني اوي.. هحاول انزل بكره باذن الله بالفصل الجديد حيث ان ربنا فرجها شوية على اخواتنا في فلسطين..


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 22-05-21, 06:39 PM   #385

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 الفصل الثالث عشر - القسم الأول

الفصل الثالث عشر
شروق


اليوم هو ضربة البداية..
أكاد أستمع إلى أبواق المعركة تتعالى خلفي تستنفرني للقتال..
وهذه هي أول خطوة نحو نصر كاسح..
وأنا.. أكثر من مستعدة..

التقطت هاتفي المحمول، وأخذت أطلب رقم حنان التي ردت بعد رنة قصيرة، فحمل صوتها الضحوك تحيتها العفوية : "مرحبا شروقي.. كيفك اليوم يا فتاتي المفضلة؟".

أجبتها بنوع من التحفز: " بخير الآن بعد أن حسمت قراري.. سأتزوج حازم بعد يومين".

أطلقت حنان شهقة مندهشة، ثم سارعت بالقول: "ماذا تقولين يا شروق؟ يومان؟ ما هذه العجلة؟ ألم نتفق على أن تطلبي من والدك تأجيل أمر الزواج بشكل عام لأن هذه هي سنتك النهائية بالكلية وتحتاجين فيها للتركيز بشدة حتى تتمكني من التخرج وبدء حياتك المهنية".

ارتسمت على وجهي ابتسامة نصفية ساخرة.. من الآن فصاعدا، لن يكون هناك مجال لابتسامة تكون ملء الوجه أو خارجة من القلب..
منذ اليوم وحتى تنجح خطتي، سيكون عليّ الانتباه وعدم الاسترخاء أو الاتهاء أبدا.

فإذا كنت أنتوى سحق رحيم وتابعه بضربة سيف واحدة، فيجب أن يكون قبولي لأمر الزواج نفسه هو هزيمتي الوحيدة في تلك الحرب.. هزيمة تكتيكية تمكنني من اقتحام عرين العدو دون أن ينتبه ويأخذ حذره..

وهكذا.. ستكلل كل المعارك المقبلة بانتصاري عليهما معا، ووقتها سأحتفل بنهايتهما كما يستحقان..

أجبتها بهدوء شديد: "أنت قلتيها بنفسك.. إتمام عام التخرج يحتاج للتركيز، ولذلك قررت ألا أقاوم تلك الزيجة وأضيع طاقتي ووقتي في رفض ما لن أستطيع تغييره حاليا. لكنني سأقلب هذه العثرة لمصلحتي وسأكون فائزة في النهاية.. لا تقلقي عليّ.. فقط قفي بجانبي كما تفعلين دائما يا صديقة العمر".

وبتلهف صادق ونبرة حماسية تتسق تماما مع حالة الحرب التي أعلنتها بداخلي، ردت هي: "أنا معك للأبد يا شوشو.. أنت تعلمين أنك لست مجرد صديقة أو زميلة دراسة.. أنتِ أختي والله وحده يعلم.. أنا فقط لا أفهم سر إصرار والدك على إقامة حفل الزفاف خلال ثلاثة أيام فقط".

أجبتها بما يعتمل في داخلي من تخمينات: "أعتقد أن أبي يريد استغلال خبر الزواج برمته في الدعاية له خاصة مع التطورات المتلاحقة بخصوص ما يحدث في ميدان التحرير وانتشار تحليلات سياسية كثيرة تلمح إلى احتمالية حل الحزب الحاكم ومنع قياداته البارزة من العودة لممارسة العمل السياسي بعد نهاية التظاهرات الحالية".

وبالطبع، للتشويش على التقارير المتتابعة حول إصرار المتظاهرين على التحقيق في ملابسات موقعة الجمل ومحاسبة المسؤولين.
أنهيت المكالمة مع حنان بتعجل بعد أن أدركت أن الساعة قد وصلت إلى العاشرة والنصف.. وأنه من المفترض أن يأتي حازم لكي يصطحبني لشراء الفستان في الساعة الحادية عشرة تماما..

أمامي نصف ساعة فقط لأحظى بوجبة إفطار بسيطة على الأقل.. اليوم شهيتي مفتوحة كسمكة قرش تتنشق رائحة الدماء وتُمني نفسها بوجبة دسمة، فتقرر بحماس شديد التخطيط لعملية صيد بسيطة، وستكون غنيمتها بين فكيها لقمة سائغة ولذيذة تشبعها.

نعم، لست في مزاج للطعام نفسه، ولكن رغبة الاقتناص والافتراس يلزمها شحن الطاقات بوجبة غذائية لذيذة ومتكاملة.. حتى تبدأ أولى جولات المعركة.. أليس كذلك؟

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

توجهت لغرفة المطبخ لكي أتناول وجبة الإفطار مع ماما سناء، وعندما دلفت إلى الداخل، كان هو جالسا وظهره مواجه للباب..
حازم..

جاء مبكرا على ما يبدو، وهو الآن يستمتع بوجبة الإفطار خاصتي بدلا مني..
يا لوقاحته..

انتبهت ماما سناء إلى وجودي، فتوقفت عن رص الأطباق أمامه لبرهة حتى تدعونني بابتسامة واسعة إلى الجلوس بجوارهما، ثم نهضت لكي تجلب لي القهوة والعصير..

جلست في المقعد المواجه له دون تحية.. وبدأت أرتشف بعض القهوة وأنا أتجاهله كلية.. أما هو فقد انشغل بتناول الطعام بشكل آلي دون أن يرفع عينيه حتى لتحيتي.

افتتحت ماما سناء الحديث لتقطع الصمت المريب إلا من أصوات أدوات المائدة، حيث سألت بصوت منغم وكأنها تغني أغنية صباحية مبهجة: "هل استقريت على تصميم معين لفستان الزفاف يا عروس؟"

دفعت قطعة كبيرة من خبز التوست بالجبن داخل فمي، وأخذت أمضغها بقسوة حتى أستعيد هدوئي..

وحين لم تختفي الابتسامة عن وجهها وهي تنتظر إجابتي بحماس، أجبتها بصوت غلفته بعدم الاكتراث: "وهل لديّ الوقت لتنفيذ تصميم معين؟.. أي فستان سيفي بالغرض.. هي مجرد ليلة مثل غيرها.. وأنا لن أتزين لأحد.. لن يفرق كثيرا معي كيف سأبدو في تلك الليلة.. فهي ستكون غيرها من الليالي.. لا شيء مميز".

صوت ارتطام الشوكة الحاد بقاع الطبق كان هو الدليل الوحيد أن كلماتي قد أغضبته، فهو لم يُبد أي رد فعل بالكلمات كما حافظ على تعبير وجهه الجامد دون تغيير، بل إنه مد يده نحو طبق الفاكهة، وسحب ثمرة موز وأخذ يقشرها برتابة وتمهل..

استأنف كلٌ منا تناول الطعام بهدوء بعيدا عن الآخر.. لم أكن قد اكتفيت من مضايقته، لكنني التزمت الصمت لدقائق عندما انتبهت إلى أنه كان يأكل بأريحية غريبة وبنهم واضح.. وكأنه لم يأكل منذ أيام..
لحظة..

أخذت أتأمله وأنا أتناول بعض حبات العنب مستغلة انشغاله بالأكل وعدم الانتباه لكوني أعطيه تركيزي التام في تلك اللحظات، متفحصة هيئته وملامحه ببطء..

بدا شاحبا ومنهكا للغاية برغم أن هيئته كانت مهندمة وأنيقة كالمعتاد.. يبدو أنه قصد إبراز صورته الدائمة كشاب رياضي قوي أنيق لا يؤثر فيه شيء..

لكن عندما ناظرته بتفحص، كان أسفل عينيه منتفخا داكن اللون، وشعره جافا قليلا وفاقدا للمعته.. أما كتفاه، فكانا متدليان وكأنه يحمل عليهما أطنانا من الرمال الثقيلة.
وما شأني؟!.. فليحترق أو ينفجر كمدا..

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

بعد الإفطار، اصطحبني حازم لسيارته، ثم قام بإلغاء قفل الباب مشيرا لي كي أجلس بجواره دون كلمات.

فور أن اتخذت مقعدي، تذكرت تلك الكرة المعدنية المخيفة التي يحتفظ بها بداخل صندوق التابلوه الخاص بالسيارة، ولولا أنني لا أريده أن يظن أنني أهتم لأمره، لكنت سألته على الفور..

حقا يقتلني الفضول..
رجل غريب..
والأغرب هو علاقته بأبي..

قطع شرودي، ارتفاع صوت موسيقى روك صاخبة من مسجل السيارة، حيث قام هو بتشغيل أغنية Curse لفريق أمريكي يُدعى Imagine Dragons، لكي يقطع الصمت الخانق في طريقنا إلى المركز التجاري..

إذًا، فهذا ذوقه الموسيقي.. يحب الأغنيات الصاخبة ذات المضمون الكئيب..

ظل هو مصرا على الصمت، وأنا لم تكن لديّ رغبة في افتتاح أية محادثة معه، فلم يكن أمامي سوى التركيز مع كلمات الأغنية بعد أن لفت انتباهي معناها..

اشتعلت ومضة خافتة بداخلي تتساءل بفضول: هل قصد شيئا من وراء تلك الأغنية تحديدا؟ هل اختارها عن عمد أم أن الأمر كان صدفة محضة؟!!

كانت الكلمات تتحدث عن شاب يحاول إغواء فتاة بعرضه الزواج عليها ليخلصها من جحيم الحياة في محيط لا يحتويها، فينجح في إغوائها وإقناعها، وهي قبلت عرضه رغم أنها لا تعرفه جيدا ليحطم قلبها في النهاية، لأنه يظن أن حبه لها لعنة كونهما من عالمين مختلفين، فيصيبه الشعور بالذنب والندم، ويخطط للرحيل عنها.

لا.. لا أظن أنه بهذا الذكاء ليوجه لي رسائل مستترة..
هذه مجرد مصادفة لا شك..

على الأرجح هو اختار هذه الأغنية الصاخبة لكي تكسر حالة الصمت داخل السيارة، أو ربما أراد أن يمنعني من توجيه الأسئلة وإصابته بالصداع منذ اليوم الأول..

أم تراه يريد تأجيل المواجهة المتوقعة بيننا؟
انتظر يا هذا.. لن تهرب مني!

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

فور أن دلفنا إلى أول متجر داخل المركز التجاري الفخم في منطقة مدينة نصر، رن هاتفه المحمول، فطلب مني أن أتفحص الفساتين المعروضة ريثما يستقبل المكالمة.

انزوى حازم جانبا ليرد على الهاتف، بينما أخذت أتفحص فساتين الأعراس واحدا تلو الآخر..

كل التصميمات مبهجة وملائكية، وتعد بالكثير من الحب والسعادة..
أوليس الأبيض هو لون النقاء؟

أي نقاء في زيجة تمت جبرا وطرفاها لا يعرف أحدهما شيئا عن الآخر؟
لا.. لا أريد أيا من تلك الفساتين.. لا أحد منها يناسب هذا العرس.. الكئيب.. الزائف.. المؤقت.

سأختار أقبح الفساتين.. حتى يتأكد منذ اللحظة الأولى لنا كزوجين.. أننا لن نكون هكذا أبدا..
لن نصبح ثنائيا واحدا أبدا.

أخذت أتجول بين الفساتين بحثا عن الأقبح، ولكن لم أعثر على أي فستان سيء.. جميعها بيضاء ملائكية بوهج فاخر تشع بالترف والأناقة لتحتفل بالحب والجمال والأنوثة والدلال.. تليق تماما بالأميرات والفتيات الحالمات اللاتي يتزوجن عن قناعة وبعد قصص حب رائعة.. لا يُفرض عليهن الزواج من رجل غامض وغريب من أجل اتفاق مربح كأي مشروع تجاري أو صفقة استثمارية.

استدرت أتجول بعينيّ حيث يقف حازم، ورمقته بنظرة مليئة بالغضب والنفور بينما كان يتحدث بثبات وثقة، وكأنه ليس طرفا أساسيا في عملية سطو كاملة الأركان..
سطو على حياتي.. وخصوصيتي.

بدأ حازم يتحرك بشكل مندفع ويزرع الممر الداخلي للمتجر بقدميه جيئة وذهابا.. وكأنه على وشك الانفجار غضبا على أذني من يحدثه على الطرف الآخر.

اقتربت منه على مهل وأنا أتصنع تفحص الفساتين لكي أسترق السمع بعد أن توهج مصباح الفضول بداخلي..
بات التنصت هوايتي المفضلة في الأيام الأخيرة.. تبا..

جاء صوته خافتا ولكن حادا بلهجة آمرة: "لا يهمني كل ما تقول.. أريدها خلال أسبوع من الآن وفي أبهى صورة لها".
من التي يريدها؟ هل هناك امرأة أخرى في حياته؟ لماذا وافق إذًا على الزواج بي؟

كنت شاردة أفكر في تلك الأخرى عندما أجفلني صوتا بجواري يسأل برزانة: "هل انتقيت فستانا بعد؟"..

كان هذا هو صوت زوجي المستقبلي الذي انتهى من مكالمته على ما يبدو لكي يتفرغ لاستكمال جولة تسوق سخيفة مع خطيبته،

لكن نبرته كانت مترفعة وباردة وكأنه يفضل أن يكون في أي مكان آخر الآن بدلا من هنا.. تماما مثلي..

أجبت بعنف متعمد: "لا.. كلها فساتين مبهجة لا تليق بنا".. رمقني بنظرة احترت في تفسيرها، ثم استدار باتجاه باب الخروج.

تبعته دون كلمة واحدة، ثم توجهنا إلى المتجر المجاور والذي كان لا يقل أناقة وبهجة عن سابقه.

وكانت نتيجة تفحص الفساتين الحابسة للأنفاس بهذا المتجر مثل سابقه.. مرفوضة.

يا إلهي.. لماذا تبدو كل الفساتين وكأنها احتفالا دائما بالبراءة والعشق والمستقبل البراق ناصع البياض!

استمر تجولنا لبضع ساعات في متاجر عدة دون أن أجد فستانا ملائما، وبعد بعض الوقت، ظهرت على حازم أمارات الغضب، وامتدت يده إلى مرفقي ليقودني بعجلة نحو كافيتيريا صغيرة تجاور المتجر الذي خرجنا منه.

أشار إليّ بالجلوس بنظرة حادة وحركة يده اليمنى المنبسطة، ثم تحرك هو نحو زاوية عرض المشروبات والأطعمة الخفيفة، حيث طلب كوبين من مشروب اللاتيه المثلج، ثم تهاوى بتعب على المقعد المواجه لي، وبدأ يتحدث بنبرة جافة: "اسمعي يا شروق.. إذا كنتِ تظنين أننا سنضيع اليوم بأكمله في جولة تسوق فاشلة، فأنت واهمة.. أنا لا أكترث أبدا بما ترتدين، ولا يهمني إن ظهرت بفستان زفاف مبهر أو حتى إسدال صلاة محتشم أو جلباب بيتي بسيط في يوم عقد القران.. لا يهمني سوى أنك ستكونين حاضرة وستوقعين على وثيقة الزواج بكل هدوء، وأنا متأكد أنك ستفعلين.. فلا داعي لتصرفات الأطفال النزقة تلك، وإلا سأنتقي أنا أول فستان تقع يداي عليه"، ثم رمقني من أعلى لأسفل، وأكمل بغيظ: "حتى وإن لم يكن مناسبا لقياساتك.. أفهمتِ؟"

وقح..
من يظن نفسه حتى يتحدث معي بهذه الطريقة الفجة.. ويأمر ويضع شروطا وتحذيرات..

أطبقت بكلتي يديّ على طرف المنضدة حتى أحتوي غضبي، ثم نظرت إليه بعينين تشتعلان بالغضب والنفور، وأجبته بعناد وتصميم: "بل اسمع أنت.. أنا لا أسمح لك بالحديث معي بهذه النبرة المحتدة.. أبدا.. هذا أولا"، ورفعت سبابتي في وجهه، ثم اتبعتها بإصبعي الأوسط وأكملت: "أما الثانية، فلا تظن أن بإمكانك حتى بأحلامك أن تأمرني وتحذرني هكذا.. من تظن نفسك؟"

قاطعني هو ببرود شديد: "خطيبك.. وزوجك المستقبلي خلال يومين ونصف من الآن".
مستفز..
حقا رجل بغيض..

استطردت بسرعة: "أفهم أن أبي يصر على هذا الزواج لأسباب تخصه، ولكن أنت.. لماذا قبلت؟ وأنت لديك امرأة أخرى كما فهمت.. هل تعلم هي أنك ستتزوج بغيرها؟"

بدا على وجهه الدهشة، ثم سأل متغابيا: "آية امرأة أخرى؟"، فأجبت أنا: "تلك التي تريدها في أبهى صورة خلال أسبوع. هل ستتزوج كلينا بنفس التوقيت؟".

تغيرت ملامح وجهه تماما ودخل في نوبة ضحك..
إنه يضحك.. ملء فيه.. وبلا اكتراث..
لأول مرة أراه بهذه الصورة منذ أن عمل لدى أبي.. وكأنه.. وكأنه شابا في مقتبل العمر بلا هموم أو مشكلات..
إذن لماذا يبدو متجهما كلما جاء لمنزلنا، وما سر العلاقة الغريبة التي تجمعه بأبي؟

رمقته بحيرة واندهاش حتى سيطر هو على ضحكاته في النهاية، ثم رسم ابتسامة مستفزة على شفتيه وسأل بخبث: "لماذا؟ هل غرتِ؟ هذه الفكرة ليست سيئة على الإطلاق.. ربما عليّ القيام بذلك فعلا.. أجمعك بالثانية في أقرب وقت.. يا لسعادتي لقد اخترت عروسا ذكية.. وأخرى.. بأبهى صورة"، ثم غمزني بعينه اليسرى بتسلٍ واضح.

قاطعته بعنف: "أنت شخص وقح.. كما أنك لم تخترني بنفسك.. فلا تنسب الفضل لك.. أنت كما لاحظت مجرد تابع تنفذ ما يأمرك به أبي.. فلا تتفاخر بشيء لا تملك فيه أي قرار".

انتفخ وجهه بالغضب، وبدأ يفتح يديه ويغلقهما بحركات سريعة منتظمة، ثم أخذ نفسا عميقا وأخرج محفظة نقوده وترك بعض الأوراق النقدية على المائدة ثم نهض بعنف، وهو يهدر بلهجة حادة آمرة جاهد لكي تخرج بصوت طبيعي دون صراخ: "هيا لننته من هذا الإزعاج.. انتقي أي فستان ولنغادر".

أجبته بحدة مماثلة: "جيد.. تلك الساعات التي أمضيناها معا كافية للغاية يا عريس الغفلة".
هنا مال نحوي بشكل حاد حتى صار وجهه قبالتي تماما، ثم ابتسم بشكل متسل، بعد أن صوب نحوي نظرة باترة، وقال: "راقبي كلماتك"، فتراجعت أنا خطوة واحدة، وتصنعت تعديل حقيبتي على كتفي، ثم نظرت نحوه وابتسمت بسخافة وأجبته ببرود: "ألم يتم ترتيب هذه الزيجة على غفلة؟ إذًا أنا لم أخطئ".. فتنهد هو بنفاد صبر وتحرك أمامي.. وأنا خلفه من جديد.


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 22-05-21, 06:46 PM   #386

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 الفصل الثالث عشر - القسم الثاني

بعد ساعة أخرى من التجول بين المتاجر وحين شارف اليأس على نشر غماماته على نفسي، اكتشفت متجرا منزويا في آخر طابق في المركز التجاري..

كان يبدو من اللحظة الأولى أنه لا يلقى إقبالا كبيرا كبقية المتاجر، ربما لأن تصميمه الخارجي غريب وليس جاذبا مثلهم، فهو لم يكن متجرا بالمعنى العصري، بل يبدو أكثر كمشغل أو ورشة لصناعة الفساتين أو ربما تصليحها وتعديل قياساتها لتناسب كل منها قوام العروس التي انتقته.

كانت واجهة العرض الزجاجية تحتضن بعض الفساتين ذات التصميمات المختلفة، بعضها عصري وجريء، وبعضها كلاسيكي بتنورات واسعة وأكمام منقوشة ومطرزة يدويا.. فتوقفت أطالعها لبعض دقائق، بينما كان حازم يستكمل التجول بخطوات سريعة نحو المتجر التالي، متجاهلا هذا المتجر، فركضت بضع خطوات خلفه حتى أوقفته وطلبت منه أن يتبعني لندخل هذا المكان.

دلفنا إلى الداخل وأنا ألقي نظرة شاملة لمحيط المتجر من الداخل أتنقل بين المعروضات القليلة.. وفجأة تسمرت في مكاني..

هذا هو..
هذا هو أنسب فستان لذلك العرس البغيض..
الفستان الذي خطف أنظاري – وقلبي – كانت ترتديه دمية عرض بلاستيكية تبدو مغبرة بعض الشيء أو متهالكة لطول فترة وقوفها حاضنة نفس التصميم ربما لسنوات، لكن شخصيته فرضت نفسها بشكل تام، فهو لا يحتاج لعارضة مبهرة لتبرز روعته..

كان الفستان عبارة عن تنورة واسعة من الحرير المغطى بالشيفون المطرز، مع مشد للخصر يحدد الجسم بشكل بديع، حيث كان مزينا يدويا بنقوش من اللاسيه على شكل وردات ذات حجم متوسط.. وكانت تلك الوردات باللون الأسود قد كست النصف العلوي من الفستان بالكامل، بينما تناثرت وردات أخرى بنفس اللون على أطراف التنورة لكي تمنح التصميم كله تناغما لافتا لا يمكن تجاهله..

الفستان يليق أن ترتديه أميرة محاربة تقتحم بنفسها كهوف الظلام لتخرج في النهاية منتصبة القامة ومعتزة بانتصارها ودحرها للأعداء.
هذا هو فستان عرسي.. لن أرتدي غيره!

لكن هناك مشكلة واحدة.. الفستان كان عاري الصدر وبدون أكمام، وأنا محجبة..
عند هذه الفكرة، ومضت برأسي ومضة جديدة، فهرعت للتنفيذ!

توجهت إلى مديرة المحل التي كانت تجلس على مقعد وثير أمام مكتب خشبي عتيق الطراز تتأملني بعينيها خلف نظارتها الطبية.

اقتربت منها لكي أسألها عن الفستان، بينما يرمقني حازم بنظرات مندهشة ومتوعدة..
هو يظنني أمزح وأضيع الوقت لأثير حنقه كطفلة مشاغبة..

لكنني اتخذت قراري وانتهى الأمر.. لن أرتدي سوى هذا الفستان في تلك الليلة وليذهب الجميع إلى الجحيم.

أدرت دفة الحديث مع السيدة التي أخبرتني أنها صاحبة المتجر وأنها تحب أيضا تصميم الأزياء وأن هذا الفستان من تصميمها، ثم استأذنتها أن أجربه في غرفة الملابس.. فسمحت لي بلباقة، وطلبت من عاملتين بالمتجر مساعدتي..
وأثناء دخولي غرفة القياس، كان ذلك الآخر ينفث بغضب ويشير لساعة يده.

تركته يتمرغ قليلا في توتره وغيظه، وتحركت بثقة نحو غرفة الملابس، ثم ارتديت الفستان ونظرت لنفسي في المرآة..

كان مدهشا.. مناسبا تماما، يحتاج فقط لضبط القياس عند منطقة الصدر وإضافة الأكمام والجزء العلوي من الصدر والظهر.

طلبت من العاملة أن تستدعي السيدة صاحبة المتجر، والتي فور أن رأتني بالفستان حتى تجمدت في مكانها..

شردت بعينيها اللتين تغلفتا بلمعة زجاجية.. وكأنها غادرت إلى مكان آخر تماما بروحها وتركت جسدها مجمدا مواجها للفستان تطالعه بنظرة غامضة.

مرت بضع دقائق حتى خرجت هي من شرودها، وقالت بحماس يناقض طبقة خفيفة من الدموع استقرت على مقلتيها طالبة الإذن بالتسلل إلى وجنتيها: "إنه رائع عليك.. ما شاء الله.. تسرين النظر يا جميلتي"، ثم خفت حماسها وأكملت بأسى بدأ يزحف على ملامحها: "ولكن يا صغيرتي هذا الفستان للعرض فقط.. لم أصنعه من أجل أن ترتديه عروس أخرى.. ولهذا زينته بالأسود".

انتبهت لكلمة (أخرى) التي ذكرتها السيدة فسألتها باهتمام: "وهل الفستان تملكه عروس أولى؟"، لتجيب هي بحيرة وارتباك: "نعم.... أممم أقصد لا.. ليس بعد الآن".. ثم أمرت الفتاتين على عجل بمغادرة الغرفة.

فور أن أمست الغرفة خالية تماما إلا من كلينا، عقبت صاحبة المتجر بصوت مشبع بالحزن: "كان هذا الفستان لي.. كنت سأرتديه في ليلة عرسي منذ أكثر من ثلاثين سنة.. لقد صممته بتنفسي وبدأت قص القماش وخياطته بلهفة رغم أن موعد الزفاف كان سيتم بعد عدة أشهر لاحقة.. لكنني لم أتمم حياكته بسبب وفاة خطيبي في حادث قبل الزواج بثلاثة أشهر فقط.."..

تنهدت السيدة بألم ولوعة، ثم أكملت: "بعدها قمت ببعض التعديلات على التصميم وأضفت التطريز اليدوي باللون الأسود بمحيط الخصر وأسفل الصدر وعلى أطراف التنورة.. تحول ثوب زفافي إلى ثوب حداد.. أيقونة حزن على حلم الحب الذي لم يكتمل، وظل التصميم حبيس الأدراج لسنوات والقماش المحاك بشكل مبدئي كما هو.. إلى أن قررت أخيرا حياكته وإكماله".

سألتها بفضول لم يغادره التعاطف: "ولماذا قمتِ بحياكته إذًا بعد مرور سنوات؟".. فأجابتني: "لم أخبرك بعد كيف فقدت خطيبي.. أليس كذلك؟ كان حبيبي ماجد صحفيا لامعا يفجر قضايا الفساد واحدة تلو الأخرى إلى أن اصطدم مع واحد من أكبر رجال الأعمال منذ عقود، وقرر كتابة مجموعة من التحقيقات الصحفية حول فساد استثمارات هذا الرجل ومخالفاته الجسيمة في عدم تخلصه من نفايات مصانعه الضارة بطرق صحية تحمي المواطنين الذين يقطنوا بالقرب من مواقع تلك المصانع، وحين بدأ رحلة الاستقصاء لجمع المعلومات حول تلك المخالفات، فوجئنا باختفائه تماما لبضعة أسابيع".

ثم تهاوت على مقعد صغير في إحدى زوايا الغرفة، وكأنها لن تستطيع تحمل ما سترويه بعد ذلك وهي واقفة على قدميها، حيث أكملت: "كنا نستعد للزفاف، واشترينا المنزل بالفعل وبدأنا في تجهيزه، وأنا كنت مشغولة بتصميم الفستان، ولكن اختفاءه المفاجئ أصابني بالكثير من القلق.. أخذنا نبحث عنه بشكل يومي، وبعد مرور نحو أسبوعين، فقدنا الأمل تماما في العثور عليه".

تنهدت بحرقة وانسابت الدموع ببطء من عينيها كروافد أنهار يتيمة سأمت الجفاف، ثم قالت: "بعد أيام قليلة.. جاءنا خبر وفاته بسبب حادث.. وقتها كان علينا استلام جثته في المشرحة.. وعندما صممت أنا على إلقاء النظرة الأخيرة عليه لوداعه برفقة شقيقته، اكتشفت أن وفاته لم تكن كما تم وصفها بتقرير الوفاة.. إذ كان جسمه مغطى بكدمات زرقاء كبيرة الحجم وبدت أطرافه غير مستوية وكأنه تعرض لكسور متعددة أو شيء من هذا القبيل، قيل إنه مات بعد تعرضه للدهس تحت سيارة نقل..".

زفرت السيدة بوهن، ثم تابعت: "الحقيقة أنه كان ضحية تعذيب تعرض له خلال فترة اختفائه التي تبين لاحقا أنه قد قضاها محتجزا داخل مخزن تابع لهذا الرجل، لكن لم تكن الأدلة كافية لإدانته شخصيا وتم إلصاق التهمة بأحد المجرمين الذين يعملون لديه بإعترافه، وحصل الأخير على حكم بالسجن المشدد.. عشت في حزن لسنوات.. ليس بيدي أي سبيل للانتقام أو إنهاء حالة الحداد التي مزقت قلبي يوما بعد يوم.. إلى أن اندلعت المظاهرات مؤخرا تطالب بالقضاء على الفساد".

تنهدت قليلا ثم أكملت: "كان منظر الشباب وهم يهتفون من أجل الحرية والعدل يثلج الصدور.. وقتها قررت أن أنهي هذا الحداد، وأن أبدا في تنفيذ الفستان وكأنني في مهمة مقدسة أودع من خلالها أحزاني.. استعنت بخمس عشرة عاملة لمساعدتي في تطريز الفستان، وأنهيته بالفعل أمس الأول.. أنهيت فستان أحلامي في أسبوع واحد فقط.. شيء لا يصدق.. أليس كذلك؟ وبعد ثلاثة أيام من عرضه فقط تأتي من ترتديه لأول مرة، وهو يليق بها كثيرا.. يا لها من مصادفة غريبة".

هل يعقل ذلك؟ هل يمكن أن يكون وراء الفستان قصة أخرى أشد بؤسا مما يحدث لي الآن؟

هل هذه إشارة من الله؟ أم أن كل الأحداث والمفاجآت التي سقطت فوق رأسي جعلتني أصدق أشياء غير حقيقية.

جلست على ركبتيّ أمام السيدة صاحبة الفستان بعد أن رفعت الطبقات الخارجية لتنورته بحرص حتى لا تتلف أو تتغبر من أرضية الغرفة، ثم أمسكت يديها ونظرت إلى داخل عينيها بتوسل، وقلت "سيدتي.. اعلم أنك سردت تلك القصة لكي تخبريني بخصوصية الفستان بالنسبة لك، ولكنني أشعر أن هذا الفستان تمت حياكته من أجلي.. لا أعلم السبب وليس بإمكاني تفسير الأمر.. فور أن رأيته كان هذا هو شعوري.. يبدو أنني بحاجة لهذا الفستان ليكون درعا لي وصفعة على وجه أعدائي.. تماما كما كان هو صرخة حدادك ثم إعلان تخليك عن الحزن بعد كل تلك السنوات.. أرجوك.. اسمحي لي فقط باستعارته ليومٍ واحد.. أنا حتى لن أحتفظ به بل سأعيده في اليوم التالي للزفاف والذي هو بعد يومين من الآن.. يجب أن يكون هذا هو فستان عرسي.. أرجوكِ".

ضغطت هي على يدي بحنان بعد أن لاحظت ارتجافي، ثم قامت من مقعدها وسحبتني معها، وقالت: "يا صغيرتي.. أنا أخشى عليكِ من هذا الفستان.. قد يكون ارتداؤك له فألا سيئا.. من العروس التي تقبل ارتداء السواد في ليلة زفافها؟".

أجبتها أنا بلهجة تقريرية قانطة: "العروس المضطرة لقبول الزواج.. العروس التي انهارت كل الحقائق أمامها لتكتشف أن عالمها الذي اكتسى بالسواد لا يليق به سوى فستان مزينا بالأسود.. فهل ستوافقين على طلبي؟"

أخذت هي تجوب الغرفة جيئة وذهابا عدة مرات.. ثم استدعت العاملات وطلبت منهن مساعدتي في خلعه.

أطرقت برأسي للأسفل وتدلت شفتاي بأسى، قبل أن تقترب مني السيدة صاحبة المتجر وتربت على يدي وهي تقول بابتسامة ودودة: "هو لك حتى اليوم التالي للزفاف.. أرسليه مع أحد أقاربك أو معارفك.. أنا أثق بك يا فتاة"، ثم رفعت يدها الأخرى لكي تحتضن راحتيّ يديّ بين كفيها بقوة وهي تقول: "لا تقنطي.. انظري إلى أين يأخذك نصيبك.. قد يكون هناك خير فيما تحسبينه شرا وخرابا.. فقط ثقي بنفسك وكوني موضوعية ومنصفة.. وإذا كان الأمر كما تظنين، فلا تتنازلي أو تستسلمي واعلني الحرب على الجميع.. وخصوصا هذا الوسيم عاقد الحاجبين الذي تحرقينه من الآن بنيران تجاهلك وجفائك".

احتضنتها بفرحة لموافقتها على طلبي، وبادلتني هي العناق ربما كنوع من المؤازرة..

بعدت أن ارتديت ملابسي من جديد وضبطت حجاب رأسي، خرجت إلى واجهة المتجر وخلفي الفتاتين تحملان الفستان.

وبينما أنا أتوجه لصاحبة المتجر لكي أدفع لها قيمة إيجار الفستان وأتفق معها على إكمال الجزء المكشوف منه بأسرع وقت، رمقني هذا العابس بنظرة حانقة، ثم نهرني بصوت مرتفع نسبيا، قائلا: "ألم تنته التسلية بعد؟ هيا لنتحرك.. لقد رأيت ثوبا مناسبا في المتجر التالي، وهو حتى يصلح للمحجبات ويناسب قوامكِ.. هيا اتبعيني لكي...".

توقف حازم عن الكلام قبل أن يكمل جملته، ثم رفع حاجبيه بدهشة، وأغلق فمه بعد أن نظر إلى داخل عينيّ وقرأ بوضوح اشتعالهما بالتشفي والظفر بنجاح مكيدة أعددتها للتو وأجدت حبكها بعفوية وعزم..
لقد فهم ما أنتوي القيام به.. وآثر الصمت..
أخيرا..

توجهت إلى صاحبة المتجر، وقلت بتوسل: "الزفاف بعد غدٍ.. أنا بحاجة لهذا الفستان مساء اليوم.. مازال أمامنا وقت حتى تنتهي من إضافة الأكمام له وتغطية منطقة الظهر والرقبة.. هل يمكنني استلامه بعد نحو أربع ساعات من الآن مثلا؟"

بدأت هي في الاعتراض بشدة، وقالت: "ابنتي.. أربع ساعات لن تكفي أبدا لإتمام الأكمام وتغطية الصدر.. يمكنك استلامه بالغد".

هنا تدخل حازم لأول مرة متخليا عن الصمت الذي فرضه على نفسه بعد صدمة قراري باختيار هذا الفستان، حيث قال بنبرة يملؤها الضيق ونفاد الصبر: "ما رأيك أن نعقد اتفاقا بسيطا يا سيدتي.. أعلم أن الأمور لا تسير جيدا بسبب الأحداث الأخيرة في البلاد.. ليس هناك الكثير من طلبات تصميم فساتين زفاف حاليا بسبب حظر التجول الذي قد يمتد لأسابيع.. فالجميع لا يتخذوا قرارات عفوية أو ليسوا متلهفين للاجتماع بحبيباتهم مثلي"..

توقف حازم لبرهة ليمنحني ابتسامة فاترة مستفزة، ثم أكمل: "وبالتأكيد أحوال سوق العمل ليس على ما يرام خلال هذه الفترة تحديدا.. أظن أنه بإمكانك إنهاء التعديلات على الثوب اليوم وسأدفع لك ما تشائين".

فور أن أنهى كلماته، كانت شذرات الغضب تشتعل بداخلي، فرمقته بنظرات محتدة ثم صحت فيه بضيق: "يا للوقاحة.. كيف تتحدث معها بهذه الطريقة".

لكن الوقح بدا كما لو أنه لم يستمع لأي كلمة أقولها أنا، بل فوجئت بأصابع يده تحتضن معصمي لتسحبني نحوه برفق، بينما تسللت على وجهه ابتسامة.. خلابة.. ليس لها وصف آخر..

تحول وجهه فجأة إلى صورة دعائية شديدة الجاذبية، إذ كان يشبه نجوم إعلانات معجون الأسنان أو نجوم هوليوود المعروفين بوسامتهم التي لا تشوبها شائبة.

مال حازم نحو صاحبة المتجر التي استقرت على مقعدها، ونظر لها بعذوبة وابتسامته تجعل ثغره جذابا بشكل غريب..

لا.. ليس جذابا.. بل لعوبا.. مخادعا..

قال بعدها بنبرة دافئة: "مهلا يا سيدتي.. قرأت في مكان ما إن العبوس يزيد من احتمالية ظهور التجاعيد بنسبة ثلاثين بالمائة وأنتِ جميلة للغاية.. فلا تخسري جمالك بفعل الغضب"، ثم اقترب منها أكثر وهمس بعض الكلمات الأخرى على أذنيها لتعلو وجهها ابتسامة دافئة، وتعده بأن تبدأ فورا في تعديل الفستان على أن تسلمه لنا بعد ساعات قليلة.

ما الذي يحدث؟
من هذا الشخص؟
كيف تحول فجأة من رجل بغيض وقح إلى شاب جذاب حلو الكلام.. والابتسامة...!

انتبهت على ضغطه بقوة على معصمي ثم سحبه لي إلى خارج المتجر، حيث ظل يشدني خلفه وهو يتحرك بخطوات هادرة باتجاه المصعد.

الغريب أن خطواته التي بدت عنيفة لم يكن لها صدى مسموعا نهائيا، وكأنه يطفو فوق أرضية المركز التجاري..
تماما مثل الشبح!

فور أن بدأ المصعد بالتحرك، استفقت من صدمتي، ثم سحبت يدي عنه، وصحت به: "من سمح لك بالإمساك بيدي بهذا الشكل.. انصت لي جيدا.. فأنا لن أكرر كلامي مرة أخرى.. أنت لن تلمسني أبدا.. أتفهم؟".

سيطر حازم على علامات الدهشة التي ارتسمت على وجهه للحظة واحدة، وبدلها بابتسامة بلهاء سخيفة، ورد بهدوء مستفز: "سنرى".

هدرت به من جديد: "ماذا تقصد؟"، حينها انفتح باب المصعد وانضمت إلينا بعض النسوة والفتيات القادمات لأجل جولة تسوق، ليقترب هو مني ويجيب بصوت خفيض: "أقصد أن هذا ليس المكان المناسب لنناقش فيه هذا الأمر"، ثم غمز بعينه اليسرى، واستدار نحو الباب تاركا عيناي تحدقان في ذلك الحائط الشاهق الممتد أمامي.. ظهره!


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 22-05-21, 06:55 PM   #387

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile9 الفصل الثالث عشر - القسم الثالث

كان علينا الانتظار لبضع ساعات حتى نعود لاستلام الفستان، ولهذا اقترح حازم الذهاب إلى أحد المطاعم الموجودة داخل المركز التجاري لكي نستريح قليلا وننتناول غداء متأخرا لتمرير الوقت..

جلسنا داخل مطعم "تراس كافيه" الذي كان يغلب على أجوائه الهدوء، ربما لقلة الزبائن في هذا التوقيت، حيث انشغل كلا منا باختيار الأطباق الذي يشتهيها على الغداء متجاهلا الآخر تماما، وبعد أن انتهى النادل من تسجيل طلباتنا، جلسنا في صمت لعدة دقائق، وساعدنا على ذلك الإضاءة الخفيضة للمطعم التي تصاحبها موسيقى تهدئ الأعصاب.

قطع حازم الصمت المهيمن، مبتدئا الكلام بنوع من التردد وكأنه يحاول تلمس طريقه وسط متاهة معتمة للخروج سليما أو بأقل الخسائر..

إنه محق في التصرف بحذر..
سيكون عليه الانتباه جيدا لكلماته وتصرفاته من بعد الآن..

سألني بتفكر: "لماذا أصريت على اختيار ذلك الثوب تحديدا؟".. مخرجا كلماته بنبرة هادئة، فبدا كمن يحاول تغليفها بقدر هائل من اللامبالاة لكن التماع عينيه كشف عن فضوله الشديد.

ارتشفت أنا بعض العصير ثم أجبته بابتسامة عريضة متكلفة: "هو الأجمل من وجهة نظري.. ويعكس تماما رأيي بالزواج منك.. لكن لا تقلق يا زوجي المستقبلي بعد يومين ونصف من الآن.. يمكننا أن نخبر الحضور أن تصميم الفستان هو أحدث صيحة عصرية.. ألن يكون هناك مدعوين؟ أم سيكون عرسا سريا صامتا يليق بطريقة وأسباب ارتباطنا؟"

زفر هو بضيق: "لا بل سيكون عرسا صاخبا.. ابدئي في دعوة صديقاتك وزملائك.. وأنا سأدعو أصدقائي بالطبع"..
مغرور..

أجبته بالطريقة الوحيدة التي كنت أعلم أنها ستخرسه تماما: "وشقيقك؟ أستدعوه أيضا للعرس؟".
أعترف.. كنت أضرب بعنف وبلا نزاهة.. ولكن هل يلومني أحد؟ ألا يستحق؟

رمقني حازم بحدة بمقلتيه اللتين تحول لونهما البني إلى درجة نحاسية مشتعلة، وكادتا تنفجران بلون الدم الأحمر الذي غلف محيط أهدافه.. لكنه أغمضهما لبضع ثوانٍ ثم قام من مقعده بعنف وتوجه نحو الغرفة الملصق أعلاها علامة (حمام الرجال) بداخل المطعم.

لماذا انسحب هكذا؟
كنت أتمنى أن يرد عليّ حتى أكيل له الكلمات التي يستحقها ذلك الوصولي الخبيث.. ولكنه غادر متقهقرا..
أحمق جبان..

كان الطعام قد وصل إلى المائدة قبل عودة حازم، وبدأ النادل في ترتيب الأطباق على المائدة، حيث عاد حازم بينما شارف هو على الانتهاء، وبعد مغادرته متمنيا لنا الاستمتاع بالطعام، انغمس هو في تناول غدائه بشكل آلي مضجر دون أن يتحدث معي أو حتى ينظر نحوي.

تصرفت مثله وبدأت أتناول الطعام بشهية حقيقية.. كان الأكل لذيذا فعلا وتلك الجولة أنهكتني وأشعرتني بالجوع..

قاطعنا صوت رنين هاتف حازم من جديد، فقام بمسح يده بواسطة بعض المحارم الورقية ثم استقبل المكالمة بهدوء .

بدأ يرد على محدثه من الطرف الآخر ببضع عبارات كان يقطعها ليصمت هنيهة كي يستمع إلى محدثه، فكنت أنا أستمع لتعليقاته من جهة واحدة..
"مرحبا خالد.. أنا أتناول الغداء الآن برفقة خطيبتي.. نعم نعم.. يمكنك الحديث"..
"ماذا تظن؟ أحاول التماسك"..
"لا لم يحدث شيء من هذا القبيل"..
"نعم.. أمضيت الليلة الفائتة برفقته.. يبدو أن حالته المعنوية تتحسن شيئا فشيئا.. وصار مستعدا للعلاج الفيزيائي.."
"سيكون الطريق طويلا وشاقا.. ولكن أنا واثق في عزيمة أخي، خاصة وأنه سيخصص كل وقته لتلقي العلاج فلن يكون هناك مجال لحضور ورش دراسة السيناريو أو حتى القيام بأعمال جزئية كالترجمة الصحفية أو كتابة المحتوى الالكتروني للمواقع وبوابات الأخبار.."
"ربما بعد بضعة أشهر يعود للعمل جزئيا من المنزل ولكن وقتها لن يعمل في إعداد المحتوى الذي يتطلب زيارة مصادر الأخبار أو التنقل لمتابعة الأحداث في مواقعها عن كثب.."
"لن أقرر نيابة عنه.. هو سيحدد وجهته التالية عندما يكون مستعدا، لكن الآن سأدفعه دفعا لكي يركز كل وقته وطاقته من أجل المرحلة الأولى من العلاج"..


توقف حازم عن الحديث دون أن ينهي المكالمة، حيث عاد للصمت من جديد، وبدا وكأنه قد شرد تماما في الاستماع إلى من يحدثه ونسي أنني بجواره، ثم قال كلماته التالية بصوت يغلب عليه الأسى كمن يعيش وجعا مهلكا، حيث همس بكلمات بالكاد تخرج من فمه: "لا أهتم.. كما قلت لك.. لم تعد آلامي تعني لي شيئا الآن.. يجب تصحيح هذا الوضع بشكل أو بآخر".

ما الذي يتحدث عنه؟
أي ألم؟ وأي وضع يريد تصحيحه؟؟

هذا الرجل يزداد غموضا لحظة بعد لحظة.. وكلما كنت أظن أنني بدأت أفهم ما ينتويه.. يفاجئني هو بتصرفات وأسرار جديدة..

يجب أن أجد الإجابات الصحيحة لجميع الأسئلة التي تدور في عقلي الآن.. لكن ربما ليس بنفس السرعة التي أريدها.. أمامنا الكثير من الوقت..

على ذكر الوقت.. يجب أن أتحدث معه بشأن خطتي حتى لا يظن أنه قد فاز بالجائزة الكبرى.

التفتت نحوه من جديد، لأجده قد أنهى مكالمته الهاتفية وعاد لتناول الطعام من جديد.. ولكن هذه المرة بدا أنه قد استعاد بعضا من توازنه.

وضعت ملعقتي جانبا، ونظفت يدي ببعض المحارم، ثم أمسكت بكأس المشروب، وأخذت أحرك ماصته بشكل دائري، وأنا أستعد للمبادرة بالحديث معه.

أخذت نفسا هادئا ثم زفرته برفق، ونظرت نحوه، وانتظرت حتى ترك هو ملعقته وأسند ظهره على المقعد، ورفع حاجبه الأيمن وكأنه يستحثني على الحديث..

"زواجنا هذا لن يستمر طويلا.. ليكن لديك علم.. سيستمر لستة أشهر فقط، وربما لعشرة على الأكثر.. فقط ريثما تتضح الأمور ويتم تكليفي في إحدى المستشفيات بعد نهاية هذا العام.. سأطلب العمل إلى جانب حنان في محافظتها الجنوبية.. سأبتعد عنك وعن أبي لتتفرغا لأعمالكما القذرة السوداء.. أساسا قبلت هذه المسرحية السخيفة حتى أستطيع التركيز في الشهور المتبقية لي من عامي الأخير في كلية الطب، فلا تضمني في آية خطط تخص مستقبلك"..
تحدثت بثقة ولكن بعجل، وأنهيت كل شيء بجملة واحدة دون أن أعطيه الفرصة للمقاطعة، وبعدها عدت لارتشاف العصير بهدوء جليدي.

ظل حازم مركزا نظره نحو عينيّ لبعض الوقت، ثم سأل بجفاء: "هل لديك طلبات أخرى؟".

أعدت كأس العصير لسطح المنضدة، ثم أجبته بثقة: "نعم.. هذه الزيجة شكلية كما تفهم.. لذا على كلينا أن يلزم مكانه.. لا نتدخل في حياة أحدنا الآخر، نحن لن نصبح زوجين حقيقيين.. أبدا.. أنصحك أن تنظر للأمر كأننا زميلي سكن.. أو جارين يعيشان في نفس المنزل.. أنت بالطبع ستنتقل إلى بيتنا و...".

قاطعني هو بهدوء وتحفز: "مهلا مهلا يا عروس النيل.. من قال إننا سنعيش في ذلك المنزل؟ لا يا عزيزتي أنت ستنتقلين إلى منزلي.. أنا لن أنتقل إلى هذا المنزل أبدا".

أجبته باستفزاز: "ولماذا؟ ألن يكون هذا أفضل لشراكتك مع والدي؟ ألست ذراعه الأيمن؟ أعتقد أن بقاءك في منزلنا سيكون تصرفا جيدا من جانبك.. وستكسب به بعض النقاط عند أبي".

زفر هو ببرود مفتعل، ثم احتد قائلا بلهجة تحذيرية: "أعلم جيدا ما ترمين إليه بكلماتك.. توقفي.. كما قلت لكِ أنت ستنتقلين إلى منزلي.. أساسا نحن لن نظل معا لفترة طويلة.. أليس هذا ما تخططين له؟ لا يجب أن يفرق معك المكان طالما أن الأمر برمته سيتم بشروطك.. أم أنك تهابين الخروج من قلعتك الحصينة يا أميرة القصر؟".

سألته بانفعال: "ماذا عن حسام؟".. ليعيد هو نفس السؤال مبديا دهشته: "ماذا عنه؟"..

"أين سيعيش خلال فترة زواجنا؟" سألته بهدوء.. لتلمع عيناه ويرد: "دعك من أمره.. عندما يصبح جاهزا للعودة للمنزل.. ستكون الأوضاع مرتبة وجاهزة لاستقباله"، قالها بيقين غريب وكأن لديه خططا أخرى تخص شقيقه الأصغر.

هل سيعيش في بيت آخر؟ أو ربما لدى أحد أصدقائه؟ أم تراه سيسافر للخارج؟
عاد كلانا لاستكمال تناول الطعام برتابة دون مواجهات أخرى..

هو على حق.. لن يفرق معي المكان الذي سنقيم فيه.. ولكن وجودي خارج الفيلا سيجعل من العسير تتبع أبي وجمع الأدلة التي تدينه..
وهل كان وجودي في المنزل يشكل فارقا حقيقيا؟ لقد دأبت على مراقبة الأجواء طوال الأيام الماضية، وفتشت بين أغراضه الخاصة وداخل غرفة مكتبه، ولم أعثر على أي شيء يذكر.

أبي نفسه صار أكثر حذرا بعد أن أعلن بشكل صريح أنه يعلم أنني أراقبه وأن هذا سببا رئيسيا في الزج بي في تلك الزيجة المأفونة.. حتى يتخلص مني..

ليست هناك مشكلة.. سأتمكن بشكل أو بآخر من الزج بكليهما في السجن..
من يعلم؟ ربما كان حازم هذا أقل حذرا من أبي ووجودي بجواره سيكون نقطة سقوطه.. ووقت أن تقع في يدي الأدلة سأتخلص منهما سويا.. وأنتقم لكل من طالته يد أبي الباطشة عن طريق تابعه الوفي.

حين عاد النادل لجمع الأطباق، طلبت منه كوبا من اللاتيه بنكهة الشوكولاتة، حتى أستعيد بعض النشاط وقد نال مني التعب بعد أن ظللت جالسة لبضع ساعات..

بينما كنت أمدد ذراعيّ لأعلى محاولة التخلص من التشجنات التي أصابت رقبتي.. رن هاتفي وأضاءت الشاشة باسم (عمرو كساب)، وبينما كنت أستقبل المكالمة لمحت حازم وقد بدا على وجهه الفضول بعد أن لمح الاسم على شاشة الهاتف الذي كان مستقرا على الطاولة.

أجبت بهدوء: "السلام عليكم.. مرحبا ياعمرو.. لا أصدق أننا لم نتبادل الحديث هاتفيا قبل الآن"، ثم أكملت بوجه باسم: "لا.. على الإطلاق.. أنت لم تقاطع أمرا هاما"، ثم رمقت حازم بنظرة ضجرة، وتابعت: "الوقت مناسب تماما للحديث.. كيف حالك يا عمرو؟ أنا بخير حال.. نعم نعم.. لم يحدث لي شيء يوم موقعة الجمل.. كنت في المستشفى الميداني أغلب الوقت.. كان الأمر كارثيا.. حاولت مساعدة المصابين بقدر استطاعتي.. وأنت؟".

بدأ حازم يزفر بضيق، فأكملت بلا اكتراث: "أنا سعيدة أنك بخير.. تريد العمل على مشروع جديد؟ هذا خبر رائع.. لا.. لا أدري كيف سينتهي الأمر الآن.. الأوضاع محيرة وكلا الطرفين باتا على خلاف تام ووصل الأمر لحالة من العناد الفولاذي، وكل منهما ينتظر استسلام الآخر.. أظن أن كل شيء سيتم حسمه خلال أيام قليلة.. فلا يمكن للحكومة أن تترك المتظاهرين يعتصمون لفترة أطول.. فالخسائر الاقتصادية فادحة بالفعل.. كما أن خيار تفريق الاعتصام لم يعد مطروحا بعد أن تنبه الجميع لما يحاول البلطجية فعله بإيذاء المعتصمين بشكل دموي.. نعم نعم.. أظن أنه قد يحدث ضغطا دوليا لكي يقدم الرئيس استقالته وبعدها سيتم...".

هنا وقف حازم باندفاع واضح، وأشار نحو ساعته معبرا عن تأخر الوقت، ثم أخرج محفظته من جديد، ووضع مبلغا كافيا لتغطية قيمة ما طلبناه من أطباق ومشروبات..

وأنا وضعت حقيبتي على كتفي، وسرت خلفه وأنا أنهي المكالمة: "أنا سعيدة للغاية بهذا الاتصال يا عمرو.. نعم نعم.. سأكون مسرورة بلقائك قريبا.. لا.. لن ينفع هذا الأسبوع.. فأنا أستعد للزواج.. نعم نعم.. زواجي بعد غدٍ.. لهذا لم أذهب لمسيرات اليوم.. سأروي لك كل شيء عندما نلتقي.. آه.. اسمع.. ما رأيك أن تحضر الزفاف؟ نعم سيقام في منزلنا.. سأرسل لك العنوان.. حسنا.. العقبى لك.. إلى اللقاء".

فور أن ضغطت زر إنهاء المكالمة حتى جاء صوت حازم منفعلا: "هل انتهيتِ؟ من هذا الذي دعوته إلى عرسنا؟"، أجبته بضيق: "صديقي.. ألم تطلب مني أن أدعو أصدقائي؟"، زفر هو بضيق وقال بصوت آمر: "تحركي.. لقد تأخرنا".

كان هذا هو المخرج عمرو سعيد كساب، لقد توصلت إليه بعد إعلانه بإحدى الفضائيات عن رغبته في مقابلة الفتاة التي التقت به صدفة باليوم الأول للمظاهرات، فقمت فور أن عادت الاتصالات وشبكة الانترنت بالبحث عن حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن توصلت إليه بالفعل، ثم راسلته، وبدأت بيننا صداقة ناشئة نتبادل خلالها النقاش حول التطورات السياسية المتلاحقة، واكتشف كلانا أن بيننا العديد من الأصدقاء المشتركين في عالم التدوين الإلكتروني..

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

أوصلني حازم إلى المنزل بعد أن تسلمت الفستان الذي حولته السيدة منى إلى نسخة أكثر بهاءً بعد إضافتها للأكمام وتغطيتها لمنطقة الصدر والظهر، حتى أنها زينت الذراعين ببعض أفرع الشجر الكريستالية بحجم دقيق جدا جعلت الثوب يزداد فخامة..

وقد دفع حازم بالفعل مبلغا كبيرا من أجل الثوب وتعديلاته، لكنني وعدت السيدة منى بإعادته لها بعد بضعة أيام من العرس حتى تظل هي محتفظة بالذكرى الخاصة بها.. وأنا في النهاية لا أريد الاحتفاظ به.. فلا ذكرى مميزة ستخرج من هذا الحفل بكل الأحوال.

كانت رحلة العودة للمنزل صامتة تماما، حيث حرص حازم خلالها على تشغيل محطة راديو إذاعة الأغاني الأجنبية Nile FM، ورفع الصوت لأعلى درجاته، وكأنه يضع حاجزا سميكا لمنع التواصل بيننا من أي نوع..

حين دلفت إلى المنزل، صعدت فورا لغرفتي حاملة الفستان المغلف داخل حافظة جلدية، وبالطبع أخذت ماما سناء تتبعني بسرعة قياسية وكأنها شقيقتي المراهقة التي تريد الاطمئنان على سلامة اختياري لفستان العرس.

قالت بلهفة: "دعيني أر الفستان.. افتحي الغطاء.. هيا هيا"..

حماسها أذهلني.. هي تصدق فعلا أن هذا الزواج طبيعي وسيكلل بالنجاح، وبالتالي أخذت تتصرف بكل عفوية كأم العروس السعيدة المستبشرة..

أعطيتها حقيبة الفستان وتحركت لأجلس على سريري باسترخاء، فأخرجته هي بحرص، ثم رمقته بنظرة.. واثنتين وثالثة، وبعدها صاحت وهي تضرب بكلتيّ يديها على صدرها: "أسود؟ ستتزوجين بفستان أسود يا شروق؟ ما هذه الحماقة؟ ما هذا الفأل الأسود؟ هل وافقك حازم؟".

أجبتها بابتسامة مستفزة: "وهل له رأي أصلا؟؟ ثم إن الفستان ليس أسود اللون تماما، هو فقط مزين بوردات سوداء أنيقة.. لا تنكري أن تصميمه مميز وملفت للغاية.. هذه هي أحدث صيحات الموضة فلا تتذمري الآن.. كما أن الحفل بالأساس لعقد القران وسيقام معه الزفاف لضيق الوقت، إذن الأبيض ليس شرطا أساسيا.. هكذا أنا أسير على الموضة العصرية".

أجابت هي بغيظ: "تبا للموضة وما تجلبه لنا من أزياء غريبة.. ماذا أقول؟ ليس هناك وقت للحصول على فستان آخر.. كما أنه لن يهم كثيرا لونه، فأنت لن تحتاجيه سوى لساعتين أو ثلاثة على الأرجح.. بعدها ستتخلصين منه في دقائق.. ولن تحتاجيه مجددا أو غيره للأبد"، ثم كست وجهها حمرة غريبة..

هل ما فهمته صحيح؟
يا إلهي.. هي تصدق فعلا أن زواجي من حازم سيستمر طوال العمر.
أيا كان.. لن أصحح لها شيئا.. فلتظن هي ما تشاء..

غادرت ماما سناء الغرفة بعد أن أقنعتها أنني أكلت اليوم كمية من الطعام تكفيني لأسابيع ولست بحاجة لوجبة العشاء.. حتى أنني طلبت منها أن تعد لي مشروب القرفة بالتفاح ليساعدني على الاسترخاء والنوم.

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

بعد حمام سريع، ارتديت منامة مريحة بألوان مختلطة ثم حملت جهاز اللابتوب وتدثرت جيدا في سريري، وولجت إلى المواقع الإخبارية المختلفة، لكي أتعرف على آخر المستجدات بعد مظاهرات اليوم.

يبدو من التغطية المكثفة للفعاليات، أنها كانت صاخبة للغاية وعلا صوتها تؤكد أن المعتصمين لن يغادروا مكانهم قبل تحقيق مطالبهم بخصوص محاسبة النظام السياسي وعزله عن السلطة، وكذلك محاكمة المسئولين عن أعمال العنف التي جرت في قلب الميدان منذ أيام.

ورغم ارتفاع صوت مطالبات المتظاهرين في أنحاء متفرقة من البلاد بضرورة إسقاط النظام، إلا أن رئيس الوزراء قد أعلن استبعاده انسحاب الرئيس من المشهد السياسي حتى لا يترك فراغا دستوريا إذا غادر الحكم فجأة، واقترح البعض إقامة حوار بناء بين قادة المظاهرات وممثلي السلطة للتوصل إلى اتفاق يرضي الجميع وينهي حالة الجمود التي تسود أرجاء الوطن حتى تعود الأعمال ويتحرك الاقتصاد مرة أخرى بعد أن تأثر بإغلاق جميع الهيئات والمؤسسات والمتاجر.

كل هذه التطورات ألهمتني لكتابة تدوينة قصيرة عن ضرورة الالتزام بمطالب الثورة الأساسية وعدم التراجع قبل تحقيقها، ثم عدت لقراءة بعض التعليقات الجديدة على التدوينة السابقة..

قررت هذه المرة أن أرد على ذلك الذي يلقب نفسه باسم "الشبح الأسود" بعد أن أثارت تعليقاته مؤخرا فضولي.. ربما كان شخصا أعرفه..

أجبته بسؤال من كلمتين: "من أنت؟".
لم تمر دقيقة واحدة على تعليقي عليه، حتى جاءني إشعار بوجود رد جديد.. كان هو صاحب الرد، الذي جاء أيضا في هيئة سؤال فحواه: "وهل سيتغير رأيك في كلماتي إذا عرفتِ من أنا؟"..

مهلا.. مهلا.. من هذا الرجل؟
هل هو شخص يعرفني ويمازحني بهوية خفية غامضة؟ أم أنه؟

ربما يكون هو المخرج عمرو سعيد كساب..
لا لا.. لن يضطر لفعل هذا الأمر الطفولي بالتخلي عن هويته الحقيقية، خاصة بعد أن صرنا صديقين.
قد يكون أحد زملاء الجامعة.. فواضح من كلماته أنه يعرفني.. ولكن لماذا لا يستخدم اسمه الحقيقي وينهي الحيرة؟

ضغطت على زر الرد بغية الإجابة عليه، ولكن توقفت في اللحظة الأخيرة..
لماذا أكترث به أيا من كان؟.. إذا كان لن يكشف عن هويته الحقيقية، فهو لا يستحق استهلاك وقتي وطاقتي..

أحتاج فقط للنوم الآن..
وليمر اليومان التاليان على خير..

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

مر اليومان أسرع مما تخيلت، حيث تحول المنزل إلى خلية نحل وامتلأ بالعمال الذين قاموا بتزيينه بالزهور ووحدات الإضاءة البراقة والسماعات عالية الجودة، وتحولت الصالة الرئيسية بالمنزل إلى قاعة فخمة تليق بعروس حقيقية وتنتظر زفافها على أحر من الجمر وتغلفها هالة من السعادة والحماس من كل الجهات..

لكن هذه العروس ليست أنا..

الساعة الآن.. التاسعة مساء.. أبي أصر على إقامة الحفل بالمنزل ليستمر لساعة متأخرة من الليل برغم حظر التجوال، حتى أنه حرص على دعوة بعض الصحفيين المختصين بشئون المجتمع.. وكأن هذا هو الوقت الملائم لمثل تلك التمثيليات الفجة.

لكن هذا أبي.. يخرج فائزا في كل مرة وينفذ إرادته بلا مجهود.
غير أنه لا يدرك اللحظة أن لا أحد يهتم لأمره مع الأحداث المتعاقبة التي تجري في بلدنا. آخر ما يهم الناس هو خبر زواج ابنة رجل أعمال شهير.. فكل شيء يتوارى وتتقزم قيمته خلف مستقبل الوطن وأمانه.

كنت أجلس بغرفتي بعد أن انتهيت من ارتداء الفستان واستعنت بخبيرة تجميل متخصصة لكي تساعدني في وضع مكياجي وتثبيت حجابي بشكل أنيق وبنفس الستايل المميز الذي أحبه..

ورغم تعاسة اللحظة.. وغرابة تصميم الفستان، إلا أنني شعرت لوهلة أنني أميرة في عالم خيالي.. وتمنيت فقط لو أن الظروف كانت مختلفة.. لو أنني فتاة عادية تتزوج من حبيبها بعد شهور من الكد والكفاح..

كيف ينفعني الحسب والثروة في يوم أُزج فيه من قفص لقفص مثل طائر الزينة أو الهرة في موسم التزاوج.

كنت جالسة مع حنان وماما سناء وبعض صديقاتي من الجامعة أتصنع السعادة وأنتظر لحظات عقد القران، وذلك حين

دخل والدي إلى الغرفة وأمر الجميع بالخروج ليودع ابنته الغالية كما أخبرهن.

جلس أبي قبالتي، والغبطة تزين وجهه ممتلئ القسمات، فتمنحه حمرة إضافية ليبدو وكأنه سينفجر من السعادة لنجاحه في تحقيق ما خطط له بدون آية عقبات.

رفع يده لكي يعدل ربطة عنقه، ثم قال: "حان الوقت يا صغيرة.. اليوم ستنتهي محكوميتك هنا لتدخلي عالم جديد.. وأنتِ الوحيدة التي بإمكانها تحويله لجنة أو إجبار زوجك على معاملتك كسجينة عتيدة الإجرام".

أطرقت وجهي بنفور وغضب من كلماته البغيضة، ولكن، تعمدت تجاهل الرد عليه.. لأن الجدال لن يغير شيئا الآن، وعليّ أن أحتفظ بطاقتي لكي أواجه الآخر بعقل منتبه..

سكت أبي لثانيتين، فرفعت أنظاري أطالع وجهه الذي ارتسمت عليه فجأة ملامح الامتعاض المشوب بالحزن، لكنه هز رأسه لكي يطرد ما دار برأسه في تلك اللحظات، ثم أكمل بلهجة تقريرية خفيضة: "أعترف أنك لم تجدي السعادة في هذا المنزل.. ولكن أظن أن حازم سيحرص على إسعادك.. فالفتي عاشق لكِ حد الهيام.. كم أنت محظوظة يا شروق".
عاشق؟ حازم؟
محظوظة؟ أنا؟

رمقته بنظرة غاضبة، وسألته: "ولماذا أنا محظوظة؟"، ليجيب والدي: "لأن بإمكانك تحويله إلى خاتم في إصبعك مثلما هو خادم مطيع لي.. بل أكثر.. فأنت ابنة أمك.. أنت نسخة من إيبيك.. أو حرير كما أسمت نفسها بعد أن حصلت على الجنسية المصرية"، ثم ابتسم ابتسامة نصفية فجة لم تصل لعينيه.

توقف أبي بعدها عن الكلام، مكتفيا بالنظر لي نظرة استطالت، قبل أن يتابع: "أنتِ مثلها تماما.. تجيدين الإغواء ولا شيء غيره.. لا أنكر أنني منحتك له كغنيمة، ولكن هو يستحق بعد كل التضحيات التي قدمها لصالحي.. وقد حان الوقت لمكافأته وإلا كان سيطير من بين يدي.. وهذا دورك لاستخدام مقوماتك الطبيعية التي استخدمتها أمك من قبل".
كلماته أصابتني بالغضب والضيق.. كيف يصف والدتي رحمها الله بتلك الصفات..

سألته بحدة: "تكافئه على ماذا يا أبي؟ ما الذي قد يدفعك لكي ترمي ابنتك بين يديه بهذه الطريقة؟".

زفر أبي بغضب لاضطراره لتفسير قراره لي وكأنه لا يمتلك وقتا كافيا، ثم قال: "حسنا.. لقد أصيب شقيقه في أحداث الثاني من فبراير بعاهة مستديمة.. وهو يظن أنني أرسلت من يقوم بذلك عمدا لأعاقبه على عدم التزامه بأوامري..

الأحمق رفض الاعتداء على المتظاهرين بالقنابل الحارقة رغم أنني طلبت منه إبادتهم جميعا.. كان الأمر سينتهي بضربة واحدة إذا نفذ ما طلبته منه فهو الأذكى والأمهر بين جميع رجالي ولا يترك خلفه أثرا أبدا.. مثل الشبح.. ولكنه اكتفى بإشاعة الفوضى فقط.. ولما رفض استكمال الخطة كما وضعتها أنا.. قررت استكمالها بدونه، وطلبت من بعض المأجورين اقتحام الميدان بأسلحة بيضاء وآلات حادة وهم يمتطون الخيول والجمال لإصابة المعتصمين بالصدمة والرعب وشل تحركاتهم ومنعهم من القيام من أي رد فعل سوى تلقى الضربات القاصمة دون مقاومة، ولكن الحمقى تسببوا في نتائج كارثية عرضت الكبار للخطر وكادت أن تطيح بي أنا شخصيا.. وبالطبع أصيب شقيق الأحمق.."..

شرد أبي لوهلة، ثم أكمل محركا إبهامه وسبابته أسفل ذقنه بتفكر: "ربما كان هذا العقاب المناسب له بعد أن سارع باستئجار عدد هائل من الدراجات النارية لنقل المصابين بأقصى سرعة إلى المستشفيات المجاورة.. يظن أنه سيحمي الجميع.. غبي.. ولكنني للأسف أحتاج إليه في الفترة القادمة.. ولذلك وضعتك في طريقه وكنت متأكدا أنه لن يرفض مع القليل من الضغط و.... ".

أطال أبي النظر إليّ بتسلِ واضح وكأنه يمارس الجولة الأخيرة من لعبة البوكر محتفظا بحوزته بأفضل الأوراق ولديه يقين تام بالفوز، ثم قال بابتسامة سخيفة: "يكفي هذا الحد.. أنا لن أكشف كل أوراقي دفعة واحدة.. ستجمعنا الكثير من الجلسات فيما بعد يا صغيرة.. فأنت الآن زوجة حازم عبد القادر.. أفضل رجالي وأكثرهم طاعة وذكاء وثقة"..

توقف أبي عن الحديث لدقائق استغلها في تفحص هيئتي، وكأنه يراني فعليا للمرة الأولى منذ دخل الغرفة.. ناظر الفستان من أعلى لأسفل، ثم قال بلهجة ساخرة: "متمردة لآخر لحظة.. ألستِ كذلك؟ هل أصريت على ارتداء هذا التصميم الغريب لإثارة فضيحة أمام وسائل الإعلام التي استدعيتها لرصد الحفل والكتابة عنه؟ لن تفلحي أبدا.. مهما فعلت.. لكن يكتبوا سوى البيان الإعلامي الذي سيتسلمونه بنهاية الليلة بعد أن يتناولوا عشائهم، كما أنهم لن ينشروا آية صورة بدون موافقة شخصية مني.. فتوقفي الآن عما يدور برأسك.. أكاد أستمع لأفكارك الصاخبة من داخل رأسكِ يا ابنة إيبيك".

حادثته بتوسل: "أبي.. أرجوك.. لم يفت الوقت بعد حتى تنهي هذا السخف"، لتظهر على وجهه علامات الملل وكأنه يحاول إقناع طفلة بأن لعبتها الجديدة هي الأجمل والأغلى، فقال بعد أن زفر ببطء: "لا يمكن.. كان لابد أن أرمي له عظمة لذيذة لكي يلتهي بها بدلا من أن يهاجمني أنا بشراسة ويقتلني بعضة مميتة.. لقد لمحت لأول مرة في عينيه التمرد، وهذا أمر خطر للغاية".

زفر أبي بنفاد صبر، ثم أكمل: "هذه هي أنسب طريقة لكي أضمن ولائه لي.. وبدلا من أن أهدده بأخيه.. صرت أمسك بورقتين بين يديّ.. أهم أوراق اللعبة صارت بيدي.. فأنا أعلم كم يحب أخيه.. كما أدرك جيدا انه يحبك أنتِ أيضا.. هيا إلى مراسم عقد القران، ولا تنسي ابتسامتك الجميلة.. فالمصورون بانتظارك"، ثم نهض من مقعده وأمسكني من يدي وبعد أن وقفت أمامه، نظر إلى داخل عينيّ لعدة ثوانٍ وبدا وكأنه سافر للحظات في رحلة إلى الماضي، ثم قبل وجنتيّ وأخفض مقدمة طرحتي على وجهي ثم احتوى ذراعي بداخل ذراعه وسار بي نحو عريسي.



يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 22-05-21, 07:02 PM   #388

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile21 الفصل الثالث عشر - القسم الأخير

في غرفة الاستقبال التي تحولت بديكوراتها وأجوائها إلى قاعة للاحتفال، كانت الأجواء صاخبة وتغلفها أمارات البهجة من جميع الحاضرين.. إلا العروس..

الجميع يظن أن هذا الزواج مخصص للجمع بين حبيبين نما حبهما لسنوات بين جنبات المنزل.. فكل تلك البهجة مصدرها الإيمان بأن اجتماع الحضور غرضه الاحتفال بإعلان للحب الأبدي بُني على الثقة والتفاهم والإخلاص.. والعشق.

أخرجني من شرودي ضحكة ترددت بصوت مرتفع..
لحظة.. كانت صاحبة تلك الضحكة هي أنا.. لقد وصلت لحافة الجنون أخيرا والحمد لله..
بعد ما قاله أبي لي منذ دقائق صار كل شيء متداخلا ومربكا.. واختلطت الحقائق بالأكاذيب..
دعوني.. سأطلق العنان لجنوني الآن.. سأدمر كل شيء.. سأحطم هذا الزواج قبل أن يبدأ..

ولكن قبل أن أبدأ خطتي الجنونية وليدة اللحظة، لمحت عيناي رجلا طويلا ببدلة سوداء ينزوي في إحدى أركان القاعة مسندا هاتفه المحمول إلى إحدى أذنيه ويبدو أنه يستمع لكلمات شخص آخر على الطرف الآخر من المحادثة.
عندما استدار قليلا ظهرت ملامح وجهه..
حازم!

كان يضرب بيده برتابة على الحائط بشكل متتابع كل بضع ثوانٍ.. ورغم أن ضرباته كانت خفيفة للغاية إلا أن ملامحه بدا عليها الألم.. ثم نزع الهاتف عن أذنه وضغط زر إنهاء المكالمة واستدار ليضع الهاتف في جيب سرواله.

وبينما كان يستدير للعودة إلى المكان المخصص لمراسم عقد القران، كانت يده قد امتدت خلسة إلى عينه لتمسح أطراف أنامله دمعة تسللت إلى أعلى وجنته الرجولية بعظامها البارزة بخشونة محتدة.. ثم أخفى نظرة الحسرة التي كانت تهيمن على ملامحه، ليستعيد هيئته الجليدية، فاردا قامته من جديد ليتحرك بثقة في الإتجاه الذي أجلس فيه برفقة صديقاتي ووجهه يغطيه الجمود وابتسامة زائفة جليدية تناقض إظلام عينيه بما يشبه الحداد..

هو لم ينتبه أنني شاهدت ما حدث منذ أقل من دقيقة واحدة.. والحقيقة أن ما رأيته كان كافيا لكي يعيد التعقل إلى رأسي بعد أن كنت قاب قوسين أو أدنى من افتعال مشهد كارثي يتفوق على كل الفضائح التي طالت حفلات الزفاف عبر التاريخ.

جلست إلى جوار أبي على أريكة فاخرة مزينة بزهور الكاميليا البيضاء الضخمة، بينما كان العريس يجلس على أريكة أخرى برفقة شاب آخر بعينين ثاقبتين تضيقان عندما يتجهم.. بدا من النظرة الأولى أنه قاسيا وجادا للغاية، ولكن بمجرد أن تبادل بعض الكلمات الخافتة مع حازم ثم ابتسم، تبدلت هيئته الجافة تماما ليتزين وجهه بملامح لطيفة ودودة.

إلى جوارهما كان هناك رجل خمسيني بملامح بشوشة للغاية ومريحة للأعصاب، ويبدو عليه السعادة الحقيقية وكأنه يحضر عرس ابنه..
هل هو والده؟ أم عمه؟

أتم المأذون مراسم عقد القران بعد أن خطب في الحضور عن أسس الزواج السليم في الإسلام وواجبات الزوجين وأوصانا بالحلم والتعاون لإنجاح زواجنا، ثم طلب حازم من الشاب الجالس بجواره أن يقوم بالتوقيع كشاهدٍ أول، ونادى والدي على أحد أصدقائه ليقوم بالتوقيع كشاهد ثانٍ، وبعدها علت الزغاريد من الجميع والتف حولنا المهنئون للاحتفال بنا.

وبعد أن هدأت الأجواء قليلا، نهض حازم من مقعده، وتحرك نحو والدي، ثم ألقى بعض الكلمات على مسامعه، فنهض أبي فورا وتحركا معا صوب غرفة المكتب..

مكثا بالغرفة نحو خمس دقائق أو أكثر قليلا، لكن جلستهما بالداخل لم تطل نهائيا.. وحين خرجا، كانت علامات الغبطة والسرور ترتسم على وجه حازم الذي تحرك بانتشاء وزهو كان يفتقر إليهما عندما دلف إلى تلك الغرفة..
بالتأكيد قبض ثمن زواجه مني..
فما أنا بالنسبة لكليهما سوى صفقة..!!

في الحقيقة، كانت تلك الابتسامة الظافرة سببا في عودة الجنون إلى رأسي ورغبتي في الفتك به في التو واللحظة وأمام الجميع، لكن أبي استغل الفرصة، فأعلن للحضور أن الحفل جاء بسيطا لأن العريس متعجل للغاية، خاصة وأنه لا يمكن التنبؤ بموعد نهاية تلك الاعتصامات وعودة الحياة لشكلها الطبيعي.. ثم طلب بطريقته الاستعراضية من حازم أن يضع الشبكة في يد عروسه..

طقوس مصطنعة ومملة جديدة لإشباع عطش المصورين وصفحات النميمة عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وعلى الفور، أخرج هذا الشاب الذي ناداه حازم باسم (خالد) صندوقا مربعا بحجم كف اليد ومغطى بالمخمل الأحمر من جيب سترته وأعطاه للعريس، ثم ترك أبي مكانه لحازم، لكي يجلس هو بجواري.

بعد أن استقر حازم بجانبي بحيث لا يفصل بيننا سوى بضعة سنتيمرات، قام برفع غطاء وجهي ثم قبلني أعلى جبهتي بروتينية وابتسم لي بسخافة وتحدٍ، وهمس في أذني: "هذا لم يكن صعبا.. أليس كذلك؟ كنت أثق أنك فتاة مطيعة وستتصرفين بالشكل الملائم.. والآن لنكمل المرحلة الأخيرة من التمثيلية.. شبكة العروس.. سأقترب منك قليلا الآن.. فتصرفي بشكل مناسب"..

ثم أخرج من صندوق المخمل سلسلة من البلاتين غريبة التصميم..
مهلا.. هل هذه سماعة طبية؟
يا إلهي.. لقد أحضر لي الأحمق شبكة على هيئة سماعة طبيب..
هل يسخر مني؟

اقترب هو مني قبل أن أفكر في رد فعل من الأساس سوى فمي المفتوح عن آخره، وللعجب، فقد فسر الحاضرون الأمر بأن هديته المفاجئة قد أعجبتني بتصميمها الملفت الغريب.

انحنى حازم مقتربا من رقبتي لكي يحكم قفل السلسلة عند مؤخرتها من الخلف..

كان قريبا بشدة.. ورائحة عطره غمرت الأجواء كسحابة رجولية من شذى الأخشاب والأعشاب الاستوائية وزهر الليمون والعنبر..

وددت لو بإمكاني دفعه بعيدا عن محيطي ليعتدل في جلسته دون أن يخنقني برائحته، ولكن بعض التعقل برأسي منعني من التهور لمرة ثانية.

انتهى حازم من غلق قفل القلادة، ثم عاد للجلوس بشكل معتدل وأمسك بخاتم الزفاف، والذي اتخذ نفس التصميم..

لا أصدق حماقة تصرفه المغيظ.. وازداد ضيقي وأنا أشاهد الغبطة والانبهار يغلفان ملامح حنان التي على ما يبدو أسعدها هدية حازم المثيرة للضيق..

كانت السلسلة بطول متوسط تستقر على صدري تماما، وهي عبارة عن سماعة طبيب ملتفة حول قلب مزين بأحجار ماسية صغيرة متباينة الأحجام..

أما الخاتم فجاء على هيئة سماعة طبية أخرى ومزينة من الجهتين بماستين إحداهما ضخمة وبراقة للغاية بينما الأخرى ناعمة ورقيقة.

في الحقيقة كان التصميم لطيفا، وكنت سأحبه في ظروف أخرى، ولكن نظرته المتسلية الساخرة كانت تدفعني دفعا نحو تمزيق وجهه بأظافري ثم نزع القلادة والخاتم وحشو فمه بهما..
فقط لأمسح تلك النظرة المتشفية عن صفحة وجهه..

اقترب حازم مني من جديد متصنعا تقبيل وجنتي بعد أن انتهى من وضع الخاتم في بنصر يدي اليسرى، ليهمس في أذني: "والآن حان دورك يا طبيبة.. ضعي خاتمي في إصبعي.. ورجاء ابتسمي قليلا أمام الضيوف.. أنتِ لا تعلمي كم
كلفتني تلك الشبكة من الأساس، خاصة وقد تمت صناعتها في وقت قياسي.. اظهري بعض الامتنان ولا تكوني متجهمة هكذا كعسكري المرور المناوب فترة الظهيرة تحت قيظ شمس أغسطس اللاهبة".

نظرت إليه بابتسامة مصطنعة سخيفة، ثم أخرجت خاتمه من الصندوق المخملي وأمسكت بطرف إصبعه بخشونة وبينما أهم بوضع الخاتم حوله، كان الضوء قد انعكس على شيء محفور بداخل الخاتم.

في البداية ظننته تالفا، فأخذت أحركه بشكل شبه دائري حتى أكتشف سبب تلفه، ولكن بعد أن انعكس الضوء بشكل كامل على النقش المحفور بالداخل، اكتشفت أنه حرف "ش" محفورا بالخط الكوفي تحيطه نقوش عربية بديعة.

رفعت مقلتي إليه وناظرته بدهشة وفم متسع، فرفع هو حاجبه متسائلا.. فتخلصت من دهشتي وفضولي، ووضعت الخاتم حول إصبعه بحدة وإحكام حتى ينتهي الأمر، ليعود هو للابتسام من جديد بينما يلامس خاتمه بأصابع يده الأخرى، وكأنه سعيدا بمنظره حول إصبعه ويختبر وزنه في يده بعد أن ارتداه للمرة الأولى..
للحق.. هو يمثل دور العريس الذي يكاد ينفجر من السرور بأريحية شديدة تتعارض تماما مع هيئته التي لمحتها للوهلة الأولى عندما كان يتحدث بانهزام وأسف عبر الهاتف..

مهلا.. هل كان يتحدث مع حبيبته؟ ألهذا سالت دمعته؟ إذًا لماذا يقول أبي إنه يحبني؟ ولماذا أخبرني كل تلك الأمور عما فعله هذا الرجل في الميدان من بطولات مزعومة جعلته يخسر بعض النقاط لدى ولي نعمته؟
هل يدبر أبي خطة جديدة؟ هل يكذب من جديد؟

كنت غارقة في التفكير عندما احتضن حازم يدي بأنامله برفق شديد وكأنها غيمة من حلوى غزل البنات يخشى أن تفقد هيئتها تحت وطأة لمسة قاسية، ليهمس في أذني بنبرة تحذيرية خافتة تناقض رقة لمسته: "ابتسمي قليلا يا عزيزتي.. الجميع ينظر نحوك.. وهذا العبوس كفيل بإخبار الجميع أنكِ لست سعيدة باختيارك.. وهذا ظلم شديد لي.. أليس كذلك؟".

ابتسمت من جديد بشكل متكلف ومتصنع وأنا مندهشة تماما من قدرته المذهلة على التمثيل والخداع..

بعدها، علت أصوات موسيقى هادئة من السماعات المنتشرة بصالة الاستقبال، فصاح أبي بغبطة مقيتة: "والآن، حان وقت رقصة العروسين"..

ناظرتي حنان بتساؤل، وبادلتها النظر بحيرة، ولم أفلح في الهرب من الأمر، حيث كان حازم قد نهض بالفعل وهو يمسك بيدي ويسحبني خلفه باتجاه منتصف الصالة، حيث وقف أمامي ووضع إحدى يديه في يدي بينما أحاط خصري بالأخرى، فتشنجت أنا بغضب وتجمدت في مكاني، ليميل هو قرب أذني، ويهمس برقة، فيبدو لمن يشاهدنا من بعيد وكأنه يغازلني بكلمات لطيفة، لكنه قال باستفزاز: "اطمئني.. أنا بالكاد ألمسك.. لا أستطيع أن ألمس شيئا من بين كل طيات الأقمشة التي تغلفك كدمية الاحتفال بمناسبة المولد النبوي الشريف"..
عروسة المولد؟ أنا؟

رفعت قدمي قليلا ثم نزلت بها على أطراف قدمه لأسحق أصابعه تحت حذائي القاسي، وأنا أبتسم له بود مفتعل، ثم أخذت أتمايل معه على أنغام الموسيقى بشكل آلي.. حتى بدأ عدد من الثنائيات من الحضور بالانضمام إلينا في الرقص.. لنتوه وسط غيمة من العشاق..

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

بعد ساعات من الحفل الصاخب، انصرف الضيوف تباعا بعد أن أمضوا السهرة لدينا مستغلين تخفيف قيود حظر التجول خلال آخر يومين.

عندما حان وقت المغادرة نحو منزل حازم، طلبت ماما سناء من أحد العمال إحضار حقيبة ملابسي من غرفتي، والتي تولت بنفسها إعدادها نيابة عني كوفاء لنذر نذرته من أجلي في يوم كانت تنتظره لسنوات على حد قولها رافضة الاقتناع أن تلك الزيجة ليست حقيقية ولا تستحق كل هذا العناء.. أو الفرحة.

في تلك الأثناء، دخل العريس مع والدي إلى غرفة المكتب لبضع دقائق، وبعدها عاد بوجه مكفهر غاضب وأمسك
بيدي وسار بي إلى خارج المنزل دون أن ينبس بكلمة واحدة، ثم فتح لي باب سيارته الخلفي وتأكد من دخول كل طبقات الفستان قبل أن يحكم إغلاقه، وعاد هو إلى مقعد القيادة وبدأ يتحرك بسيارته نحو منزله.
منزلنا..

لا منزله هو فقط.. أنا سأكون جارته أو ضيفته لبضعة شهور على أكثر تقدير..

من جديد، وضع هو أغنية صاخبة أخرى ليتجنب الحديث معي طوال الطريق، واختار هذه المرة أغنية All Eyes لفريق Imagine Dragons.. يبدو أنه يفضل الموسيقى الغربية وبالتحديد هذا الفريق..

كانت الأغنية تبدأ من جديد كلما انتهت، حتى ظننت أننا ذاهبين إلى ساحة المعركة، وعندما وصلنا إلى إحدى المباني السكنية في حي جاردن سيتي، كانت سعادتي غامرة أنني أخيرا سأودع تلك الأغنية التي تتحدث عن شخص يهرب من الزيف والنفاق في حياته ويحاول البدء من جديد ليغير حياته بالحب.

خرج هو أولا من السيارة، ثم التف حولها ليفتح لي الباب ويساعدني الخروج بشكل مهندم دون أن أبدو كنسخة كارتونية من مهرجي السيرك بفستاني ذات التنورة الواسعة المزينة بطيات متعددة.

ركبنا المصعد في هدوء، ولكن فور أن أغلق حازم الباب، بدأت أشعر بالتوتر وكأن الهواء قد اختلطت به ذبذبات كهربية عالية الطاقة، حتى أنني تراجعت خطوتين للوراء والتصقت تقريبا بالحائط الخلفي بشكل حاد جعله ينظر نحوي بدهشة، ثم أطلق ابتسامة سخيفة حركت الجانب الأيسر من شفتيه وكأنه قد توصل لشفرة سر غامض أو حل أحجية عصية..

وبعد أن توقف المصعد في الطابق السابع، خرج هو إلى حيث تتواجد شقته التي كان معلقا عليها لافتة تقول: "حازم وحسام" دون اسم الأب أو لقب العائلة، في إشارة طفولية واضحة لمن يملكانها.
وبعد أن فتح حازم الباب، أشار لي بالدخول.. وأنا تبعته بهدوء إلى الداخل.

كانت الصالة الرئيسية مفروشة بديكورات شبابية، حيث تتناثر بها ثلاث أرائك جلدية باللون العاجي، وتعلو كل واحدة منها بعض الخداديات متعددة الألوان والتصميمات، كما كان هناك شاشة عرض عملاقة تتوسط إحدى جدران الغرفة، وحولها العديد من الأطر التي تتضمن صورا لحازم وشقيقه في مراحل عمرية مختلفة.

لأول مرة أشعر بالارتباك بعد أن تسلحت بالثقة والعزيمة لأيام..
الآن .. ماذا؟

سألني حازم إن كنت أريد أن أشرب شيئا، أجبته بسخافة أن الساعة الآن قد تخطت الثالثة صباحا، وبالتالي لا يمكنني أن أحتسي القهوة إذا كنت أريد النوم، ثم طلبت منه بعض الماء.

وبينما توجه هو لإحضار كأس من الماء من المطبخ، كانت الأفكار تتسارع داخل رأسي..
ما الذي فعلته بنفسي؟ كيف قبلت أن استأمن نفسي لديه؟ ولماذا أثق أنه لن يؤذني أو يتصرف معي بشكل حيواني؟
هل يمكن أن يفعل ذلك؟ لا مستحيل..
ولماذا مستحيل؟

كان هو قد عاد بكوب الماء، فسحبته من يده بعنف ثم شربته على دفعة واحدة حتى أنني كدت أن أختنق به..

وضعت كأس الماء جانبا على منضدة جانبية صغيرة، ثم بدأت أحاول فك أحد الدبابيس المثبتة لغطاء رأسي الذي أخذ فجأة يؤلمني.

يبدو أن الصداع ضربني مرة واحدة، حيث بدأت أشعر بسخونة بأعلى رأسي تتبعها طرقات متعددة وكأنه على وشك الانفجار..

لا أطيق كل تلك الدبابيس والاكسسوارات المعلقة برأسي.. طفقت أشدها بعنف غير منتبهة أنه صار الآن واقفا أمامي ورفع يديه نحوي..
ما الذي ينوي فعله؟

أخذت خطوتين للخلف ثم نظرت إليه بنفور ، وسألته بغضب: "ماذا تريد؟ ابتعد عني"، ثم دفعته بكلتي يديّ بكل قوة، ولكنه لم يتراجع سوى خطوة واحدة فقط مبديا اندهاشه من رد فعلي.

استعاد حازم توازنه من جديد، وأمسك مرفقيّ بشدة ليعيد انتباهي إليه، ثم سألني بصرامة: "شروق.. ماذا بك؟ لماذا تتصرفين هكذا؟"..
كان صوته يأتي من بعيد وكأنه يتكلم تحت الماء..

بطريقة ما عزلت نفسي عنه تماما، ثم هذيت بكلمات حبستها بداخلي طوال أيام ثلاثة، كنت أتمتم بصوت خافت وبكلمات متعجلة وكأنني ألقي تعويذة سحرية عليه: "بكلمتين فقط تَقرر مصيري أنا.. (زوجتك ابنتي).. وبثلاثة كلمات أخرى تم البيع.. (وأنا قبلت زواجها)"، كنت أقول هذه الكلمات بشكل سخيف مقلدة أبي وحازم في لحظات عقد القران، ثم كررتها مجددا بنفس الطريقة.

بدأ حازم ينظر لي بذهول دون أن يترك مرفقيّ، وأكملت أنا دون توقف وكأن صوتي قد تحرر بمجرد خروجي من بيت رحيم: "لقد قتلني أبي وقام بتكفيني بفستان الزفاف واستخرج وثيقة وفاتي بمعرفة المأذون الشرعي.. والآن حان دورك لكي تدفن روحي للأبد باسم طقوس ليلة الدُخلة.. أليس كذلك؟".


نهاية الفصل الثالث عشر..
دمتم بود وحب وسعادة وراحة بال

أرجو منكم الدعاء أن يرفع الله عنا الوباء والبلاء ويشفي كل مريض ويرحم كل من رحل عنا.. وأن يحفظ الله أشقائنا في فلسطين وينصرهم على العدو...


في المشاركة التالية.. سأنشر صورة لفستان زفاف شروق ولشبكة العروس التي اختارها لها حازم.. حتى أساعدكم على التخيل

ملك جاسم likes this.

مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 22-05-21, 07:08 PM   #389

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile3

صورة تخيلية لفستان زفاف شروق وشبكة العروس التي أهداها لها حازم


noor elhuda likes this.

مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 22-05-21, 08:03 PM   #390

نوارة البيت

? العضوٌ??? » 478893
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,845
?  نُقآطِيْ » نوارة البيت is on a distinguished road
افتراضي

❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️ ❤️❤️

نوارة البيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:10 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.