آخر 10 مشاركات
ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          جنون المطر(الجزء الأول)،الرواية السادسة للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر(مميزة)مكتملة (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          239 - عندما يقفل الحب بابه - كاثرين روس (الكاتـب : عنووود - )           »          1028-انت قدري - ريبيكا وينترز -عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          محاربة الزمان - فيوليت وينسبير - روايات ديانا*إعادة تنزيل (الكاتـب : angel08 - )           »          بأمر الحب * مميزة & مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          حب في الباهاماس (5) للكاتبة: Michele Dunaway *كاملة+روابط* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          اللقاء العاصف (23) للكاتبة: Jennie Lucas *كاملة+روابط* (الكاتـب : Dalyia - )           »          [تحميل] ومالي بدجئ العاشقين ملاذ! بقلم/غسق آلليلh "مميزة " (Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل تعتقدون أن خالد قد مات وانتهى دوره بأحداث الرواية؟؟
نعم 0 0%
لا 6 100.00%
المصوتون: 6. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree484Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-06-21, 06:59 PM   #511

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Flower2


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Nour fekry94 مشاهدة المشاركة
متشوقة اوي للفصل بجد الاقتباس تحفة ♥️
التاتوز كان نفسي اوي اعرف شكلها و تخيلتها على الرغم انها مؤلمة وصعبة بس انا متخيلة شكلهم تحفة ! ♥️
تسلم ايدك يا مروة على الوصف الدقيق الجميل ده ♥️

الاقتباس فيه وصف لوشم واحد.. هو حازم عنده وشم كمان مذكور في باقي الفصل واظن انه بيعكس جزء من طفولته هو واخوه...

شكرا يانور على تعليقك


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 24-06-21, 11:59 PM   #512

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile2

تصميمات جديدة من إبداع الصديقة شيرين حسين من الفصل 17.. أتمنى تعجبكم زي ما أعجبتني جدا






شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

انتظروني بإذن الله يوم السبت مع الفصلين 18 و19


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 25-06-21, 04:37 AM   #513

شيرى رفعت

? العضوٌ??? » 482388
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 90
?  نُقآطِيْ » شيرى رفعت is on a distinguished road
افتراضي

الفصل روعة وخطير ف نفس الوقت
شروق بدات تجمع الخيوط وتربطها ببعضها بدات اول خطوة لمعرفة الحقيقة
ما هو مش كل اللى حواليها غلط وهى اللى صح
زينه فاهمه هى بتعمل ايه وهدفها ايه وموضوع العزومة حساه خطه من خالد وزينه
عشان شروق تعرف حقيقه حازم
السيد على شاكه فيه معقول يكون والد حازم 🤔🤔
او قريب له بس برجح يكون والده


شيرى رفعت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-06-21, 04:12 PM   #514

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيرى رفعت مشاهدة المشاركة
الفصل روعة وخطير ف نفس الوقت
شروق بدات تجمع الخيوط وتربطها ببعضها بدات اول خطوة لمعرفة الحقيقة
ما هو مش كل اللى حواليها غلط وهى اللى صح
زينه فاهمه هى بتعمل ايه وهدفها ايه وموضوع العزومة حساه خطه من خالد وزينه
عشان شروق تعرف حقيقه حازم
السيد على شاكه فيه معقول يكون والد حازم 🤔🤔
او قريب له بس برجح يكون والده

عايزة ارد عليكي بس همسك نفسي علشان الحرق


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 25-06-21, 11:18 PM   #515

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

تصميمات أخرى رائعة من إبداع الصديقة شيرين حسين من الفصل 17.. أتمنى تعجبكم وأحب أشكرها شكرا جزيلا على دعمها للرواية واعجابها بشخصياتها واحداثها







مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 26-06-21, 05:52 PM   #516

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile9 الفصل الثامن عشر - القسم الأول

الفصل الثامن عشر
شروق


رائحة مخبوزات طازجة تلف الأجواء وتشعرني بالدفء.. برغم أنني قد استيقظت بالفعل منذ عدة دقائق، ولكنني مازلت أقاوم فتح عينيّ ومواجهة العالم بما يحمله لي من مفاجآت جديدة..

أريد فقط أن أنام لساعة إضافية.. أن أحتضن هذا الدفء وتلك الرائحة وأتجاهل كل ما ينتظرني خارج
حيز هذه الغرفة.. إلا أنني وجدت نفسي أنهض من السرير متلهفة.. شبه مفزوعة..
لقد.. تذكرته.. حازم.. كم بدا معذبا الليلة الماضية..

يجب أن أطمئن عليه بعد الكابوس الذي عايشه وحطم تماسكه.. من المؤكد أن الكثير من الأفكار المقلقة قد راودته بعد كل ما عايشه بالأمس..

أتساءل أين ذهب بالأمس بعد زيارة خالد.. ولكن لم تكن هناك آية فرصة لكي أسأله عن شيء.. ليس وهو يكاد يفقد وعيه من التعب لدرجة أنه تخلى عن تناول الطعام..

لابد أن آلامه لم تكن بدنية فقط.. تُرى ما طبيعة المرض النفسي الذي يعاني منه ويجعله بتلك الهشاشة؟

ولماذا أهتم؟
إنه الفضول ولا شك..

وهذا الفضول هو ما جعلني أُسرع نحو غرفة حازم متجاهلة رائحة المخبوزات الساخنة، لكنه لم يكن متواجدا بها..

لابد أنه بالمطبخ.. إذًا فقد استيقظ مبكرا لكي يشتري المخبوزات الساخنة.

وبينما كنت أهم بالتحرك ناحية المطبخ، سمعت صوت رنة هاتفي المحمول، فتحركت عائدة نحو غرفتي..
حين أمسكت بالهاتف وطالعت شاشته، وجدت اسم زينة..
حقا إنها محققة صغيرة..

العنيدة أصرت على تثبيت أواصر الصداقة بيننا في يومٍ واحدٍ فقط، واعتبرت نفسها منذ تلك اللحظة صديقة مقربة أو "BFF" كما أطلقت على نفسها..

لكن، للحق.. بدأ قلبي يميل نحوها، خاصة بعد تصرفاتها اللبقة خلال جلسة الأمس في منزل آل الكومي، فضلا عن مساعدتها لي في الاطمئنان على حازم من خلال خطيبها الذي مازال يحيرني بثقته الشديدة فيه..

ربما.. ربما يكون فعلا أهلا لتلك الثقة..
ما أدراني؟ هل عاشرتهما أنا طوال العشر سنوات المنصرمة حتى أحكم بصدق وحيادية عليه كما فعل خالد؟

أخذتني الأفكار نحو الموقف المحرج الذي وضعت نفسي به عندما ذهبت لغرفة حازم بحثا عن شاحن للحاسوب، فأتى الأخير بعد أن سقط الجهاز على صدري لكي يضبطني بالجرم المشهود، ليبدأ بعدها سلسلة من التعليقات الساخرة ثم يتركني أتناول العشاء بمفردي..

في البداية، ظننته يتجاهلني أو يتعامل معي بنوع من النفور بسبب تصرفاتي المستفزة مع خالد ووالده، ولكنه حين عاد من الخارج كان يبدو عليه فعلا الإجهاد وكأن طاقته كلها قد نفدت.. فقرر الالتجاء للنوم ليحصل على بعض السكينة من خلال غيبوبة اختيارية، قبل أن تجني خطته أسوأ الحرث حين وجد نفسه عالقا في بحر متلاطم من أمواج الكوابيس التي لم أفهم كنهها لكن تأثيرها عليه بدا واضحا، حيث قرأت في نظرات عينيه التائهة المعذبة أنه محطم القلب ينزف من الداخل دون أن يشكو آلامه أو يعلن عنها..

تُرى.. ما قصة تلك الكوابيس؟
لغزٌ جديدٌ يضاف إلى سلسلة الألغاز التي تختبئ بين عينيك يا سيد حازم...
وأنا سأسبر أغوارها كاملة.. فقط أمهلني بعض الوقت..!

خرجت من شرودي على عودة الرنين مرة أخرى.. يبدو أنه قد توقف وأنا غارقة في أفكاري.
ضغطت زر استقبال المكالمة، فجاءني صوتها متلهفا: "مرحبا شيكوو.. ما الأخبار يا فتاة؟ هل عاد زوجك بخير؟"

شيكوو؟؟ زوجك؟؟....
لهذا كنت أرفض تطبيق هذه اللعبة.. لعبة العريس والعروس، حتى لا تأخذ الأمور شكلا اعتياديا مغلفا بالنفاق والزيف، فيصبح بعدها الأمر مستفزا مليئا بالتدخلات.. عندما يحين وقت الانفصال..

أجبتها بصوت محايد: "مرحبا زينة.. هو بخير حال.. ونستعد لتناول الفطور حاليا"..

تراجعت زينة بحرج، قائلة: "إذًا سأترككما معا يا قنفذ وسلحفاة الحب.. ولكن عليكِ اقتراح موعد مناسب لكي نلتقي سويا في أقرب وقت.. أريد أن نعمق صداقتنا وأن نتبادل الأحاديث.. في أكثر من موضوع".

أنهيت المكالمة مع زينة بسرعة، وأنا أتوجه نحو المطبخ بعد أن عادت رائحة المخبوزات الشهية تنتشر في الأجواء بإغواء لا يمكن مقاومته.

أثناء سيري، تطاير بعض العزم وحل محله بعض التردد بخصوص مواجهة حازم بعد موقف اللابتوب، عندما ظن بريبة وتوجس أنني كنت أريد تفتيش أغراضه..

بالطبع، كان من المحتمل أن يكون هذا غرضي الأساسي ووقتها لم أكن لأشعر بالذنب، فهو ما زال تحت المراقبة، ولكنني كنت حقا بريئة تلك المرة.. فما حدث كان نتاج سوء الحظ البحت..

ربما.. ربما نسيّ كل شيء حدث مساء الأمس بعد أن داهمه هذا الكابوس المرعب الذي كان يسحبه لعالم من العذاب الصرف حيث تتكالب عليه الأشباح للاقتتات على سلامته العقلية، مقاومة بتشبث آية محاولة مني لإيقاظه وإعادته لعالم الأحياء.

أخذت بطني تزمجر جوعا، فتجاهلت تلك الأفكار تماما وسارعت نحو المطبخ منجذبة نحو مصدر الرائحة الزكية التي تناديني بصخب..

لم أكد أقف أمام الباب حتى ألجمتني الصدمة.. حازم يرتدي مريول الطبخ وقد ربط شعره بوشاح على شكل بندانة متعددة الألوان يغطي شعره البني المنسحب عن جبهته..

كان شكله في الحقيقة مثير للضحك.. نوعا ما.. لكن ما يفعله ليس مضحكا على الإطلاق..

كانت يداه غارقتان في قطعة من العجين يقوم بفردها بكل طاقة وحيوية، وهو يستمع لخلفية موسيقية لأغنية جينيفر لوبيز On The Floor التي تملأ نغماتها المنبعثة من هاتفه المحمول الأجواء حوله رغم أنه كان يخفض الصوت نوعا ما.. ربما لكيلا يوقظني..

"أنت.. ما الذي تفعله بالتحديد في هذا الصباح؟".. خرج السؤال من فمي دون أن أنتبه، فتجمد هو لثانيتين ثم استدار نحوي بوجهه الذي تكسوه ابتسامة غير مفهومة، وقال بهدوء: "أعد الفطير المشلتت"..

"هاه؟"، قلتلها ببلاهة وفتحت فمي كباندا كسول لا يدري شيئا عن العالم سوى رغبته في الاسترخاء والعودة للنوم مجددا، لكن بعد أن يشبع أنين بطنه الجائعة بالطبع..

اتسعت ابتسامة حازم ثم باغتني قائلا: "الفطور اليوم سيكون فطير مشلتت.. كما أنني أصنع بعض الكريب والكرواسون لوقتٍ لاحق".

صمت بعدها لوهلة، ثم رفع عينيه نحو مقلتيّ، ومنحني ابتسامة رائقة بلا افتعال..

تلك الابتسامة اللطيفة جعلته.. أصغر عمرا.. ومختلفا كثيرا عن ذلك الذي كان يصارع أشباحا خلال نومه أو يقوم بإيذاء نفسه في بعض لحظات الصحو، وتغلف عينيه كآبة غامضة أغلب أوقات يومه.
أكمل حازم بلهجة تقريرية: "بعد أن تشربي الشاي باللبن.. عليكِ أن تستبدلي ملابسك.. وأن تحزمي كل أغراضك.. سنغادر".

"هاه؟" قلتها للمرة الثانية.. وارتسمت الدهشة على فمي الفاغر الذي اتسع بشكل أظنه بدا يشبه الشخصيات الكارتونية غير مصدق لما وصل لمسامعي ولم يترجمه عقلي بعد..

"أنت.. أنت.. ما الذي حدث بالأمس تحديدا؟؟ هاه؟؟ ماذا تم بذلك الاجتماع مع هذا الضيف الغامض في منزل آل الكومي؟؟ ولماذا اختفيت باقي اليوم؟ أقصد أنني كنت أبحث عنك لأتفحص حالتك بعد ليلة أمس.. وكنت أظنك مستغرقا في النوم.. أو على الأقل تتحسس طريقك داخل المطبخ بحثا عن البن لكي تحاول عمل كوب من القهوة يخلصك من حالة الإجهاد التي أعيتك تماما منذ بضعة ساعات.. من أنت؟ أين حازم الذي أعرفه؟".

كان حازم قد استدار عائدا للمقادير المصفوفة أمامه، وقد انغمس من جديد في خلطها بشكل آلي وبمهارة شديدة، وكأنه معتادا على هذا الأمر لسنوات، لكنه استدار نحوي مجددا بوجه يتزين بنصف ابتسامة وهو يقول بسخرية: "تعرفينه؟".
ها هو قد استعاد هيئته الساخرة من جديد..

ضاق حاجباي تلقائيا، واستطردت: "أقصد من عشت معه لبضعة أيام.. يعني.. لا تهتم.. أيا كان.. ما الذي قصدته تحديدا بـ سنغادر؟ إلى أين سنذهب؟ ولماذا عليّ على أحزم أمتعتي؟ وأين القهوة؟ أحتاج قهوة كي أستوعب ما تقوله أولا".

ليس وكأنني سأنفذ ما يقول ولكن الفضول يسيطر على كلماتي هذا الصباح.. أريد أن أعرف ما الذي حدث بين الأمس واليوم.. ولا فائدة من الرفض مسبقا.. يجب أن أعطيه المجال لكي يتكلم أولا.

وضع حازم الملعقة المسطحة التي كان يقوم بخلط المقادير بها داخل الصحن العميق، ثم استدار نحوي وأخذ نفسا هادئا، وقال: "الشاي بلبن يليق مع الفطير المشلتت أكثر من القهوة.. لذلك لا قهوة اليوم.. أما بالنسبة لسؤالك الثاني.. أو الثالث.. فإجابته هي.. سنغادر هذه الشقة إلى منزل أكبر.. حسام سيخرج غدا من المستشفى.. وأنا من الأساس كنت أنوي أن أجهز منزلا يناسب ظروفه الحالية عندما تعرّض لما تعرّض له.. وقتها كنت أفاضل بين أكثر من مكان، وبمجرد إعلان.. أمم.. مشروع زواجنا.. استقريت على أحد المنازل المعروضة بإحدى المشروعات الxxxxية الجديدة والتي تناسب ميزانيتي، وأسرعت بتجهيزه وتأثيثه لكي يتسع لنا جميعا.. يتبقى بعض اللمسات البسيطة لكنها لن تمنع إقامتنا به ابتداء من اليوم خاصة وأنني قمت ببيع تلك الشقة وعلينا تسليمها إلى المشتري بأقرب وقت.. ولذلك عليك حزم كل الأغراض التي تخصني أنا وأخي، بالإضافة للأشياء التي تهمك لكي نصطحبها معنا في السيارة لأننا لن نعود لهذه الشقة لاحقا.. هل هناك اعتراضات؟".

لأكون صادقة.. عندما بدأ حازم إعلانه بالمغادرة كان عقلي منشغلا بإعداد قائمة من الاعتراضات لكي أعبر بها عن رفضي لتلك الفكرة، لكنه فور أن شرح أن السبب الحقيقي هو إصابة شقيقه ورغبته على ما يبدو في تهيئة بيئة مناسبة له للاستشفاء.. لم أجد أي دافع لانتقاد تصرفه المنفرد الآن، ليس وكأنني زوجة حقيقية عليه استشارتها قبل أن يقوم بتصرف مثل هذا..

هذا وضع مؤقت.. تذكري هذا..

رغم هذا فإنني لم أشأ أن أعطيه الموافقة الفورية بدون مقاومة، فأجبته هازئة بمجموعة من الكلمات تبادرت على ذهني على نحو ملائم لما أفكر فيه ولم أعلنه: "ليس وكأن هذا الزواج سيستمر لسنوات.. لن يفرق بالنسبة للعصفور شكل القفص حتى وإن كان مطليا بالذهب.. لأنه يظل حبيسا.. في كل الأحوال أنا مضطرة حاليا لتحمل البقاء معك.. حتى حين".

نفس حازم زفيره بمسحة غضب بينما يضغط شفتيه بغيظ، ثم رد: "نعم.. مضطرة.. والآن تناولي إفطارك ثم اذهبي لكي تتجهزي"، ثم التفت مجددا باندفاع نحو طاولة العجائن ليتركني في مواجهة ظهره، والذي بدا خلف كنزته الرياضية الخفيفة كحائط صلد من العضلات المتراصة معا بتناسق غير محدود لترسم تكوينا ذكوريا مبهرا..
أتكلم فقط من وجهة نظر تشريحية بحتة!

لمَ الغضب يا أبا الغضب؟ ليس وكأن هناك مشاعر مختبئة تحت تلك الكومة من العضلات!
تحركت وأنا أبتسم ببلاهة لتخيلي شكل حازم بنفس لحية وشعر شخصية (أبي الغضب) الكرتونية الشهيرة، حيث توجهت نحو مقعدٍ جانبي بالمطبخ يواجه رفا صغيرا قابلا للطي يبدو أن حازم يستعمله أحيانا كمنضدة عملية صغيرة لتناول الطعام سريعا داخل المطبخ، وذلك عندما تحرك الأخير نحوي حاملا صينية معدنية مستطيلة عليها طبقا كبيرا من الخزف يحتضن فطيرة ساخنة مقطعة لقطع أصغر على هيئة مثلثات، وحولها مجموعة من الأطباق الصغيرة التي تحتوي على مربى وقشدة وجبن وزيتون وعسل أبيض وعسل أسود بالطحينة، ثم استدار وعاد حاملا كوبا من الفخار يفوح منه دخان القهوة برائحتها التي تحفز على استعادة التركيز.

لقد أعد القهوة لأجلي..
بدلا من أشكره، علقت بفظاظة غير مسببة: "لم أطلب منك أن تدللني.. فأنا لست طفلة"..

طالعني حازم ببطء بنظرة شاملة من رأسي حتى قدميّ قبل أن يسمح لابتسامة كسولة بالتسلل إلى وجهه، فتنتهي رحلته صعودا حتى مقلتيّ بنظرتين مشتعلتين بشكل غامض لتتحول كرتيّ الشوكولاتة في عينيه إلى جذوتين بلون النحاس المحمر مشتعل النظرات، ليقول بصوت غريب: "أنتِ بالتأكيد لستِ طفلة.. تناولي إفطارك.. أمامنا يومٌ طويلٌ"، ثم استدار من جديد نحو طاولته الغبية ليكمل إعداد المزيد من المخبوزات، ولكن هذه المرة بحركات صاخبة ملأت المطبخ ضوضاء.

لم يتحدث أينا بكلمة أخرى بعد ذلك، فهو انغمس في إعداد الطعام بشكل يكاد يشبه المحترفين.. وأنا التهيت بتناول ما يزيد عن نصف فطيرة لذيذة.. كان يمكنني أن أتناول المزيد فقط بسبب إغراء طعمها المذهل، ولكنني قاومت بشدة، فلستُ بحاجة لاكتساب المزيد من الوزن بهذين الردفين اللذين يتسعان أسفل خصري ليحدا ساقيّ كطريق رأس الرجاء الصالح.

لم أمارس الرياضة منذ عدة أيام، وأخشى أن تبدأ آثار ذلك في الظهور بوضوح على قوامي، خاصة إذا استمريت في تناول ما يصنعه ذلك الرجل محب الطهي..

التهيت عن تلك الفكرة بمراقبته وهو منشغل بما يفعله بتركيز وتفانٍ..
حازم إنسان منظم.. هذا ما لاحظته وأنا أتناول إفطاري.. فقد كان منغمسا في رص وحدات الكرواسون على طبقات من ورق المخبوزات الأبيض مانع الالتصاق داخل صندوقٍ من القش يشبه ذلك المخصص لأطعمة الرحلات، كما أنه كان يجوب الثلاجة ويخرج محتوياتها من الأطعمة ويقوم بتغليفها ووضعها في حاويات منفصلة من القصدير..

يبدو أنه لا يحب رمي بقايا الأطعمة أو إهدارها..
من أين احضر كل تلك العبوات؟ ومتى جهز كل ذلك؟

"لا تقل لي أنك ستصطحب بقايا الأطعمة إلى المنزل الجديد.. هل أنت بخيل؟"..

لا أدري لِما أقدمت على استفزازه بهذا السؤال.. الأرجح أن تفكيري ظن أن تلك هي الوسيلة المثلى لإجباره على الإفصاح عن سبب رغبته في عدم التخلص من الأطعمة، لكن على ما يبدو أنه انتبه للفضول الذي يغلف سؤالي، حيث رد ببرود: "لا تقلقي.. لن أحزم تلك الأطعمة.. سأعطيها للبواب لكي يقدمها لبعض المعوزين.. أنا لست بخيلا إن كانت تلك الفكرة قد طرأت على أفكارك الصاخبة.. أنهي طعامك وابدئي في تجهيز أغراضكِ.. أمامنا يومٌ طويلٌ".
صاخبة؟ وهل يستمع لما يدور برأسي؟

كنت قد انتهيت بالفعل من الأكل، فتوجهت نحوه واختطفت إحدى المخبوزات الساخنة التي أخرجها لتوه من الفرن لتستقر على الرقعة الرخامية لكي تهدأ قليلا..

هممت بعمل هذا التصرف الأحمق فقط لكي أغيظه.. لكن قطعة المخبوزات كانت ساخنة للغاية فألهبت أطراف أصابعي، فتركتها فورا لتسقط في نفس صينية الخبز، بينما أخذت أتأوه وأهز أصابعي بعنف وكأن الألم سيهرب منهما بتلك الطريقة..

ضحك حازم بمرح بدا لي كنوع من الشماتة، لكنه مد يده وأمسك بكفي الملتهب برفق ورفع إصبعيّ الملتهبين نحو فمه حتى كاد يلامسهما بشفتيه، ثم أخذ يزفر حولهما بلطف وقد سلط عيناه مباشرة على عينيّ..
وأنا.. أنا تهت.. قليلا..

بحثت عن صوتي لثوان، ولم أجده، فتذرعت بسحب أصابعي من بين يديه، ثم زفرت بهدوء نفسا لم أدرِ أنني أكتمه، وقلت له بنبرة مرتبكة تقافزت عبرها كلماتي بتعجل: "شكرا.. أااا.. على الفطير.. سأذهب.. لأجهز أغراضي" وأشرت بكلتي يدي خلفي نحو باب المطبخ، وكأنني أحاول تنبيه عقلي إلى أن هذا هو اتجاه.. الفرار.. الآن.. فورا..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 26-06-21, 06:00 PM   #517

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: الفصل الثامن عشر - القسم الثاني

مرت نحو ساعة ونصف، وأنا أنشغل بالتفكير فيما حدث داخل المطبخ بدلا من ترتيب أغراضي.. ليس وكأن هناك الكثير.. فأنا لا أمتلك أغراضا عديدة هنا على كل حال.. بالأحرى.. لا أمتلك شيئا هنا على الإطلاق..

أساسا حقيبة الغلالات والملابس الكاشفة الخليعة مازالت كما هي موصودة على أسرارها ولا تحتاج للحزم.. أما الحقيبة الثانية التي أرسلتها ماما سناء لاحقا، فلم أخرى منها سوى القليل، وكان من السهل إعادة حزمها..

حياتي كلها معبأة في حقيبتين.. إحداهما تخصي والأخرى تمثل حياة أخرى لا تخصني ولن أتماهى معها أبدا..
حتى فستان الزفاف قد تكفل هو بإعادته لمتجر السيدة هدى عن طريق أحد العاملين لديه.. أثق أنه كان سيذهب إليها بنفسه إذا كان يمتلك الوقت بعد أن نجح في مصادقتها بابتسامة لعوب وبعض المزحات الصبيانية..

لكن.. كيف تحول حازم بهذا الشكل بين ليلة وضحاها؟ كيف تبدلت حالته المزاجية من شاب يبدو مثقلا بالمتاعب وتطارده الكوابيس المظلمة إلى شعلة من الحيوية والنشاط في الصباح.. ليس هذا فحسب.. بل إنه يقوم بإعداد الفطير الفلاحي باحترافية مثيرة للإعجاب.. حتى ماما سناء نفسها لا تستطيع إعداد مثيلتها ولا أظن انها جربت يوما..
من أين جاء بكل تلك المواهب؟ ومتى استيقظ أساسا لكي يبدأ في تجهيز كل تلك المعجنات؟

هل نام بشكل كاف بعد ذلك الكابوس؟
مازال الغموض هو عنوان كل شيء يحيط هذا الرجل.. أتراه يعاني من متلازمة الاضطراب ثنائي القطب؟
مهلا.. ليست تلك هي الأسئلة المهمة حاليا..

الأهم الآن: هل يحاول إلهائي عمدا حتى لا أغرقه بالأسئلة بعد أن وعدني بالأمس بالحديث معي؟ هل يحاول إدعاء القوة الآن بعد أن استسلم رغما عنه لحالة جديدة من الضعف الليلة الفائتة؟
كتلك التي كان عليها خلال مواجهته مع أبي في ذلك اليوم..

ثم.. ثم.. ما هذا الذي حدث عندما التهبت أصابعي؟
ما تلك النظرات؟
أم أنه؟

لا.. لا.. ليس هذا هو الوقت المناسب للتفكير في هذا الأمر..
أنا الآن متأخرة بخطوات.. كان عليّ أن أسأله عن المقابلة.. وعن الكابوس.. لكنني التهيت وتشتت تركيزي في عدة ملاحظات أخرى..

زفرت بضيق وركزت في حزم باقي الأغراض حتى أنهيت حزم أغراضي القليلة، ثم أخذت حماما سريعا وارتديت ملابسي وصرت مستعدة للمغادرة..

الآن عليّ أن أقتل وقت فراغي ريثما ينتهي هو من ترتيباته..
بحماس وليد وابتسامة متلاعبة.. قررت أن أقتحم سكينته قليلا..

لا أخجل من الاعتراف أنني بت أحب استفزازه كلما أتيحت لي الفرصة.. ليس لغرضٍ آخر سوى دفعه للكشف عن خبايا ذاته التي يقنّعها بكومة متراصة من الأقنعة الفولاذية التي يصعب اختراقها دون إذن منه.. أو لحظة ارتباك مفاجئة.. ربما أسقط وقتها اعترافا أو معلومة في غفلة منه هو شخصيا..

كم يطربني تعذيبه بالكلمات بينما يحاول هو السيطرة على نفسه..

تُرى ما الذي يمكن أن يفعله إذا فقد أعصابه تماما؟ هل يبوح بكل شيء يستتر خلف نظرات عينيه المعذبة؟
أخرجت حقيبتيّ الملابس وحافظة اللابتوب وصندوق أدوات العناية الشخصية إلى غرفة الاستقبال بجوار الركن الأقرب لباب الشقة..

لم تنتابني آية مشاعر وأنا أعرف أنني أغادر تلك الشقة، فأنا أعلم منذ لحظة وقعت وثيقة عقد القران أن كل شيء في حياتي من بعدها سيكون مؤقتا وبلا جذور.. لكن كيف يا تُرى هو شعور حازم بمغادرة لمكان كان على الأرجح يعتبره بيته وبه تاريخه كله مع شقيقه؟..

على الأرجح، هو يشعر ببعض الاهتزاز، وربما تلك هي فرصتي لدفعه ليغرد ببعض الحقائق كعندليب جريح.. وتنفيذا لنيتي، تنقلت بين الغرف حتى وجدته يقوم بإزالة إطار اللوحة المعلقة أعلى سريره والذي يحتضن ذلك التصميم الغريب لرقعة الشطرنج التي يتحكم بها الشاب المتشح بالسواد كشبح مرعب عازم على الانتصار.

بدهشة خرج السؤال من بيني شفتي: "هل فعلا ستأخذ هذه اللوحة إلى منزلك الجديد؟ لا أقصد التطفل.. ولكن هل هذه الرسمة غير المفهومة بتلك الأهمية لديك؟"

ارتعشت يدا حازم حول الإطار قليلا، ثم عاد ليضغطهما بقوة ليسحبه من موضعه بحرص شديد ويحمله نزولا أسفل السرير، ثم لفه بأغلفة ورقية متعددة وبعدها أحاطه بإطار آخر من الورق المقوى ثم لفه بطبقة من البلاستيك المطاطي الواقي للأغراض القابلة للكسر أو التمزق، ثم رفع نظراته أخيرا لي وقال بهدوء شديد: "نعم"..

فسألته بغيظ: "على أي سؤال؟"، فأجاب هو من جديد بنفس الهدوء: "كليهما"، ثم سار نحوي حاملا مجموعة أخرى من صناديق الكرتون.. وحرّك رأسه في إشارة منه لكي أبتعد عن الباب حتى يتمكن من المرور..

سرت خلفه كروبوت تم ضبطه آليا على وضعية المستشعر متتبع الحركة، حتى توقفت قدماه داخل الغرفة التي أنام بها، ليلتفت لي وكأنه يعلم أنني أتبعه، وقال بصوت جامد: "هذه غرفة حسام.. يجب أن أجمع أغراضه.. أاا.. هل تساعدينني؟"

وشت عيناه بالسبب الحقيقي لطلبه المساعدة..
هو لا يريد أن يكون بمفرده الآن.. وبالتأكيد لا يريد أن يظل في هذه الغرفة أطول من اللازم.. يريد إنهاء مهمته بأسرع وقت، ولهذا تنازل بطلب المساعدة..

تحركت خطوتين حتى أصبحت بمواجهته مباشرة.. ثم أخذت بعض الصناديق الفارغة التي يحملها، وأجبته ببساطة: "بالطبع.. ما الذي عليّ حزمه بالتحديد؟".

حمل حازم باقي الصناديق نحو خزانة الملابس ثم قال: "ابدئي بإفراغ مكتبته.. رجاء رتبي الكتب كما هي داخل الصناديق لأنه يفضلها متراصة على نفس التصنيف الذي وضعه لها.. وأنا سأحزم ملابسه وباقي حاجياته وأغراضه الخاصة".

بدأ حازم بالوقوف على مقعد خشبي، ثم سحب حقيبة سفر ضخمة كانت مخزنة أعلى خزانة الملابس، وقام بتنظيفها سريعا بقطعة قماش مبللة، وفتحها وبدأ يرتب فيها الملابس من الأرفف بشكل آلي.

من أين اكتسب كل تلك المهارات المنزلية؟ هل تعلمها من والدته؟ وإذا كانت قد علمته دروس التدبير المنزلي بهذا الشكل، فهذا يعني أن علاقتهما كانت قوية.. إذًا لماذا لا يحتفظ بصور لها.. كما لا توجد لقطة واحدة تجمعهما في كل تلك الإطارات المتناثرة بغرفة الاستقبال؟ أم تراها ماتت في حادث أليم أو بمرض مميت، فرفض الاحتفاظ بصورها أمام عينيه حتى لا تجدد آلام الفراق في وجدانه؟

سألته قبل أن أسيطر على فضولي هذه المرة، رغم علمي أنني أخوض في منطقة قد تكون محظورة.. لكنني كنت يائسة لهذا الحد، فأخرجت كلماتي بفضول بيّن: "هل تعلمت كل تلك المهارات المنزلية من والدتك؟"..

تصلّب حازم مكانه لثانية فور أن اخترق السؤال مسامعه.. وحين استدار نحوي، النظرة كانت التي ارتسمت على وجهه هي الإجابة الصريحة الخالية من أي لبس..

لا.. لم يتعلم منها..
ولا.. لم يكن عليّ أن أسأله هذا السؤال من الأساس.. خصوصا الآن على ما يبدو..

هل يكره التواجد داخل غرفة شقيقه لهذا الحد؟ هل يشعر بالذنب بسبب إصابته؟
بالتأكيد.. وهل سيكون هناك جواب آخر..

عاد حازم لاستكمال ما يفعله دون أن يمنحني إجابة، وكأنه يتجاهل وجودي أنا أيضا بزرعه خيمة ساترة غير مرئية حوله يتلمس منها الوقاية من آية منغصات خارجية..

في صمت، أخذت أرتب الكتب داخل الصناديق بنفس الترتيب الذي كان يضعه حسام، دون أن أتجرأ على فتح باب التساؤلات مرة أخرى..

حين بدأت أسحب بعض الكتب من أحد الرفوف العلوية.. سقطت مجموعة منها على رأسي بينما اصطدمت مجموعة أخرى بأرضية الغرفة محدثة دويا قويا، فالتفت حازم نحوي مجددا، ثم ترك ما كان يفعله وتوجه نحو الزاوية التي أقف بها، وانحنى في هدوء وأخذ يجمع الكتب المنتشرة على الأرضية ويتفحصها ليتأكد من عدم تمزقها أو تلفها، ثم انتصبت قامته من جديد ووضع الكتب داخل الصندوق..

ودون كلام، قام بعدها بشكل آلي متتابع بسحب باقي الكتب من الأرفف المرتفعة، وبدأ بترتيبها برتابة بصندوق آخر، ثم انتبه فجأة إلى أحد الدفاتر.

نظر إليه مطولا بملامح غير مفهومة، ثم أخذ يزيل طبقة الأتربة القليلة التي تجمعت على غلافه لتطمس معالمه، وتهاوى جالسا ببطء على سطح المكتب المجاور للأرفف ليستند عليه بعجزه، بينما لا يزال يحتضن الدفتر بين يديه، ثم شخص ببصره في نفس الاتجاه الذي أقف به دون أن يوجه عينيه صوب عينيّ بالتحديد، فبدا وكأنه يحادث الفراغ حين قال: "هذا دفتر مذكرات حسام.. لم يسمح لي أبدا بقراءته.. وأنا بصراحة لم أطلب منه يوما أن أقرأ ما به.. ولم أقتحم خصوصيته يوما أو أتطفل على مكنونات قلبه أو أسراره الخاصة..".

زفر حازم بإرهاق، ثم أكمل: " أنا متأكد أنه كان بحاجة لدفتره طوال الأيام الماضية.. تبا لي.. كيف نسيت؟ ليتني قد أخذته إليه في المستشفى لكي يخرج ما في داخله عبر بعض السطور لكي تحمل عنه بعضا مما يثقل داخله الآن"، ثم زفر بضيق وحنق.

حازم غاضب من نفسه.. بشدة
هذا هو الشيء الوحيد الذي كنت أتجاهله طوال الأيام الماضية.. لومه الجلي المفتضح لنفسه على ما لحق بشقيقه من أذى وإحساسه بالذنب لما آلت إليه الأمور خاصة بعد تشخيص الأطباء غير المتفائل..

كانت ثقة حسام غير المشروطة بحازم ورفضه لاتهامه ولو حتى بنظرة أمرا محيرا لي.. ومع ذلك اخترت تجاهلها في خضم سعيي لإثبات شره وفساده..

علاقتهما يغلفها الكثير من الغموض، وهي التي تضعني أحيانا في حالة من الشك.. حالة لا أحبها وكنت أغض الطرف عنها خلال بحثي عن دليل لإدانته.. عن فرصة تثبت لي سوء خلقه وقبح مسلكه..

لكن، كلما مر الوقت أجد حيرتي تزداد، ويقيني التام بكونه شخص سيء حقير، أصبح يتزعزع يوما بعض يوم..

بإشفاق على حسام.. أو حازم.. أو كليهما، قلت: "أعتقد أنه لم يكن بإمكانه كتابة ما يريد خلال الأيام الماضية..

أقصد أن الأدوية المسكنة للآلام كانت تشعره بالنعاس بالتأكيد وبالتالي فهو لم يكن مفتقدا لدفتر المذكرات كما تتوقع..كما أنه أخبرني عندما هاتفته مؤخرا أن لديه صحبة رائعة من مجموعة من الشباب المصابين في الميدان، وأنه يستمتع بقضاء وقته في النقاش معهم.. يمكنه أن يستأنف كتاباته بين دفتي دفترة عندما يعود للمنزل..

أعتقد أن استعادته له ستكون نقطة إيجابية تفيده في العودة لروتين حياته المعتاد برغم الإصابة وانتقاله لمنزل جديد".

رفع حازم رأسه المطأطئ وقد استرخت قليلا الخطوط المتوازية التي تظلل جبهته، ثم قام من جلسته الغريبة وأعاد الدفتر إلى الصندوق..

بعدها، حمل بضعة دفاتر أخرى بحجم أكبر من الدفاتر العادية، إذ وازت تقريبا نفس حجم أوراق الطباعة، ثم قال وقد استقام كتفاه بفخر وتزين وجهه بابتسامة جذلى: "هذه مجموعة سيناريوهات قد كتبها حسام.. السينما قد أكلت عقله وأصبح لا يريد شيئا في الحياة سوى أن يصبح كاتبا سينمائيا.. في الحقيقة هو موهوب للغاية، لكنه ما زال يبحث عن فرصة لتقديم نفسه إلى الجمهور مع مخرج يفوقه جنونا ويرفض آية محاولات لدخول الوسط من خلال الوساطة.. كنت أنعته مزحا بالعاطل لأنه يرفض العمل بوظيفة ثابتة.. لكنني كنت أعرف شغفه الحقيقي.. وأتمنى أن تكلل مساعيه بالنجاح قريبا.. فهو بحاجة لذلك الآن".

كنت قد بدأت أرتب باقي الكتب والأوراق الموجودة على سطح المكتب، فنظرت لحازم وعلقت مبتسمة بودٍ: "أثق أنه سينجح يوما ما في تحقيق هدفه، لقد رأيت ذلك الشغف في عينيه عندما تعرفت عليه لأول مرة خلال الاعتصام بالميدان.. يا إلهي.. أشعر أن الأمر قد مر عليه شهور وليس أسبوعين فقط".

أغلق حازم الصندوق بقوة غير مبررة، ثم عاد مجددا لحزم باقي الملابس داخل الحقيبة، ثم قال دون أن ينظر نحوي: "أرجوك أفرغي أدراج المكتب.. بداخلها لابتوب وبعض الأغراض الأخرى"، ثم التفت فجأة كمن تذكر أمرا هاماُ، وقال: "آااه.. ولا تنسي لف تمثال عرابه بقطعة من القماش أو حزمه في غطاء وسادة قبل وضعه أعلى الكتب داخل أحد الصناديق.. من المؤكد أنه سيوسعني ضربا إذا أصاب التمثال خدشٌ واحدٌ.. فقط ضعي رواياته المنفردة وكل أعداد سلسلة (ما وراء الطبيعة) داخل صندوق مستقل، ومعها دفتر قصاصاته الأثير، وضعي التمثال أعلاها، ثم ضعي علامة بقلم ملون على هذا الصندوق، كي أنتبه إليه أثناء عملية النقل."

مرت عدة دقائق وكلانا منغمسان في ترتيب ما تبقى من أغراض داخل الحقائب والصناديق، وذلك قبل أن يقاطعنا صوت رنين هاتف حازم المحمول.

توجه حازم نحو المنضدة التي يعتليها الهاتف، ثم حمله وزفر بعنف عندما قرأ اسم المتصل، لكنه تلقى المكالمة على مضض، وقال بهدوء: "مرحبا سيد رحيم".. ثم أخذ ينصت لعدة لحظات، وبعدها رد بامتعاض: "لا.. لم أتوجه للمكتب.. أنا عريس في شهر العسل.. أتذكر؟"، ثم نظر نحوي محدقا فيّ بغلظة ذكرتني بنظراته الحادة ليلة الزفاف..

عاد حازم للاستماع لكلمات أبي من جديد، ثم رد بقوله: "أي عمل لأفكر به الآن؟ البورصة مغلقة تماما.. والسفر ممنوع.. والاستثمارات كلها معطلة.. لا تقلق.. لقد أخذت منك توقيعات الموافقة على استلام الشحنة يوم الزفاف.. وحين يتم الإعلان عن عودة حركة الملاحة والطيران بشكل طبيعي، سأقوم باستلام الشحنة بتلك الأوراق وبدء توزيعها على منافذ التوزيع وستكون تلك آخر مهمة أقوم بها لأجلك".

ضحكة مريرة تلونت بنغمات جنائزية خافتة صدرت عني ولم ينتبه لها حازم الذي كان منشغلا بالاستماع لما يقوله أبي على الطرف الآخر من المكالمة..

أبي الذي اختفى منذ لحظة توثيق زواجي من حازم، ولم يظهر قبل الآن، ليهاتفه هو.. ابنه الروحي.. لا أنا.. ابنته الشرعية.. لم يهتم بحالي في سجني الجديد.. لم يشعر بالقلق أو حتى الفضول على ابنته الوحيدة.. الرابط العائلي الوحيد له في الدنيا.. بل كان أكثر تلهفا وقلقا على مشروعه التجاري الجديد..

كان حازم صامتا يصغي السمع لما يقوله والدي، لكن وجهه انطبعت عليه علامات النفور والملل، ثم زفر بضيق وقال: "أنا الآن في عطلة طويلة.. أخي يحتاج للكثير من العلاج والمتابعة.. بصراحة آخر همي العمل"، ثم صمت حازم فجأة ويبدو أن أبي قد وبخه بحدة لأنه أبعد الهاتف عن أذنه قليلا، ثم أعاده مجددا لكي يتمكن من الحديث، وقال: "أعتقد أنني كنت أعمل بجد بما يكفي طوال الفترة الماضية ووفيت كل ما عليّ من ديون.. والآن أنا في حاجة لعطلة طويلة.. أو بعبارة أخرى.. أنا لن أعمل لديك مجددا سيد رحيم.. ابحث عن تابع آخر تجبره على تنفيذ مخططاتك الاستثمارية الطامعة.. بالإذن"، ثم أغلق الهاتف وزفر بحنق وأعاده من جديد إلى مكانه اعلى المنضدة، وأكمل حزم الأغراض وكأن شيئا لم يحدث..

حازم نهر أبي لتوه وأخبره أنه لن يعمل مجددا لديه ثم أغلق الهاتف بوجهه، ويتصرف الآن وكأن شيئا لم يحدث؟

فتحت فمي استعدادا لسلسلة جديدة من الأسئلة، لكن حازم لم يمهلني آية فرصة وقال دون أن ينظر لي بنبرة تعكس مدى ضيقه: "ليس الآن يا طبيبة.. رجاء أوقفي الاستجواب قليلا.. لقد شارفنا على انتصاف النهار ولم ننته بعد من حزم كل الأغراض.. لنكمل الآن فالسيارات في طريقها إلى هنا، وبعدها.. سيكون هناك وقتٌ للحديث ولإشباع فضولك وتهدئة حيرتك".


يتبع

ملك جاسم likes this.

مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 26-06-21, 06:05 PM   #518

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 الفصل الثامن عشر - القسم الأخير

بعد ساعتين من حزم الأمتعة والأغراض من شقة حازم إلى صناديق سيارات النقل الضخمة، بدأت رحلتنا إلى المنزل الجديد، حيث اصطحبني حازم إلى سيارته، وقاد الموكب طوال الطريق إلى الأطراف المتاخمة لحي المقطم، ثم توقف أمام منزل صغير بُني على هيئة فيلا حديثة التصميم بواجهة باللون الكريمي المائل إلى الأصفر، وبتصميم عصري أنيق يشبه المنازل المصممة على طراز المدن الأوروبية الواقعة على ساحل البحر المتوسط.

أشار لي حازم بالنزول ثم غادر مقعده، فترجلت من السيارة وتبعته بالدخول إلى المنزل واستكشافه..

تحركت بضعة خطوات لأجد باحة أمامية يزينها حمام سباحة صغير، وخلفها منزل صغير من طابقين.. يبدو أصغر كثيرا من منزل والدي.. بل ربما تكون مساحة البيت كله بحوض السباحة مماثلة لمساحة الحديقة المحيطة بمنزل والدي..

توجهت إلى داخل المنزل، لأجد صالة استقبال واسعة نوعا ما، حيث تم تأثيثها بالفعل بديكورات عصرية ولكن هادئة بعيدا عن التصميمات ذات الألوان الصاخبة.. وكانت بقايا رائحة الطلاء الحديث مازالت واضحة برغم رذاذ معطر الجو الذي يغلف المكان..

جاء صوت حازم من الخلف هادئا وهو يقول بروتينية: "هذا الطابق مخصص لاستقبال الضيوف، وكذلك سيكون به جناحا خاصا بحسام، به غرفة نومه وغرفة أخرى للكتابة واستقبال أصدقائه، بالإضافة لقاعة الرياضة والعلاج الطبيعي حتى يبدأ رحلة العلاج الخاص به.. لقد وصلت أغلب الأجهزة التي يحتاجها، وسأحضر له المزيد إذا طلب الأخصائيون. وهناك بالطبع مصعد إلكتروني لكي يتمكن من الصعود إلى الطابق الأعلى بسهولة إذا أراد ذلك.. أما الطابق العلوي، فسيكون به غرف النوم والعمل لكلينا، وسأقوم بتحويل سطح المنزل إلى حديقة علوية وسأملأها بالزهور والنباتات دائمة الخضرة.".

نظر لي حازم بتردد، ثم أكمل: "عذرا يا طبيبة لا أستطيع توفير المساحة الكافية لكي تمارسي رياضة الركض كما تحبين، ولكن سأوفر لك جهازا للجري أو يمكنك الاشتراك بأحد الأندية القريبة إذا أردتِ".

كنت منبهرة بتركيزه على توفير سبل العلاج والراحة لشقيقه لدرجة أنني لم أنتبه فورا إلى ما قاله تاليا..

في الحقيقة تجاهلت ما ذكره عن حبي للركض في الهواء الطلق.. وركزت على المعلومة الأخطر..

هل قال غرف النوم والعمل الخاصة بنا ستكون في الأعلى؟ هل يظن حقا أنني سأنام برفقته؟

بادرت بسؤاله قبل أن يستطرد في الحديث: "مهلا.. هل قلت غرف النوم والعمل بالأعلى؟ كم غرفة تحديدا للنوم؟"..

كاد حازم أن يهم بالرد ولكن قطعه تحرك العمال حاملين الصناديق والحقائب إلى داخل المنزل، وأشار لهم حازم نحو غرفة جانبية فارغة لكي يضعوا فيها الصناديق برفق، مشددا على ضرورة انتباههم للصناديق الممهورة بتحذيرات (قابلة للكسر) بالأقلام الملونة..

عاد بعدها بخطوات متسارعة نحوي واندفع قائلا بنبرة محتدة ولكن خفيضة بذات الوقتٍ: "أنت لم تتعلمي الصبر أبدا.. ألستِ كذلك؟".

طالعني بعدها بنظرة بطيئة متفحصة شملتني من أسفل لأعلى، ثم ارتسمت على وجهه علامات عدم الرضا، وتابع: "قلتِ لكِ مرارا أنكِ لستِ نوعي المفضل، فأنا أحب النوع الأنثوي الناعم شديد الغنج والدلال"، وأكمل بغمزة من إحدى عينيه: " ولهذا فأنا لست متلهفا على النوم برفقتكِ.. هناك غرفة نوم مخصصة لكلٍ منا.. ولكن عليـــ".
قاطعته بحذر قبل أن يكمل: "ولكن ماذا؟ ماذا تنوي؟" ..

ابتسم هو بسخف، ثم رد: "سترين.. فورا" ثم قبض على راحة يدي بيده الغليظة محتجزا أصابعي بين أصابعه القاسية وسحبني خلفه إلى الطابق العلوي قاطعا درجات السلم اثنتين في كل خطوة، وأنا أتبعه بالكاد ألحق به بينما أحاول عبثا سحب يدي من قضبان أصابعه الصلبة التي تسجنها بينها كمخالب فولاذية.

فور أن وصلنا إلى الطابق العلوي كان هناك ممر يتخذ شكل المستطيل الذي يتوسط أحد ضلعيه الطويلين لوحة على شكل غزال صحراوي يحتضن بقرونه الممتدة أغصان شجر وارفة تزينها الزهور البرية.. وأسفل اللوحة، كان هناك مقعدان ومنضدة صغيرة يستقر عليها تصميما رخاميا يشبه المزهرية، ويبدو لمن يركز على التصميم المنحوت أن الزهور التي تزينه هي نفسها التي تنبثق من قرون الغزال البري.

ترك حازم يدي ثم فتح بابا على يمين استراحة الممر الصغيرة، وأشار لي لأتبعه..

بعد أن دلفنا، قال بصوت خفيض وكأنه متأكد أنني قد تبعته بالفعل دون النظر خلفه لاستطلاع الأمر: "هذه غرفة النوم الرئيسية.. أنا سأنام هنا.. وأنت ستنامين في الغرفة الملحقة بها.. انظري.. هاتان الغرفتان لهما بابان خارجيان، ولكنهما متصلتان من الداخل بهذا الباب الصغير، والذي يمكنك إغلاقه من جهتك".

كدت أمسك بأطراف الكلام وبداخلي عشرات التساؤلات والاعتراضات، لكنه قاطني متعجلا بحنق: "لا تعترضي الآن.. فقط تفّهمي أن خصوصيتك محفوظة بالكامل.. ولكن الآن أخي سيعيش معنا، وسيكون هناك عمال تنظيف وصيانة ومدبرة للمنزل، ويجب أن نحافظ على الشكل العام رغم كل شيء.. حتى إذا كان زواجنا زائفا وننام بشكل منفصل، فهذا أمر خاص ولا يجب أن يعرفه كل العالم.. أنت ستدخلين غرفتك من خلال هذه الغرفة، ثم ستتوجهين إليها عبر هذا الباب الداخلي وتتمتعي بحريتك كما تشائين.. وهي مزودة بحمام خاص أيضا".

تجاهلت اهتمامه بمنحي بعض الخصوصية.. وركزت على فكرة مغايرة تماما انبثقت برأسي كومضة خافتة ثم بدأت في الاشتعال لتضيء بصورة لا يمكن غض الطرف عنها..

ورغم أنه مازال هناك شيء بداخلي يركز على إغاظته واستفزازه، إلا أن كل ذلك كان للتغطية على تلك الفكرة، رافضا التسليم باحتمالية أن يكون حازم حقا شابا لطيفا ومهذبا..

غمغمت بضيق: "ليس وكأنني يمكنني الاعتراض.. صحيح؟ لقد رتبت الأمر بطريقة مثالية لكي تريح رأسك من الإزعاج وتضعني في منفى أنيق وفاخر طوال فترة احتجازك لي.. لا بأس.. من الجيد أننا لن نستمر طويلا"، ليفاجئني هو بابتسامة ساخرة ملء فيه دون أن يرد..

ولكي أمسح تلك الابتسامة الغبية عن وجهه، نظرت إليه بقسوة ونفور، ثم هاجمته بضراوة بتعليقي المباغت: "لا أفهم سر تلك الابتسامة الغبية التي ترتسم على شفتيك وكأنك قد حققت لتوك انتصارا رائعا بتأثيثك لهذا المنزل.. ليس وكأن أموالك حلال على كل حال".

حدث الأمر سريعا دون حتى أن أزفر أنفاسي..
في لحظة كان حازم على بعد عدة خطوات.. وفي الثانية كان أمامي مباشرة يكاد يلتصق بي، وحفيف أنفاسه يضرب وجهي بلهيب الحنق معلنا نفاد صبره، وذلك عندما قبض على ذراعي بكلتي يديّ وقال بحدة: "أنظري إليّ.. أنا لم أجهز هذا المنزل من أجلك.. صحيح أنني عجلّت بشرائه وإنهائه بسبب الظروف الأخيرة التي فرضت نفسها.. لكنه ليس لكِ.. هذا المنزل كان حلما.. من أجلي وأخي.. كان من المقرر أن يكون هو بدايتي الجديدة.. ونقود تأثيثه كلها من الحلال.. وبعيدا عن أموال والدك السوداء، والتي هي حقي في كل الأحوال نظير عملي، غير أنني أنا من زهد فيها مكتفيا فقط بالعمل لديه وتحمل ابتزازه لسداد ديني لديه"..

فغرت بين شفتيّ لأتحدث.. لكن حازم أحكم قبضته على رسغيّ دون أن يسمح لي بفرصة للتعليق، ونهرني قائلا بحدة وضيق: "لا تقاطعيني.. استمعي فقط.. أنا الآن لا أبرر لكِ.. ورأيك لا يهمني على الإطلاق.. أتدرين لماذا يا طبيبة؟".

صمت لبرهة، وأنا أسدد نظرة متسائلة لعينيه، فأكمل: "لأنكِ لستِ منصفة.. برغم ذكائك الحاد، إلا أنك تصرين على رؤية الأمور من زاوية واحدة فقط ومن منظار ضيق للغاية لا يعطيك الصورة كليا.. فقط حتى تثبتي صحة استنتاجك.. هل هذا ما تعلمتيه في الكلية؟ أن تقومي بتشخيص المرض وفق العوارض الظاهرية؟ دون نظرة ثانية متفحصة عبر الأشعة والتحاليل للتأكد من صحة تشخيصك؟ أشفق من الآن على المرضى الذين ستعالجينهم وفقا لأهوائك وقناعاتك الشخصية وليس نتيجة لتشخيص موضوعي دقيق".

كنت أريد أن أصرخ فيه (وهل كان أمامي فرصة لأكتشف كل الحقائق؟ هل تركتم لي آية معلومة تجعلني أنظر للأمور بشكل موضوعي؟ كل ما بنيته من آراء هو نتيجة ما اقتنصته أنا من معلومات واستنتاجات بينما أنت وأبي تخفيان كل شيء عني)..

لكن حديث نفسي لم يجد له صوتا، لأن حازم كان مصرا على الانفراد بالكلام بعد أن أصابته نوبة غضب نادرة، حيث أكمل قابضا على معصميّ باهتياج مسددا المزيد من حمم غضبه، ورغم ذلك فقد حافظ على نبرته المحتدة خفيضة دون صراخ: "إليكِ بعض المعلومات.. كنت أدخر أموال هذا المنزل لسنوات من استثماراتي الخاصة في البورصة، ومن الودائع التي كنت أضعها في البنوك من أرباح استثمارات البورصة، بالإضافة للعمل بالوساطة في تجارة الxxxxات الصغيرة.. حقيقة وليست استنتاجا".

التقط أنفاسه، ثم تابع: "كما أنني قمت ببيع الشقة الأخرى، وهذا ما سهل توفير الأموال السائلة لشراء المنزل وتأثيثه بسرعة وتجهيز صالة الجيم الرياضية المجهزة من أجل حسام.. حقيقة أخرى..".

ترك حازم معصمي، ورفع يديه يملس براحتيه على جبهته ببطء، ثم أنزلهما وقال: "ورغم هذا فإنني لم أتمكن من توفير ثمنه بالكامل دفعة واحدة، وما زال أمامي بعض الأقساط التي سأدفعها للشركة صاحبة المشروع الxxxxي فور أن تعود البورصة للعمل وتنتعش استثماراتي من جديد.. كما أن هناك بعض الغرف بالمنزل التي لم أؤثثها بعد.. فلا تتهميني بعد الآن أنني سأنفق على علاج أخي من أموال ملوثة بالدماء..".

استدار حازم بضيق وتحرك خطوتين قاصدا الخروج من الغرفة، لكنه عاد فجأة ليقف أمامي من جديد، وهو يقول بحدة: "معلومة أخرى.. تلك الدماء التي خضبت أرض الميدان يوم الثاني من فبراير لم أكن مسؤولا عن إراقتها.. لم أكن يوما مسؤولا عن إهدار روح إنسان.. ليس وكأن عليّ أن أحضر لكِ دليلا.. إن قلت لم أفعل.. فلم أفعل.. قولا واحدا.. حتى لو كنت واقفا وسط المجرمين وقطاع الطرق.. لكن أتعلمين ماذا؟ أظنني أنني حتى وإن أحضرت لك دليلا دامغا لا يحتمل الشك، فإنكِ لن تصدقي سوى ما قد ملأتي به رأسكِ بالفعل.. أنتِ كتبتيني في قاموسك مجرما وانتهى الأمر.. وأنا لن أدور حول نفسي باحثا عن أدلة وبراهين لأغير قناعتك.. تشغلني أمور أهم".

أنهى حازم كلماته بغضب.. لا أعلم مني أم من أبي أم من نفسه.. ولكن عينيه اللتين امتلأتا بالكراهية فجأة ظلتا تصوبان لمقلتيّ نظرات لائمة مغتاظة.. وقبل أن أقرأ المزيد بهما استدار مجددا وغادر الغرفة بخطوات سريعة.

۞۞۞۞۞۞۞۞۞

بعد مغادرة حازم، جلست داخل غرفة النوم اللعينة لعدة دقائق أفكر جيدا في كلامه عن البداية الجديدة وعن إصراره على أنه لم يجهز المنزل إلا بأموال حلال وإصراره على زهده في أموال أبي وعدم إراقته للدماء.. هل يقصد ما حدث في التحرير أم أن هناك أسرارا أخرى تجمعه بوالدي؟

كالعادة، ازداد الصخب داخل رأسي مصيبا روحي بالضيق والإجهاد، فقررت في النهاية أن أضع تلك الملاحظات جانبا في الوقت الراهن لكي أستكشفها لاحقا.

عدت للطابق السفلي للبحث عن حازم، عندما وجدته في غرفة المعيشة التي تأثثت بثلاث كنبات ضخمة تواجه منضدة زجاجية بتصميم عصري غريب، وأمامها شاشة عرض LCD ضخمة.

كان حازم على ما يبدو قد قام بتشغيل التليفزيون لكي يهدأ بعضا من انفعالاته الهائجة بعد انفجاره الغاضب بالأعلى قبل عدة دقائق..

حين انتبهت إلى ما كان يشاهده، ارتسمت علامات الدهشة على وجهي، فاقتربت بخطوات متسارعة وصحت فيه بانفعال ودهشة لا سبيل للسيطرة عليهما: "رجاء.. ارفع الصوت بسرعة" ثم قفزت لكي أجلس عند طرف الكنبة الأقرب للشاشة التي كانت تعرض بيانا إخباريا مزيلا أسفلها بحروف بارزة تؤكد ما كان يقوله المذيع بنبرة رزينة: (بعد قليل بيان عاجل من رئاسة الجمهورية).

بعد بضع دقائق أخرى، ظهر على الشاشة مذيع نشرة الأنباء العاجلة، وهو يقول بنبرة متوترة مخالفة لطريقته المتعقلة في ظهوره السابق: "أيها السادة.. ننتقل بكم الآن إلى بيان يلقيه السيد نائب رئيس الجمهورية"، ليظهر الأخير على الشاشة وهو يعلن بكلمات مقتضبة نبأ تنحي الرئيس عن رئاسة الجمهورية وتسليمه مقاليد الحكم لنائبه.

وأنا..
أنا صرخت فورا وقفزت من مقعدي ويداي أخذتا ترتفعان في الهواء مرارا وحالة من الضحك الهيستيري المختلط بالدموع تسيطر عليّ..

وبصدر يمتلئ بنشوة الانتصار والظفر، غادرت الغرفة مسرعة بحثا عن الحقيبة الخاصة بجهاز اللابتوب الخاص بي، ثم ولجت فورا إلى مدونتي وكتبت كلمتين فقط: "لقد فعلناها".


نهاية الفصل الثامن عشر..
وسأقوم بنشر الفصل التاسع عشر خلفه مباشرة عبر المشاركات التالية
وأكمله عبر الصفحة التالية

ملك جاسم likes this.

مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 26-06-21, 06:12 PM   #519

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 الفصل التاسع عشر - القسم الأول

الفصل التاسع عشر

شروق


لقد تغير كل شيء..
إنه ذلك الشعور الذي يصيب الإنسان عندما يتلقى ترقية مستحقة في عمله بوقت غير متوقع، مضافا إليها هدية مفاجئة من شخص عزيز يعترف له بالكفاءة والتفوق، ومجموعا عليهما حالة انتشاء شكّلها مزيج من الألفة والبهجة والاكتفاء نتيجة تحقيق إنجاز فوق العادة..

انتابتني دفقة من الحيوية والحماس فور أن استمعت لبيان تخلي الرئيس عن منصبه، فملأتني بالأمل والحبور برغم ما يعصف بحياتي الخاصة من زوابع وأعاصير هوجاء لا تنبئ بأي استقرار قريب.

لا يهم.. لم يعد شيء يهم طالما أن الوطن في طريقه للتحرر من غيمة الظلم والفساد التي ظللت سمائه لسنوات طويلة فبدّلت أجواؤه المنعشة بأخرى سببت لقسماته الشيخوخة والهزلان..

في تلك اللحظة تحديدا، أصبحت أكثر ميلا للمهادنة.. أي أنني لا أمانع أبدا تعليق كل الصراعات مع حازم وأبي حتى إشعار آخر، طالما أن الحلم الأكبر قد تحقق الآن وصارت البلاد على شفا الوصول إلى لحظة الإنجاز.. بعد أن مددنا الطريق خلال ثمانية عشر يوما فقط نحو غدٍ جديدٍ..

نحو حياة خالية من البؤس والجهل والمرض والطبقية.. خالية من التسلط والجبروت والوساطة والمحسوبية والفساد.. يتساوى فيها الجميع أمام القانون ويكون لكل مواطن حقوقه وحريته الكاملة دون خوف من ظلمٍ أو تنكيل.. يكون فيها رجال النظام معينين من قِبل الشعب.. لهم حقوق وامتيازات وعليهم واجبات ومتطلبات، بدلا من نظام كان يمارس السلطة الأبوية الغاشمة نحو المواطنين.

نحو مستقبل زاهر.. مُعبدا بالأمان والتنمية والديمقراطية.. والبداية اليوم.. سنكتب دستورا جديدا ونؤسس نظاما ديمقراطيا حقيقيا يحتذي به العالم..

اليوم تعانق حضارتنا مستقبلنا ونستعيد عنفواننا السابق ونبرز للعالم كقوة سياسية وثقافية سجنتها سنوات من الشمولية فمنعتها من الازدهار والتقدم والاضطلاع بمكانتها التي تستحقها.

منذ بث بيان تخلي الرئيس عن سلطاته رسميا واعترافه بنجاح ضغط ثائري الميدان، وأنا في حالة غريبة من النشاط.. والتجاهل..

نعم.. صرت أتجاهل حقيقة أنني مقبلة على العيش في منزل لا يخصني ومع شخص غريب لا يشبهني لفترة قد تطول لعدة أشهر، لكنني حجبت كل ما يرتبط بتلك الحقيقة من مسببات للغضب والتمرد.. والقتال..

الآن وقت الاحتفال.. وبعدها أعود للقتال..
فور انتهاء البيان وكتابتي لتدوينتي القصيرة، تحوّل هاتفي لما يشبه المنبه التالف عتيق الطراز الذي يظل يرن كل ساعة، فقد تلقيت عشرات الإشعارات المنبئة بوصول كم هائل من رسائل التهنئة من عشرات من أصدقاء الفضاء الإلكتروني المهتمين بعالم السياسة..

حتى حنان التي لا تحب الحديث بأمور السياسة ولا تهتم بها، هاتفتني لكي تهنئني وتحتفل معي بإعلان انسحاب الرئيس من الساحة السياسية برمتها وإيقاف ملف التوريث نهائيا.

حين هدأت قليلا من حالة الغبطة الهائلة التي سيطرت عليّ لبضع ساعات، وجدت نفسي مقبلة بنشاط على إكمال ترتيب أثاث المنزل.. ربما تحمسا لاستقبال حسام.. أحد الثائرين الصادقين الذين دفعوا ثمنا غاليا من أجل أنفاس الحرية ونشوة النصر التي أعيشها وغيري من الملايين الآن.

كنت أرتب بعض أدوات المائدة داخل خزانات المطبخ، عندما اندفع حازم إلى الداخل بشكل عاصف مادا هاتفه نحوي وهو يقول بنبرة هادئة تناقض اشتعال عينيه بشيء غير مفهوم، حيث قال: "هاكِ يا طبيبة.. أخي حسام يريد محادثتك"..

أخذت الهاتف منه، ورفعته إلى مسامعي وأنا أقول بحبور شديد: "مرحبا يا بطل.. كيف حالك اليوم؟"..
رد حسام بحبور صريح: "بخير حال كما ترين.. لم تكن التضحية بلا قيمة.. مبارك لنا.. لقد غادر أخيرا من جثم على أنفاسنا لثلاثة عقود"..

أجبته بابتهاج مماثل: "طبعا.. طبعا.. تهانينا.. الآن سنصبح في مصاف الدول الديمقراطية وخلال سنوات قليلة سنستعيد مكانتنا العالمية كما نرجو"..

انتبهت لصوت ساخر أصدره حازم وكأنه يقلل من قيمة ما أنجزناه في ثمانية عشر يوما فقط، فالتفتت إليه وزجرته بغضب رافعة أحد حاجبي مستنكرة ما صدر منه، فاستدار هو وغادر المطبخ ليتركني أتحدث بحرية مع أخيه..

هل كان واقفا منتظرا هاتفه منذ بدأنا الحديث؟
رجل غريب الأطوار..

قال حسام بمزح: "أين ذهبتِ يا دكتورة شروق.. كنت أخبركِ أن الأطباء هنا قد أقاموا احتفالا خاصا بتلك المناسبة، وقاموا بتدليل جناح المصابين من الثوار بشكل خاص.. كل المصابين هنا يأكلون الحلوى الآن.. صدقا أشعر بالفخر وأتمنى أن تكلل جهودنا بالنجاح فيما هو قادم".

أجبته بكياسة: "مهلا يا حسام.. أنت قد أديت بالفعل ما عليك.. ومنذ الآن عليك أن تنتبه لنفسك وتبدأ مشوار علاجك بعزم وطاقة من أجل العودة للسير على قدميك بيسر.. كما أن عليك أن تركز في حياتك المهنية.. أخبرني حازم عن طموحاتك الفنية.. أرجو أن أراك واحدا من أكبر كُتاب السيناريو في العالم العربي".

رد حسام بنبرة متحمسة: "لا تقلقي يا شروق.. سأحقق هدفي بإذن الله.. ومنذ إصابتي لم يعد لديّ سوى الوقت لشحذ مهاراتي خاصة وأن لدي الكثير من القصص الملهمة الآن.. أريد أن أكتب شيئا واقعيا بعض الشيء يخلد ذكرى أعظم اعتراض سلمي على مر التاريخ".

أجبته بفرحة حقيقية: "فكرة رائعة.. أنا سعيدة جدا جدا.. أريد أن أقرأ السيناريو فور أن تكمل العمل عليه.. وأثق أنه سيكون عملا مميزا للغاية.. أنت رائع وملهم"..

من خلفي سمعت صوت نحنحنة حازم وسعلاته المتسارعة.. على ما يبدو قد تسلل بعضا من الماء إلى مجرى التنفس الموصل لرئتيه فصار يحاول بصخب إجلاء حلقه المتحشرج بالألم بهدف تنقية قصبته الهوائية.

اضطررت لإنهاء المحادثة مع حسام، واستدرت لكي أعيد لحازم هاتفه، لأجده قد استعاد طبيعته وتخلص من تلك الحشرجة الغريبة..

أخذ حازم مني الهاتف، ثم قال بتحفز غريب: "هيا اصعدي لأعلى.. رتبي غرفتك.. لقد وضعت حقيبتك وأغراضك أمامها"، ثم استدار وعاد من حيث أتي.

صعدت إلى الغرفة التي خصصها حازم لأجلي بالطابق الثاني، وهممت بنقل صندوق ضخم كان غطاؤه مفتوحا كاشفا محتوياته الداخلية.

الصندوق كان يحتوي على الكثير من مستحضرات العناية بالبشرة وأدوات الاستحمام والزينة والنظافة الشخصية النسائية.. يبدو أن حازم قد قام بتفريغ المستحضرات الخاصة به وترك لي مهمة ترتيب ما يخصني كما أحب.

لكن أغلب تلك المستحضرات لا يخصني.. هل اشتراها من أجلي؟

حملت الصندوق وتوجهت به نحو الحمام الملحق بالغرفة، ولكن أثناء مروري من باب الغرفة الداخلي، اشتبك أحد خيوط قبعتي المنسوجة يدويا بخيوط التريكو بأحد الأسلاك المتدلية من أعلى الباب ساحبا معه بعض خصلات شعري ليلتف حولها بطريقة شيطانية.. وكلما حاولت التحرك، كان شعري ينجذب بعنف، فيصيبني بصاعقة ألم مفاجئة.

جربت الانحناء لوضع الصندوق على الأرض، ولكن الألم كان يزيد..
لا فائدة.. يجب عليّ أن أطلب مساعدة الأحمق الطويل.

"حازم... يا حااااااااااااااازم... أسرع.. أسرررررررررررع يا حااااااااااااازززززم"..

بعد عدة ثوانٍ من نداءاتي المتكررة، سمعت صوت اندفاع الباب الأمامي للغرفة ثم خطوات مسرعة كانت تقترب مني بشكل متواتر، وبعدها توقفت الحركة خلفي تماما، ثم جاء صوته هادئا: "ماذا هناك؟ هل حدث لك شيء؟"، لأصيح في غضب: "ألا ترى؟ لقد علق شعري في هذه الأسلاك اللعينة.. لماذا هي متدلية هكذا من الأساس.. منزل غبي.. هيا خلصني من هذا الشرك"..
شرع حازم في فك التشابك بين خصلات شعري وقبعتي وتلك الأسلاك في صمت.. دون أن يعلق على أيا من كلماتي المحتدة.. أو يأخذ عني الصندوق الثقيل..
مستفز...

صحت به مجددا: "ماذا تفعل؟ خذ هذا الصندوق من يديّ أولا.. لقد تخدرتا بالكامل"..

حمل هو الصندوق ووضعه جانبا، ثم أمسك بذراعيّ ليديرني نحوه برفق وكأنه يقودني على المنصة في رقصة بطيئة صامتة أمام جمهور خفي، لأجد نفسي في مواجهته بعد ثوانٍ من الالتفاف بسلاسة وتناغم غريب.. حتى أنني لم أشعر بأي ألم في خصلاتي المشدودة..
كيف فعلها؟

كانت المسافة بيننا قد دخلت حيز الاقتراب الخطر.. وأنا.. واقفة بحذر كتمثال روماني عتيق قد تجمد عبر الزمن على وضعية واحدة..

كان حازم مازال شاخصا أمامي، لكنه متوقف بلا حراك، فرفعت عينيّ قليلا بآلية لم أفهم مصدرها.. لأجد عيناه تحكمان تركيزهما كليا أعلى ذقني قليلا، بينما يزدرد ريقه ببطء شديد تهتز له تفاحة آدم برقبته.. أما يديه، فظلتا على جمودهما تطبقان على ذراعيّ وكأنه يخشى أن أهرب..
كيف أهرب وأنا عالقة بين الأسلاك.. وشرك عينيه.. واقترابه الخطر!!

مرت دقيقة أو ساعة.. لا أدري.. قبل أن تزيدني الشرارات الكهربية المتلاعبة بيننا توترا، فأخذت أرفع يديّ لأدفع صدره بهما قليلا ليستعيد هو انتباهه ويتخلص من جموده..

حين تناثرت الشرارات الكهربية بعيدا وتطايرات في كل الاتجاهات، سحب حازم يديه بسرعة عن ذراعيّ متسببا في اندفاعي للخلف قليلا لتنجذب خصلات شعري بعنف من جديد مفجرة موجات من الألم دفعتني للصراخ بوجع حقيقي: "آاااه.."..

نظر حازم نحوي فاغرا فمه وقد جاء دوره هذه المرة ليكون هو التمثال المتجمد في مكانه، فهتفت فيه بإلحاح: "هيا.. فك شعري من بين تلك الأسلاك"..

كلماتي أفاقت حازم من خدره المغيظ، فتخلص من جموده، وحرّك ذراعيه أمامه حتى وصلت أصابعه لشعري دون أن يقترب خطوة واحدة، وأخذ يعمل بتركيز عاقدا حاجبيه ومضيقا عينيه وهو يقوم بتفكيك الخصلات من بين الأسلاك وخيوط القبعة التي تلفت تماما.
لكنه للحق، فعلها دون أن يتسبب لي في مزيد من الألم..

انتهى حازم من فك خصلات البنية المائلة إلى الحمرة التي انسدلت بحرية على ظهري وكتفيّ كاشفة عن طولها ونعومتها، ثم رمى القبعة على الأرض مطلقا ضحكة غريبة الوقع وهو يتخصر بيديه وكأنه قد سمع نكتة سخيفة لتوه.

ما الداعي لضحكته السخيفة الهازئة الآن؟
وتماهيا مع السؤال الذي يضرب جنبات رأسي، صحت به بانزعاج، وأنا أشير بسبابتي نحو صدره: "أنت.. لماذا تضحك الآن؟"..

رد هو بابتسامة ساخرة: "لأنكِ لستِ صلعاء كما كنت تريدين أن توهميني"، ثم التمعت عيناه بتوهج تحاشيت تفسيره حاليا، وأكمل متسائلا بنبرة مغتاظة: "أين كنت تخبئين كل تلك الخصلات؟"، ثم تابع بصوت مبحوح من الذهول: "كنت أظن شعرك قصيرا".

ضيّقت ناظريّ وحدقته زاجرة، فازدرد ريقه، ثم أكمل بجدية مفتعلة: "احم.. أااا.. هيا أكملي ما كنت تقومين به"، ثم أشاح بيديه بعدم اكتراث، وابتعد خطوتين للخلف..

هممت للبحث عن شئ لكي أغطي شعري، فقال هو باعتراض بعد أن استنتج على الأرجح ما أنتويه: "ربما عليك أن تتركي شعرك منسدلا من وقتٍ لآخر.. ليس وكأنك ترتكبين ذنبا بإظهاره أمام زوجك.."

ارتبكت أنا من جديد واشتعل الغضب بداخلي مغلقا مفاتح ذكائي فجأة، فلم تسعفني أفكاري المبعثرة بردٍ حاذق.. فأخذت أملس على خصلاتي بارتباك وكأنني أعددها كي أطمئن عليها، ثم قلت باندفاع واستنكار أول ما طرأ على ذهني: "لقد تلفت قبعتي وكاد شعري أن يتمزق.. هل أنفقت كل تلك الأموال على هذا المنزل لكي تترك في النهاية الأسلاك ساقطة في كل الأركان مثل الثعابين الزاحفة التي تبحث عمن تلدغه؟.. هذا أمر جنوني مثير للحنق".

عبس حازم وتبدلت ملامحه..
جيد..

لكنه زفر بضيق، ثم عقّب: "هذه أسلاك توصيل شبكة الانترنت.. وتم تركيبها مساء الأمس فقط، ولذلك لم يتم تثبيتها بعد.. سأقوم بتثبيتها مؤقتا خلال دقائق"، ثم أنزل نظراته ببطء مغيظ من عيني إلى شفتيّ، وتلكأ لبضع ثوانٍ قبل أن يستدير ويغادر الغرفة في صمت.


يتبع في المشاركة المقبلة


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 26-06-21, 06:18 PM   #520

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 الفصل التاسع عشر - القسم الثاني

ساعات مرت وكلانا منشغلان بالترتيب حتى صار المنزل بالفعل منظما ومفروشا بتنسيق مقبول وشبه قابل للحياة بين جدرانه..

بينما كنت أتجول في الجناح المخصص لإقامة حسام في الطابق السفلي لكي أتفحص مدى جاهزيته لاستقبال وصوله إلى المنزل في هذا الوضع الصحي الدقيق، جاء حازم حاملا بين يديه سلة من القش وبعض المفارش ووسادتين أرضيتين صغيرتين وأومأ لي برأسه لكي أتبعه نحو صالة الجيم المجاورة لغرفة حسام التي كان هو قد انشغل بترتيبها لبضع ساعات، خاصة إعداد مكتبته الجديدة بنفس التنسيق الذي يفضله أخوه.

تبعته بخطوات متمهلة بعد أن نال الإرهاق مني مناله، لكن حازم لم يظهر عليه آية بوادر للإجهاد، حين شرع في بسط أحد المفارش في منتصف القاعة ووضع عليه الوسادتين بنفس حيويته المعتادة، ثم أخرج أطباق المخبوزات.

بعدها تحرك للخارج وعاد بحافظة مثلجات ضخمة، وضعها على الأرضية بجوار السلة، وأخرج منها صندوقا بلاستيكيا يحتوي على العديد من قطع الفواكه المحفوظة باردة بداخله، بالإضافة لمجموعة من زجاجات المياه والعصائر ورتبها فوقه ليحوله إلى منضدة صغيرة، ثم تهاوى إلى إحدى الوسادتين وتربع في جلسته، مشيرا بيده لكي يحثني على أن أقوم بالمثل، ففعلت دون معارضة إذ بدأت معدتي تعلن عن حاجتها للطعام بصخب صريح محرج فور أن شاهدت الأطباق المتراصة أمامي، والتي سال لها لعابي في تلك اللحظات.

طفقنا نأكل في صمت.. وبعد بعض الوقت أخذت أختلس النظرات المراقبة لحازم بعد أن لفت نظري شروده الغريب رغم التزامه بتناول لقيمات الطعام بشكل آلي وكأنه لا يشعر بما يأكله ولا يستطعمه من الأساس، كما علا وجهه عبوس غير مفسر..

ربما.. ربما حان الوقت لكي يتحدث أخيرا..
لو يفصح فقط عن بعض أسراره الغامضة..!

بادرت بالحديث بلطف وبنبرة خالية من آية نية لافتعال المشكلات أو تسليط وابل من الكلمات المحتدة على رأسه، حيث سألته: "هل نتحدث قليلا بصراحة؟"..

تجمد هو للحظة، ثم عاد لمضغ ما كان يتناوله بهدوء وكأنه لم يسمعني من الأساس، وبعد أن ابتلع لقمته ودون أن يناظرني، أشار لي براحته لكي أتكلم، مدعيا عدم الاكتراث..
لا بأس.. لنبدأ.

"هل تعرف المخرج عمرو سعيد كساب بصفة شخصية؟ أقصد هل قابلته وجها لوجه من قبل؟"..

حافظ حازم على نظراته المثبتة على أطباق الطعام، وبدأ بسحب قطعة أخرى من المخبوزات ببطء فلم أتمكن من رؤية انفعالاته في تلك اللحظة إلا من بروز مفاجئ لوريد ملاصق لرقبته معبرا عن توتره، لكنه قال بلهجة روبوتية متحاشيا النظر في اتجاهي كلية: "لا أظن ذلك"، ثم رفع اللقيمة إلى فمه وأخذ يلوكها بنفس الهدوء..

استطردت بلهجة متسلية لم أستطع مداراتها: "إذًا ما سبب رد فعلك الغريب عندما ظهر على الشاشة تلك الليلة؟ لا تنكر يا حازم.. ظهر عليك حين شاهدته على الشاشة أنك قد تعرفت على ملامحه.. وأنها ليست المرة الأولى التي تراه فيها.. بل إن لك ذكرى معينة معه.. وأنا أظن أن عملك لا يشمل مقابلة مخرجي السينما في أوقات فراغك"، ثم ضربت بسبابتي على شفتي مدعية التفكير وأنا أتساءل بنبرة فضولية: "فما الموقف الذي قد يكون جمعكما معا يا تُرى؟"..

صدرت عنه سعلة شديدة بعد أن ابتلع طعامه فجأة، ولكنه اكتفى بتلك السعلة كرد فعل يتيم دون أن يعلق بآية كلمة.

ناولته زجاجة الماء، ليشرب القليل ويستعيد سيطرته على تنفسه بشكل طبيعي، لكنه لم يرد، فألححت أنا عليه لكي يرد، وعقّبت بصوت مرتفع قليلا متساءلة من جديد: "إذًا؟"..

رفع حازم حاجبه كرد صامت غير مفهوم، فلم أجد له تفسيرا سوى أنه يرفض التعليق على تلك النقطة بشكل صريح..
وهذا يزيد شكوكي..

فكرت أن أحرك تساؤلاتي إلى اتجاه آخر لعله ينطق بأي شيء.. في النهاية، يجب أن أكون أكثر عزما وحصافة وإذا كنت أريد أن أدفعه ليكشف طوعا بعض أسرار شخصيته الكتومة الغامضة..

وربما كانت هذه هي الطريقة الوحيدة للتعرف عليه حقا بعيدا عن الاستنتاجات التي اتهمني أنني أصر عليها رافضة فتح عينيّ على الحقيقة..

لقد اتهمني أنني أبني تشخيصاتي على المعاينة السطحية للمرضى.. لكن، ألم يعلمني الطب التعرف على طبيعة ودرجة آلام المرضى من شكل جراحهم الخارجية؟..

ربما كانت رسومات أوشامه مجرد ديكورات خارجية لإخفاء جروح كاسحة لا تلتئم أبدا، تصرخ هي بما يصمت هو عن الإفصاح عنه.. بل بما يحرص على كتمانه ما لم يدفعه أحدهم لإبانته جليا..

أخرجني من شرودي بتلك الفكرة صوت حازم وهو يسأل بنبرة هادئة: "لماذا أشعر ببعض التردد الآن؟.. اسألي ياطبيبة".

أطرقت رأسي قليلا وأنا أقاوم بعض الخجل حين جاء سؤالي التالي بنبرة هادئة تداري الانفعال الذي كان يلح عليّ منذ أيام عندما كان الوقت مناسبا لأن أسأله، لكنني جبنت بسبب الحياء: "وما معنى الوشم الذي.. أمم.. الذي يغطي..؟"

ابتسامة جانبية متسلية ارتسمت على وجهه، جعلتني أطرق رأسي وأقطع سؤالي بحرج قبل أن أكمله، ليتساءل هو بغرض التبيان أو ربما دفع المزيد من الحرج لأوردتي لتزداد وجنتي توردا: "أيهما تقصدين؟ ذلك الذي يغطي ذراعي أم الآخر المحفور على ظهري؟".

سرحت قليلا لأتذكر التصميم الغريب للوشم الذي يرتسم على ظهره، وهو عبارة عن طفل صغير يحاول العبور من أسلاك شائكة ويرتدي ملابس تبدو مذرية وبالية بينما تتساقط الدماء من يديه وساقيه خلال محاولته للتسلل أملا في الهروب، بينما يحتمي به طفل آخر أصغر يقف خلفه بملامح باكية مستغيثة، ورغم ذلك فإنه يمسك بيده حجرا صغيرا وكأنه هو من سيتولى الدفاع عن الطفل الأكبر بآية لحظة.. كلا منهما يحمي الآخر ويتلمس منه الحماية في ذات الوقت.. بينما يعلوهما سرب من الطيور التي تحلق في الأفق مبتعدة وكأنها ظلت شاهدة على مأساتهما دون أن تتدخل حتى لم تعد تتحمل فقررت الفرار وتركهما لمصيرهما.. أما ذلك الوشم الثاني على ذراعه فلم أنتبه إليه جيدا ولكن تصميمه بدا غريبا جدا بشكل متشابك.

يبدو أن حازم كان قد قال شيئا وانتظر تعليقي ولما لم أرد بسبب شرودي، أطلق تنهيدة ضاحكة وقال بنبرة خالية من الاستهزاء: "لا بأس يا طبيبة.. لنشبع بعضا من فضولك الذي تتابع صوره على صفحة وجهك بشكل مكشوف..".

حرك بعدها ذراعه مشيرا بكفه تجاه خصره، ثم قال: "هذا الذي يحتضن أسفل ظهري يصورني أنا وحسام ويعبر عن مرحلة ما في طفولتي.. ولا أحب الحديث عنها فلا تسألي عنه المزيد.. أما الوشم الآخر الذي يحتضن عضدي فهو عبارة عن سهم مارق ملفوف بأسلاك شائكة مدببة، مخترقا علامة "شِن" التي ترمز للأبدية عند الفراعنة، وهي كما لاحظتِ عبارة عن حلقة دائرية واسعة ترتكز على مصطبة مستطيلة.. السهم في حد ذاته يرمز للمحاولة والتصميم برغم آلام الماضي، فهو لا يتحرك ويصيب هدفه إلا بسحبه للخلف، وإحاطته بالأسلاك الشائكة تعني المتاعب التي يمر بها الفرد في سبيل الوصول لمبتغاه، والتصميم في تصوري يعني أن الإنسان يجب أن يسعى دائما نحو المستقبل مهما كان ماضيه مليئا بالكوارث والآثام.. وحتى الذكريات المؤلمة"..

توقف حازم قليلا، وحين أكمل كلامه، تغيرت نبرته وأصبحت أكثر قتامة، فقال بصوت باهت لا روح فيه: "أو قد ننظر للصورة بشكلها الظاهري وكأن السهم يخترق الأبدية.. بمعنى أن الشخص لا يعتز بحياته كثيرا ولا يكترث لها ويمرر الوقت سائرا في طريقه.. فقط لأنه يتحين النهاية"، ثم أطبق فمه ولم يتحدث من جديد.

ماذا؟ هل يفكر في الموت؟ أو لأتحرى الدقة.. هل يريد الانتحار؟

دون قدرة على المراوغة أو التمنع، تحركت عيناي في اتجاه الوشم الذي يحتضن ذراعه لأنتبه إليه لأول مرة بعد أن شرح حازم معناه..

تُرى أي المعنيين يقصد؟ هل يريد التقدم نحو المستقبل أم يحاول التحليق نحو الفناء؟

بنفس حالة الخدر التي لفّتني منذ أن بدأ هو الحديث عن وشميه بنبرة كانت تعكس بشكل شبه صريح ما يعتمل بداخله من هموم ومآسي حتى وإن لم يفصح عنها بشكل مباشر، عاجلته بسؤال جديد: "حازم.. أين صورك العائلية؟ لماذا لا تتحدث أبدا عن والدتك؟ أو حتى والدك.. لماذا لم تعرفني على أي من أقاربك في العُرس"..

أخذ حازم نفسا طويلا، ثم أتبعه برشفة من العصير، وكأنه يحاول السيطرة على انفعالات مخبأة بأعمق نقطة داخله لكنها تقاوم للخروج للسطح..

عندما بدا عليه أنه قد نجح في السيطرة على نفسه واستعد جيدا لما يمكن أن يكشفه، بدأ بالحديث قائلا: "لنقل أن والديّ ببساطة رحلا منذ سنوات بعيدة.. لا أعلم الكثير عنهما، ولا أشعر بالفضول نحوهما.. أنا.. فقط.. لا أهتم"..

رغم ادعائه الثبات وهو يقول كلماته الأخيرة، لكن عينيه اهتزتا بتوتر وقد تظللتا بغيمة لامعة من دموع حبيسة لا يسمح لها صاحبها بالإعلان عن نفسها على صفحتي خديه فيتركها حبيسة بين جفونه بقرار متعسف وإرادة حديدية.

شعرت أن محادثتنا ليست مجدية كما كنت آمل.. فقررت في لحظة يائسة أن أعيد المحاولة للخروج منه بآية معلومة حقيقية تكشف نقاب الغموض عن هذا الجانب من حياته، لذا عاجلته بسؤال جديد: "إذًا من رباك أنت وحسام؟"..

ابتلع حازم ريقه ثم أرخى نظره قليلا وقال بجمود: "تدبرنا أمرنا.. هو ليس مثلي على كل حال.. أقصد.. هو وضعه مختلف.. ثم.. ثم.. هناك من ساعدنا"..

استطردت بانفعال خافت كمحققة جنائية: "كيف تدبرتما أمركما؟ ولماذا هو ليس مثلك؟ ومن ساعدكما؟"..

يبدو أن كان يتوقع رد فعلي لأنه أصر فجأة على حشو فمه بقضمة كبيرة وظل يمضع فيها ببطء،
قاصدا أنه لن يقدم لي آية إجابة على تلك التساؤلات..

طرأ على ذهني سؤال آخر كان يملؤني بالفضول من قبل، فاندفعت بتعجل قبل أن يغلق المجال نهائيا بشكل قسري أمام استئناف المحادثة: " لماذا تكره تناول الطعام بمفردك؟"..

هنا ارتسمت على وجهه علامات الدهشة المختلطة الألم، وبدا وكأنه قد ذهب بذهنه إلى عالم آخر تماما ..

صمت بعدها لدقائق حتى ظننت أنه قد ضاق ذرعا من محاصرتي له وأعلن امتناعه عن الحديث، لكنه أجاب بعدها بصوت خفيض متجنبا النظر إليّ مباشرة: "ذكرى سيئة من الطفولة"..

لم أكتفي بتلك الإجابة.. وكيف أفعل ونبرته كانت موجعة لنياط القلوب.. فعاجلته من جديد باستفهام محمل بالرجاء: "هل تسردها علي؟"

أظن أنه قد جادل نفسه لبضع لحظات، ثم في النهاية حسم أمره وتحولت ملامحه فجأة من الجدية إلى الهزل وقال بلهجة قاطعة: "سأضطر لقتلك إذا أخبرتك!".

إذًا فتلك أخرى نقطة تؤلمه عند الحديث عنها.. خزنت تلك الملاحظة في عقلي لمحادثة قادمة، فهو مازال مصرا على سكب غطاء من الحديد المنصهر على بئر أسرار الغامضة.. وربما المخجلة لتظل مختومة بالسرية للأبد..

حتى الآن مازال مقتنعا أن أي اعتراف حقيقي يحرره ليسقط بين يديّ، ستكون نتائج إعلان أكثر إيلاما من كتمانه بداخله..

ورغم مقاومته الواضحة للحديث معي بصراحة، إلا أنني لم أيأس، وقررت أن أحرك دفة الأسئلة في اتجاه آخر علّه يعود للكلام من جديد..

"إذًا هل فعلا لن تعمل مع أبي من جديد؟".. سألته برجاء حاولت أن أخفيه من نبرتي دون أن أفلح، وكأن إجابته سيتوقف عليها كل شيء..

ارتسم العزم والجدية على ملامح حازم، قبل أن يرد بإصرار: "نعم.. لقد اكتفيت".. ليأتي سؤالي التالي مندهشا: "كيف وأنت رجله الأول وذراعه اليمين؟"..

قال حازم مشيحا بكفه بطريقة غير مبالية: "هكذا.. كان يجب أن أقطع خيوط الماريونيت منذ فترة طويلة.. فدميته الخشبية ظلت ترقص وفقا لإرادته حتى ذبلت أوصالها وتفككت.. بل أنا الذي تأخرت وتركت له الفرصة ليتمادى حتى كاد أن يخنقني بتلك الخيوط كلما بينّت أمارات المقاومة وعدم الإذعان لبعض أوامره.. وحينما شعر بالفشل، فكر في البحث عن طريدة جديدة".

أنهى حازم كلماته الأخيرة متحاشيا النظر إليّ، وظل يتلاعب بالمخبوزات المرصوصة على طبقه دون أن يتناول المزيد، وكأن الحديث عن أبي قد ذهب بشهيته تماما..

إذًا هذه نقطة حساسة بالنسبة له ومفتاح لأخطر الأسرار.. ومن يقصد بـ الطريدة الجديدة؟ هل أنا؟ أيعقل؟

جاء سؤالي التالي متلهفا منبثقا بدون ترتيب من نافورة الأفكار التي انفجرت بعقلي بتسارع مزعج: "هل يهددك أبي بشيء؟ هل يجبرك على فعل أشياء.. غير قانونية؟ مثل الزواج بي؟ هل.."

قاطعني حازم بردٍ عصبي وهو يشهر سبابته في وجهي: "لم يكن زواجنا غير قانوني يا طبيبة.. أنا وأنتِ قبلنا على سنة الله ورسوله.. فلا تضعي زواجنا في مقارنة مع أمور أخرى أفعلها مع والدك.. ولا تجرديه من قدسيته حتى وإن كان مقدر له أن يصبح مؤقتا وينتهي بقرارٍ منكِ في وقتٍ ما.. كما أن قيمتك أعلى كثيرا من أن يتم إجبار أحد على الزواج منك.. فلا تبخسي قدر نفسك".

لماذا ضايقته هذه النقطة تحديدا، ولماذا احتد في نفي عدم قانونية زواجنا؟.. ألم يقل من قبل أن أبي هو من أمره بالزواج بي؟
لحظة.. هل امتدحني حازم للتو؟

حاولت أن أطمئنه قليلا لكي يفصح عن بعضٍ مما يخفيه، فتحدثت إليه بنبرة بدت متوسلة دون أن يكون لي سيطرة حقيقية عليها: "حازم.. بإمكانك الوثوق بي.. أنا"، لكنه قاطعني بضحكة ساخرة متسلية وقال مستنكرا: "مثلما تثقين أنتِ بي لدرجة العبث في أغراضي والتفتيش بها من وراء ظهري مثل المحقق كونان؟".

حالة من الإحراج ارتسمت بوضوح على ملامح وجهي، لكنني رفضت الاستسلام لها..
تارة يشبهني بالمفتش كورومبو وأخرى بالمحقق كونان.. لن تخرسني يا حازم ببعض التعليقات الساخرة فقط..

تنهدت ببطء، ثم قلت بصدق: "ربما هذه هي الطريقة الوحيدة أمامي لكي أثق بك.. لكي أعرف من أنت حقا".

رسم على وجهه نظرة متفهمة، وبدلا من أن التقط خيط الحديث لأسأله بسلاسة وأبني بعض جسور التفاهم معه، انفجرت في وجهه بموجة هادرة من الأسئلة بعدها: "إذًا قل لي ما الذي يجبرك عليه والدي؟ ولماذا يضربك؟ ولماذا لا تقاومه؟ كيف تكون رجله الأول ويعاملك بهذا الشكل؟".

كنت أخشى أن تكون كومة التساؤلات التي سقطت على رأسه كافية لدفعه ليعلن نهاية المحادثة وينعتني بالفضولية الباردة التي تضع أنفها حيث لا يجب..

بدّل حازم جلسته ليصبح راكعا على ركبتيه يستند عليهما بمرفقيه وحرك يديه ليشغلهما بحزم الطعام، وكأنه يعلن أن جلسة الاستجواب قد انتهت.. تماما كما توقعت.. لكنه فاجأني وفعل العكس..
فبينما كان يجمع الأطباق، قال بصوت خافت يكاد يكون غير مسموع: "إنه يساعدني"..

ربما لو كنت أحشو فمي بالطعام ما كنت سألتقط ما قاله بنبرات أنهكها البؤس، لكنني سمعت.. ولهذا أكملت بتصميم:" يساعدك كيف؟ هل.. هل للأمر علاقة بكراتك المعدنية المسننة؟"

رفع حازم وجهه إلىّ، وارتطمت نظرات عينيّ المتسائلة بحدقتيه الذاهلتين اللتين تطفو على بوابتيهما لمحة من كومة من عذابات أعجز عن مجرد تخيل حجمها الحقيقي، ثم تحولت نظراته فجأة للغضب، ليضع ما جمعه من أطباق مجددا أرضا ببعض العنف، ثم هم بمغادرة الغرفة تماما كعاصفة من عواصف فبراير التي تثير الأتربة الخانقة في الجو بلا توقيت واضح.

لا.. لا يمكن أن يختفي هكذا دون الرد على السؤال الأهم..

ناديته بإصرار: "حازم".. ، فأوقف هو انسحابه الهادر عند سماعه ندائي باسمه، وتجمد أمام باب الغرفة، لكنه لم يلتفت نحوي وظل مصدرا ظهره لي، لكنه أحنى رأسه للأمام قليلا وكأن أسئلتي قد أصابته بالإنهاك، ويحاول استجماع ما تبقى لديه من طاقة لاستقبال ما سأسأله بعد..

غير أنني لم أتوقف، ليس بعد أن وصلنا لتلك المرحلة.. لم أجد بداخلي مخزونا بالشفقة وأنا نفسي على شفير الجنون بسبب فكرة صاخبة أشعلت قنديلا متوهجا برأسي، فتحرك السؤال الأخير على لساني بقوة وإصرار: "هل كنت أنت من أنقذتني وأعدتني إلى المنزل يوم مظاهرات الخامس والعشرين؟".

لو لم أكن أراقبه جيدا، لظننت أنه لم يبدِ أي رد فعل على سؤالي، لكن انتصاب قامته المفاجئ، ثم انسحابه بخطوات هادرة خارج الجيم، كانا هما الإجابة الوحيدة على سؤالي الذي تبخرت أصداؤه في الأجواء..

محاولة فاشلة جديدة..
كلما شعرت أن الفرصة قد حانت أخيرا لكي يحكي عن نفسه قليلا، يزداد كتمانا وغموضا..

متى ستتحدث أيها الكائن المحتمي بالظلام؟ لماذا تخشى النور؟ لماذا تصر على أن تظل شبحا بلا معالم لا ينتبه له أحد؟


يتبع في الصفحة التالية





التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 26-06-21 الساعة 10:30 PM
مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:27 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.