آخر 10 مشاركات
457 - الحب خط أحمر ـ تريش وايلي ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          458 - صباح الجراح - كاتي ويليامز (عدد جديد) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          الانتقام المرير - ليليان بيك (الكاتـب : سيرينا - )           »          1114-قناع من الخداع -سارا وود-دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          ضلع قاصر *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : أنشودة الندى - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          وداعاًللماضى(99)لـ:مايا بانكس(الجزء الرابع من سلسة الحمل والشغف)كاملة*تم إضافة الرابط (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          جددي فيني حياتي باللقاء *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          [تحميل] الثلاثيني الملتحي / للكاتبة عذاري آل شمر ، عراقية ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          رواية واجتاحت ثنايا القلب (1) .. سلسلة ما بين خفقة وإخفاقة (الكاتـب : أسماء رجائي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل تعتقدون أن خالد قد مات وانتهى دوره بأحداث الرواية؟؟
نعم 0 0%
لا 6 100.00%
المصوتون: 6. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree484Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-02-21, 01:05 AM   #51

أمنة مي

? العضوٌ??? » 454367
?  التسِجيلٌ » Sep 2019
? مشَارَ?اتْي » 581
?  نُقآطِيْ » أمنة مي is on a distinguished road
افتراضي


سلام عليكم🥰جاري القرأة😘

أمنة مي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-02-21, 03:43 AM   #52

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Icon26

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمنة مي مشاهدة المشاركة
سلام عليكم🥰جاري القرأة😘

سعيدة جدا وف انتظار رايك


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 04-02-21, 02:38 PM   #53

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

مساء الخير..
انا جالي الكتير من كلمات الثناء سواء من خلال الرسائل الخاصة او عبر التعليقات.. وبعض الجميلات قمن بإهدائي تصميمات رائعة تعبر عن إعجابهم بمحتوى الرواية وفكرته..
فحبيت إني أشارككوا بعض من تلك التصميمات تعبيرا عن شكري وامتناني..
التصميمين دول من الغالية Maryam Zahra





وهنشر عبر المشاركات التالية جزء آخر من التصميمات


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 04-02-21, 02:43 PM   #54

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:jded:

ودي مجموعة تصميمات من صديقتي شيرين.. وبتوجهلها بالشكر على مفاجأتها الجميلة
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .







مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 04-02-21, 02:47 PM   #55

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile3

والمجموعة دي من التصميمات.. من إبداع صديقاتي.. وبشكرهم جميعا

ده من فاطمة محمد


وده من فاتن متولي


وده من نور فكري.. اللي تعتبر اول حد فكر يهديني تصميم


في النهاية.. أحب أشكركو كلكو على تلقيكم الحسن للرواية.. وارجو ان تستكملوا قراءتها بنفس الحماس وسعة الصدر لأن في مفاجآت كتيرة لأبطالنا على الطريق..


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 04-02-21, 06:42 PM   #56

Maryoma zahra

? العضوٌ??? » 403302
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 135
?  نُقآطِيْ » Maryoma zahra is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مروة سالم مشاهدة المشاركة
مساء الخير..
انا جالي الكتير من كلمات الثناء سواء من خلال الرسائل الخاصة او عبر التعليقات.. وبعض الجميلات قمن بإهدائي تصميمات رائعة تعبر عن إعجابهم بمحتوى الرواية وفكرته..
فحبيت إني أشارككوا بعض من تلك التصميمات تعبيرا عن شكري وامتناني..
التصميمين دول من الغالية maryam zahra





وهنشر عبر المشاركات التالية جزء آخر من التصميمات
حبيبتي يا مروتي فرحانة جدا ان التصميمات عجبتك❤️❤️
بأحاول أعبر و لو بطريقه بسيطه عن اعجابي بيكي و بأسلوبك الفوق رائع❤️❤️💪
فخورة جدا بيكي❤️❤️❤️


Maryoma zahra غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-02-21, 03:01 PM   #57

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile2

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Maryoma zahra مشاهدة المشاركة
حبيبتي يا مروتي فرحانة جدا ان التصميمات عجبتك❤️❤️
بأحاول أعبر و لو بطريقه بسيطه عن اعجابي بيكي و بأسلوبك الفوق رائع❤️❤️💪
فخورة جدا بيكي❤️❤️❤️
مريومة حبيبتي.. تسلم ايديكي والله وفاجئتيني بتصميماتك الجميلة وافكارك الاجمل.. وكلامك الحلو.. ربنا يخليكي ليا


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-02-21, 06:31 PM   #58

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

الفصل الثالث

شروق


اليوم الأول من العام الجديد..
استيقظت وأنا في حالة من النشاط والحيوية..
عام جديد وفرصة جديدة لتحقيق أحلامي.. ولابد أن أستقبل اليوم كما ينبغي..
ليس وكأنه هناك خيارات كثيرة أمامي..

من ناحية، ليس لي أقارب من جهة أبي، فهو كان وحيدا وليس له أشقاء.. ومن ناحية أخرى، جميع أفراد عائلة أمي يتواجدون بين العاصمة التركية أنقرة ومسقط رأسها بمدينة أزمير، وهؤلاء لا يمكن وصف العلاقة التي تجمعني بهم بـ القوية، فأنا لا أتحدث معهم هاتفيا إلا في المناسبات، حتى أننا لا نتواصل بكثافة عبر منصات التواصل الاجتماعي، ذلك أنني لا أعرف سوى بعض عبارات التحية والترحيب باللغة التركية وهم لا يجيدون العربية أو حتى الإنجليزية، كما أنهم لم يكونوا سعداء للغاية بزواج أمي من رجل ينتمي لجنسية أخرى، خاصة مع إصرارها على الإقامة معه في وطنه وتركها لموطن عائلتها، ثم رحيلها المفاجئ الذي أحدث ندوبا عدة على جميع الأصعدة.

ويبدو أنهم قد نسوا العائلة التي تركتها أمي من خلفها بعد رحيلها في ريعان شبابها تأثرا بالمرض القاتل، حيث أصيبت بسرطان البنكرياس خلال فترة حملها بي ووقتها رفضت تلقي العلاج اللازم أو الخضوع للإجهاض، ثم كانت وفاتها سريعة بعد أشهر قليلة من ولادتها لي، وذلك بسبب تدهور حالتها مما جعل الأطباء عاجزين عن إنقاذ حياتها.

لا تجمعني بتلك العائلة ذكريات كثيرة في عمر الطفولة، كما أنهم لم يواظبوا على التواصل معي بانتظام طوال السنوات اللاحقة، بل إنه كلما مرت السنون، كلما ازداد جفاؤهم وقل اهتمامهم بأي شيء يخصني.

وللحق، أنا فقط أتواصل معهم من وقت لآخر من باب صلة الرحم، لكن لا أشعر أبدا بأية روابط تجمعني بهم.

ومن جهة ثانية، فإن علاقتي بزميلات الدراسة والتدريب في المستشفى لا ترتقي لدرجة وصفها بالصداقة ولهذا لم تحضر أيهن لحفل أبي الصاخب ليلة أمس.. حتى أنا نفسي لم أكن جدية بدعوتهن..

أما حنان، فهي صديقتي الوحيدة والتي كان يهمني بالفعل تواجدها برفقتي الليلة الماضية، غير أنها لا تحب تلك الحفلات التي تخص طبقة رجال الأعمال، فاعتذرت مني..
وأنا افتقدتها.. كثيرا.

كانت ليلة الأمس سيئة بكل المقاييس خصوصا عندما حدثت المشادة بين اثنين من كبار رجال الأعمال، ثم ما تبعها من فقدان أبي لهدوئه ودخوله في نوبة غضب علنية بدون تفسير السبب.

ورغم ذلك، كانت هناك بعض اللحظات التي تستحق أن تظل بالذاكرة مثل شكلي في هذا الفستان اللامع الذي أبرز قوامي بشكل رائع وأخرجني قليلا من أجواء معطف المستشفى الأبيض الباهت برائحة التعقيم العالقة به.

أتذكر الآن كيف كنت أتبختر كأميرة، ولكن بلا أمير.. وعلى الرغم من تعدد عبارات الإطراء التي أطلقها كثير من الحاضرين على مسامعي، إلا أنها كانت باهتة تقترب من حد النفاق..

عدا تهنئة واحدة بدت صادقة نوعا ما، حين تمنى لي ذلك الشاب.. حازم.. عاما سعيدا.
رغم أنه شابا عمليا لا يأتي للمنزل إلا بدعوة من أبي بغرض مناقشة أمور تخص العمل لدرجة أنه قد لا يجد الوقت لتحيتي، إلا أنه بالأمس بدا وكأنه كان يتابعني عن بعد ويتحين الفرصة المناسبة لتهنئتي بالعام الجديد..

وحين فعل، التمعت عيناه لبرهة بإعجاب مستتر بإطلالتي دون أن يتلفظ بكلمة واحدة تعبر عن إعجابه بما رآه، وهذا في حد ذاته أخرجه بسلام من خانة المتزلفين المنافقين.

آه، كانت ماما سناء أيضا قد أثنت كثيرا على اختياري للفستان وظلت تدعو لي بأن يكون الفستان التالي هو فستان خطوبتي.. متجاهلة بكل وضوح ما أخبرتها به مرارا من أنني لا أفكر في الزواج حاليا..

هل هناك طبيبة تفكر في الزواج في عام الامتياز بالجامعة؟ وما زال أمامها تكليفا أيضا قد يكون بوحدة صحية بإحدى القرى النائية!
خرجت من هذا الشرود وتوجهت لحمامي الملاصق لغرفتي ثم اغتسلت سريعا وتوضأت..

عدت للغرفة وأكملت صلاتي ثم ارتديت ملابسي الرياضية ووضعت سماعات "الأيبود" على أذنيّ واتجهت نحو الحديقة الخلفية لأمارس رياضة الجري بمعزل عن العمال والحراس الذين يتواجدون حول الحديقة الأمامية.

كنت أستمع للموسيقى التصويرية للفيلم الأمريكي Black Swan خلال ركضي، بعد أن أدمنتها بشدة بمجرد مشاهدتي للفيلم الذي يروي قصة فتاة مصابة بمرض اضطراب الشخصية المتعدد وتعاني مع الهلاوس السمعية البصرية وما يصاحبها من آلام نفسية حادة.

لا أعلم سبب اختياري لتلك الموسيقى لتصاحبني في ركضي.. ربما لأن مزاجي قد ساء بمجرد تذكري أقاربي الأتراك، وكذلك بنوبة الانفعال التي انتابت أبي ليلة أمس على مرأى ومسمع من الحضور وسببت لنا إحراجا شديدا.
كنت أركض بعنفوان وأنا شاردة مع موسيقى الفيلم قبل أن ينتابني شعور غريب للغاية..

أنا مراقبة.. هناك أحد ما خلفي..

هل خالف أحد الحراس تعليماتي بالتواجد في محيط الحديقة الخلفية خلال فترة الصباح لممارستي للرياضة كل يوم قبل مغادرتي للمستشفى؟
استدرت ببطء وأنا أتجول ببصري حول الحديقة ولكن لم أجد أحدا.

ظل شعور أن هناك من يختبئ بمكان ما بالقرب فقط ليتتبعني بعينيه دون أن يتحرك أو يعلن عن هويته مهيمنا عليّ رغم توقفي لاستطلاع المحيط أكثر من مرة؟
أمرٌ غريبٌ!

نفضت هذا الشعور الغامض عن ذهني وأقنعت نفسي أنها مجرد أوهام تحدث لي من وقت لآخر خاصة في بعض الأيام التي يزداد فيها شعوري بالوحدة والحزن، وكأن تلك الهالة غير المرئية تحاول مؤانستي وحمايتي من المجهول.

أكملت ممارسة الركض لبضع دقائق إضافية، ثم توجهت إلى غرفتي للاستحمام، وبعدها هيأت نفسي ليوم طويل في المستشفى، حيث أقضي آخر دورة في سنة الامتياز الخاصة بي في قسم الأطفال بمستشفى القصر العيني الجامعي بعد أن أنهيت خمس دورات أخرى في الجراحة، والطوارئ، والنساء والتوليد، والاستقبال، والباطنة..

ماذا أقول؟
كانت سنة مرهقة للغاية، لكنها أوشكت على النهاية حمدا لله.
اليوم سأقضي يوما كاملا بالمستشفى بنوبة ممتدة لمدة 24 ساعة، بعد أن رجوت طبيب قسم الجراحة ليقبل حضوري إحدى جراحاته اليوم لكي أتعلم من خبراته، وبعدها سأتوجه لورديتي المقررة في قسم الأطفال.

انطلقت في طريقي إلى غرفة الطعام لأودع والدي، ولكنه لم يكن جالسا لتناول طعامه كالمعتاد، فأيقنت أنه في غرفة المكتب ينهي بالتأكيد بعض الأعمال العاجلة خاصة مع مزاجه السيء المستمر من الليلة الماضية، والذي ظهر فجأة بحلول نهاية الحفل.

توجهت صوب غرفة المكتب لأخبره أنني سأبيت داخل المستشفى الليلة.

ومع اقترابي من الغرفة وقبل أن أقطع الأمتار الأخيرة وأضع يدي على المقبض، فوجئت بالباب يُفتح بقوة شديدة، وأبي يخرج منه متجهما للغاية ويلتقط أنفاسه بصخب غاضب وهو ممسك بحزام سرواله في يده..

أخذ يسير باتجاه الحديقة الأمامية فلم يرني من الاتجاه العكسي الذي كنت أتحرك منه..
وأنا.. أنا تجمدت في مكاني. لم أستطع الركض خلفه وسؤاله عن هيئته الغريبة..

من داخلي، شعرت أن الإجابة لن تعجبني على الإطلاق.. فاستدرت وعدت إلى غرفتي لكي أحضر حقيبتي وأوراقي، لكن شيئا ما جثم على صدري، فخرجت للشرفة طلبا للهواء.

وقفت بشرفتي أطالع منظر المساحات الخضراء الممتدة أمام عينيّ لبضع دقائق كنت أحاول خلالها الاسترخاء والحصول على الهواء النقي لإبعاد ذهني عن التفكير في أمور غريبة تزيد أبي غموضا حتى لابنته الوحيدة التي تقيم معه بنفس المنزل.

وهل يتشارك أبي معي شيئا من الأساس؟ أنا وهو مثل جزيرتين منعزلتين بنفس المحيط.. تتواجدان بالقرب من بعضهما ولكن لا يمكنهما الالتقاء أبدا.

كنت أهم بمغادرة الشرفة لأكمل استعدادي للمغادرة لمقر المستشفى، عندما شاهدته من جديد..
حازم...!

كان الشاب يغادر المنزل بخطوات ثقيلة للغاية، على الرغم من محاولته الواضحة للتحرك بسرعة شديدة وكأنه يهرب من أمر ما، ولكنه بدا غير قادر على التحرك بسرعة أكبر من خطواته البطيئة غير المنتظمة.

كانت ملابسه تبدو رثة للغاية بعيدة تماما عن هيئته الأنيقة التي شاهدته بها بالأمس..
تُرى ماذا حدث له؟
أو أنه....
توقفت أنفاسي للحظة ولم يحركها سوى شهقة فزع أطلقتها طلبا للأكسجين، وأنا في حالة من الصدمة الشديدة بسبب تسارع الأفكار في عقلي بسرعة تكاد تسبب لي فقدان الوعي..

أجبرت عقلي جبرا على التوقف عن التفكير عما يمكن أن يكون قد حدث له بداخل غرفة مكتب والدي.. وعلاقة هذا الأخير فيما حدث للشاب.. ودور حزامه الجلدي في الأمر...!!!!

الأمر كان مريبا جدا، ولكن كان عليّ مغادرة هذا المنزل الآن من أجل التجهيز لحضور الجراحة.
لا وقت لدي لاستكشاف حقيقة الأمر.. ليس وأنا في هذه الحالة من الصدمة بكل الأحوال.. سأذهب للمستشفى، وبعدها سأفكر بشكل متعقل.

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

بينما كنت أقود سيارتي نحو المستشفى، واستمع للنشرة الإخبارية عبر إحدى محطات الراديو، صدح صوت المذيع بعبارات حزينة أعلن من خلالها عن وقوع حادث كارثي منذ ساعات قليلة في إحدى الكنائس بمدينة ساحلية خلال قداس الاحتفال ببداية عام ميلادي جديد..

انقبض قلبي وتزلزل داخلي بشعور يمزج بين الحزن والغضب..

ما الذي يحدث في وطني؟ ومن هؤلاء المجرمون الذين تجردوا من كل شعور إنساني وأمسوا يقومون بهذه الأفعال الإرهابية الجنونية التي تشعل الأجواء وتزيد الضغط على الجميع..

لا أحد يستفيد مما يحدث.. الجميع خاسرون... الأرواح التي تُزهق بينما تمارس عبادتها في سلام، والناس الذين يخسرون أعمالهم بسبب هذه الهجمات الإرهابية التي تجعل الجميع يفقد اهتمامه بكل شئ، بالإضافة لردود الأفعال العصبية من النظام متمثلة في إجراءات قانونية صارمة تضيق الخناق على الجميع وتحد من الحريات ليس على المشتبه بهم فقط، فالجميع يصبحون محل شك في وقتٍ ما..

وصلت المستشفى وأنا لم أتخلص بعد من شعور بالأسى يلازمه إحساس بالضيق، حتى أنني لم أقم بتحية أي من زملائي أو زميلاتي، فالجميع في حالة من الوجوم تشبه الحداد..

لا أحد يبتسم.. لا أحد يريد الحديث.. الرؤوس منكسة بمرارة.. الكل يتساءل.. ما السبب؟ وما الهدف؟ ومن المستفيد؟

مر اليوم المرهق بشكلٍ ما.. فالحياة تستمر.. أليس كذلك؟

أنا كطالبة مجدة نفذت ما قد حضرت مبكرا لأجله، فقد شاركت كمتدربة في الجراحة التي استمرت لساعتين لاكتسب خبرات جديدة خاصة وأنني أطمح في أن أتخصص بجراحات الأطفال..

تجولت بعد ذلك في الكافيتيريا لكي أطمئن على زميلاتي ممن لديهن وردية بنفس التوقيت، وبعدها اختليت بنفسي قليلا في غرفة الاستراحة التي تجمعني باثنتين من المتدربات..

كنت أحتاج للراحة، فطلبت منهما ألا تزعجاني بأي شكل حتى يحين موعد ورديتي.
تمددت على السرير أحاول الاسترخاء قليلا، ولكن كان مشهد خروج والدي من غرفة المكتب بشكله المتجهم المخيف، وبعده مشهد مغادرة مساعده حازم بحالته المزرية الغريبة يفرض نفسه على مخيلتي مستدعيا التفاصيل بإلحاح غريب على ذاكرتي ليدفعني دفعا للعودة للتفكير بالأمر بعد أن تجاهلته طوال الساعات الماضية..

تُرى ما الذي يحدث بينهما؟ هل حدث ما أظنه قد حدث بالفعل؟

لا.. لا يمكن.. لا أصدق.. أبي لا يفعل هذا أبدا.. ولكن الآخر كان بالكاد يستطيع الوقوف على قدميه..

ربما.. ربما تعرض مثلا لحادث قبل وصوله للبيت وحاول أبي مساعدته..

ألا يبدو هذا التفسير منطقيا؟

هناك لغز في هذا الأمر.. وعليّ التحقيق فيه..

لم أستطع النوم، فنهضت وفتحت جهاز اللابتوب الخاص بي، وولجت إلى المدونة الخاصة بي "بالطو وسماعة في مطبخ السياسة"، وكتبت تدوينة مطولة أحلل فيها تطور الأوضاع السياسية المفاجئة في إحدى دول الجوار والتي نتج عنها انفجار شعبي، والتأثير المحتمل لتلك التظاهرات الحاشدة على العالم العربي"..

عندما انتهيت، لم أشعر أنني أهدأ حالا، فكتبت نعيا حزينا عن ضحايا حادث الكنيسة..

ورغم مرور المزيد من الوقت، إلا أن حالة الغضب ظلت مسيطرة على أفكاري، فشرعت في كتابة مسودة تدوينة أخرى عن "الأسباب التي تدعو المصريين للمطالبة بالتغيير" ردا على كتاب "لماذا لا يثور المصريون؟" الذي أطلقه الدكتور علاء الأسواني منذ عدة شهور..

كنت منغمسة في الكتابة واستعراض الأسباب التي تزيد من سخط المصريين وتفند وجهة النظر القائلة بأن سكان هذه البقعة من الأرض مسالمون بشدة ولا تنتابهم أية رغبة في التغيير مهما تعرضوا للظلم. ولكن أخرجني عن تركيزي التصاق صديقتي حنان بي بحضن صبياني مندفع بعد أن قفزت نحوي على ما يبدو لكي ترعبني بواحد من تصرفاتها الطفولية المفاجئة..

حنان الرافعي شابة جميلة من الجنوب تتميز بملامحها السمراء الجذابة بعينين باللون البني الداكن تشبه عيون الخيول الأصيلة، ويزين وجهها ثغرها البسام، فهي ضحوكة مبتهجة.. شعلة من الطاقة الإيجابية التي لا تكل ولا تمل على الرغم من قوامها الضئيل نوعا ما.

حنان تعتبر أقرب صديقاتي منذ بضع سنوات وحتى الآن.. لقد قابلتها للمرة الأولى في مكتب التنسيق عندما ظلت هي تبحث عن قلم لأن خاصتها تلف، ثم التقيتها مجددا في مكتب شئون الطلبة داخل الكلية بعد أن تحققت رغبتي بالانضمام لطب قصر العيني، وفوجئت أنها هي الأخرى كانت قد كتبت نفس الرغبة كأول خيار لها.. ووقتها بدأت صداقتنا وأصبحنا ثنائي لا ننفصل..

صاحت حنان لكي تخرجني من انغماسي في الكتابة: "هيييييه.. أنتِ دائما تكتبين أو تذاكرين أو تعملين.. متى ترتاحين؟ ألا تستمتعي أبدا بوقت فراغك بمفردك ما لم أرغمك أنا على القيام بشيء؟" ثم زمت شفتيها واتخذت وضعية تقلد الجدات الطاعنات في السن وتابعت: "هل سأعيش لك للأبد لكي أخطط لك لحظات المرح والمتعة؟ لا يفترض أن تعملي بجدية طوال الوقت يجب أن تتعلمي الاعتماد على نفسك وابتكار أنشطة ترفيهية ليس لها أية قيمة سوى إدخال السرور على قلبك.. هكذا تجددين طاقتك وتحافظي على حيويتك وتظلين إيجابية وذات مزاج رائع مثلي".

نظرت إليها بدهشة محاولة فهم ما ترمي إليه بذلك التعليق، ثم انتبهت لأنها تقصد إخراجي من حالة الوجوم بسبب أخبار الانفجار، فتمالكت نفسي وهتفت بها بحيوية غمرتني بعد احتضانها لي: "ما هذا الهراء الذي تتفوهين به؟ هل تستمعين لنفسك؟ أولا أنا عينتك مهرجة البلاط ولهذا فإن مهمتك الأساسية في الحياة هي الحرص على إفسادي وإهدار وقتي على الأمور غير المجدية.. ثانيا أنت ستظلين للأبد بالطبع جزء غاليا من حياتي.. لن أتخلى عنك أبدا يا صديقتي.. ضعي هذا في عقلك.. صداقتنا لن تنتهي حتى بعد انتقالنا لمرحلة التخصص.. حتى إذا تم توزيع تكليف كل واحدة منا بإحدى المناطق النائية.. والآن ماذا تريدين مني يا صاخبة؟.. ألا تتركيني أختلي بنفسي قليلا؟ ألم تعلمي بما حدث الليلة الماضية؟".

هاجمتني حنان باندفاع جديد وكأنها تريد طرحي على طريقة المصارعين المحترفين، فكان شكلها طريفا للغاية خاصة مع بنيتها القصيرة النحيلة، وعندما فشلت في تنفيذ مخططها، عقدت ذراعيّ خلف ظهري وأمسكت بهما جيدا في محاولة لتكبيلي، ثم اتخذت وضعية المجرمين في الأفلام القديمة وكأنها تستعد لقتلي، وقالت بابتسامة ساخرة: "كنت أحاول اختبار غلاوتي عندك.. أعلم أننا سنظل عالقتين معا للأبد يا عزيزتي.. لن تجدي من تتحملك غيري يا مدمنة العمل والمذاكرة والسياسة"..

تغيرت ملامحها الملونة بالبهجة، ثم زفرت بأسى وأكملت: "بالطبع علمت بما حدث بالأمس، وأنا بالفعل حزينة جدا.. ولكن ماذا نفعل؟ لن تتغير الأمور.. هذا ليس الحادث الأول ولن يكون الأخير، ليس وهناك مجرمون يحاولون إفساد تماسك الوطن بتلك الأفعال الإرهابية البغيضة".
تركت حنان ذراعيّ ثم استطردت بأسى: "صدقيني أنا لا أعاني من اللامبالاة، بل قلبي يؤلمني كلما فكرت في الحادث وضحاياه الأبرياء، ولذلك أحاول دائما أن أبتعد بذهني لأمور أخرى تشتت تركيزي..".

استعات صديقتي حماسها بسرعة مذهلة، ثم أكملت ببشاشة: "وعلى ذكر الأمر، أمامنا أربع ساعات كاملة قبل أن تبدأ الوردية.. ولا تقولي أنك تنوين تمضيتها في المذاكرة أو الكتابة.. أقسم أنني سأقاطعك.. اقترحي شيئا آخر على أن يكون تافها للغاية.. هذه هي وسيلتي الوحيدة لتحمل الآلام.. هل ستحرمينني من ذلك؟".

أجبتها بابتسامة مترددة: "حسنا أيتها العنيفة.. ما رأيك أن نتجول قليلا حول ميدان التحرير ونتناول بعض المثلجات في جروبي، أو أن نذهب لمكتبة مدبولي لشراء بعض الكتب؟"، قلت الاقتراح الأخير بحماس حقيقي، فقاطعتني حنان متصنعة الغضب: "كتب مرة أخرى؟ لا.. على جثتي... ولكن أعجبني الاقتراح الأول.. ما رأيك أن ننتهي من المثلجات سريعا ثم تصحبينني في سيارتك إلى دار سينما هيلتون رمسيس لمشاهدة فيلم تحريك يغير حالتنا المزاجية؟.. سمعت أن هناك فيلما معروضا حاليا.. فلنشاهده معا وبعدها نعود لعذاب العمل والتفكير في حال هذا البلد البائس من جديد.. آه يا ربي متى ننتهي من هذا العناء؟.. أريد التخرج بالفعل.. لن يصدق أخوالي وأعمامي أنني قد نفذت وصية والدي المرحوم بالفعل وأصبحت طبيبة.. كلهم ظنوا أن مجيئي للعاصمة مع أمي وشقيقي الصغير سينتهي بالفشل لأعود إليهم تغمرني الخيبة"..

انتابتني نوبة من الضحك بسبب كلماتها الحزينة، الفتاة بدت وكأنها على وشك النحيب، فقررت أن أغيظها قليلا، فقلت متسلية: "هل تظنين أن للأمر نهاية؟ أنتِ في كلية الطب يا عزيزتي.. ومع التخصص الذي تنوين ممارسته فإن حياتك ستكون مرهقة للغاية.. أخبركِ من الآن.. لا يمكنك الشكوى.. وربما لا تعودي للجنوب أبدا.. وهذا سيصيب أخوالك وأعمامك بالضيق بالطبع.. أما بخصوص هذا الوطن، فهو بالتأكيد سيتغير.. نحن عازمون على ذلك.. هيا لنلحق بالفيلم والمثلجات قبل أن نتأخر".

يتبع



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 07-02-21 الساعة 12:51 AM
مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-02-21, 06:38 PM   #59

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

أنهينا جولتنا الترفيهية بعد بضع ساعات، ثم عدنا للمستشفى.

مرت الوردية المسائية بلا أحداث تقريبا، فقسم الأطفال قلما يحدث به أمرا مثيرا في الليل .

بعد نهاية الوردية في صباح اليوم التالي، اغتسلت في الحمام الموجود داخل غرفة الاستراحة، وبدلت ملابسي وجهزت نفسي للانطلاق بالسيارة إلى المنزل بعد أن ودعت حنان التي كانت ستتوجه لمدرسة أخيها القريبة من المستشفى، حيث تقطن أسرتها بشارع قريب من القصر العيني من جهة منطقة أبو الريش.

في منتصف الطريق إلى منزلنا الواقع في حي مصر الجديدة، بدأت السيارة تزمجر بأصوات غريبة، فبدأ القلق ينتابني لأنني لا أفهم شيئا في ميكانيكا السيارات وإذا أصابها عطل الآن لن أستطيع التصرف..

ظللت أحدثها وكأنها صديقة غالية أرجوها أن تكمل جميلها معي وأن تعيدني إلى المنزل ثم تعلن العصيان بعدها كما تشاء، ولكنها رفضت الانصياع لي أو الاستجابة لنداءاتي المستجدية لتتوقف تماما عن العمل على جسر السادس من أكتوبر.

جلست بداخل السيارة وأنا في حالة من الضيق والغضب، أفكر في الخطوة التالية وسط نداءات محتقنة وساخطة من السائقين كانت خلفيتها الموسيقية بالطبع هي أصوات آلات التنبيه الغاضبة..

تجاهلت التعليقات الهازئة وبدأت أحدد خياراتي خاصة وأن سيارتي من النوع الحديث الذي يحتاج للقطر بواسطة حاملة سيارات ولا يمكن دفعها حتى أسفل الجسر بواسطة متطوعين..

هل أترك السيارة هنا كما هي عالقة بوسط الطريق ثم أوقف سيارة أجرة وأتوجه بها للمنزل؟ أم أتصل بوالدي ليبعث لي بمن يساعدني.. كان الاختيار الثاني غير مرجح بالنسبة لي بعد ما شاهدته صباح الأمس.. لم أكن مستعدة لسماع صوت والدي أو مقابلته الآن..

حسنا سأنفذ الاختيار الأول.. قلتها في نفسي وأنا أهم بالخروج من السيارة، فتحت الباب بعنف لكي أترجل من السيارة، لكنه كان قد اصطدم بعنف بحائط بشري طويل للغاية.. رفعت ناظريّ بضيق لأطالع من أقدم على الاقتراب من سيارتي بمنتصف الطريق بهذه الجرأة، وكان داخلي متوجسا أن يكون ثمة لص في مواجهتي ينوي تهديدي لسرقة هاتفي واللابتوب وحقيبتي..
لكن هذا الحائط لم يكن سوى حازم مساعد أبي..

اتسعت عيناي بدهشة، أخرجني منها صوته الذي صاح متألما: "آه.. ماذا تفعلين"، فقلت وسط حالة من الارتباك والخجل للصفعة القوية التي نالها بباب السيارة المعدني الثقيل: "أنا آسفة للغاية.. لم أنتبه لوجودك.. ماذا تفعل هنا على أي حال؟"، رد محاولا السيطرة على آلامه: "أنا متوجه إلى منزلكم لأجتمع بوالدك قبل الذهاب للشركة، هو لن يذهب اليوم أيضا للمؤسسة ويريد لقائي بالمنزل، وأثناء قيادتي انتبهت لوقوف سيارة بشكل مفاجئ في منتصف الطريق، وعندما اقتربت ببطء نتيجة الانغلاق الجزئي على الجسر بسبب العطل، لمحتك من زجاج النافذة، فصففت سيارتي أمامك، وترجلت منها.. قلت أن أسألك إذا كنتِ بحاجة للمساعدة".

كان يتكلم بنبرة ميكانيكية وجافة للغاية، مختلفة تماما عن حديثه المقتضب ليلة رأس السنة..
صحيح أنه لم يتجاوز معي أبدا في الكلام من قبل ولكن كانت عيناه تلمعان دائما بفرحة صامتة، لكنه اليوم مختلفا ونظرته تبدو جامدة للغاية..

خرجت من شرودي بعد أن انتبهت أنني قد أطلت النظر لعينيه دون قصد، فقلت باستعجال: "السيارة توقفت فجأة ولا أعلم ما هي المشكلة.. هل يمكنك تفحصها؟"، هز رأسه إيجابا، ثم فتح غطاء السيارة الأمامي وأخذ يتفحصه بانتباه شديد، ثم توجه نحو عجلة القيادة وقرأ البيانات على شاشتها، لينظر لي وقد فهم المشكلة، حيث قال ببعض التوبيخ: "السيارة خالية من الزيت.. لقد نجوت بمعجزة.. كان من الممكن أن ينفجر المحرك لا قدر الله.. لا تقلقي أنا سأتصرف"، ثم أخرج هاتفه واتصل بإحدى شركات خدمات قطر ونقل السيارات، وأخبرهم بالمشكلة وبموقع السيارة طالبا منهم إمداد السيارة بالزيت..

بعدها نظر لي وقال: "لا بأس.. اعتبري الأمر قد تم بالفعل.. بعض العمال في طريقهم الآن لنقل السيارة إلى إحدى الورش التابعة للشركة.. وهناك سيقومون بتزويدها بالزيت ثم سأطلب منهم إعادتها لمنزلك.. ولكن الآن علينا أن ننتظر وصولهم حتى نتأكد من بدء تحرك السيارة، وبعد أن أعطيهم دفعة من الحساب وأصف لهم عنوان المنزل، سنتحرك سويا إلى منزل والدك.. ما رأيك أن ننتظرهم بداخل سيارتي بدلا من الوقوف هكذا في هذا الطقس البارد؟" ثم أشار لي باتجاه موقع سيارته، فتبعته في صمت وأنا ألعن حماقتي وعدم درايتي بالسيارات ومتطلباتها..

جلسنا في سيارته قرابة النصف ساعة بعد أن نجح البعض في إعادة تنظيم الطريق بحيث يتجنبون السير في نفس الصف الذي تقف فيه سيارتي عالقة والتي صُفت أمامها سيارة حازم لتجنب التكدس أعلى الجسر.

أمضينا الوقت في حالة من الصمت المتوتر.. ظل هو ينظر أمامه وكأنه سيحرك السيارة الجامدة بقوة التخاطر.. وأنا كنت غارقة في فضولي حول ما حدث صباح الأمس ولكن لم أستجمع شجاعتي لأسأله، فعلاقتنا السطحية لا تحتمل مثل هذه المناقشات.. خاصة وأنني لست متيقنة تماما ما قد حدث، كما أنني لم أكن مستعدة أبدا للإجابة.

"هل أنت بخير؟"، كان السؤال قد خرج من فمي بصوت شبه مبحوح حتى ظننت أنه لم يسمعه، ولكن انقباض يديه على المحرك وشى بأنه بالفعل قد استمع لما قلته.. وقبل أن أعتذر.. وجدته يتنهد بنفسٍ طويل، قبل أن يرد مستنكرا دون أن ينظر لي: "أنا بخير.. ولما لا أكون كذلك؟"، راسما ابتسامة سخيفة على الجانب الأيمن من فمه.. فنظرت أمامي ولم أتحدث مجددا إلى أن وصل عمال شركة السيارات، فأسرع هو بشرح المشكلة لهم، ووصف لهم العنوان، ووعدوا بحل المشكلة في أسرع وقت..

قام حازم بتشغيل محرك سيارته.. ودون كلمات إضافية، انطلق في رحلة صامتة أخرى إلى منزلي.
فور وصولنا للمنزل، خرجت من السيارة مسرعة دون حتى أن أشكره..
كنت غاضبة للغاية، لا أعرف ما سر غضبي!

هل بسبب القناع الذي يضعه على وجهه ولا يكشف عما يشعر به أو يمر به؟ أو بسبب ما اكتشفته بالأمس عنه وعن علاقته الغريبة بأبي؟ أم غاضبة من نفسي لعدم قدرتي على مواجهته حول الأمر وأنا غير مستعدة أن يؤكد لي ما أشك به..
أو ربما لأنني لا أعرف شيئا عنه سوى اسمه فقط، وأنه قد يكون هذا هو وجهه الحقيقي دون أقنعة..
مجرد شخص فظ عديم التهذيب..

الغريب أنني لم أهتم به يوما.. فلماذا أشعر بفضول شديد حوله بعد ما حدث بالأمس؟..
استوقفني صوته الخشن وهو يهتف باسمي، فاستدرت نحوه لأجده ممسكا بحقيبة يدي وأوراقي وحقيبة اللابتوب..
تبا .. لقد نسيت كل أغراضي في سيارته في زمرة غضبي..

نظرت له معتذرة وارتسمت ابتسامة امتنان مهذبة على وجهي تبعتها ببعض عبارات الشكر الروتينية لمساعدته لي.
بمجرد أن أنهيت كلماتي، تبدلت ملامحه وعادت تلك الجذوة الخافتة إلى عينيه مجددا لتذيب أنهار الشوكولاتة المتألقة الدافئة التي كانت قابعة في وضع جليدي قبل أقل من ساعتين..
لا أعلم لماذا شعرت تلك اللحظة أنني قد قمت بشيء جيد بعد أن تبدلت نظرته بهذا الشكل..

دلفت إلى المنزل، وكان هو خلفي يتبعني ببضع خطوات قاصدا التوجه لاجتماعه بوالدي..
بعد عبوري للبوابة الداخلية للمنزل، كان أبي جالسا على الأريكة المواجهة وكأنه في انتظارنا، بدا وكأنه يخطط لشيء ما، حيث كست عينيه نظرة تكشف النقاب عن الكثير من الحسابات المعقدة التي تدور في رأسه.. وعندما امتد نظره إلى حازم، رمقه بنوع من الاستهزاء المشوب بالغضب..

ألقيت السلام وكنت في طريقي إلى غرفتي، عندما هتف أبي باستنكار: "هل كنتما سويا بالخارج؟ تُرى ما الذي جمعكما؟"..

قبل أن أرد، جاء صوت حازم بنبرة هادئة تقريرية، وهو يجيب: "لقد كانت سيارة الأنسة شروق معطلة أعلى الجسر وعندما مررت بجوارها في طريقي إلى هنا.. تعرفت على السيارة وصاحبتها، فاتصلت بشركة لإصلاح السيارات لتأخذ السيارة لصيانتها، ثم أوصلتها بما أن طريقنا واحد"..

ضحك أبي بسخرية وقال: "طريقكما واحد.. هاهاهاها"، ثم لملم ضحكته بصعوبة ورمقه بضيق ونفور، وهو يكمل: "حسنا.. حسنا.. أنت تحب عمل الخير.. سأعترف بذلك".

استأنفت أنا طريقي لغرفتي بسرعة دون أن أتحدث مع أبي بكلمة، وعلى الفور جهزت لنفسي حماما ساخنا، ثم غبت في نوم عميق.

۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞

في المساء، استيقظت من نومي ثم اغتسلت وقمت بأداء الصلوات التي فاتتني بسبب استغراقي في النوم، وبعدها صففت شعري الطويل وتركته منسدلا وزينته فقط بطوق عريض من القطيفة المزينة بوردات بيضاء صغيرة بارزة.

فتحت حاسوبي المحمول لكي أتصفح مدونتي، وأتابع التعليقات على تدوينتي الأخيرة عن الأوضاع المتصاعدة في دولة الجوار، وتبادلت الردود مع المتابعين، وتناقشنا حول آخر التطورات، ثم قمت بتحرير ومراجعة تدوينتي الجديدة عن الأسباب التي تستحق أن يثور من أجلها المصريون ضد النظام القائم، وقمت بنشرها.. وتوجهت للمطبخ كي أحصل على بعض الطعام إلى أن يبدأ متابعيني في قراءتها والتفاعل معها بالتعليقات والآراء.

استقبلتني "ماما سناء"، هي في الحقيقة مربيتي الغالية ومدبرة منزلنا، لكنني لا أحب أن أناديها بـ "دادة" فهي بمثابة والدتي الثانية وتستحق بالتأكيد أن أناديها بذلك، كما أنني أغبط دائما كلما شاهدت عينيها تلمعان بالرضا والسرور عندما أناديها بـ "ماما"..

فهي سيدة أرملة لها ابن وحيد يكمل دراسته في ألمانيا بمنحة علمية، وهي رفضت المغادرة معه لإصرارها الشديد على أن تموت في وطنها وتُدفن فيه، بالإضافة لاقتناعها أنها لن تحب حياة الغربة أبدا، خاصة وأنها لا تجيد اللغة الألمانية كما أنها ستشعر بالضيق والعزلة لانشغال ابنها بدراسة الطب وعدم وجود من يؤنس وحدتها هناك.. ولهذا أقنعته بالبقاء هنا على أن يزورها في عطلاته من الدراسة.

في الحقيقة أنا لا أعرف لي أما سواها، هي كانت مدبرة منزلنا عندما كانت والدتي على قيد الحياة، ولكن بعد رحيلها تأثرا بمرضها، أصرت ماما سناء على القيام برعايتي بمفردها، فنشأت في أحضانها التي حاولت من خلالها أن تعوضني كثيرا عن جفاء أبي الرجل الرأسمالي الذي يولي كل وقته للعمل فقط.

حين دلفت إلى داخل المطبخ بهدوء، كانت ماما سناء تقف في مواجهة المنضدة، وبدا عليها الاستغراق في إعداد قائمة بالأغراض الناقصة من المطبخ، فقررت أن أفاجئها بطريقة متسللة لأثير جنونها قليلا..

اقتربت منها بهدوء، ولمست طرف وشاحها الذي غطت به رأسها، ثم ثنيت ركبتيّ بسرعة وخفة لأنكمش تماما على الأرض قبل أن تلتف هي برقبتها لترى من الذي قاطع تركيزها؟ فلم تجد أحدا بالطبع حيث لم يخطر ببالها أن تميل برأسها للأسفل قليلا..

تنهدت هي وتعوذت من الشيطان ثم عادت للتركيز فيما تفعله، فقمت بخفة بإزالة طوق الشعر الذي أضعه، ثم دفعته بعيدا باتجاه الثلاجة، ليصطدم بقاعدتها المعدنية محدثا صوتا مزعجا، لتهب هي مفزوعة وتنظر في اتجاه الصوت، قائلة بهلع: "بسم الله الرحمن الرحيم.. ماذا يحدث؟ استر يا رب.. أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"، وأخذت تسحب الهواء بشهقات صداحة.

عندها رق قلبي من أجلها وقررت أن أختم مزاحي السخيف معها بالضربة القاضية..
سحبت طرف ردائها الطويل وأنا جالسة بوضع القرفصاء أسفلها، لتقفز من الرعب وهي تصرخ: "يا إلهي.. عفريت.. عفريت"، لأقع على الأرض بعد أن انتابتني نوبة من الضحك..
التفتت هي أخيرا متتبعة اتجاه الصوت الصاخب لتكتشف وجودي.

وضعت ماما سناء يديها على صدرها وبدأت تلتقط أنفاسها بعمق حتى هدأت قليلا، ثم صاحت بي: "أنتِ أيتها الشقية.. كان لابد أن أتوقع ذلك.. فأنت عفريتة هذا المنزل.. أريد أن أخنقك الآن.. فأنت تعلمين مدى خوفي من هذه الأشياء.. ولكن لا أتحمل أن يصيبك مكروه أيتها المزعجة.. الخطأ خطئي.. كان يمكنني أن أنتقم منك مرارا على مقالبك السخيفة تلك، حتى أنني كدت أن أزعجك خلال نومك وأوقظك مفزوعة، ولكنني رأفت بحالك، وقلت أتركك ترتاحين بعد يوم كامل من العمل المجهد.. ولكن انتظري انتقامي بكل تأكيد.. لن أمررها لك هذه المرة أيضا".

نهضت أنا على الفور، وتصنعت القلق، وقلت بخفوت ومسكنة: "هل ستعاقبينني أماه؟ أنت لم تعودي تحبينني كالسابق؟"، فاحتضنتني بقوة وقالت بلهفة: "لا أحد يحبك بقدري في هذه الدنيا يا صغيرتي، ولكن توقفي عن حركاتك الصاخبة هذه.. قلبي الضعيف لم يعد يسمح لي بتحمل مزحاتك المرعبة.. كنت أنوي أن أفاجئك الليلة بحلواكِ المفضلة، وجهزت جميع المقادير لأصنع لكِ كيك الأناناس المقلوب، ولكن لا تستحقيه.. اليوم ستأكلين طعامك فقط بلا حلوى"، ثم تراجعت معلنة: "أممم.. ربما أجهز لك كوبا من الكاكاو إذا ترجيتني قليلا".

أخذت أقبل رأسها ووجنتيها وأنا أرد بدلال متصنعة البراءة: "أنت تعلمين أنني أحبك مشاكستك يا سوسو، فإذا لم أتدلل عليك.. من لي سواك ليتحمل نوباتي الجنونية المفاجئة؟ هل تريدين أن أنحرف وأبحث عن شاب وسيم لأتغزل به وأشاكسه بدلا منك؟ أخبريني الآن؟" فردت بابتسامة: "ولماذا تنحرفين يا صغيرتي؟ لماذا لا تتزوجين كي يطمئن قلبي عليك وأشعر أنني أتممت رسالتي نحوك؟".

شهقت بطريقة تمثيلية وبرقت عيناي بدهشة مفتعلة، ثم أجبتها بمزاح: "بل تريدين التخلص مني حتى يخلو لك المجال وتتزوجي مجددا.. آه يا عمي المرحوم ابراهيم.. لم يمر على وفاتك سوى خمس سنوات فقط، ومازالت سوسو تبحث عن عريس جديد.. أين الوفاء؟"..

تساءلت هي بصدمة واستنكار: "أنا؟ أنا أتزوج مجددا؟ توقفي عن مزحاتك السخيفة قبل أن أطلب من والدك أن يجد لك عريسا فورا"، فقلت بلهفة: "لا.. لا.. أنا أعتذر يا ماما سوسو.. فأنت تعرفين أنني غير مستعدة أبدا للزواج حاليا.. أنا في بداية حياتي العملية وأحتاج لبضع سنوات حتى أصبح طبيبة متمكنة قبل أن أفكر في الزواج.. فقلبي لن يتحمل احتضان حب آخر بجانب حبي لمهنتي.. أم تريدينني أن أصبح طبيبة فاشلة؟"

مصمصت ماما سناء شفتيها بتسلٍ، ثم ردت قائلة: "أنت دائما تتعذرين بهذه الحجج.. وإذا انشغلت بالعمل لن تجدي الوقت أبدا للزواج.. الآن فرصتك.. استمعي لي يا ابنتي".

تصنعت المعاناة بسبب الشعور بالجوع لكي أنهي تلك المناقشة، فضغطت بكلتيّ كفيّ على معدتي، وقلت لها بمسكنة: "آه يا أمي.. أشعر بالدوار والهزال.. أنا جائعة للغاية.. لم آكل شيئا منذ ظهر الأمس.. اصنعي لي أي شيء.. أشعر أنني سأفقد وعيي"، ثم توجهت إلى مقعد موازٍ للمنضدة وارتميت عليه بطريقة تمثيلية.

هبت هي من مقعدها على الفور وأحضرت لي صينية ممتلئة بالطعام، وقالت بلهفة: "كنت قد جهزتها بالفعل لأخذها إليك فور أن أنتهي من تجهيز قائمة الأغراض.. ولكنك استيقظت قبلا.. هيا تناولي طعامك يا ابنتي.. ولنا حديث في وقت آخر.. كلامنا لم ينته يا مجنونتي"..

بدأت في تناول وجبتي الشهية من المكرونة بالصوص الأبيض مع الخضر وقطع الدجاج والديك الرومي، بالإضافة لسلطة الفتوش اللبنانية، بينما انشغلت ماما سناء بقائمتها مجددا.. وفور أن انتهيت توجهت لغرفتي، بعد أن وعدتني هي بتجهيز كوب الكاكاو الساخن من أجلي خلال وقت لاحق.

عدت إلى غرفتي ودخلت من جديد على المدونة، لأجد بعض التعليقات الجديدة، ولكنني قررت أولا أن أقوم بجولة بين الفضائيات الإخبارية لأتعرف على تطورات الأوضاع السياسية وكلام المحللين عن مستقبل الأمور في مصر في ظل الثورة الشعبية المفاجئة بإحدى دول الجوار.

كان الكثير من المحللين يعترضون على فكرة أن تقوم ثورة شعبية شاملة في مصر، لأن الأوضاع هنا أكثر استقرارا.. ربما كانت هناك أداء النظام الحاكم مؤخرا على مستوى غير مقبول، ولكن الأمر بالتأكيد لا يتطلب هبة جماعية كما حدث في الدولة الشقيقة.

دائما المحللون يطلقون النظريات.. ليس لديهم معلومة حقيقية.. مجرد كلام مرسل يشغلون به مساحات البث عبر وسائل الإعلام، ولا يقدم أيهم حلولا حقيقية لأية أزمة سياسية، حتى أن البعض تجاهل الحديث عن حادث التفجير الإرهابي وركز على تقارير حول احتفالات رأس السنة، وذلك بهدف التقليل من وقع الأمر على الجمهور، بينما تناولت محطات أخرى أجنبية التمويل الواقعة بطريقة مستفزة تميل إلى التهويل والمبالغة، وكأنها تسعى لشحذ الجموع ضد النظام بشكل فج ومباشر.

أغلقت التلفاز، ثم بدأت جولة جديدة من قراءة التعليقات على تدوينتي الأخيرة حول أسباب الانفجار في وجه النظام الحاكم، عندما صادفت تعليقا بدا لي ساخرا بل هازئا، حيث قال صاحبه: "أنت حالمة للغاية يا صغيرة.. هذا البلد لا يمكن أن يحدث فيه شيء.. فالكبار يحكمون قبضتهم تماما.. والشعب أكثر من مسالم.. بل هو خانع.. لا يهمه ما يدور في بلده أو في العالم.. ألا تعرفين.. المصريون يتسترون بحكامهم كأنهم أباءهم المسئولين عن حمايتهم ونفقاتهم وتسيير أمور حياتهم اليومية، فلا هم يسعون نحو الأفضل ولا يشتكوا من الأوضاع الحالية.. هم يخشون التغيير ويرضون بالفتات.. إذا كانوا سيغضبون بالفعل.. فلماذا صبروا كل تلك السنوات يا عزيزتي؟ ثم ألم يكن هناك ذلك الحادث الوحشي الذي لم يمر عليه سوى ساعات قليلة؟ هل حدث شيء؟ هل عبر أحد عن غضبه؟؟ لا أحد يهتم.. يُقتل الأبرياء في حوادث عنف طائفية ولا أحد يهتم.. تحدث حوادث كارثية بسبب الإهمال مثل غرق العبارة أو انقلاب القطار، ولا أحد يهتم.. هم تعودوا على غض الطرف عن كل شيء ولا يضعون نصب أعينهم سوى لقمة العيش، فلا تحلمي بشيء ولا تأملي.. افعلي خيرا لنفسك وتوقفي عن الحلم.. هذا الوطن ليس حنونا على أبنائه.. الوطن نفسه لا يهتم بما يحدث على أرضه.. ما رأيك أن تحولي هذه المدونة إلى مدونة للطهي أو المكياج أو أحدث صيحات لف الحجاب؟ أظنك ستفلحين بذلك كثيرا.. أو حتى قدمي دروسا في الإسعافات الأولية لمتابعيك.. سلام عليك يا طبيبة".

اتسعت شفتاي من الانشداه متخذة شكل دائرة متسعة تشنجت لها عضلات وجعي..
من هذا الشخص الوقح؟ هل يسخر مني؟ ما هذا التعليق السخيف؟ مدونة طبخ؟ مكياج ولفات حجاب؟ أنا؟

حسنا يا هذا.. استعد لرد ناري سيصيبك بالذهول.. هممت بالكتابة، ولكن حارت الأحرف بين أصابعي ولوحة المفاتيح وتطايرت المفردات بلا عودة.. لم أستطع كتابة كلمة واحدة.. ثم فكرت قليلا.. ولماذا أهتم برأيه؟ هو لا يعرفني وأنا لا أعرفه..
لا يهمني رأيه.. لن أعطيه مصداقية بمجرد الرد عليه.. فليذهب للجحيم.. وتكفيه علامات عدم الإعجاب التي يغمره بها المتابعون على تعليقه السخيف..
هذا الأحمق المتعصب جنسيا.. هو من كان ينقصني الآن.

في تلك اللحظات، دلفت إلى الغرفة ماما سناء حاملة صينية تتضمن كوبا من الكاكاو وبعض كوكيز القرفة التي أعشقها.
يبدو أن علامات الكدر كانت جلية على صفحة وجهي رغم محاولتي تهدئة نفسي، فنظرت لي بإندهاش وسألتني قبل أن تمنع نفسها: "ماذا بك يا ابنتي؟ أنت تبدين وكأنك تريدين تحطيم شيئا.. أو شخصا؟ هل أغضبك أحد؟".

هنا نسيت تماما التعليق السخيف وصاحبه، وتذكرت ذلك الآخر الذي كنت قد قررت أن أبدأ في مراقبته لكي أفهم ما الذي يدور بينه وبين والدي خلف الأبواب المغلقة!

نظرت إلى ماما سناء مطولا ثم سألتها قبل أن أتراجع: "هل تعرفين ذلك الـ حازم جيدا؟".. نظرت إليّ بتفحص وكأنها تريد أن تقرأ ما يدور بعقلي، ثم تنهدت وقالت: "لماذا تسألين عنه الآن يا شوشو؟"..

فكرت أن أخبرها الحقيقة ربما تستطيع مساعدتي بأية وسيلة.. حتى لو معلومة عابرة.. ولكن كيف سأشرح لها أنني أشك أن والدي يضربه بقسوة وأنه لسبب ما لا يستطيع أن يقاومه أو يدافع عن نفسه، فقلت متصنعة المزاح: "هل يتحداه والدي في مباريات للمصارعة أو الكاراتيه؟ بالأمس فقط كان يبدو عليه أنه قد خسر المباراة النهائية في دوري مصارعة المحترفين أمام ذلك الضخم المدعو جون سينا.. هل تظنين أنه يخسر دائما أمام أبي حتى لا يطرده من العمل؟ ما نوع الرياضة التي تجمعهما؟ أليسا من جيلين مختلفين؟ فلماذا يصر والدي على اللعب معه؟ وهل هناك حلبة مصارعة خفية في غرفة مكتب والدي؟ ألا يفضل رجال الأعمال أصلا الرياضات الهادئة كالاسكواش والجولف والتنس؟"..

ردت عليّ بنفاد صبر: "ما كل هذه الأسئلة؟ ومن أين جاءتك هذه الأفكار الغريبة؟ أنا لا أعلم عنه شيئا من هذا الجانب ولا أعرف ما تقصدينه بمباريات مصارعة".

جلست ماما سناء على مقعد مجاور، ثم تابعت: "كل ما أعرفه أنه شابا مهذبا وخلوقا.. لا يتدخل فيما لا يعنيه ولا يتحدث كثيرا.. هو لا يبدأ الحديث من الأساس.. فقط يرد على الأسئلة وبإجابات محددة.. ولكن هناك شيئا غريبا لاحظته.. هو لا يحب تناول الطعام بمفرده أبدا.. فإذا جاء مبكرا.. وعرضت عليه تناول الطعام، فإنه يسألني أولا أن كنت سآكل معه، ودائما يرفض الأكل عندما أخبره أنني قد تناولت إفطاري بالفعل.. هذا الأمر شغل بالي لفترة ثم انصرف اهتمامي عنه ولم أسأله أبدا.. على العموم والدك يثق به كثيرا، وإلا ما جعله ذراعه الأيمن.. أما عن موضوع المباريات والضرب، فأنا لم أره بهذه الهيئة من قبل.. ربما فهمت الأمر بشكل خاطئ.. أو ربما جاء من التدريب إلى المنزل على الفور، فكما تعلمين هو كان بطلا رياضيا للملاكمة منذ سنوات قليلة".

سأجن الآن.. لم أخرج من ثرثرة ماما سناء بأية معلومة مفيدة.. مازال هذا الرجل لغزا يثير فضولي، وأعرف أنني سأظل أفكر في اكتشاف سر غموضه، ولن أرتاح قبل أن أتمكن من التعرف على أسرار علاقته الغريبة بوالدي.. ولكن عليّ أن أكثف البحث بطريقة ذكية..

نهاية الفصل

قراءة ممتعة ودمتم بحب وسعادة


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-02-21, 08:12 PM   #60

نسيم هوا

? العضوٌ??? » 477288
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 1
?  نُقآطِيْ » نسيم هوا is on a distinguished road
افتراضي

الفصل روعة يا مروة
اخيرا شروق هتبتدى تدور ورا أصل الحكاية
ربنا يوفقها ونعرف
أنا sheryrefat


نسيم هوا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:01 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.