آخر 10 مشاركات
مابين الحب والعقاب (6)للرائعة: مورا أسامة *إعادة تنزيل من المقدمة إلى ف5* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          499 - أكثر من حلم أقل من حب -لين غراهام - أحلام جديدة جديدة (الكاتـب : Just Faith - )           »          انتقام النمر الأسود (13) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          قيود الندم -مارغريت بارغيتر -ع.ج-عدد ممتاز(كتابة/كاملة)** (الكاتـب : Just Faith - )           »          حياتي احترقت - فيفيان لي - ع.ج ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : عروس القمر - )           »          32 - ليلة ثم النسيان - باني جوردان عبير الجديدة (كتابة /كاملة **) (الكاتـب : dalia cool - )           »          202- لن تعيده الاشواق - لي ويلكنسون (الكاتـب : Gege86 - )           »          شيء من الندم ..* متميزه و مكتملة * (الكاتـب : هند صابر - )           »          سارق قلبي (51) -رواية غربية- للكاتبتين: وجع الكلمات & ولقد أنقذني روميو *مكتملة* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل تعتقدون أن خالد قد مات وانتهى دوره بأحداث الرواية؟؟
نعم 0 0%
لا 6 100.00%
المصوتون: 6. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree484Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-10-21, 05:28 PM   #871

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي


لذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 57 ( الأعضاء 11 والزوار 46)
‏مروة سالم, ‏شاكره لله, ‏Rania Khaled, ‏ذواتا افنان, ‏الزهره الحمراء, ‏ريم خضر, ‏زهره الافندر, ‏sou ma, ‏Kawt, ‏Mayelbialy, ‏Samsymo

منوريييين 🌹🌹


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 06:01 PM   #872

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile9 الفصل الثاني والثلاثون - القسم الأول

الفصل الثاني والثلاثون
حازم⁄ بسام


لا يزال تغير أقدارنا بين لحظة وأخرى يدهشني.. ولا أملك سوى أن أنظر كيف تبدلت حياتي بعد أن دخل عمي سليم إليها لتنكشف الحقائق تباعا.. مثل قرص نيوتن تماما.. ذلك الذي تتداخل ألوانه عندما تدور بسرعة رهيبة ليتحول في النهاية للون الأبيض..

وبالمثل.. كانت فكرة ارتباط حسام وحنان بعيدا تماما عن التحقق حاليا، نظرا لإصرار كل منهما على إخفاء مشاعره عن الآخر، ولكن شاءت الأقدار أن تضعهما معا في هذا الاختبار الصادم حتى يتحررا من تخوفاتهما ليجدا نفسيهما أخيرا يحاربان معا على نفس الجبهة..

ربما كان القدر رؤوفا بي، عندما بدأ الانقلاب الأخطر في حياتي بعد أن وجدت الاستقرار والسكن مع شروقي، ولكن هل التقلبات المفاجئة في حياة كلٍ من حسام وحنان ستجعلهما على قدر المواجهة؟؟

كانت تلك الأفكار تتخمر في رأسي خلال رحلة مشحونة بالمشاعر من كل راكبي السيارة.. الجميع يشعر بالقلق والتوتر.. تماما مثل حالنا الأيام الماضية منذ أن بدأت أزمة حنان في الانفجار.. تلك الفتاة اللطيفة الرقيقة التي حاولت أيدي شيطانية العبث بحياتها لإفساد براءتها.. لكنها بلطفها تستنفر لدى الجميع الرغبة في حماية نقائها مهما كانت المعوقات والتحديات..

كان غضبي من الأمر برمته يتخطى حاجز المعقول، فهي ليست صديقة لشروق فقط، بل هي رفيقة دربها وكاتمة أسرارها، والملاك الذي كان يرفرف بجناحيه حولها لحمايتها ومؤانستها ودعمها قبل أن أدخل أنا حياتها..

وهي الطائر الصغير الذي يختزن بين حنايا قلبه كنزا هائلا من اللين والرأفة والرحمة، فأغدقت من عطاياها على أخي حسام في لحظات انكساره لكي تبرأ جراحه الجسدية والنفسية والعاطفية، فتدفعه دون عمد لكي يخرج من عثراته ويصبح أكثر قوة وحماسا لمواجهة الواقع والسعي نحو المستقبل، خاصة بعد أن أبعد الله عن طريقه الحرباء المتلونة الطامعة فيما ليس لها..

وهي الكائن الهش بنظرة نورانية ثاقبة، رأت ما بداخلي من خير ونقاء برغم طبقات السواد المغلفة له، فجاءتني يوما تطالبني أن أتحمل ما تمر به شروق من اضطراب وعدم إتزان، كي أحصل على جائزتي وأحظى بحبها بعد الصبر، بل أخذت تدفعها نحو التقرب مني وعدم التسليم بالصورة التي استشفتها من علاقتي الغامضة المشؤومة بوالدها..

ولكل هذه الأسباب.. وضعت حنان أختا صغرى لي في لوحتي العائلية الخاصة إلى جانب حسام وخالد.. كانت دائما داخل الإطار ولن تخرج منه أبدا.. وسأحرص على ذلك.. هم عائلتي بالاختيار.. وأنا سأحمي عائلتي بكل قوتي..

حين اقتربنا من منزلها في حي "أبو الريش" المتاخم لشارع القصر العيني، كانت حنان هي أول من قطعت الصمت قائلة: "شكرا لكم لأجل كل شيء.. سأصعد أنا الآن.. تصبحون على خير"..

التفت حسام إليها وهتف بحزم لا يقبل الرد: "لا.. لن تواجهيه بمفردك.. سأصعد معك"..

تدخلت شروق، وقالت بنبرة لطيفة محاولة تهدئتهما: "تريثا.. لنصعد جميعا.. وكأننا نقوم بتوصيلك وانتهزنا الفرصة لتحية عمك"..

قاطعت أنا تلك اللحظة المنفعلة، وقلت: "ليس من الجيد أن نحيك الخطط لكي نلتقي بعم حنان.. لا توجد طريقة عفوية واحدة للأمر.. لنذهب فقط بشكل صريح ونتحدث معه مباشرة.. ونرى إلى أين ستسير بنا الأمور"..

صففت السيارة جانبا بالشارع الذي تقع فيه البناية التي تقيم فيها مع أسرتها الصغيرة، ثم صعدت الفتاتان أولا وأنا
وحسام خلفهما..

حين فتحت لنا والدة حنان الباب، كانت ملامحها متوترة، خاصة حين وجدت جيشا صغيرا يرافق ابنتها على نحوٍ غير متوقع، فقالت بترحيب مرتبك لا يخلو من نبرة عاتبة لابنتها: "مرحبا بكم.. تفضلوا.. لم تقولي يا حنان أن شروق وزملاءكما سيأتون اليوم"..

ردت حنان بصوت مبهم: "هذان ليسا من زملائنا.. بل حازم زوج شروق وشقيقه حسام.. أتيا للترحيب بعمي حين علما أنه يزورنا اليوم"..

قادتنا حنان للدخول لغرفة الاستقبال، حيث كان عمها يجلس إلى جوار حمزة ومراهق آخر في نفس عمره تقريبا.. على الأرجح هو أحد أبنائه..

نهض عم حنان من مجلسه بملامح ساكنة لا تشي بشيء، حين اقتربت هي منه مسرعة برغم اضطرابها، فاحتضنته وقبّلت يده بعفوية، ثم قدمتنا إليه تباعا.. وبعد التحيات والسلام المتبادل بين الجميع، أتى صوت والدة حنان بحماس مفتعل: "هذه الزيارة عزيزة علينا للغاية.. سأجهز العشاء للجميع"، ثم تحركت نحو المطبخ وكأنها تشعر بانفجار على وشك الاندلاع، ولا تدري ماهيته ولا كيف تواجهه، فقررت على الأرجح أن تنفرد بنفسها قليلا لتستجمع أفكارها قبل أن تتدخل عند اللزوم..

قال العم جمال بنبرة هادئة مبهمة بعيدة عن أي غضب متوقع في تلك الظروف: "عليكِ أن تستعدي يا حنان بعد العشاء بترتيب حقيبتك وحقيبة شقيقك.. سنسافر غدا إلى البلدة"..

سألته حنان بقلق وتوجس: "لمَ يا عمي؟"..

رد العم جمال قائلا بحزم بنفس صوته الهادئ: "أعتقد أنكِ تعرفين السبب.. حين أخبرني عمك بالأمر لم أصدقه.. وحين ركبت القطار وطوال الرحلة التي استغرقت عدة ساعات حتى وصلت للعاصمة.. بل حتى وصلت لبيتكم هذا.. كنت مازلت غير مصدقٍ، لكن.. بمجرد أن شاهدتك تدخلين مرتبكة وخلفك جيش صغير.. عرفت أن الأمر صحيح".

أطرقت حنان رأسها بحزن ويأس ولم تجرؤ على الكلام، فبادر حسام قائلا بانفعال: "عذرا يا حج جمال.. أريد الحديث معك بأمر خاص.. ولكن على انفراد"..

قال العم جمال: "ليس قبل أن أستمع لابنة أخي المرحوم.. ابنة الحج عبد الخالق الرافعي.. لأفهم كيف فعلت ذلك؟"..

قالت حنان بقنوط، والدموع تنساب من عينيها بدون حواجز: "لا بأس.. لنتحدث يا عمي"، فنهض بحدة ورمقها بقسوة، هاتفا: "اتبعيني"..

حين نهضت حنان خلف عمها، واختفى كلاهما خلف باب غرفة جانبية، نهض حمزة من مكانه وجلس إلى جوار حسام وسأله بصوت خائف متردد مستشعرا التوتر في الأجواء، لكنه حاول أن يكسوه بالقوة اللازمة لمواجهة المجهول: "ما الأمر يا حسام؟ لماذا أشعر أن هناك أمر ما يخص حنان؟ لم تكن بحالتها الطبيعية الأيام الماضية، وكانت تستيقظ كل صباح مجهدة وحزينة وكأنها لم تذق طعم النوم.. ولم تكن تتناول شيئا أو تمزح كعادتها.. هل هناك مشكلة بالجامعة؟"..

تنهد حسام مخفيا توتره، ثم قال: "لا يا حمزة.. لا تقلق.. مجرد سوء تفاهم بسيط.. ولقد جئنا اليوم لكي نوضح الأمور لعمك..".

ظل حمزة جالسا بجوار حسام مطرقا وجسده كله مشدود، وكأن كلمات حسام لم تطمئنه..

أما حسام، فأخذ يهز ساقه السليمة بانفعال عصبي، خاصة بعد أن طالت الجلسة بالداخل بين حنان وعمها، إلى أن سمعنا صوت صفعة عنيفة، تلتها صرخة حنان، فوقف حسام ناهضا بغضب شارعا في التحرك صوب الغرفة المغلقة، فنهضت أقف أمامه أحتجزه بقامتي وأخذت أحذره بنظرات صارمة لخطورة ما ينتويه كي يتراجع ويتماسك..

استغلت شروق انشغالي بالسيطرة على توتر حسام، وتحركت مسرعة لتفتح باب الغرفة وتختفي خلفه دون أن أتمكن من إيقافها، وقبل حتى أن أستوعب صدمة تصرفها الجنوني..

جلستُ بقلق إلى جانب حسام الذي تهاوى على مقعده، نحاول استراق السمع إلى ما يثار في الداخل، بينما تتبعنا نظرات حمزة الحائرة..

بعد قليل، خرج ثلاثتهم، ثم جلس العم أمامنا في نفس البقعة التي كان قد تركها منذ بعض الوقت، ثم قال بصوت بالكاد يسيطر على غضبه، موجها كلماته لحسام: "والآن.. يمكنني الاستماع إليك.. ما الأمر الذي كنت تريد أن تتحدث معي بشأنه؟"

تهاوت حنان إلى جانب شروق على أريكة جانبية، وظلت مطرقة رأسها أرضا دون كلام ودموعها تنساب على وجنتيها في صمت، بينما تثبتت نظرات حمزة القلقة عليها وكأنه يريد أن يبعدها عن الجميع ويزرعها في مكان آمن..

هتف حسام بنبرة حازمة من مكانه: "ارفعي رأسك يا حنان.. لا يجب أن تحني رأسك أبدا.. أنت لم تفعلي أي شيء خطأ"..

ناظره العم جمال متفحصا، ثم قال بنبرة صارمة: "تحدث معي أنا"..

ورغم عقده لحاجبيه وهيئته الصارمة إلا أن ما قرأته من مشاعره كان الكثير من العطف.. ربما تجاه حنان وأخيها.. وهذا تحديدا ما جعلني أتأمل خيرا بخصوص هذه الزيارة..

قبل أن يشرع حسام بالكلام، تدخلتُ بالقول: "عذرا يا حج جمال.. أخي حسام لم يقصد تخطي حدوده.. لكن حنان بمثابة شقيقتنا، فهي بمثابة أخت زوجتي.. هي واحدة منا وسعادتها تهمنا"..

رد الحج جمال برتابة بكلمات يغلفها اللوم: "عفوا يا أستاذ حازم.. ولكن التباسط في العلاقات بين النساء والرجال ليس من عاداتنا ولا يتفق مع التزامنا الديني"..

قلت بنبرة لطيفة: "كلامك صحيح.. لكن الآنسة حنان لم تتباسط مع أحد.. هي صديقة شروق منذ سنوات وأصبحتا بمثابة أختين بالفعل، وكان من الطبيعي أن تصبح فردا من عائلتنا الصغيرة بعد زواجي من شروق"..

تدخلت شروق بنبرة مرتفعة قليلا: "وزينة وزاد.. نحن الأربعة مثل الأخوة تماما"..

نظر لها العم بغيظ، ثم سألها بنفاد صبر: "والمطلوب؟"..

أعرف تأثير تلك الماكرة.. بالتأكيد أوجعت رأسه بكلماتها الرنانة عندما اقتحمت الغرفة منذ قليل.. لم يخطئ عمي علي عندما وصفها بأنها تشبه الألعاب النارية.. تنفجر بشكل جميل لكنها لا تؤذي أحدا..

في تلك الأثناء، كانت والدة حنان تضع صينية المشروبات على الطاولة المنتصبة في منتصف الغرفة، وذلك حين قال حسام باندفاع: "يدها.. أنا أطلب من حضرتك يدها للزواج بإذن الله".. لتستقيم الأم واقفة وتتهلل ملامحها بالبشر والسرور، فتطلق زغرودة طويلة من فرط سعادتها بتلك المفاجأة التي لم تكن تتوقعها..

نظر لها الحج جمال بامتعاض، وقال: "من المبكر جدا الاحتفال يا أم حمزة"، فقالت هي مستدركة نفسها: "بالطبع يا أبا أحمد، ولكنه فأل حسن.. بإذن الله تتم الأمور بخير ونفرح بحنان"..

قال الحج جمال بنبرة صارمة: "خذي الفتاتين لمساعدتك في المطبخ.. إلى أن أتحدث مع الشباب قليلا.. تعلمين أن أمور الزواج لا تتم بسرعة".

تحركت حنان خلف أمها في صمت بعد أن رمقت حسام بنظرة مختلسة، أما شروق فقد ظلت جالسة بتمرد، فقلت لها بنبرة هادئة: "اتبعي صديقتك يا شروق.. لا تقلقي.. لن يصير إلا الخير"، فنهضت متململة تتبع حنان ووالدتها إلى حيث يقع المطبخ..

بعدها، أخرج الحج جمال بعض النقود من جيبه، ونادى حمزة قائلا بمودة: "حمزة.. خذ أحمد واذهبا لشراء طبق من الحلوى لكي نكرم ضيوفنا بعد العشاء.. لا تشتريا من المحل القريب من المنزل.. أريدكما أن تتمشيا قليلا إلى فرع تسيباس الموجود في شارع القصر العيني.. وإذا كان لديكما بعض الطاقة، سيرا حتى منطقة وسط البلد.. فأنا حقا أشتهي بعض البسبوسة والبقلاوة من حلواني العبد"..

نهض حمزة مترددا مدركا أن عمه لا يريده أن يحضر تلك المقابلة كيلا يستمع إلى تفاصيل تخص حزن حنان المسيطر عليها طوال الفترة الماضية، فأخذ يناظر حسام بتساؤل.. وعندما ابتسم له الأخير مطمئنا، مد يده وأخذ النقود من عمه في صمت، وأشار لأحمد لكي يتبعه للخارج..

حين خلا المكان إلا من ثلاثتنا، قال الحج جمال: "والآن أصبح المكان مهيأ للحديث.. هات ما عندك يا حسام"..
التقط حسام طرف الحديث دون مماطلة، ثم قال: "يشرفني أن أطلب من سيادتك يد ابنتكم الآنسة حنان للزواج على سنة الله ورسوله"..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 06:05 PM   #873

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 الفصل الثاني والثلاثون - القسم الثاني

قال الحج جمال: "طريقتك في الحضور هكذا بدون موعد مسبق، واندفاعك في الحديث، وتطوع زوجة الأستاذ حازم باقتحام الغرفة أثناء حديثي مع ابنة أخي، كلها مؤشرات تؤكد لي أنك تعلم بالمشكلة التي أوقعت حنان نفسها فيها بسذاجتها"..

رد حسام بكياسة محاولا ألا يبدو وكأنه قد قاطع الحج جمال: "رد فعلنا حيال المشكلة هو ما يحدد حجمها الحقيقي.. حنان تصرفت بحسن نية في حفل نسائي، وقامت بالفعل بحذف الصور من هاتفها كما أصرت يومها ألا يتم التقاط صور أخرى لها على هواتف صديقاتها.. كان من الممكن أن يحدث الأمر لأي شخص.. لقد وقعت حنان ضحية لجريمة من شخص مريض حاول ابتزازها، حتى إذا لم يجد بعض اللقطات التي ظن أن بإمكانه استغلالها للإيقاع بها، لكان قد صنع صورا مفبركة بتركيب وجهها على لقطات أخرى مزيفة.. في كل الأحوال كان مقدرا لها أن تقع في تلك المحنة مهما أخذت حذرها.. لكنها نجت بفضل الله وبفضل عائلتها الصغيرة هنا في العاصمة، والأمر قد انتهى بالفعل.. لكن طلبي للزواج منها ليس له علاقة بالأمر"..

ابتسم العم جمال وظل يتفكر في كلمات حسام لبضع دقائق، ثم تساءل بفضول: "إذًا هذا الطلب السريع لم يأتِ كرد فعل لما يمكن أن يكون عليه الوضع إذا عادت حنان للبلدة غدا والتقت عمها الحج اسماعيل؟"..

تحدث حسام من جديد قائلا بنبرة هادئة تسلل إليها بعض التوتر: "أعترف لك يا حج جمال أنني كنت معجبا بحنان منذ فترة.. فقد تعرضت لحادث منذ أشهر قليلة، وكانت هي تتابع حالتي في المستشفى في بدايات علاجي، ولكنني لم أتعجل طلب يدها حتى تُشفى إصابتي بشكل كافٍ حتى أسافر للبلدة وأطلب يدها رسميا من حضرتك والحج اسماعيل وباقي رجال عائلتها، وتحديدا بعد أن تتخرج من الجامعة.. لكنني ارتأيت أن أسرع بطلب يدها كي تطمئنوا إلى أنها ستكمل الشهور المتبقية تحت رعاية أسرتها الثانية هنا دون قلق"..

ناظر الحج جمال حسام متفرسا، ثم سأله من جديد: " تقول حادث؟.. ألم تكن أنت الشاب الذي ظهر بأحد البرامج مؤخرا يتحدث عن تعرضه للاعتداء خلال اعتصامه بميدان التحرير؟"..

أومأ حسام برأسه، وقد ارتسمت على وجهه علامات القلق، وهو يكاد يتوقع كلمات عم حنان التالية، والتي لم تخرج أبدا عن نطاق تصوره، حين قال بنبرة آسفة: "اعذرني يا بني ولكنني لا أريد أن ترتبط ابنة أخي بشاب يخوض في السياسة ويكون معرّضا للاعتقال أو التنكيل من وقت لآخر.. نحن نريد لابنتنا من يعينها على أعباء الحياة ويقف في ظهرها كسندٍ.. لا يكون هو نقطة ضعفها.."..

كاد حسام أن يرد، لكنني تدخلت بالقول قبل أن تتعقد الأمور: "عذرا يا حج جمال.. لأوضح لسيادتك.. مشاركة حسام في اعتصامات يناير كانت تصرفا عفويا، مثل الكثير من الشباب، وأنت بالطبع تدرك كيف يكون حماس الشباب فائرا أحيانا، ولكن تلك المرحلة انتهت من حياته تماما.. فهو لن ينضم مثلا لحزب سياسي أو يشارك في مظاهرات أخرى تالية.. بل أصبح يركز حاليا فقط في التعافي من إصابته وعمله بالترجمة الإخبارية ببعض الصحف والمواقع الإلكترونية.. ".

حافظ حسام بالكاد على وجهه مهادنا خاليا من التعبير وهو يركز نظراته نحو عم حنان، حتى ترك الأخير تلك النقطة على مضض غير مقتنع بالكامل بما سردته على مسامعه، ثم عاود سؤال أخي باهتمام جلي: "تعمل مترجما للصحف.. هل هذه مهنة ثابتة؟"

رد حسام مخفيا توتره: "أنا متخرج من كلية الإعلام قسم الصحافة.. ولا أفضل العمل الثابت في مكانٍ واحدٍ بنظام الدوام الكامل.. خاصة مع إصابتي الأخيرة.. لكن الدخل الذي أحققه من عملي بأكثر من موقع يوازي ما يمكن أن يكون عليه راتبي إذا كنتُ قد قبلت العمل في إحدى المؤسسات بوظيفة ثابتة.. تعلم حضرتك أن الصحافة الإلكترونية حاليا في تصاعد، والمستقبل كله للصحافة الرقمية، ولكن فرص الانضمام منها إلى نقابة الصحفيين شبه مستحيلة، وبالتالي لا يجد المحرر تأمينا اجتماعيا، ولكنني أثق أن تلك الأوضاع سيتم وضع إطار قانوني لها قريبا، كما أنني قد ورثت من والديّ رحمهما الله قطعة أرض صغيرة، وتم بيعها مؤخرا حينما دخلت ضمن إطار منطقة مبانٍ، وبالتالي ارتفع سعرها.. المبلغ حاليا محفوظ في حساب بنكي، لكنه أكثر من كافٍ لتأسيس منزل الزوجية وكذلك عمل وديعة صغيرة تدر دخلا شهريا ثابتا"..

صمت الحج جمال قليلا كي يرتب أفكاره، ثم سأل حسام مجددا: "وإذا وافقنا على منحك يد ابنتنا.. متى ستكون مستعدا لإتمام الأمر؟"

رد حسام بابتسامة واسعة: "يمكنني أن أجهز البيت خلال الأشهر القليلة القادمة لنقيم الزفاف بعد تخرج حنان وشروق بإذن الله.. لكنني أريد السفر معكم غدا للبلدة لطلب يدها رسميا من الحج اسماعيل كبير العائلة والتعرف على باقي أفراد عائلتها وقراءة الفاتحة، ونتفق على موعد عقد القران ليكون في أقرب وقت"..

قال الحج جمال بنبرة غامضة: "أنت لا تطلب يد ابنتنا كإنقاذ للموقف أو كنوع من الشفقة.. صحيح؟"

رد حسام متعجلا: "بل أنا المحظوظ إذا قبلت هي بي.. كنت أريد الانتظار حتى أحرز تقدما في عملية التعافي.. ولكن خير البر عاجله كما يقولون"..

صمت الحج جمال لعدة دقائق وهو يطالع حسام متفكرا، ثم سأله: "وإذا سمحنا لك بطلب يدها فقط، هل ستأتي برفقة شقيقك فقط؟ أليس لكما عائلة؟"

كاد حسام أن يرد، لكنني أسرعت بالقول: "بل سيأتي بصحبتنا عمنا الحج علي الزين، وهو أحد رجال الأعمال المعروفين باستثماراته في مجال المصنوعات الغذائية والإنتاجات الحيوانية، وكذلك سنصطحب صديقه لواء شرطة سابق عماد الكومي، وابنه الرائد خالد الكومي صديقنا، وكذلك سليم الزين المدير القانوني لشركات عمي"..

ناظرني حسام بامتنان بشكل مستتر، قبل أن ينهض الحج جمال متعللا بأنه بحاجة لإجراء مكالمة هاتفية مع كبير العائلة يستأذنه في السماح لنا بمرافقته غدا إلى البلدة لطلب يد حنان..

حين خرج الحج جمال، قال حسام بانفعال ولكن بصوت خافت: "لم أرد أن أكذب عليه يا حازم أو أجمّل الحقيقة.. لا أريد أن تبدأ حياتي مع حنان بأكاذيب مختلقة"..

أجبته بهدوء: "ليست أكاذيب مختلقة.. أنت أخي وربيبي.. وإذا كنتُ قد استعدتُ عائلتي، فأنت أيضا ابن هذه العائلة بالامتداد.. حتى لو يكن شرعيا.. لك حق أدبي وإنساني لديّ وأنا لا أفرط بك أبدا.. الآن عائلة حنان بحاجة لدخول مدوٍ من جانبنا حتى لا يماطلون في الموافقة على إتمام عقد القران بسرعة، وليس هناك من شيء يُسرّع تلك الأمور سوى الأسماء الرنانة لكبار العائلات، والتي ستضفي على الأمر الوجاهة الاجتماعية التي تتطلبها مثل تلك الاتفاقات وتمنح العروس واجهة مشرّفة أمام عائلتها.. فلا تعترض الآن بالله عليك.. يمكنك لاحقا أن تنفرد بالحج جمال وأن تفتح له قلبك وتخبره بكل أسرار حياتك منذ الطفولة.. وأثق أنه لن يخذلك.. هذا الرجل يمتاز بالحكمة وبُعد النظر كما شعرت.. لكن الآن علينا أن نتقدم للفتاة بطريقة ترفع رأسها"..

سألني حسام متوجسا: "وكيف ستقنع العم علي واللواء عماد بمصاحبتنا غدا صباحا؟.. الوقت قصير جدا ومن المؤكد أن لديهما ارتباطات مسبقة"..

قلت بنبرة واثقة مرحة: "عمي هذا الذي يلح عليّ يوميا لأنضم لعائلتي، لن يتردد لحظة لكي يؤازرني فور أن أتصل به وأطلب دعمه، وبالتأكيد سيقنع صديقه الذي هو حاليا يستمتع بحياة هادئة بعد أن خرج إلى المعاش، كما أن خالد بالتأكيد سيقنع والده بطريقته.. وبالإضافة لذلك فنحن لن نسافر صباحا بالقطار مع عائلة حنان.. بل سنسافر جوا بالطيران الداخلي في المساء، وخلال أقل من ساعة سنكون في المدينة الجنوبية، لنتوجه للزيارة والاتفاق، والعودة في رحلة الصباح الباكر على نفس خط الطيران.. لا تقلق.. استعد لتدخل القفص الذهبي حتى تجلس بجواري أنا وخالد وتشاركنا الندم على هذا القرار لاحقا.. سأرسل الآن لعمي رسالة قصيرة لكي يستعد، وأخرى لخالد لكي ليهيئ والده، ثم أشرح لهما بالطبع التفاصيل لاحقا من خلال مكالمات هاتفية طويلة"..

انشغلت قليلا بكتابة الرسائل وإرسالها، بينما حسام يجلس بجانبي يهز ساقه السليمة متوترا، إلى أن عاد الحج جمال للغرفة، حيث استقر إلى جوارنا، ثم قال بنبرة هادئة لا تعبر عن شيء: "هيا تناولا العصير المثلج قبل أن يصبح فاترا"..

لم يتمالك حسام نفسه من التوتر، وسأله متعجلا: "هل تبشرنا أولا؟ ماذا يرى الحج اسماعيل؟"

ابتسم الحج جمال ثم قال بنبرة بها شيء من البهجة: "أبشرك خيرا بإذن المولى.. غدا بإذن الله مساء سيستقبلكم الحج اسماعيل مع رجال العائلة"..

سأله حسام متحرجا: "هل علم الحج اسماعيل كل شيء؟"

طالعه الحج جمال متفرسا لفترة ليست قصيرة ثم قال: "لقد اضطررت أن أخفي عليه الأمر الآخر، فهو يتسم بشخصية تقليدية غير مرنة، وبالتالي لن يرى الأمر سوى من زاوية واحدة هي أن ابنتنا مذنبة حين وافقت على حضور حفل خاص بالفتيات بملابس خليعة.. وبالتالي سيصر على معاقبتها لتكون عبرة لكل فتيات العائلة، ولهذا اختصرت الأمر كله، وأخبرته أن الأمر لا يخص حنان من قريب أو بعيد وأن تلك الصور مزيفة ولا يُقصد بها فتاة معينة، وإنما يتم نشر أمور مشابهة من وقتٍ لآخر لإحداث حالة من الجدل بين مستخدمي الانترنت في محاولة للتربح من كثرة المشاهدات"..

قال حسام ممتنا بنبرة مرهقة: "أشكرك.. ولي طلب آخر.. أرجو ألا يعلم حمزة شيئا عن الأمر.. فهو يضع أخته في مكانة عالية ولا أريد أن يسيء تقدير الأمور فيقل احترامه لها ولو لدرجة واحدة"..

ظل الحج جمال يرمقه بنظرات غير مفسرة، ثم ابتسم في النهاية، وقال: "أرجو أن نرحب بك قريبا كعضو جديد بالعائلة.. وأثق أنك بإذن الله ستعتني بحنان جيدا.. ولكنني أحذرك.. إذا أصبح هذا الأمر يوما ما سببا في أن تسيء معاملة ابنتنا، فأنا من سيقف لك ووقتها لن يستطيع أحد إنقاذك من بين يديّ.. فأنا وإن كنت حليما أتصرف بمنطقية وأحاول التحرر من العادات القميئة، إلا أنني في النهاية رجل صعيدي"..

ابتسم حسام بحرج وقال: "لا تخشى عليها معي.. بل أتوقع أن أكون أنا المظلوم في تلك العلاقة".. ليتبادل ثلاثتنا الضحك بارتياح لأول مرة منذ دلفنا لمنزل أسرة حنان..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 06:10 PM   #874

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:jded: الفصل الثاني والثلاثون - القسم الثالث

في مساء اليوم التالي، كان الحج اسماعيل ورجال عائلة الرافعي مع أخوال العروس يستضيفون جمعا بقيادة عمي علي الزين واللواء عماد الكومي ويضم حسام وخالد وسليم وأنا..

بالطبع كان الحج اسماعيل متمنعا قليلا في الموافقة على طلب حسام بعقد القران خلال أسبوعين فقط، ولكن نجح عمي وصديقه في إقناعه وتمت قراءة الفاتحة بالفعل، والاتفاق على تأجيل الزفاف حتى ما بعد تخرج العروس..

حين عدنا للقاهرة، كانت شروق منشغلة تماما بالإعداد لتفاصيل عقد القران مع صديقتها التي كانت تخرج من صدمتها رويدا رويدا، بعد أن اضطربت حياتها خلال فترة قصيرة بتفاصيل كثيرة وتغيرات جذرية..

ومثلها تماما، كان شعوري بعدم الاستقرار يزداد يوما بعد يوم، فقررت زيارة الدكتور فؤاد في جلسة تقييم، حتى لا أترك مشاعري تغمرني فأعود من جديد للطرق السلبية في تشتيتها مثل إيذاء النفس أو الانزواء ومعاملة المحيطين بي بطريقة جارحة..

كان الدكتور فؤاد كعادته مبتسما بسماحة وسلام، وسألني بفضول فور أن دلفت لمكتبه: "أهلا بالعريس.. كيف هي الحياة معك؟ كنت أظن أن الزواج سيغير كثيرا من طريقتك في التعامل مع وضعك ولن تعد بحاجة إليّ لفترة طويلة بعد.. ولكن يبدو أنني كنت مخطئا"..

جلست على أحد المقعدين المواجهين لمكتبه، ثم قلت بطريقة مسرحية سخيفة: "سأخبرك قصة أغرب من الخيال".

اعتدل الطبيب في جلسته، وقال باهتمام: "تفضل.. هات ما عندك"..

قلت بطريقة ساخرة كمن يعلنون عن فوز أحدهم بالجائزة الكبرى في أحد برامج المسابقات الدعائية: "لقد وجدت.. عاااااااائلتيييي"..

رفع دكتور فؤاد حاجبيه دهشة، لكنه لم يعلق، وأشار لي فقط بالحديث، فأخذت أروي له كل ما يتعلق بدخول عمي علي الزين في حياتي منذ المقابلة في منزل عائلة خالد، وحتى حضوره معنا حفل خطوبة حسام وحنان..

بعد انتهائي من السرد، صمت دكتور فؤاد قليلا وكأنه يستوعب كل المعلومات التي دفعتها إلى عقله خلال الدقائق الماضية، ثم قال بنبرة ممازحة: "بسام.. هاه؟"

ضحكت ضحكة قصيرة، ثم تساءلت بعتب مرح: "هل ستسخر أنت أيضا من اسمي؟ شروق لم تمرر الأمر أبدا"..

ضحك الطبيب مستمتعا وقال: "تعجبني هذه الفتاة.. ذكية ولماحة.. تجعلك دائما متأهبا في انتظار المعركة القادمة، فلا تسمح لقواتك المحتشدة بالاسترخاء أبدا.. أليست كذلك؟"

شاركته الضحك وقلت مؤيدا: "عمي يقول إنها تشبه الألعاب النارية.. تنفجر بشكل جميل وتضيء ما حولها بألوان مبهجة دون أن تُشكل خطورة على المحيطين بها"..

رد دكتور فؤاد متسائلا: "وأنت؟ كيف تراها؟"

أجبته بعفوية وبدون تفكير: "أميرة محاربة"

تابع هو بسؤاله: "هل تريد أن تفسر؟"

صمتت قليلا بتفكر، ثم قلت: "جزء من شخصيتها راقٍ ونبيل وكريم.. تحب التأنق وتطلب الدلال بخفر وأنفة في نفس الوقت.. تحب العناية بمن حولها.. وهناك جانب آخر يؤمن بالعدالة ويسعى للتنقيب والتحقيق لاكتشاف الحقائق.. تضع الجميع سواء أمام الحق ولا تتنازل في مواجهة المخطئين.. مهما تضعها الحياة في ظروف صعبة، فإنها تصمد وتتحمل.. مرة بالتجاهل ومرة بالبحث عن بدائل.. هي رقيقة وناعمة كالأميرات لكنها ليست مدللة أو مغرورة بل تبحث عن العدالة كمحاربة تخلص لشعبها.. شروق هي المزيج المثالي بين القوة والرقة.. الأنوثة والصرامة.. النعومة والبأس.. وأنا المحظوظ الذي أوقعها القدر في طريقه.. وأتمنى فقط أن أليق بها كأجمل هدية يمكن أن ينالها تعِس مثلي في حياته"..

ابتسم الدكتور فؤاد، ثم قال: "أرى فعلا أن الزواج كان مفيدا لكليكما.. لقد ازداد تقديري لها في الحقيقة حين جاءت برفقتك للتعرف على طبيعة مرضك وآليات السيطرة عليه وفقا للأساليب السلوكية الناجحة.. لكنني لا زلت لا أفهم سبب شعورك بالاضطراب حاليا.. هل تجد صعوبة في الانتقال من حازم إلى بسام؟"

زفرت بتعب، ثم قلت: "كنت بالأساس أجد صعوبة في العيش بشكل طبيعي كــ حازم مع أعراض الإيمباثية..
وعانيت في السنوات الماضية خلال انتقالي للعيش مع حسام بمفردنا في شقة وأنا في سن المراهقة وعلى أعتاب الشباب خوفا من المسؤولية الكبيرة التي اضطلعت بها.. فحاولت إيجاد التوازن في حياتي بإصراري على الإنزواء لسنوات والانكفاء فقط على المذاكرة والملاكمة والأعمال المنزلية.. تلك السنوات أخذت بالطبع من استقراري النفسي الكثير.."

زفرت ببطء، ثم تابعت: "عشت لسنوات موقنا أنني بلا أصل.. مجرد لقيط.. وانقطع كل شيء يخص عائلتي من ذاكرتي.. والآن فجأة تعاودني تلك الأحلام التي على الأرجح هي تجسيد للحظة وفاة والدي في حادث أليم كنتُ قد عايشته في صغري.. ومع ذلك لا أتذكره في يقظتي كما ينبغي.. أعني ألا يجب أن أتذكر اللحظات الأخيرة لوالديّ؟ كنت في الخامسة بالله عليك.. فلماذا لم يبدأ عقلي في تخزين ذكرياتي إلا من بعد دخولي الملجأ؟"..

تنهد الدكتور فؤاد، ثم قال بنبرة هادئة: "هذه أسئلة كثيرة بالفعل.. لنحاول معا فك حزمة الخيوط المتشابكة الممتلئة بالعقد في نفسك واحدة تلو الأخرى.. لنبدأ من آخر سؤال لك.. كيف تعمل الذاكرة؟"..

طالعته باهتمام، فتابع هو: "العقل البشري يا حازم أمر إعجازي مازال يحير العلماء حتى الآن.. ليس هناك صورة ثابتة يمكن تطبيقها على الجميع فيما يخص طريقته في تحليل وتخزين البيانات والوقائع.. أنت تعرضت لحادث كارثي في سن صغيرة.. أحيانا يلجأ العقل لمحو الذاكرة المتعلقة بمواقف معينة لحماية صاحبها.. فقد ذكرت الكثير من الدراسات أن الأطفال خصوصا حينما يتعرضون لحوادث مفجعة في سن صغيرة، فإن عقلهم يميل لمسح كل تفاصيل تلك الحوادث، ويصبح من الصعب عليهم استرجاعها بوضوح تام.. وهناك حالات لا تنجح أبدا في استعادة ذاكرتها مهما قابلت شخصيات من ماضيها"..

توقف الدكتور فؤاد عن الحديث، ثم أمسك بقلم معدني من حاوية الأقلام المستقرة على مكتبه، وأخذ يقلبه بين أصابعه لفترة ثم وضعه جانبا، وأكمل: "لست طبيبا متخصصا في معالجة (اضطراب ما بعد الصدمة) ولا أظن أنك تعاني من أعراض هذا المرض سوى في نقطة واحدة وهي نسيان ما كان قد تم قبل أكثر من خمس وعشرين عاما.. ربما مع تواجدك في ملجأ للأيتام ومعاناتك الأولية مع الإيمباثية، فإن طاقتك كلها قد تركزت في محاولة النجاة داخل هذا المكان خاصة وأن تجربتك بداخله لم تكن سهلة أبدا كما رويتَ لي.. فاستسلمت للخداع الذي أجبرك عقلك عليه وجعلك تتجاهل تلك الحقبة من حياتك، ولم تعد تتذكرها إلا بعد دخول علي الزين في حياتك واستثارته لمراكز التذكر بما يخص ماضي عائلتك، فبدأت تتذكره في صورة أحلام تتعلق باللحظة الأخيرة من حياتك السابقة والتي كانت صادمة بما يكفي لكي يطمسها عقلك كنوع من الحماية لك.."

نهض الدكتور فؤاد من مقعده، ثم تحرك حول المكتب، حتى استقر في المقعد الجانبي المواجه لي، وربت على ساقي بحنو أبوي، ثم أردف: "أما فيما يتعلق بسنوات مراهقتك وبداية الشباب والتي سبقت دخول خالد حياتك، فلا يمكن اعتبارها نقمة عليك.. بل أرى أنها كانت مرحلة من أهدأ مراحل حياتك بعيدا عن التنمر ومسببات التشاعر لإرهاق مشاعرك في هذا السن الذي يمر من خلاله أغلب المراهقين بالكثير من الاضطرابات النفسية والعاطفية.. فتعلمك للطهي وانتظامك في تدريبات الملاكمة، كانا عاملين أساسيين في تخلصك من طاقتك السلبية وإعادة التوازن لداخلك دون أن تتورط في حوادث من شأنها أن تسبب خطورة على حياتك.. لذا فإنني أرى أن السبب الحقيقي لكونك تجد صعوبة في الانتقال من حازم إلى بسام يتعلق بشكل أكبر بمن يحيطون بك.. وليس بك شخصيا أو بمرضك.."..

سألته ببلاهة: "من تقصد؟"

فأجاب الطبيب ببساطة: "مثلا حسام.. أو شروق".

سألته بتوتر: "ماذا عنهما؟"

رد الدكتور باسما: "أخبرني أنت.. ماذا عنهما؟ هل يتقبل حسام فكرة إعلان هويتك الحقيقية وانتمائك لعائلتك الأصلية أم يعتبرها خطوة حاسمة في علاقتكما من شأنها أن تفصل بينكما للأبد وتحرمه من المكانة المميزة التي
تعود عليها واستكان إليها كأخيك وعائلتك الوحيدة؟"

أجبته بحذر: "حسام لم يكن متقبلا للأمر من البداية، وأخشى أن لديه بعض المخاوف العالقة.. لكنني منذ حصلت على نتيجة تحليل إثبات الوراثة، وأنا لا أفارقه.. حتى أنني لا ألتقي بسليم وعمي علي كثيرا حتى لا يظن أنني أستبدلهما به"..

قال الطبيب معقبا: "حسام يحتاج لأن يخوض تلك المرحلة بدون حنو زائد.. فاللطف عندما يكون في غير محله يتحول لإقصاء مستتر.. ما يجب أن تفعله هو أن تتعامل بشكل طبيعي بلا مغالاة، وأن تجعل علاقاتك الجديدة تتشكل بسلاسة وعفوية، ووقتها فإن علاقاتك القديمة ستجد لنفسها مكانها الصحيح داخل دائرة حياتك.. وتذكر دائما أنك لست خاضعا لاختبار للولاء.. والإجابة ليست في الانحياز لطرف ضد طرف.. بل عليك أن تحاول إيجاد نقطة الإتزان لحياتك بعد المستجدات الهائلة التي طرأت عليها".

أطرقت برأسي بضع مرات ببطء مقتنعا بما يعرضه الدكتور فؤاد الذي استطرد بنبرة محذرة: "لكن عليك ألا تنسى أيضا أن حسام نفسه يعاني من تأثيرات إصابته التي مازال يتكيف معها.. صحيح أنه بدأ يرسم طريقه للمستقبل ويسير فيه بخطوات إيجابية كما فهمت منك، لكنه قد يتعرض لانتكاسة في آية لحظة، خاصة إذا شعر بالتهديد أو عدم الاستقرار، ووقتها سيكون واجبك أنت أن تبثه الطمأنينة".

سألته متحفزا: "وماذا عن شروق؟"

رد هو: "أخبرني أنت.. ما الذي يقلقك بشأن رد فعلها حول استيعابك لهويتك الأصلية كــــ بسام؟"

قلت بصدق: "في الحقيقة، ظهور هويتي العائلية يجعلني أشعر بالاعتزاز.. وكأنني قد اكتسبت مكانة رفيعة تضعني على مستوى قريبٍ منها.. كانت عقدتي منذ البداية هي شعوري بالضآلة وعدم القيمة إلى جوارها كوني لقيط تربيت بملجأ أبيها.. لكنني الآن، لم أعد أشعر بالدونية والحقارة بعد أن عرفت هويتي الحقيقية.. غير أن تلك النقطة تحديدا هي ما ستجلب بيننا الفراق الذي كنت أخشاه"..

سألني دكتور فؤاد باهتمام: "وكيف ذلك؟"..

ابتسمت بمرارة، وأجبت: "أليست الإجابة واضحة؟ إذا كنت قد تربيت في ملجأ يمتلكه والدها، الذي كان هو بالأساس عدوا لعمي علي لأن هناك ثأرا قديما بينهما، بالتالي سيكون سعيي للانتقام الذي يطلبه عمي - وأتمناه أنا - جراء كل ما فعله رحيم عماد الدين بي وبأخي وبآخرين، سببا في انفصالنا.. أليس كذلك؟".

أومأ الطبيب برأسه متفكرا، فتابعت بتحفز: "تخيل معي أن أتوجه غدا على سبيل المثال إلى النيابة العامة وأقدم ما بحوزتي من أوراق تثبت المخالفات المالية الجسيمة لوالدها.. كيف سيكون رد فعلها وقتها؟ خاصة وأنني لا يمكنني تسليم نفسي والاعتراف بالجرائم التي كان يدفعني لارتكابها قسرا"..

رفع الدكتور فؤاد حاجبيه دهشة، فتابعتُ شارحا: "قمت بتهديد أعدائه وابتزازهم، لكنهم لن يتعرفوا عليّ أبدا.. لأنني وقتها كنت شبحا ملثما ولن يمكن حتى للضحايا الشهادة أنني أنا من هددتهم.. كيف يمكن لهم التعرف على طيف أسود لعين كان يزورهم بغتة ويختفي بغتة فقط من أجل ترويعهم كي يبتعدوا عن طريقه.. أي أن والدها سيكون المدان الوحيد أمام القضاء.. وبقضايا مالية على الأغلب.. ألن تشعر هي حينذاك بالنفور مني لأنني لن أدفع ثمن أخطائي؟"..

شرع الطبيب في الرد، لكنني قاطعته بتوتر: "أتدري؟.. لقد أخبرتها بالفعل من قبل بنيتي السير في طريق الانتقام وهي لم تظهر وقتها اعتراضا صريحا.. لكنني لا أعلم كيف سيكون رد فعلها عندما يدخل الأمر حيز التنفيذ"

تنهد الدكتور فؤاد ثم قال: "أنت أجبت بنفسك.. ما كنت لتفعل ما تفعله لأجل رحيم طوعا.. كان الأمر جبريا.. ونتيجة لعدم وجود أدلة مادية، فإن اعترافك على نفسك سيكون مجرد إثارة زوبعة من شأنها الإساءة لسمعتك بشكل علني دون أن تتم إدانتك في النهاية.. ولهذا أنصحك بنسيان هذا الجانب تماما.. استعادتك لهويتك تعني بداية جديدة خالية من كل سوءات الماضي.. وخصوصا الوقوع تحت وطأة القهر والابتزاز والخضوع لتهديدات رحيم عماد الدين من جديد.. آن الأون لكي تتخلص من هذا الورم الشيطاني للأبد وتتحرر من كل أخطاء الماضي وآلامه"..

تركت عيادة الدكتور فؤاد وعقلي متأرجح بين عدة احتمالات فيما يخص خطتي للانتقام من والد حبيبتي، ورد فعلها المحتمل عندما أشرع بتنفيذ تلك الخطة..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 06:15 PM   #875

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
New1 الفصل الثاني والثلاثون - القسم الرابع

عند اقتراب نهاية الأسبوع الأول، سادت حالة من الجدل عبر منصات التواصل الاجتماعي بعد الإعلان عن عدم التوصل للمحرضين على أعمال العنف والاعتداء ضد المتظاهرين يوم الثاني من فبراير المعروفة إعلاميا باسم "موقعة الجمل"..

بالطبع، لم تفلح التحقيقات في الوصول لرحيم كمحرض مباشر على الواقعة.. ليس وهو يستعين بمجرمين غير مسجلين في الأوراق الرسمية وليست لديهم هويات يتم الاستدلال بها عليهم، كما أنهم لن يعترفوا ضده.. وحتى إن حدث، لن تشير آية أدلة له بشكل صريح وسيتم اعتبار تلك الشهادات والاعترافات مجرد محاولة لتشويه سمعته، وفي النهاية سيتم حفظ التحقيقات ضده..

كانت شروق في حالة نفسية غريبة خلال تلك الفترة.. ولكن لسبب ما، تجنبنا تبادل الحديث بشكل صريح حول هذا الأمر.. وكأن كل واحد منا يتوقع أنه سيتسبب في إفساد الاستقرار الهش لحياتنا الزوجية، لذلك انشغلت هي بمتابعة مناوباتها واستغلت كل أوقات فراغها لمرافقة حنان في رحلات التسوق المتكررة من أجل حفل عقد القران، حيث وجه الحج جمال تحذيرا صريحا لحسام بعدم مقابلة حنان أو الخروج معها قبل عقد القران، مما أصاب أخي بحالة من الحنق بعد أن اضطر لشراء شبكة عروسه بدون حضورها، كما أنه أصر على إهدائها إطلالة عقد القران، فاشترى لها فستانا وحذاء ووشاحا للرأس دون أن ترافقه أيضا لشرائهما، مكتفيا بتوجهها هي مع شروق للتسوق والتأكد من مناسبة القياسات لها..

ومع قرب الاحتفال، اقترحت على حسام دعوة عمته لحضور المناسبة، لكنه رفض متعللا بعدم رغبته في عدم تعقيد الأمور الآن، لكنني كنت أعلم أنه لا يريد إدخالها في حياته بعد كل تلك السنوات..

وافقته على مضض وأنا أهيئ نفسي للتخطيط لطريقة أخرى لكي يتسامح حسام مع عمته ويعيدها إلى حياته من جديد.. بينما حاولت أنا اتخاذ بعض الخطوات في سبيل التقرب من عمي وابنه، من خلال بعض المحادثات الهاتفية، حتى أنه استضافني ذات مرة داخل مكتبه الفاخر بمقر شركته في العاصمة والتي يدير منها تجارته لتصدير وتوزيع منتجاته الغذائية والزراعية، وكان يريد وقتها تقديمي لجميع الموظفين كابن أخيه الذي عاد بعد فراق.. لكنني ارتأيت تأجيل الأمر لفترة أطول بعد، حتى أكون جاهزا لاسترداد هويتي الحقيقية التي يحول بيني وبينها حاليا أمر واحد.. الانتقام..

ولهذا، فقد انشغلت طوال الأيام التالية بالتفكير في مسألة الانتقام من رحيم.. وبعد أن حسمت قراري، اجتمعت مع عمي بمنزلي، والهدف بالطبع هو إعلامه صراحة أني نويت ألا أسير في طريق الانتقام من رحيم، خوفا على مستقبل زواجي بابنته، مقررا تجاهل الماضي بأكمله والسير فقط نحو طريق المستقبل كيلا أخسر المزيد..

كنا نتبادل الحديث بهدوء داخل الغرفة التي اتخذتها مكتبا لي للعمل من خلالها.. ولكن، فور أن خرجت الكلمات من فمي، استشاط عمي غضبا، وأخذ يلهث بضيق وانفعال تغضن لهما وجهه، ثم هتف بحنق: "بسام.. ألم تتساءل يوما عن دافعي للانتقام من هذا اللعين؟ كيف تتصور السبب الرئيسي لخلافي معه؟"..

أجبته ببلادة: "لا أعلم.. ربما قد آذاك بطريقة ما خلال منافستكما على بعض الصفقات؟ أو تسبب في انهيار إحدى تجاراتك باحتكاره لها مثلا؟"

ضحك العم علي بمرارة وغيظ، ثم قال بحرقة: "بل هو الدم.. انتقامي من رحيم سببه رغبتي في الثأر.. لي ثأر دم لديه.. وأنا لا أترك ثأري.. وإن كنت لن أرد الدم بالدم، وإلا كنت قتلته وقت تدميره لعائلتي.. صبري عليه طوال تلك السنوات لا يعني أنني نسيت ما فعله أو عفوت عنه مثلا.. كنت أنتظر أولا استعادة كنز عائلتي المفقود، ثم البدء بمعاقبته قانونيا وهدم مملكته القذرة بالكامل حتى يتحسر وهو يرى بعينيه السقوط المدوي لكل ما ضحي من أجله بأثمن ما يمكن للمرء أن يناله.. ".

نهضت عن مقعدي بعنف، ثم سألته بتوتر: "دم؟؟ ما الذي فعله رحيم لعائلتك؟ هل؟ هل؟"

رفع عمي حاجبيه وجحظت عيناه بانفعاله المكتوم، ثم أكمل بنبرة مؤنبة وجهها لي مباشرة وهو يسأل بسخرية مريرة: "هل تخبرني أنك لم تتساءل يوما عن سبب اقتحامي لحياتك حتى بعد أن علمت أن والديك قد تُوفيا في حادث انتهى بك في دار الأيتام التي يشرف عليها ذلك الحقير بنفسه؟ ألم تربط الخيوط معا بعد؟ كنت أظنك أكثر ذكاء وستدركها بمفردك دون أن أضطر لأن أعلنها بنفسي"..

حاولت السيطرة على الرجفة التي سرت بداخلي لتسبب ارتعاش يديّ دون سيطرة مني بعد أن تدفقت إلى أطراف أصابعي حمم ملتهبة من الدم المندفع بعنف من شراييني وأوردتي صارخا بما لم أنتبه له منذ اللحظة الأولى.. أو ربما تعمد عقلي التعتيم عليه كيلا أسارع وأقتله خنقا بيديّ إذا أدركت تلك الحقيقة في وقتها..

هل قتل رحيم والديّ؟
بالتأكيد فعل..

إنه لا يضع حرمة للدم، ولا يتوقف عنده لولا أنني أنا من رفضت، لكنه بالتأكيد كان يستعين بآخرين لتنفيذ خططه الدموية التي أنأى بنفسي عنها.

الوغد.. القاتل..
استأجر من يتسببون في الحادث المروري الذي ......
الذي راح ضحيته والديّ..

تهاويت على المقعد وقد خارت قواي تماما، وأنا أهمس بعدم تصديق: "ولكن.. لماذا؟ ماذا فعل له والدايّ ليكون انتقامه منهما بتلك الوحشية؟ هل؟ هل؟".

كنت أنوي أن أسأله عما إذا كان والدي قد ظلمه، ولكن إذا كنت سأراهن على من الظالم بينهما.. سيكون رحيم بالتأكيد.. هذا الرجل يتنفس الفساد، والظلم يسري في شرايينه مسرى الدم، ولا يمكن لأحد أن يفوقه شرا وضلالا..

على المقعد المواجه لمقعدي، جلس عمي علي أمامي، وبدأ يسرد ما حدث بالماضي بنبرة منهكة.. لا أدري إن كان سببها تقدمه في العمر أم شعوره بالأسى على الطريقة التي رحل بها والديّ..

قال عمي بصوت يئن من ألم الذكرى: "التقى والدك رحمه الله رحيم لأول مرة في الجامعة حيث كانا يدرسان بكلية التجارة، وبدأت بينهما صداقة قوية على الرغم من أن والدك كان متفوقا دراسيا ومن أسرة ميسورة الحال مقارنة برحيم الذي نشأ في أسرة محدودة الدخل ولم يكن النبوغ العلمي من أحلامه.. على الأرجح كان يبحث عن الثراء السريع بكل وسيلة ممكنة، لكننا لم ننتبه لهذا الأمر وقتها"..

تنهد عمي ثم تابع: "أما عن باقي القصة، فقد كان أقرب للأفلام الدرامية القديمة، حيث سارع والدك بعد بضع سنوات من التخرج، بتأسيس شركة للاستثمارات الxxxxية واستعان في إدارتها بصديقه المقرب نظرا لانشغاله في تحضير رسالة الدكتوراه.. وهذا ترك المجال بالطبع لرحيم للتلاعب بأرباح واستثمارات الشركة، نظرا لانشغالي أنا في مشروعاتي بالبلدة، بينما كان والدك شبه مستقر بالعاصمة، ولكن يركز أكثر في الجانب الأكاديمي من حياته، مكتفيا فقط بمتابعة المشروع من بعيد، خاصة وأنه كان ناجحا بالفعل بفضل اسم عائلة الزين التي لها سمعتها ووزنها في السوق"..

تردد عمي قليلا، ثم أكمل: "ثم حدث الأغرب، وذلك عندما وقع كلاهما في حب تلك الفتاة التركية الحسناء التي تركت بلدها واستقرت هنا لكي تدرس بجامعة القاهرة، ولكن بالطبع ذهب رحيم أولا لكي يعترف لها بحبه، ثم تزوجها بعد أن تزوج والدتك من إحدى قريباتنا من جهة الأم"..

ماذا؟ هل كان أبي واقعا في حب والدة شروق؟ ولماذا تزوج أولا إذًا؟

ربما لكي يثبت لصديقه أنه قد تخطى مشاعره نحوها أو شيء من هذا القبيل..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 06:18 PM   #876

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: الفصل الثاني والثلاثون - القسم الخامس

دون أن يتركني عمي للشرود في تلك الفكرة، تابع بنبرة غاضبة: "بعد حوالي خمس سنوات من إنجابك، كانت ثروة رحيم قد تضخمت كثيرا بالفعل، وهو ما جعل والدك يتشكك في أمره، وبالنهاية اكتشف اختلاساته المادية التي أسس بها مشروعاته الجانبية المشبوهة، فقرر إقصائه عن الشركة التي منحه فيها نسبة من الشراكة نظير تفرغه للإدارة، وهو ما رفضه رحيم لأن الشركة كانت بالنسبة له الواجهة البراقة ناصعة البياض لأعماله الفاسدة المشبوهة، نظرا لما تتمتع به عائلة الزين من سمعة طيبة في مجتمع المال والأعمال"..

سألته بانفعال: "وماذا حدث بعدها؟ لا تقل لي إنه قد تآمر ضد أبي؟"

استطرد عمي مقاطعا ليؤكد ما دار في رأسي: "هذا ما حدث بالفعل.. لقد خطط رحيم للتخلص من والدك والانفراد بالشركة، فقام بتدبير حادث السير الذي راح ضحيته والداك وأيضا الجنين الذي كانت تحمله والدتك في رحمها، حيث أنها كانت حامل في الشهر الرابع بطفلها الثاني"..

شهقت فزعا من تلك الصورة القاتمة التي رسمها عمي لنهاية حياة والديّ وشقيقي الذي لم يخرج للعالم حيا..
تابع عمي بنبرة شديدة الضيق والاستياء: "وبالطبع، حاولنا مرارا إثبات تخطيطه لقتلهما، لكن لم تفلح النيابة في الوصول لدليل وتم قيد الحادث ضد مجهول.. والأدهى..".

سألته بغضب: "هل هناك أدهى من ذلك؟ لقد قتل عائلتي كلها بضربة واحدة.. لعنة الله عليه.. سأجعله يندم.. الوغد.. الملعون"..

أكمل عمي: "الأدهى أنه قام بتزوير أوراق تثبت أن والدك قد باعه الشركة بنفس اسمها التجاري، وزعم أنه قد دفع لوالدك المبلغ كاملا ليلة الحادث، ولكن بالطبع، الشرطة وجدت السيارة خالية إلا من جثتيهما.. لم تكن حقيبة النقود بالسيارة.. ولا أنت.. طبعا أشك أن والدك قد وافق على التنازل عن مشروعه لرحيم مقابل حفنة من الأموال.. لم يكن ما يشغلنا وقتها هو قصة تزوير التنازل أو خسارة الشركة، بقدر ما أفجعتنا وفاة والديك والجنين، واختفائك الذي قسم ظهرنا.. لكننا بكل الأحوال لم ننجح بإثبات تهمة التزوير لأن إمضاء والدك كانت صحيحة.. وأغلب ظني أن رحيم قد دس ورقة التنازل والبيع بين باقي الأوراق ووقّعها والدك بحسن نية.. لكن..".

لم أتمالك نفسي بعد كل ما سمعته بعد أن عادت بي الذاكرة لموقف مشابه منذ فترة، فضحكت بشكل هيستيري دمعت له عينايّ قهرا، حتى أن عمي ظهرت على وجهه علامات القلق خوفا من أن أكون قد أصبت بأزمة نفسية..

المسكين لا يعلم بعد أن ابن أخيه الذي زرع الدنيا بحثا عنه، مصاب بالفعل بمرض نفسي لا علاج له، ويحاول بالكاد التعايش معه..

حين هدأت قليلا وتباطأت سرعة ضحكاتي المجنونة، قال عمي: "في الحقيقة كان المصاب مفجع.. خسرنا عائلة أخي بالكامل.. سليم وسمية والجنين في لحظة واحدة.. وبسام؟ اختفى تماما.. أرسلت رجالا للبحث عنك حول محيط الحادث لأيام.. وسألنا كل أصحاب المنازل المتناثرة على أطراف تلك البقعة.. ولم يستدل عليك أحد.. كنا نجوب المستشفيات في محيط أربع محافظات حول نفس البقعة.. ولا آثر وحيد لك.. وكأنك تبخرت في الهواء.. أو انشقت الأرض وابتلعتك.. ثم.. ثم.. أجدك بعد كل تلك السنوات وقد تربيت تحت كنف رحيم نفسه.. أخبرني أنت عن تلك المصادفة الملعونة"..

حادثته بتوتر ممزوجا بمرارة استقرت بحلقي لا تفارقه: "لقد نشأت في البداية لأكثر من عشر سنوات داخل الميتم الذي أسسه رحيم، وبعدها انتقلت وحسام لشقة صغيرة للغاية بحي بسيط هادئ.. عشنا تحت ساتر الظلام لسنوات.. وبعد أن عملت لدى رحيم وبدأتُ استثماراتي الخاصة في البورصة وتجارة الxxxxات الصغيرة، نجحت في شراء شقتنا التالية بحي جاردن سيتي التي أقمنا بها لفترة ليست قصيرة.. ثم انتقلنا مؤخرا إلى الفيلا بذلك التجمع السكني الجديد.."..

قطعتُ حديثي بعد أن هاجمتني فكرة عبرت عنها بصوت مرتفع قائلا بصوت لم يتخلص بعد من صدمته: "لكن.. إذا كنت أنا قد نسيت هويتي بسبب صدمة الحادث.. فكيف لم يتعرف رحيم على ملامحي؟ هل كان أبي يبعدني عنه؟"

رد عمي بعنف: "بل على العكس.. كان رحيم يعرف ملامحك جيدا.. لأنه كان يقيم حفلات بشكل شبه أسبوعي ويصر على دعوة والديك إليها.. ربما للتباهي.. ولم تكن سمية تقبل تركك بمفردك مع الخادمات بالمنزل، فكانت تصطحبك في تلك الحفلات وتتخذك ذريعة للاستئذان والرحيل مبكرا"..

شردت قليلا في المرة الأولى التي قابلت فيها رحيم داخل الملجأ.. حين كان عمري يتجاوز العاشرة بقليل.. وقتها كان هو يتصرف بتوجس وحيرة وهو يتفرس في ملامحي ويسألني عن سبب ترك أهلي لي لكي أحيا بائسا في الملجأ، حتى أنه ظل يناديني في الزيارات التالية بــــــــ الـلقيط.. أي أنه كان يعرف من أنا.. ومع ذلك يصر على إهانتي وإذلالي..

أطلق عمي سبة غاضبة، بينما أخذت أتحرك في كل الاتجاهات حتى عثرت في سعيي العشوائي داخل الغرفة على منضدة جانبية تستقر عليها عدة مزهريات خزفية صغيرة، فأخذت أحطمهم واحدة تلك الأخرى، إلى أن اقتحمت شروق الغرفة، متسائلة بنبرة مترددة والقلق والتوتر يطلان من بين جفونها: "حازم.. هل أنت بخير؟ هل تحتاج لشيء؟".

بالكاد، تمالكت أعصابي ثم رمقتها بنفس الغضب الذي يموج بعينيّ في تلك اللحظات دون أن تكون لي القدرة على مداراته، وأجبتها بنبرة محتدة وأنا أحرك نظري بعيدا عنها كيلا يزداد قلقها: "أنا بخير.. دعينا بمفردنا رجاء"، فتوقفت هي لثانيتين تحرك نظراتها بيني وبين عمي، إلى أن استدارت وغادرت الغرفة مغلقة الباب خلفها في هدوء..

استدرت لعمي، وقلت بصوت شبه ضائع: "رحيم كان يعرف جيدا من أنا.. وعلى الأرجح استبقاني تحت عينيه لكي يذلني.. لا أصدق أن عدائه مع والدي دفعه لأن يكن انتقامه منه متطرفا وكاسرا بهذا الحد.. لقد ضاع عمري وأنا أخدمه بمذلة وانكسار.. كيف يصر على الانتقام من أبي بي لدهر بأكمله؟ أعتقد أن كل الإجابات على تساؤلاتنا لدى رحيم.. ولن أهدأ حتى يعلنها لي.. ووقتها سيكون انتقامي قاهرا لكل ما عاش حياته يبنيه.. سأجعله يتحسر بعد أن يخسر كل ما جمعه بلحظة واحدة مثلما حدث لقارون.. سأنسف عالمه كله وأتركه ليشاهد فقط لتقتله الحسرة"..

صاح عمي هاردا: "بسام.. أنت لن تفعل شيئا مجرَّما قانونيا.. لن أتحمل خسارتك بعد أنت وجدتك أخيرا.. لا مزيد من الخسائر.. إذا كنت قد عجزت عن حماية والدك من مكائد رحيم واستهنت بمدى عفونته وقذارته قبل نحو ثلاثين عاما.. فإنني اليوم أعرف جيدا كم هو حقير وخائن ومدنس..".

اقترب عمي بخطوات تنضح بالإصرار، فاعتقل وجهي بين كفيه، وهو يقسم بحزم: "لا والله.. لن أسمح له ليعبث بحياتك أكثر مما فعل بالفعل.. لن تخسر لحظة واحدة من عمرك الذي لم تعشه بعد ثمنا لهذا الثأر.. إذا كنا سننتقم منه وهذا أحب شيء لقلبي.. فسيتم الأمر بشكل قانوني.. أنا لم أخبرك كل أسرار الماضي حتى تقع فريسة لغضبك وتتصرف بحماقة.. الآن علينا التخطيط لكي نوقعه في شر أعماله.. ويكون هو من يقع بقدميه طوعا في الشرك التي سننصبها له دون أن تتدنس أيدينا"..

عارضته هادرا: "ولكنه ياعمي.. قتل.. عائلتي.. كلها.. ووضعني في دار الأيتام لأصبح عبدا له طوال حياته ينتقم من والدي فيّ.. لقد كاد أن يجردني من إنسانيتي لولا أنني لم أطاوعه وقاومته قدر ما استطعت.. أتدري يا عمي؟.. كنت أعلم جيدا أنني لست لقيطا فلا يوجد طفل يظل بلا شهادة ميلاد حتى سن الخامسة.. ولكنه ظل يناديني بهذا اللقب حتى كدت أصدقه.. كدت أصدق أن والديّ قد تخليا عني بمحض إرادتهما.. وهذا ما جعلني أستسلم له في أكثر لحظاتي ضعفا ويأسا، لأنني في وقتٍ من الأوقات ظننته السند الوحيد لي.. والآن أريده أن يدفع ثمن كل هذا الخداع الذي مارسه عليّ وأحال حياتي به لجحيم مستعر مطبق"..

رد عمي بابتسامة باهتة: "لكنه أهداك أجمل نبتة في حياته.. منحك أثمن جواهره.. القطعة النفيسة التي لم يقدر قيمتها الحقيقية بضيق أفقه وقصر نظره الذي لا يرى سوى بريق الثروات بدلا من النفوس النقية التي تجعل للحياة معنى.. بل تجعل الحياة نفسها غاية.. لقد منحك شروق.. حبيبتك.."..

ناظرته بدهشة ولم أقو على الكلام، فتابع هو بنبرة حانية: "لا تظن أنني لا أعرف الحب فقط لأنني كهلا.. إنني أرى نظراتك العاشقة لها التي تتبعها كلما ظهرت أمامك وكأن عينيك لا تنجذبان إلا لها.. منذ اليوم الأول الذي رأيتكما معا فيه ببيت عماد الكومي.. حتى حين كنت غاضبا منها، كنت ترمقها بتلك النظرات.. وكأنك تريد أن تحفظها داخل عينيك حتى لا يؤذِها أحد.. فلا تظن أن تصرفك الآن بحماقة سيكون مفيدا لها.. بالأساس أنت كدت تنسى أمر الانتقام وتراجعت عنه من أجلها.. أليس صحيحا؟".

أطرقت رأسي بخزي، وأجبت: "بلى.. ولكن كان ذلك قبل أن أعرف الحقيقة.. أريد أن أبحث بدقة في قضية مقتل والديّ.. هل تعرف المحامي الذي تولاها قبل خمس وعشرين عاما؟"

قال عمي بحماس: "أجل.. كما أنني أمتلك نسخة من ملف القضية وبعض القصاصات من صفحات الجرائد التي قامت بتغطية الحادث وقتها.. لكن ذلك الملف في بيتي بالبلدة.. ربما حين نعود من حفل عقد قران أخيك، نمر بالسيارة على بيتنا بالقرية، لكي تتعرف على بعض أقاربنا هناك.. أريد أن أقدمك لهم يا بني.. فالأعمار بيدي الله.. ولا أعرف متى من الممكن أن تجتمع عائلتنا كاملة احتفالا بك.. وطالما أنك ستقف ضد رحيم علنيا بكل الأحوال.. صار أمر إعلان هويتك الحقيقية حتميا"..

منحته إيماءة موافقة، وقلت: " لنفعل بإذن الله.. عقب عقد القران.."


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 06:22 PM   #877

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Bravo الفصل الثاني والثلاثون - القسم السادس

في تلك الليلة، كانت الأفكار تتصارع بداخل رأسي، حتى تحولت لإعصار كاسح لا يمكن الاقتراب من مركزه دون الهلاك..

كانت تتلاعب بي المعلومات التي عرفتها من عمي والكلمات التي ذكرها الدكتور فؤاد قبلا، ورأسي يزأر بكلمتين.. "الانتقام".. و "الفراق"..

كان لديّ يقين غريب أن سيري في طريق الانتقام سيستتبعه حتما انفصال شروق عني.. وإن لم يتم ذلك لشعورها بالخيانة من جانبي أو حزنا على أبيها، فإنه سيتم لشعورها بالخزي والعار بعد أن تتحطم سمعة والدها ويُفتضح تاريخه القذر الذي نجح بألاعيبه في التغطية عليه باستغلاله وسائل الإعلام للتشويش على الحقائق وإعطاء الأكاذيب المصداقية بأقذر الطرق..

صحيح أن شروق حينما وافقت على الزواج بي، كان هدفها هو الزج بي وبوالدها في السجن، لكن لا يمكن التنبؤ فعليا كيف سيكون رد فعلها عندما تدخل أمنيتها محل التنفيذ..

هل هتسامحني يوما وتفهم دوافعي نحو سيري في طريق الانتقام؟

كنت متمددا على السرير شاردا بأفكاري برغم مرور ساعات على رحيل عمي، فلم أنتبه إلا حين اقتربت مني شروق تربت على جبهتي وتلامس بأناملها خصلات شعري الأمامية برفق لتعيدني من ذلك السفر الطويل الذي سبحت فيه بأفكاري حتى تخطيت السحب إلى طبقات الهواء الخارجية بحثا عن سبيل أضمن به بقاءها معي برغم ما أنتوي عمله..

حين فتحت عينيّ، فغرت فمي مشدوها بما كانت تناظره عيناي بتلهف وجوعٍ..

شخصت أمامي في اللحظات التالية شروق، وهي ترتدي واحدة من تلك الغلالات الكاشفة التي بدّلت هيئتها البريئة الناعمة لأخرى صاخبة ومتغنجة و شديدة الإغواء.....

كانت فتنتها الطبيعية قد تضاعفت عشرات المرات لمجرد أنها قد ارتدت واحدة من تلك الغلالات المثيرة وكثّفت زينة وجهها قليلا لتحصل على مظهر بري لتتحول من هرة ناعمة مستكينة إلى نمرة مهيمنة حضورها طاغٍ..

يبدو أنها حين شعرت بتوتري وشرودي اليوم، قررت أن تستجيب لرغبتي القديمة والتي كنت أتمنى دوما وألح عليها لتنفيذها، فقبلت ارتداء بعض ملابس النوم الجريئة التي كدّستها الخالة سناء في الخزانة بعد أن انتقلت للإقامة معنا..

وما أنا إلا إنسان بسيط عاشق لزوجته وقد ذابت تلال مقاومته في بحار هواها، فلم يعد يمتلك منها في تلك اللحظات مثقال ذرة واحدة بعد أن أطلت أمامي بتلك الهيئة المبهرة.. لذلك استجبت لها بكل حواسي، وتبخرت كل الأفكار الأخرى من رأسي..

كنت أشعر وهي بين أحضاني في تلك اللحظات أن هذا ربما يكون لقاءنا الأخير، ولهذا تعاملت معه من هذا المنطلق، فأخرجت كل مشاعري ووضعتها بين راحتيها وأنا أهمس لها بين الحين والآخر: (تذكري فقط أنني أحبك)، مظهرا لها امتناني لسخائها مع عاشقها الذي ربما يخذلها قريبا بعد أن أعلنت أخيرا ثقتها به..

هي لم تعترف حتى الآن بحبها لي بشكل صريح، لكنها بالتأكيد أظهرت مرارا ثقتها بي، حتى أنها تجاوزت عن كل شكوكها السابقة بشأن كوني نسخة مصغرة من والدها بكل شروره وآثامه..

وربما ستسقط كلمة النهاية قريبا لتصرع حكايتنا وتحيلها إلى حطام لا يمكن رأبه، حين أكشف لها وللجميع مدى بشاعة والدها وانغماسه في إيذاء الجميع من حوله بلا رادع..

بعد نهاية جولة حارة من العشق أنهكتني تماما كمناضل أخذ يزرع أرض الميدان ليترك في كل بقعة ذكرى منه وهو يعلم أن مصيره إلى الأسر لا محالة، غادرتني شروق إلى عالم الأحلام الهانئة التي تهدهد أنوثتها وتربت على قلبها بحنان يطمئن قلقها الذي انتقل إليها بعد أن اقتحمت جلستي مع عمي..

أما أنا فأمضيت ساعات الليل الباقية تائها في حيرتي وقلقي من مغبة ما عزمت على تنفيذه..

۞۞۞۞۞۞۞۞۞

مرت الأيام التالية وأنا منشغل في ترتيب خطتي لتسليم رحيم للشرطة بتقديم كل أدلة المخالفات المالية له والتي أحتفظ بها بحوذتي.. فيما كنت أخصص ما يتبقى من وقتي لمساعدة حسام في الإعداد لعقد قرانه، وبالطبع لم أخبره عن خطتي حتى لا أزيد توتره الذي يسيطر عليه خوفا من أن يحدث شيء يتسبب في إفساد الحفل..

كانت شروق قد بدأت تلاحظ تباعدي عنها منذ تلك الليلة التي تبادلنا فيها عزف ترانيم الغرام كأنشودة وداع..
كانت نظراتها تتبعني وتساءلني عن سبب جفائي المفاجئ، لكنها لم تتشجع مرة واحدة لتسألني عما هنالك.. وكأنها تدرك بداخلها أنها إذا سألت.. فإن الإجابة التي ستتلقاها ستحطم ما بيننا..

ولهذا تعمدت هي كذلك الانشغال مع صديقتها إلى أن حان موعد السفر للمدينة الجنوبية..

كانت حنان بالطبع قد سبقتنا مع والدتها وشقيقها برحلة برية طويلة بالقطار بناء على أمر عمها الحج اسماعيل الذي أصر على ألا تصاحبنا في رحلة الذهاب لأنها لم ترتبط بحسام رسميا وشرعيا..

أما نحن فقد وصلنا إلى مدينتها في صباح اليوم التالي برحلة جوية، ضمت فوجا ليس صغيرا، تألف من عمي وابنه واللواء عماد وابنه وزوجته وشقيقتها، بالإضافة للعريس بالطبع والخالة سناء التي أقسم عليها لتقبل السفر معنا، ثم أنا وزوجتي صديقة العروس الفضلى..

قبل موعد عقد القران بسويعات، أصر الحج اسماعيل على الاجتماع بحسام وبحنان في جلسة مغلقة، لكنني صممت على الحضور معهما، لأكتشف أنه قد دفع حنان لتوقيع تنازل عن نصيبها المحدود في إرث عائلتها، موضحا بصلف أن الأنثى في عرفهم لا ترث إذا كانت ستتزوج من خارج العائلة حتى لا تتفكك أراضي العائلة، لكنه أعلن بزهو خائب أنه لن يستحوذ على نصيبها بل سيمنحه لأخيها حمزة ليضاف إلى ميراثه الشرعي..

كانت حنان معارضة في البداية، لشعورها بالظلم من هذا الإجحاف في حقها، لكن حسام أصر عليها أن توافق وتوقع على ورقة التنازل لأخيها الأصغر مؤكدا أنها لن تخسر شيئا بذهاب الإرث لأخيها الذي سيحتاجه بالتأكيد في تأسيس حياته مستقبلا، خاصة وأن عمها وعدها بإرسال نفس الإيراد الشهري مما تدره الأرض لأسرتها بالقاهرة، مؤكدا بغرور غير مقبول أنه لن يسمح بترك الأرض تحت اسمها حتى لا يسيطر عليها الغريب..

بالكاد نجح حسام في السيطرة على أعصابه من عنف كلمات عمها وتحفزه ضد زواجهما، وكأن ابنته الصغيرة قد نجحت بالفعل في أن توغر صدره ضد حنان وحسام، لكن الحج جمال نجح في تلطيف الأمور بعدها، مؤكدا مرارا على سعادته بذلك النسب وبتمسك حسام بحنان ودعمه لها لكي تكمل تعليمها ومشوارها المهني كطبيبة بعد التخرج.

كانت أجواء الحفل صاخبة للغاية بحضور عدد كبير من الأقارب والمعارف من عائلة حنان التي تخلت أخيرا عن حزنها وودعت تلك الغيمة الداكنة من الحزن والانكسار لتستعيد حيويتها المعهودة..

أما حسام، فقد طغت فرحته على هالة الهدوء والتعقل التي حرص على الظهور بها أمام أهل عروسه، لدرجة أنه ظل يتمايل راقصا بفرح أغلب فترات الحفل، مما أخجل عروسه كثيرا..

ما لفت نظري أن حنان قد تنحت جانبا بإحدى قريباتها، وكانت تحدثها بانفعال ويبدو على ملامحها قسوة بعيدة تماما عن طبيعتها الرفيقة اللطيفة التي تميزها، وازداد الأمر غرابة، عندما حاوطتهما شروق وزينة وزاد اللاتي وقفن تضم كلٌ منهن ذراعيها على صدرها في وضع دفاعي حمائي، وكأنهن يرسلن رسالة مستترة لتلك الفتاة التي كانت علامات الذعر تظلل وجهها خاصة مع انفعال حنان الواضح..
بعد قليل، تفرق الجمع وعادت الفتيات لأجواء الحفل بينما هرولت تلك الفتاة باكية، فاقتربتُ من شروق وسألتها
بفضول عمَ كان ذلك!

فأجابتني والفخر يتراقص في عينيها: "كنا نؤدب العقرب"

سألتها بدهشة: "عفوا؟"

أجابت هي بهدوء رغم شرارات النفور التي تطايرت من عينيها: "تلك العقرب هي سماح ابنة عم حنان والتي تغار منها منذ الصغر وتتبع كل خطواتها وتعد أنفاسها حتى توقعها في شراكها كلما أتيحت لها الفرصة.. أتصدق أنها زيفت حسابا على فيسبوك زعمت من خلاله أنها طالبة في كلية الطب وقامت بإضافة عدد من زملاء حنان حتى تقنع إدارة المجموعة الخاصة بدفعة حنان لكي تقبل انضمامها، وذلك لكي تتبع حنان من خلال مجموعة الطلاب مطلقة شرارات حقدها حتى وصلت لمبتغاها وجاءتها الفرصة عندما تم نشر تلك الصور لكي تتعمد إعلام الحج اسماعيل، فانقلبت الدنيا على حنان، وكادت بالفعل أن تنجح في هدم أحلام الفتاة للأبد"..

أشحت بوجهي منفعلا، وعلّقت بسخط: "ما هذا الحقد؟ كيف تفعل هذا بقريبتها؟"..

ارتسمت على ملامح شروق علامات النفور والاستياء، ثم ردت: " نفوس مريضة لا تشبع.. هذه العقرب لم تنظر لنفسها وحالها فتشعر بالرضا كونها ابنة كبير العائلة ومازالت تحيا تحت كنف والدها وفي حمايته.. فيدللها كما يشاء ويغدق عليها المنح والهدايا.. وإنما تنظر لليتيمة التي تكافح لتحقيق حلمها وحلم والدها وتسعى بنفس الوقت لتنشئة شقيقها الأصغر والوصول بعائلتها لبر الأمان"..

سألتها بمزح لم أستطع مداراته وأنا أشاهد هذا الجانب الشرس من قطتي المدللة: "إذًا كيف قمتن بتأديب العقرب؟ هل قطعتن ذيلها"..

ضحكت شروق بمرح، ثم أجابت بنشوى: " لا.. تركنا الذيل ولكن نزعنا سمه.. جراحة بسيطة نفذتها باربي خاصتي بمهارة.. كنت فخورة بها للغاية.. لم أرها من قبل أبدا بتلك الشراسة.. كانت حازمة تماما وأوقفتها عند حدها لدرجة أنها جعلت الفتاة تبكي.. ولكن تلك الحاقدة لم تثر تعاطفي مطلقا.. فهي تستحق أكثر من ذلك، لولا أن حنان لا تريد أن يصل الأمر لعمها، لكنت أذقتها الويل.. لكن نونا أخبرتها بحزم أنها ستترك للعم جمال مهمة معاقبتها ومراقبة تصرفاتها من بعد الآن، كما بيّنت لها بوضوح أنها لم تعد وحيدة وضعيفة فتتلقى منها الهجمات الغاشمة وتتقبل مؤامراتها الحقيرة دون رد"..

ضحكتُ وقلت ممازحا بعفوية: "إذًا كان هذا هو سبب تجمع جيشكن الصغير أمامها"..

ردت شروق بفخر: "نعم.. كانت فرصة رائعة لاستعراض العضلات".. ثم غمزتني بعفوية وتحركت صوب صديقاتها..

آه يا قطتي الشرسة.. كم سأستشاق لمشاغباتك..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 06:28 PM   #878

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Lightbulb الفصل الثاني والثلاثون - القسم السابع

بعد نهاية الحفل، عاد خالد مع أفراد عائلته والخالة سناء بالطائرة إلى القاهرة، على أن يقوم خالد بتوصيلها لمنزلنا بنفسه كي نطمئن عليها، بينما سافر بقيتنا لبلدة عمي برحلة برية استغرقت عدة ساعات..

كنا قد استأجرنا سيارتين، توليتُ قيادة إحداهما لكي تتسع لأربعتنا، حيث ركب إلى جواري أخي حسام، وفي المقعد الخلفي تجاورت شروق وصديقتها العروس.. بينما استعان عمي وابنه سليم بسيارة مستأجرة بسائق خاص تولى هو قيادة الرحلة طوال الطريق، وركب معهما خلال تلك الرحلة والدة حنان وشقيقها حمزة..

خلال الطريق، كانت حالة البهجة التي فرضها حسام على الأجواء تغطي تماما على كآبتي وانشغال رأسي بخطط الانتقام من رحيم، خاصة مع نظرات شروق المستترة تجاهي والتي لاحظتها من خلال المرآة الأمامية العاكسة..

كان حسام يجلس بجواري حتى يستفيد من تحريك المقعد الأمامي للخلف لكي يمنح ساقه مساحة كافية لكي تسترخي فلا يضغط عليها نتيجة ساعات السفر الطويلة، ولهذا استغل الأحمق الفرصة وأخذ يعبث بمؤشر الراديو حتى وصل لإحدى محطات الراديو التي تذيع وصلة مجمعة لأشهر أغنيات إيهاب توفيق، وقام برفع الصوت وهو يغني معه بفرحة صاخبة (على كيفك ميل)..

ظل حسام يردد جزئية محددة من الأغنية بصوت هادر ومزاج صافٍ، فأخذ يقول:
حاسب يا جميل على قلبي.. دي عنيك بتقول وتخبي
وانا دبت ودايب دوبي.. و ده ذنب عينيك مش ذنبي
ويلي من الاشواق ويلي.. بسهر مشتاق ليلي..
واحلم بعيونك واتصبر..
على كيفك ميل كده واتمختر.. يا ساقيني الويل..
يابو قلب عسل وعيون سكر


هنا، نهرته حنان بحرج ووجنتاها قد اشتعلتا بالخجل: "هل سقطت من التسعينات علينا لكي تزعجنا بذوقك العجيب؟"..

ضحك حسام بصخب، ثم رد: "بل سقطت من التسعينات لكي أخلصكم من إدمان المذاكرة وأوجهكم لطرق أكثر بهجة لكي تختبروا الحياة وتستمتعوا بها لآخر قطرة"..

هنا ضحكت شروق بشدة لدرجة أنها ظلت تلهث ملاحقة اختناق أنفاسها بفعل كثرة الضحك، ثم قالت حين سيطرت على أنفاسها: "والله أنتما ثنائي مثالي.. لقد كانت هذه مهمة حنان في حياتي طوال السنوات الماضية.. والآن وجدت من يقوم من أجلها بالمثل"..

حين التفت حسام إلى المقعد الخلفي لمطالعة حنان الخجلى، كانت هي قد أطرقت وجهها ورفضت تماما مبادلته النظر، فعاودتُ الانشغال بالقيادة بدلا من استراق النظر للجالستين في المقعد الخلفي من المرآة الأمامية العاكسة، وذلك حين اعتدل حسام فجأة، وأخذ يتلاعب بمؤشر الراديو حتى استقر على إذاعة الأغاني التي كانت تبث أغنية "حرية" للفنان محمد منير، فتركها وهو يغني معه بإحساس صادق بينما يبادل عروسه النظرات من خلال المرآة العاكسة...

الجنة قصادي بتتفتح.. وعنيكي بتسكت و تلمح و تقول أسرار
هزيني بسحرك من جوة.. دانا قلبي لا حول ولا قوة ضد التيار
أنا عارف إني ماليش دية.. في عنيكى دية أخر المشوار
ضميني خديني أنا لاجيء.. و لأول مرة بكون صادق
دوبني العشق و مش فارق ليل ولا نهار..
يا سمرة.. يا سمرة


وهناك في الجانب كانت شروق ترفع نظراتها تراقبني باستحياء.. وأنا ملتزم بالنظر أمامي أتابع القيادة بتركيز تام..

بعد ذلك، ظل حسام طوال الطريق يتبادل الرسائل النصية مع حنان عبر أحد تطبيقات المحادثة، فيما انشغلت شروق بمتابعة الطريق في الظلام بذهن شارد، وكأنها فجأة قد سقطت في بئر عميقة من الهموم..

۞۞۞۞۞۞۞۞۞

حين وصلنا لبيت عمي قبيل فجر اليوم التالي، كنا جميعا في حالة من الإجهاد، فخلدنا إلى النوم في الغرف التي أعدها عمي من أجلنا..

بعد تناولنا الفطور في الصباح، أمضينا عدة ساعات مع العائلة، حيث قدمنا عمي إلى عدد كبير من أفراد عائلتي المتمركزين في تلك البلدة..

مع حلول وقت الظهيرة، توجه حسام وحنان وشروق وسليم مع بعض أقاربنا للتجول بمزارع العائلة القريبة من المنزل.. بينما بقيت أنا وعمي متذرعين بانشغالنا بأمور تخص عمل الأسرة..

في غرفة مكتبه، انشغلنا أنا وعمي علي في جلسة مغلقة استمرت لساعات، أطلعني فيها على ملف تحقيقات القضية التي تخص مقتل والديّ، وشاهدت قصاصات مقتطعة من التغطية الصحفية لحادث رحيلهما، كما شاهدت عددا من الصور المؤطرة لأسرتي الصغيرة في زمان آخر..

كانت الصور مشابهة لتلك التي أرسلها لي سليم قبل أسابيع.. وقد منحني عمي الإذن بالاحتفاظ بها فجمعتها وغلفتها من أجل اصطحابها معي في رحلة العودة للمنزل..

بعد أن أبلغت عمي بالخطوة الأولى بخطتي في الانتقام من رحيم، وهي تسليم وثائق تثبت مخالفاته المالية إلى السلطات المختصة.. قال عمي إن هذا التصرف هو الأفضل حاليا، على أن يبحث من جديد عن أدلة لقيامه بقتل والديّ..

وقبل أن ننهض من جلستنا، ضحك عمي ضحكة رائقة وارتسمت علامات الرضا والسكينة على وجهه، فأتبعها بقولخ: "اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.. والله يا بني لا أصدق حتى الآن أن الله قد ردك إلينا بهذه الصورة.. بالأساس أنا لم أخطط لشيء وكنت شبه يائس بعد مشوار طويل من البحث عنك.. لكن هذا كان تخطيط الله عز وجل.. لقد طلبت من خالد أن يبحث قليلا خلف رحيم، علّه يجد وسيلة تجعلنا نخترق دار الأيتام ونتمكن من الحصول على قائمة بملفات الأطفال المتواجدين به.. كنت أبحث عن أي طرف خيط يوصلني إليك..
وكان الأمل الأخير الذي يسكن رأسي أن يكون اسمك من بين نزلاء ذلك الملجأ رغم أنني كنت متوجسا من الوصول لتلك الحقيقة أيضا.. لأنني وقتها كنت سأقع في متاهة جديدة للبحث عنك، خاصة إذا كنت قد تسربت من الملجأ قبل أن تكمل السن القانوني للخروج من الدار".

سكت عمي ليلتقط أنفاسه ثم أكمل بعد أن ازدرد ريقه: "بعد وفاة والديك رحمهما الله.. ظللت أفتش وراء رحيم حتى أعثر على أي دليل لإدانته.. أو آية وسيلة لكي أحقق من خلالها انتقامي وأبرد ناري على فراق عائلتك..

وقتها علمت أنه قد قام بفصل مدير دار الأيتام التي يمتلكها، ولم أستطع إقناعه بالحديث إليّ أبدا إلا منذ أسابيع قليلة وبعد اندلاع الثورة، حين أخبرني أنه على استعداد للشهادة ضد رحيم إذا تم تقديمه للمحاكمة، كما أخبرني أن رجال رحيم قد أتوا بطفل في فبراير عام ألف وتسعمائة وستة وثمانين.. فخمنت أن يكون هذا الطفل هو بسام ابن أخي.. لكن الرجل أخبرني ما هو أفظع.. لكن المجال ليس مناسبا الآن لذكر تلك التفاصيل"..

وضع عمي كفيه على وجهه يفركهما بإجهاد، ثم تابع شارحا ما أخبرني به خالد بالفعل عندما تواجهنا منذ أسابيع قليلة: "في البداية أخبرني خالد أن صديقه المقرب يعمل لدى رحيم وربما يكون لديه طريقة لينسخ لنا سجلات الملجأ.. وحين طلبت منه الإعداد للقائنا.. تم نقله للخارج واندلعت أحداث الثورة.. فتأجل كل شيء.. بعدها حدثني خالد ليخبرني أنك أيضا تريد الانتقام من رحيم.. دون أن يخبرني آية تفاصيل.. ثم أعد للقائنا بعد زفافك.. وحين رأيتك.. عرفت من اللحظة الأولى أنك ابن أخي.. بسبب الشبه الكبير بينكما.. كان قلبي يخبرني أن أسرع إليك وأطوقك بين ذراعيّ.. ولكنني بالكاد تمكنت من السيطرة على نفسي.. حتى أنني نسيت كل شيء آخر.. نسيت رغبتي في الانتقام والثأر وإذلاله وتدمير مملكته.. كل ما أردته فقط أن أحتضنك.. فأغمرك بحناني وأعتذر لك على تأخري في إيجادك كل تلك السنوات.. لم أكن حتى بحاجة لتحليل الحمض النووي.. كنت أريد إثباتا فقط لكي أقدمه لك.. أما من جانبي، فقد كنت متأكدا أنك ابن أخي الذي تسير دمائي في شرايينه.."..

سألته بصوت متلهف: " حدثني عن أبي وأمي"..

تنهد عمي بحنين جلي، ثم قال: "أبوك فكان يحلم من أجلك كل الأحلام.. كان ينوي تدريسك بالخارج ويأمل أن تصبح مستثمرا بالفطرة مثله.. كان يرسم حياتك كلها في ذهنه، لكنه كان يعود ويصر أنه لن يجبرك أبدا على العمل معه إذا لم تعجبك الفكرة.. كان يقسم أنه سيدعمك في كل الاحوال لتحقق كل ما تصبو إليه.. لكنك قد أصبحت خليفته بالفعل.. نشأت نسخة شبه مطابقة له في الملامح.. كما أنك أيضا تعشق الرياضيات والمحاسبة.. مثله تماما.. أما والدتك.."

ضحك عمي بشجن ثم تابع: "كانت سمية تصر أنها حامل في فتاة حين حملت بك.. لهذا كانت تنوي أن تسميك بسمة.. وحينما وضعتك واكتشفت أنك صبي.. أصيبت بنوع من الحنق لعدم تحقق توقعها وأخذت تتذمر لأنها لن تستطيع أن تسميك بالاسم الذي تمنته، لكنها ظلت تدللك وتناديك (يا بسمتي) أمام جميع أفراد العائلة فتثير بيننا الضحكات المجلجلة لشدة تعلقها بك، ولهذا اقترح والدك أن نسميك بسام"، توقف عمي عن الكلام بعد أن تسللت الدموع إلى عينيه، ثم قال بنبرة مرتعشة تهدج لها صوته: "اقترب لأحضنك يا ابن الغالي.. تعال لأشتم رائحة أبيك بك"..

ارتميت بين أحضان عمي بعنف وأخذت أحتضنه بعناق قوي لا يكاد يعبر عن شوقي وامتناني وفرحتي بأنه ظل يبحث عني كل تلك السنوات ولم يتخلى عني كما كنت أظن..


يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 06:35 PM   #879

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Elk الفصل الثاني والثلاثون - القسم الأخير

حين عدنا للبيت، توجهتُ رأسا إلى الغرفة العلوية التي خصصتها لكي تكون مكتبا خاصا لي، فشرعت في إخراج الصور الفوتوغرافية المؤطرة التي تجمعني بوالديّ قبل خمس وعشرين عاما، وبدأت في توزيعها على أركان الغرفة المختلفة لتزينها وتعطيها دفئا عائليا عشت عمري كله وأنا أفتقر إليه..

أخيرا ستطوقني الذكريات، بعد أن خلت جدراني من الصور الشخصية إلا من بعض اللقطات التي حرص حسام على رصدها لنا معا لكي نصنع لنفسينا حياة خاصة بنا في أشد أوقات حياتنا قتامة..

كنت أستند على سطح المكتب وأنا غارقا في شرودي، أراقب ملامح أبي وأمي بالصور المؤطرة على الجدار المواجه لي، عندما اقتحمت شروق الغرفة بعنفٍ غريب، ثم أخذت تناظرني بعينين تغشاهما عشرات التساؤلات دون أن تسمح لأيٍ منهم بالخروج للعلن عبر شفتيها، لكنها استبدلت تلك الأسئلة، بسؤال وحيد، زفرته بانفعال مكتوم: "فيما ينشغل ذهنك هذه الأيام يا حازم؟"

زفرت بإجهاد لم أجد مبررا لتجاهله، وقلت لها مفصحا عن بعض الحقائق: "أحاول اكتشاف الصلة التي جمعت بين والدك ووالدي في الماضي.. فعمي يشك أن رحيم كان يعرف أبي بالفعل.. أي أنه احتجزني في دار الأيتام وهو يعلم هويتي جيدا.. وبدلا من أن يسلمني لعائلتي الحقيقية.. أصر على تنشئتي في ذلك المكان القذر الموحل.. بل وظل يعنّفني ويضربني فتزيد حالتي سوء، ليوهمني أنه يساعدني.. والدك أقنعني أنني أدين له فسرق شبابي وحياتي كلها وفاء لهذا الدين الزائف"..

قلت كلماتي الأخيرة صارخا غير قادرٍ على إخفاء نفوري من رحيم وغضبي المحتدم الموجه إليه كليا.. لكنني لم أستطع أن أعلن أمامها أن يد أبيها ملوثة بدم والديّ وأخي الذي كان قابعا في قرارٍ مكين ولم يكن قد وُلد بعد..
لم أستطع أن أصرخ مقسما أنني سأحرص على أن أجعله يدفع الثمن بكل ما أوتيت من قوة.. لكن عقلي كان يتلو ذلك القسم بكل عزمٍ ويقين..

شردت شروق قليلا، ثم انتبهت فجأة وكأنها تذكرت شيئا، فبادلتني النظر بتوجس وبعدها قالت بنبرة مقتضبة وكأنها لا تتحمل المزيد من المواجهة: "أآآااا.. أمر غريب.. لا أصدق أن يفعل أبي شيئا كهذا.. معك حق.. ابحث في الأمر.. بالإذن"، ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها بهدوء دون كلمة أخرى.. لتثير دهشتي بتصرفها الغريب..

حين أنهكتني الأفكار، قررت العودة لغرفة النوم، فوجدت شروق منكمشة في الجانب الخاص بها من السرير تدّعي الاستغراق في النوم، وأنا لم أكن في حالة نفسية أو ذهنية مناسبة للحديث معها الآن..

الأيام التالية، بادلتني شروق جفاء بجفاء واتسعت الهوة بيننا دون أن أقدم على رأب الصدع أو محاولة التمهيد لها أو التفاهم معها حول ما سيحدث خلال الأيام المقبلة..

في الحقيقة، كنت كلما استشعرت جفاءها، أهنئ نفسي على أنني بهذه الطريقة سأركز في خطة انتقامي دون خوف من رد فعلها بعد أن بدأت هي بالانعزال عني بالفعل، وكأننا تعاهدنا صمنا على أن نسير معا نحو مفترق الطرق الذي يلوح أمامنا، موقنين أن كلا منا سيضطر وقتها للسير في طريق مختلف..

يبدو أنني لن أسمع أبدا كلمة "أحبك" تغادر شفتيها لتتوجه نحو قلبي وتسكن فيه للأبد..

لن تمنحني هي تلك الذكرى الغالية التي أتوق إليها لتكن هي قوت أيامي المقفرة بعيدا عنها حين يفرض الفراق نفسه علينا..

على أي حال.. لقد حاولت.. ربما قصتنا لم تُكتب لها نهاية أسطورية كعالم ديزني.. فالوحش هنا لم يحصل على حب الأميرة ولن يتحول أبدا لأمير وسيم بنظرها..

بعد بضعة أيام، كانت القشة التي هدمت صرح علاقتنا الهش قد ضربتها في مقتل، وذلك حين كنت عائدا من لقاء جمعني بعمي والمحامي الخاص به، بعد أن تخلصت أخيرا من ترددي وأقدمت على تنفيذ الخطوة الأولى من الانتقام، مقررا التوجه بالفعل في الصباح الباكر لمقر النيابة لتقديم البلاغ مقرونا بالأدلة..

في ذلك اليوم، كنت منشغلا في غرفة المكتب أجهز كافة الأوراق، وأسحب المحتوى الرقمي على وحدة تخزين صغيرة، وحين تحركت لغرفة النوم، كانت شروق في حالة شبه عصبية، حيث ظلت تجوب الغرفة جيئة وذهابا وهي منغمسة في التفكير وبيدها هاتفها المحمول تقبض عليه بيدٍ من حديدٍ وكأنها تخشى فراره منها..

كانت تائهة فيما يأكلها من الداخل من أفكار لدرجة أنها لم تشعر بدخولي الغرفة، أو حتى اقترابي منها..

تسرب إليّ توترها، فسألتها برفق محاولا إظهار تماسكي أمامها: "ماذا بكِ يا شروق؟ لماذا تبدين مضطربة هكذا؟"

ارتجفت شروق اضطرابا، ثم همست بانفعال مسموع: "لقد عدت"، بعدها رفعت عينيها ونظرت لي وقالت بما يشبه الضيق: "لا شيء.. أنا بخير كما ترى"..

فعاودت سؤالها بخفوت محاولا استقراء سبب جفائها الذي طال لعدة أيام: "هل أكلتِ؟ تبدين ذابلة.. هل تضغطين على نفسكِ في المذاكرة؟"

صاحت شروق باستنكار: "أنت.. أنت.. هل لديك متلازمة (دكتور جيكل ومستر هايد)؟".
ثم شردت بعينيها وهمست بنبرة ظنت أنها لم تكن مسموعة لي،حيث قالت: (لماذا يبدو وديعا في بعض الأحيان وكأنه طفل ضعيف بلا حول ولا قوة.. يحتاج لمن يحميه ويربت على كتفيه.. ثم ينقلب في أحيان أخرى إلى ليث مخيف يتحين اللحظة المناسبة للانقضاض على فريسته؟)..

سألتها مستنكرا بضيق لم أستطع إخفاءه: "لا أحاول الانقضاض عليكِ يا شروق.. فقط أسألك إذا كنتِ قد تناولتِ شيئا اليوم"..

دارت هي خجلها من نطقها لكلماتها السابقة بصوت مسموع كشف لي بوضوح عما تفكر به، ثم حاولت السيطرة على الموقف عندما هتفت في غضب غير مفسر: "وما شأنك أنت؟ لماذا تسألني دائما إذا كنت قد أكلت أو نمت.. هل أنا ابنتك؟"..

كلماتها ألجمتني.. لأول مرة منذ أسابيع طويلة أستشعر منها النفور تجاهي من جديد، فوقفت أمامها كتمثال حجري مهيب أتلقى إهاناتها الصريحة والمستترة بقلب متوجع وصدر مكتوم وروح انكفأت على ما تبقى بها من شذرات.. منتظرا إعلانها الصريح بالرغبة في الانفصال..

ظنت شروقي أن كلماتها القاسية تبعثرت بين ذرات الهواء المحيط بنا، بينما هي في الحقيقة بعثرت تماسكي من الداخل..

أسلوبها اللاذع وحدتها النافرة ونظراتها المستاءة جعلوني أعود لتلك الفترة حين أعلن والدها خبر زواجنا بأمر ديكتاتوري دون تمهيد.. فتجمدت مكاني وأبت الكلمات أن تستقر على شفاه غلّفها الجليد، فلم أستطع الرد بأحرف منطوقة.. لكن عقلي كان يصرخ بالرد، فتركت لعينيّ مهمة الإفصاح.. وليتها تصدق..

بل أنتِ غاليتي.. أثمن كنوزي وأميرتي المحاربة.. ألا تعلمين أنك أهم وأجمل ما في دنياي؟ بإرادتك فقط تكسرين كل درع احتميت به من أنات هذا العالم حين تتخذين ذلك القرار المشؤوم.. فأنا أعلم جيدا أن انتصاري على والدكِ يعني هزيمتي أمامك.. والنتيجة.. خسارة فادحة للقلب..

لكن اعذريني يا حلم العمر.. يا حب العمر.. يا كل العمر..

لم تعد روحي قادرة على السكوت على انتهاكات والدك التي فاقت كل ما كنت أتصوره.. كنت مسامحا في حقي حينما كان ظلم والدك يخصني فقط.. لكنه قد طال عائلتي بأكملها قبل حتى أن يشتد عودي.. فبات القصاص فرضا..

آه لو تعلمي أنني لا أصدق حتى الآن أنكِ قد دخلت بالفعل عالمي.. كان دخولك لبيتي ومشاركتي حياتي درباً من الخيال لم أقو أبداً على أن أنساق إليه أو أتجرأ على أن أحلم به.. وأنا الذي تعلق قلبي بك في صمت متآمر ومتخاذل منذ سنين تماما كتعلق التائه في صحراء حارة بسراب يعلم أنه لن يرتوِ منه حين يصل إليه، بل سينهار صريع سعيه خلف الأوهام بآخر ما تبقى لديه من طاقته..

كنت المسؤول عن سعادتك وسأصبح أكبر مصدر لتعاستك..

لم أتخيل أبداً في أكثر أحلامي تطرفاً أنك ستمسين زوجتي وأن أمانك سيكون بيدي.. فيصبح فرضا عليّ حمايتك من كل شر.. بينما أكبر شر سيحيق بعالمك سأكون أنا المتسبب به.. سيكون خذلاني لكِ وإعلاني لفضائح والدك هو الوصمة التي ستلتصق بك من الآن فصاعدا..

ورغم كل ذلك، ستظلين قبساً من النور – تماماً كاسمك – يشع بداخلي ليحارب ظلامي كل صباح.. وستظل ذكرى أيامي معك طاقة هائلة من الدفء أستكين إليها فيضيء داخلي حالك الظلمة حين يأبى الشروق أن يبتسم لي وتشرد شمسي إلى عوالم أخرى بعيدا عن هذا الذي أغرقني بزيفه وظلمه..


قرأت شروق ما يختنق بعينيّ من اعترافات دون أن ترد، ولما أصابها اليأس من تبادلي الحديث معها، انسحبت بتوتر مضطرب وتوجهت صوب غرفة الاستحمام، فتهاويت أنا على المقعد المجاور، وأنا أعلم أن الغد لن يحمل لنا سوى.. الألم..

جلست لصمت في دقائق منتظرا خروجها من الحمام، لربما نتواجه مجددا ونعثر على نقطة وفاق، لكن رنين هاتفي كان الأسبق..

وحين ضغطت على زر استقبال المكالمة الواردة من رقم غير مسجل، جاءني على الفور صوت رحيم، وهو يصيح بخبث عفن: "استقبل عقابك يا مختل يا معطوب العقل.. أنا لن أفعل شيئا بعد.. سأؤخر انتقامي لما بعد انتقامها هي.. هي من ستذيقك الويلات أولا.. لقد أخبرتها ما هي بحاجة لمعرفته.. وهي نفرت منك بالفعل.. انتهى الأمر.. هي ستتركك.. ابنتي أنا وتربية أبيها.. ستنفذ ما أقنعها به والدها دون جدال.. سترحل لعائلة أمها في تركيا.. ستغادر للأبد وتتركك تتعفن هنا وحدك يا لقيط.. وهنا سيأتي دوري.. فأنا لن أتركك تنعم أبدا بعودتك لأحضان أسرتك البغيضة.. سأدمرك ببطء حتى لتشعر أن سنواتك السابقة في الملجأ هي الأكثر رفاهية في حياتك البائسة"..



نهاية الفصل
قراءة سعيدة وممتعة

أرجو أن أتعرف على آرائكم حول تطور الأحداث مع اقترابنا من الفصول الأخيرة


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 07:21 PM   #880

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 49 ( الأعضاء 8 والزوار 41)
‏مروة سالم, ‏وفاء غانم, ‏صرهو, ‏Maryoma zahra+, ‏Metan, ‏asaraaa, ‏حسناء_, ‏أماني إبراهيم


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:32 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.