شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   وأذاب الندى صقيع أوتاري *مميزة ومكتملة* (https://www.rewity.com/forum/t480453.html)

سعاد (أمواج أرجوانية) 03-02-21 01:14 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دكتورة صيدلانية (المشاركة 15330825)
ألف مبارك الرواية الجديدة وأخيراً كما تمنيت عدتي لنا برواية تحمل في جعبتها الكثير ولكن لن أقرأها إلا عند نهايتها كاملة فأنا لا أستطيع الانتظار أحب قراءة الرواية في يوم أو يومين وكلي ثقة بأنها توازي روايتك الأولى جمالاً أو ربما تفوقها وفقك الله غاليتي ❤❤

الله يبارك فيكي حبيبتي ❤️❤️❤️
يا رب تكون عند حسن ظنك😍😍😍

سعاد (أمواج أرجوانية) 03-02-21 01:28 AM

اقتباس من الفصل القادم👇🏻

...رَفَعَت رأسها تنظر إليه بضياع مُتسائلة والتوسُل يصرخ بنبرتها:
_أتعتقد تميم أنني سأحب رمزي يومًا؟ أتعتقد أنه مناسب لي؟
حدَّق بعينيها للحظات في صمت، ثم تحدث بِثِقة قائلًا:
_أنتما الاثنان غير مناسبان لبعضكما بالمرة، رمزي ربما يكون طيبًا، حالمًا، مُتمسكًا بكِ بإصرار كما يُظهِر، لكن..
زفر بضيق شديد وهو يبتر عبارته ثم استطرد بعد ثوانِ قائلًا:
_أنتِ تستحقين رجلًا قويًا، أقوى منكِ شخصيًا، رجلا يُعلِّمك أبجدية العشق مُستخرِجًا الأنثى المُتعطِّشة للحنان بداخلك، رجلا يستعمر قلبك فتخضعين له على الفور، ليكُون هو الأول والأخير.
ارتسم الامتعاض فورًا على ملامحها وهي تقول برفض صريح:
_أنا لا أحب تصور ذلك الأمر تميم، ولا أريد العشق.
ابتسم بسخرية وحاد بعينيه عنها شاردًا، لِيُردد بخفوت:
_ليس كل ما يتمناه المرء يدركه!
ارتسم الألم على ملامحها على الفور وهي تتطلع إليه..
لطالما كان تميم مثالًا للرجل القوي؛
لطالما كان لها بالذات حصنًا آمنًا؛
معه فقط تستطيع أن تكون على سجيتها بلا تحفظ..
معه فقط تجد نفسها تُثرثر في أي شيء وكل شيء بلا تفكير؛
وكان هو دائمًا مُستمعًا جيدًا؛
وبالمقابل تستطيع أن تقول أنها أكثر من تفهمه..
تفهم حنانه وإخلاصه؛
تفهم احتياجه؛
وتفهم والصراع الدائر بداخله؛
وتفهم ذلك الغضب الرابض بعينيه!
ذبذبات مُقلِقة تستقبلها منه بكل بساطة؛
والمنشأ: قلبه..
والسبب: عشق محكوم بفشله منذ البداية؛
والنتيجة: حقد استيقظ من رماده كالعنقاء في أكثر الأوقات اللامناسِبة على الإطلاق!
وتربص كامن بعينيه توقن هي أنه قام بكبته طويلا والآن فقط.. سيتغلب وينطلق صوب مرماه بلا خطأ.. وأيضا بكل الخطأ!

سعاد (أمواج أرجوانية) 06-02-21 11:33 PM

مساء الخير حبيباتي:syriasuperstarra8:
معادنا مع الفصل الثاني مُقسم على 3 مُشاركات
***
الفصل الثاني
*إنطفاء*
احتضنت عبلة ابنتها الباكية على صدرها بينما وضع كمال رأسه بين كفيه وهو يستمع بقهر إلى معاناة ابنته خلال العام الماضي أثناء ابتعادها عنهم مئات الأميال..
وحدها ببلد غريب بدون أهلها؛
ينفرد بها ذلك النذل ويؤلمها بِخِسَّة؛
لو تطال يداه عنقه الآن لأزهق أنفاسه دون لحظة تردد واحدة!
استمع إلى صوت يُسْر وهي تجلس أرضًا أمام شقيقتها تحاول تهدئتها قائلة:
_توقفي عن البكاء سُهيلة واهدئي قليلًا، ما حدث قد حدث ومن الجيد أنكِ تخلصتِ منه عديم الرجولة ذلك.
والرد جاء من أمها بين شهقاتها الباكية:
_منذ يومين وأنا أشعر بانقباض بقلبي ولا أدرك السبب، الآن فهمت، لقد كنتِ مُلقاة وحدك بمشفى تنزفين ونحن هنا لا ندري عنكِ شيئًا حبيبتي.
وتعالى نحيب أمها فزفرت يُسْر بحنق وهي تهُب واقفة تهتف باعتراض:
_أمي أنتِ لا تساعدينها بهذه الطريقة، لِمَ كل هذا البكاء منكما؟ ما حدث قد حدث وانتهى الأمر!
لم تهتم أي منهما بهتافها وهما ينهمكان أكثر في أنينهما المُتوجِّع، حتى رَفَع كمال رأسه يتطلع إلى ابنته الكبرى بحسرة...
لم يرزقه الله بالولد؛
إنما رزقه بابنتين هما على النقيض تمامًا في كل شيء؛
الكُبرى وَرَثت البشرة القمحية ولون الشعر البندقي لِوالدته..
بينما اتسمت الصُغرى ببياض شاحِب وشعر أسود كظُلمة الليل!
الكُبرى وَرَثت عينين بُنيتين جاذِبتين..
بينما ظلت الصُغرى تحتكِر اللون الأسود حتى لعينيها المُتسعتين!
الكُبرى تمتعت بدلال أُنثَوي خالص مُختلِط بِضعف أحيانًا كان يُزعِجه..
حينما تمتعت الصُغرى بقوة وعنفوان صارخ كثيرًا ما أثارا فخرُه.. وقَلَقه!
الكُبرى قدَّمَت قلبها وعاطفتها بكل قراراتها..
أما الصُغرى دومًا ما سلَّمت دفة حياتها لعقلِها فقط!
ولِهذا هو ينقل نظراته بينهما في تلك اللحظة مُتفهِمًا تمامًا ذلك الاستنكار الذي تُطالع به يُسْر شقيقتها الكبرى..
وبغض النظر عن السن لطالما كانت يُسْر هي من تحكُم على الأمور بطريقة أفضل، لم تسمح لأحد بجرحها، لم يتمكن أحد من الاقتراب منها بالأصل..
أيجب عليه الخوف على ابن شقيقه من قوتها؟ أم أنه الاختيار المناسب لها؟
علَّه يستخرج منها الجانب العاطفي الذي لم تكتشفه يومًا!
زفر بضيق وهو يُنحِّي أفكاره المُتعلِّقة بالصغرى جانبًا ليقوم بالتركيز على المُصيبة التي حلت على الكُبرى..
الحنونة؛
الرقيقة؛
الحالمة؛
المُدللة؛
التي دفعت ثمن قرارها الأرعن غاليًا؛
والتي أصبحت الآن صورة مُمَوَهة لسعادة غابرة!
وقف ببطء مُتجِهًا إلى سُهَيلة وجذبها برفق من أحضان زوجته إلى أحضانه هو قائلًا بِعَزْم:
_سألاحقه! أستطيع الاستفادة من أحد أصدقائي بذلك البلد، لن أتركه يهرب بفعلته.
هزَّت رأسها رفضًا وهي ترفع رأسها وتنظر إليه مُرددة بألم:
_لا أبي، لا تفعل!، أنت لا تعلم كيف أصبح، مُدمنًا ولصًا وكان على وشك أن يصير قاتلًا، لا أريد لكَ التورط معه بأي شكل، أريد نسيانه ومحو العامين الأخيرين من ذاكرتي تمامًا، أرجوك ساعدني أبي، ساعدني كي أتخطى ما حدث.
شدها مرة أخرى إلى أحضانه كي لا ترى عينيه المترقرقتين بالدموع فتشبثت به تبكي بانهيار، لتُشارِكها عبلة ذلك البكاء بإتقان تام وهي جالسة بمقعدها، في حين نظرت يُسْر إلى ثُلاثتهم باستنكار وحنق ثم انطلقت إلى غرفتها والغيظ يرتسم على خلجاتها.
**********
"أين أنتِ مُختبئة منذ الصباح؟"
رمقته رَغَد بنظرة سريعة وهي تعود بعينيها إلى الملف الذي تمسك به باهتمام ثم عقَّبَت مازحة:
_أين سأختبىء مِنك يا باسل؟ كنت أبحث عن ملف المواصفات الذي أرسله إليّ زيدان بالأمس.
اقترب هو وجلس على أحد المقاعد المُواجهة لمكتبها براحة قائلًا:
_اعتقدت أنكِ لازلتِ غاضبة.
رَفَعت رأسها إليه وحدَّقت به باستغراب مُتسائلة:
_مِمَ سأغضب؟
ولم تفُتها نظرته الموحية وهو يرمُقها بجانب عينيه مُجيبًا:
_بسبب حديث زيدان صباحًا.
عَبرت لمحة استيعاب عينيها ثم هزت كتفيها بعدم اكتراث ظاهري مُعقِّبة ببساطة:
_ولماذا سأنزعج، لقد اعتدت مزاح زيدان منذ وقت طويل.
ليواجهها بتمعُن مُعلِّقًا بنبرة أربكتها:
_ربما لم يكن يمزح هذه المرة يا رَغَد.
عدَّلت من وِشاحها بتوتر ثم وقفت مُولِية إياه ظهرها وتظاهرت بالبحث عن شيء وهمي بإحدى الخزانات وهي تقول بابتسامة مُصطنعة:
_ماذا تقترح إذن باسل؟ تنفيذ فكرته! أتتزوج بي من أجل مهارتي في الطهي، هل أصبحت يائسًا إلى تلك الدرجة؟ للأسف سأقوم بإحباطك وسأخبرك أن رِهام أيضًا ماهرة بذلك الأمر، لكننا نعلم جميعًا مدى هشاشة زواجها.
التفتت بنفس ابتسامتها المُفتعلة فزفر هو بضيق مُشيحًا بوجهه بعيدًا قائلًا بأسف:
_أنتِ تعلمين رَغَد أنني لم أعنِ ذلك، تعلمين أنكِ فتاة ممتازة يتمناها الكثيرون.
ضحكت برقة قادرة على التأثير في دقات قلب أي رجل ثم قالت:
_لماذا توقفت يا باسل؟ لكنني لست من هؤلاء الكثيرين أليس كذلك؟ هيا أكمِل: أنا لا أستحقك و أرجو أن تجدي من هو أفضل مني!
لكن ابتسامتها انمحت وهو يقف مُحدِّقًا بها بتدقيق قائلًا بحرج:
_أنا أعلم رَغَد.
شحب وجهها وهي تتهرَّب من عينيه مُتسائلة بصوت خافت:
_ماذا تعلم؟
زفر بألم والحَرَج يتمكن منه وهو يتسائل بداخله..
هل يجب عليه أن يكون صريحًا معها؟
هل يجب أن يُساعِدها على عدم التعلُّق بأمل زائف؟
أم أنه سيُزيد في جراحها؟
ليزفر ثانية ثم يُحدَّثها بنبرة آسفة:
_سأسدي لكِ نصيحة وأتمنى أن تعملي بها: قلبك غالِ رَغَد، لا تتخلي عنه لمن لا يُبادِلك حبك، لا أحد منا يملُك سيطرة على قلبه، ولا أحد منا يختار من يُغدِق عليه مشاعره، لا تلومي نفسك ولا تلومي غيرك.
ثم ابتسم لها بنفس الأسف قبل أن يتجه إلى الخارج، بينما جلست هي على مِقعدها ذاهلة وهي تتمتم بخفوت:
"إنه يعلم!"
لقد حاولت.. لسنوات حاولت إخفاء مشاعرها وقد ظنت أنها نجحت؛
لكن ها هو يثبت لها خطأ ظنونها!
**********
تأهبت رِهام لصعود الدرجات شاردة تمامًا، الغضب والألم يقتاتان على روحها بينما تحاول التحكم في دمعاتها حتى تصل إلى جناحها فلا تستطيع، حتى أوقفها الصوت الأنثوي الصارم خلفها:
_أين كنتِ رِهام؟
التفتت ببطء إلى حماتها تنظر لها بجمود، ثم أجابتها بصوت خافت والابتسامة المتألمة على وجهها:
_كنت أزور زوجي العزيز بالشركة سيدة ابتسام، وبالمناسبة كان يجلس على بُعد أمتار مني ورفض مُقابلتي.
لم يبد على وجه حماتها التأثر وهي تقترب من كنتها الدامعة العينين، ثم ردَّت بسُخرية:
_وهل أخبرته بذهابك إليه قبلًا؟ ربما لم يكن متفرغًا! وهل هذا مُبرر كي تتركي طفلتك نائمة وتنصرفي دون أن تخبريني كي أبقى معها رغم علمك بأنها تخاف البقاء بمُفردها؟!
عقدت رِهام حاجبيها بدهشة وهي تهتف بحماتها مُستنكِرة:
_أتحاسبينني أنا؟ أتحاسبينني على ذهابي إلى ابنك؟ وهل فكرتِ في حسابه أيضًا على إهماله لي؟ أم أنه هو الملاك الذي لا يُخطىء؟ هو الوحيد الذي يحق له التصرف كيفما بدا له وعلينا جميعًا طاعته؟
صمتت قليلًا تُطالع وجه حماتها الذي لم يتأثر، ثم تابعت مُشددة:
_وحفيدتك ليست ابنتي وحدي، هي ابنته أيضًا، ابنته التي يكاد لا يراها إلا مرة أسبوعيًا وبالصدفة.
رَدَّت السيدة ابتسام بتوتر:
_أنتِ تعلمين أنه يحمل هَم الشركة على عاتِقه، تعلمين أنه غير مُتفرغ على الدوام.
ابتسمت رِهام بسُخرية وهي تمط شِفتيها ثم عقَّبت:
_بالطبع ستدافعين عنه، فهو حاميكم والآمر الناهي بهذا المُعتَقَل، لا يقوى أحدكم على إغضابه، لكنني سئمت، حقًا سئمت من حياتي هنا، ومن حياتي معه.
هتفت بها السيدة ابتسام غاضبة:
_بدلًا من البكاء والنواح على الأزمة التي تمران بها ابحثي عن طريقة تسترديه بها، ابحثي عن طريقة تعيد إليه الاهتمام بكِ قبل أن تجتذبه أخرى، بينكما طفلة ولا أريد لها أن تتأثر بسببك.
اتسعت عينا رِهام البريئتين بدهشة وهي تردد بخفوت:
_بسببي؟! وحدي؟!
ثم زَفَرت باستسلام وهي تبتسم بحزن قائلة:
_أتعلمين؟! أنا لم أعد أهتم، بالفعل لم أعد أهتم بابنك، كل ما هنا لم يعُد يهُمني، وقريبًا سأتخلص من ذلك الطوق الذي يُحيط بعنقي بينكم.
أنهت عبارتها واتجهت إلى الخارج غير مُكترِثة بنظرات حماتها القلِقة التي تعلَّقت بها.
**********
بعد يومين:
وضعت عبلة إحدى كفيها أسفل وجنتها وجلست على الأريكة شاردة بعد أن جفت دمعاتها أخيرًا، اقترب منها كمال ثم جلس بجانبها مُربِتًا على إحدى رُكبتيها بحنان وهو يواسيها بهدوء:
_هوني عليكِ عبلة، حمدًا لله أنها عادت سالمة، ربك لطف بها وبنا ولم تؤثر بها الدفعة بشدة.
وبنبرة ضعيفة مُتألمة ردت عبلة بدهشة:
_لا أستطيع تصديق أنها تعرضت لكل ذلك، إدمان، وسرقة، ثم يتطاول عليها الحقير وهي وحيدة وضعيفة! لماذا لم تشكو إلينا؟! لماذا أخفت كل تلك المصائب عنا؟!
أغمض كمال عينيه بألم ولم يتفوه بحرف للحظات..
هو أيضًا لا يستطيع تخطي ذلك؛
ذلك الخسيس ظل يتعدَّى على ابنته لشهور وهو لا يعلم شيئًا عنها؛
حبيبته ومُدللته وأول من حمل بين يديه؛
أُهينت وتجرعت الإذلال دون شكوى!
_يجب أن نقوم بتأجيل زفاف يُسْر يا كمال.
أجفل وهو ينظر إليها بدهشة مُتسائلًا:
_ما علاقة ما حدث لسُهيلة بزفاف يُسْر ورمزي؟
هتفت به بغيظ:
_أنت رأيت بنفسك ما حدث، عندما تقدم باهر طالبًا إياها للزواج كان مثالًا للأدب والأخلاق والاحترام، وها هو يتضح أنه كان شيطانًا، لِذا يجب علينا التمهل مع يُسْر، لا تنقُصنا مصائب أخرى!
ضيق عينيه وهو يسألها بلهجة يشوبها التحفز:
_هل تُلمحين إلى أن رمزي مثل باهر؟
تهرَّبت من عينيه والوجل يصدح بصوتها:
_أنا لم أعنِ ذلك بالطبع، لكن...
لكنه هب واقفًا مُقاطِعًا إياها بغضب:
_اسمعي عبلة، باهر أنا لم أكن موافقًا على مُصاهرته مُطلقًا، لكن ابنتك هي من أصرَّت عليه في لحظة طائشة وتحدتنا جميعًا، حتى أنها كادت تتسبب بمشاكل عِدة في سبيل ذلك لكن ربك ستر، أنا لم أرتح له يومًا لكنني لم أشأ أن أتسبب في نقمتها مع تمسُكها الغريب به بعد ما حدث حينها، أما رمزي فإنه ابن أخي وأثِق به، وأعلم أنه سيكون زوجًا مناسبًا لِيُسْر.
صاحت باعتراض واضح:
_لكنها لا تحبه.
ليصيح بها بتصميم وبلهجة صارمة:
_ستفعل، عندما يُصبِح زوجها ستُحِبه!
نظرت له بدهشة بسبب غضبه وإصراره على ذلك الأمر بالذات فتابع بقوة:
_ولا أريدك أن تستغلي طلاق سُهيلة في تأجيل زواج يُسْر، لأن الزفاف سيتم بموعده كما اتفقت مع مصطفي.
فغرت فاها دهشة وهي تقف أمامه صائحة:
_أنا أستغل مصيبة إحدى بناتي لصالح الأخرى؟ أهذا هو تفكيرك بي يا كمال؟ أشكرك جدًا!
وقبل أن يرد انصرفت حانقة إلى الداخل بينما ظل هو مكانه والغضب يُعربِد على ملامحه!
**********
"هل كل من اقترب زواجهم يشرُدون بتلك الطريقة؟!"
انتبه رمزي على عبارة صديقه المازحة فاجتذب ابتسامة مُفتَعَلة وهو يرد بحنق:
_أين هو ذلك الاقتراب يا رجل؟! لقد انتابني الملل انتظارًا لذلك اليوم!
ضحك صديقه بشدة ثم نظر إليه مُندهِشًا قائلًا:
_لم أعهدك بهذه الحالمية رمزي.
ابتسم رمزي بفخر ثم هتف زاهيًا:
_إذن أنت لم تعرِفني مُطلقًا.
أومأ صديقه برأسه إيجابًا وهو يرد:
_بالفعل أنت قد فاجأتني، عندما أخبرتني أن خطيبتك هي ابنة عمك توقعت ارتباطًا تقليديًا يقوم على الأُلفة والمَوَدَّة ولا دخل للحب به، لكن ذلك الشرود المتزايد على وجهك في الآونة الأخيرة يؤكد لي العكس تمامًا، عسى أن تُسعِدك هي أيضًا و تهنأ معها ويستمر حبكما إلى الأبد.
منحه رمزي ابتسامة مهزوزة وهو يشرد في دقات قلبه التي تدوي بداخله مُتفاعِلًا مع رسم الصورة الجميلة داخل ذِهنه..
أيُعقل أنه اشتاق لها؟!
بالفعل اشتاق لها!
والآن يفعل أي شيء كي يستمع إلى صوتها؛
إلى اسمه من بين شفتيها؛
إلى ابتسامتها البريئة؛
إلى عينيها السوداوتين اللتين طالما عشقهما..
ثم...
حذره عقله مما هو مقبل عليه، يُسْر لا تحبه وهو يعلم ذلك جيدًا، لم تفعل مطلقًا!
أغمض عينيه لثوان ثم فتحهما بنظرة مُصممة؛
لن يسمح لأية أفكار أن تؤثر على سعادته المُرتقبة؛
لن يسمح لأية خواطر أن تمنحه ترددًا هو ليس بحاجة إليه الآن مُطلقًا؛
زواجه من يُسْر سيتم؛
وستتعلم أن تحبه!
**********

سعاد (أمواج أرجوانية) 06-02-21 11:36 PM

تابع الفصل الثاني
***
نظر فريد إلى ابنته التي حضرت للتو مُنهارة بهدوء بينما يستمع إلى شكواها المُتكررة من زوجها..
الأمر ليس جديد عليه بالطبع، فهو خير من يعلم كيف له أن يكون قاسيًا وباردًا إلى أبعد حد دون اهتمام بالآخرين، لكنه قد تمادى حقًا هذه المرة!
أن يرفض مُقابلتها غير مُباليًا بانتشار مثل ذلك الخبر في الشركة لهو تهور غير محسوب العواقب منه ويستحق وقفة!
_سأتحدث معه رِهام، يجب أن نجلس ثلاثتنا سويًا ونحل ذلك الأمر.
تحدث فريد بتلك العبارة بهدوء فَرَفَعت رِهام رأسها بحدة ثم هزتها برفض قائلة:
_لم أعد أريده أبي، لم أعد أريد الاستمرار معه.
نظر لها فريد بذهول للحظات ثم سألها بتوجُس:
_ماذا تعنين رِهام؟
وكان الرد منها سريعًا، صارمًا:
_أريد الطلاق!
عقد فريد حاجبيه دهشة وهو يسألها مُستنكِرًا:
_عن أي طلاق تتحدثين؟ أليس هذا ثائر الذي أردتِه بجنون؟ أليس هذا هو من طِرتِ فَرَحًا عندما تقدَّم طالبًا الزواج منك؟
أومأت برأسها إيجابًا وتلاحقت دمعاتها لِتُجيبه بحسرة:
_كنت مخطئة أبي، أخطأت بحق نفسي، والآن لم أعد أتحمل هذا الوضع.
زفر فريد حانِقًا وهو لا يجد ردًَّا مُناسِبًا بينما أخذ يرمُق بُكاءها بضيق شديد..
أما هي فكانت تبكي قلبها وكرامتها وسنوات ضاعت من عمرها من أجل وهم كاذب، والآن لا تجد حلًا وأبوها_كعادته_ يرفض الطلاق رفضًا قاطعًا..
لكنها.. واليوم تجد أن الطلاق أكثر رحمة بها من الاستمرار بحياة تعيسة مع زوج جاف لا يطيقها ولا يترك فرصة دون التعبير عن هذا بكل صراحة..
_دعيني أتحدث معه مرة أخيرة ولا تعودي إلى القصر، عله يُدرك مدى جديتك، ربما يندم على مُعاملته معِك ويتوسلك الرجوع.
رَفَعَت رِهام رأسها إلى أبيها دامعة مُتحسِّرة فتهرَّب من عينيها بِحَرَج، هبَّت واقفة مُنطلِقة إلى الأعلى بينما جذب هو هاتفه ثم عبث بشاشته قليلًا واضعًا إياه على إحدى أذنيه، وبعد قليلا تحدث بصرامة قائلًا:
_مرحبًا ثائر، بيننا حديث يجب أن يتم.
فيأتيه الرد الجاف تمامًا كما توقع:
_مرحبًا فريد بك، أنا بطريقي إلى الإسكندرية حاليًا، عندما أعود سأُبلِّغك!
ثم أنهى المكالمة بدون كلمة إضافية!
**********
كانت تُرتِّب بعض الدفاتر على أحد الأرفف وهي شاردة تمامًا، لقد انقلب حال الجميع منذ عادت سُهيلة، أمها دائمًا تبكي، أبوها حانِق طوال الوقت، وهي حقًا لا تفهم لماذا يُبالِغون بذلك الشكل!
من الوارد أن يقع الطلاق بين الأزواج، هل يعني هذا أن تتوقف الحياة بعدها؟!
ألم يُدرِكوا بعد أن تطلعاتهم الكثيرة هي ما تتسبب في تعرضهم للصدمات المُتلاحقة؟!
ألم يُدرِكوا بعد أنه كلما نحَّينا قلوبنا جانِبًا واعتمدنا على عقولنا كان أسلم لنا جميعًا؟!
"لو دخل لِص الآن سيقوم بالاستيلاء عليكِ شخصيًا دون أن تشعُري!"
التفتت يُسْر مُجفَلة ثم زفرت براحة وهي تعبس في وجه صديقتها هاتفة:
_ألا تُصدرين أية أصوات كي تُنبهيني؟! كِدت أفقد وعيي فيروز!
اقتربت الفتاة رائعة الجمال، ذات العينين الساحرتين بلونهما المطابق لاسمها، لتقفز جالسة على إحدى خزائن المعروضات قائلة:
_أنا وصلت وأُحدثك منذ دقائق وأنتِ بعالم آخر تمامًا، هل الوضع لديكم سيء إلى تلك الدرجة؟
زَمَّت يُسْر شفتيها ثم زفرت بملل وهي تُجيبها:
_إنه مزري، لدينا كآبة في البيت تكفي حيًا بأكمله، وكلما حاولت إشغالهم بأمور أخرى تشبثوا بالحزن بكل قوتهم كأن الحياة تعتمد عليه.
هزت فيروز كتفيها وهي تستند بكفيها على الخزانة وتؤرجح ساقيها، قائلة بابتسامة مُغيظة:
_ربما الأمر طبيعي تمامًا حبيبتي، لكنكِ كالعادة معدومة المشاعر لا تقيمين وزنًا لها!
بادلتها يُسْر الابتسامة المُستفزة بكرم بالغ وهي ترد بزهو:
_إن كنت معدومة المشاعر كما تقولين فإنه من حُسن حظي، البكاء على اللبن المسكوب ليس من هواياتي المُفضلة.
لتتسع ابتسامة صديقتها قائلة بنبرة مَرِحة:
_البكاء في الأساس ليس من شِيَمك، لكن لا تفرحي كثيرًا، وأنا بالفعل أشعر بالشفقة تجاه رمزي!
وعندما انطلق الاسم عقدت يُسْر حاجبيها تلقائيًا بضيق شديد لم يخفى على صديقتها فسألتها باهتمام:
_بالمناسبة، هل ابتعتما غرفة الاستقبال؟
هزت يُسْر رأسها نفيًا ثم أجابتها بشرود:
_لا، لم نفعل، الأسبوع القادم سنبتاع جميع الأثاث.
حدَّقت فيروز بها بغيظ شديد والأخرى تستسلم لشرودها تمامًا، فهتفت بها بقوة:
_لم أعهدك جبانة يُسْر، إن كنتِ لا تتحملين الزواج من رمزي لهذه الدرجة فلا تظلمي نفسك وتظلميه معِك.
والابتسامة الساخرة لاحت على شفتيها وتخللها ردها الهادىء:
_لستُ جبانة فيروز، ربما أنا أشجع مما تظنين!
ثم عقدت حاجبيها بضيق وهي تنظر لها بنبرة حاولت إخفاء توترها بها وهي تتساءل بترقب:
_ثم أخبريني، أنتِ تلومينني على تأجيلي الزواج بينما أنتِ وخطيبك لم تتخذا خطوة واحدة في سبيل زواجكما، لا أسمعك تتحدثين عن الأمر أساسًا.
مطت فيروز شفتيها ثم ردَّت بلا اكتراث:
_أنتِ تعلمين أنه منشغل هذه الأيام بافتتاح محلًا جديدًا، ولِهذا لا أراه كثيرًا.
تهرَّبت يُسْر من عينيها وهي تلتفت لتُكمِل ترتيب الدفاتر بارتباك واضح بينما سألتها فيروز:
_كيف حال سُهيلة؟
التفتت يُسْر مرة أخرى وهي تزفر بحنق هاتفة:
_لم تتوقف عن البكاء منذ الأمس، ولا أعلم إلى متى ستظل على ذلك الوضع! لا تنفك تتفوه بانعدام ثقتها بالجميع وبرغبتها في البقاء وحيدة، أكاد أُجَن فيروز.
رَبَتت على كفها بحنان وهي تخاطبها بهدوء قائلة:
_أعطها وقتها يُسْر، الأمر ليس بسيطًا، لقد كان خطيبها لعام ثم زوجها لعام لآخر ووثقت به فخذلها.
ثم أردفت بنبرة مُغيظة:
_ربما ليس على الجميع التمتع ببرودك!
جزَّت يُسْر على أسنانها بغيظ وهي تهتف بها:
_لقد حذرتها من القبول بالزواج منه مرارًا فلم تستمع إليّ، أنا أثق بحدسي وكنت أدرك تمامًا أنه لا يناسبها حتى وإن لم يكن حقيرًا مدمنًا.
وتابعت باستنكار:
_وهل جئتِ أنتِ إلى هنا كي تزعجيني فيروز؟ أليس لديكِ عملًا بمكانٍ ما؟
هبطت فيروز من فوق الخزانة وهي تهتف بها بحنق:
_أنا بالفعل مُخطئة لأنني فكرت بالاطمئنان منكِ على حال سُهيلة، سأتصل بوالدتك كي أواسيها، ونصيحتي لكِ حاولي أن تُساعدي أختك في تخطي محنتها.
وأمام الباب صدح صوتها بتهكم:
_إلى اللقاء معدومة المشاعر!
حدَّقت يُسْر في إثرها بشرود ثم اجتذبت هاتفها لتكتب بأحرف مُرتجِفة:
"أين أنت تميم؟ أريد أن أراك الآن!"
**********
"لو كنت اهتممت بحضور الاجتماع صباحًا لأدركت أهمية ذلك الاتفاق زيدان، عندما يعود ثائر سنتناقش به ثُلاثتنا، بالطبع قبل أن يصدر حُكمًا بإعدامك!"
نطق باسل بهذه العبارة بلهجة مُعاتِبة وهو يتابع التهام المعكرونة التي أرسلتها والدة زيدان إليه بتلذذ واستمتاع وكأنه لم يذق طعامًا من قبل، بينما رد زيدان وهو يمعن النظر به ممتعضًا:
_لا أعلم كيف تأكل طوال الوقت وبكل مكان وتحتفظ بلياقتك البدنية أيضًا!
ابتلع باسل آخر قطعة من المعكرونة ثم ابتسم قائلًا:
_البركة بِك أنت وأخيك، طالما تحرقان دمائي قبل سعراتي الحرارية سأظل أتمتع بكامل لياقتي.. سأفقد عقلي لا جدال بذلك، لكنني سأكون مُختلًا وسيمًا بذات الوقت!
لم يبد الاهتمام على زيدان على الإطلاق حينما استدرك بابتسامة مُستفزة:
_لا تقلق بشأن ذلك الاتفاق، فعندما يأتِ ثائر سيجد ما يُشغِله عنه تمامًا، ثِق بي!
نظر باسل إلى زيدان بعدم فَهْم وهو لا يُدرِك أن الأخير يعني المشاكل التي تنتظره بعدما تركت زوجته المنزل..
كم يُشفِق عليها!
كم حَسَدها على صبرها!
كم تساءل باستغراب عن كيفية الطريقة التي تتعايش بها مع كونها زوجة لذلك المُبَرِّد في هيئة إنسان؛
المُجرد تمامًا من المشاعر؛
الذي يتعامل مع الجميع وكأنهم صفقات واتفاقات؛
حتى طفلته المِسكينة لم تحصُل منذ سنوات على حنان فِطري منه!
لقد اختُزِلَت كل حياته بالعمل فقط..
وما يُثير أعصابه أن والديه يُشجعانه ويُبجلانه بينما يحاولان حثه هو على الاقتداء به!
لطالما حاول النظر إليه بنفس الطريقة التي يُعجب به من أجلها الجميع لكنه لم يستطع..
هو لا يتحمل أن يكن بتلك القسوة واللامبالاة يومًا..
والعُقدة التي ارتسمت على حاجبيه انمحت فور أن تلقَّى اتصالًا هاتفيًا من أبيه ليرُد مُسرِعًا:
_مرحبًا أبي!
والرد الصارم جاءه فورًا:
_هل تَغَيَّبْت عن اجتماع اليوم أيضًا زيدان؟
ابتسم بسُخرية شديدة وهو يرد على أبيه قائلًا:
_بالطبع ابنك العزيز لم ينس الإبلاغ عني!
فعاد صياح أبيه الغاضب تمامًا، مستنكرًا:
_ألا تعلم يا أحمق أنه سافر؟ ألا تعلم أنك تنوب عنه في غيابه؟
و.. بَلَغَ السيل الزبى؛
ورَمَى زيدان بكل صبره خلف ظهره؛
ليهتف بقهر وهو يهُب واقفًا متمسكًا بالهاتف:
_لقد قلت مرارًا أنني لا أرغب بتلك النيابة، أنا مُهندس ليس أكثر، لقد تركت أمور الرئاسة لثائر بِك، ليتحكم هو بالجميع كما يشاء وليتركني بحالي، لِمَ لا تدركون أنني لست مثله؟ وأحمد ربي أنني لست مثله!
وبالمقابل انطلق صوت أبيه بقوة، مُوَبِّخًَا، ناهيًا:
_لا تتكلم عن ثائر بهذه الوقاحة زيدان! إنه شقيقك الأكبر الذي يهتم بالشركة في....
ويبدو أن زيدان قد ذهب بطريق غضبه جهة اللاعودة، حيث قاطع أباه بقهر:
_الشركة! الشركة! الأجدر به الاهتمام بزوجته التي تعاني بصمت، الأجدر به الاهتمام بطفلته التي لا يشعر بوجودها من الأساس حتى باتت كاليتيمة وهو على قيد الحياة.
ثم تابع بلامبالاة ظاهرية:
_آسف أبي، أعلم أنه ابنكما المُفضل لكنني لا يُشرِفني أن أكون مِثلُه!
وكان الرد من أبيه هو إغلاق الخط على الفور..
بالضبط كما يُغلق أذنيه كل مرة عن حديث يتعلق بقسوة ابنه الأكبر..
كما يُغلِق عينيه عن مشاهد تتعلق بتجبُّر ابنه الأكبر..
فليهنأوا به وليُزيدوا في الاحتفاء به كما يرغبون!
وليتركوه بحاله ليعيش حياته كما يحب..!
_خطأ زيدان، كل ما تفعله خطأ! وضعك لا يعجبني، أنت تسقط في هوة مُظلِمة ولا تهتم، فكِّر بعقلك زيدان واستمع لآراء أهلك.
نظر زيدان إلى باسل بغيظ شديد..
بالرغم من أنه صديقه هو بالأساس فإنه لا يُخفي إعجابه بشخصية أخيه الطاغية؛
لماذا أصبح الجميع يتجهون بأبصارهم إلى القوة المُفرِطة بمنتهى الانبهار؟!
هل هي رغبتهم الفطرية في الخضوع والإذلال؟!
هل هو حبهم الشديد للسطوة والقيود؟!
لكنه ليس مثلهم وليس مثله!
هو سيهرب منهم جميعًا إلى عالمه الخاص؛
سيغرق في بحور سكينته مع حبيبته؛
لن يدع لغيره الفرصة لإفساد سلام نفسه أيًا كان!
**********
خرجت سُهَيلة من غُرفتها وهي مُرتدِية كامل ملابسها وحجابها فطالعتها أمها بدهشة واتجهت إليها مُسرِعة تسألها:
_إلى أين أنتِ ذاهبة سُهيلة؟
ثبتت حزام حقيبتها على أحد كتفيها وهي تُجيب أمها بهدوء:
_إلى المحل أمي، لن أظل جالسة بفراشي طوال النهار، سأذهب لمساعدة أبي ويُسْر.
_لكن، لكن أنتِ لازلتِ مُتعبة!
نظرت لها بحُزن ثم عقَّبت بخفوت:
_أنا بخير أمي، وسأكون أفضل قريبًا، ادعي لي.
وضعت أمها كفها على إحدى وجنتي ابنتها ثم ربتت عليها بحنان قائلة:
_أدعو لكِ دائمًا حبيبتي، عسى الله أن يُعوِضك بالأفضل منه قريبًا جدًا.
أجفلت سُهيلة وهي تهُز رأسها برفض واضح هاتفة:
_لا أمي! ادعي لي أن أنسى ما حدث، أنا سأظل بمفردي، هكذا أفضل لي.
عقدت عبلة حاجبيها بدهشة حانقة وهي تُحدِّثها قائلة:
_ما هذا الكلام سُهيلة؟ أنتِ لن تتركي نفسك لتلك الأفكار، لن تعتنقي عُقدة من الزواج، ليس لأنكِ بُليتي بذلك الحقير تنبذين الآخرين، أنتِ جميلة ومُتعلمة والكثيرون يتمنون القرب منك، أنا أعلم أنني سأفرح بكِ عاجلًا.
نظرت لها سُهيلة بألم لا تجد ردًَّا على آمال أمها..
ألا تعلم أنها لم تعُد تثق بأي آخرين؟!
ألا تعلم أن من أجبرت نفسها على الوثوق به عرَّضها لصدمة ربما لن تشفى منها مُطلقًا؟
ألا تعلم أنها خلال الساعات الفائتة تأكدت أن وِجهة نظر أختها الصُغرى هي الصحيحة؟!
وهي قد قررت الاعتماد على عقلِها كي لا يتجاسر أحد على إيذائها!
زفرت بيأس وهي تُقبِّل ظاهر كف أمها ثم اتجهت إلى الباب وخرجت...
...
وحينما وصلت إلى محل الأدوات المكتبية الذي يمتلكونه ولجت مُحاوِلة رسم ابتسامة ضعيفة على وجهها فهب أبوها واقفًا والقلق يعلو ملامحه وهو يسألها بسرعة:
_ماذا حدث سُهيلة؟ هل أنتِ بخير؟ هل أمك بخير؟
ابتسمت بضعف وهي تتجه إليه تُجيبه برقة:
_لا تقلق أبي! نحن بخير جميعًا.
ثم تلفتت حولها مُتسائلة:
_ أين يُسْر؟
زفر أبوها براحة وهو يرد:
_ليست هنا، لديها عمل بمكان ما، هل تريدينها؟
اتجهت إلى خلف أحد الخزائن الزجاجية ووضعت حقيبتها ثم جلست على أقرب مقعد شاردة، اتجه أبوها إليها وجلس بجانبها مُربِتًا على يدها هامسًا:
_ستتخطين هذه الكبوة سُهيلة، ستعودين أقوى، وستعودين تلك الزهرة المُتفتحة التي نشأت يانعة أمام عيني.
ابتسمت سُهيلة لأبيها بامتنان وعادت إلى شرودها في القادم، والذي_على الرغم من تنبؤها به_ يُخيفها أكثر من حالتها الحاضرة!
**********
وقفت يُسْر تتطلع إلى أحد الحواسيب النقَّالة شاردة، لا تعلم هل ما هي تنوي فِعله صحيح أم لا، لكنها وجدت نفسها تنطلق إلى هنا بدون تفكير وللمرة الأولى تعصي تحذير عقلها!
هل أصبحت أنانية؟
ربما!
هل ستصير مُتهوِّرة عند اتخاذها تلك الخطوة؟
مُحتمل!
لا تتيقن بأي شيء والحيرة تنهش عقلها..
لكن ما هي مُتأكدة منه أنها لن تقوى على الاستسلام أكثر؛
الصمت يقتلها..
الواقع يقتلها..
والمُحاولة التي تتبناها الآن رُبما هي الحل الأخير!
"إن أعجبك فهو هدية مني!"
التفتت إلى الخلف وعلى وجهها أروع ابتسامة بادلها إياها ذلك الوسيم، طويل القامة، أسمر البشرة؛
ذو النظرة الحانية، والتي تكون أحيانًا.. مُنذِرة بالوعيد!
اتجهت إليه بضحكة رائقة لا يستفز خروجها تلقائيًا إلاه، قائلة:
_الحاسب الذي أحضرته بالمرة الأخيرة لا يزال داخل عُلبته، توقف عن التبذير قليلًا يا تميم.
محا ابتسامته وعقد حاجبيه بضيق تعلم تمامًا أنه مُفتعل، ثم تجاوزها إلى المكتب البسيط الذي يدير شؤون مبيعاته من خلاله وهو يقول مُتَذَمرًا:
_إذن يجب أن أدعي الغضب لعدم اهتمامك بهداياي.
ثم أرخى ملامحه مرة واحدة وهو يُردِف راسمًا ابتسامته الجذابة:
_لكنكِ تعلمين يا يُسْر أنني لا أستطيع الغضب منكِ مُطلقًا.
ابتسمت له بامتنان فبان القلق بنبرته وهو يسألها:
_ماذا بكِ؟ لِمَ هذا الحُزن بعينيك؟
وعندما تهرَّبت بعينيها منه أجاب هو بغيظ:
_رمزي أيضًا! أليس كذلك؟!
سقطت على أقرب مقعد باستسلام يائسة وهي تضع كفيها على وجهها، تركها صامتة كما تحب مُنتظرًا بصبر حتى تحدثت أخيرًا بهدوء:
_لا أحبه تميم، لا أحبه مُطلقًا، لا أستطيع الشعور نحوه بأكثر من الأخوة.
صمتت قليلًا ثم تابعت:
_أبي يريد هذا الزواج، بينما أمي مُعارِضة.
وأردفت بخفوت:
_وعمي...
ثم بترت عبارتها بإرهاق واضح لترخي كفيها وترمقه بِحيرة، وعادت فأكملت:
_عمي ينتظر زواجنا في أسرع وقت وأنا لا أستطيع خُذلانه.
ثوان أخرى ظلت خلالها صامتة وتركها هو تفرغ كل ما في جُعبتها حتى تابعت بنبرة مُتألمة قلما ما سمعها منها:
_أحيانًا أفكر في الهرب، إلى مكان بعيد حيث لا واجبات ولا التزامات، لكنني أعود وأسأل نفسي هل أنا إلى تلك الدرجة أنانية؟
ثم زفرت ببطء وهي تستكمل بعدم اقتناع:
_ثم أحاول إقناع نفسي بأنني ربما سأحب رمزي يومًا مثلما يحاول أبي وعمي التأكيد لي.
هنا رَفَعَت رأسها تنظر إليه بضياع مُتسائلة والتوسُل يصرخ بنبرتها:
_أتعتقد تميم أنني سأحب رمزي يومًا؟ أتعتقد أنه مناسب لي؟
حدَّق بعينيها للحظات في صمت، ثم تحدث بِثِقة قائلًا:
_أنتما الاثنان غير مناسبان لبعضكما بالمرة، رمزي ربما يكون طيبًا، حالمًا، مُتمسكًا بكِ بإصرار كما يُظهِر، لكن..
زفر بضيق شديد وهو يبتر عبارته ثم استطرد بعد ثوانِ قائلًا:
_أنتِ تستحقين رجلًا قويًا، أقوى منكِ شخصيًا، رجلا يُعلِّمك أبجدية العشق مُستخرِجًا الأنثى المُتعطِّشة للحنان بداخلك، رجلا يستعمر قلبك فتخضعين له على الفور، ليكُون هو الأول والأخير.
ارتسم الامتعاض فورًا على ملامحها وهي تقول برفض صريح:
_أنا لا أحب تصور ذلك الأمر تميم، ولا أريد العشق.
ابتسم بسخرية وحاد بعينيه عنها شاردًا، لِيُردد بخفوت:
_ليس كل ما يتمناه المرء يدركه!
ارتسم الألم على ملامحها على الفور وهي تتطلع إليه..
لطالما كان تميم مثالًا للرجل القوي؛
لطالما كان لها بالذات حصنًا آمنًا؛
معه فقط تستطيع أن تكون على سجيتها بلا تحفظ..
معه فقط تجد نفسها تُثرثر في أي شيء وكل شيء بلا تفكير؛
وكان هو دائمًا مُستمعًا جيدًا؛
وبالمقابل تستطيع أن تقول أنها أكثر من تفهمه..
تفهم حنانه وإخلاصه؛
تفهم احتياجه؛
وتفهم والصراع الدائر بداخله؛
وتفهم ذلك الغضب الرابض بعينيه!
ذبذبات مُقلِقة تستقبلها منه بكل بساطة؛
والمنشأ: قلبه..
والسبب: عشق محكوم بفشله منذ البداية؛
والنتيجة: حقد استيقظ من رماده كالعنقاء في أكثر الأوقات اللامناسِبة على الإطلاق!
وتربص كامن بعينيه توقن هي أنه قام بكبته طويلا والآن فقط.. سيتغلب وينطلق صوب مرماه بلا خطأ.. وأيضا بكل الخطأ!
زفرت بضيق وهي تسأله بلا تفكير:
_متى ستتزوج أنت أيضًا تميم؟
نظر لها بدهشة ثم أطلق ضحكة رائقة فحدَّقت به بتدقيق مُتابِعة:
_يا إلهي! هل أنت سعيد لهذه الدرجة بسبب الزواج؟ إن تعجلت قليلًا تستطيع اللحاق بي ورمزي، ما رأيك في حفل زفاف مُزدَوَج يضُمنا جميعًا؟
انمحت ابتسامته بالتدريج ثم عاتبها بخفوت:
_لا تستخدمي قسوتِك معي يُسْر!
قالها ثم حدَّق بالحلقة الفضية التي تلتف حول بِنصرُه الأيمن، بينما زفرت بألم وهي تمنع دمعات تريد التحرر بقوة ثم وقفت مُسرعة واتجهت إلى باب المحل، وبدون أن تلتفت إليه قالت بهدوء:
_بالمُناسبة، لقد عادت أختي.
ثم أردفت بنفس الهدوء:
_مُطلقة!
وانطلقت إلى الخارج تاركة العنان لدمعاتها غير مُبالية بتحديقات المارين بها، وعندما وصلت إلى محل والدها أخيرًا كانت قد اتخذت قرارها..
لن تُفسِد أحلام أبيها وعمها؛
ستتزوج من رمزي وليحدث ما يحدث، لم تعد تهتم!
**********

سعاد (أمواج أرجوانية) 06-02-21 11:38 PM

بعد أسبوع:
عاد رمزي من الخارج صافعًا بابه بقوة أجفلت أمه التي انطلقت إليه مُهرولة بجزع وهي تهتف:
_ماذا بك رمزي؟ هل أنت بخير؟ ماذا فعلتم؟
صاح بحنق شديد وهو يسقط على الأريكة:
_الأسعار مُبالغ بها أمي، بذلك الشكل لن يتم الزواج بموعده مُطلقًا!
ارتسم الإدراك على ملامح أمه ثم مطت شفتيها بعدم رضا قبل أن تهتف بسخط:
_لِمَ التعجل إذن؟ هل ستطير الملِكة؟ انتظر حتى تُصبح جاهزًا، أو اطلب منها ألا تغالي في طلباتها.
زفر رمزي بغيظ وهو يرد:
_أمي أرجوكِ لا تبدئي الآن، أنتِ تعلمين تمامًا أن يُسْر لا تُغالي في طلباتها، تعلمين أنها ربما لا تهتم أصلًا بالأثاث وشرائه.
جلست أمه بجانبة وهي تُخاطبه بسرعة محاولة إقناعه برأيها:
_إذن لماذا تُقلل من نفسك معها؟ اتركها وابحث عن غيرها، أنا لا أرى بها شيئًا مُميزًا يجعلك تلهث خلفها بذلك الشكل، إنها باردة إلى حد يُثير الأعصاب، وافق أنت وأنا سأساعدك في الحصول على فتاة جميلة حنونة دافئة تستحقها حبيبي!
تأفف رمزي مُغتاظًا من نفس الحديث؛
نفس العبارات؛
نفس العروض الرنانة التي تحاول أمه جذبه عن طريقها؛
يعلم أنها غير راضية عن زواجه من يُسْر..
بالضبط كما زوجة عمه؛
يعلم أن أباه وعمه فقط هما من يُشجعانه على إتمام تلك الزيجة؛
وهو أيضًا يريد ذلك وبأسرع وقت ممكن..
ولِهذا نظر إلى أمه قائلًا بصرامة:
_اسمعي أمي! يُسْر خطيبتي، وبعد أقل من شهرين ستُصبح زوجتي، وكل ما أرجوه منكِ أن تتقبلي ذلك وألا تفتعلي المشاكل معها، من أجلي أنا على الأقل، اتفقنا؟!
مصمصت شفتيها بعدم رضا واضح ثم سألته بنزق:
_وماذا ستفعل في الأثاث؟
شرد رمزي بقلق ثم زفر بتعب قائلًا:
_سأتصرف أمي، حتى ان اضطررت أن أبيع سيارتي، سأفعل أي شيء كي يتم الزفاف بموعده.
عند هذا الحد لم تستطع أمه الإذعان له، فَهبَّت واقفة تصيح بها:
_هل جُننت رمزي؟! ستبيع السيارة التي اشتريتها بصعوبة من أجل الملكة؟! ما الذي تفعله؟ وكيف ومتى سيطرت عليك بهذا الشكل؟
وضع رمزي كفيه فوق شعره وهو يُغمِض عينيه بنفاد صبر قائلًا بهدوء ظاهري:
_يا أمي! أنا من أريد الزواج بسرعة، لا تنس أننا ظللنا مخطوبين لعامين وقد سئمت حقًا، كما أن راتبي جيد وأستطيع بعد بضعة شهور شراء سيارة أخرى بالقسط، أرجوكِ لا تُزيدي من انزعاجي أمي!
وما إن أنهى عبارته حتى وقف مُتجهًا إلى غرفته وأغلق بابها جيدًا، ارتمى بجسده فوق الفراش وبعد لحظات أخرج حافظته الجلدية وفتحها ليتطلع إلى صاحبة العينين السوداوتين التي لم يعشق سواها بحياته..
**********
وبغرفة أخرى بمكان آخر كانت رَغَد تفكر بدورها في الرجل الوحيد الذي أحبته؛
والذي اكتشفت منذ أيام أنها فشلت في إخفاء مشاعرها تجاهه؛
وأن عينيها قد فضحتا عشقها؛
والآن أصبحت تشعر بالحرج الشديد كلما قابلت عيناها عيني باسل بعدما أوضح لها أنه يعلم؛
يعلم بحبها المُستحيل!
وكأن شقيقتها التي تركت بيت زوجها وأقامت معها منذ أسبوع ترغب في تعذيبها عن طريق هذه القصيدة الشعرية التي لم تستمع لسواها طوال الأيام الفائتة
فأجبرتها على الاستماع إليها بدورها..
لينتشر صوت رِهام العذب الهاديء في الغرفة مُرددًا:
وأرفض من نــار حبك أن أستقيلا "
وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقيلا
وما همني
إن خرجت من الحب حيا
وما همني
إن خرجت قتيلا"
نزار قَبَّاني
أخفت رَغَد انفعالاتها وتجاهلت أفكارها وهي تعتدل بفراشها مُتسائلة بخفوت:
_أتحبينه إلى هذه الدرجة رِهام؟
كانت مُحدِّقة بسقف الغرفة بشرود، لكنها ردَّت بدون تردد:
_أعشقه! لم أعشق سواه طوال عمري!
زفرت رَغَد بضيق شديد وهي تهتف بها:
_لِماذا لا تحاولان البدء من جديد إذن؟ ربما يكون ثائر شخص عملي بِشدة وصارم بعض الشيء، لكن لديكما طفلة، تستطيعان المُحاولة من أجلها.
انكمشت ملامح رِهام دفعة واحدة وهي تهُز رأسها رفضًا والدمعات تسيل خارج عينيها قائلة:
_لا أريد رَغَد، لقد انتهينا، لا أريد ثائر بحياتي ثانية.
قامت رَغَد من فراشها واتجهت إلى شقيقتها لتحتضنها، فأجهشت الأخرى بالبكاء بين ذراعيها قائلة بحسرة:
_ليتني لم أقابل ثائر مُطلقًا، ليتني لم أره أبدًا!
شددت رَغَد من احتضانها لشقيقتها وهي تؤمن على دعوتها سرًا:
_ليتكِ لم تقابليه رِهام..
**********
ترجل رمزي من سيارته وهو يتجه إلى مقر عمله مُحاوِلًا ترتيب أفكاره التي تتصارع داخل عقله بجنون منذ عدة أيام..
الوقت يمر وهو يخاف حقًا من تراجع يُسْر الذي لن يستغرب حدوثه قريبًا..
لطالما شعر بالضيق من نفسه بسبب إصراره على الارتباط بفتاة لا تشعر تجاهه بأية مشاعر دون الاخوة، لكنه يعود ليقنع نفسه أنهما سيجدان طريقة سويًا مُستقبلًا..
يُسْر ابنة عمه؛
يستطيع قراءة أفكارها بإتقان؛
يُسْر لن تخذله؛
يُسْر لن تتركه وترحل؛
يُسْر لن تدعس قلبه بقدمها وهو مُتأكد من ذلك؛
ما ينقصه فقط هو الحصول على قلبها!
ارتسم التصميم على ملامحه وهو يلج من باب الشركة الضخم ليُلاحظ على الفور حالة الهرج والمرج السائدة بين الموظفين..
ثم استقل المصعد والتوتر يحتاجه بدوره بلا سبب واضح..
...
"يا إلهي! هل قامت الحرب؟"
هتف رمزي بهذه العبارة وهو يدخل إلى غرفة المكتب الواسعة المُشتركة التي تجمع بينه وبين زملائه، ليرد عليه أحدهم قائلًا بحماس بدا متناقضًا مع فحوى كلماته:
_الجميع يتلقَّى الخصومات منذ الصباح، ولا ندري لذلك سببًا.
نظر رمزي له بدهشة قائلًا:
_ولماذا أنت سعيد بذلك الشكل؟ هل قسم المحاسبة مُحصَّن ضد الخصم أم ماذا؟
هزَّ زميل آخر رأسه نفيًا وهو يرتب بعض الأوراق على مكتبه ويتخلص من بعض المُهملا بسرعة قبل أن يهتف حانقًا:
_لا يوجد أية تحصينات، الضرر قد عمَّ الجميع هنا ولن أستبعد أن يصل إلينا، لقد عاد من سفره ووضع رؤوس الجميع تحت المِقصلة.
جلس رمزي على المقعد خلف مكتبه وهو يولي ظهره للباب قائلًا برجاء:
_لا تقل هذا! أنا أحتاج إلى كل جنيه هذه الأيام، بالكاد أستطيع تدبير مصاريف الزفاف!
"وهل يجب علينا تحمُّل مصاريف زفاف سيادتك مُقابل ثرثرتك الفارغة؟"
هبَ رمزي مستديرًا بقلق بينما عمَّ الصمت أنحاء المكتب..
حدَّق في الرجل صاحب النظرة القاسية، ورغمًا عنه لم يستطع إخفاء نظرة حاقِدة تجاهه؛
المُتعجرِف؛
الجاف؛
عديم الرحمة؛
والذي هو_للأسف_ رب عمله!
باستثناء جميع الناس هو رب عمله الذي لا يستطيع المُجازفة بفقدانه هذه الأيام..
ليكظم غيظه في لحظة وهو يتهرَّب بعينيه منه قائلًا بخفوت:
_أعتذر ثائر بِك.
وإن كان ينتظر ردًَّا فسيجب عليه التحلِّي بالصبر؛
وبعد ثوانِ مُتعددة وصله الرد أخيرًا بكل برود:
_يُخصَم منك يومًا كاملًا حتى لا تُهدِر وقت زملائك في كلام تافه، وإن تكرر الأمر سيتم فصلك نهائيًا..
سكت للحظات ثم أردف بجمود:
_مبارك الزفاف الوشيك أستاذ رمزي!
وبمنتهى الهدوء انصرف تلحقه سكرتيرته التي تلهث خلفه بكل مكان؛
ليسقط رمزي على مقعده مرة أخرى متقبلًا مواساة زملائه بقهر واضح..
**********
"هذا تطور كبير، أتذكر جيدًا أن سُهيلة كانت ترفض تحمل مسئولية المحل من قبل."
هتفت بها فيروز وهي تضع قطعة من الشطيرة في فم يُسْر بينما الأخيرة تُحدِّق بكامل تركيزها في الحاسب النقَّال كي تُنهي المقال المطلوب منها.
_أنا أيضًا ذُهِلت، ولم أصدِّق ذلك في أول الأمر، إلا أنها حريصة على الحضور مُبكرًا يوميًا واستقبال الزبائن، حتى أنني استطعت تحرير عدة مقالات خلال هذا الأسبوع بفضل مساعدتها.
نفضت فيروز يديها وهي تجمع بقايا طعام إفطارهما ثم قالت:
_ربما ذلك النذل كان الدفعة التي جعلتها تفيق أخيرًا.
مطت يُسْر شفتيها ثم اتجهت إلى الخلف لتغسل يديها على المِغسلة بالغرفة الصغيرة المُلحَقة وهي تهتف:
_لا أعلم فيروز، لكن حالها لا يعجبني إطلاقًا، دومًا شاردة والحزن يصرخ بوجهها، لا أجد طريقة لِمُساعدتها.
خاطبتها فيروز بهدوء بعدما عادت إليها قائلة:
_تحتاج لبعض الوقت بالطبع يا يُسْر، لا تتعجلوها.
شردت يُسْر بحزن مُتمتِمة:
_أنا فقط أريد أن أراها سعيدة مُنطلقة مثلما كانت دومًا.
ابتسمت فيروز بمكر مُتسائلة:
_وأنتِ متى ستنطلقين؟
ضحكت يُسْر تحاول إخفاء سُخرية واضحة:
_أنا على ما يبدو لا يليق بي الانطلاق، سأظل جامدة كالصنم طوال عُمري.
زمَّت فيروز شفتيها بغيظ وهي تصيح بها باستنكار:
_كيف تتحملين كل هذه الطاقة السلبية بداخلك يُسْر؟
هزَّت يُسْر كتفيها بلامبالاة وتمسكت بصمت شارد قليلًا ثم رَدَّت باقتناع تام:
_ما تُسمينه أنتِ طاقة سلبية أسميه أنا إقرار بالواقع آنسة فيروز.
زفرت فيروز بغيظ لم تحاول مُداراته عنها..
ستبقى يُسْر دائمًا هكذا؛
رأس يابس؛
تعقُّل مبالغ به؛
برود يُثير الغيظ؛
حتى تحدث معجزة ما تمنحها اشتعالًا لا تجد منه مفرًا!
تمسكت بحقيبتها وهي تُعدِّل من وشاحها ببطء فسألتها يُسْر باستغراب:
_إلى أين ستذهبين فيروز؟ ابقي معي قليلًا، أمي تقول أن سُهيلة مُتعبة ولن تحضر اليوم.
وبدون أن تنظر لها ردَّت بنزق:
_أنتِ تعلمين أن لديّ عمل له مواعيد حضور وانصراف، لستُ مثلك أعمل عن طريق شبكة "الإنترنت"، أليس كذلك؟!
لكن يُسْر ألحَّت برجاء:
_لا تزال هناك ساعتين على موعد عملك يا فتاة، ابقي معي سنثرثر قليلًا.
هزَّت فيروز رأسها رفضًا ببطء مرددة باعتذار:
_مرة أخرى يُسْر، سأذهب إلى خطيبي المُبجل الذي تغير حاله فجأة واختفى منذ أيام، أشعر أن هناك طاريء ما.
والنظرة القلِقة التي احتلت وجه يُسْر فجأة لم تلحظها فيروز وهي تُخرِج هاتفها الذي يهتز بحقيبتها، اتسعت ابتسامتها فجأة وهي تقول:
_ها هو يتصل ما إن أذكره.
وضعت الهاتف على أذنها مُبتسمة بمرح قائلة:
_مرحبًا تميم!
**********
منذ أن فتحت سُهيلة عينيها صباحًا وهي تشعر بدوار عنيف، كلما همت بالوقوف شعرت بأن الأرض تميد بها، وما زاد في إزعاجها تلك الاتصالات المُتكررة فلا يكلف المُتصل نفسه عناء الرد..
وكل ما يصلها أنفاس!
فقط أنفاس؛
تُجزِم هي بأنها أنفاس غاضبة!
هل دوارها يسبب لها الهذيان؟!
كيف لها أن تستشعر الغضب بدون كلمات؟!
دخلت أمها حاملة كوبًا زُجاجيًا يحوي سائلًا دافئًا فقالت بملل:
_أمي أخبرتك أنني لا أطيق رائحة ذلك السائل، أرجوكِ لا تضغطي عليّ أكثر!
جلست أمها بجوارها وهي تساعدها على إسناد ظهرها على الوسادة قائلة بحزم:
_ستشربينه سُهيلة، ستشربينه كله واليوم سنذهب إلى الطبيبة كي تخبرنا بأسباب شحوب وجهك ودوارك المستمر ولا.....
بترت عبلة عبارتها وهي تُحدِّق في وجه ابنتها بذعر، فعقدت سُهيلة حاجبيها بدهشة وهي تتسائل بتعب:
_ماذا بكِ أمي؟ لِمَ تخشب جسدك هكذا؟
وبعد لحظات عثرت أمها على صوتها وهي تسألها بصوت مُتحشرج:
_أنتِ لستِ حاملًا سُهيلة، أليس كذلك؟
والذعر انطلق على الفور إلى سُهيلة التي انتفضت فجأة وهي تفغر فاها بصدمة!
***** نهاية الفصل الثاني*****
في انتظار آرائكم

آلاء الليل 07-02-21 12:50 AM

فصل جميل و قصص واقعية و شخصيات فريدة 👏👏👏👏👏👏👏السرد و اللغة دائما روعة في انتظار الأحداث القادمة بشوق 💗💗💗💗💗💗💗💗💗💗

rowo 07-02-21 11:35 AM

فين باقى الروايه مستنياها بفارغ الصبر ❤

سعاد (أمواج أرجوانية) 07-02-21 11:46 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آلاء الليل (المشاركة 15340416)
فصل جميل و قصص واقعية و شخصيات فريدة 👏👏👏👏👏👏👏السرد و اللغة دائما روعة في انتظار الأحداث القادمة بشوق 💗💗💗💗💗💗💗💗💗💗

حبيبتي تسلميلي ❤️❤️
مبسوطة انه عجبك 😍😍😍

سعاد (أمواج أرجوانية) 07-02-21 11:47 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة rowo (المشاركة 15340976)
فين باقى الروايه مستنياها بفارغ الصبر ❤

المواعيد كل سبت الساعة 11 بإذن الله 😍😍😍
يا رب تعجبك ❤️

غدا يوم اخر 08-02-21 03:20 AM

روايةجميله بارعة
كرهت يسر مافي اوسخ منها عينها علي خطيب صاحبتها
سهيلة حامل
ثائر هل اثر فيه زعل زوجته هل علم بطلبها للطلاق الطفل المدلل
حتى اخوه طفل مدلل ماتعامل بنضج وهو محاوله فصل عمله عن اخوه وخل الابمع زوجبنته يتصافون ويكسرون بعضهم هل ابنته صاحب المقهى مثل توقعات خطيبها والا تستهدف امواله


الساعة الآن 04:40 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.