شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   وأذاب الندى صقيع أوتاري *مميزة ومكتملة* (https://www.rewity.com/forum/t480453.html)

سعاد (أمواج أرجوانية) 28-01-21 12:12 AM

وأذاب الندى صقيع أوتاري *مميزة ومكتملة*
 



https://upload.rewity.com/uploads/154089255098181.gif



السلام عليكم
رجعتلكم تاني بعد تجربتي الأولى ((سكن روحي))

وبإذن الله هابدأ نشر روايتي الثانية ((وأذاب الندى صقيع أوتاري)) معاكم هنا.. أتمنى تعجبكم😍😍


https://upload.rewity.com/do.php?img=169635


https://g.top4top.io/p_1853jsgb90.jpeg


https://d.top4top.io/p_1853eb1mq0.jpeg

https://e.top4top.io/p_1853hh4r31.jpeg

https://f.top4top.io/p_1853hwzpf2.jpeg

https://b.top4top.io/p_1853g4tdq0.jpeg

https://i.top4top.io/p_1853dessj0.jpeg


https://d.top4top.io/p_1853bly312.jpeg

https://c.top4top.io/p_1853lv8sc0.jpeg

https://d.top4top.io/p_1853gzao81.jpeg

https://e.top4top.io/p_1853vp9sl2.jpeg

https://c.top4top.io/p_1853d34r10.jpeg

https://d.top4top.io/p_1853wajiy1.jpeg


مواعيد النشر هاتكون يوم السبت الساعة 11 مساءًا بتوقيت مصر إن شاء الله كل أسبوع❤️❤️❤️

روابط الفصول

المقدمة... المشاركة التالية.
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع والخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون الأخير
الخاتمة


رابط التحميل
https://www.mediafire.com/file/x4lmd...%25AF.pdf/file


سعاد (أمواج أرجوانية) 28-01-21 01:18 AM

المقدمة
إذا انبهرت لا تندفع!
فما كَثُر من قتله فضوله..
وإذا هربت فَتَحَل بالشجاعة!
فما قَل من واتته فرصة الإنقاذ..
وإذا استُضعِفت لا تُسَلِّم طويلا!
فَجَلْد ذاتك لن يشفع لك..
وإن انتقمت فلتتحمل عذابك!
فما أراح الانتقام امريء قط..
وحين تُخفِض رأسك نية للسداد؛
كن مستعدا للدفع بأقبح الطرق!
وليس لكل سقطة استقامة بعدها..
هنا سقطة تصير بسببها أقوى؛
وهناك سقطة تبقى على الدوام!
تخبرك بالخطأ؛
تجبرك على الندم؛
تُشبعك بأسوأ المشاعر، ولا تجلب لك سِوى المرارة..
فلتراقب موضع قدمك، ولترى ما خلف الصورة، وكن دومًا مستعدًا لِدفع الثمن!
**********
*سَقْطَة انبهار*
بشرود تسير إلى جواره، تتطلع إلى واجهات المحلات دونما اهتمام، تراقبه يقف أمام أحد محال لُعب الأطفال يتأملها باهتمام شديد، ثم يعود ملتفتًا إليها؛
يلتقط صورة جماعية؛
شفتاها تأبيان الابتسام؛
حاجباها يرفضان الافتراق؛
ملامحها تعاف الارتخاء؛
والحسرة.. مثل الوشم على ثغرها!
كالمُغيبة تتابع السير، وكالمحكوم عليها بابتلاع السُم توافق على ارتشاف بعض المُرطبات، تعود بذاكرتها لأيام سعيدة وَلَّت، متجاهلة أيام كريهة حَلَّت!
ألم يخترعوا آلة للسفر عبر الزمن بعد؟!
ألم يجدوا وسيلة لاستعادة الماضي؟!
ألم يكتشفوا طريقة للتراجع عن بعض الأفعال المتهورة؟!
"حبيبتي، أتريدين نوعًا آخر من العصير؟"
وصوته الهادىء اقتحم أفكارها منتزعًا إياها من سعادة مفقودة، مُجبرًا إياها على الغرق بتعاسة دائمة.
هَزَّة طفيفة من رأسها مُعَبِّرة عن رفض لطالما التزمته معه مؤخرًا عَلَّه يشعر، عَلَّه يسأم، عَلَّه يمنحها شهادة عِتق!
أتبعتها بنظرة خاطفة له حملت كُرهًا لم تظن يومًا أنها قد تشعر به؛
واشمئزازًا لازمها كلما تطلعت بوجهه؛
وندمًا لاضطرارها لِوجودها بِرفقته!
ثم عادت إلى جمودها، وثباتها، والدليل الوحيد على أنها حَيَّة يكمُن فقط في أنفاس ثقيلة تتردد بصدرها وتأبى التوقف!
ثرثرة خانقة لا يصمت عنها؛
خطط مستقبلية تتمنى ألا تتحقق مُطلقًا؛
اقتراحات واقتراحات لا قيمة لها لديها، ولا تأمل سِوى بأن يَمَل صمتها فيفعل المثل!
وبلحظة واحدة أجفلت بجلستها، والعينان الميتتان دَبَّت فيهما الروح فجأة قبل أن تلتصقا ببعض زائري ذلك المركز التجاري يجلسون على طاولة قريبة.
وجفاف حلقها، مع ضربات قلبها المتسارعة بالتزامن مع ارتجافة عنيفة بجسدها أثاروا انتباه.. مرافقها!
"ماذا بكِ حبيبتي؟ أتشعرين بالضجر؟ أتريدين أن ننصرف الآن؟"
_لا!!!
نفي قاطع، ورفض صارخ، ومقلتاها لاتزالان مصوبتان على الهدف..
واستدراك، وارتباك، ومحاولة فاشلة للتظاهر بالهدوء، ثم:
_لا أريد الانصراف الآن.
وبحسرة داخل عينين دامعتين أردفت:
_لِتوي شعرت بالراحة.
واتسعت ابتسامته هو زافرًا أيضًا براحة، لينطلق في كلمات لم تستمع منها لشيء، لكنها تستطيع تخمينها..
يُحبها؛
يتمنى رؤيتها سعيدة؛
يود لو يرى الفرحة بملامحها الجميلة؛
يفعل كل ما تطلبه كي يمحو عنها الألم..
ولا يعلم أن الألم يتمثل في وجوده، وفي اضطرارها إلى القبول بوجوده!
ولَمسَة حانية على يدها كان رد الفعل التلقائي عليها نفورًا سريعًا حاولت كبته كما تفعل دومًا.. لكن يبدو أنها اليوم فَشَلت!
_لماذا تَشَنَّج وجهك هكذا؟
والسؤال انتزعها بعيدًا عن مرمى بصرها.. إليه؛
"افعليها ولا تترددي!"
الأنفاس الثقيلة تسارعت بترقب؛
والعينان المتحشتان بالاستسلام تزاحم بداخلهما بريق تمرد؛
القارب يسير بها داخل بحر عميق؛
المجداف الذي يخصها تريد التخلص منه بأية طريقة؛
البر الذي تركته فضولًا وحماسًا أضحى لها الآن نعيمًا حُرِمَت منه؛
البحر الذي صارت تتوغل به رغمًا عنها بات لها جحيمًا علِقت به؛
و... ألا يغرق القارب بها فتنحبس أنفاسها إلى الأبد؟!
ألا يغرق فينقذها من غشاوة انبهار دفعتها للسقطة؟!
وبثبات غريب كان مصدره لها وحدها معلومًا، فهو يتواجد على بُعد خطوات قليلة، رددت بكلمات بطيئة الوتيرة، واثقة النبرة، ذابحة الأثر:
_أنا لا أحبك، لم أفعل يومًا، ولن أفعل إلى الأبد!
**********
*سَقْطَة هَرَب!*
تجثو أرضًا بجوار باب غرفتها الذي أوصدته للتو؛
دمعاتها تتلاحق على وجنتيها بلا توقف؛
بينما كفها على فمها تكتم صوت نهنهاتها كي ترهف السمع!
وجسدها يرتجف خوفًا تتصاعد ذروته مع كل حرف ينطلق مخترقًا سمعها؛
والصوت المرعب يصدح خارجًا:
_لقد صبرت عليكما كثيرًا، لكن الأمر بات يمس شرفي وصورتي أمام الجميع، عند هذا الحد لن آبه لِما تريدان.
وصوت والدتها المتوسل يخاطب رِفقًا لا يتمتع به بالأصل:
_اسمعني أرجوك! ابنتي لم تفعل ما يُشين وأنت تعلم ذلك، هي مثال للأخلاق الحميدة، وباستطاعتك السؤال بكل مكان.
وسُخرية مقيتة تعاظمت بصوته مُعلقًا باستخفاف:
_وكيف سأعتمد كلامك وأصدقه؟ أنا أبعد عنكما مئات الأميال وأنتما ترفضان الإقامة معي، ماذا يؤكد لي أنها لن تستخدم تلك الحرية بأسوأ طريقة فتجلب لي العار؟!
وبِصوت أعلى وأكثر إخافة أردف:
_ماذا يضمن لي أنها لن تفعل ما يحلو لها فأُفاجأ بكارثة ما لا أجد الوقت لإصلاح نتائجها؟!
وقبل أن تعيد والدتها توسلاتها الفاشلة صاح هو بنبرة قاطعة:
_سوف تعودان معي، وسوف تتزوج من أحد ولَدَيّ، ولا نقاش في هذا الأمر، أنتما تعلمان أنني باستطاعتي العودة رافعًا رأسي بين أهلي إذا ما أعلنت أنني اكتشفت أن ابنة أخي تستغل عيشها مع أمها بمفردهما وتقوم بما يُشين فاضطررت إلى غسل عاري بنفسي، أليس كذلك؟!
وتوسلات والدتها صارت لا تجدي..
وكلمات مُلطخة بقذارة في طي افتراض مجهول يعلن عنها لسانه بكل صفاقة!
لو كان يخاف عليها حقًا لحاولت استرضاءه، لكنها تعلم أن الأمر ما هو إلا محض ثأر لا ينتهي بالدماء ولا معنى لتقديم كَفَنها به!
على الحافة تقف؛
سكين الغدر خلفها؛
والمجهول تحت قدميها؛
إن تراجعت خطوة أُهدِرَت دماؤها؛
وإن تقدمت خطوة رَحَّبَت بسقوطها!
واليد التي يجب عليها الإمساك بها هي نفسها من تحمل السكين، والذراعان اللتان يجب عليهما استقبالها وحمايتها هما أيضًا من يدفعاها للسقوط!
لكن.. لم يحِن وقت استسلامها بعد؛
من أباحوا كل شيء في الحب والحرب نسوا أن يبيحوا كل شيء من أجل.. الحياة!
وهي ستتمسك بحياتها، وستنتهز فرصة الإنقاذ التي قُدِّمت لها.
عندئذٍ تناولت هاتفها من جيب منامتها طالبة رقمًا مُعينًا، وما إن رد حتى بادرته بصوت مكتوم، متألم.. مُعتذر:
"أنا موافقة على الزواج منك!"
**********
*سَقْطَة استضعاف*
تقف أمام والدها كالطفلة التي ارتكبت خطئًا ساذجًا حذَّرها منه مرارًا وتكرارًا لكنها كررته، وها هي بانتظار تلقي العقاب اللازم..
والعقاب اللازم تمثل في توبيخات، معايرات، صياحات لا داعِ لها..
فهي بالأصل لا ينقصها الخزي!
"أريد أن أفهم كيف إلى الآن لا تستطيعين اجتذابه إليكِ؟"
وها قد بدأ:
_ألا تعملين معه كل يوم؟ ألا ترينه طوال الوقت؟ كيف لم تؤثري به إلى الآن؟
واستطراد بأسئلة يعلم إجاباتها جمعاء:
_هل تعاملينه بجفاء؟ ألا تهتمين به؟ هل تتحدثين معه بلا اكتراث؟
وإضافة ظالمة:
_هل تتعمدين التظاهر باللامبالاة كي يقع صريع غرامك؟ أهذه إحدى خطط الفتيات الخرقاء؟!
وبِفشل لا يحق لها الشعور به رَفَعَت رأسها قائلة بنبرة مُهتزة:
_أبي.. أنا أتعامل معه كَزميل وكأخ فقط لا غير، ولا توجد أية خطط، أنا لا أفكر بهذه الــ...
وصيحة أعلى، وَنَهي أقسى:
_إياكِ!
ثم إيضاح قد سَبَق له ترديده مرارًا وتكرارًا حتى باتت تشعر به مُعلقًا على رأسها:
_إياكِ وتكرار هذا السخف عن الأخوة والزمالة، أنتِ ستبذلين قصارى جهدك كي تستميليه إليكِ، وستتزوجينه هو لا سواه في أقرب وقت.
ازدردت لعابها كابتة دمعات تصرخ بالتحرر، وعِتابًا يلتصق بلسانها، لتتجاهلهم قائلة:
_لكن.. هو لا يفكر في هذا الأمر يا أبي، لا يراني أكثر من زميلة وشقيقة.
واستطردت ببوادر اعتراض:
_كما أنني لن أعرض نفسي عليه بكل تأكيد، لا أرضى بهذا لنفسي.
ليكتم هو الاعتراض على الفور بسؤال هو نقطة ضعفها الوحيدة.. الوليدة:
_ألا تحبينه؟
باستسلام تَجَلَّى به الصدق تلقائيًا، متألمًا، أجابته دونما استفاضة:
_أحبه.
وبِغيظ، وبِحنق أمرها مُحَذِّرًا:
_إذن توقفي عن كونك بطيئة التصرف، غبية، ساذجة، وبأية طريقة يجب عليه أن يتزوجك، أنتِ لا تعلمي شأنه مستقبلًا بالشركة كيف سيكون.
والتحذير صار أشد، والنذير أكثر شراسة:
_ولا تعلمي أن هذا المستقبل أهم كثيرًا من كل ترهاتك عن الكرامة والإباء وعِزة النفس، لو كان لَدَيّ الولد لِما احتجت إليكِ!
والعِتاب انطلق من عينيها والهدف بالطبع لا يراها؛
والألم تخلل ثنايا روحها معلنًا السيطرة؛
والحيرة تتملك منها ولا تدري ما ذنبها؛
واستضعاف يقتات على كيانها لتسقط به دون إرادة.. ودون هوادة!
ألم تُحَرَّم تجارة الرقيق منذ زمن؟!
لماذا يصر أبوها على وضعها بسوق نخاسة ولعابه يسيل منتظرًا قبض الثمن؟!
ولماذا أحبت _للأسف_ من يدفعها أبوها دفعًا للاقتران به؟!
ألا يكفيها ما تعانيه؟!
ألا يكفيها إحساسها معه بأنها مكشوفة؟!
ألا يكفيها شعورها بأن حبها له ظاهرًا ليفضحها وليثير الانتباه إلى مطامع أبيها؟!
**********
*سقطة انتقام*
"هل ما أخبرني به والدك صحيح؟"
سؤال عادي؛
بنبرة حاقدة؛
ونظرة قاتلة؛
تحذرها من الإجابة بالإيجاب، وتدفعها للنكران على الفور!
وبِعناد قلما سمحت له التحكم بها رَفَعت رأسها لتومىء بها قبل أن تقول:
_نعم صحيح، هل أتيت كي تهنئني؟
وصدمة على وجهه وصلت متأخرًا بعض الشيء؛
وذعر بضربات قلبه ما باله يقتحم أسماعها؟!
ودوامة ضياع تلفهما مُنبئة بمستقبل مُظلِم..
_تراجعي! لا تزال هناك فرصة، تراجعي ولا تفعلي بنا هذا.
والرجاء بصوته دفعها لأن تهز رأسها رفضًا ثم تجيبه:
_لقد استنفذت جميع الفرص معي، ولن أقبل بانتظار المزيد، وعلاقتنا قد انتهت فعليًا منذ ذلك اليوم.
هتاف قوي.. مهزوم، انطلق منه حائرًا:
_أنا لا أفهم حتى الآن ماذا حدث ذلك اليوم، ومن حقي أن تخبريني لماذا هجرتِني، من حقي أن أعلم ما هي التُهمة التي تعاقبيني على أساسها، من حقي أن أتذكر ما اقترفت كي أتلقى هذا العذاب.
وبضعف، وبخوف من نفسها ومن قلبها أمعنت في الرفض هاتفة بالمثل:
_لا حقوق لك عندي على الإطلاق، ولا علاقة ستجمعنا إلى الأبد، الأمر كان كله محض خطأ منذ البداية، ولن أقبل بالخوض به أكثر.
وبإصرار تابعت:
_اذهب ولا تعد! اذهب كي أتخطاك، لأنني بالتأكيد سأفعل يومًا، و..قريبًا جدًا.
لترتسم على ثغره ابتسامة مُخيفة قبل أن يقول بِوعيد:
_مُخطئة أنتِ، ربما ستحرقين قلبي، ربما ستعذبينني، لكنكِ ستشاركينني عذابي بكل لحظة.
وزادها من الشِعر بيتًا بِوعيد:
_ربما ستنتقمين مني لسبب لازلت أجهله، لكنكِ ستموتين كمدًا وأنتِ تعلمينه وتجبرين نفسك على الاحتفاظ به وحدك.
وبتصميم أردف:
_لكن ما إن تقاربين على تجاوزي، سأتخطاكِ وأتجاوزك أنا أولًا.
ثم رفع قبضته مؤَكِّدًا:
_وهذه الحرقة التي أعانيها ستقتسمينها معي، يا أَكثر من عَرِفت حنانًا.. وقسوةً!
ووعيده أصاب قلبها بمهارة..
وحُرقته لاقت مثيلتها بكيانها..
لكن أوان التراجع كان قد فات منذ وقت ليس بالقليل.
كمن تقف على خيط رفيع تمسك هي بطرفيه؛
وبيمناها تشعل قداحة محفور عليها "كرامتي"؛
وبيسراها تفتح مقصًا محفور عليه" انتقامي"؛
وبلحظة أُنهِكَت فاستسلمت.. للسقطة!
**********
*سَقطة تسديد*
أمام المرآة تُطالِع هيئتها؛
فستان خطبة مُبهرج أكثر من الضروري؛
زينة وجه بسيطة أجبرتها عليها شقيقتها؛
وعينين مُزينتين بِكُحل عربي زاد من حدة نظراتها.. وسوادها!
بداخلها حرب شعواء لا تقوى على التحكم باندلاعها؛
بأنفاسها ثورة تزداد جموحًا، ورفضًا، وصراعًا؛
بقلبها ثبات تلقائي ليس بالغريب عليه؛
وبعقلها.. تهكم، امتعاض، وسخرية!
قوتها تتهكم عليها؛
إباؤها يسخر منها؛
وشموخها لا ينفك عن الامتعاض بسببها!
"ألن تخرجي؟ الجميع يسأل عنكِ."
عبارة بصوته الحنون انطلقت فأغمضت عينيها بإذعان للأمر الواقع...
واستدارت مُطفئة كل الحرب؛
والتفتت قامعة كل الثورة؛
وسيطر الثبات على مُجريات أمور انفعالاتها؛
وبِكل حزم رَدَّت:
"عُذرًا! أريد أن أرتدي مَحبس الخطبة وحدي، وبنفسي!"
ولتتقلد ختمًا لا ترغب به؛
ولتتمسك برابط تود تمزيقه على الفور؛
ولتتابع حياتها متظاهرة باستقامة وعنفوان؛
بينما هي في الواقع تتتمرغ أرضًا سدادًا.. للسقطة!
**********


Moon roro 28-01-21 03:23 AM

مبروووك روايتك الجديدة البداية مشوقة وجميلة
اتمنى لك التوفيق عزيزتي💕💕💕

ضحى حماد 28-01-21 09:13 AM

قطرتي الندية 😍😍😍😍😍😍
بالتوفيق بنشرررررك الجدييييييبيييد
ما ننحرم من ابداعك ان شالله

سعاد (أمواج أرجوانية) 28-01-21 07:26 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة moon roro (المشاركة 15322051)
مبروووك روايتك الجديدة البداية مشوقة وجميلة
اتمنى لك التوفيق عزيزتي💕💕💕

الله يبارك فيكي حبيبتي ❤️❤️
يا رب تعجبك 😍😍😍

سعاد (أمواج أرجوانية) 28-01-21 07:28 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضحى حماد (المشاركة 15322270)
قطرتي الندية 😍😍😍😍😍😍
بالتوفيق بنشرررررك الجدييييييبيييد
ما ننحرم من ابداعك ان شالله

حبيبتي يا ضحى❤️❤️
لولا دعمك ماكانش هايبقى في جديد
تسلميلي يا رب 😍😍😍😍

آلاء الليل 29-01-21 12:24 AM

ألف مبروك الرواية الجديدة 🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊أنا من أشد المعجبين بقلمك و سكن روحي كانت رواية في القمة سردا و لغة و احداثا في انتظار الرواية الجديدة التي تبدو من المقدم و التعريف بالشخصيات مشوقة جدا 😍😍😍😍😍😍😍

neno 90 29-01-21 03:54 AM

مبروووووك مبروووك على الرواية الجديدة
ان شاء الله تطلع رائعة مثل روايتك الاولى سكن روحى تابعتها بشغف و انبهرت انها اول رواياتك
سلمت يداك و فى انتظار ابداعاتك دايما

سعاد (أمواج أرجوانية) 30-01-21 01:43 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آلاء الليل (المشاركة 15323458)
ألف مبروك الرواية الجديدة 🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊🎊أنا من أشد المعجبين بقلمك و سكن روحي كانت رواية في القمة سردا و لغة و احداثا في انتظار الرواية الجديدة التي تبدو من المقدم و التعريف بالشخصيات مشوقة جدا 😍😍😍😍😍😍😍

بجد مبسوطة جدا جدا انك شوفتي الموضوع❤️❤️❤️
يا رب تعجبك حبيبتي
وانتظر رأيك كل فصل بإذن الله 😍😍😍

سعاد (أمواج أرجوانية) 30-01-21 01:44 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة neno 90 (المشاركة 15323824)
مبروووووك مبروووك على الرواية الجديدة
ان شاء الله تطلع رائعة مثل روايتك الاولى سكن روحى تابعتها بشغف و انبهرت انها اول رواياتك
سلمت يداك و فى انتظار ابداعاتك دايما

الله يبارك فيكي حبيبتي 😍😍😍
فرحتيني جدا جدا بتعليقك
يا رب تعجبك ❤️❤️

um soso 30-01-21 01:00 PM

مبروك روايتك الثانيه

بدايه قويه وحكايات توحي بالكثير

بالتوفيق

سعاد (أمواج أرجوانية) 30-01-21 02:50 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة um soso (المشاركة 15325826)
مبروك روايتك الثانيه

بدايه قويه وحكايات توحي بالكثير

بالتوفيق

الله يبارك فيكي حبيبتي ❤️❤️❤️
يا رب تعجبك 😍

رىرى45 30-01-21 04:46 PM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

سعاد (أمواج أرجوانية) 30-01-21 11:56 PM

مساء الخير:shakehands:
معادنا دلوقتي مع الفصل الأول:syriasuperstarra8: وهايكون على 3 مشاركات بإذن الله
***
الفصل الأول
*خُذلان*
شاحبة الوجه بطيئة أنفاسها، مُحدِّقة بساعة الحائط وقد أخذت xxxxبها تتحرك برتابة.
تهزُّ قدميها بتوتر شديد، تضغط أسنانها بقوة، وتتدافع أسوأ الأفكار إلى عقلِها بينما لا تقدر هي على صَدها.
زفرت بتعب وهي تجذب هاتفها مرة أخرى؛ لتطلب نفس الرقم؛
فتنطلق العبارة المُسَجَّلَة نفسها مُعلنة عن استمرار إغلاق الهاتف.
كم ساعة مرت وهي على نفس وضعها؟ ست ساعات، أو ربما سبعة؟!
بالتأكيد الهاتف انتهى شحنه، بالـتأكيد لم تحدث كارثة ما، بالتأكيد هو سالم مُعافى وسيعود إليها كي يستكملا شجارهما الذي بتره صباحًا قبل أن ينصرف غاضبًا.
وضعت رأسها بين كفيها لتتساقط دمعاتها تِباعًا؛
تتوالى شهقاتها تباعًا؛
تُقيدها أصفاد الندم بلا رحمة!
لن تتشاجر ثانية! عندما يعود لن تتشاجر معه، بل ستبحث بكل بهدوء عن طريقة لحل تلك المُعضِلة، لن تُغامر بإغضابه مُجددًا، ولن تحاول استفزازه مرة أخرى، كل ما عليه أن يعود إليها بخير فقط.
توالت عليها ذكريات ماضية تتشبث بها كالغريق بمنتصف المحيط..
شعورها بالتيه الذي استمر لفترة ليست بالقصيرة؛
ثم لقاؤهما الأول؛
إعجابه بها.. مكرُه ونظراته المُتلاعِبة ومحاولاته الحثيثة للتقرب منها وعدم اكتراثها؛
لحاقه بها وصدها له..؛
توسله لها ورفضها؛
شجاره مع أحد زملائهما بالعمل الذي كان على وشك التقرب منها مُعلنًا أنها خطيبته؛
ليذهب إلى بيت أهلها بنفس اليوم مُطالبًا بها؛
تردد منها لدقيقتين..
"إياكِ أن تفعلي!"
تردد طال لخمسة دقائق..
"لا تهربي!"
تردد استمر لِعشرة دقائق..
"هذا ليس حلًا، ليس بهذه الطريقة!"
ثم إعلان الموافقة!
وخلال بضعة أشهر تزوجا وسافرا بنفس اليوم إلى حيث وظيفته الجديدة التي حصل عليها بِشق الأنفس.
وتحولت الشهقات الخفيضة إلى أخرى عالية باكية والذكريات تسيطر على عقلها، تستشعر أن الأسوأ قادم، تستشعر أن أيام سلامها الذي هربت إليه قد انتهت دون رجعة، وتستشعر أن النهاية التي حاولت تجاهلها قد حانت.
لو يقتل تلك الأفكار!
لو يحبط كل توقعاتها ويثبت لها _بمعجزة ما_ أنها مخطئة!
لو يعود إليها واعدًا ببداية جديدة لكليهما!
ستطيعه، تُقسم أنها ستُطيعه وستتخلى عن عِنادها باحثة عن وسيلة أخرى لحل هذه الكارثة.
فقط لو يعود!
تفعل أي شيء يُطلَب منها مُقابل أن تطمئن وتسمع صوت مُفتاحه بباب بيتهما الآن.
لكن..
بدلًا من صوت المفتاح كان هناك صوت رنين الجرس الذي انتزعها من أفكارها ثم من جلستها، ازداد شحوب وجهها وهي تُحدِّق في الباب بعدم فَهم ثم تنقل نظراتها إلى ساعة الحائط التي تُشير إلى العاشرة صباحًا بتوقيت البلد الذي يعيشان به منذ عام مضى.
هو لا يدُق جرس الباب مُطلقًا، لا يحب الانتظار، من سيأتيها بمثل ذلك الوقت؟
عاد صوت الجرس أكثر اصرارًا فوقفت هي ببطء شاعرة أن قدميها ستخذلانها حتمًا، اختطفت وشاحًا بالقرب منها ولفته كي تستر شعرها البني الكثيف، واتجهت إلى الباب مُرتجفة الجسد حتى وصلت إليه ليتوقف الصوت فجأة، تخشبت مكانها واضعة يُمناها على صدرها مُحاولة تهدئة أنفاسها بلا جدوى، ثم أجفلت والصوت يعود أكثر إلحاحًا، حمحمت بضعف وهي تسأل بقوة زائفة:
_من.. من بالباب؟
صمت لثوانِ زاد من رُعبها ثم أتتها الإجابة بصوته، لكنه كان ثقيلًا بطريقة زادت من قلقها:
_أنا يا سُهيلة، افتحي!
شهقت بدهشة وهي تمد يدها لتفتح الباب بسرعة، لكن ما إن انفتح حتى هوى جسدها إلى الخلف أرضًا بينما جثم هو بثِقلُه فوقها، لتصرخ هي بذعر ويداها تتفحصانه بتوتر:
_ماذا بك باهر؟!
وانتظرت الإجابة للحظات لكنها لم تصل مُطلقًا، وبأقصى قوتها أزاحت جسده جانبًا حتى سقط أرضًا مُطلِقًا شخيرًا منتظمًا!
جلست مُحدِّقة به بذهول لدقائق مُتوقِعة مُزاحًا ما لكن استغراقه في النوم كان واضحًا، اقتربت منه لِتُربت على وجنتيه برقة مُنادية إياه بقلق:
_باهر! ماذا بك؟ هل نِمت؟ أجبني باهر ماذا حدث؟
ولما بدا لها بعالم آخر اقتربت أكثر مُدققة النظر به بخوف..
خوف ما لبث أن تحول إلى إدراك، ثم إلى خوف مرة ثانية!
مدَّت يدها إلى جيوب سُترته داعية الله ألا تجد ما تخشاه، داعية الله أن تخيب ظنونها، داعية الله أن تتلقى ارتياحًا بات لها حُلمًا مستحيل المنال!
وبيديها المرتجفتين تنقلت بين جيوبه كلها بينما لم يتحرك هو من مكانه قيد أنملة!
لكن ولحظها السيء وجدته، تحسسته، ثم استلته خارج مخبأه بأحد جيوبه السرية!
تطلعت إلى شريط الأقراص اللعين بكفها وهي تكاد تراه مبتسِمًا باستفزاز يُخرِج لها لسانه ليُغيظها، لا تعي متى بدأت دمعاتها بالانحدار، ولا متى بدأت شفتيها بالارتجاف، تشوشت رؤيتها وعقلها يصرخ بها مؤنِبًا:
"أهذا من كنتِ تستعيدين ذكريات تعارفك معه باحثة عن طريقة تُرققي قلبك تجاهه؟!"
"أهذا من كنتِ لتوِك تندمين على شجارك معه بالصباح؟!"
"أهذا من كنتِ تُمنين نفسك ببداية جديدة برِفقته؟!"
"لقد تركك هنا..
وحيدة؛
بمكان غريب؛
ببلد غريب، بلا أهل وبلا صاحب؛
وذهب لأصدقائه بِوكر ملذاته؛
ذهب ليُغيب عقله وأنتِ هنا تموتين أسفًا وهلعًا تتوقعين وقوعه بمصيبة ما وتلومين نفسك!"
تراجعت للخلف ببكاء أصبح رفيقها بالأيام السابقة..
تنعي عامين ضاعا من عمرها وهي ترسم مُستقبلًا أجبرت نفسها عليه كي تتخلص من ماض مؤلم، ليتضح لها مؤخرًا أنه ليس إلا سرابا، وأكثر إيلامًا!
الضياع يُحيط بها، الألم يتملك منها، الندم يستولي على عقلها؛
وهي قابعة أرضًا..
مُمزقة!
**********
بوجهها الجامد وملامحها المصمتة حاولت التظاهر بالاهتمام وهي تجول ببصرها على أثاث غرفة الاستقبال الذي يتأمله خطيبها بتدقيق أثناء مُناقشته مع صاحب المعرض، استمعت إلى حوارهما بلا اكتراث والرجل يُعدِد مزايا هذا الأثاث بالتحديد وكيف أنهما سيكونا محظوظان إن ظفرا به.
زَفَرت بغيظ وهي تنظر له بعينين لامباليتين ثم نقلت بصرها إلى الأثاث الذي لا تشعر حقًا بمدى جودته أو أناقته، مالت على خطيبها هامسة:
_رمزي، أنا لم يعجبني هذا الأثاث إطلاقًا، إنه شديد البهرجة، دعنا نبحث في معرض آخر.
ابتسم للرجل باعتذار وانتحى بها جانبًا يهمس بدوره:
_ما به؟ أنا أجده جيدًا، اللون أنيق والتصميم رائع، كما أننا نتجول منذ الصباح ولم نجد ما نال رِضاكِ حتى الآن، الوقت يُداهِمنا يُسْر ونحن لم نبتاع أي شيء بشقتنا.
زفرت بملل ثم تهربت عيناها منه وهي ترد:
_أنا لا أفهم لماذا هذا التعجُّل رمزي، نستطيع الانتظار قليلًا بعد حتى نقوم بتأثيث الشقة على مهل.
حدَّق بعينيها بدهشة ثم ردَّ بنبرة اعتراض واضحة:
_لقد مر ما يقرب من عامين على خطبتنا يُسْر، هل تدركين ذلك؟ ألستِ مُتشوِقة لزواجنا مِثلي؟
حمحمت بحرج وهي تشيح بوجهها بعيدًا عنه ثم ردَّت بارتباك:
_لِمَ تقول ذلك رمزي؟، أنا.. أنا لا أريد التعجُّل في اختيار الأثاث فقط كما تعلم.
نظر لها مدققًا وهي لاتزال تشيح بنظراتها عنه ثم زفر باستسلام قائلا:
_كما تشائين يُسْر، هناك معرض آخر رشحه لي أحد أصدقائي، هيا بنا نذهب إليه عسى أن نجد ما تريدين هناك.
وجاء ردها مُعترِضًا بِسُرعة:
_لا رمزي، لا أريد اليوم، دعنا نؤجلها ليومٍ آخر.
نظر لها بتساؤل فأردفت بحرج:
_قدماي تؤلمانني كثيرًا ولن أستطيع التجول كما أحب، بالإضافة إلى أن عمي يجلس بالسيارة منذ وقت طويل ولا يصح لنا تركه بمفرده أكثر.
أومأ برأسه موافقًا على مضض ثم أشار إليها بكفه لتتقدمه إلى الخارج ففعلت بسرعة وهي تزفر براحة شديدة... لم يغفل هو عنها!
**********
"ألم تعُد يُسْر من الخارج بعد؟"
ألقى كمال ذلك السؤال على زوجته التي تُوليه ظهرها ويبدو عليها أنها لم تسمعه بالأصل، فاضطر إلى تكراره حتى انتفضت وهي تنظر له بذعر جعله يضحك باستمتاع أغاظها فهتفت به:
_لماذا تصيح بذلك الشكل كمال؟
وعندما استطاع التوقف عن الضحك أخيرًا أجابها بِمرح:
_أنا أحدثك منذ فترة عبلة وأنتِ شاردة تمامًا، ما الأمر؟
زفرت بتعب وهي تضع المِلعَقة الخشبية جانِبًا فاقترب منها والقلق يحتل ملامحه مُتسائلًا:
_ماذا حدث؟ ما الذي يزعجك حبيبتي؟
انتقل القلق منه إلى ملامحها بأشد صوره وهي تجيبه بِحيرة:
_لا أعلم كمال، منذ الأمس وأنا أشعر بضيق لا أجد له مبررًا، واليوم ازداد حتى أصبحت أشعر بصعوبة في التنفس.
جذبها إلى صدره مُربتًا عليها بحنان شديد لم يفتر طوال ثلاثين عامًا هي عمر زواجهما بعد قصة حب تحاكت بها عائلتيهما، ثم سألها بمرح:
_كل هذا لأن يُسْر ستتزوج؟ ألم يكفِك أنكِ تتعمدين تأخير الزواج منذ عامين بالرغم من أن رمزي ومصطفى كانا يريدان التعجيل بالأمر؟!
نظرت له عبلة بغيظ ولم تستطع منع نبرتها المُغتاظة وهي تبتعد عنه هاتفة:
_لن يتم الأمر كما يريد ابن أخيك يا كمال، إن كان يريد الإسراع بالزواج فليبحث عن سواها، يجب علينا التمهل كي لا نندم مُستقبلًا.
تحولت نظرته إليها إلى الضيق الشديد وهو يتطلع إلى الاعتراض البادي على كل خلجاتها..
يعلم أنها لا تحب رمزي..
يعلم أنها لم توافق مُطلقًا على هذا الارتباط..
يعلم أنها لو بمقدورها ستُنهي هذه الخطبة على الفور..
وما يخشاه حقًا هو انصياع يُسْر لها والتراجع عن الزواج في هذا الوقت القاتل..
هل سيسمح بذلك؟
هل سيُغامر بإفساد علاقته بشقيقه الوحيد؟
هز رأسه نفيًا لسؤال لم يخرج من مجال عقله، ثم تبدَّلت على الفور نبرته الحنونة إلى أخرى صارمة وهو يقول مُحذرًا:
_عبلة! للمرة الأخيرة لا أريد منكِ التحدث عن رمزي بهذه الطريقة، لقد أصبح خاطبًا لابنتك، وقريبًا سيصير زوجها، ولا أريدك أن تؤثري على قرارها، ولا تنسِ أنه ابن شقيقي أيضًا ولا أحب سماع ما لا أرضى به عنه.
طأطأت رأسها بحرج مُشوب بالرفض فانصرف هو من المطبخ حانِقًا، لتعود هي لأفكارها القلقة التي لم تتعلق هذه المرة بيُسْر!
**********
تحلَّقوا حول مائدة الطعام بينما الصغيرة تتقافز بمرح حولهم حتى صاحت بها جدتها:
_توقفي عن القفز حول المائدة سيلا كي لا تقعي أرضًا! وهيا لتتناولي الطعام قبل أن يبرد.
صاحت الصغيرة بجدتها مُتسائلة ببراءة:
_ألن يأتي أبي؟
نظرت الجدة لابنتها التي أشاحت بوجهها بحرج قبل أن تجيب على سؤال طفلتها الذي ماثله آخر بعيني أمها بنبرة خافتة:
_لن يأتي اليوم أمي، لديه اجتماعًا هامًَّا بالشركة ولن يستطيع التخلُّف عنه.
أمعنت أمها النظر بها تتفحصها فتظاهرت رهام بعدم الاكتراث..
"أي اجتماع هذا رِهام؟ لتوي أتيت من الشركة ولا توجد أية اجتماعات!"
نظرت رِهام لشقيقتها التي وصلت حالًا وتورد وجهها وهي تهرب إلى صحنها باحثة عن حُجة أخرى تُبرر بها غيابه اليوم أيضًا، شعر بها والدها فحمحم بخشونة وهو يهتف بابنته الصغرى حانقًا:
_وهل أصبحتِ على اطلاع بجدول أعمال الجميع بالشركة رَغَد؟ ربما هناك اجتماعًا طارئًا لا تدرين عنه شيئًا.
هزت رَغَد كتفيها بعدم اقتناع وهي تنظر لشقيقتها الكُبرى بتدقيق فعاجلتها أمها:
_هيا رَغَد! بدِّلي ملابسِك كي نتناول الطعام.
نزعت رَغَد عينيها عن شقيقتها بصعوبة وهي تتجه إلى الدرجات فلحقتها سيلا تتقافز هاتفة بتوسُل:
_أين هي حلواي رَغَد؟ ألن تُعطيني إياها؟
مطت رَغَد شِفتيها وهي تهز رأسها رفضًا مُجيبة إياها:
_حينما تُبدين بعض الاحترام وأنتِ تنادينني ربما سأفعل، يا فتاة أتمنى أن أسمع منكِ كلمة خالتي مرة واحدة بعُمري!
وغابت أصواتهما بحوارهما الطفولي وهما يصعدان إلى الأعلى حينما التفت فريد إلى رِهام مُتسائلًا بهدوء:
_هل تشاجرتِ مع زوجِك ثانية رِهام؟
هنا رَفَعت أنظارها إلى أبيها والألم ينضح بوجهها ثم ردَّت:
_لا أبي! لم أتشاجر معه.
هتفت والدتها بضيق واضح:
_لماذا لم يأتِ إذن؟ إنه حتى لم يتحلَّى ببعض الذوق كي يعتذر عن حضوره، ألا يعلم أننا بانتظاره؟
وقبل أن تغرق في بحور حرجها مرة أخرى جاء الرد من أبيها صارمًا:
_لقد هاتفني وأخبرني بانشغاله، ويُبلغك اعتذاره ليلى.
أشاحت ليلى بإحدى يديها بتذمُّر في إشارة عدم تصديق واضحة ثم غمغمت بصوت مسموع:
_أنا لا يعجبني ما يحدث بينك وبينه رِهام، إلى متى سيطول الجفاء بينكما؟ لقد مرت ست سنوات ولم أركِ سعيدة إلا بضعة شهور بأول الأمر، يجب أن تضعي حدًا لطريقته الجافة معك!
والضعف مُقترِنًا بالألم في صوت ابنتها جاء جليًا وهي تسألها بضياع:
_ماذا أفعل أمي؟
تبادل الثلاثة النظرات حتى زفرت ليلى بضيق قائلة بحذر:
_ربما.. ربما هناك أخرى!
نظر فريد لزوجته بدهشة بينما نظرت لها رِهام بصدمة ثم ما لبِثت أن هزت رأسها برفض صائحة:
_مُحال أمي! أنتِ تعلمين أن ثائر ليس على تلك الشاكلة من الرجال، مُحال أن يُفكِّر بأخرى.
زفرت والدتها بحنق بينما استدركت هي بصوت مهزوز بدى الارتباك به واضحًا، وعدم الاقتناع أكثر وضوحًا:
_كل الأزواج يمرون بفترة ملل، وأنا مُتأكدة أن حُبه لي سيجعلنا نتخطى هذه الأزمة.
تعلقت عينا والديها بها والأمل الكاذب يرتسم على وجهها، ثم بادر أبوها وهو يُغيِّر الحوار:
_نادي رَغَد وسيلا يا ليلى، الطعام سيُصبح باردًا.
وقفت ليلى وهي تمط شفتيها بعدم رضا وحزن على حال ابنتها الكبرى، حينها رَبَّت فريد على كف ابنته قائلًا:
_لا تقلقي! ثائر يعشقك وسيعلم بمدى خطأه بإيلامك، سيعود رِهام، وسيعود نادمًا.
أومأت رِهام برأسها بضعف واضح وهي تبتسم لأبيها بتهكم، لكنها تعلم جيدًا أن وعده الذي أطلقه ربما لن يتم تحقيقه مُطلقًا!
**********

سعاد (أمواج أرجوانية) 30-01-21 11:58 PM

تابع الفصل الأول:
***
وفي الأعلى:
استمعت إلى صوت الجرس الرتيب منتظرة إجابة الطرف الآخر أثناء مُشاكستها لابنة شقيقتها، حتى جاءها الرد بصوت دهِش:
_ألم تتركينني منذ قليل؟ ماذا تريدين؟ أنتِ تعشقين الثرثرة!
تظاهرت بالضيق وهي تهتف به:
_يا إلهي! أهكذا تُجيب من يُهاتفك زيدان؟ ثم أنا لا أتصل بك لأنني أريدك أنت، أين هو شقيقك الذي لا يجيب اتصالاتي؟ ولماذا لم يحضر لتناول الطعام معنا؟
لتأتيها ضحكته الرائقة وهو يرد:
_أهناك دعوة طعام وأنا لا أعلم عنها؟ سأعتبرها نذالة مُتعمدة منكِ رَغَد، لتوِّك تركتني بالشركة ولم تخبريني بشأنها.
وجاء ردَّها سريعًا مُتسِمًا باللامبالاة:
_أولًا: أبي هو صاحب الدعوة ولست أنا، ثانيًا: أخوك لم يأتِ ويبدو الحزن على رِهام لذلك السبب بينما هو تحجج باجتماع وهمي، ثالثًا: بإمكانك الحضور الآن إن أردت.
استأنف ضحكاته ثم رد بأسف مُصطنع:
_لا أعلم أين هو، وبخصوص الدعوة سأضطر آسِفًا للاعتذار، فاليوم ذكرى خطبتي السنوية أنا وشيرين وعليّ الذهاب إلى المقهى، سأنهي المكالمة الآن رَغَد كي لا أتأخر، بلِّغي رِهام وعمي فريد اعتذاري نيابة عن ذلك المتوحش الذي أوقعها حظها السيء معه.
ثم أنهى المُكالمة فورًا ليأتيها صوت والدتها مُتسائلًا:
_كنتِ تتحدثين مع زيدان، أليس كذلك؟! اطلبي منه الحضور!
التفتت رَغَد إليها وهي تُلقي بهاتفها على فراشها ثم أجابتها:
_نعم أمي، لقد دعوته بالفعل لكنه يقول أنه لديه مناسبة ولن يستطيع التلبية، ويعتذر لكِ نيابة عن ثائر.
ونظرة الضيق التي احتلت وجه أمها كانت سببًا كافيًا كي تتهرب من الغرفة مُصطحِبة ابنة شقيقتها قبل أن تبدأ السيدة ليلى في التبرُّم من زوج ابنتها وتنعي حظها، وحياتها الكئيبة!
**********
أخيرًا تململ باهر أرضًا وهو يُقرر العودة من نومه الذي طال لساعات لم تفعل هي خلالها شيئًا سِوى مُراقبته وانتظاره والاستغراق في ذكرياتهما العديدة سويًا..
يوم أن اعترف لها بحبه؛
يوم أن التقطا أول صورة تجمعهما بخطبتهما لتظهر سعادته واضحة، بينما الاضطراب والخوف عليها أكثر وضوحًا؛
يوم أن عُقِد قرانهما وأصبحت زوجته شرعًا وقانونًا فاختطفها إلى المطار مُتباهيًا؛
ثم...
يوم أن صرخ بها غاضبًا للمرة الأولى؛
يوم أن دفعها بيده للمرة الأولى؛
يوم أن سبَّها وأهانها وضربها و....
ولكل شيء مرة أولى!
وسافرت بذكرياتها إلى المرة الأولى التي ترى بها تلك الأقراص بأحد أدراج خزانته..
ذهول؛
فصدمة..
شجار؛
فوجه آخر!
وجه آخر لم تتخيل مُطلقًا أنه قد يُخفي مِثله، باهر الذي اقتنعت تمامًا أنها عرفته حق المعرفة، واجهها يومها بشخص آخر تمامًا..
ثم بكى مُتوسلًا سماحًا؛
فسامحت!
ثم عاد ثانية فتشاجرا..
ليبكي متوسلًا مرة أخرى؛
وأيضًا سامحت!
وأخرى.. وسامَحَت؛
وأخرى؛
وأخرى...
وبالأمس أخبرته أنها تتناول أقراصًا تمنع حملًا مُستقبليًا لأنها لن تُقامر بطفل من أب مثله..
كان أملها الأخير كي توقظه؛
أملها الأخير كي يعود إليها باهر القديم؛
أملها الأخير كي تُنبهه إلى ما يفقدانه بسببه؛
أملها الأخير كي يحصلا على بداية جديدة؛
لكن..
ها هي الآن تنظر إليه وهو يصحو من سكونه الذي يطول كل مرة بعد عودته من غيابات التيه التي يخطو إليها مُتعمدًا...
"لماذا أنام على الأرض؟!"
والسؤال الذي خرج بنبرته المُتحشرجة إثر النوم اقترن بوقوفه مُترنِحًا ووشوكه على السقوط مرة أخرى، ثم تابع سؤاله بآخر:
_لماذا تجلسين أرضًا بهذا الشكل؟
رَفَعت رأسها تنظر له بوجوم، ثم خرج صوتها هادئًا:
_ألا تتذكر ما حدث؟ ألا تتذكر ما الذي ألقى بك أرضًا باهر؟
بدأت الذكريات القريبة تندفع إلى عقله بسرعة ليتخفى صوته خلف جدار الحنق صائحًا بها:
_أهو لُغز ما؟! ما بكِ سُهَيْلَة؟
هبَّت واقفة وهي ترفع بين يديها شريطين يحوي كلا منهما نوعًا مُختلفًا من الأقراص، ثم انفجرت به صارخة:
_أتعلم ما هذان باهر؟ أتعلم أن تناوُلك لهذه الأقراص يجعلني أنا أتناول الأخرى؟ أتعلم أنني لم أعُد أشعر معك بأي أمان؟ أتعلم أنني أتمنى طفلًا وبنفس الوقت أدعو الله ألا أحصل على واحد؟
لكنه لم يهتم بكل ما تتفوه به وعيناه مُعلقتان بيدها اليُسْرى بدهشة ثم أخذ يبحث في جيوب ملابسه بسرعة، ولم يلبث إلا أن صاح بها:
_هل تُفتشين جيوبي أثناء نومي سُهَيْلَة؟ هل تسرقين أغراضي؟
فغرت فاها دهشة ثم صاحت به دامعة العينين:
_أهذا هو ما تهتم به الآن؟! أقول لك أنني أمنع الحمل وأننا ليس لدينا أطفال بسبب إدمانك وكل ما يزعجك أنني أُفتش بجيوبك؟!
جزَّ على أسنانه بغضب وهو يمد يده تجاهها ليختطف شريط الأقراص منها ففشل عندما تراجعت هي إلى الخلف، ثم صرخ بها غاضبًا:
_أنا لا أهتم، لا أهتم بالأطفال، ولا أهتم بكل ذلك الهراء الذي تتفوهين به هذه الفترة، ولا أسمح لكِ مُطلقًا بالتعدي على خصوصياتي.
حدَّقت به بذهول وتراخت يدها التي ترفعها جانبًا، ثم سألته بصوت باكِ:
_ألم تعُد تهتم بحياتنا ومستقبلنا باهر؟ ألم تعد تهتم بأي شيء يخصنا؟
خلع سترته ورماها أرضًا بعنف بالغ هاتفًا بها بنفاد صبر:
_ما علاقة ذلك بحياتنا سُهَيْلَة؟ أنا لازلت أحبك، بل أعشقك.
اقترب منها مُتوسلًا إياها بابتسامة لطالما خدعتها:
_أعطني الشريط حبيبتي، أعطني إياه وسوف نتناقش سويًا كما تشائين.
تطلعت إلى تقلُّب حالته بين لحظة وأخرى برعب وهي تُدرك تمامًا أنه قد خرج عن السيطرة، لتجد نفسها تهز رأسها رفضًا وهي تتراجع أكثر هاتفة بتصميم:
_لا باهر، لن تأخذه، إن أردت الحصول على فرصة أخرى لحياتنا سوف تتوقف عن تناول هذه الأقراص، وسنذهب الآن إلى إحدى المصحات كي يقوموا بعمل اللازم.
تراشقا النظرات في صمت تام..
التصميم منها والذهول منه؛
القوة منها ثم الاستهجان منه!
وما لبِث أن أطلق ضحكة_للمرة الأولى_ أرعبتها وهو يهتف بلهجة تراقص بها الخطر مُحذِّرًا:
_أتعنين أنكِ ستودعين زوجِك مصحة نفسية سُهَيْلَة؟!
ازدردت لُعابها وهي تحاول طرد الخوف الذي أخذ يكتنفها ولا تدرِ له سببًا ثم ردَّت بقوة مُفتعلة:
_أنت من ستقوم بذلك باهر، أنت من ستعمل معي على إنجاح زواجنا، وستعمل معي على بناء علاقة صحية بيننا، ثم حياة صالحة نتنعم بها.
وضحكته تعالت أكثر حتى شعرت بتخبط قلبها بصدرها، بينما الوجه الآخر لزوجها يُزيح الوجه الأول تمامًا، فتساءلت بداخلها بدهشة..:
كيف لم تلاحظ تقلُّبه؟!
كيف لم تلاحظ افتعاله؟!
كيف لم تلاحظ إخفاءه تجبُّرًا خالصًا؟!
ليقترب منها فتراجعت حتى التصقت رغمًا عنها بالعمود خلفها؛
بينما مال هو عليها مُحذِّرًا:
_للمرة الأخيرة سُهَيْلَة، أعطني الشريط وتوقفي عن هذا الهُراء!
ردَّت بأقصى قوة استطاعت الحصول عليها بمواجهته:
_أنا لا.....
لتمتد كفه تُحيط بفكها والشر يرتسم واضحًا على محياه صارخًا بها غير مُهتمًا بدمعاتها التي تنحدر على كفه بسخاء:
_الشريط يا سُهَيْلَة! كي لا أفعل ما تندمين عليه لاحقًا!
دفعته عنها بقوة مُشَوَّبة بذعر وهي تصرخ بدورها:
_لن أعطيك إياه يا باهر، سأتخلص منه مثل الشريط السابق، وكلما تحضر واحدًا سأتخلص منه، لن أيأس باستعادتك مُطلقًا، ستتوقف عن التعاطي وسنصل إلى حُلول سويًا و....
وابتلعت بقية كلماتها صارخة بعدما هبطت كفه على وجنتها بكل قوة، وقبل أن تفيق عاجلها بالصفعة الأخرى..
لكن الصفعة الأخرى كان تأثيرها أشد من سابقتها؛
فعندما ارتد رأسها إلى الخلف اصطدمت بالعمود ليدور رأسها وتتشوش رؤيتها ثم تسقط أرضًا كالحجر!
عندئذٍ فقط حصل هو على صحوته كاملة؛
فلا يُعقَل أن هذه الدماء التي تنساب أسفل رأسها تسرَّبَت خارج إحدى لوحات نشوات سُكرَتُه!
شحُب وجهه بلحظة وهو يتقهقر إلى الخلف، ثم عاد فجأة إليها مرة أخرى مُختطفًا السلسال الذهبي الذي يحيط بعُنقها وخاتمها الذهبي الذي تبقَّى من هدية خطبته!
وضعهما بجيبه بارتباك ثم انتزع شريط الأقراص من يدها المُتشبِّثة بها وينطلق إلى الخارج تاركًا إياها غارقة بِدِمائِها!
**********
""هل تشاجرتِ مع أبي يا أمي؟
أطلقت يُسْر ذلك السؤال وهي تساعد أمها في تجميع الصحون الفارغة من فوق الطاولة، بينما نطقت ملامح عبلة بالضيق الشديد، لكنها ابتسمت بافتعال وهي ترد:
_لا حبيبتي، لم نتشاجر، أخبريني أنتِ! هل وجدت ما نال إعجابك اليوم؟
تظاهرت يُسْر بالتدقيق في أحد الصحون وهي تتهرب من عيني أمها قائلة:
_لا، لم نجد شيئا مميزا، ربما سنفعل في يوم آخر.
حدَّقت عبلة بابنتها بتمعن وزفرت بيأس ثم جذبت الصحون منها وهي تناديها بصرامة، رَفَعت يُسْر عينيها إليها بقلق متسائلة بتوتر:
_نعم أمي؟ لِمَ تنظرين إليّ بهذا الشكل؟
اقتربت منها عبلة بسرعة وأمسكت ذراعيها وهي تحدثها بحزم بنبرة خافتة كي لا يسمعها زوجها ومُرافقيه:
_لم يفُت الأوان بعد، لازال بمقدورك التراجع يُسْر، أنا لا أشعر أن رمزي يناسبك مطلقا، أنتِ تستحقين من هو أفضل، فكري جيدًا ابنتي كي لا تندمي مُستقبلًا.
ظهر التأثر على وجه يُسْر مُرفق ببعض التخبط وهي تنظر لأمها بألم قائلة:
_ربما سأكتشف مُستقبلًا أنه يناسبني أمي، هو.. هو يقول أنه يحبني، وأعتقد أن ذلك يكفي.
احتدت نظرات أمها ثم هتفت بها بغيظ:
_لكنكِ لا تحبينه يُسْر، لا تحاولي إنكار ذلك، أنا أمك وأعلم جيدًا متى تُزيفين تقبلك للأمور، رمزي لم يصل إلى قلبِك حتى الآن بالرغم من مرور عامين على خطبتكما.
ابتعدت يُسْر عن يدي أمها وهي تحمل الصحون مرة أخرى قائلة بتخاذل:
_أمي، أنت تعلمين أنني لا أهتم بذلك في الواقع، لكنني ربما سأتعلم، سأتعلم تقبله عندما يصبح زوجي، من المُحتَمل أن يصل إلى قلبي أيضًا كما تريدين عندما أعيش معه، كما أنه ابن عمي وسيعتني بي جيدا.
ثم افتعلت ابتسامة وهي تشاكسها قائلة:
_ربما واحدة في هذه الأسرة ستكون قصة ارتباطها مختلفة قليلا، لا يجب أن تكون قصتي بذلك الاشتعال، يكفي شرارات العشق التي تنطلق طوال اليوم بينك وبين الأستاذ كمال.
نظرت لها أمها شزرًا تُخبرها بدون كلمات أنها تُدرك تمامًا مُحاولاتها الفاشلة للتهرب من الأمر، فعاجلتها ابنتها بارتباك جلي:
_أعتذر منكِ أمي، سأقوم بإعداد الشاي لأبي ولعمي ولرمزي.
وقبل أن ترد أمها انطلقت إلى المطبخ، فحدَّقت عبلة في إثرها بضيق شديد وهي تدعو أن تعدل ابنتها عن قرارها قبل أن تتورط في زيجة ليست مناسبة مطلقا!
**********
وَصَل زيدان إلى المقهى الهادىء الذي أصبح لا يذهب إلى سواه، ثم اتجه بتِلقائية إلى الطاولة التي اعتاد الجلوس حولها معها جاذبًا أحد المقاعد وعلى وجهه ابتسامة تلازمه بهذا المكان.
فــ.. هُنا فقط؛
يتخلص من كل همومه؛
يطرد كل مساوىء الحياة خارجًا؛
يثبت لهم أنه لن يكون تابعًا، أو خاضعًا، أو.. مجنونًا!
تعلَّقت عيناه بباب المقهى ثم تهادت الذكريات السعيدة داخل عقله فأغمض عينيه لها مُستسلِمًا...
منذ أربعة أعوام:
كان يدُق على الطاولة بأنامله بعصبية واضحة وهو يتطلع بين الفينة والأخرى إلى باب المقهى مُنتظرًا صديقه الذي تأخر كثيرًا كما عادته..
زفر بغيظ شديد وهو يسترجع شجاره ذلك الصباح مع شقيقه الأكبر الذي يتصرف وكأنه ملك الكون، فمنذ أن تقاعد والدهما عن العمل بسبب حالته الصحية الضعيفة انقسم الاثنان.. فهو قد فضَّل إفادة الشركة بدراسته الهندسة المِعمارية، لكن شقيقه يريده أن يساعده في الأمور الإدارية..
هو بالفعل لا يطيق الإدارة ولم يهتم بها يومًا حتى مع إصرار والدهما على تقسيم الأسهم التي امتلكها بالشركة بينهما مُناصفة، لكنه لا يرى في نفسه تلك الشخصية المُتسلطة الآمرة التي يتمتع بها ثائر ببراعة..
لِذا ومهما أصر عليه شقيقه أو أبوه لن يسمح لنفسه مُطلقًا بالغرق في بحور القوة والنفوذ، لطالما أحب الحياة البسيطة ولسوف يظل كذلك..
والآن أين هو صديقه الذي أصر عليه كي يقابله حتى يحُل النزاع بينه وبين شقيقه؟!
أين أنت يا باسل؟
ألن تتعلم احترام المواعيد مُطلقًا؟!
رَفَع عينيه إلى باب المقهى مرة أخرى بملل سُرعان ما انمحى وهو يرى تلك الشابة الجميلة تتقدم تجاهه وعلى وجهها ابتسامة.. رائعة!
عقد حاجبيه بدهشة وهو يحاول استيعاب أن تلك الابتسامة مُوجهة إليه شخصيًا، وقبل أن يُفكر وجد نفسه يبادلها إياها بكل سرور حتى توقفت أمامه بالضبط..
وبصوت رقيق خجول ابتدأت حوارها معه:
_عُذرًا يا سيد! هل لي أن أطلب منك طلب؟
نظر لها باستغراب ثم اعتدل بمقعده مُتسائلًا:
_مني أنا؟!
أصبحت الابتسامة أكثر رقة وبهاءًا وهي تومىء برأسها قبل أن تجيبه:
_نعم، أعتذر جدًا إن اعتقدت بأنني أفتقر للذوق، لكن أنا وصديقتاي نُقيم حفل عيد ميلاد ونُريد الجلوس على هذه الطاولة لأنها مُنعزِلة، حتى لا نزعج غيرنا.
نظر لها بدهشة مُختلطة بالاستنكار بسبب جرأة مطلبها ثم ألقى نظرة خلفها ليجد فتاتين تنظران إليهما بحرج بالغ، عادت نظراته إليها ثم أخذ يُلملم سلسلة مفاتيحه وهاتفه وهو يقف ببطء والعبوس على وجهه واضحًا فأسرعت هي تقول بلهجة مُعتذرة:
_آسفة جدًا يا سيد، إن كان مطلبي سيزعجك لا تهتم، سوف نجد مكانًا آخر.
حينها نظر إليها بتمعُن وهو يتفحص الأسف بعينيها، ليجد نفسه بدون تفكير مرة أخرى يبتسم وهو يهز رأسه رفضًا قائلًا:
_مهندس زيدان، ولن أنزعج إن كنتِ ستُعطيني قطعة من الكعكة، وكل عام وأنتن بخير.
أشرقت ابتسامتها فجأة فتسمَّر هو مكانه للحظات..
لحظات فقط حدَّق كلا منهما في الآخر؛
توردت وجنتاها فاتسعت ابتسامته؛
طأطأت رأسها أرضًا فحمحم هو بِحَرَج..
تراجعت إلى الخلف مُتَمتِمة بكلمات شُكر غير واضحة فأومأ برأسه وهو يتخطاها إلى طاولة أخرى، ليجلس مُتظاهرًا بالعبث بهاتفه حتى حضر صديقه أخيرًا قائلًا بأسف:
_عذرًا زيدان، زحمة السير كما تعلم.
رَفَع زيدان عينيه الحانقتين إلى قامته الطويلة، والرد كان تمتمة مغتاظة من بين أسنانه:
_حتى إن امتلكت طائرة خاصة، ستتأخر أيضًا يا باسل.
وباسل جلس خالعًا نظاراته الطبية زافرًا بعض الهواء على سطحها قبل أن يمسحه ويرتديها مرة أخرى، لينطلق على الفور في صُلب الموضوع الذي أتى من أجله..
فالأب حزين؛
والأم غير راضية؛
والأخ غاضب.. وغضبته دومًا عاتية!
لماذا لا يتركونه يعيش حياته كيفما شاء؟
_أنت تعلم أن أباك يريد...
ألقى باسل عبارته بحذر ليقاطعه زيدان بسخط نادرًا ما تمكن منه:
_يريد مصلحتي، كلهم يريدون مصلحتي، أليس كذلك؟!
زفر باسل حانقًا وأشاح بوجهه الأسمر بملل بينما أخذ يعدل من وضع نظاراته الطبية على أنفه..
ها هي المعزوفة المُعتادة ستبدأ!
_دعني أخبرك شيئًا باسل، ربما تعتقد أنت أنهم يريدون مصلحتي، لكن إن تعارضت تلك المصلحة مع ابنهم الأكبر سيُديرون ظهورهم لي وسيطلبون رضاه.
صفق باسل وابتسم بسخرية قبل أن يستغفر بصوت مسموع ولم يجد ردًا يتفوه به، بينما أدار زيدان رأسه بعيدًا فوقعت عيناه على أنقى ابتسامة رآها بحياته..
مرة أخرى..
ثم صار اختلاس النظرات بينهما واضحًا؛
مرتبكًا؛
مبتسمًا؛
حتى لاحظ صديقه فمال عليه مُندهشًا، وسأله بلا تصديق:
_هل تغازل تلك الفتاة يا زيدان؟
أجفل زيدان بِحَرج، وانتبه إلى أنه نسى وجوده تمامًا، ثم هتف به مستنكرًا:
_عن أي غزل تتحدث أنت؟ أنا لا أفعل ذلك بالطبع، لقد.. لقد..
وقبل أن يجد ردًا مُناسبًا وقع بصره على النادل الذي يقترب من طاولتهما حاملًا قطعتين من الكعك، وضعهما أمامهما بهدوء ثم قال بلباقة:
_الآنسة شيرين أرسلت هذا الكعك إليك مهندس زيدان، وتُرسل لك شُكرها.
ولمَّا انصرف النادل بهدوء اتجهت عيناه إليها تلقائيًا وهو يهُز رأسه شاكرًا فمنحته إيماءة خَجِلة.
_أو ربما هي من تغازلك!
اختفت ابتسامته وهو يتطلع إلى صديقه مُغتاظًا بينما الأخير يتلاعب بحاجبيه، ويبدو عليه الاستمتاع الشديد، حتى اضطر زيدان إلى سرد كل ما حدث كي يتوقف باسل عن رميُه بهذه النظرات الماكرة.
وقبل أن ينصرفا اتجه زيدان إلى النادل مُحاولًا استقطاب أية معلومات عنها ليندهش عندما علِم أنها ابنة صاحبة المقهى.
ذلك المقهى الذي أخذ يرتاده يوميًا فرآها أكثر من مرة..
تبادلا الابتسامات بضعة مرات..؛
ثم التحيات المُهذبة..؛
ثم أحاديثًا عابرة..؛
ولِمدة عام كامل تطور الأمر بينهما حتى أصبحا يتقابلا بنفس المقهى دونما اتفاق؛
وبنزعة جرأة لم يتصف يومًا بها وجد نفسه بإحدى المرات يجذب مقعدًا حول طاولتها متسائلًا:
_أتتزوجيني شيرين؟!
وتورد وجنتيها كان إشارة واضحة على إجابتها، ليتجه في نفس اليوم إلى السيدة مها والدتها فينتزع منها موافقة مبدئية حتى يحضر أهله ويطلبونها بطريقة رسمية..
وهكذا أصبحت خطيبته وحبيبته الأولى والأخيرة..
والآن فتح عينيه وهو يشعر باقتراب خطوات منه لتتسع ابتسامته مُرَحِّبًَا:
_مرحبًا سيدة مها.
**********

سعاد (أمواج أرجوانية) 31-01-21 12:01 AM

الجزء الثالث والأخير من الفصل الأول
***
انهمك رمزي مع عمه في لعبة الشطرنج التي يجيدها كلاهما بغرفة الاستقبال، فانتحى مصطفى بيُسْر في الشرفة، وبينما يراقبان ظلام الليل بشرود بادرها قائلًا:
_أتعلمين أنني أحسب الأيام حتى تُصبحين كنتي؟
زفرت يُسْر بضيق لا إراديًا، ثم افتعلت ابتسامة وهي تحيط عمها بإحدى ذراعيها قائلة:
_أنت غريب حقًا عمي، أنا في الأصل ابنة أخيك، ألم تمل مني بعد؟ ربما ستندم لاحقًا عندما تراني دومًا ليلًا نهارًا.
رَبَّت عليها مصطفى بحنان وهو يضحك هاتفًا بِمرح:
_أنا لا أمل منكِ مُطلَقًا، أنتِ ابنتي أكثر من كمال نفسه.
ابتسمت وهي تخفي ضيقًا واضحًا فتابع عمها بارتباك:
_رمزي يحبك جدًا يُسْر.
أومأت برأسها بهدوء ولم ترد، وبلهجته الحنونة تابع مؤكدًا:
_سيحافظ عليكِ وسيُسعدِك.
ابتسمت باصطناع وهي تقول:
_أعلم.
ضحك بصوت عالِ فنظرت له مُتعجِّبة وهو يستكمل:
_هو يتلهف لموعد الزفاف بشدة، حتى أنه ينوي أن تبتاعا كل الأثاث بالأسبوع القادم كي لا يتأخر زواجكما يومًا واحدًا.
عندئذٍ شردت والتوتر يغزو ملامحها فاقترب منها عمها مُتحدثًا بتوسُل حاول إخفاءه، لكنها أدركته:
_أوصيكِ به يُسْر، رمزي يحبك جدًا و يثق بكِ، أنا أثق بكِ، لا تخذلينا، عندما تعيشين معه ستعلمين كم هو حنون وطيب ومسالم، لن يزعجك مطلقًا.
ثم أردف مازحًا:
_مثل أبيه بالطبع.
والابتسامة التي انتظرها منها لم يجدها وهي تغرق تمامًا في شرودها حتى التفت الاثنان على عبارة رمزي المُبتهِجة:
_أيمكنني الانفراد بخطيبتي قليلًا؟ أنت تتحدث معها أكثر مني أبي!
عقد مصطفى حاجبيه بدهشة مُفتعلة وهو يهتف به مُغيظًا إياه بوضوح:
_وما ذنبي أنا إن كنت ساحرًا للجميلات؟، أنت من لم تتعلم مني شيئًا!
نظر له رمزي بإشارة إلى رغبته في الانفراد بها وهو يقول:
_عمي كمال يريد أن يهزمك في جولة أخرى، تستطيع الذهاب إليه وتتركني أحاول الاقتداء بك.
ضحك مصطفى باستمتاع وهو يخرج من الشُرفة فأدارت هي رأسها تتظاهر بتأمل الشارع، وقف بجوارها رامِقًا إياها بتفحُص ثم حدثها بنبرة خافتة:
_شهران فقط يُسْر، شهران فقط وتصيرين زوجتي.
تململت بوقفتها بضيق واضح ولم تعطه أي رد.. وكعادته لم يندهش!
تأمل جانب وجهها كما اعتاد أن يفعل تلقائيًا؛
ليست باهرة الحُسْن، ولا فائقة الجمال؛
ربما ملامحها جامدة، لكنه يأمل أن تتحرك من أجله يومًا؛
يعلم أن مشاعرها راكدة، لكنه سيحاول أن يجعلها تفور له يومًا؛
متيقن أن لا أحد استطاع هدم أسوارها، لكنه سيحمل كل الفؤوس وسيهدمها سورًا.. سورًا!
اقترب منها بضعة سنتيمترات وهو يُتابع:
_ أنا أحبك يُسْر، أحبك وأتمنى أن تتوقف الأيام عن المرور ببطء كي تكوني لي.
تجلى الرفض واضحًا على ملامحها؛
لا تريد هذا؛
لا تقتنع بهذا؛
الحب لم يكن يومًا هدفها.. لكنها الآن تمقته!
العشق لم يكن مُطلقًا مأربها.. لكنها في هذه الحال تنفر منه!
تتقبل أي شخص سواه؛
ترضى بالاقتران بأي رجل.. إلاه!
أغمضت عينيها بقوة، ثم ابتعدت إلى الخلف مُسرعة، أولته ظهرها وهي تقول بتوتر:
_لقد.. لقد أُرهَقت جدًا اليوم رمزي، سأخلد إلى النوم، تصبح على خير.
ولم تنتظر منه ردًا بالفعل وهي تهرب إلى غُرفتها ليبقى هو مُحدِّقًا في إثرها بشرود.
**********
"لقد توقعت ألا تأتي اليوم بعد وليمة أمس!"
التفتت رَغَد إلى الخلف بمجرد أن هبطت من سيارتها لِتجد زيدان أيضًا يصُف سيارته بمرآب الشركة فضحكت بمرح ثم أجابته:
_يا بني من أخبرك أنها وليمة؟ لقد كانت دعوة بسيطة لشقيقك ولم يحضر، انتهى الأمر!
ومن باب سيارة زيدان الجانبي خرج باسل حانقًا وهو يهتف بها:
_ولماذا لم تستبدلوه بي؟ هل رفضت أي دعوة من قبل؟ ألا تعلمين أنني أعيش بمفردي ولا أتناول إلا الأطعمة السريعة؟!
أغلق زيدان باب سيارته وهو يتقدمهما هاتفًا بنزق:
_تستطيع أن تتزوج فتجد الطعام البيتي الذي تعشقه، ونستريح نحن من تذمرك اللامتناهي بذلك الشأن.
سار باسل بجوار رَغَد يتبعانه باتجاه البوابة الضخمة للشركة، قائلًا باستنكار:
_أتمزح معي زيدان؟ هل أنا أحمق كي أُقدم على تلك الفِعلة المجنونة؟ الأطعمة السريعة ليست بذلك الضرر.
التفت زيدان إليه قائلًا بسخرية:
_لن ينفعك إضرابك عن الزواج عندما تمتد بطنك أمامك كالمرأة الحامل بشهورها الأخيرة!
تعالت ضحكات رَغَد حينما وقف باسل متخصرًا ينظر له بغيظ ولا يعثر على رد مناسب، لكن زيدان ابتسم بحنان مُردفًا:
_كما أنها ليست فعلة مجنونة تمامًا، لا يوجد ما هو أسمى من الحب، فقط أحسن الاختيار، تستطيع الاقتداء بي، أنا لم أندم يومًا على حُبي لشيرين.
زفر باسل بغيظ يرمقه شزرًا، ثم هتف باعتراض:
_وإن أطعتك وتزوجت لأكتشف أنها لا تُجيد طهي الطعام، ماذا أفعل حينئذٍ؟! هل سنعيش كلانا على الأطعمة السريعة؟! لِمَ التبذير إذن؟!
هنا قالت رَغَد ضاحكة:
_إذن هي نتيجة أفعالك باسل!
شاركها زيدان الضحك وهم يدخلون ثلاثتهم من الباب الرئيسي للشركة فهتف باسل حانقًا:
_أنتما تتمازحان لأنكما لديكما نفس النظرة السخيفة الحالمة، لكنني على النقيض منكما تمامًا، لن أفكر بتلك الطريقة، لن أتخلَّى عن حُريتي الحبيبة، ولن أتزوج مطلقًا!
وعندما وجد أن ضحكاتهما الساخرة قد تعالت صاح بحنق أشد:
_وكي تعلما إن فقدت عقلي وفعلتها يومًا يجب أن تكون طاهية ماهرة! وسأتأكد من ذلك قبل أي شيء.
ثم شرد بابتسامة واسعة قائلًا:
_ربما سأطلب منها في المقابلة الأولى مائدة تتكون من البط والحمام المشوي، والكثير من "محشو ورق العنب" وصحنًا من "الملوخية"!
ولم يلاحظ نظرات الاستهجان من كليهما وهو يردف متسائلًا باهتمام:
_متى ستعد والدة أحدكما بعضًا من "الملوخية"؟!
التفت زيدان إليه وهو يغمز لِرَغَد قائلًا له بلهجة ذات مغزى:
_أنا لا أعلم، لكنني أعتقد أنني قد وجدت حلًا لمُعضِلتك، يمكنك الزواج من رَغَد، لا أمهر منها بالطهي وأنت تعرف هذا جيدًا.
"مهندس زيدان! سيدة رِهام تريد مُقابلتك."
وعبارة السكرتيرة أنقذت رَغَد من رد لم تُرِد أن تحصُل عليه ففضلت التهرب أيضًا وهي تعتذر منهما بتمتمة خافتة.
ليهتف باسل بزيدان مُغتاظًا:
_ما هذا الغباء الذي تفوهت به زيدان؟ لقد أحرجتها.
ابتسم زيدان بمكر وهو يُجيبه باستفزاز:
_ارفع عنها الحرج إذن وتحرك قبل أن يسبقك إليها غيرك فتندم.
وقبل أن يصيح باسل بالرفض الدائم المُعتاد كلما حثه زيدان على أخذ تلك الخطوة تراجع بسرعة قائلًا:
_يبدو أن رِهام ستطلب مني التدخل لحل شجارًا ما بينها وبين أخي المفتري، بالإذن منك!
وانطلق زيدان مُتهربًا من تعنيفه بينما ظل هو مكانه ينفث زفيرًا مُغتاظًا..
**********
فتحت سُهيلة عينيها بصعوبة شاعرة بألم شديد يجتاح رأسها، تطلعت حولها برؤية مُشوشة لتقابلها الجدران البيضاء، أغمضت عينيها مرة أخرى وهي تمد إحدى يديها مُتلمسة الضمادة التي تُحيط بجبهتها ثم زفرت بألم مسترجعة ما حدث خلال الساعات الفائتة..
لقد استيقظت لتجد أنها مُلقاة أرضًا والدماء المُتجلطة تلتصق برأسها فتحاملت على نفسها لتصل إلى هاتفها وتتصل بجارتها، والتي أسرعت إليها ونقلتها مع ابنتها الشابة إلى المشفى بعد هروب.. زوجها!
والابتسامة الساخرة كانت موجهة إلى شخصها أكثر منه هو..
لقد خذلها!
لقد خذلها بكل الطرق!
ضربها وأسال دمها ثم هرب!
كيف لم تر تلك النذالة من قبل؟
كيف لم تتوقع خِسته؟
كيف استمرت معه لعامين كاملين منذ الخطبة وحتى اليوم تجبر نفسها على الشعور بأمان زائف بينما افتقر هو لأدنى سمات الرجولة؟!
وتوالت دمعاتها ترثي حالها وأمانها وثقتها...
حتى دخلت إحدى المُمرضات تحاول تهدئتها..
وبعد لحظات رددت سُهَيْلَة بنبرة مُتحشرِجة:
_أريد استدعاء الشرطة لو سمحت!
نظرت لها الممرضة بدهشة تتأكد من جدية كلماتها، ثم عَقَّبَت بفضول:
_الشرطة؟! ألم تُزَل قدماك وسقطتي؟!
فأجابتها سُهَيْلَة بصوت اختلط فيه الإصرار بالألم:
_لم أسقط، زوجي هو من دفعني وهرب بعد أن قام بسرقة مصوغاتي!
ونظرة المرأة المصعوقة كانت أبلغ من أي رد وهي تُهروِل إلى الخارج بحماس شديد لتُخبر الطبيب بما هو على وشك الحدوث!
**********
جلست رِهام في غرفة مكتب السكرتيرة مُنتظرة خروجها من مكتبه كي تسمح لها بالدخول بينما أخذت تُردد على عقلها ما ستقوله له بعد أن اشتكت لأخيه منذ دقائق..
هل وصل به إهماله لها إلى الحد الذي يجعله يضعها في موقف حرِج بالأمس أمام أهلها؟!
لقد تحمَّلت لثلاثة أعوام..
ثلاثة أعوام من الإهمال والبرود والتجاهل..
ثلاثة أعوام من الحقد والازدراء والإهانات المبطنة..
ثلاثة أعوام من القسوة والجفاء الذين لا ينافسه بهما أحد..
إلى متى ستتحمل؟!
إلى متى ستُطأطئ رأسها لسطوته؟!
إلى متى ستظل صامتة طاعةً لوالدها الذي يأمرها الصبر؟!
متى ستنتفض وتتركه؟!
متى ستنتقم لمعاملته إياها باحتقار؟!
أهذا عقابها لأنها لم تكن قوية كفاية لِصد الحُب؟!
أجفلت وهي ترى السكرتيرة تقف أمامها مُحدِّقة بها بِدهشة، ويبدو أنها تُحدِّثها منذ فترة.
_هل أنتِ بخير سيدة رِهام؟
حمحمت بحرج ثم وقفت مُبتسِمة برسمية، عَلَّقت حقيبة يدها الأنيقة على كتفها ثم قالت:
_هل أدخل الآن؟
نظرت إليها السكرتيرة بتوتر ثم قالت:
_أعتذر، كنت أخبرك أن ثائر بك غير مُتفرغ الآن.
فغرت فاها دهشة وهي ترمقها باستنكار متسائلة بنبرة ضعيفة:
_هل يرفض مُقابلتي؟
تهربت السكرتيرة بعينيها منها بِحَرج وهي ترد بنبرة مُشفِقة:
_آسفة، إنه مشغول قليلًا.
أومأت رِهام برأسها وهي تثبت حقيبتها شاعرة بالحنق يُسيطر عليها، بينما لم تستطع السكرتيرة منع النظرات المُشفِقة التي ترميها بها وهي تستغرب قسوة رئيسها..
من يستطيع التسبب في الحزن لهذه المرأة؟!
تنتمي إلى عائلة رفيعة المقام وأبوها يمتلك خُمْس الأسهم بالشركة..
تتمتع بجمال رائع وملامح بريئة تجعل كل من يراها فورًا يحبها..
هادئة..لبِقة..ناعمة؛
تستغرب حقًا كيف تزوجت من مثلها بذلك القاسي الصارم الجاف على الدوام!
خرجت رِهام وهي تحاول السيطرة على غضبها وحرجها..
هي تعلم أنه ليس مُنشغلًا، فزيدان أكد لها أنه بمفرده لِمدة ساعة قادمة على الأقل..
والآن زوجها العزيز أحرجها أمام سكرتيرته، ولا تستبعد أنه الآن يشعر باستمتاع شديد شامتًا بها!
استقلت المصعد وهي تتنفس بغضب شابه الألم، والرغبة بالصراخ معترضة على كل ما تتعرض له، ثم انفلتت منها دمعاتها المقهورة فأخذت تمسحها بسُرعة كي لا يراها أحد.
الجميع هنا يعلم أنها زوجة أحد أصحاب الشركة وزوجة شقيق الثاني وابنة الثالث، يجب أن تحافظ على مظهرها أمامهم حتى وإن كانت تموت كمدًا بداخلها، حتى وإن تسبب تصرفه في زعزعة تلك القوة الظاهرية.
وعندما وصلت إلى الطابق الأرضي وفُتِح باب المصعد حدَّقت في الواقف أمامها بصدمة بادلها إياها بقوة!
**********
أنهت يُسْر تحرير المقال الذي تُدقق به منذ ساعة وقامت بإرساله إلى مدير الجريدة التي تعمل بها عبر البريد الإلكتروني.
تمطت بِكسل ثم ارتدت ملابس الخروج وهي تستعد للذهاب إلى محل الأدوات المكتبية الذي تولت مسئوليته بعد تقاعد أبيها منذ عامين، حينما وصل إلى أذنيها صوت رسالة نصية، انطلقت إلى هاتفها لتُحدق في الكلمات التي استقبلها بضيق:
"ستون يومًا يُسْر، لا أُطيق صبرًا حتى تُصبحي زوجتي."
وبكل غيظ ألقت هاتفها على الفراش دون أن تكلف نفسها عناء الرد عليه رغم علمها بأن رمزي ينتظر، ثم ألقت جسدها بجوار الهاتف، لكنها ما لبثت أن انتفضت وهي تجذبه مرة أخرى ثم عبثت بشاشته قليلًا ووضعته على أذنها بترقب واضح..
وبعد لحظات جاءها الصوت الرجولي الماكر:
_ما هذا الصباح الجميل؟
لكنها تغاضت عن مزاجه الرائق وقالت بحنق شديد:
_أنا في ورطة!
والقلق بنبرة مُحدثها حل محل المكر ليسألها بسرعة:
_ما الذي حدث يُسْر؟ أين أنتِ؟
تهدلت كتفاها وهي تُجيب:
_أنا بالبيت، لكن..
لم تعلم كيف تستكمل عبارتها، لم تعلم ماذا يجب عليها أن تقول، هو الوحيد باستثناء الآخرين الذي يشعر بما يجيش بصدرها حقًا، لِذا فَلم يُفاجئها حينما عقَّب بـ:
_رمزي؟
هنا زفرت باستسلام وهي تهمس بغضب خشية أن يسمعها أحد والديها:
_لا أريد الزواج به، لا أستطيع!
لم يأتها الرد لِثوان ضاقت أنفاسها خلالها، حتى جَزَّ على أسنانه بغيظ وهو يهتف بها:
_أعلم أنني لا يجب أن أقول ذلك، لكنني حذرتكِ، حذرتكِ كثيرًا يُسْر، أتركيه!
تقبلت الغضب بكلماته باستسلام على غير عادتها، لكنها عندما تحدثت فضح التوسل ضياعها وهي تسأله:
_وما العمل؟ ماذا أفعل الآن؟ كلما اقترب الموعد أشعر باختناق أكثر، لا أستطيع تَحَمُّل أنه سيكون زوجي.
وصلها صوت زفيره الذي سبق سكوتًا طال بعض الشيء، لكن عاد المكر بصوته وهو يقترح:
_أستطيع منع كل شيء إن أردتِ، أستطيع إثارة المشاكل حتى يفسد الزفاف قبل أن يحين موعده، ربما أنجح هذه المرة، ما رأيك؟
ابتسمت بشرود وهي تهمس:
_ليتك تفعل!
حمحم بارتباك وصلها كاملًا وهو يرد:
_يُسْر أنا.. أنا كنت أمزح، لا أستطيع أن أتدخل الآن، تعلمين أن وضعي حَرِج للغاية و..
قاطعته بِحَسرة واضحة توميء برأسها رغم أنه لا يراها، ثم قالت بخفوت:
_أعلم، لا تُزعِج نفسك ولا تحمل هَمًَّا، رُبما هذا الزواج أفضل للجميع.
ثم زفرت بضيق مُردِفة:
_سأنهي المُكالمة حتى لا أتأخر، إلى اللقاء.
وأنهت المُكالمة ناقِمة قبل أن يصِلها ردُّه، مُتمتِمة لنفسها:
"تحملي نتيجة قراراتك يُسْر!"
**********
جرجرت حقيبتها الوحيدة التي وضعت بها أهم أغراضها ثم اتجهت إلى بوابة الوصول، وقفت لدقائق تتطلع حولها بشرود تستعيد ذكرياتها في هذا المكان بالتحديد منذ عام واحد مضى...
لقد كانت هنا بفستان عرسها الأبيض وحجابها الأبيض؛
كانت تتهيأ للحصول على بعض الأمان والسكينة معه؛
كانت تتأبط ذراعه متقبلة وعده لها بسلام أبدي؛
والآن..
في نفس المكان بدون فستان عرسها؛
في نفس المكان بدون حجابها المُزيَّن؛
في نفس المكان وأزاحت حسرتها سكينتها جانبًا؛
في نفس المكان بمفردها تمامًا وبدلًا من كونها العروس أصبحت الآن.. مُطلَّقة!
فبعد أن تم القبض عليه ساومته على التنازل عن اتهامها إياه مقابل تطليقها؛
وبدون تردد طلَّقها!
بمنتهى البساطة ألقى كل كلماته ووعوده خلف ظهره لامُباليًا؛
وتركها هي تتجرع مرارة الندم والخذلان بلا ارتواء..
مسحت دمعات لم تعلم متى انحدرت على وجنتيها وهي تتجه إلى أول سيارة أجرة مُنطلِقة إلى بيت أهلها.
....
وأمام الباب وقفت مُطأطئة رأسها منتظرة إجابة الجرس لتفتح شقيقتها الصغرى الباب هاتفة بذهول:
_سُهَيْلَة! متى أتيتِ؟ وما بها رأسك؟!
وكما عادتها ألقت نفسها بأحضانها صائحة ببكاء:
_باهر طلقني يا يُسْر!
*****نهاية الفصل الأول*****

في انتظار آرائكم وتعليقاتكم:eh_s(7)::eh_s(7):

سعاد (أمواج أرجوانية) 31-01-21 12:15 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رىرى45 (المشاركة 15326091)
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

تسلميلي حبيبتي 😍😍😍

هدى سلطان 01-02-21 03:21 AM

بداية رائعة جدا في. انتظار القادم بشوق

دكتورة صيدلانية 01-02-21 10:56 PM

ألف مبارك الرواية الجديدة وأخيراً كما تمنيت عدتي لنا برواية تحمل في جعبتها الكثير ولكن لن أقرأها إلا عند نهايتها كاملة فأنا لا أستطيع الانتظار أحب قراءة الرواية في يوم أو يومين وكلي ثقة بأنها توازي روايتك الأولى جمالاً أو ربما تفوقها وفقك الله غاليتي ❤❤

سعاد (أمواج أرجوانية) 03-02-21 01:12 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هدى سلطان (المشاركة 15329430)
بداية رائعة جدا في. انتظار القادم بشوق

يا رب تعجبك حبيبتي 😍😍😍

سعاد (أمواج أرجوانية) 03-02-21 01:14 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دكتورة صيدلانية (المشاركة 15330825)
ألف مبارك الرواية الجديدة وأخيراً كما تمنيت عدتي لنا برواية تحمل في جعبتها الكثير ولكن لن أقرأها إلا عند نهايتها كاملة فأنا لا أستطيع الانتظار أحب قراءة الرواية في يوم أو يومين وكلي ثقة بأنها توازي روايتك الأولى جمالاً أو ربما تفوقها وفقك الله غاليتي ❤❤

الله يبارك فيكي حبيبتي ❤️❤️❤️
يا رب تكون عند حسن ظنك😍😍😍

سعاد (أمواج أرجوانية) 03-02-21 01:28 AM

اقتباس من الفصل القادم👇🏻

...رَفَعَت رأسها تنظر إليه بضياع مُتسائلة والتوسُل يصرخ بنبرتها:
_أتعتقد تميم أنني سأحب رمزي يومًا؟ أتعتقد أنه مناسب لي؟
حدَّق بعينيها للحظات في صمت، ثم تحدث بِثِقة قائلًا:
_أنتما الاثنان غير مناسبان لبعضكما بالمرة، رمزي ربما يكون طيبًا، حالمًا، مُتمسكًا بكِ بإصرار كما يُظهِر، لكن..
زفر بضيق شديد وهو يبتر عبارته ثم استطرد بعد ثوانِ قائلًا:
_أنتِ تستحقين رجلًا قويًا، أقوى منكِ شخصيًا، رجلا يُعلِّمك أبجدية العشق مُستخرِجًا الأنثى المُتعطِّشة للحنان بداخلك، رجلا يستعمر قلبك فتخضعين له على الفور، ليكُون هو الأول والأخير.
ارتسم الامتعاض فورًا على ملامحها وهي تقول برفض صريح:
_أنا لا أحب تصور ذلك الأمر تميم، ولا أريد العشق.
ابتسم بسخرية وحاد بعينيه عنها شاردًا، لِيُردد بخفوت:
_ليس كل ما يتمناه المرء يدركه!
ارتسم الألم على ملامحها على الفور وهي تتطلع إليه..
لطالما كان تميم مثالًا للرجل القوي؛
لطالما كان لها بالذات حصنًا آمنًا؛
معه فقط تستطيع أن تكون على سجيتها بلا تحفظ..
معه فقط تجد نفسها تُثرثر في أي شيء وكل شيء بلا تفكير؛
وكان هو دائمًا مُستمعًا جيدًا؛
وبالمقابل تستطيع أن تقول أنها أكثر من تفهمه..
تفهم حنانه وإخلاصه؛
تفهم احتياجه؛
وتفهم والصراع الدائر بداخله؛
وتفهم ذلك الغضب الرابض بعينيه!
ذبذبات مُقلِقة تستقبلها منه بكل بساطة؛
والمنشأ: قلبه..
والسبب: عشق محكوم بفشله منذ البداية؛
والنتيجة: حقد استيقظ من رماده كالعنقاء في أكثر الأوقات اللامناسِبة على الإطلاق!
وتربص كامن بعينيه توقن هي أنه قام بكبته طويلا والآن فقط.. سيتغلب وينطلق صوب مرماه بلا خطأ.. وأيضا بكل الخطأ!

سعاد (أمواج أرجوانية) 06-02-21 11:33 PM

مساء الخير حبيباتي:syriasuperstarra8:
معادنا مع الفصل الثاني مُقسم على 3 مُشاركات
***
الفصل الثاني
*إنطفاء*
احتضنت عبلة ابنتها الباكية على صدرها بينما وضع كمال رأسه بين كفيه وهو يستمع بقهر إلى معاناة ابنته خلال العام الماضي أثناء ابتعادها عنهم مئات الأميال..
وحدها ببلد غريب بدون أهلها؛
ينفرد بها ذلك النذل ويؤلمها بِخِسَّة؛
لو تطال يداه عنقه الآن لأزهق أنفاسه دون لحظة تردد واحدة!
استمع إلى صوت يُسْر وهي تجلس أرضًا أمام شقيقتها تحاول تهدئتها قائلة:
_توقفي عن البكاء سُهيلة واهدئي قليلًا، ما حدث قد حدث ومن الجيد أنكِ تخلصتِ منه عديم الرجولة ذلك.
والرد جاء من أمها بين شهقاتها الباكية:
_منذ يومين وأنا أشعر بانقباض بقلبي ولا أدرك السبب، الآن فهمت، لقد كنتِ مُلقاة وحدك بمشفى تنزفين ونحن هنا لا ندري عنكِ شيئًا حبيبتي.
وتعالى نحيب أمها فزفرت يُسْر بحنق وهي تهُب واقفة تهتف باعتراض:
_أمي أنتِ لا تساعدينها بهذه الطريقة، لِمَ كل هذا البكاء منكما؟ ما حدث قد حدث وانتهى الأمر!
لم تهتم أي منهما بهتافها وهما ينهمكان أكثر في أنينهما المُتوجِّع، حتى رَفَع كمال رأسه يتطلع إلى ابنته الكبرى بحسرة...
لم يرزقه الله بالولد؛
إنما رزقه بابنتين هما على النقيض تمامًا في كل شيء؛
الكُبرى وَرَثت البشرة القمحية ولون الشعر البندقي لِوالدته..
بينما اتسمت الصُغرى ببياض شاحِب وشعر أسود كظُلمة الليل!
الكُبرى وَرَثت عينين بُنيتين جاذِبتين..
بينما ظلت الصُغرى تحتكِر اللون الأسود حتى لعينيها المُتسعتين!
الكُبرى تمتعت بدلال أُنثَوي خالص مُختلِط بِضعف أحيانًا كان يُزعِجه..
حينما تمتعت الصُغرى بقوة وعنفوان صارخ كثيرًا ما أثارا فخرُه.. وقَلَقه!
الكُبرى قدَّمَت قلبها وعاطفتها بكل قراراتها..
أما الصُغرى دومًا ما سلَّمت دفة حياتها لعقلِها فقط!
ولِهذا هو ينقل نظراته بينهما في تلك اللحظة مُتفهِمًا تمامًا ذلك الاستنكار الذي تُطالع به يُسْر شقيقتها الكبرى..
وبغض النظر عن السن لطالما كانت يُسْر هي من تحكُم على الأمور بطريقة أفضل، لم تسمح لأحد بجرحها، لم يتمكن أحد من الاقتراب منها بالأصل..
أيجب عليه الخوف على ابن شقيقه من قوتها؟ أم أنه الاختيار المناسب لها؟
علَّه يستخرج منها الجانب العاطفي الذي لم تكتشفه يومًا!
زفر بضيق وهو يُنحِّي أفكاره المُتعلِّقة بالصغرى جانبًا ليقوم بالتركيز على المُصيبة التي حلت على الكُبرى..
الحنونة؛
الرقيقة؛
الحالمة؛
المُدللة؛
التي دفعت ثمن قرارها الأرعن غاليًا؛
والتي أصبحت الآن صورة مُمَوَهة لسعادة غابرة!
وقف ببطء مُتجِهًا إلى سُهَيلة وجذبها برفق من أحضان زوجته إلى أحضانه هو قائلًا بِعَزْم:
_سألاحقه! أستطيع الاستفادة من أحد أصدقائي بذلك البلد، لن أتركه يهرب بفعلته.
هزَّت رأسها رفضًا وهي ترفع رأسها وتنظر إليه مُرددة بألم:
_لا أبي، لا تفعل!، أنت لا تعلم كيف أصبح، مُدمنًا ولصًا وكان على وشك أن يصير قاتلًا، لا أريد لكَ التورط معه بأي شكل، أريد نسيانه ومحو العامين الأخيرين من ذاكرتي تمامًا، أرجوك ساعدني أبي، ساعدني كي أتخطى ما حدث.
شدها مرة أخرى إلى أحضانه كي لا ترى عينيه المترقرقتين بالدموع فتشبثت به تبكي بانهيار، لتُشارِكها عبلة ذلك البكاء بإتقان تام وهي جالسة بمقعدها، في حين نظرت يُسْر إلى ثُلاثتهم باستنكار وحنق ثم انطلقت إلى غرفتها والغيظ يرتسم على خلجاتها.
**********
"أين أنتِ مُختبئة منذ الصباح؟"
رمقته رَغَد بنظرة سريعة وهي تعود بعينيها إلى الملف الذي تمسك به باهتمام ثم عقَّبَت مازحة:
_أين سأختبىء مِنك يا باسل؟ كنت أبحث عن ملف المواصفات الذي أرسله إليّ زيدان بالأمس.
اقترب هو وجلس على أحد المقاعد المُواجهة لمكتبها براحة قائلًا:
_اعتقدت أنكِ لازلتِ غاضبة.
رَفَعت رأسها إليه وحدَّقت به باستغراب مُتسائلة:
_مِمَ سأغضب؟
ولم تفُتها نظرته الموحية وهو يرمُقها بجانب عينيه مُجيبًا:
_بسبب حديث زيدان صباحًا.
عَبرت لمحة استيعاب عينيها ثم هزت كتفيها بعدم اكتراث ظاهري مُعقِّبة ببساطة:
_ولماذا سأنزعج، لقد اعتدت مزاح زيدان منذ وقت طويل.
ليواجهها بتمعُن مُعلِّقًا بنبرة أربكتها:
_ربما لم يكن يمزح هذه المرة يا رَغَد.
عدَّلت من وِشاحها بتوتر ثم وقفت مُولِية إياه ظهرها وتظاهرت بالبحث عن شيء وهمي بإحدى الخزانات وهي تقول بابتسامة مُصطنعة:
_ماذا تقترح إذن باسل؟ تنفيذ فكرته! أتتزوج بي من أجل مهارتي في الطهي، هل أصبحت يائسًا إلى تلك الدرجة؟ للأسف سأقوم بإحباطك وسأخبرك أن رِهام أيضًا ماهرة بذلك الأمر، لكننا نعلم جميعًا مدى هشاشة زواجها.
التفتت بنفس ابتسامتها المُفتعلة فزفر هو بضيق مُشيحًا بوجهه بعيدًا قائلًا بأسف:
_أنتِ تعلمين رَغَد أنني لم أعنِ ذلك، تعلمين أنكِ فتاة ممتازة يتمناها الكثيرون.
ضحكت برقة قادرة على التأثير في دقات قلب أي رجل ثم قالت:
_لماذا توقفت يا باسل؟ لكنني لست من هؤلاء الكثيرين أليس كذلك؟ هيا أكمِل: أنا لا أستحقك و أرجو أن تجدي من هو أفضل مني!
لكن ابتسامتها انمحت وهو يقف مُحدِّقًا بها بتدقيق قائلًا بحرج:
_أنا أعلم رَغَد.
شحب وجهها وهي تتهرَّب من عينيه مُتسائلة بصوت خافت:
_ماذا تعلم؟
زفر بألم والحَرَج يتمكن منه وهو يتسائل بداخله..
هل يجب عليه أن يكون صريحًا معها؟
هل يجب أن يُساعِدها على عدم التعلُّق بأمل زائف؟
أم أنه سيُزيد في جراحها؟
ليزفر ثانية ثم يُحدَّثها بنبرة آسفة:
_سأسدي لكِ نصيحة وأتمنى أن تعملي بها: قلبك غالِ رَغَد، لا تتخلي عنه لمن لا يُبادِلك حبك، لا أحد منا يملُك سيطرة على قلبه، ولا أحد منا يختار من يُغدِق عليه مشاعره، لا تلومي نفسك ولا تلومي غيرك.
ثم ابتسم لها بنفس الأسف قبل أن يتجه إلى الخارج، بينما جلست هي على مِقعدها ذاهلة وهي تتمتم بخفوت:
"إنه يعلم!"
لقد حاولت.. لسنوات حاولت إخفاء مشاعرها وقد ظنت أنها نجحت؛
لكن ها هو يثبت لها خطأ ظنونها!
**********
تأهبت رِهام لصعود الدرجات شاردة تمامًا، الغضب والألم يقتاتان على روحها بينما تحاول التحكم في دمعاتها حتى تصل إلى جناحها فلا تستطيع، حتى أوقفها الصوت الأنثوي الصارم خلفها:
_أين كنتِ رِهام؟
التفتت ببطء إلى حماتها تنظر لها بجمود، ثم أجابتها بصوت خافت والابتسامة المتألمة على وجهها:
_كنت أزور زوجي العزيز بالشركة سيدة ابتسام، وبالمناسبة كان يجلس على بُعد أمتار مني ورفض مُقابلتي.
لم يبد على وجه حماتها التأثر وهي تقترب من كنتها الدامعة العينين، ثم ردَّت بسُخرية:
_وهل أخبرته بذهابك إليه قبلًا؟ ربما لم يكن متفرغًا! وهل هذا مُبرر كي تتركي طفلتك نائمة وتنصرفي دون أن تخبريني كي أبقى معها رغم علمك بأنها تخاف البقاء بمُفردها؟!
عقدت رِهام حاجبيها بدهشة وهي تهتف بحماتها مُستنكِرة:
_أتحاسبينني أنا؟ أتحاسبينني على ذهابي إلى ابنك؟ وهل فكرتِ في حسابه أيضًا على إهماله لي؟ أم أنه هو الملاك الذي لا يُخطىء؟ هو الوحيد الذي يحق له التصرف كيفما بدا له وعلينا جميعًا طاعته؟
صمتت قليلًا تُطالع وجه حماتها الذي لم يتأثر، ثم تابعت مُشددة:
_وحفيدتك ليست ابنتي وحدي، هي ابنته أيضًا، ابنته التي يكاد لا يراها إلا مرة أسبوعيًا وبالصدفة.
رَدَّت السيدة ابتسام بتوتر:
_أنتِ تعلمين أنه يحمل هَم الشركة على عاتِقه، تعلمين أنه غير مُتفرغ على الدوام.
ابتسمت رِهام بسُخرية وهي تمط شِفتيها ثم عقَّبت:
_بالطبع ستدافعين عنه، فهو حاميكم والآمر الناهي بهذا المُعتَقَل، لا يقوى أحدكم على إغضابه، لكنني سئمت، حقًا سئمت من حياتي هنا، ومن حياتي معه.
هتفت بها السيدة ابتسام غاضبة:
_بدلًا من البكاء والنواح على الأزمة التي تمران بها ابحثي عن طريقة تسترديه بها، ابحثي عن طريقة تعيد إليه الاهتمام بكِ قبل أن تجتذبه أخرى، بينكما طفلة ولا أريد لها أن تتأثر بسببك.
اتسعت عينا رِهام البريئتين بدهشة وهي تردد بخفوت:
_بسببي؟! وحدي؟!
ثم زَفَرت باستسلام وهي تبتسم بحزن قائلة:
_أتعلمين؟! أنا لم أعد أهتم، بالفعل لم أعد أهتم بابنك، كل ما هنا لم يعُد يهُمني، وقريبًا سأتخلص من ذلك الطوق الذي يُحيط بعنقي بينكم.
أنهت عبارتها واتجهت إلى الخارج غير مُكترِثة بنظرات حماتها القلِقة التي تعلَّقت بها.
**********
بعد يومين:
وضعت عبلة إحدى كفيها أسفل وجنتها وجلست على الأريكة شاردة بعد أن جفت دمعاتها أخيرًا، اقترب منها كمال ثم جلس بجانبها مُربِتًا على إحدى رُكبتيها بحنان وهو يواسيها بهدوء:
_هوني عليكِ عبلة، حمدًا لله أنها عادت سالمة، ربك لطف بها وبنا ولم تؤثر بها الدفعة بشدة.
وبنبرة ضعيفة مُتألمة ردت عبلة بدهشة:
_لا أستطيع تصديق أنها تعرضت لكل ذلك، إدمان، وسرقة، ثم يتطاول عليها الحقير وهي وحيدة وضعيفة! لماذا لم تشكو إلينا؟! لماذا أخفت كل تلك المصائب عنا؟!
أغمض كمال عينيه بألم ولم يتفوه بحرف للحظات..
هو أيضًا لا يستطيع تخطي ذلك؛
ذلك الخسيس ظل يتعدَّى على ابنته لشهور وهو لا يعلم شيئًا عنها؛
حبيبته ومُدللته وأول من حمل بين يديه؛
أُهينت وتجرعت الإذلال دون شكوى!
_يجب أن نقوم بتأجيل زفاف يُسْر يا كمال.
أجفل وهو ينظر إليها بدهشة مُتسائلًا:
_ما علاقة ما حدث لسُهيلة بزفاف يُسْر ورمزي؟
هتفت به بغيظ:
_أنت رأيت بنفسك ما حدث، عندما تقدم باهر طالبًا إياها للزواج كان مثالًا للأدب والأخلاق والاحترام، وها هو يتضح أنه كان شيطانًا، لِذا يجب علينا التمهل مع يُسْر، لا تنقُصنا مصائب أخرى!
ضيق عينيه وهو يسألها بلهجة يشوبها التحفز:
_هل تُلمحين إلى أن رمزي مثل باهر؟
تهرَّبت من عينيه والوجل يصدح بصوتها:
_أنا لم أعنِ ذلك بالطبع، لكن...
لكنه هب واقفًا مُقاطِعًا إياها بغضب:
_اسمعي عبلة، باهر أنا لم أكن موافقًا على مُصاهرته مُطلقًا، لكن ابنتك هي من أصرَّت عليه في لحظة طائشة وتحدتنا جميعًا، حتى أنها كادت تتسبب بمشاكل عِدة في سبيل ذلك لكن ربك ستر، أنا لم أرتح له يومًا لكنني لم أشأ أن أتسبب في نقمتها مع تمسُكها الغريب به بعد ما حدث حينها، أما رمزي فإنه ابن أخي وأثِق به، وأعلم أنه سيكون زوجًا مناسبًا لِيُسْر.
صاحت باعتراض واضح:
_لكنها لا تحبه.
ليصيح بها بتصميم وبلهجة صارمة:
_ستفعل، عندما يُصبِح زوجها ستُحِبه!
نظرت له بدهشة بسبب غضبه وإصراره على ذلك الأمر بالذات فتابع بقوة:
_ولا أريدك أن تستغلي طلاق سُهيلة في تأجيل زواج يُسْر، لأن الزفاف سيتم بموعده كما اتفقت مع مصطفي.
فغرت فاها دهشة وهي تقف أمامه صائحة:
_أنا أستغل مصيبة إحدى بناتي لصالح الأخرى؟ أهذا هو تفكيرك بي يا كمال؟ أشكرك جدًا!
وقبل أن يرد انصرفت حانقة إلى الداخل بينما ظل هو مكانه والغضب يُعربِد على ملامحه!
**********
"هل كل من اقترب زواجهم يشرُدون بتلك الطريقة؟!"
انتبه رمزي على عبارة صديقه المازحة فاجتذب ابتسامة مُفتَعَلة وهو يرد بحنق:
_أين هو ذلك الاقتراب يا رجل؟! لقد انتابني الملل انتظارًا لذلك اليوم!
ضحك صديقه بشدة ثم نظر إليه مُندهِشًا قائلًا:
_لم أعهدك بهذه الحالمية رمزي.
ابتسم رمزي بفخر ثم هتف زاهيًا:
_إذن أنت لم تعرِفني مُطلقًا.
أومأ صديقه برأسه إيجابًا وهو يرد:
_بالفعل أنت قد فاجأتني، عندما أخبرتني أن خطيبتك هي ابنة عمك توقعت ارتباطًا تقليديًا يقوم على الأُلفة والمَوَدَّة ولا دخل للحب به، لكن ذلك الشرود المتزايد على وجهك في الآونة الأخيرة يؤكد لي العكس تمامًا، عسى أن تُسعِدك هي أيضًا و تهنأ معها ويستمر حبكما إلى الأبد.
منحه رمزي ابتسامة مهزوزة وهو يشرد في دقات قلبه التي تدوي بداخله مُتفاعِلًا مع رسم الصورة الجميلة داخل ذِهنه..
أيُعقل أنه اشتاق لها؟!
بالفعل اشتاق لها!
والآن يفعل أي شيء كي يستمع إلى صوتها؛
إلى اسمه من بين شفتيها؛
إلى ابتسامتها البريئة؛
إلى عينيها السوداوتين اللتين طالما عشقهما..
ثم...
حذره عقله مما هو مقبل عليه، يُسْر لا تحبه وهو يعلم ذلك جيدًا، لم تفعل مطلقًا!
أغمض عينيه لثوان ثم فتحهما بنظرة مُصممة؛
لن يسمح لأية أفكار أن تؤثر على سعادته المُرتقبة؛
لن يسمح لأية خواطر أن تمنحه ترددًا هو ليس بحاجة إليه الآن مُطلقًا؛
زواجه من يُسْر سيتم؛
وستتعلم أن تحبه!
**********

سعاد (أمواج أرجوانية) 06-02-21 11:36 PM

تابع الفصل الثاني
***
نظر فريد إلى ابنته التي حضرت للتو مُنهارة بهدوء بينما يستمع إلى شكواها المُتكررة من زوجها..
الأمر ليس جديد عليه بالطبع، فهو خير من يعلم كيف له أن يكون قاسيًا وباردًا إلى أبعد حد دون اهتمام بالآخرين، لكنه قد تمادى حقًا هذه المرة!
أن يرفض مُقابلتها غير مُباليًا بانتشار مثل ذلك الخبر في الشركة لهو تهور غير محسوب العواقب منه ويستحق وقفة!
_سأتحدث معه رِهام، يجب أن نجلس ثلاثتنا سويًا ونحل ذلك الأمر.
تحدث فريد بتلك العبارة بهدوء فَرَفَعت رِهام رأسها بحدة ثم هزتها برفض قائلة:
_لم أعد أريده أبي، لم أعد أريد الاستمرار معه.
نظر لها فريد بذهول للحظات ثم سألها بتوجُس:
_ماذا تعنين رِهام؟
وكان الرد منها سريعًا، صارمًا:
_أريد الطلاق!
عقد فريد حاجبيه دهشة وهو يسألها مُستنكِرًا:
_عن أي طلاق تتحدثين؟ أليس هذا ثائر الذي أردتِه بجنون؟ أليس هذا هو من طِرتِ فَرَحًا عندما تقدَّم طالبًا الزواج منك؟
أومأت برأسها إيجابًا وتلاحقت دمعاتها لِتُجيبه بحسرة:
_كنت مخطئة أبي، أخطأت بحق نفسي، والآن لم أعد أتحمل هذا الوضع.
زفر فريد حانِقًا وهو لا يجد ردًَّا مُناسِبًا بينما أخذ يرمُق بُكاءها بضيق شديد..
أما هي فكانت تبكي قلبها وكرامتها وسنوات ضاعت من عمرها من أجل وهم كاذب، والآن لا تجد حلًا وأبوها_كعادته_ يرفض الطلاق رفضًا قاطعًا..
لكنها.. واليوم تجد أن الطلاق أكثر رحمة بها من الاستمرار بحياة تعيسة مع زوج جاف لا يطيقها ولا يترك فرصة دون التعبير عن هذا بكل صراحة..
_دعيني أتحدث معه مرة أخيرة ولا تعودي إلى القصر، عله يُدرك مدى جديتك، ربما يندم على مُعاملته معِك ويتوسلك الرجوع.
رَفَعَت رِهام رأسها إلى أبيها دامعة مُتحسِّرة فتهرَّب من عينيها بِحَرَج، هبَّت واقفة مُنطلِقة إلى الأعلى بينما جذب هو هاتفه ثم عبث بشاشته قليلًا واضعًا إياه على إحدى أذنيه، وبعد قليلا تحدث بصرامة قائلًا:
_مرحبًا ثائر، بيننا حديث يجب أن يتم.
فيأتيه الرد الجاف تمامًا كما توقع:
_مرحبًا فريد بك، أنا بطريقي إلى الإسكندرية حاليًا، عندما أعود سأُبلِّغك!
ثم أنهى المكالمة بدون كلمة إضافية!
**********
كانت تُرتِّب بعض الدفاتر على أحد الأرفف وهي شاردة تمامًا، لقد انقلب حال الجميع منذ عادت سُهيلة، أمها دائمًا تبكي، أبوها حانِق طوال الوقت، وهي حقًا لا تفهم لماذا يُبالِغون بذلك الشكل!
من الوارد أن يقع الطلاق بين الأزواج، هل يعني هذا أن تتوقف الحياة بعدها؟!
ألم يُدرِكوا بعد أن تطلعاتهم الكثيرة هي ما تتسبب في تعرضهم للصدمات المُتلاحقة؟!
ألم يُدرِكوا بعد أنه كلما نحَّينا قلوبنا جانِبًا واعتمدنا على عقولنا كان أسلم لنا جميعًا؟!
"لو دخل لِص الآن سيقوم بالاستيلاء عليكِ شخصيًا دون أن تشعُري!"
التفتت يُسْر مُجفَلة ثم زفرت براحة وهي تعبس في وجه صديقتها هاتفة:
_ألا تُصدرين أية أصوات كي تُنبهيني؟! كِدت أفقد وعيي فيروز!
اقتربت الفتاة رائعة الجمال، ذات العينين الساحرتين بلونهما المطابق لاسمها، لتقفز جالسة على إحدى خزائن المعروضات قائلة:
_أنا وصلت وأُحدثك منذ دقائق وأنتِ بعالم آخر تمامًا، هل الوضع لديكم سيء إلى تلك الدرجة؟
زَمَّت يُسْر شفتيها ثم زفرت بملل وهي تُجيبها:
_إنه مزري، لدينا كآبة في البيت تكفي حيًا بأكمله، وكلما حاولت إشغالهم بأمور أخرى تشبثوا بالحزن بكل قوتهم كأن الحياة تعتمد عليه.
هزت فيروز كتفيها وهي تستند بكفيها على الخزانة وتؤرجح ساقيها، قائلة بابتسامة مُغيظة:
_ربما الأمر طبيعي تمامًا حبيبتي، لكنكِ كالعادة معدومة المشاعر لا تقيمين وزنًا لها!
بادلتها يُسْر الابتسامة المُستفزة بكرم بالغ وهي ترد بزهو:
_إن كنت معدومة المشاعر كما تقولين فإنه من حُسن حظي، البكاء على اللبن المسكوب ليس من هواياتي المُفضلة.
لتتسع ابتسامة صديقتها قائلة بنبرة مَرِحة:
_البكاء في الأساس ليس من شِيَمك، لكن لا تفرحي كثيرًا، وأنا بالفعل أشعر بالشفقة تجاه رمزي!
وعندما انطلق الاسم عقدت يُسْر حاجبيها تلقائيًا بضيق شديد لم يخفى على صديقتها فسألتها باهتمام:
_بالمناسبة، هل ابتعتما غرفة الاستقبال؟
هزت يُسْر رأسها نفيًا ثم أجابتها بشرود:
_لا، لم نفعل، الأسبوع القادم سنبتاع جميع الأثاث.
حدَّقت فيروز بها بغيظ شديد والأخرى تستسلم لشرودها تمامًا، فهتفت بها بقوة:
_لم أعهدك جبانة يُسْر، إن كنتِ لا تتحملين الزواج من رمزي لهذه الدرجة فلا تظلمي نفسك وتظلميه معِك.
والابتسامة الساخرة لاحت على شفتيها وتخللها ردها الهادىء:
_لستُ جبانة فيروز، ربما أنا أشجع مما تظنين!
ثم عقدت حاجبيها بضيق وهي تنظر لها بنبرة حاولت إخفاء توترها بها وهي تتساءل بترقب:
_ثم أخبريني، أنتِ تلومينني على تأجيلي الزواج بينما أنتِ وخطيبك لم تتخذا خطوة واحدة في سبيل زواجكما، لا أسمعك تتحدثين عن الأمر أساسًا.
مطت فيروز شفتيها ثم ردَّت بلا اكتراث:
_أنتِ تعلمين أنه منشغل هذه الأيام بافتتاح محلًا جديدًا، ولِهذا لا أراه كثيرًا.
تهرَّبت يُسْر من عينيها وهي تلتفت لتُكمِل ترتيب الدفاتر بارتباك واضح بينما سألتها فيروز:
_كيف حال سُهيلة؟
التفتت يُسْر مرة أخرى وهي تزفر بحنق هاتفة:
_لم تتوقف عن البكاء منذ الأمس، ولا أعلم إلى متى ستظل على ذلك الوضع! لا تنفك تتفوه بانعدام ثقتها بالجميع وبرغبتها في البقاء وحيدة، أكاد أُجَن فيروز.
رَبَتت على كفها بحنان وهي تخاطبها بهدوء قائلة:
_أعطها وقتها يُسْر، الأمر ليس بسيطًا، لقد كان خطيبها لعام ثم زوجها لعام لآخر ووثقت به فخذلها.
ثم أردفت بنبرة مُغيظة:
_ربما ليس على الجميع التمتع ببرودك!
جزَّت يُسْر على أسنانها بغيظ وهي تهتف بها:
_لقد حذرتها من القبول بالزواج منه مرارًا فلم تستمع إليّ، أنا أثق بحدسي وكنت أدرك تمامًا أنه لا يناسبها حتى وإن لم يكن حقيرًا مدمنًا.
وتابعت باستنكار:
_وهل جئتِ أنتِ إلى هنا كي تزعجيني فيروز؟ أليس لديكِ عملًا بمكانٍ ما؟
هبطت فيروز من فوق الخزانة وهي تهتف بها بحنق:
_أنا بالفعل مُخطئة لأنني فكرت بالاطمئنان منكِ على حال سُهيلة، سأتصل بوالدتك كي أواسيها، ونصيحتي لكِ حاولي أن تُساعدي أختك في تخطي محنتها.
وأمام الباب صدح صوتها بتهكم:
_إلى اللقاء معدومة المشاعر!
حدَّقت يُسْر في إثرها بشرود ثم اجتذبت هاتفها لتكتب بأحرف مُرتجِفة:
"أين أنت تميم؟ أريد أن أراك الآن!"
**********
"لو كنت اهتممت بحضور الاجتماع صباحًا لأدركت أهمية ذلك الاتفاق زيدان، عندما يعود ثائر سنتناقش به ثُلاثتنا، بالطبع قبل أن يصدر حُكمًا بإعدامك!"
نطق باسل بهذه العبارة بلهجة مُعاتِبة وهو يتابع التهام المعكرونة التي أرسلتها والدة زيدان إليه بتلذذ واستمتاع وكأنه لم يذق طعامًا من قبل، بينما رد زيدان وهو يمعن النظر به ممتعضًا:
_لا أعلم كيف تأكل طوال الوقت وبكل مكان وتحتفظ بلياقتك البدنية أيضًا!
ابتلع باسل آخر قطعة من المعكرونة ثم ابتسم قائلًا:
_البركة بِك أنت وأخيك، طالما تحرقان دمائي قبل سعراتي الحرارية سأظل أتمتع بكامل لياقتي.. سأفقد عقلي لا جدال بذلك، لكنني سأكون مُختلًا وسيمًا بذات الوقت!
لم يبد الاهتمام على زيدان على الإطلاق حينما استدرك بابتسامة مُستفزة:
_لا تقلق بشأن ذلك الاتفاق، فعندما يأتِ ثائر سيجد ما يُشغِله عنه تمامًا، ثِق بي!
نظر باسل إلى زيدان بعدم فَهْم وهو لا يُدرِك أن الأخير يعني المشاكل التي تنتظره بعدما تركت زوجته المنزل..
كم يُشفِق عليها!
كم حَسَدها على صبرها!
كم تساءل باستغراب عن كيفية الطريقة التي تتعايش بها مع كونها زوجة لذلك المُبَرِّد في هيئة إنسان؛
المُجرد تمامًا من المشاعر؛
الذي يتعامل مع الجميع وكأنهم صفقات واتفاقات؛
حتى طفلته المِسكينة لم تحصُل منذ سنوات على حنان فِطري منه!
لقد اختُزِلَت كل حياته بالعمل فقط..
وما يُثير أعصابه أن والديه يُشجعانه ويُبجلانه بينما يحاولان حثه هو على الاقتداء به!
لطالما حاول النظر إليه بنفس الطريقة التي يُعجب به من أجلها الجميع لكنه لم يستطع..
هو لا يتحمل أن يكن بتلك القسوة واللامبالاة يومًا..
والعُقدة التي ارتسمت على حاجبيه انمحت فور أن تلقَّى اتصالًا هاتفيًا من أبيه ليرُد مُسرِعًا:
_مرحبًا أبي!
والرد الصارم جاءه فورًا:
_هل تَغَيَّبْت عن اجتماع اليوم أيضًا زيدان؟
ابتسم بسُخرية شديدة وهو يرد على أبيه قائلًا:
_بالطبع ابنك العزيز لم ينس الإبلاغ عني!
فعاد صياح أبيه الغاضب تمامًا، مستنكرًا:
_ألا تعلم يا أحمق أنه سافر؟ ألا تعلم أنك تنوب عنه في غيابه؟
و.. بَلَغَ السيل الزبى؛
ورَمَى زيدان بكل صبره خلف ظهره؛
ليهتف بقهر وهو يهُب واقفًا متمسكًا بالهاتف:
_لقد قلت مرارًا أنني لا أرغب بتلك النيابة، أنا مُهندس ليس أكثر، لقد تركت أمور الرئاسة لثائر بِك، ليتحكم هو بالجميع كما يشاء وليتركني بحالي، لِمَ لا تدركون أنني لست مثله؟ وأحمد ربي أنني لست مثله!
وبالمقابل انطلق صوت أبيه بقوة، مُوَبِّخًَا، ناهيًا:
_لا تتكلم عن ثائر بهذه الوقاحة زيدان! إنه شقيقك الأكبر الذي يهتم بالشركة في....
ويبدو أن زيدان قد ذهب بطريق غضبه جهة اللاعودة، حيث قاطع أباه بقهر:
_الشركة! الشركة! الأجدر به الاهتمام بزوجته التي تعاني بصمت، الأجدر به الاهتمام بطفلته التي لا يشعر بوجودها من الأساس حتى باتت كاليتيمة وهو على قيد الحياة.
ثم تابع بلامبالاة ظاهرية:
_آسف أبي، أعلم أنه ابنكما المُفضل لكنني لا يُشرِفني أن أكون مِثلُه!
وكان الرد من أبيه هو إغلاق الخط على الفور..
بالضبط كما يُغلق أذنيه كل مرة عن حديث يتعلق بقسوة ابنه الأكبر..
كما يُغلِق عينيه عن مشاهد تتعلق بتجبُّر ابنه الأكبر..
فليهنأوا به وليُزيدوا في الاحتفاء به كما يرغبون!
وليتركوه بحاله ليعيش حياته كما يحب..!
_خطأ زيدان، كل ما تفعله خطأ! وضعك لا يعجبني، أنت تسقط في هوة مُظلِمة ولا تهتم، فكِّر بعقلك زيدان واستمع لآراء أهلك.
نظر زيدان إلى باسل بغيظ شديد..
بالرغم من أنه صديقه هو بالأساس فإنه لا يُخفي إعجابه بشخصية أخيه الطاغية؛
لماذا أصبح الجميع يتجهون بأبصارهم إلى القوة المُفرِطة بمنتهى الانبهار؟!
هل هي رغبتهم الفطرية في الخضوع والإذلال؟!
هل هو حبهم الشديد للسطوة والقيود؟!
لكنه ليس مثلهم وليس مثله!
هو سيهرب منهم جميعًا إلى عالمه الخاص؛
سيغرق في بحور سكينته مع حبيبته؛
لن يدع لغيره الفرصة لإفساد سلام نفسه أيًا كان!
**********
خرجت سُهَيلة من غُرفتها وهي مُرتدِية كامل ملابسها وحجابها فطالعتها أمها بدهشة واتجهت إليها مُسرِعة تسألها:
_إلى أين أنتِ ذاهبة سُهيلة؟
ثبتت حزام حقيبتها على أحد كتفيها وهي تُجيب أمها بهدوء:
_إلى المحل أمي، لن أظل جالسة بفراشي طوال النهار، سأذهب لمساعدة أبي ويُسْر.
_لكن، لكن أنتِ لازلتِ مُتعبة!
نظرت لها بحُزن ثم عقَّبت بخفوت:
_أنا بخير أمي، وسأكون أفضل قريبًا، ادعي لي.
وضعت أمها كفها على إحدى وجنتي ابنتها ثم ربتت عليها بحنان قائلة:
_أدعو لكِ دائمًا حبيبتي، عسى الله أن يُعوِضك بالأفضل منه قريبًا جدًا.
أجفلت سُهيلة وهي تهُز رأسها برفض واضح هاتفة:
_لا أمي! ادعي لي أن أنسى ما حدث، أنا سأظل بمفردي، هكذا أفضل لي.
عقدت عبلة حاجبيها بدهشة حانقة وهي تُحدِّثها قائلة:
_ما هذا الكلام سُهيلة؟ أنتِ لن تتركي نفسك لتلك الأفكار، لن تعتنقي عُقدة من الزواج، ليس لأنكِ بُليتي بذلك الحقير تنبذين الآخرين، أنتِ جميلة ومُتعلمة والكثيرون يتمنون القرب منك، أنا أعلم أنني سأفرح بكِ عاجلًا.
نظرت لها سُهيلة بألم لا تجد ردًَّا على آمال أمها..
ألا تعلم أنها لم تعُد تثق بأي آخرين؟!
ألا تعلم أن من أجبرت نفسها على الوثوق به عرَّضها لصدمة ربما لن تشفى منها مُطلقًا؟
ألا تعلم أنها خلال الساعات الفائتة تأكدت أن وِجهة نظر أختها الصُغرى هي الصحيحة؟!
وهي قد قررت الاعتماد على عقلِها كي لا يتجاسر أحد على إيذائها!
زفرت بيأس وهي تُقبِّل ظاهر كف أمها ثم اتجهت إلى الباب وخرجت...
...
وحينما وصلت إلى محل الأدوات المكتبية الذي يمتلكونه ولجت مُحاوِلة رسم ابتسامة ضعيفة على وجهها فهب أبوها واقفًا والقلق يعلو ملامحه وهو يسألها بسرعة:
_ماذا حدث سُهيلة؟ هل أنتِ بخير؟ هل أمك بخير؟
ابتسمت بضعف وهي تتجه إليه تُجيبه برقة:
_لا تقلق أبي! نحن بخير جميعًا.
ثم تلفتت حولها مُتسائلة:
_ أين يُسْر؟
زفر أبوها براحة وهو يرد:
_ليست هنا، لديها عمل بمكان ما، هل تريدينها؟
اتجهت إلى خلف أحد الخزائن الزجاجية ووضعت حقيبتها ثم جلست على أقرب مقعد شاردة، اتجه أبوها إليها وجلس بجانبها مُربِتًا على يدها هامسًا:
_ستتخطين هذه الكبوة سُهيلة، ستعودين أقوى، وستعودين تلك الزهرة المُتفتحة التي نشأت يانعة أمام عيني.
ابتسمت سُهيلة لأبيها بامتنان وعادت إلى شرودها في القادم، والذي_على الرغم من تنبؤها به_ يُخيفها أكثر من حالتها الحاضرة!
**********
وقفت يُسْر تتطلع إلى أحد الحواسيب النقَّالة شاردة، لا تعلم هل ما هي تنوي فِعله صحيح أم لا، لكنها وجدت نفسها تنطلق إلى هنا بدون تفكير وللمرة الأولى تعصي تحذير عقلها!
هل أصبحت أنانية؟
ربما!
هل ستصير مُتهوِّرة عند اتخاذها تلك الخطوة؟
مُحتمل!
لا تتيقن بأي شيء والحيرة تنهش عقلها..
لكن ما هي مُتأكدة منه أنها لن تقوى على الاستسلام أكثر؛
الصمت يقتلها..
الواقع يقتلها..
والمُحاولة التي تتبناها الآن رُبما هي الحل الأخير!
"إن أعجبك فهو هدية مني!"
التفتت إلى الخلف وعلى وجهها أروع ابتسامة بادلها إياها ذلك الوسيم، طويل القامة، أسمر البشرة؛
ذو النظرة الحانية، والتي تكون أحيانًا.. مُنذِرة بالوعيد!
اتجهت إليه بضحكة رائقة لا يستفز خروجها تلقائيًا إلاه، قائلة:
_الحاسب الذي أحضرته بالمرة الأخيرة لا يزال داخل عُلبته، توقف عن التبذير قليلًا يا تميم.
محا ابتسامته وعقد حاجبيه بضيق تعلم تمامًا أنه مُفتعل، ثم تجاوزها إلى المكتب البسيط الذي يدير شؤون مبيعاته من خلاله وهو يقول مُتَذَمرًا:
_إذن يجب أن أدعي الغضب لعدم اهتمامك بهداياي.
ثم أرخى ملامحه مرة واحدة وهو يُردِف راسمًا ابتسامته الجذابة:
_لكنكِ تعلمين يا يُسْر أنني لا أستطيع الغضب منكِ مُطلقًا.
ابتسمت له بامتنان فبان القلق بنبرته وهو يسألها:
_ماذا بكِ؟ لِمَ هذا الحُزن بعينيك؟
وعندما تهرَّبت بعينيها منه أجاب هو بغيظ:
_رمزي أيضًا! أليس كذلك؟!
سقطت على أقرب مقعد باستسلام يائسة وهي تضع كفيها على وجهها، تركها صامتة كما تحب مُنتظرًا بصبر حتى تحدثت أخيرًا بهدوء:
_لا أحبه تميم، لا أحبه مُطلقًا، لا أستطيع الشعور نحوه بأكثر من الأخوة.
صمتت قليلًا ثم تابعت:
_أبي يريد هذا الزواج، بينما أمي مُعارِضة.
وأردفت بخفوت:
_وعمي...
ثم بترت عبارتها بإرهاق واضح لترخي كفيها وترمقه بِحيرة، وعادت فأكملت:
_عمي ينتظر زواجنا في أسرع وقت وأنا لا أستطيع خُذلانه.
ثوان أخرى ظلت خلالها صامتة وتركها هو تفرغ كل ما في جُعبتها حتى تابعت بنبرة مُتألمة قلما ما سمعها منها:
_أحيانًا أفكر في الهرب، إلى مكان بعيد حيث لا واجبات ولا التزامات، لكنني أعود وأسأل نفسي هل أنا إلى تلك الدرجة أنانية؟
ثم زفرت ببطء وهي تستكمل بعدم اقتناع:
_ثم أحاول إقناع نفسي بأنني ربما سأحب رمزي يومًا مثلما يحاول أبي وعمي التأكيد لي.
هنا رَفَعَت رأسها تنظر إليه بضياع مُتسائلة والتوسُل يصرخ بنبرتها:
_أتعتقد تميم أنني سأحب رمزي يومًا؟ أتعتقد أنه مناسب لي؟
حدَّق بعينيها للحظات في صمت، ثم تحدث بِثِقة قائلًا:
_أنتما الاثنان غير مناسبان لبعضكما بالمرة، رمزي ربما يكون طيبًا، حالمًا، مُتمسكًا بكِ بإصرار كما يُظهِر، لكن..
زفر بضيق شديد وهو يبتر عبارته ثم استطرد بعد ثوانِ قائلًا:
_أنتِ تستحقين رجلًا قويًا، أقوى منكِ شخصيًا، رجلا يُعلِّمك أبجدية العشق مُستخرِجًا الأنثى المُتعطِّشة للحنان بداخلك، رجلا يستعمر قلبك فتخضعين له على الفور، ليكُون هو الأول والأخير.
ارتسم الامتعاض فورًا على ملامحها وهي تقول برفض صريح:
_أنا لا أحب تصور ذلك الأمر تميم، ولا أريد العشق.
ابتسم بسخرية وحاد بعينيه عنها شاردًا، لِيُردد بخفوت:
_ليس كل ما يتمناه المرء يدركه!
ارتسم الألم على ملامحها على الفور وهي تتطلع إليه..
لطالما كان تميم مثالًا للرجل القوي؛
لطالما كان لها بالذات حصنًا آمنًا؛
معه فقط تستطيع أن تكون على سجيتها بلا تحفظ..
معه فقط تجد نفسها تُثرثر في أي شيء وكل شيء بلا تفكير؛
وكان هو دائمًا مُستمعًا جيدًا؛
وبالمقابل تستطيع أن تقول أنها أكثر من تفهمه..
تفهم حنانه وإخلاصه؛
تفهم احتياجه؛
وتفهم والصراع الدائر بداخله؛
وتفهم ذلك الغضب الرابض بعينيه!
ذبذبات مُقلِقة تستقبلها منه بكل بساطة؛
والمنشأ: قلبه..
والسبب: عشق محكوم بفشله منذ البداية؛
والنتيجة: حقد استيقظ من رماده كالعنقاء في أكثر الأوقات اللامناسِبة على الإطلاق!
وتربص كامن بعينيه توقن هي أنه قام بكبته طويلا والآن فقط.. سيتغلب وينطلق صوب مرماه بلا خطأ.. وأيضا بكل الخطأ!
زفرت بضيق وهي تسأله بلا تفكير:
_متى ستتزوج أنت أيضًا تميم؟
نظر لها بدهشة ثم أطلق ضحكة رائقة فحدَّقت به بتدقيق مُتابِعة:
_يا إلهي! هل أنت سعيد لهذه الدرجة بسبب الزواج؟ إن تعجلت قليلًا تستطيع اللحاق بي ورمزي، ما رأيك في حفل زفاف مُزدَوَج يضُمنا جميعًا؟
انمحت ابتسامته بالتدريج ثم عاتبها بخفوت:
_لا تستخدمي قسوتِك معي يُسْر!
قالها ثم حدَّق بالحلقة الفضية التي تلتف حول بِنصرُه الأيمن، بينما زفرت بألم وهي تمنع دمعات تريد التحرر بقوة ثم وقفت مُسرعة واتجهت إلى باب المحل، وبدون أن تلتفت إليه قالت بهدوء:
_بالمُناسبة، لقد عادت أختي.
ثم أردفت بنفس الهدوء:
_مُطلقة!
وانطلقت إلى الخارج تاركة العنان لدمعاتها غير مُبالية بتحديقات المارين بها، وعندما وصلت إلى محل والدها أخيرًا كانت قد اتخذت قرارها..
لن تُفسِد أحلام أبيها وعمها؛
ستتزوج من رمزي وليحدث ما يحدث، لم تعد تهتم!
**********

سعاد (أمواج أرجوانية) 06-02-21 11:38 PM

بعد أسبوع:
عاد رمزي من الخارج صافعًا بابه بقوة أجفلت أمه التي انطلقت إليه مُهرولة بجزع وهي تهتف:
_ماذا بك رمزي؟ هل أنت بخير؟ ماذا فعلتم؟
صاح بحنق شديد وهو يسقط على الأريكة:
_الأسعار مُبالغ بها أمي، بذلك الشكل لن يتم الزواج بموعده مُطلقًا!
ارتسم الإدراك على ملامح أمه ثم مطت شفتيها بعدم رضا قبل أن تهتف بسخط:
_لِمَ التعجل إذن؟ هل ستطير الملِكة؟ انتظر حتى تُصبح جاهزًا، أو اطلب منها ألا تغالي في طلباتها.
زفر رمزي بغيظ وهو يرد:
_أمي أرجوكِ لا تبدئي الآن، أنتِ تعلمين تمامًا أن يُسْر لا تُغالي في طلباتها، تعلمين أنها ربما لا تهتم أصلًا بالأثاث وشرائه.
جلست أمه بجانبة وهي تُخاطبه بسرعة محاولة إقناعه برأيها:
_إذن لماذا تُقلل من نفسك معها؟ اتركها وابحث عن غيرها، أنا لا أرى بها شيئًا مُميزًا يجعلك تلهث خلفها بذلك الشكل، إنها باردة إلى حد يُثير الأعصاب، وافق أنت وأنا سأساعدك في الحصول على فتاة جميلة حنونة دافئة تستحقها حبيبي!
تأفف رمزي مُغتاظًا من نفس الحديث؛
نفس العبارات؛
نفس العروض الرنانة التي تحاول أمه جذبه عن طريقها؛
يعلم أنها غير راضية عن زواجه من يُسْر..
بالضبط كما زوجة عمه؛
يعلم أن أباه وعمه فقط هما من يُشجعانه على إتمام تلك الزيجة؛
وهو أيضًا يريد ذلك وبأسرع وقت ممكن..
ولِهذا نظر إلى أمه قائلًا بصرامة:
_اسمعي أمي! يُسْر خطيبتي، وبعد أقل من شهرين ستُصبح زوجتي، وكل ما أرجوه منكِ أن تتقبلي ذلك وألا تفتعلي المشاكل معها، من أجلي أنا على الأقل، اتفقنا؟!
مصمصت شفتيها بعدم رضا واضح ثم سألته بنزق:
_وماذا ستفعل في الأثاث؟
شرد رمزي بقلق ثم زفر بتعب قائلًا:
_سأتصرف أمي، حتى ان اضطررت أن أبيع سيارتي، سأفعل أي شيء كي يتم الزفاف بموعده.
عند هذا الحد لم تستطع أمه الإذعان له، فَهبَّت واقفة تصيح بها:
_هل جُننت رمزي؟! ستبيع السيارة التي اشتريتها بصعوبة من أجل الملكة؟! ما الذي تفعله؟ وكيف ومتى سيطرت عليك بهذا الشكل؟
وضع رمزي كفيه فوق شعره وهو يُغمِض عينيه بنفاد صبر قائلًا بهدوء ظاهري:
_يا أمي! أنا من أريد الزواج بسرعة، لا تنس أننا ظللنا مخطوبين لعامين وقد سئمت حقًا، كما أن راتبي جيد وأستطيع بعد بضعة شهور شراء سيارة أخرى بالقسط، أرجوكِ لا تُزيدي من انزعاجي أمي!
وما إن أنهى عبارته حتى وقف مُتجهًا إلى غرفته وأغلق بابها جيدًا، ارتمى بجسده فوق الفراش وبعد لحظات أخرج حافظته الجلدية وفتحها ليتطلع إلى صاحبة العينين السوداوتين التي لم يعشق سواها بحياته..
**********
وبغرفة أخرى بمكان آخر كانت رَغَد تفكر بدورها في الرجل الوحيد الذي أحبته؛
والذي اكتشفت منذ أيام أنها فشلت في إخفاء مشاعرها تجاهه؛
وأن عينيها قد فضحتا عشقها؛
والآن أصبحت تشعر بالحرج الشديد كلما قابلت عيناها عيني باسل بعدما أوضح لها أنه يعلم؛
يعلم بحبها المُستحيل!
وكأن شقيقتها التي تركت بيت زوجها وأقامت معها منذ أسبوع ترغب في تعذيبها عن طريق هذه القصيدة الشعرية التي لم تستمع لسواها طوال الأيام الفائتة
فأجبرتها على الاستماع إليها بدورها..
لينتشر صوت رِهام العذب الهاديء في الغرفة مُرددًا:
وأرفض من نــار حبك أن أستقيلا "
وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقيلا
وما همني
إن خرجت من الحب حيا
وما همني
إن خرجت قتيلا"
نزار قَبَّاني
أخفت رَغَد انفعالاتها وتجاهلت أفكارها وهي تعتدل بفراشها مُتسائلة بخفوت:
_أتحبينه إلى هذه الدرجة رِهام؟
كانت مُحدِّقة بسقف الغرفة بشرود، لكنها ردَّت بدون تردد:
_أعشقه! لم أعشق سواه طوال عمري!
زفرت رَغَد بضيق شديد وهي تهتف بها:
_لِماذا لا تحاولان البدء من جديد إذن؟ ربما يكون ثائر شخص عملي بِشدة وصارم بعض الشيء، لكن لديكما طفلة، تستطيعان المُحاولة من أجلها.
انكمشت ملامح رِهام دفعة واحدة وهي تهُز رأسها رفضًا والدمعات تسيل خارج عينيها قائلة:
_لا أريد رَغَد، لقد انتهينا، لا أريد ثائر بحياتي ثانية.
قامت رَغَد من فراشها واتجهت إلى شقيقتها لتحتضنها، فأجهشت الأخرى بالبكاء بين ذراعيها قائلة بحسرة:
_ليتني لم أقابل ثائر مُطلقًا، ليتني لم أره أبدًا!
شددت رَغَد من احتضانها لشقيقتها وهي تؤمن على دعوتها سرًا:
_ليتكِ لم تقابليه رِهام..
**********
ترجل رمزي من سيارته وهو يتجه إلى مقر عمله مُحاوِلًا ترتيب أفكاره التي تتصارع داخل عقله بجنون منذ عدة أيام..
الوقت يمر وهو يخاف حقًا من تراجع يُسْر الذي لن يستغرب حدوثه قريبًا..
لطالما شعر بالضيق من نفسه بسبب إصراره على الارتباط بفتاة لا تشعر تجاهه بأية مشاعر دون الاخوة، لكنه يعود ليقنع نفسه أنهما سيجدان طريقة سويًا مُستقبلًا..
يُسْر ابنة عمه؛
يستطيع قراءة أفكارها بإتقان؛
يُسْر لن تخذله؛
يُسْر لن تتركه وترحل؛
يُسْر لن تدعس قلبه بقدمها وهو مُتأكد من ذلك؛
ما ينقصه فقط هو الحصول على قلبها!
ارتسم التصميم على ملامحه وهو يلج من باب الشركة الضخم ليُلاحظ على الفور حالة الهرج والمرج السائدة بين الموظفين..
ثم استقل المصعد والتوتر يحتاجه بدوره بلا سبب واضح..
...
"يا إلهي! هل قامت الحرب؟"
هتف رمزي بهذه العبارة وهو يدخل إلى غرفة المكتب الواسعة المُشتركة التي تجمع بينه وبين زملائه، ليرد عليه أحدهم قائلًا بحماس بدا متناقضًا مع فحوى كلماته:
_الجميع يتلقَّى الخصومات منذ الصباح، ولا ندري لذلك سببًا.
نظر رمزي له بدهشة قائلًا:
_ولماذا أنت سعيد بذلك الشكل؟ هل قسم المحاسبة مُحصَّن ضد الخصم أم ماذا؟
هزَّ زميل آخر رأسه نفيًا وهو يرتب بعض الأوراق على مكتبه ويتخلص من بعض المُهملا بسرعة قبل أن يهتف حانقًا:
_لا يوجد أية تحصينات، الضرر قد عمَّ الجميع هنا ولن أستبعد أن يصل إلينا، لقد عاد من سفره ووضع رؤوس الجميع تحت المِقصلة.
جلس رمزي على المقعد خلف مكتبه وهو يولي ظهره للباب قائلًا برجاء:
_لا تقل هذا! أنا أحتاج إلى كل جنيه هذه الأيام، بالكاد أستطيع تدبير مصاريف الزفاف!
"وهل يجب علينا تحمُّل مصاريف زفاف سيادتك مُقابل ثرثرتك الفارغة؟"
هبَ رمزي مستديرًا بقلق بينما عمَّ الصمت أنحاء المكتب..
حدَّق في الرجل صاحب النظرة القاسية، ورغمًا عنه لم يستطع إخفاء نظرة حاقِدة تجاهه؛
المُتعجرِف؛
الجاف؛
عديم الرحمة؛
والذي هو_للأسف_ رب عمله!
باستثناء جميع الناس هو رب عمله الذي لا يستطيع المُجازفة بفقدانه هذه الأيام..
ليكظم غيظه في لحظة وهو يتهرَّب بعينيه منه قائلًا بخفوت:
_أعتذر ثائر بِك.
وإن كان ينتظر ردًَّا فسيجب عليه التحلِّي بالصبر؛
وبعد ثوانِ مُتعددة وصله الرد أخيرًا بكل برود:
_يُخصَم منك يومًا كاملًا حتى لا تُهدِر وقت زملائك في كلام تافه، وإن تكرر الأمر سيتم فصلك نهائيًا..
سكت للحظات ثم أردف بجمود:
_مبارك الزفاف الوشيك أستاذ رمزي!
وبمنتهى الهدوء انصرف تلحقه سكرتيرته التي تلهث خلفه بكل مكان؛
ليسقط رمزي على مقعده مرة أخرى متقبلًا مواساة زملائه بقهر واضح..
**********
"هذا تطور كبير، أتذكر جيدًا أن سُهيلة كانت ترفض تحمل مسئولية المحل من قبل."
هتفت بها فيروز وهي تضع قطعة من الشطيرة في فم يُسْر بينما الأخيرة تُحدِّق بكامل تركيزها في الحاسب النقَّال كي تُنهي المقال المطلوب منها.
_أنا أيضًا ذُهِلت، ولم أصدِّق ذلك في أول الأمر، إلا أنها حريصة على الحضور مُبكرًا يوميًا واستقبال الزبائن، حتى أنني استطعت تحرير عدة مقالات خلال هذا الأسبوع بفضل مساعدتها.
نفضت فيروز يديها وهي تجمع بقايا طعام إفطارهما ثم قالت:
_ربما ذلك النذل كان الدفعة التي جعلتها تفيق أخيرًا.
مطت يُسْر شفتيها ثم اتجهت إلى الخلف لتغسل يديها على المِغسلة بالغرفة الصغيرة المُلحَقة وهي تهتف:
_لا أعلم فيروز، لكن حالها لا يعجبني إطلاقًا، دومًا شاردة والحزن يصرخ بوجهها، لا أجد طريقة لِمُساعدتها.
خاطبتها فيروز بهدوء بعدما عادت إليها قائلة:
_تحتاج لبعض الوقت بالطبع يا يُسْر، لا تتعجلوها.
شردت يُسْر بحزن مُتمتِمة:
_أنا فقط أريد أن أراها سعيدة مُنطلقة مثلما كانت دومًا.
ابتسمت فيروز بمكر مُتسائلة:
_وأنتِ متى ستنطلقين؟
ضحكت يُسْر تحاول إخفاء سُخرية واضحة:
_أنا على ما يبدو لا يليق بي الانطلاق، سأظل جامدة كالصنم طوال عُمري.
زمَّت فيروز شفتيها بغيظ وهي تصيح بها باستنكار:
_كيف تتحملين كل هذه الطاقة السلبية بداخلك يُسْر؟
هزَّت يُسْر كتفيها بلامبالاة وتمسكت بصمت شارد قليلًا ثم رَدَّت باقتناع تام:
_ما تُسمينه أنتِ طاقة سلبية أسميه أنا إقرار بالواقع آنسة فيروز.
زفرت فيروز بغيظ لم تحاول مُداراته عنها..
ستبقى يُسْر دائمًا هكذا؛
رأس يابس؛
تعقُّل مبالغ به؛
برود يُثير الغيظ؛
حتى تحدث معجزة ما تمنحها اشتعالًا لا تجد منه مفرًا!
تمسكت بحقيبتها وهي تُعدِّل من وشاحها ببطء فسألتها يُسْر باستغراب:
_إلى أين ستذهبين فيروز؟ ابقي معي قليلًا، أمي تقول أن سُهيلة مُتعبة ولن تحضر اليوم.
وبدون أن تنظر لها ردَّت بنزق:
_أنتِ تعلمين أن لديّ عمل له مواعيد حضور وانصراف، لستُ مثلك أعمل عن طريق شبكة "الإنترنت"، أليس كذلك؟!
لكن يُسْر ألحَّت برجاء:
_لا تزال هناك ساعتين على موعد عملك يا فتاة، ابقي معي سنثرثر قليلًا.
هزَّت فيروز رأسها رفضًا ببطء مرددة باعتذار:
_مرة أخرى يُسْر، سأذهب إلى خطيبي المُبجل الذي تغير حاله فجأة واختفى منذ أيام، أشعر أن هناك طاريء ما.
والنظرة القلِقة التي احتلت وجه يُسْر فجأة لم تلحظها فيروز وهي تُخرِج هاتفها الذي يهتز بحقيبتها، اتسعت ابتسامتها فجأة وهي تقول:
_ها هو يتصل ما إن أذكره.
وضعت الهاتف على أذنها مُبتسمة بمرح قائلة:
_مرحبًا تميم!
**********
منذ أن فتحت سُهيلة عينيها صباحًا وهي تشعر بدوار عنيف، كلما همت بالوقوف شعرت بأن الأرض تميد بها، وما زاد في إزعاجها تلك الاتصالات المُتكررة فلا يكلف المُتصل نفسه عناء الرد..
وكل ما يصلها أنفاس!
فقط أنفاس؛
تُجزِم هي بأنها أنفاس غاضبة!
هل دوارها يسبب لها الهذيان؟!
كيف لها أن تستشعر الغضب بدون كلمات؟!
دخلت أمها حاملة كوبًا زُجاجيًا يحوي سائلًا دافئًا فقالت بملل:
_أمي أخبرتك أنني لا أطيق رائحة ذلك السائل، أرجوكِ لا تضغطي عليّ أكثر!
جلست أمها بجوارها وهي تساعدها على إسناد ظهرها على الوسادة قائلة بحزم:
_ستشربينه سُهيلة، ستشربينه كله واليوم سنذهب إلى الطبيبة كي تخبرنا بأسباب شحوب وجهك ودوارك المستمر ولا.....
بترت عبلة عبارتها وهي تُحدِّق في وجه ابنتها بذعر، فعقدت سُهيلة حاجبيها بدهشة وهي تتسائل بتعب:
_ماذا بكِ أمي؟ لِمَ تخشب جسدك هكذا؟
وبعد لحظات عثرت أمها على صوتها وهي تسألها بصوت مُتحشرج:
_أنتِ لستِ حاملًا سُهيلة، أليس كذلك؟
والذعر انطلق على الفور إلى سُهيلة التي انتفضت فجأة وهي تفغر فاها بصدمة!
***** نهاية الفصل الثاني*****
في انتظار آرائكم

آلاء الليل 07-02-21 12:50 AM

فصل جميل و قصص واقعية و شخصيات فريدة 👏👏👏👏👏👏👏السرد و اللغة دائما روعة في انتظار الأحداث القادمة بشوق 💗💗💗💗💗💗💗💗💗💗

rowo 07-02-21 11:35 AM

فين باقى الروايه مستنياها بفارغ الصبر ❤

سعاد (أمواج أرجوانية) 07-02-21 11:46 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آلاء الليل (المشاركة 15340416)
فصل جميل و قصص واقعية و شخصيات فريدة 👏👏👏👏👏👏👏السرد و اللغة دائما روعة في انتظار الأحداث القادمة بشوق 💗💗💗💗💗💗💗💗💗💗

حبيبتي تسلميلي ❤️❤️
مبسوطة انه عجبك 😍😍😍

سعاد (أمواج أرجوانية) 07-02-21 11:47 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة rowo (المشاركة 15340976)
فين باقى الروايه مستنياها بفارغ الصبر ❤

المواعيد كل سبت الساعة 11 بإذن الله 😍😍😍
يا رب تعجبك ❤️

غدا يوم اخر 08-02-21 03:20 AM

روايةجميله بارعة
كرهت يسر مافي اوسخ منها عينها علي خطيب صاحبتها
سهيلة حامل
ثائر هل اثر فيه زعل زوجته هل علم بطلبها للطلاق الطفل المدلل
حتى اخوه طفل مدلل ماتعامل بنضج وهو محاوله فصل عمله عن اخوه وخل الابمع زوجبنته يتصافون ويكسرون بعضهم هل ابنته صاحب المقهى مثل توقعات خطيبها والا تستهدف امواله

سعاد (أمواج أرجوانية) 10-02-21 03:54 PM

اقتباس من الفصل الثالث👇🏻
***
لقد كنت تلقي عليّ كلمات الحب دومًا يا ثائر.
عقد حاجبيه بدهشة مُفتعلة وهو يسألها مُستنكرًا:
_أتقترحين عليّ أن أعبر عن حب لكِ لا يوجد في الأصل رِهام؟!
وانحدرت دمعاتها المُتحسرة وهي تُعلِّق بخفوت:
_أتساءل فقط يا ثائر، أتساءل لو أنك تشعر برجفة في قلبك لا تستطيع التحكم بها، باشتياق ضاري لاإرادي إلى وصال روح أخرى، بما يشعر به شخص عادي من حنين وحاجة إلى آخر بعينه!
انقلبت ملامحه من السُخرية إلى الإرهاب بلحظة، ثم ما لبث أن زم شفتيه مُتظاهرًا بالتفكير وهو يهز رأسه قائلًا:
_ربما لديكِ وِجهة نظر تُحترم.
حدَّق بعينيها السوداوتين البريئتين بمنتهى البرود وهو يُتابع:
_ما رأيك إذن إن بحثت عن تلك المشاعر التي تتحدثين عنها؟
ثم أردف ببطء مُشددًا:
_لكن بالطبع ليس معِك أنتِ.
وبابتسامة مُتشفية توقف قليلًا ثم استكمل موضحًا:
_أقصد أن أبحث عن أخرى على النقيض تمامًا منكِ، لا تمتلك هذا الضعف الذي يثير اشمئزازي، ولا تنوح طوال الوقت فتصرع رأسي، ولا تدور حولي متوسلة رحمة لا أملكها تجاهها.
وبهمس كريه استطرد محدقًا بشعرها الأسود وبعينيها المثيلتين:
_ربما سأختارها أيضًا شقراء متغنجة، بعينين ملونتين ضاحكتين، حتى نبرة صوتها ستكون مُدللة!
ومال برأسه مُقترِبًا منها مُتسائلًا بسُخرية:
_تُرى هل يتحمل كِبرياؤك شيء مثل هذا؟ هل تتحمل كرامتك _التي أشك بوجودها_ حضور أخرى؟
وأردف بشماتة:
_تعلمين أنه من حقي.. من حقي الزواج بأخرى!
***
معادنا يوم السبت إن شاء الله الساعة 11 ❤️❤️

غدا يوم اخر 10-02-21 09:16 PM

ياليتني ماقريت الاقتباس من الاصل غاضبه منه وهو يتجاهل زوجته ويهمشها فكيف معها قلة ادب واهانة

سعاد (أمواج أرجوانية) 10-02-21 11:41 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غدا يوم اخر (المشاركة 15342649)
روايةجميله بارعة
كرهت يسر مافي اوسخ منها عينها علي خطيب صاحبتها
سهيلة حامل
ثائر هل اثر فيه زعل زوجته هل علم بطلبها للطلاق الطفل المدلل
حتى اخوه طفل مدلل ماتعامل بنضج وهو محاوله فصل عمله عن اخوه وخل الابمع زوجبنته يتصافون ويكسرون بعضهم هل ابنته صاحب المقهى مثل توقعات خطيبها والا تستهدف امواله

تسلميلي حبيبتي فرحت بمتابعتك جدا ❤️❤️
ان شاء الله من الفصل الجاي الأحداث هاتبان على حقيقتها أمور😍

سعاد (أمواج أرجوانية) 10-02-21 11:42 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غدا يوم اخر (المشاركة 15348121)
ياليتني ماقريت الاقتباس من الاصل غاضبه منه وهو يتجاهل زوجته ويهمشها فكيف معها قلة ادب واهانة

الفصل الجاي ان شاء الله في مفاجأة بالنسبة لثائر ورهام🤦🏻‍♀️😂

هدى سلطان 11-02-21 01:58 AM

كنا في انتظار بشوق وزدنا الاقتباس شوقا على شوق
هذا ثائر يزعجني منذ البداية

رشا محمد ياسين 12-02-21 04:36 AM

من اجمل الروايات
بالتوفيق دايما يا سوسو

آلاء الليل 12-02-21 05:52 PM

وااااااااه شخصية ثائر مستفزة لأبعد حد واو يعني تجاهل ثم إهانة 😡😡😡😡😡😡😡لكن معه حق اذا كان يظنها ضعيفة عليها البدء في تغيير فكرته عنها و اول خطوة هي ان تتنازل و تتركه فربما يعرف قيمتها بعد فقدانها
في انتظار الأحداث القادمة تبدو الرواية مشوقة 😘😘😘😘😘😘😘

سعاد (أمواج أرجوانية) 13-02-21 01:46 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هدى سلطان (المشاركة 15349022)
كنا في انتظار بشوق وزدنا الاقتباس شوقا على شوق
هذا ثائر يزعجني منذ البداية

هانتظر رأيك بكره كمان ان شاء الله ❤️❤️

سعاد (أمواج أرجوانية) 13-02-21 01:47 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشا محمد ياسين (المشاركة 15351389)
من اجمل الروايات
بالتوفيق دايما يا سوسو

تسلميلي يا رشا 😍😍😍

سعاد (أمواج أرجوانية) 13-02-21 01:48 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آلاء الليل (المشاركة 15352046)
وااااااااه شخصية ثائر مستفزة لأبعد حد واو يعني تجاهل ثم إهانة 😡😡😡😡😡😡😡لكن معه حق اذا كان يظنها ضعيفة عليها البدء في تغيير فكرته عنها و اول خطوة هي ان تتنازل و تتركه فربما يعرف قيمتها بعد فقدانها
في انتظار الأحداث القادمة تبدو الرواية مشوقة 😘😘😘😘😘😘😘

يا رب تعجبك للآخر حبيبتي ❤️❤️❤️
بكره ان شاء الله هانتظر رأيك 😍


الساعة الآن 02:10 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.