10-02-22, 04:27 PM | #649 | |||||||
كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء
| الفصل الرابع عشر الجزء الأول يفيق ببطء شديد ، بتردد كاره للنور الذي سيهاجم عينيه ما إن يفتحهما و لذلك الألم في صدره الذي يصاحب عودة وعيه . بين الضباب الكثيف الذي حاوط عقله لفت مشاهد مبتورة سريعة رافقتها صرخات مستنجدة فعاد لإغماض عينيه بقوة و نفى كل ثرثرة دواخله للصمت و الظلام . بعد فترة ، على السرير ، جلس خاملا يغلف نفسه بطبقة تبلد متعمد تفعل به مثل تأثير المخدر و تمنع تسرب أي شيء لحواسه . سمع طرقات ملحة لا استئذان فيها فازداد عبوس وجهه العابس و قبل أن تبدر منه ردة فعل فتح الباب و دخلت أمه تسبقها موجة عطرها اللاذع للحواس . أشاح عنها فورا بوجهه بينما سقطت جميع خطوط وجهها من الحدة إلى الفزع و هي تتأمل بغصة ثقيلة شدة امتقاعه و تحدق بمقلتين مضطربتين في سلكي الأوكسيجين الخارجين من أنفه . أفرجت عن تنهد مرتجف ثم تقدمت منه في هستيريا بالكاد تنجح في السيطرة عليها . لحظات طويلة قضتها واقفة بجواره ترتجف تحت عواصف صدرها الشتّى ، لم يحرك هو أثناءها ساكنا فأطلقت زفيرا ملتهبا ثم لطمت طرف سريره بحقيبتها . التفت لها و قد اتسعت فتحتا أنفه في استعراض لرغبته في الهجوم لتشتبك ألسنة نيران غضبه بالبراكين المعربدة في نظرتها . - لماذا ؟ فحت ببحة صارخة من خلال شفتيها المبيضتين فسألها مستخفا ، قاسيا باردا غير مصدق و لا متعاطفا : - لماذا ماذا ؟ انفلت ما تبقى من عقالها و صعدت درجة صوتها للصراخ الصريح : - لماذا تصر في كل مرة على أن تحطمني أكثر ؟ أن تجرحني أكثر ؟ أن تقتلني أكثر؟ لماذا تريد أن تذلني أمام كل الناس ؟ للحظة كاد يجوز عليه حنانها المقهور و شعر بما كان ميتا نحوها يتحرك لكن جملتها الأخيرة أعادته لمربع القسو ة فهتف بغله الذي عاد و اشتعل : - اسمعيني جيدا يا جيجي ، لست متفرغا للدراما الخاصة بك تفضلي و اتركيني في حالي و لا تمثلي أمومتك الدفينة على حسابي !! - أمومتي الدفينة ! تهدلت ذراعاها بجانبها مثقلة بالخذلان الذي أورثته كلماته فيها ، حقده عليها الذي لم تعرف أبدا كيف تشفيه يسري فيها كالسم فتحدق فيه بنظرات مات فيها كل رجاء فيه . - أمومتي الدفينة من دفنها ؟ على خديها الممتقعين سالت دموعها تنعي أمومة عرجاء عاجزة معطوبة ، عيناها اتسعتا تصبان كل انفعالات روحها داخل عينيه المتشبثين بصلف عنيد ، صلف الالتزام بالمحاسبة ، و عند البعد عن إمكانية السماح . وصل سيل دموعها حتى شفتيها فتسربت ملوحتها إلى حلقها و حينها تزحزحت غصتها لتهمس بالقول المختنق : - من الذي دفنها سابقا و يصر على دفن ما تبقى لي منها بكل ما يفعله التمعت عيناه بقسوة غالب فيها و بها انكساره للتعاطف . هو لا يجيد التعاطف و لا يريده و في كل الأحوال جيجي لا تستحقه . - لعلمك ليست أمومتي فقط هي الدفينة ، أنا نفسي دفينة جيجي ميتة منذ زمن طويل و أنت غير دار بها أنا مستمرة بالوقوف و لا أريد أن أنحني و أنكسر كي لا أرى الشماتة في عيون من ينتظرون سقوطي لكن ربنا وحده هو العالم بحالي اتجه إصبعها نحو صدره متهما ، مرتجفا بالغضب و الحسرة و عميق الخسارة . - أنت أعمى و أناني و معدوم الإحساس لأنك لو كنت تحس و تشعر لعرفت أن جيجي مازالت على قيد الحياة فقط من أجلك أنت - شكرا صدرت عنه موجزة جافة صارمة كحال كلمات الطرد فحدقت فيه بصمت في عمق يأسها . أنانيا في تباعده ، قاسيا في بروده ، مختبئا وراء جموده متحررا من قيد الأمومة الذي يربطها رغما عنها إليه ، جاهلا بالنار التي تلسعها بين لومه و حبه و رغبتها في إنقاذه . فتحت حقيبتها و أخرجت منها مرآتها الصغيرة ، قابلها انعكاسها المشوش فرفعت رأسها توقف تدفق دموعها ثم تمتمت بخواء : - أصبحت فظا جدا و بلغت حدا مؤسفا من نكران الجميل ، دعني أنصحك كغريبة بما أنك لم تقبلني يوما كأم : بعد أن تسترد عافيتك أول شيء عليك أن تفعله هو أن تعالج الفوضى المزرية التي بداخلك رتّبت خصلاتها ، مسحت الكحل السائل تحت عينيها ثم أعادت وضعه . أزال الحزن ما تبذله من جهد في إبداء جمالها لكنها لم تبال و سارت نحو الباب بنفس الهيئة التي عهدها منها الناس ، تسير برشاقة و كعب عال واثق مع ذلك رفعة رأسها المبالغ فيها لمسته و ارتجاف يدها الفارغة أعاد له ذكرى مسكة أصابعها لكف آسيا أشاح بوجهه عنها ، فارضا بارتفاع ذقنه و احتداد نظرته استمراره في تباعده و استدراكا لجفائه ، ربما غصتها اليوم حقيقية لكن زاحمتها في نفسه عشرات الغصص الماضية الكاذبة . توقفت هي على بعد خطوة من الباب ، في عينيها نظرة من أضاع أغلى أشيائه و تفتت سنوات عمره إلى هباء . - هل تظن أنك كلما صغرتني أنا في قلبك ستكبر في عين نفسك ؟ التفت إليها فألقت إليه نظرة طويلة حزينة معدية المرارة قبل أن تقهر قلبها الذليل إلى كلمة احتياج واحدة منه و تقتلع قدميها من الأرض و تغادر . و بخروجها المندفع من الغرفة تعميها دموعها ارتد إليه جميع الألم الذي عرف اللحظة كم أراد إحداثه فيها . ** ** | |||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|