آخر 10 مشاركات
فرسان على جمر الغضى *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          [تحميل] يدري إن أسباب ضعفي نظرته يدري إني ما أقاوم ضحكته بقلم/ساكبت العود جميع الصيغ (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          30 - الضائعون - روميليا لاين - ق.ع.ق ( مكتبة زهران ) (الكاتـب : عنووود - )           »          إحساس جديد *متميزة و مكتملة* (الكاتـب : سحابه نقيه 1 - )           »          كل مخلص في الهوى واعزتي له...لوتروح سنين عمره ينتظرها *مكتملة* (الكاتـب : امان القلب - )           »          نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (الكاتـب : الحكم لله - )           »          1022 - ألعاب النخبة - دايانا هاميلتون - د.ن (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          هائمون في مضمار العشق (2) .. سلسلة النهاية * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          1018 -الحب المستحيل - بني جوردان - عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          1017-درب الفردوس شيرلي كمب - عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1100Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-07-21, 11:26 PM   #91

مهندمروان
 
الصورة الرمزية مهندمروان

? العضوٌ??? » 381954
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 148
?  نُقآطِيْ » مهندمروان is on a distinguished road
افتراضي


الفصل معاده امتي

مهندمروان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-07-21, 12:58 PM   #92

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مهندمروان مشاهدة المشاركة
الفصل معاده امتي

لا يوجد فصل بهذا الاسبوع بسبب تجهيزات العيد ، لذا يؤجل الفصل السابع عشر لبعد العيد بيوم السبت القادم ، وكل عام وانتم بخير 🌹🌹


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-07-21, 02:06 PM   #93

Vty

? العضوٌ??? » 409199
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 217
?  نُقآطِيْ » Vty is on a distinguished road
افتراضي

شكرا جزيلا وبالتوفيق

Vty غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-07-21, 08:12 PM   #94

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة vty مشاهدة المشاركة
شكرا جزيلا وبالتوفيق

تسلمي حبيبتي 🌹🌹


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-07-21, 08:15 PM   #95

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

دقائق وينزل الفصلين السابع عشر والثامن عشر من رواية بحر من دموع بمناسبة عيد الأضحى المبارك وتعويض عن الاسبوع إلي فات كونوا بالانتظار........ 🌸🌸

روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-07-21, 08:30 PM   #96

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل السابع عشر

الفصل السابع عشر...........
كانت منشغلة بترتيب الملابس بداخل الحقائب بحركات آلية وهي تتنقل بين غرفتها وغرفة شقيقتها بالتتابع وبشرود طغى على نظراتها الشاحبة ، لتتوقف بعدها امام حقائب شقيقتها فجأة وهي تحيد بنظراتها جانبا وتحديدا باتجاه الجامدة بمكانها والجالسة على طرف السرير وهي تتلمس بكفها المفكرة بحجرها بشرود غائم وهذا حالها منذ عودتها من عملها المزعوم .

ابتسمت بصرامة وهي تستقيم بوقوفها بعيدا عن الحقيبة لتمسك عندها بخصرها بيديها وهي تقول بجدية باردة
"إلى متى ستبقين جامدة هكذا بدون اي حركة وانا ارتب حقائبكِ عنكِ بدل ان ترتبيها انتِ ، فأنا ليس لدي الوقت بطوله لأفعل كل شيء لوحدي بدون اي مساعدة منكِ"

عقدت حاجبيها بغضب وهي تتقدم نحوها عدة خطوات لتقف بعدها امامها تماما وهي تهمس باقتضاب
"ما بكِ ، لما لا تجيبين على سؤالي يا ماسة"

ردت عليها وهي تتنفس بهدوء منقبض مخفضة نظراتها للأسفل بوجوم
"لقد تذكرت ذلك اليوم والذي انتقلنا به من منزل قيس القديم ، لنذهب لمكان لا يتشابه بمنزلنا القديم وحياتنا بشيء ونحن ندخل لعالم آخر لم نكن نعلم عنه بالواقع وعن مدى سوئه وسوء القاطنين بالمنطقة"

ارتجفت ملامح وجهها والصرامة تختفي عنها تدريجيا ليحل مكانها الحزن العميق لذكريات بحياتهما كان منها القبيح والجميل وقد كان يطغى على أغلبها القبيح منذ وفاة والدتهما ليعيشا عندها حياة اليتم الحقيقي تحت ظل زوج والدتهما ! قالت بعدها بلحظات بعبوس متصلب وهي تقبض على كفيها بارتباك
"ما لذي جعلكِ تتذكرين هذا الآن"

رفعت (ماسة) وجهها الجامد باتجاهها وهي تهمس بابتسامة شاردة بقنوط
"تذكرت عندما رأيتكِ وانتِ تجهزين الحقائب وهذا ما حدث ايضا عندما ابلغنا قيس باقتراب موعد الرحيل وتجهيز كل الحقائب اللازمة لمغادرة ذلك المنزل المتواضع والذي عشنا به كل ذكريات طفولتنا مع والدتنا على مدار ست سنوات كاملة ، بوقتها كنتِ مشغولة بتجهيز الحقائب بسرعة بدون ان تسمحي لي بتقديم يد المساعدة لكِ"

اومأت برأسها بشحوب وابتسامة صغيرة تحاول الصعود على شفتيها بصعوبة ، لتتنهد بعدها باتزان وهي تجلس بجانبها على طرف السرير لتقول بلحظة بخفوت مبتسم وحدقتيها الخضراوين تنظران بعيدا عنها
"اجل اذكر وكيف تريديني ان انسى مثل هذه الذكريات الجميلة ، لقد كنتِ بوقتها تجلسين بزاوية بعيدة من زوايا الغرفة بجانب السرير وانتِ تبكين بصمت بدون ان يراكِ احد وقد كنتِ ايضا تتمنين ألا ترحلي عن المنزل وأن يغير قيس رأيه بالرحيل عنه ، وحتى انكِ قد عاندتِ كثيرا بالرحيل وبقيتِ ملتصقة بمكانكِ وانتِ تهددين بعدم الرحيل"

ابتسمت بمرارة ساخرة وهي تشدد من القبض على كفيها فوق المفكرة بجمود ما ان تذكرت الأفكار الساذجة والتي كانت تدور برأسها آن ذاك وكل ما كان يهمها بذاك الوقت هو ان تبقى بمنزل طفولتها مع شقيقتها وصديقتها (صفاء) وهي خائفة من خسارة الجنينة الخاصة بساحة لعبهما والتي كانت تلهو بها فيما مضى وغرفتها الكبيرة الخاصة بها هي وشقيقتها والتي كانت تنام بها معها بعد حديث مطول يخوضانه بينهما قبل ان تغرق كلاهما بالنوم ، ولم تكن تعلم بأن هذه الخسائر ستكون لا شيء امام ما خسرته بعدها من كرامة وثقة بالنفس اصبحت مجرد كلمات بالنسبة لها لا معنى لها ؟

اشاحت بوجهها بعيدا عنها بقوة وهي تهمس بخفوت منفعل
"لأني كنت مجرد طفلة بلهاء لا تفكر سوى باللعب والخوف من خسارة منزل كان يمثل لها كل شيء بحياتها وعالمها الخاص بها ، ولكنها قد افاقت على نفسها وعرفت بأنه لا شيء جميل بالحياة يدوم للنهاية قبل خسارته بطريقة شنيعة بعد ان كان بين يديكِ يوما ما"

احنت حدقتيها الخضراء بحزن وهي تنظر لها بهدوء لترفع عندها يدها وهي تربت بها على كتفها بخفة قائلة بابتسامة حانية
"لا تفكري بهذه الطريقة يا ماسة ، فهذه طفولتنا نحن وتبقى دائما عالقة بقلوبنا كذكرى جميلة لا تنسى فلولا هذه الذكريات لما كنا استطعنا الاستمرار بالحياة بقوة بدون ان يؤثر بنا شيء فهي التي تمنعنا من التفكير بسلبية بالحياة القادمة ، لذا تفاءلي قليلا وابعدي عنكِ هذا العبوس لأنني احتاج إليكِ بجانبي كما انتِ"

حادت بنظراتها القاتمة نحوها بجمود وهي تعض على طرف شفتيها بألم مرتعش للحظات ، لتنتفض بعدها واقفة من جانبها وهي تقول ببرود بعد ان عادت لقناع اللامبالاة
"هيا لنجهز حقائبنا بسرعة فقد تأخرنا كثيرا على زوجك وقد يرحل ويتركنا هنا"

نظرت بعينيها الشاحبة باتجاه شقيقتها وهي تسير بعيدا عنها باتجاه حقائبها لتدس المفكرة مع ملابسها بداخلها بقوة بدون ان ترتبها كما كانت تفعل ، تنهدت بهدوء لثواني وهي تقف عن السرير لتسير باتجاهها بتمهل ، وما ان وصلت لها حتى قالت من استدارت نحوها بعنف وهي تضع حزام الحقيبة على كتفها
"انا سأحمل حقائبي بنفسي ، وانتِ اذهبي واحضري حقائبك يا روميساء"

فتحت شفتيها تنوي الكلام لولا التي سبقتها بالخروج من الغرفة وهي تحاول التوازن بالحقائب والتي كانت تضعها على كتفها والأخرى تمسكها بيدها ، لتزفر بعدها انفاسها بإنهاك وهي تخرج من الغرفة لتتجه لغرفتها المجاورة لها ، وبعد ان امسكت بحقائبها وتأكدت من ترتيب الأغراض بداخلها حتى خرجت من الغرفة لتلحق بشقيقتها الأخرى .

وقفت بتجمد ما ان لمحت الذي كان واقفا عند باب الشقة وهو ينظر لها بهدوء وباتزان وضخامته تملئ المكان بطوله ليسد عليهما الطريق والحقيقة بأنها لم تواجهه بنظراتها او تتكلم معه بعد زيارته الأخيرة لهما والتي اعلن بها عن خبر عودتهما لمنزل خالهما وهي من جهتها قد تجاهلت التكلم معه عن الموضوع وكأن شيء لم يكن وحتى بطريق إيصالها وعودتها من المدرسة كان يسود بينهما الصمت بدون ان ينطق اي منهما بكلمة يقطع بها حاجز الصمت بينهما ، وهي تشعر بأن الرابط الخفي والذي كان يجمعهما من الثقة قد انكسر بآخر مواجهة بينهما ليتحول لخذلان سيلازمهما طيلة حياتهما القادمة .

ابتلعت ريقها بقوة وهي تتمسك بالحقائب بيديها قبل ان تتحرك باتجاه باب الشقة بجمود خافت ، وما ان وصلت لمحاذاته حتى امسك بذراعها ليوقفها وهو يقول بابتسامة هادئة
"هل يمكنني مساعدتكِ بحمل الحقائب ، فهي تبدو ثقيلة عليكِ"

تشنجت اطرافها وهي تبعد ذراعها عنه بهدوء قائلة بتصلب تتكلم به لأول مرة امامه
"شكرا ولكني لا احتاج للمساعدة ، استطيع تدبير امري لوحدي كما كنت افعل منذ سنوات"

عقد حاجبيه بحدة وهو يقبض على يده والتي كانت تمسك بذراعها ليخفضها بعيدا عنها بهدوء وصمت دام لدقائق معدودة ، ليقطعها بعدها صوت (ماسة) الساخر كعادتها وهي تقول بالقرب منهما
"هل سنبقى واقفين هنا طول اليوم ، لأنني حقا لم اعد اشعر بذراعيّ من الحقائب"

تنفست (روميساء) بكبت وهي تحرك رأسها بيأس منها قبل ان تكمل طريقها لخارج الشقة وبعد ان ابتعد (احمد) عن سد الطريق امامها ، بينما كانت نظراته تتابعها بغموض متصلب بدون اي تعبير .

ابتسمت (ماسة) ببرود وهي تتقدم باتجاهه بثبات وما ان وقفت بجانبه حتى قالت بخفوت متصلب
"هل تستطيع مساعدتي بحمل حقائبي"

التفت بسرعة نحوها وهو يعقد حاجبيه بتفكير وببعض الصدمة قبل ان يمد ذراعيه بتصلب امامها وهو يقول باقتضاب
"اجل لا امانع ، اعطني حقائبكِ عنكِ"

نظرت لذراعيه للحظات قبل ان تسلمه حقائبها بهدوء ، ليمسك بحقائبها بالمقابل وهو يضعها فوق كتفه والأخرى يمسكها بيده قبل ان يتغضن جبينه بجمود ما ان قالت المقابلة له بهدوء جاد
"لقد اخطئت كثيرا يا احمد بما فعلته ، فأنت لا تعلم كم روميساء قاسية بالعتاب وخاصة عندما يتعلق الأمر بكسر الثقة من المقربين منها ، لذا بالتوفيق بمهمة إرضائها"

تجمدت ملامحه ببرود وهو يعض على طرف شفتيه بتصلب ولم ينتبه بعدها لخروجها من الشقة وهي تتجاوزه بعيدا بصمت ، ليحيد بعدها بنظراته لباب الشقة وهو يتنهد بتعب استبد به لأول مرة وهو الذي لا يهده شيء لتهد تلك الفتاة صلابته وهدوءه والذي كان يفتخر به دائما طيلة سنوات حياته وكله بسبب تلك العاتبة !

______________________________
دخلت للمنزل تسبقهما بهدوء لتتوقف فجأة بجمود وهي تنظر لمدخله الفارغ بدون ان يتبرع احد بالقدوم لاستقبالهما بعكس زيارتهما الأولى للمنزل ، فيبدو بأنهم هذه المرة لم يعودوا يرغبون بوجودهم بينهم بعد ما حدث بحفلة شراكة العائلة وهروبهم بعدها من المنزل متسللين لينتهي كل هذا بزواجها من ابن العائلة بدون علم احد ؟ وقد تكون الآن قد اصبحت بقائمة الأعداء السوداء بالنسبة لهم ؟

تنهدت بهدوء ما ان وقفت (ماسة) بجانبها وهي تهمس بسخرية مقيتة
"رائع لم ارى بحياتي مثل هذا الاستقبال الطريف بزيارتي الثانية لمنزل خالي ، والذي يدفعني لأفكر ما لذي نفعله هنا من الأساس وما مكاننا بهذا المنزل الكئيب"

اشاحت بعينيها الخضراء بعيدا عنها بجمود وهي تتمسك بحزام الحقائب بقوة بدون ان يؤثر ثقلها على قوتها وجبروتها وهي تقف باستقامة متصلبة شبيهة بوقفتها امام طلابها ، قطع عليهما شرودهما الذي دخل من باب المنزل خلفهما وهو يسير بثبات بالقرب منهما قائلا بارتفاع وببعض الخشونة
"اسماء تعالي إلى هنا بسرعة"

تقدمت الخادمة المطلوبة وهي تجري نحوه وما ان وقفت امامه بطاعة حتى مد ذراعيه بالحقائب قائلا بهدوء آمر
"خذي هذه الحقائب وأوصليها لغرفة الآنسة ماسة والتي طلبت منكِ تجهيزها ، هيا بسرعة"

امسكت الخادمة بالحقائب بسرعة قبل ان تومأ برأسها بالإيجاب وهي تسير بعيدا عنه باتجاه السلالم ، بينما كانت النظرات المتسعة بحيرة محدقة به بوجوم تنتظر تفسيرا لما طلبه الآن من الخادمة وهو يحدد غرفة معينة باسم (ماسة) فقط ؟

التفت (احمد) نحوهما ما ان قالت التي تحولت ملامحها بلحظات للصرامة القاتمة
"ما لذي قلته للخادمة الآن"

ابتسم بهدوء وهو يتقدم باتجاهها باتزان بعث رعشة بأطرافها وهي تنظر لابتسامته الغامضة بوقار ، وما ان وصل امامها حتى تناول حقائبها منها بقوة وهو يفلتها من قبضتيها الممسكتين بها بتشبث ، لتشعر عندها بالتشنج يحتل إنحاء جسدها بقوة وهي تقبض على كفيها بعيدا عنه بتصلب .

امسك (احمد) بالحقائب بيد واحدة وهو يمسك باليد الأخرى كف الواقفة بجانبه بجمود ليقول عندها بابتسامة جانبية بغموض
"هيا تعالي لأعرفكِ على غرفتكِ الجديدة وجناحكِ الخاص والذي ستحتلينه بهذا المنزل بصفتكِ زوجة ابن هذه العائلة"

حاولت الاعتراض بتجهم وهي تعبس بارتجاف لولا يده والتي سحبتها معه بعيدا وهو يسير بها باتجاه السلالم بهدوء وتجاهل لاعتراضها ومحاولاتها للتخلص منه باستماته ، بينما بقيت الأخرى واقفة من خلفهما وهي تنظر لهما ببرود جليدي بدون اي تعبير على ملامحها وبعض الخادمات واقفات بعيدا بالزاوية فاغرات الافواه لما يروا امامهم الآن من عرض مجاني لا تراه كل يوم بالمنزل الكئيب كما يدعونه .

وصل (احمد) امام الجناح والذي كان يتكلم عنه وهو يحيد بنظراته للغاضبة بجانبه بكبت جعل الدماء تتحجر بوجنتيها باحتقان ، ليدخل بعدها بصمت وهو ما يزال يسحبها خلفه قبل ان يقفل باب الجناح من خلفهما بقدمه بقوة .

ارتعشت اطراف جسدها للحظات من صوت الباب والذي قصف من خلفها بدون ان يخفف من الغضب المستعر بداخلها ، ليفلت بعدها يدها وهو يتقدم بخطواته باتجاه غرفة من غرفتين متجاورتين بالجناح بأكمله .

كانت (روميساء) تنظر امامها بعبوس وهي تدلك على ذراعها بقوة بحركة لا إرادية وهي تشعر بجدران هذا المكان ستطبق على انفاسها وهي تنفرد بمكان لوحدها لأول مرة مع (احمد) ، ولكن لما الخوف هكذا فهو زوجها بالنهاية ولن يُقدم على فعل ما يضرها أليس كذلك ؟ إذاً ما سبب كل هذا التعرق والذي تشعر به قد غزى كفيها ومقدمة صدرها بتشنج ؟

قبضت على كفيها بقوة وهي تعود لصرامة ملامحها الحادة فهي لن تجعل نفسها تهابه ولو بأي شكل ، لتسير بسرعة باتجاه نفس الغرفة والتي دخل بها منذ لحظات لتدخل لها من فورها قبل ان تصطدم نظراتها بظهره المتصلب امامها وهو يقف امام النافذة بهدوء بالغ ملئ الأجواء من حولهما بسكون تام .

ابتلعت ريقها بتصلب وهي تهمس بخفوت جاف
"ما لذي يجري هنا ، هل هناك توضيح لما تفعله ، لما لستُ موجودة بغرفة شقيقتي ماسة كما كنتُ بالسابق"

مرت لحظات أخرى قبل ان يستدير نحوها ببطء وهو يفرد ذراعيه قائلا ببشاشة مريبة
"ما بكِ ألم يعجبكِ جناحكِ الجديد والخاص بكِ وحدك بدون وجود اي احد معكِ"

عقدت حاجبيها بقوة وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها قائلة ببرود منقبض
"توقف عن السخرية مني يا احمد ، واخبرني الآن لما فصلتني عن شقيقتي وجعلت لكل واحدة منا غرفة ، فأنا لا اتذكر بأني قد طلبت منك ان تغير شيء بمكان سكننا بهذا المنزل وبترتيب الغرف"

تنفس (احمد) بقوة وهو يتقدم عدت خطوات امامها قائلا بجمود غير معبر
"انا فعلت كل هذا من رأسي وجعلت لكل واحدة منكما غرفة ، لأنكِ يا روميساء قد اصبحتِ الآن زوجتي ولم تعودي حرة كما كنتِ بالسابق بأول زيارة لكِ بهذا المكان ، بسبب انكِ زوجتي الآن تلك الكلمة والتي لم تفهمي معناها للآن ، وانتِ تصرين بكل مرة على إدخال شقيقتك بكل شيء نفعله واخطط له وكأنكِ تتعمدين فعل هذا لتجعليها حاجز بيننا دوما"

ارتفع حاجبيها بوجوم قبل ان تعبس بلحظات بتجهم وهي تهمس باستنكار حاد
"هذا يعني بأنك لم تحب ولم ترغب بوجود شقيقتي بيننا وبشقتك طول تلك الفترة ، وانت تمثل عليّ بأنك تهتم بأمرها وتعتبرها مثل شقيقتك الصغرى"

ارتفع حاجبيه بدهشة عابسة لوهلة قبل ان يتقدم اكثر امامها وهو ينقض على ذراعيها ليكبلهما بقوة وهو يصرخ بوجهها بانفعال حانق
"لما دائما تشككين بنواياي وتفكرين بي السوء ، انا لم اقصد هذا بكلامي يا بلهاء ، وإذا كنت حقا لا ارغب بها لما سمحت لها بالسكن بشقتي طول تلك الفترة ، فأنا كنت اقصد بأنكِ دائما تحاولين دسها بجانبنا رغما عنها وعني وبكل مرات زيارتي لكِ بدون ان تحترمي رغبتي بالخلوة معكِ قليلا كأي زوجين طبيعيين ربما ، ولكن يبدو بأنني مجرد زوج عند الحاجة فقط وبوقت الأزمات"

انفرجت شفتيها بأنفاس ذاهلة وهي تتنقل بنظرها بوجهه العابس امامها بطريقة ارهبتها بعيدا عن ملامح الهدوء والذي يتخذه دائما بوجهها ، لتحاول بعدها نفض ذراعيها بعيدا عن يديه وهي تقول بتصلب مشتد
"اتركني يا احمد ، الآن فقط علمت بأن هدفك بالزواج مني ليس لمساعدتي بل لتحصل على أمور أخرى مني بعيدة عن المساعدة ، وعندما تماديتُ بالرفض ولم ادفع لك ثمن مساعدتك بدأت تحاول التهرب بأرسالنا لمنزل خالنا محراب لتتخلص من مسؤوليتنا ومن وجودنا بشقتك نهائيا ، بما انك لم تحصل على شيء قيم من هذا الزواج"

انتفضت (روميساء) داخليا بتوجس وهي تشعر بانقباض حاد بأطرافها ما ان اتسعت حدقتيه الرمادية بقسوة غريبة عليها وهو يرفع حاجب واحد بحذر قبل ان يحاصرها عند الجدار بجانب باب الغرفة اكثر وهو ممسك بذراعيها بقبضة من حديد ، ولكنها لم تظهر ألمها ولم تهتم لقبضتيه الساحقتين لذراعيها وهو يقول بغضب مكتوم جعل نبرة صوته اكثر خشونة
"اذاً هل هذا هو نظركِ نحو الهدف من الزواج منكِ ، ولكن يا ترى لما انتظرت كل هذه الفترة الطويلة ولم احقق ذلك الهدف للآن ، أتعلمين السبب لذلك ، لأنني ببساطة لا اريد ان تكرهيني او تنفرين مني ولم اكن بحياتي شخصا متلهفا لأحصل على حقي الشرعي بطرق الإرغام وكأن الامر مسلم منه ، ولم اتزوج للمرة الثانية واغضب ابي وعائلة زوجتي الأولى من اجل هذا الهدف السخيف ، وبالمناسبة كل ما كنت اسعى إليه من اعادتكما لمنزل خالكما ليس لأتخلص منكما كما تظنان بل من اجل ان تكونا بمأمن اكثر بعيدا عن كل الوحوش البشرية والتي تتربص لكما بكل مكان وليكون لكما منزل عائلة تعيشان به مع افراده وكيان تفتخران به امام العالم وبمكان محاط بكل انواع الحماية لكما لن استطيع توفيره لكما بذلك المكان دائما"

زمت شفتيها بوجوم وهي تشعر بخزي وإحراج لم تشعر به بحياتها بعد كلماته الصادقة والقوية والتي شعرت بها بنبرة صوته وقسوة يديه على ذراعيها ، ليخفف بعدها من قبضتيه على ذراعيها ببطء بعد ان افاق على نفسه مما كان يفعله من جنون ليتحول بعدها لتدليك طفيف لذراعيها تلقائيا بدون ان يمنع نفسه وهو يشعر بارتجاف كل جزء بجسدها بانتفاض .

رفعت حدقتيها الخضراء المهتزة بلحظة بشحوب وهي تهمس بخفوت حزين
"انا كنت اقصد بكلامي بأنك....."

قاطعها (احمد) وهو يرفع يده ليضع اصبعه السبابة الطويل على شفتيها وهو يهمس بابتسامة قوية
"لا عليكِ يا روميساء ، فأنا كما وعدتكِ من قبل لن المسكِ بسوء او افعل اي شيء معكِ قبل موافقتكِ ورضاكِ ، وسأبقى على وعدي دائما ثقي بذلك"

تنهدت فوق اصبعه براحة ليبعده بسرعة عن شفتيها بعد ان شعر بأنفاسها الدافئة ستحرقه ، ليطيل النظر بها للحظات علقت بينهما لدقائق طويلة وكأنهما ينظران لبعضهما لأول مرة بحياتهما بمزيج بين قسوة رمادية عينيه مع شحوب خضارها الحزين الشبيه بغابة النخيل .

انتفض (احمد) للخلف بعيدا عنها ما ان قصف صوت طرق كقصف المدافع على باب الجناح وهو يتسائل من المزعج والذي اتى الآن وهو يصر على مقاطعة اهم لحظة بحياته تحدث بينه وبين زوجته ؟ ليتنفس عندها بغيظ وهو يمسد على جبينه بإزعاج من الصوت والذي بدأ يعلو اكثر مع كل طرقة تصدر منه ، ليتراجع بعدها بخطواته وهو يستدير نحو الباب ليخرج منه بقوة وبصمت دام للحظات وهو يتمحور حول التي ما تزال شاردة بعيدا بأنفاس ذاهلة وبعينين شاخصتين بالبعيد بشحوب ينتابها لأول مرة .

_____________________________
فتح باب الغرفة بقوة ليقابله الوجه الغاضب والمحمر باحتقان وهي تعض على طرف شفتيها باشتعال ظاهر بملامحها الفاتنة ، حتى اشفق على شفتيها من نوبة غضبها والتي تكاد تدميها بدون اي ذنب ، تنهد بعدها بنفاذ صبر وهو يهمس باستياء حانق
"ماذا تريدين يا سلوى"

فتحت (سلوى) شفتيها تتنفس منهما بحدة قبل ان تكتف ذراعيها فوق صدرها بحركة غضبها المعتادة والتي تخفي من خلفها بركان على وشك الفوران وهي تقول بحاجبين مرفوعين بسخرية
"مرحبا يا زوجي ، ارى بأنك متواجد عند جناح زوجتك الثانية بينما زوجتك الأولى تنتظر عودتك بفارغ الصبر منذ الصباح ، ولكن لما تهتم الآن وقد اصبحت زوجتك القريبة لقلبك موجودة بالمنزل وبيننا"

تنفس بهدوء وهو يقول بابتسامة متصلبة
"لقد كنتُ أُعرف زوجتي بجناحها الجديد والخاص بها ومكانها بهذا المنزل ، لذا لم يكن لدي الوقت لأذهب لغرفتك واسلم عليكِ واقول لكِ بالحرف الواحد بأني قد عدت من العمل"

عبست ملامحها بغيظ وهي تنفض ذراعيها قائلة باستياء حاد
"إذا كنت حقا تريد ان تُعرفها على الجناح فقط إذاً لما مكثت كل هذا الوقت بغرفتها ، هل كنت تعدل ديكور الجناح ليناسب أميرتك اكثر....."

قاطعها (احمد) بقوة وهو يرفع كفه بصرامة
"سلوى كفى ، إياكِ وان تنطقي بأي كلمة أخرى"

زمت شفتيها المحمرتين بألم وهي تنظر له بمقلتيها باشتعال لم ينطفئ ولو قليلا ، لتخفض بعدها نظرها للأسفل بجمود وهي توبخ نفسها على هذه التفاهات والتي نطقت بها الآن والتي ليست السبب الرئيسي بمجيئها لهذا الجناح ، ولكن وجوده بجناحها طول هذه الفترة ضرب عقلها عن التفكير كالعادة !

زفرت انفاسها بقوة لوهلة وهي ترفع وجهها نحوه بجمود قائلة بابتسامة متسعة بتزييف
"لقد اتيت لأخبرك بأن والدتي قد اتصلت بي وهي تدعوني لتناول العشاء بمنزل العائلة ولم تنسى ان تدعوك انت ايضا لتناول العشاء معنا ، وقد اصرت بشدة على حضورنا على وجه السرعة فهي والعائلة مشتاقين كثيرا لرؤيتنا"

عقد حاجبيه ببطء وهو يتمتم بجفاء
"ألم تستطيعي رفض الدعوة او الاعتذار عنها"

ردت عليه من فورها بحزن تمثيلي
"لقد حاولت التهرب من دعوتها بشتى الطرق ، ولكن لم تنجح اي طريقة وهي تصر بشدة على حضورنا معا وبدون اي اعذار واهية او حجج"

تصلبت ملامحه وهو يرفع ذراعه ليمرر يده على عنقه بإنهاك قبل ان يقول ببرود جليدي
"لا استطيع يا سلوى فأنا متعب جدا الآن ولدي عمل عليّ إنجازه ، لذا اذهبي وحدكِ للدعوة واعتذري عني فأنا ليس لدي وقت لمثل هذه الدعوات الفارغة"

عقدت حاجبيها بامتقاع وهي تقول باندفاع غير واعي
"بل ستحضر معي الدعوة ورغما عنك"

اتسعت عينيه بصدمة وهو يخفض يده عن عنقه ، ليضيق بعدها عينيه للحظة بتركيز وهو يقول بخفوت حاد
"بماذا تكرمتِ بالقول الآن"

تداركت (سلوى) نفسها وهي تعود لقناع التمثيل مستعيدة كلام والدتها بالهاتف وهي تطبقه بالحرف الواحد وبحذافيره ، لتقول بعدها بلحظات بابتسامة مغرية وهي تتقدم امامه لتمسك بجانبي سترته بهدوء
"لا تفعل بي هذا يا احمد وتضعني بهذا الموقف المحرج امام عائلتي ، يكفي بأنهم قد تقبلوا خبر زواجك الثاني على مضض بدون افتعال اي مشاكل ، والآن تريد ان تزيد عداءاتك مع عائلتي وانت تتهرب من لقائهم ، ارجوك ان تحضر يا احمد ليس من اجلي بل من اجل كرامتك امامهم والتي ستنزل وتنحط من تهربك من هذه الدعوة"

ارتفع حاجبيه بوجوم وهو يبعد يديها عن سترته بهدوء وببطء ، ليفلت بعدها يديها وهو يشيح بنظراته بعيدا عنها بتصلب ليهمس عندها باقتضاب
"حسنا سنذهب لمنزل عائلتك ، ولكن ما ان تنتهي جلسة العشاء سنغادر عندها من فورنا"

اتسعت ابتسامتها بسعادة وهي تفكر بأن خطتها تسير بالمسار الصحيح وقد حققت الهدف المنشود منها وهو ألا يستطيع الانفراد وقضاء الوقت مع زوجته بأول يوم لها بهذا المنزل وبعدها ستتأكد من ابعادها عن حياتهما نهائياً ، لتندفع بعدها تلقائيا نحوه وهي تعانق خصره بذراعيها بقوة قائلة بلهفة بالغة
"شكرا لك يا احمد لأنك وافقت ، انا احبك كثيرا"

تغضن جبينه بغموض وهو يحرك رأسه ببرود شارد ، لتبتعد بسرعة عنه وهي تقول بابتسامة ناعمة بحماس
"انا سأذهب لأجهز نفسي بأقصى سرعة ، فلا نريد ان نتأخر على الموعد اكثر من هذا"

استدارت بعدها بعيدا عنه لتبدأ بالسير بتمايل بقميص نومها بلون النبيذي وهي تصر على الخروج به رغم تحذيراته الكثيرة لها بعدم الخروج بأقمصة نومها ، وما ان اختفت عن انظاره تماما حتى زفر انفاسه بكبت وهو يحيد بنظراته لباب الجناح المفتوح قبل ان يغلقه من خلفه بقوة ، وهو يتمنى ان ينتهي هذا اليوم بسرعة ويتخلص من هذه الدعوة المقيتة والتي جاءت بأهم لحظات حياته لتهدمها قبل ان تبدأ .

يتبع..............

najla1982 likes this.

روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-07-21, 08:45 PM   #97

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

دخل للمنزل بخطوات ثابتة وهو ينظر للهاتف بيده ويتنقل بحسابه البريدي من خلاله بتركيز شديد ، وما ان وصل لمنتصف البهو الواسع حتى انتفض وهو يتلفت من حوله بتوجس ما ان شعر بقطرات ماء باردة تسقط على عنقه وخصلات شعره وكأن السماء تمطر بالمنزل ! ليعود بعدها لرفع الهاتف امامه وهو يلمح شاشته والتي وصل لها بعض قطرات الماء لتشوش الرؤية امامه .

رفع ذراعه وهو يمسح شاشته بكم قميصه ليعبس عندها بتجهم لوهلة وهو يعود للشعور بقطرات المطر والتي عادت لتنهمر على رأسه مثل زخات المطر الصغيرة ، ليرفع بعدها رأسه بحدة للأعلى قبل ان تتسع حدقتيه السوداء بتجهم مستاء ما ان لمح السبب بقطرات المطر والتي كانت تنهمر فوق رأسه وهو ينظر للواقفة بالطابق الأعلى وهي تريح مرفقيها على حاجز السلم وابتسامة ساخرة تعلو محياها بظلام المنزل الساكن بدون ان يستطيع اخفاء لمعان مقلتيها القاتمتين والتي يستطيع تمييزها ولو على بعد ميل وهي تضيء بعتمة المكان مثل القطط السوداء والتي تظهر بأزقة المدينة !

اخفض نظره لكأس الماء الممسكة بها بيدها والذي من المؤكد سيكون مصدر الماء البارد والذي كان ينهمر عليه من لحظة ، ليبتسم بعدها ببرود وهو يعود بنظره لها قائلا بارتفاع وغيظ
"مرحبا بعودتكِ للمنزل يا غراب الليل ، وشكرا لكِ على هذا الاستقبال الرائع والذي لم ارى له مثيل بحياتي القصيرة معكِ"

ابتسم بعدها باتساع متسلي وهو ينظر لعبوسها الغاضب والذي لمع بمقلتيها البحرية قبل ان يبتعد بسرعة للخلف بلمح البصر ما ان رشقت بماء الكأس المتبقي بها دفعة واحدة لتصيب الأرض امامه ، حرك رأسه بيأس وهو يهمس بأسف مزيف
"لقد اخطأتِ هدفكِ هذه المرة ، ولكن لا بأس حاولي مجددا بالمرة القادمة"

عضت على طرف شفتيها بغيظ وهي تبتعد عن حاجز السلم باندفاع لتسير بعيدا عنه ببرود ، بينما صرخ الآخر من خلفها وهو يصعد السلالم بسرعة كل درجتين بخطوة
"انتظري يا غراب ، لا ترحلي وتتركيني"

كانت (ماسة) تسير بالممر بلا مبالاة بدون ان تلتفت من خلفها وهي تتلاعب بالكأس بيديها ، لتشعر بعدها بيد تمسك بذراعها لتوقفها عن الحركة بصمت قبل ان يقف بجانبها وهو يقول بابتسامة هادئة
"لما ذهبتِ وتركتني ، ألم اخبركِ ألا ترحلي ، ام لا تحبين رفقتي وتريدين التخلص مني بشتى الطرق"

حادت بنظراتها نحوه بجمود وهي تفلت ذراعها بعيدا عن يده هامسة بتصلب خافت
"هذا بالضبط ما كنت اسعى إليه ، ولكنه لم يتحقق للأسف"

رفع ذراعه لفوق رأسه بكسل وهو يقول بابتسامة جانبية بغموض
"هذا ما يقوله عقلكِ ولكن ليس ما يقوله قلبك ، فلو كنتِ حقا لستِ مهتمة بي لما انتظرتني كل هذا الوقت حتى عودتي للمنزل واستقبلتني مثل هذا الاستقبال الرائع"

رفعت حدقتيها المتسعتين نحوه مع حاجبيها المرتفعين بوجوم بآن واحد قبل ان تهمس بحدة عابسة
"يا لغرورك ، اسمعت ما قلته الآن من كلام ساذج لا ينطبق عليّ ، لا وتعطي نفسك كل هذه الأهمية بحياتي ، ليس لأني وافقت على العمل معك يعني تستطيع تجاوز حدودك معي قدر ما تشاء واحتلال ولو جزء صغير من اهتمامي ، فأنت ستبقى فقط مديري بالعمل لا غير وبخارج الشركة انت لا شيء"

نظر لها بهدوء للحظات بدون ان يتأثر من كلامها الجامد والذي يستطيع تجميد القلوب وتحجريها من قسوتها ، ليميل بعدها بوجهه امامها على مقربة منها وهو يقول بابتسامة بدون اي مرح
"ولما كنتِ إذاً تراقبينني وانا ادخل للمنزل مع طقوس خاصة باستقبالي برشق الماء فوق رأسي ، هل لديكِ جواب على هذا السؤال"

زمت شفتيها وهي تراقب وجهه القريب منها بهدوء دام للحظات قبل ان ترفع كفها وهي تشير بأصبعها السبابة لجانب رأسه بحركة شلت اطرافه ، لتقول عندها وهي تتلمس بأصبعها صدغه بحركة دائرية
"هذا لا يعنيك يا سيد شادي ، واهتم بشؤنك بعيدا عني ، فأنا لا احب ابدا مثل هذا النوع من الأسئلة الفضولية والتي ليس لها داعي من الأساس"

ما ان انهت كلامها حتى سارت بعيدا عنه وهي تدس خصلات شعرها المجنونة خلف اذنيها بكفها بلا مبالاة ، افاق بعدها من صدمته وهو يعود للحاق بها من الخلف عدة خطوات قائلا بصرامة مزيفة
"كيف تتجرأين على التكلم معي هكذا ، لا تنسي بأني مديركِ بالعمل واستطيع الخصم من راتبك للنصف بالوقت الذي يحلو لي ، لذا احذري وانتِ تتكلمين معي لكي لا يقضي على الراتب المتبقي لكِ بنهاية الشهر"

حادت بنظراتها نحوه بحنق وهي تلوح بالكأس بيدها امامه قائلة بتذمر وهي مستمرة بالسير
"انا لم احصل منك للآن منذ توظيفي عندك سوى على التهديد بخصوص راتبي ، وكأنه كل شيء تملكه ضدي ، ولا اعلم ماذا سيتبقى لي من الراتب بنهاية الشهر"

ابعد رأسه جانبا عن مرمى الكأس والتي كانت ستصيب رأسه بفقدان ذاكرة من اندفاعها المجنون ، ليقول بعدها بتسلية واضحة بدون ان ينظر لها وهو يسير بمحاذاتها
"سيتبقى لكِ فقط تعبكِ والذي بذلته بالعمل واخلاصك الكبير به ، وكله سيكون نتيجة افعالكِ يا ابنة عمتي"

ابتسمت ببرود وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه فهذا الشخص يستطيع المراوغة بالكلام بدهاء ليجد منفذ من كل شيء بدون ان يسمح لها بالفوز عليه وسحقه كما تفعل مع الجميع عادةً ! قالت بعدها وهي تخفض نظرها لخطواتها بجمود
"ان العمل بالشركة ينتهي بالساعة الخامسة عصرا ، لما إذاً تتأخر دائما بالعودة للمنزل"

ردّ عليها وهو يحرك كتفيه ببساطة
"لن اجيبكِ ، لأنني لا احب هذا النوع من الأسئلة الفضولية والتي ليس لها اي داعي ، أليست هذه مقولتك"

وقفت عن السير فجأة لتلتفت نحوه بقوة وهي ترفع الكأس بيدها امام رأسه قائلة بشراسة
"انت كيف تتجرأ....."

قطعت كلامها بشهقة خافتة وهي يكبل معصميها بلحظة مبعدا يدها الممسكة بالكأس عن وجهه ليديرها لحاجز السلم بلمح البصر وهو يحاصرها عنده ليهمس بخفوت خطر
"كفى"

ارجعت رأسها للخلف بعيدا عن انفاسه الهادئة وهو يبصق الكلمة امام وجهها بقوة لينسدل شعرها اسفل رأسها مع ميلانه فوق حاجز السلم بدون ان تستطيع تحريك اي جزء من جسدها مع محاصرته القوية لها بدون ان يترك لها اي منفذ لتتحرك به وهو يلصق جسده الصلب بجسدها الضعيف المتصلب من تحت قماش بيجامتها الخفيفة ، ولم تشعر بعدها بانزلاق الكأس من يدها ببطء لتسقط اسفل السلم وتتهشم لشظايا بعد ان اصدرت صوتا قويا بسكون المكان من حولهم ليتردد صداه بالأرجاء .

ادارت وجهها نحوه بعبوس وهي تتنفس بتهدج والدماء بدأت تصعد لرأسها من طريقة ميلانها والتي جعلت دوار طفيف يحوم من حولها ، لتصرخ بعدها تلقائيا بجنون وهي تتلوى محاولة تخليص مرفقيها من تكبيله لهما
"اتركني يا مجنون"

قال (شادي) بابتسامة هادئة غير معبرة وهو يرفع حاجبيه بخفة ناظرا لوجهها والذي شحب فجأة لأول مرة بتعرق
"انتِ التي بدأتِ اولاً بهذه الحرب بمحاولة ضربي بالكأس عدة مرات ، وانا كل ما افعله هو بأني ارد لكِ الضربة بطريقتي الخاصة ، لكي لا تعيديها مجددا بالمستقبل"

تنفست بقوة وهي تحرك رأسها بقوة لتنفض الدوار عنها بعنف وقبل ان تنطق بأي كلمة اخترق صوت آخر بنهاية الممر جدالهما وهو يقول بتوجس
"ماسة هل هذه انتِ"

التفتت (ماسة) بوجهها نحو مصدر الصوت قبل ان تنتفض وهي تدفع الواقف امامها بصدمة بعيدا عنها بدون ان يمنعها هذه المرة وهو يعود للخلف ناظرا امامه بوجوم ، بينما استقامت (ماسة) بوقوفها وهي تنظر للتي اقتربت منهما بلحظات لتتنقل بنظرها بينهما بغموض قبل ان تهمس بصرامة قاطعة
"ما لذي كان يجري هنا للتو"

ردت عليها (ماسة) ببساطة وهي تعيد شعرها بعيدا عن كتفيها بسبب ميلانها
"لا شيء فقط مجرد حديث عابر بين ابن الخال وابنة العمة"

عقدت حاجبيها بحدة وهي تنظر لها قائلة بتصلب
"وهذا الحديث لم يحدث سوى بمنتصف الليل وخارج غرفتكما"

زفرت انفاسها بحنق وهي تسير بعيدا عنهما قائلة بنفاذ صبر
"يا ألهي الرحمة ، لما الجميع مصر على التدخل بخصوصياتي"

صرخت (روميساء) من خلفها باستياء غاضب
"توقفي يا ماسة انا لم انهي كلامي معكِ بعد"

وعندما اختفت عن نظرها التفتت نحو الذي قال بارتباك واضح وهو يلوح بكفه بحركة غير ملحوظة ليسير بعيدا عنها بطريق معاكس للأخرى
"وانا عليّ الذهاب ايضا فقد بدأت اشعر بالنعاس فجأة ولم اعد استطيع الوقوف اكثر من التعب ، لذا تصبحون على خير"

عبست ملامحها بحذر وهي تضيق عينيها بشحوب بعد ان اختفى الآخر من امامها ليتركوها معلقة بينهما بعد ان غرزوا الشك بدواخلها واليقين مما رأته منذ لحظات يستحيل ان يخطئ ظنها .

_______________________________
كانت تراقب والدها من شق الباب الموارب لغرفته وهي تعض على طرف شفتيها بتوتر بين اللحظة والأخرى وهي تتفاعل مع كل حركة يصدرها والدها على ازرار الحاسب امامه ليبعث رعشة خاطفة بأطراف جسدها لوهلة وهو جالس فوق السرير باسترخاء بينما الحاسب موضوع فوق حجره ورزمة من الأوراق متكومة بجانبه على السرير ، تنقلت بنظرها بتمهل بملامح وجهه الشاحبة ببعض التجاعيد وبوهن المرض والذي لم يتركه وشأنه للآن لتبقى دائما تعيش على خوف خسارته بين اللحظة والثانية بحياتها لتكون عندها الضربة القاضية لما تبقى لها من جمال بهذه الحياة والتي يكون الأساس فيها ، ابتسمت بعدها بحنين ما ان تذكرت زياراتها الليلية لغرفة والدها عندما يصل بها الخوف من النوم لوحدها بالغرفة الموحشة لأقصاه بعد ان يسرد عليها شقيقها كل انواع قصص الرعب ليتسلى بخوفها وجبنها من هذا النوع من القصص لتضطر بالنهاية ان تبات ليلتها مع والدها بعيدا عن كل اشباح الرعب والتي يوهمها شقيقها بوجودها .

تنهدت بعدها بلحظات بهدوء وتروي وهي تعود لتذكير نفسها بقوة بما عليها قوله الآن وكيفية مفاتحته بموضوع طلب (جواد) الزواج منها والطريقة المثلى لإقناعه بالموافقة عليه بدون اي مشاكل او ان يدخل الشك قلبه ، لتبتسم بعدها بنعومة وهي تضرب بقبضتها على صدرها بحالمية شاردة غيبت ذهنها بعالم يقظتها الخيالي لثواني .

ضربت على رأسها وهي توبخ نفسها بشدة وتذكرها بأنه ليس الوقت المناسب للأحلام بل هو وقت الفعل والعمل ليصبح كل ما تتمناه واقع ملموس امامها بدلا من وجوده بمخيلتها الحالمة فقط ، لتدفع من فورها باب الغرفة بهدوء وهي تطرق عليه بيدها الأخرى بحذر ، وما هي ألا لحظات حتى ارتفع الرأس المشغول بجهاز الحاسب بهدوء وهو ينزل النظارة الطبية عن عينيه برفق ، لتنشرح بعدها بلحظة ملامحه بسعادة بشوشة وهو يقول بوقار حنون مشيرا لها بذراعه
"هيا ادخلي يا صغيرتي ، لا تبقي واقفة عند الباب هكذا وألا امسكت بكِ اشباح المنزل"

اتسعت مقلتيها بوجل وهي تصرخ بتذمر
"ابي ليس انت ايضا"

ضحك والدها بهدوء بشوش وهو يضع النظارة بجانب السرير فوق المنضدة برفق قبل ان يعود بالنظر لها قائلا بابتسامة متزنة
"هيا تعالي إذاً واجلسي بجانبي فقد اشتقت كثيرا لزياراتكِ الليلية ولقصصكِ والتي امتنعتِ عنها منذ فترة طويلة ، وكأنكِ تعاقبينني بدون ان اعرف السبب لذلك"

حركت رأسها بالنفي بسرعة وهي تجري باتجاه السرير قبل ان تصعد من فوقه بلحظات لتعانق عندها من فورها كتفيه العريضين بذراعيها وهي ترمي رأسها على كتفه قائلة بمحبة بالغة
"لا تقل مثل هذا الكلام يا أبي انت فقط اؤمر وانا انفذ ، فقط انشغلت قليلا عنك مؤخرا ببعض الأمور والتي انستني اياك تماما ، ولكني اعدك بأني من الآن وصاعدا لن انقطع بزياراتي عنك وسرد القصص لك حتى تشعر بالملل مني وتتوسل مني ان اتركك وشأنك"

اومأ برأسه بالإيجاب وهو يضحك بانشراح قبل ان يتلمس على كفيها المعانقين له بحنان قائلا ببعض الشرود
"ليس الموضوع بأني ألومكِ لانقطاعكِ عن زيارتي والتكلم معي كما كنا نفعل بالماضي فأنا اعلم الناس بانشغالكِ بعالمكِ الحافل بالدراسة الجامعية والعمل بدار النشر ، ولكن الشعور بالوحدة والذي اصبح ينتابني بالآونة الأخيرة والتفكير بالمستقبل المجهول هو الذي يشغل تفكيري ويؤرقني ، وخاصة خوفي على مصيركِ من بعد ان يؤخذ الله أمانته وانتِ فتاة وحيدة بدون اي احد او سند معكِ ، وحتى الآن لم يظهر اي اثر لشقيقك المجنون ليكون بجانبي بآخر لحظاتي وانا لا أعلم متى سيحين موعد رحيلي عن هذا العالم والذي اشعر به قريب جدا......"

قاطعته (صفاء) فجأة بانتحاب وهي تشدد من معانقة كتفيه بارتجاف وبعض الدموع قد بدأت بالتجمع بمقلتيها العسلية بحرارة
"توقف يا ابي ارجوك ، انت تقتلني بكلامك وكأن الأمر يسعدني ، ولا تقلق فأنت ستبقى دائما معنا بكل عقبات حياتنا انا ومازن وستبقى دائما تاج فوق رؤوسنا للأبد ، أطال الله بعمرك يا أبي"

التفت (جلال) بوجهه نحوها وهو يبتسم لها برفق متغضن ليرفع عندها كفه لرأسها وهو يربت عليها بهدوء حنون ، سحب بعدها بلحظات كفه وهو يقول بجدية غامضة بعد ان تحولت ملامحه للهدوء
"إذاً ألن تخبريني ما لذي جعلكِ تسهرين لهذا الوقت ويمنع صغيرتي الحالمة من النوم"

زمت شفتيها بارتجاف وهي تبعد ذراعيها عن كتفيه ببطء قبل ان تمسحهما بقميص منامتها بصمت وهي تفكر بطريقة لتبدأ بها بالكلام بعد ان نسيت نصف الكلام والذي كانت تفكر بقوله له من لحظة ؟ ليقاطع بعدها تفكيرها المشوش مع مشاعرها المتخبطة صوت والدها وهو يكتف ذراعيه فوق صدره قائلا بابتسامة هادئة
"يبدو بأنكِ تفكرين بطريقة لتقولي لي بما يشغل تفكيرك بالآونة الأخيرة ، فأنتِ قد اصبحتِ تشردين كثيرا وهذا واضح من اخطائكِ الكثيرة بالعمل معي على غير عادتك حتى اضطررت للتكفل بعمل مهام المكتب بنفسي"

ردت عليه بسرعة وهي ترفع نظراتها نحوه بحزن عميق
"انا اعتذر لم اكن اقصد"

حرك رأسه بهدوء وهو يقول بابتسامة متسعة بحنان
"لا بأس يا صفاء ، فهذه الأعمال ليست من اختصاصكِ بالنهاية ، ولكني اريد ان اعلم سبب تغيركِ هكذا ، هل يعقل بأن تكون ابنة مايرين السبب....."

حركت رأسها بالنفي وهي تقول باستياء جاد
"لا يا أبي ليس لها علاقة ، ولكن هناك امر آخر اردت مفاتحتك به واخذ رأيك به"

ضيق عينيه بتركيز بدون اي ردة فعل وهو ينتظر التكملة لكلامها بهدوء غيم عليهما للحظات بكل أنحاء الغرفة بصمت تام ، لتقول بعدها وهي تزفر انفاسها بارتباك وتضم يديها معا بحجرها بانقباض
"لقد اردت ان اخبرك ، بأن جواد والذي يعمل عندك قد طلب يدي للزواج ، وانا لم اجيبه للآن لأني كنتُ انتظر رأيك اولاً بمثل هذا الموضوع ، ولكن صدقني هو لم يخطئ معي بشيء فقط كان يريد اخذ رأيي بالأمر"

حرك رأسه بتفكير غامض وهو يعقد حاجبيه بقوة لوهلة ليقول بعدها بجدية نفذت لأعماقها
"وكيف طلبكِ للزواج ، هل هناك شيء يربطكِ به يا صفاء"

رفعت نظراتها بجزع وهي تقول باستنكار مرتبك
"لا يا أبي ليس هناك اي شيء يجمعني به فقط هو مجرد زميل لي بدار النشر بأيام عملي معك هناك ، وهناك قد طلب مني الزواج"

ردّ عليها والدها بصرامة هادئة جمدت اطرافها
"هل تكذبين على والدك يا صفاء"

عضت على طرف شفتيها بتوجس وهي تنظر للأسفل بوجوم وقد توقفت الكلمات من رأسها فجأة والتي كانت ترتبها بصعوبة لهذه المقابلة ، لتشعر بعدها بيد والدها وهي تمسك بذقنها برفق ليرفع وجهها نحوه بلحظة وهو ينظر لعينيها بقوة قائلا باتزان مبتسم
"لا داعي لتخجلي مني يا صفاء ، فأنا والدك واي شيء يسعدكِ بهذه الحياة فهو يسعدني ايضا ، لذا اريد منكِ ان تخرجي كل ما يجول برأسك وبقلبك الآن"

تنفست بنشيج سرى بأعماق روحها المرهقة ليصل لقلبها الملهوف وهي تشعر بحرارة تلسع حدقتيها العسلية بدموع بدأت بالتحرر من مقلتيها لتجري على وجنتيها ببطء وصمت ، ولم تشعر بعدها بنفسها وهي ترتمي بأحضان والدها لتعانقه بذراعيها بتشبث وهي تتمسك بقميص منامته القطنية هامسة بخفوت حزين ببحة بكاء
"انا اعرف بأني قد اخطئت كثيرا عندما اخفيت عنك مثل هذا الأمر المهم ، ولكن صدقني يا أبي انا لم اتجاوز حدودي المرسومة معه ابدا وكل ما تربيت عليه لسنوات ، فقط احببت وجوده بحياتي ورفقته ومساعدته لي بالعمل مثلك تماما ، ولكني دائما سأبقى اتبعك يا أبي واي شيء تقوله لي انا سأكون حاضرة"

كان والدها يربت على رأسها بحنان وهو يقول بهدوء بالغ
"هذا يعني بأنكِ موافقة على الزواج منه وتريدينه"

سكنت بأحضانه للحظات بدون ان تصدر اي حركة وهي ما تزال تنشج بصمت وبدموع جفت فوق وجنتيها ، ليمسك بعدها بكتفيها وهو يبعدها عنه برفق وبصمت قبل ان يمسح دموعها بأصبعه المجعدة وهو يتمتم بروية
"لا تقلقي يا صغيرتي فأنا لن اقف امام اختياراتكِ فهذه حياتكِ ومن حقكِ اختيار شريك حياتك والذي يناسبك ويسعدك ، وانا دائما سأكون بجانبكِ لأدعمكِ بقوة بكل شيء تختارينه على ان يكون عائد لمصلحتك اولاً ، فكل شيء عندي يهون امام سعادتك"

رفعت حدقتيها باهتزاز وابتسامة ضعيفة بدأت بالظهور بملامحها الدامعة وبوجنتيها المتوردتين بجمال وهي تهمس ببريق لمع بحدقتيها بمزيج عسلي مشع
"هذا يعني بأنك موافق ان يكون جواد زوج ابنتك"

اومأ برأسه بهدوء وهو يعود لابتسامته البشوشة قائلا بثقة
"اجل جواد رجل شريف ومحترم وطول عمله معي لم يخرج منه ما يسيء إليه وإلى العمل ، لذا اثق به اكثر من الآخرين والذين يعملون معي ، وانا متأكد بأنه سيكون الشريك المناسب لابنتي بما انه قد اختار كلٌ منكما للآخر ليكمل حياته معه ، فمن اكون انا لأمنع اكتمال هذه العلاقة"

عادت (صفاء) لمعانقته بقوة وهي تقبل خده المتغضنة بسعادة هامسة بفرحة طفولية
"احبك يا ابي"

ابتعدت بسرعة عنه وهي تنزل عن السرير لتجري بلحظات باتجاه باب الغرفة ملوحة له بكفها وهي تقول بابتهاج بالغ زاد من تورد ملامحها
"تصبح على خير يا افضل والد بالعالم ، وصفاء محظوظة جدا بوجودك بعالمها والذي لا يسوى شيء بدونك"

حرك رأسه بضحكة متعبة ما ان لمح اختفاءها عند باب الغرفة مثل الحمامة البيضاء الصغيرة والتي تأتي بوقت الفرح لتنشر البهجة بكل مكان وتختفي بلمح البصر ما ان تصل لمبتغاها بدون ان يستطيع احد لمسها او العبث بروحها المرحة والتي نشرت البهجة بحياته لسنوات وتحديدا منذ وفاة زوجته .

_____________________________
كان يجلس امام مائدة العشاء مع باقي افراد العائلة وهو يتناول الطعام من طبقه بصمت والأنظار تحوم من حوله بهدوء مقيت ازعجه وضايقه وكأنها حلقة من نار تطوق حول عنقه باختناق وخاصة بعد الشرخ والذي احدثه بعلاقته مع عائلته زوجته منذ معرفتهم بزواجه للمرة الثانية على ابنتهم الكبرى ، ومن وقتها وهو يحاول دائما تجنب الاحتكاك بهم قدر الإمكان لكي لا يضطر لتلقف مثل هذه النظرات المستنكرة بوجوم والتي تشعره بجرم فعلته بالرغم من انه حق من حقوقه الشرعية وهو لم يفعل شيء سوى بالتقيد بها حرفيا ولكن الأدب والذوق لا يعرفان مثل هذه الحقوق والتي عليه التقيد بها دائما بدون اي زلة او خطأ !

تنفس بهدوء مكبوت مليء بالمشاعر الحبيسة والتي تحوم فوق طاولة الطعام قبل ان يبدأ بالسعال بتعثر بأنفاسه المتحشرجة زادت وضعه سوءً ، ليشعر بعدها بيد زوجته بجانبه وهي ترفع كأس الماء امامه وبيدها الأخرى كانت تربت بها على ذراعه برفق قائلة بنعومة غريبة
"هيا اشرب الماء مني يا حبيبي ليزول السعال عنك"

حاد بنظراته نحوها بغموض للحظات قبل ان يبعد كأس الماء من امامه ببطء وهو ينظر امامه بجمود قائلا بتصلب
"انا بخير ، شكرا لكِ"

عبست زاوية من شفتيها وهي تبعد كأس الماء من امامه لتعيدها فوق سطح الطاولة بوجوم ، ليقطع بعدها الصمت صوت والدها وهو يقول بابتسامة متزنة بثبات
"كيف حالك وحال والدك فأنا لم اعد اراه بالآونة الأخيرة ، وكيف هي احوال بنات عمتك لقد سمعت بأنهم قد انتقلوا للعيش بمنزل العائلة"

التفت بوجهه نحو الجالس على رأس المائدة وهو يعقد حاجبيه بتفكير متغضن من نبرة صوته وهو يتكلم عن بنات عمته والتي تكون واحدة منهما زوجته بدون ذكر ايهما وكأنه قد تقصد عدم نطق اسم زوجته ليبدلها بنطق القرابة والتي تجمعه ببنات عمته ؟ ليقول بعدها بلحظة بابتسامة جادة وهو ينظر له بتركيز متصلب بدون اي مواربة
"جميعنا بخير يا عمي وابي يسلم عليك ومشتاق كثيرا لرؤيتك فقد اخذه العمل بعيدا عنا لذا لم يعد لديه متسع من الوقت لأحد ، واما بنات عمتي فقد عادوا لمكانهم الصحيح ولمنزل عائلتهما ، فليس من اللائق امام العالم بقاء زوجتي الثانية بعيدة عن بيت زوجها كل هذه الفترة ، وهذا كان قرار والدي بالنهاية"

اومأ برأسه بتصلب بدون ان يضيف اي كلمة اخرى وهو يحدق بالجالس بجانبه والذي كان يشدد بكلماته الناطقة على تعريف زوجته الثانية امامهم بدون اي تردد او حياء ليعلم بأنه لا يتهاون ابدا بموضوع زواجه الثاني والذي ظهر على العلن ليصبح واقع امامهم عليهم تقبله رغم كل شيء حدث !

لانت ملامح الوالد قليلا بعيدا عن التصلب وهو يعود بجلوسه للخلف قائلا بابتسامة جانبية بوقار
"هذا جيد فنحن لا نريد من زوج ابنتنا ان يخرج عن الشرع او ان يخطأ بحق مسؤولياته المتعلقة بزوجاته ، وكل ما نتمناه حقا هو ان تعدل بين زوجاتك وتعطي كل واحدة منهما حقوقها كاملة بدون اي نقص او تمييز مهما بلغت فداحة اخطائهما وطبيعة القرابة والتي تجمعك بهما ، لكي لا نغير بعدها نظرتنا نحو زوج ابنتنا وابن عائلة محراب الفكهاني والذي نفتخر كثيرا بانتماء ابنتنا لهم"

اخفض عينيه الرمادية بعيدا عن والد زوجته بجمود وهي يتنهد بقوة من طريقته الصارمة والتي يغزوها بعض الوقار بدون ان يبتعد عن الأدب والذوق بالكلام معه لكي لا يترك له اي منفذ ليخطأ بحقه او يظن به السوء مثلا بتمييز ابنته عن زوجته الثانية ! وكم يستغرب دائما حقيقة صلة الدم والتي تربطه مع ابنته المجنونة وهي تبدو النقيض عن والدها تماما وكأنها لم تؤخذ اي شيء من صفات والدها المتميزة بالهدوء بالكلام واتزانه بوقار بكل المواقف والتي يواجهها بحياته بثبات وصبر والتفكير فقط بما يدور بمجال حياة افراد عائلته وكل ما يهمه ويعود على مصلحة عائلته ؟

عاد بنظره له وهو يقول بابتسامة واثقة باتزان
"لا تقلق يا عمي ووالد زوجتي كل شيء سيكون كما تريد وتفكر ، وكما سلمتني ابنتك امانة عندي منذ خمس سنوات فأنا بالمقابل سأحافظ عليها واعدل بحقوقها مع زوجتي الأخرى بدون اي مشاكل او شروخ ، واعدك بأني لن اخيب ثقتك او ظنك بي بأي طريقة كانت"

ابتسم والدها بهدوء وهو يحرك رأسه بصمت ونظراته ما تزال متعلقة بنظرات زوج ابنته وكأنه يحاول ان يستشف الثقة بكلماته منه ، ليقاطع بعدها الأجواء الغائمة بينهم بجمود صوت طفولي وآخر من يتوقعون كلامه وهو يقول باندفاع
"انت رائع يا احمد"

التفت بحيرة نحو الطفل والذي تابع كلامه بعفوية تناسبه
"انا احلم عندما اكبر ان اصبح رجل اعمال كبير مثلك تماما وان اتزوج مرتين من اجمل النساء على وجه الأرض وقد سمعت بأن زوجتك الثانية جميلة جدا....."

صرخ (يامن) بألم ما ان شعر بلدغة تلكز ذراعه من والدته والتي تجلس بجانبه وهي تهمس بتأنيب من بين اسنانها
"اخرس ولا تنطق بأي كلمة حمقاء ايها الطفل ، وألا حرمتك من اللعب على الألعاب الإلكترونية لسنة كاملة"

تبرمت شفتيه الصغيرتين وهو يبعد وجهه بعيدا عنها بتذمر ، لتقول بعدها بتبرير وهي تعود بنظرها للعيون المراقبة لهما بحيرة
"لا تهتم لكلامه بني فهو طفل مندفع كثيرا ولا يعلم عن ماذا يتكلم"

ضحكت بعدها (جويرية) بعصبية لتخفف قليلا من الإحراج والذي تشعر به الآن سيفتك بها ونظراتها تنتقل لابنتها والتي تكاد تحترق بمكانها وملامحها لا تعبر عن شيء سوى عن الجمود المحترق بدواخلها والظاهر على محياها ، ليتدخل بعدها (احمد) وهو يحاول تغيير دفة الكلام وابعاد جو الوجوم والذي طغى عليهم فجأة
"صحيح يا غزل لقد سمعت بأنكِ قد توقفتِ عن دراستك بالجامعة ، اتمنى ان يكون كل شيء بخير"

رفعت نظراتها بصدمة لوهلة من كانت شاردة بالطعام بطبقها بعيدا عن الجميع ، لتقول بعدها بسرعة ببعض الإحراج وهي تحاول الابتسام بود
"لا لم اتوقف عن الدراسة يا احمد فقط توقفت عن الذهاب للجامعة بظروف مرضي والذي اصبح يشكل لي خطرا على حياتي وليس من الجيد التهاون به ، لذا اتخذت الطريقة القديمة وهي العودة للدراسة بالمنزل حتى اتخرج من الجامعة ، ولكن شكرا لك على اهتمامك"

اومأ برأسه بالإيجاب وهو يقول بابتسامة هادئة بلطف
"هذا خبر رائع يا غزل ، ان تستمري بطريقكِ للنهاية رغم العقبات والتي تحول امام تقدمك هذه شجاعة كبيرة منكِ ، واتمنى حقا كل التوفيق لكِ وان تتخرجي بالقريب العاجل"

اتسعت ابتسامتها بسعادة هائمة وهي تومأ برأسها بهدوء وعينيها العسليتين تعودان للشرود بالطبق بدون اي حياة ، ليحرك بعدها عينيه لبرهة باتجاه الطفل والذي عاد للكلام بابتسامة شقية بتفكير
"احمد هناك ما يحيرني ، لما والدتي والجميع ليسوا موافقين على فكرة زواجك للمرة الثانية ، بالرغم من انها تبدو فكرة رائعة مثل شراء لعبة جديدة بعد ان شعرت بالملل من اللعبة القديمة......"

صرخت هذه المرة والدته بصرامة حادة منفعلة
"يامن"

انتفض الطفل بعيدا عن مقعده وعن جانب والدته وهو يجري بعيدا عنهم قائلا بلهفة طفولية
"وداعا ، لقد حان وقت العودة للعب الآن"

كانت العيون تتابع ابتعاده وهي تتنقل بين ممتعض ومشتعل وهادئ بشرود ، ليقطع كل هذا صوت (احمد) وهو ينهض عن مقعده باتزان قائلا ببعض الارتباك بتصلب
"عذرا منكم ، ولكني اريد الذهاب للحمام"

غادر بعدها باتجاه المسار والذي سلكه الطفل لخارج قاعة الطعام والعيون ما تزال تتابعه بانتباه ، ليعود بعدها الجميع لتناول الطعام من المائدة امامهم بهدوء ألا نظرات شخص واحد يكاد يدمي شفتيه من اسنانه الحادة والتي تنفث غضبها بشفتيها بدون اي رحمة او رأفة وكأن نار تنشب بداخلها وهي تستعر تدريجيا منتظرة الفرصة المناسبة لتهب بكل من يقف امامها وبمجال رؤيتها .

نهاية الفصل...............

najla1982 likes this.

روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-07-21, 08:58 PM   #98

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل الثامن عشر

الفصل الثامن عشر...........

بصباح اليوم التالي..........
كان جالس ببهو الجناح وهو ينظر للجدار امامه والمعلقة عليه لوحة كبيرة بألوان متداخلة غريبة مثل حياته تماما والمتموجة بهذه الألوان بدون ان يستقر على لون واحد او قرار واحد منذ دخول تلك الفاتنة ذات العيون الشاحبة لتقلب كل موازين حياته رأساً على عقب وهو ما يزال للآن يعاني من هذا التخبط بدون ان يجد حل يريحه من كل هذا ؟ وحتى بعد زواجه منها وعقد قرانه زاد فوق تخبط حياته وضغوطاتها شرارات حاقدة اصبحت محيطة حول مجال حياته تكاد تفتك به .

رفع رأسه بعيدا عن اللوحة بقوة وقد بدأت تشوش عليه تفكيره وتزيد صداع رأسه اكثر ، وخاصة بأنه لم يستطع النوم جيدا لساعة متأخرة بسبب العمل المتراكم والذي انشغل به بعد عودته من عشاء عائلة زوجته والذي كان حافلا بشد الأعصاب وبالمشاعر المتنافرة والذي استطاع ان يخرج منها حياً بشق الأنفس ، ولكن الجيد بأنه قد انتهى من ذلك اليوم التاريخي والذي اتلف اعصابه بأعجوبة يحسد عليها ، وكل ما عليه ان يفكر به منذ هذه اللحظة هو مستقبله مع زوجاته وخاصة مع زوجته الجديدة والتي لا يعلم بماذا تفكر به الآن وإلى ماذا تريد ان تصل بهذه العلاقة المشتتة ؟

اشاح بوجهه بسرعة نحو باب الغرفة والذي فُتح بهدوء لتخرج منه من كان يتمحور التفكير حولها وهي تطل عليه بهيئة جديدة عملية لفتت انتباهه ، ليتنقل عندها بنظره بتركيز بقميصها الأبيض والذي يعلوها سترة رمادية بشحوب مع بنطال جينز اسود يحدد ساقيها النحيفين بأناقة محتشمة تبدو مثل مديرة اعمال انيقة وليست معلمة للصفوف الابتدائية ، وهذا ليس غريبا عليه فقد لاحظ اكثر من مرة اناقتها الدائمة بكل مرات ذهابها للعمل لتقابل طلابها بهذه الهيئة المتزنة والتي يراها جاذبة للنظر بشكل مبهر ، وهو يشعر بذلك الشعور المقيت دائما والذي يجتاحه بكل مرة تقابل بها الطلاب بهيئة تختلف عن الأخرى بدون ان يعلم السبب لكل هذه الأناقة المفرطة والتي لا تُحتاج من معلمة تهتم بتدريس صفوف الابتدائية كيفية القراءة والكتابة ؟

انتفض واقفا بهدوء وهو ينظر لها وهي تدير حدقتيها الشاحبة بعيدا عنه قبل ان تسير للأمام باتزان متجاهلة وجوده ببهو الجناح ، ليقول بعدها بلحظة بصوت مرتفع بصرامة افزعتها وبدون ان ينظر لها
"توقفي مكانكِ يا روميساء"

توقفت بمكانها بتوتر وهي تعض على طرف شفتيها بغيظ من وجوده بالمكان وهو يؤمرها بالتوقف وكأنه حارس البوابة او ما شابه ؟ وهي التي لم تعتد على كل هذا التحكم بحياتها وعلى التشنج والضغط والذي يبعثه بوجوده والذي ملئ المكان بأكمله بالنسبة لشخصية مستقلة مثلها تحب الاعتماد على نفسها بكل شيء تفعله بحياتها بدون طلب العون من احد ، ولكن بالآونة الأخيرة اصبحت خاضعة لكل المساعدات والتي تقدم لها بسخاء بشكل يدعو للشفقة والخزي حتى خذلت شقيقتها الصغرى بالنهاية من نفسها الخانعة والتي لم تعد تعرفها وتتقمصها مؤخرا !

تنفست بهدوء وهي تستدير نحو الذي اقترب منها بجمود ليقف امامها بقوة ارهبتها بدون ان تظهر شيء على ملامحها الشاحبة ، ليتغضن جبينه من هدوئها الغريب وهو يهمس بجفاء
"إلى اين كنتِ تظنين نفسكِ ذاهبة ، ولما تجاهلتِ وجودي بالمكان وكأني غير موجود بمجال رؤيتك ، ألا ترين انه من قلة الذوق والأدب ألا تلقي تحية الصباح على زوجك والذي كان ينتظر خروجكِ منذ ساعة"

ابتلعت ريقها بتشنج وهي تخفض نظرها لكفها الممسكة بحزام حقيبتها قائلة بخفوت بارد
"اعتذر على فظاظة اسلوبي معك ، ولكني قد تأخرت كثيرا على عملي وعليّ الذهاب الآن ، فهو كل ما املكه بهذه الحياة ولا اريد خسارته"

ارتفع حاجبيه بامتقاع لبرهة وهو لا يصدق مدى برودها بالتكلم معه وكأنها لم تخطأ بشيء وهي تجيب على سؤاله بسؤال آخر لتزيد على فعلتها سوءً وكأنها قد تحولت لنسخة أخرى من شقيقتها الصغرى وهذا ليس بعيدا عنها بما انهما شقيقتان وتتشاركان من نفس الجينات ؟ ولكن لما كل هذا العداء بعد ان شرح لها السبب وبرر لها فعلته بالأمس وهو الذي ظن بأنها قد لانت وهدئت ولم تعد تحمل اي شيء من العتاب نحوه ؟

حرك رأسه بقوة وهو يبتسم بسخرية ما ان تذكر عبارة مرت على ذهنه من تلك الباردة والتي لديها عين لا تخطئ ابدا وهي تقول له
(روميساء قاسية بالعتاب وخاصة عندما يتعلق الأمر بكسر الثقة من المقربين منها)

اشاح بوجهه جانبا لوهلة وهو يتمتم باقتضاب
"سحقا لكِ يا ماسة"

انتفض برأسه للأمام ما ان قالت المقابلة له بحيرة حادة
"هل قلت اسم شقيقتي للتو"

زفر انفاسه بهدوء وهو يقول ببرود جليدي بصرامة
"هذا لا يعنيكِ ، والآن اخبريني إلى اين كنتِ تريدين الذهاب وحدكِ ، هل تظنين بأنني سأترككِ ببساطة تذهبين وحدكِ للعمل لأنكِ تمرين بمرحلة عتاب قاسية ، إذاً ما لذى اتى بي لجناحكِ وانا انتظر كل هذا الوقت فقط لأوصل الأميرة لعملها ، لأكتشف بأنها قد قررت الذهاب لوحدها وهي ليس لديها وقت لتلقي عليّ تحية الصباح حتى"

زمت شفتيها بقوة وهي ترفع حدقتيها الخضراوين بشحوب نحوه قائلة بتبرير صارم
"هذا غير صحيح ، لم اقل هذا الكلام ، فقط كل ما اريده هو ان اذهب للعمل لوحدي وان اعتمد على نفسي من الآن وصاعدا ، فأنا لا اريد ان اسبب لك المشاكل مع اي احد بالعائلة بإيصالك لي للعمل يوميا بما اننا قد عدنا لمنزل عائلتك وقد يظنون بأنك تميزني على زوجتك الأولى"

عقد حاجبيه بحدة للحظات وهو يضيق عينيه بتركيز ليقول بعدها باتزان جاد جمد مفاصلها
"ومن اخبركِ بأنني احتاج لرأيكِ او لمساعدتك لأعرف كيف اعدل بين زوجاتي ، وليكن بعلمكِ بأنه ليس له اي احد الحق بالتدخل بما افعله واتخذه بحق زوجاتي ، لذا توقفي عن قول التبريرات الفارغة والتي تستخدمينها دائما لتخرجيني من حياتك"

اتسعت حدقتيها بصدمة وهي تحرك شفتيها بارتجاف لتحاول التبرير بارتباك اظهرتها اكثر سخفا قائلة
"لا يا احمد انا كنتُ فقط لا اريد ان اتعبك معي....."

قاطعها (احمد) فجأة باندفاع وهو يمسك بذراعها ليرفع يده الأخرى وهو يشير بأصبعه السبابة امام وجهها قائلا بتهديد اشعل الأجواء من حولهما
"كفى يا روميساء فقد اكتفيت من هذا الكلام وشعوركِ بالامتنان نحوي وكأنني شخص غريب عنكِ ولست زوجك ، ولا تنسي بأن هذه الوظيفة انا التي قدمتها لكِ وقد اسحبها منكِ بأية لحظة إذا استمريتِ بهذا الامتنان والعتاب الأحمق"

انتفضت لا شعوريا وهي تهمس بوجل
"لا ارجوك يا احمد...."

توقفت عن الكلام ما ان عاد لرفع يده المضمومة مشيرا بأصبعه امام وجهها الشاحب بتحذير لتصمت تماما وهي تعبس بوجوم ، ولم تنتبه لانحدار نظراته الرمادية لشفتيها الممتلئتين العابستين بتجهم رقيق وقد سقط عنها قناع الصرامة والقوة لتظهر ارق من النسيم وهي تكاد تتوسله لكي لا يؤخذ منها الوظيفة .

افلت ذراعها بهدوء وهو يعود بخطواته للخلف بحذر ليعدل من جانبي سترته بحركة مرتبكة ، بينما كانت المقابلة له تشغل نفسها بحركات كفها وهي تعيد خصلات شعرها والتي تحررت من عقدتها لخلف اذنيها برفق .

رفعت وجهها بسرعة ما ان قال بهدوء صارم عاد لتقمصه
"هيا بنا لنذهب لعملكِ ، فأنا ايضا قد تأخرت على عملي ، وإياكِ وان تنطقي بأي اعتراض او من ذاك الكلام السخيف مرة أخرى ، سمعتي"

زمت شفتيها بوجوم وهي تومأ برأسها بالإيجاب بتصلب قبل ان تستدير بعيدا عنه لتكمل سيرها لخارج الجناح بأكمله وهي تسبقه ، بينما بقيت النظرات الغامضة عالقة بمكان اختفاءها وهو يتنفس بهدوء شاتما نفسه لأنه لم يسمع نصيحة والده منذ البداية عن خطورة التعلق ببنات عمته (مايرين) والآن فقط اكتشف صحة كلامه والتي كانت نصيحة من ذهب بذلك الوقت ليكتشف قيمته بعد فوات الآوان وبعد ان تورط قلبه وانتهى .

_____________________________
خرج من غرفة المكتب باندفاع ليصدم وهو ينظر للمكتب الفارغ والخاص بسكرتيرته وهو متأكد بأنها كانت متواجدة هنا منذ دقائق معدودة ، إذاً اين ستكون اختفت يا ترى ؟

رفع يديه وهو يمسح بهما على وجهه بحنق نافذ الصبر من هذه الفتاة والتي كانت خطأ حياته بأنه وافق على توظيفها عنده ليجلب مصيبة جديدة فوق رأسه هو كان بغنى عنها ، لم يشعر بالندم بحياته على اي قرار كان يتخذه كما شعر الآن من فكرة توظيف تلك الساحرة عنده وهو الذي لم يحمل اي هموم بحياته منذ صغره لتكون هذه الفتاة الظاهرة الجديدة بحياته والتي عليه التأقلم معها والتعايش بهذا الذنب !

اندفع بعدها بلحظات لخارج المكان بأكمله ليسير بقوة باتجاه اروقة المكاتب ، وما أن قطع مسافة قصيرة بعيدا عن مكتبه حتى توقف بمكانه بتجمد ما ان لمح الفتاة الواقفة عند الجدار بين مجموعة من مدراء الأقسام وهي تتكلم معهم بطبيعية عملية ضربته بمقتل وكأنه يشاهد فيلم قصير هزلي لم يرقه ابدا ! ولكن ليس هذا ما اشعل نظراته السوداء ودواخله بنيران مستعرة بل من نظرات المحيطين من حولها وهم يستمعون لها بإنصات شديد يحسدون عليه بدون ان ينبسوا بأي كلمة وهم يتركون لها حرية التعبير كما تشاء وكأنها مديرتهم وتدير جميع زمام امورهم بنفسها .

زفر انفاسه من بين شفتيه بتصلب مشتعل يشعر بها ستصهر انفاسه وصدره لتذيب كل ما يقف امامها ومن حولها ، تقدم بعدها عدة خطوات فاصلة بينهما وهو يرتدي قناع الجدية مخفيا كل انفعالاته خلف واجهته الهادئة ببرود ، وما ان وقف بالقرب منهم حتى تنحنح باتزان وهو يقول بابتسامة جامدة ناظرا لكل العيون والتي اتجهت نحوه بحيرة
"كيف هو الحال عند زملائي بالأقسام المجاورة ، ارى بأنكم مجتمعين بالممرات هنا مع سكرتيرتي ، ما هي المناسبة يا ترى"

كان منهم من اخفض نظراته بعيدا عنه بإحراج ومنهم من نظر له بقوة بدون اي مواربة ألا نظرات زرقاء جامدة فضلت النظر بعيدا عنه بلا مبالاة متجاهلة وجوده تماما ، ليبادر بعدها احداهم بالكلام وهو يقول بابتسامة متسعة بجدية وببعض السعادة المنتشية
"الحقيقة لقد كنا نعمل على مشروع مهم بالاقتصاد وقد اخبرتنا سكرتيرتك فجأة عن دراستها المتعلقة بالهندسة الاقتصادية ومؤهلاتها والتي تملكها عن هذه الدراسة ، وقد اثبتت لنا حقا بأنها تمتلك موهبة فريدة بهذا المجال الواسع والمعقد وقد ساعدنا هذا كثيرا بالتفكير بأبعاد المشروع والذي نجهز له ، وانا ارى بأنه من الظلم الشديد دفن موهبة مثل هذه وليس من العدل ابدا ان تبقى تعمل مجرد سكرتيرة عادية ، فهي مكانها الحقيقي بمكتب الهندسة الاقتصادية"

عقد حاجبيه ببطء شديد وهو يقبض على كفيه بجانبي جسده بتصلب بدون اي تعبير منطوق على ملامحه وهو ينقل نظراته للتي نظرت له هذه المرة وابتسامة استهانة تعلو ملامحها الباردة ، ليعود بعدها بنظراته للواقفين امامه قبل ان تحفر ابتسامة متصلبة قريبة للبرود وهو يهمس بجمود جاف
"هذا رائع يا سعيد ، ولكن هذه مجرد سكرتيرة ما تزال تدرس بالجامعة ولم تحصل بعد على الخبرة الكافية لتدير مكتب كامل ، وانا لا اريد اي مشاكل ان تحدث بقسمك بسبب اخطاء سكرتيرتي المبتدئة ، لذا من فضلك لا تكرر هذا الطلب امامي مرة أخرى فهذه سكرتيرتي انا ومكانها محجوز بقسمي انا فقط"

تجهمت ملامح الواقف امامه بعدم رضا والباقين ينظرون له بنفس الوجوم بصمت اطبق عليهم للحظات ، بينما نقل نظراته بترقب للعابسة امامه وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بقوة متحفزة تكاد تنقض عليه بنظراتها الزرقاء والتي اتسعت بقتامة ، بدون ان يعلم سبب كل هذا العبوس ؟ فهل اعجبها عرضهم حقا لذلك تضايقت من رفضه ؟

نفض كل هذه الأفكار عن رأسه وهو يتقدم نحوها ليقف بجانبها تماما قبل ان ينظر للعيون المراقبة لهما وهو يقول ببساطة
"عذرا منكم يا زملائي ، ولكني احتاج لسكرتيرتي الآن ببعض الأمور المهمة والتي تخص العمل ، واتمنى حقا ألا يتكرر ما حدث الآن امام نظري مرة أخرى لأني عندها سأغير نظرتي لكم يا زملائي من الأقسام الأخرى"

اتسعت ابتسامته ببرود وهو يمسك بيده كفها بقوة والتي شعر بتصلبها وممانعتها الصامتة ، ليشدد بعدها بلحظة من تطويقها اكثر بدون ان يسمح لها بالفرصة لتسحبها قبل ان يتحرك من مكانه بلمح البصر بدون ان ينتظر المزيد من كلامهم وهو يسحب من خلفه بقوة السائرة بحنق متصلب وهما يعودان لمسار المكتب الخاص به .

وما ان وصل لغرفة مكتبه ودخل بها وهي ما تزال تحارب باستماته لتفلت كفها حتى تركها عندها بهدوء بدون ان ينبس بكلمة ، ليستدير بعدها نحوها بقوة وهو يقول بخفوت جاد خطير شعرت به لأول مرة يخرج منه
"ماذا كان يحدث هناك ، ولما غادرتي مكان عملك"

دلكت كفها المحمرة بقوة وهي تهمس بوجوم عابس
"كل الذي حدث رأيته امامك ، وانا لست اسيرة مكتبك لأبقى مرابطة له طول الوقت فقد شعرت بالعطش وذهبت لأشرب الماء من مطبخ الشركة ، لذا توقف عن محاسبتي بكل شيء افعله فأنا لم اعمل عندك لأتحول لعبد مأمور لديك"

عض على طرف شفتيه بغضب مكتوم وهو يحاول ان يتمالك اعصابه امامها ، ليقول بعدها بتجهم وهو يشير بذراعه جانبا باستياء
"وماذا عن العمل بقسم الهندسة الاقتصادية ، هل كنتِ موافقة على عرضهم ، وما لذي جمعكِ بهم منذ البداية"

ارتفع حاجبيها ببرود وهي تقول بابتسامة ساخرة بهدوء
"اجل اكيد موافقة ومن الذي يرفض عرضا رائعا مثل هذا ، وخاصة بأنه يتعلق بمجال دراستي ، والأفضل من كل هذا بأني سأتوقف عن العمل معك مثل العبد المأمور ورئيسها والذي يتشرط عليّ دائما ويهددني براتبي بكل ساعة ودقيقة وكأنه ليس لديه هواية سوى التسلية بهذه الخادمة الحمقاء وتحريكها كما يشاء"

ارتفع حاجب واحد بخفة وهو يقترب منها ليصبح على بعد خطوة وهو يهمس بخفوت جامد بعد ان اخفض وجهه امامها ببرود
"هل تقصدين بكلامكِ بأنني اظلمكِ بعملكِ معي واحملك مسؤوليات اكبر من حجمك ، وتريدين التخلص مني بالبحث عن عمل آخر بقسم مختلف لا تعرفين عنه شيئاً ، ولكنكِ نسيتِ بأنني انا من اقرر هنا مسار وظيفتكِ واين ستعملين بهذه الشركة ، وعندما اقول بأنكِ انتِ سكرتيرتي فأنتِ ستبقين هكذا حتى تقرري ترك الوظيفة بنفسك"

انفرجت شفتيها بأنفاس حادة وهي تنظر باتساع لوجهه القريب منها لتبتسم بعدها ببطء مستفز وهي تقول بابتسامة حاقدة
"وماذا ستفعل لو اخبرتك بأنني لا اريد العمل معك بعد الآن وارغب بالعمل بالمجال والذي يعجبني وهو قسم الهندسة الاقتصادية ، فهل تستطيع منعي من فعل هذا"

ارجع رأسه للخلف قليلا وكلماتها قد ضربته بوجهه بكل وقاحة وهي تتحدى أمره وكلامه السابق بدون اي حواجز او خجل وهو لا يعلم هل يضحك على سذاجته عندما ظن بأنها ستخضع لأمره ام يسخر من تفكيره بهذه الكتلة الباردة والتي تعشق استفزازه وتحديه بكل شيء يفعله ؟ ليحاول بعدها الابتسام ببرود وهو يعود بنظره لوجهها الساخر امامه ليقول عندها بجمود خافت بدون ان يظهر شيء على ملامحه
"لن تفعليها لأنني لن امنعكِ بل ستخسرين الكثير من اجل هذه الفعلة واولها وظيفة السكرتيرة عندي والتي كنتِ تتوسلين لي لتحصلي عليها ، فهل ستضحين بكل شيء من اجل وظيفة بمكان لستِ متأكدة من بقائها وقد تكون مجرد وقت فقط قبل ان يكتشفوا سوء اختيارهم"

اومأت برأسها بجمود وهي تبعد وجهها من امامه قائلة ببساطة وهي تحرك كتفيها باستهانة
"اجل موافقة اي شيء لأتخلص من هذه الوظيفة المقيتة والتي لم تجلب لي سوى هدر الكرامة بمكان لا يناسب مستواي ، وبخصوص عملي بتلك الوظيفة فسنرى مع الوقت من سيكتشف سوء اختياره"

وما ان انهت كلامها ببرودة تحسد عليها حتى استدارت بعيدا عنه بإيباء وهي تعيد ذيل حصانها لخلف كتفها بصمت ، ولكن ما أن خطت خطوتين بعيدا عنه امام نظراته والتي اتسعت بشراسة حتى شعرت بقوة تسحبها للخلف بلحظة بفعل يده والتي امسكت بذراعها بقسوة ليديرها نحوه بعنف غير آبه بنظراتها المستنكرة بدهشة وهو يقربها امامه بقوة ووجهه مقابلا لها تماما قبل ان يهمس بصرامة نافذة للصبر وهو يضرب انفاسه الحادة ببشرة وجهها بانفعال
"كفى توقفي عن اللعب معي بمثل هذه الطريقة الدنيئة يا ماسة فهذا ليس ممتعا ابدا ، فأنا حقا لم اعد اتحمل طريقتكِ الوقحة والباردة بالتعامل معي بعد ان قدمت لكِ الوظيفة والتي تريدينها وبعد ان تجاوزت عن كل زلاتكِ بالعمل معي ، بالرغم من انه كان بإمكاني ان اطردكِ بأول يوم اتيتِ به للشركة بوقت متأخر واخلفتِ بالموعد بيننا ، ومع ذلك ما أزال اصبر نفسي واقول بأنها تبقى ابنة عمتي وتحتاج لبعض الوقت لتتكيف مع الوظيفة الجديدة وتحترم مديرها ولو من باب الذوق"

نظرت له بهدوء بارد لبرهة بدون ان تتأثر ولو قليلا بكلماته ونظراته السوداء والتي تكاد تفترسها ، لتبتسم بعدها بدون اي تعبير وهي تهمس بجفاء
"وماذا كنت تتوقع من ابنة مجرم غير هذا ، وايضا اللوم يقع عليك انت بكل هذا لأنك لم تطردني من الشركة للآن وما تزال تتحمل مضايقاتي لك ووقاحتي معك بالعمل"

عقد حاجبيه بحدة وهو يزفر انفاسه بوجهها بسخونة احرقت ملامحها الرخامية بضيق وهي تحاول تحريك وجهها بعيدا عن نيرانه المستعرة بحركة شرسة بعنفوان ، عضت بعدها على طرف شفتيها بألم ما ان شدد اكثر من القبض على ذراعها وهو يرفع يده الأخرى ليربت بها على كتفها قائلا ببساطة
"لا اريد ان اسمع منكِ لقب ابنة مجرم تقولينها امامي مرة أخرى يا ابنة عمتي ، فأنا لا أحب ان ينعت احد ما يخصني بمثل هذه الألقاب الغير محببة والتي تقلل من قيمته امامي"

ارتفع حاجبيها بعدم استيعاب وهي تكرر من خلفه باستنكار
"ما يخصك"

اومأ برأسه بثقة باردة وهو يرفع كفه عن كتفها ليمسك بها جانب وجهها وهو يضغط بأصبعه الإبهام على وجنتها هامسا امام وجهها بابتسامة جانبية بغموض
"اجل يا عزيزتي فأنا قد اتخذت قراري الصائب والذي سيريح كلينا لنحل مشكلة عقابكِ على مخالفة اوامر مديركِ واستفزازه على الدوام وبدون ان نضطر لطردكِ من الشركة ، واقصد بكلامي بأننا سنفعل كما فعل شقيقي وشقيقتك وسنسير على خطاهما بزواج الأقارب ، ولكن الاختلاف بأن زواجنا لن يكون بالسر بل سيكون على العلن وامام كل العالم ، وهذا العقاب الأنسب والذي سيرضي غروركِ يا ابنة عمتي"

تجمدت ملامحها بصدمة لوهلة وهي تعبس ببطء مرتجف قبل ان تشيح بوجهها بعنف بعيدا عن كفه ، لتعود بعدها بنظرها له وعينيها تزداد اتساعا مع ارتفاع حاجبيها السوداوين بوجوم وهي تهمس بخفوت حاد
"انت تحلم"

ابتسم ببرود وهو يلوح بيده الأخرى قائلا بلا مبالاة
"هذا رأيكِ انتِ وهو لا يهمني ، لأني انا مديركِ هنا وما أقوله سينفذ بدون اي اعتراض لتفكري مئة مرة قبل عصيان اوامري ، والآن حاولي التمرد على قراراتي لأجعل زفافنا يكون اليوم قبل الغد ، فأنا صبري معكِ قد اصبح قليل واي خطوة متهورة منكِ سأردها لكِ بعشر خطوات ، لذا احذري"

زمت شفتيها بغيظ وهي تنظر له بتصلب احداقها الزرقاء مقابل سواد عينيه الباردة والتي تكاد تبتلعها بدوامة مظلمة قاسية تشعر لأول مرة بالضعف المخزي امامها ! لتخفض بعدها نظراتها بسرعة للأسفل وهي تتلوى بشراسة محررة قيودها منه ما ان سمعت طرق على باب المكتب من خلفها بنغمة هادئة رقيقة .

اخفض يديه بعيدا عنها ببطء وهو ينظر لها باهتمام وهي تدلك ذراعها والتي كان يمسك بها بعنف معيدة خصلات شعرها لخلف اذنيها بقوة ، لينقل بعدها نظراته لباب المكتب والذي فُتح فجأة لتطل منه ذات الشعر الأشقر وهي تقول بنعومة مغرية
"مرحبا بالمدير المشغول على الدوام والذي لم نعد نراه بالأرجاء ألا نادراً ، لو تعلم فقط كم هي الحياة مملة بدونك وكأنني اعيش بحلقات مفرغة ، لذا قررت القدوم إليك لأتخلص من هذا الملل برفقتك واتمنى ألا اكون قد اتيت بوقت غير مناسب"

ابتسم (شادي) بجمود بدون كلام وهو يحرك عينيه نحو التي ما تزال تنظر للأسفل بوجوم ، بينما كانت (لينا) تنظر بحيرة لسكونهما قبل ان تتسع عينيها الخضراء بانشداه غير مصدق ما ان استدارت الجامدة بمكانها باتجاهها ببطء وهي تنظر لها ببرودة جمدتها بمكانها للحظات بدون ان تعلم سبب ذلك الخوف والذي بعثته بأطرافها برعشة طفيفة ؟ وهي تدور بنظرها بملامحها بحذر والتي تراها لأول مرة بكل هذا القرب بدون ان تمنع الإعجاب من الظهور بمقلتيها المتمعنة بالتمثال الواقف امامها وهو يمثل كل سمات الجمال الممزوج بقوة غريبة والذي ليس له اي صلة بنعومة الإناث فقط صلابة وبرودة تنخر الاطراف بمشهد حابس للأنفاس !

قطع التواصل بينهما صوت (شادي) وهو يقول بأمر صارم
"ماسة هيا عودي لمكانكِ بالعمل ، وإياكِ وان تغادريه مرة أخرى وألا تعلمين ماذا سيحدث"

حادت بنظراتها بلا مبالاة نحو الواقف من خلفها للحظات قبل ان تسير بعيدا عنه وهي تتجاوز الواقفة عند الباب لتخرج من المكان بأكمله بصمت ، لتلتفت تلك الأحداق الخضراء وهي تتابع خروج ذلك التمثال بانشداه ما يزال يسيطر عليها وإعجاب فتك بها وقسم انوثتها لنصفين وكأنها كانت الآن بتحدي بالأنوثة لتخرج منها محملة بأذيال الخيبة والهزيمة وهي تعترف بها لأول مرة امام احد !

_____________________________
كانت تدون بالقلم بسرعة متعثرة على طول الورقة امامها متزامنا مع نظراتها والتي كانت ترفعها كل حين باتجاه الواقف امامها والذي كان مشغول بالقراءة من على الكتاب بصوت جهوري عملي بسرعة متفاوتة بدون اي تأني او رأفة بحالة اصابعها ، وهي تحاول بكل جهدها مجاراة سرعته بالقراءة وكتابة كل شيء ينطق به ويصل لمجرى سمعها مع اخطائها الإملائية الكثيرة والفادحة والتي لم تستطع تعديلها وهي تسابق الزمن متابعة كتابتها بخط متعرج بدون ان تأبه بشكله !

قاطعته بعدها عن كلامه المسترسل وهي تقول بهلع لترفع كفها الممسكة بالقلم بسرعة
"انتظر قليلا يا استاذ هشام"

عبست ملامحه بوجوم وهو يخفض الكتاب من امامه بتصلب ناظرا لها بضيق ، بينما كانت (غزل) تعدل على الكلمات المبعثرة لتدونها بالشكل الصحيح وعلى السطر ، لترفع بعدها بلحظات نظراتها نحوه وهي تهمس ببراءة
"حسنا ، يمكنك ان تكمل القراءة الآن"

عقد حاجبيه بجمود وهو ينظر لها بدون اي تعبير وبصمت اطبق عليهما للحظات ، لتقطع بعدها الصمت وهي تهمس بابتسامة متوجسة
"ماذا هناك يا استاذ هشام"

تنهد بهدوء وهو يلوح بالكتاب امامها قائلا بجفاء حاد
"هل تعلمين كم مرة قاطعتي سير الدرس وبكل مرة اضطر لإعادة نفس الكلام مئة مرة ، وهذا امر مستفز جدا ويشتت التفكير عن الدرس"

عبست ملامحها بارتجاف وهي تهمس بامتعاض خافت
"اعتذر يا استاذ ، ولكني لا استطيع اللحاق بكل شيء تقوله وانت تتكلم بسرعة قياسية"

ارتفع حاجبيه بدهشة مصطنعة وهو يتمتم بسخرية ضاربا الكتاب بجانب جسده بقوة
"حقا هذا رائع ، طالبة جامعية على مشارف التخرج لا تستطيع اللحاق بما يقوله استاذها بسبب سرعته القياسية ، ولكن يا ترى كيف كنتِ إذاً تدونين كل ما يقوله اساتذتكِ بمحاضرات الجامعة ام ان هناك كان الحال مختلف"

اخفضت نظراتها للقلم بيدها وهي تتلاعب به قائلة بإحراج شديد
"لقد كانوا يتكلمون بسرعة ولكن ليس بسرعتك ، وعندما لا استطيع مجاراة سرعتهم بالكتابة انقل محاضراتي من زملائي بالدفعة"

حرك رأسه وهو يدعي الفهم قبل ان يقول بتفكير مستفز
"وماذا عن محاضراتي ، ماذا كنتِ تفعلين بها"

ردت عليه من فورها بخفوت لا يكاد يسمع
"لقد كنتُ انقلها من الطلاب"

تنهد بهدوء وهو يقول بسخرية قاتمة
"حجة واهية على فتاة بعمرك ، هل افهم من هذا بأنكِ تعانين من مشاكل بالكتابة"

حركت رأسها بالنفي بارتباك وهي تهمس بحياء يكاد يفتك بها بدون ان تنظر له
"لا لست اعاني من مشاكل فقط انا بطيئة بالكتابة بعض الشيء وهذه مشكلة تلازمني منذ زمن"

ارتفع حاجبيه بوجوم وهو يقول بابتسامة جامدة
"هذا امر يدعو للاهتمام ، ظننت بأنكِ تعانين بمرض بالقلب ليتبين بأنكِ تعانين ايضا ببطء بالكتابة ، هل لديكِ مشاكل اخرى تعانين منها لنكون على معرفة شاملة بمشاكلكِ"

زمت شفتيها بحنق وهي ترفع وجهها نحوه لبرهة لتقول بعدها لا شعوريا بغضب مكتوم منفعل احمرت معها وجنتيها حتى تحولتا لجمرتين مشتعلتين
"هذا الأمر لا يدعو للسخرية يا هشام"

ابتسم بهدوء وهو يستمتع لأول مرة بإغضاب هذه الطفلة والتي تقع دائما بالمشاكل وهي تناديه باسمه مجردا بنغمة صوتها المحببة ، ليتمالك بعدها نفسه وهو يرفع الكتاب امامها بلحظة ليضرب به على مقدمة رأسها قائلا بجدية مزيفة
"اصمتِ يا سلحفاة وإياكِ وان تتجاوزي حدودكِ مع استاذكِ"

اتسعت عينيها العسليتين بعبوس وهي لا تصدق ما يفعله بها وليس من نعته لها بالسلحفاة بكل جرأة بل من حركته وهو يضربها بالكتاب بمقدمة رأسها كما يفعلون مع الطلاب المشاغبين وكأنها طفلة متمردة امامه وتحتاج للعقاب ؟ وما ان كانت على وشك الكلام حتى قاطعها صوت طرق خافت على باب غرفة الجلوس مخترقا الصمت من حولهما .

اخفض (هشام) الكتاب بعيدا عنها وهو يشيح بنظراته جانبا بتصلب ، لتقف بسرعة عن الأريكة وهي تتجه من فورها بخطوات مرتبكة لباب الغرفة ، وما ان فتحت الباب حتى اطل عليها من كانت تتوقع وجودها وصاحبتها التي ارسلتها لهذا المكان وهي تناولها الصينية قائلة باحترام
"تفضلي يا آنسة غزل ، هذا بعض الكعك ليشبع جوعكما فأنتما اكيد تشعران بالتعب بعد كل هذا الوقت بالدراسة"

تجهمت ملامح (غزل) وهي تهمس بخفوت صارم
"لا اريد شكرا ، ونحن لا نحتاج لشيء"

وقبل ان تنطق الخادمة امامها بشيء كانت قد اغلقت الباب بوجهها بقوة وهي تتنفس بغيظ مشتعل مما تسببه لها من إحراج مفرط غير طبيعي ، فهذه ليست المرة الأولى والتي تبعث بها بالخادمة لتحضر لهما بكل مرة شيء مختلف عن الآخر بدون اي توقف او استسلام .

تنفست بهدوء وهي تعود للسير باتجاه الواقف امامها بجمود ، وما ان وصلت امامه حتى قالت بإحراج مرتبك وهي تنظر لكفيها المضمومين بوجوم
"انا اعتذر على ما حدث الآن ، فأنا لا اعلم ما لذي اصاب الخادمة لتطرق باب الغرفة علينا بكل دقيقة"

ابتسم المقابل لها بتركيز وهو يحرك رأسه قائلا ببساطة ساخرة
"لا بأس ما كان عليكِ طردها بهذه الطريقة بل كان عليكِ اخذ الطعام منها وتناوله هنا بالغرفة ، فيبدو بأنه ليس لديكِ الوقت الكافي لتركزي على الدرس وانتِ تشغلين وقتكِ بمقاطعة استاذكِ وفتح الباب للخادمة بكل دقيقة وكأنه ليس لدي شيء افعله سوى ان اتفرغ لكِ ولمشاكلك"

زمت شفتيها وهي ترفع نظراتها نحوه هامسة باستياء
"هل سخرت مني للتو"

زفر انفاسه بغضب وهو يقول بصرامة حادة ارهبتها
"اسمعي يا غزل انا هنا من اجل ان اهتم بتدريس كل مساقات دراستك بجانب اعمالي الأخرى بالجامعة ، لذا عليكِ ان تكوني متعاونة معي قدر الإمكان بدون ان نتعب انفسنا اكثر من هذا ، فهذه الوظيفة قد اصبحت متعبة جدا عليّ وانتِ تزيدين الحِمل اكثر بدلالكِ ومشاكلكِ التي لا تنتهي"

ارتفع حاجبيها بامتقاع لوهلة وهي تتلقى كلمات جارحة ضربتها بالصميم ولم تعرف يوما بأنها ستشعر بكل هذا التأثر من كلمات سمعتها كثيرا من والدتها ومن كل من حولها ولكنها عندما تخرج منه تكون اكثر ألماً وعمقاً على روحها ؟ اخفضت نظراتها وهي تهمس تلقائياً بدون ان تمنع نفسها اكثر
"لم يجبرك احد على اخذ هذه الوظيفة"

عبست ملامحه بصرامة وهو يقول بارتفاع حاد
"ماذا قلتِ الآن"

انتفضت وهي ترفع نظراتها نحوه بوجل هامسة بعفوية
"هي التي فعلت ولست انا"

ردّ عليها بعدم استيعاب بعبوس
"من هي التي فعلت"

حركت رأسها باهتزاز وهي تبتلع ريقها بتشنج لترتمي بعدها جالسة بسرعة على الأريكة من خلفها وهي تمسك بالدفتر والقلم قائلة ببساطة متوترة
"هيا بنا يا استاذ هشام ، علينا ان نتعاون معا لنستطيع ان نخفف عليك الحِمل والذي تحمله فوق عاتقك ومن اجل ان ننتهي من هذا الدرس بسرعة والذي طال كثيرا"

رفع حاجب واحد بحدة وهو يحرك رأسه بعدم فهم من تقلباتها المزاجية ، ولكن كل ما يهمه الآن بأنها قد عادت لطبيعتها المطيعة ليستطيع ان ينتهي معها من هذا الدرس المقيت ومن هذا المنزل بأكمله ، وهو لا يعلم للآن ما هي الحماقة والتي دفعته لقبول مثل هذه الوظيفة ؟

يتبع...............

najla1982 likes this.

روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-07-21, 09:12 PM   #99

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

كانت تنظر له بحدقتيها الخضراء بجمود بدون ان تحيد بنظراتها عنه ولو قليلا وهي تصوبها نحوه منذ ما يقارب الساعة من فوق مكتبه مسندة ذقنها فوق قبضتها المنتصبة بإيباء وهي تحرك ساقيها امامها واضعة ساق فوق الأخرى برتابة لتضرب طرف الطاولة امامها كل حين وكأنها تبثها غضبها بدون ان يعيرها الجالس خلف المكتب اي انتباه ! وهذا ما دفعها اكثر لتزيد ضرباتها بقدمها بطرف الطاولة بقوة مكبوتة ، وما ان عادت بالضرب بقدمها بطرف الطاولة بقوة اكبر حتى التفت الجالس هناك لبرهة وهو ينظر لها بنظرات باردة غير معبرة قبل ان يعود بنظره امامه وكأن شيء لم يكن .

عبست ملامحها الفاتنة وهي ترجع رأسها بعيدا عن قبضتها بهدوء لترفع بعدها وجهها نحوه بغرور وهي تهمس بامتعاض خافت
"إذاً ألن تخبرني ما لذي تفعله ابنة عمتك بشركتك ، وهل هي صحيح تعمل هنا"

حاد بنظراته نحوها بهدوء قبل ان يومأ برأسه ببرود وهو يقول بلا مبالاة
"اجل انها تعمل معي بالشركة وهي تكون سكرتيرتي الجديدة"

ارتفع حاجبيها ببطء وتفكير وهي تهمس بنعومة حائرة
"ولكن ماذا حدث مع السكرتيرة القديمة ، فكل ما اذكره بأنها كانت بحالة يرثى لها بآخر مرة رأيتها بها قبل ان تنقلها بنفسك للمشفى"

عقد حاجبيه بوجوم ما ان تذكر تلك الحادثة والقنبلة والتي تلقاها من تلك الفتاة المريضة وجميع المشاعر والتي اجتاحته بذلك الوقت والتي تخلص منها ما ان خرج من المشفى بأكمله وأمن على حياتها وكأنه المسؤول عن مصيبتها بدون ان يعلم سبب كل هذا الكرم والذي خرج منه فجأة باتجاه تلك الفتاة الغريبة ؟ قال بعدها بلحظات بهدوء وهو يعود بنظره للأوراق امامه ببساطة
"هذا الأمر لا يعنيكِ يا لينا"

زمت شفتيها بحنق وهي تنظر له بتركيز متصلب للحظات بدون ان تمنع الحزن من القفز بمقلتيها ، لتتنهد بعدها بثواني بهدوء وهي تهمس بابتسامة شاردة بحزن
"شادي هل ما زلت غاضب مني بسبب ما حدث بذلك اليوم عندما تعبت سكرتيرتك القديمة ولم اقدم لك يد العون بوقتها وبدلا من ذلك سخرتُ من فكرة اخذها للمشفى"

رفع نظراته لها للحظات قبل ان يتمتم باقتضاب
"وماذا تظنين مثلا"

عقدت حاجبيها بارتباك وهي تضم قبضتيها معا عند صدرها بإغراء قائلة بتوسل حزين
"لا تقل مثل هذا الكلام يا شادي ، فأنت تعلم جيدا بأنني فتاة مندفعة ومجنونة بعض الشيء ، ولكني دائما بعد كل تصرف خاطئ افعله بحياتي اعود واندم عليه ، لذا ارجوك ان تسامحني على جنوني ولا تقطع رباط الصداقة بيننا فقد اشتقت كثيرا لرفقتك فكل شيء بدونك قد اصبح لا يطاق ابدا والندم يمزقني لأشلاء"

حرك (شادي) رأسه بقوة وهو يلوح بيده جانبا قائلا بابتسامة هادئة
"لا بأس يا لينا فأنا من المستحيل ان اغضب عليكِ او ان احمل اي ضغينة نحوك ، فقد تحملتِ مني الكثير من المواقف المحرجة بسبب جنوني وقد حان الوقت الآن لأتحمل انا ايضا بعضا من جنونكِ ، وهكذا سنكون متعادلين"

اتسعت ابتسامتها بسعادة وهي تعيد خصلات شعرها القصيرة لخلف اذنيها بنعومة قبل ان تهمس بابتهاج لمع بمقلتيها الخضراء بلهفة
"وانا مستعدة لتحمل اي شيء منك مقابل ان تغفر لي زلتي"

ابتسم (شادي) بهدوء وهو يتنقل بنظراته بملامحها المشعة سعادة قبل ان يقول بابتسامة جانبية
"إذاً هلا توقفتِ الآن عن ضرب الطاولة امامك كل دقيقة ليس من اجل الطاولة بل من اجل قدمكِ والتي ستكون تورمت الآن ، فهذا لن يكون جيدا"

اومأت برأسها وهي تضحك بمرح لتنزل ساقيها قائلة بطاعة
"حاضر يا سيدي المدير"

حانت منه التفاتة نحو باب غرفة المكتب ما أن فُتح فجأة لتدخل منه الممسكة بصينية القهوة وهي تسير للداخل ببساطة بدون ان تطرق على الباب اولاً من باب الأدب ، ولم ينتبه احد للتي قبضت على كفيها بقوة فوق ساقيها حتى احمرت مفاصلهما وهي تتابع حركات التي كانت تسير امامهم بإيباء متزن تحسد عليه ونظراتها جامدة فقط على الجالس امامها بدون ان تعير وجود الأخرى اي انتباه .

وضعت صينية القهوة فوق سطح المكتب امام نظراته السوداء الباردة بهدوء وهو يحرك القلم بين أصابعه بحركة رتيبة بدون ان يترك تواصل عينيها الجامدة عليه بغموض وكأنه يستمتع بهذه الحرب الباردة بينهما ، تدخلت بعدها الجالسة امام المكتب وهي تقول بابتسامة جانبية بإغراء
"عزيزتي هلا قدمتي لي كوب قهوتي"

حادت بنظراتها باتجاهها لبرهة قبل ان تمسك بكوب قهوتها من على الصينية ، لتسير بعدها نحوها بصمت امام نظراته والتي تحولت من البرود للتجهم وهي تقدم لها كوب قهوتها وكأنها تعمل عندها ، وما ان مدت كوب القهوة امامها حتى رفعت كفيها لتحاول التقاطه بلحظة قبل ان تباغتها الجالسة امامها بحركة مفاجئة وهي تفلت الكوب من بين كفيها بدون ان تمسكه لينسكب بقوة على ذراعيّ الواقفة امامها بتعمد قبل ان يسمعوا باللحظة التالية صوت تحطم الكوب على الأرض الرخامية من اسفلهم بقسوة .

انتفض (شادي) واقفا عن مقعده وهو ينظر بصدمة للمشهد والذي حدث امامه وكأنه ينظر لمقطع من مسرحية بطيئة رديئة الإخراج وليس لانسكاب كوب قهوة ساخنة على ذراعيّ ابنة عمته بدون ان يظهر عليها بأنها تأثرت بالأمر !

قطع الصمت بين ثلاثتهم تأوه الجالسة امامها وهي تهمس بتأسف حزين
"انا اعتذر بشدة يبدو بأن الكوب قد انزلق مني بدون ان اقصد ، حقا انا آسفة لم اقصد ان اؤذيكِ"

رفعت نظراتها نحوها بجمود لبرهة وهي تنفض ذراعيها للأسفل بقوة قبل ان تهمس بابتسامة باردة منحوتة بملامحها بقسوة عميقة
"لا عليكِ فأنا دائما اعذر الناس امثالكِ والذين يعانون بصعوبة بالتفكير وبطء شديد بالإدراك بدون ان يكون لهم اي ذنب بهذه العيوب والتي ولدوا معها ، لذا لا تقلقي وعذرا منكِ"

اتسعت عينيها الخضراء بانشداه لوهلة وهي تفغر شفتيها بعدم استيعاب من كلامها الغريب عنها وهي تلمح بأنها من ذوي الإعاقة الجسدية والعقلية او شيء من هذا القبيل بدون ان تفهم اي كلمة مما نطقت به الآن ؟ بينما انسحبت من امامها من كانت تدلك على ذراعيها من فوق قميصها المبلل بسائل القهوة الحار بكفيها برتابة ، ونظراته الحادة بتركيز تتابعها بقوة بدون ان يفهم حركتها وهو يكاد يقسم بأنها لم تتأثر ولو قليلا من سخونة القهوة والتي ستكون حرقت جلدها من تحت قميصها ، فهل هو مجرد تمثيل ام انها حقا لا تتألم ؟

____________________________
وقفت امام صنبور الماء المفتوح وهو يهدر الماء بقوة مخترقا السكون من حولها وهي ترفع ذراعها المكشوف امامها ببطء بعد ان رفعت كم القميص لفوق مرفقها ليظهر احمراره القاني وتجمد الدماء بداخله والذي افسد بياض بشرتها الجليدية ، لتغمض بعدها عينيها وهي تعصر جفنيها فوق احداقها بقوة ما ان وضعت نصف ذراعها فوق الماء الهادر وهي تشعر بانقباض حاد احتل جسدها واحشاءها بشعور لم تشعر به منذ زمن وقد كانت قد نست عذابه وهو يطرق جسدها بنيران حارقة عادت للالتهاب بداخلها لتفتح ندوب الماضي مع ندوب الحاضر .

تنفست بارتعاش بثواني وهي تبعد ذراعها من فورها لتضع ذراعها الآخر مكانها والماء يهدر فوقها ببرودة شبيهة بألسنة اللهب على بشرة ذراعيها الحمراوين والدماء مخضرة بهما وهي تدل على قدم الحروق وعمرها والذي تجاوز اكثر من خمس سنوات كاملة بدون ان يختفي ولو قليلا من احمرارها القاني ، رفعت بعدها بلحظات جفنيها الحمراوين لتظهر احداقها البحرية وهي تجمع الدموع بأطراف حدقتيها ببطء شديد وبحرارة مؤلمة وكأن حرارة ذراعيها وصلت لحدقتيها لتبثها آلامها وتشنجات جسدها القاتلة !

ابعدت ذراعها بعيدا عن صنبور الماء لتقفل عندها هدر الماء والذي سبب لها طنين بأذنيها ليحل الصمت بلحظة على أنحاء الحمام الملحق ، رفعت بعدها بجمود ذراعيها المكشوفين وقطرات الماء تسيل منها ببطء مؤلم وامام نظراتها الجليدية وقد خفف قليلا من احمرار ندوب حرارة القهوة ليبقى فقط ندوب الماضي مسيطرة على بشرة ذراعيها بدون ان تتركها وشأنها وهي تشكل حماية لها لكي لا تشعر بأي حرارة تصيب ذراعيها ولو اشعلت نارا فوق بشرتها فلن تشعر بها سوى بداخلها وهي تحرقها ببطء لتنهش عظامها بدون ان تشعر بشيء بعد ان فقدت الحق بالتألم ليكون آخر شيء تتألم منه هو حرارة قهوة لا تساوي شيئاً امام رماد سيجارة مشتعلة كانت بشرتها مطفأتها ؟!

اخفضت ذراعيها بسرعة وهي تنزل اكمام قميصها على كل منهما لتخفي ذراعيها بعيدا عن الذي كان يطرق باب الحمام وهو يهتف بقلق
"ماسة افتحي باب الحمام فورا"

تنهدت بهدوء وهي تدلك على ذراعيها من فوق قميصها بقوة وكأنها تنفض الألم عنهما ، لتسير بعدها بثواني باتجاه باب الحمام قبل ان تفتحه بهدوء وهو ما يزال يطرق عليه برتابة ، توقف عندها عن الطرق لوهلة وهو يخفض نظراته للتي ظهرت امامه من خلف الباب بهدوء ، ليخفض بعدها قبضته بوجوم وهو يقول بعبوس متصلب ناظرا لهيئتها الجامدة بغموض
"ماذا حدث معكِ ، ولما كنتِ تقفلين باب الحمام على نفسكِ"

زمت شفتيها بقوة وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه بلا مبالاة ، تجهمت ملامحه فجأة وهو يرفع يده باندفاع ليمسك بذراعها قائلا بانفعال حانق
"ما بكِ يا ماسة....."

توقف عن الكلام ما ان شهقت المقابلة له بتشنج منتفض شعر به يسري على طول ذراعها الممسك بها برعشة بعثت بدواخله ، ليفلت بسرعة ذراعها بوجل وهو يراقب يدها والتي ارتفعت لذراعها بتلقائية لتدلكها بارتجاف واضح ، عبست ملامحه بقوة وهو يهمس بأمر واقع
"لقد تأذيتِ من الحرق صحيح"

تصلبت ملامحها لبرهة بدون اي تعبير وهي تخفض نظراتها للأسفل بوجوم وبصمت دام للحظات ويدها ما تزال تدلك على ذراعها بصمت تام ، ليتنفس بعدها بغضب مكتوم مما يحدث معه فبدل ان يفكر بالحرق والذي اصابها امام عينيه كان يفكر فقط بالسبب والذي لم يجعلها تفكر بقتل (لينا) على فعلتها والألم والذي لم تظهره بملامحها ما ان انسكبت سخونة القهوة فوق ذراعيها ؟

تنهد بقوة وهو يرفع ذراعه نحوها بتلقائية قائلا ببساطة
"ارفعي ذراعيكِ لأرى مدى الحرق والذي تسبب به ببشرة ذراعيكِ"

امتعضت ملامحها وهي تتراجع للخلف بحذر قائلة بخفوت صارم
"هذا لا يعنيك وإياك وان تتدخل بما لا يخصك ، وابتعد عني فورا"

اخفض ذراعه بقوة وهو يتقدم امامها بخطوات جامدة بعد ان تجاوز باب الحمام وهو يقول بأمر حازم
"انا لا امزح معكِ يا ماسة ، ولا تقلقي فأنا لن أؤكلكِ فقط اريد ان ارى مدى سوء الحرق وإذا كان يحتاج للطبيب ام لا....."

قاطعته بصراخ منفعل وهي تضم ذراعيها لصدرها بحركة دفاعية صدمته
"إياك وان تقترب مني يا شادي ، فأنا لا احتاج لأي طبيب ولا لأي احد فقط ابتعدوا عني وسأكون بأفضل حال"

ارتفع حاجبيه بدهشة عابسة وهو لا يصدق كل هذا الاندفاع والخوف فقط من رؤيته لحرقها والذي لا يعلم للآن مدى سوئه وضرره ؟ ليندفع بعدها بخطوتين بلمح البصر وقبل ان تتدارك نفسها كان يمسك بكتفيها برفق بدون ان يلمس ذراعيها وهي تحاول ان تتلوى بعيدا عنه بضعف منقبض .

قال بعدها بلحظات من بين اسنانه بنفاذ صبر وهو يشدد على كتفيها بهدوء بدون السماح لها بالتحرك
"كفي عن المقاومة يا ماسة واتركيني انظر للحرق فأنا لن اؤذيكِ ولست افكر بفعل ما يؤلمك"

هدئت قليلا لوهلة وهي تتنفس بحدة منفعلة ضربت وجهه بلهيب انفاسها وهي تخدش بشرته ، وما ان كان على وشك الكلام حتى تشنجت ملامحه بألم ما ان ادارت وجهها بلحظة جانبا لتعض بكل قوتها بأسنانها الحادة على كفه الممسكة بكتفها بكل حقدها ، ليبتسم بعدها بغيظ بدون ان يتأثر بأسنانها الحادة والتي انغرزت بلحم يده وهو ينظر لها قائلا ببرود جليدي
"هذا الذي تفعلينه لن يفيدكِ سوى بأتعاب انيابكِ"

كانت تضغط بأسنانها الحادة على اصابع كفه بقوة حتى لم تشعر بدموعها وهي تتحرر من مقلتيها لا إراديا لتسيل فوق اصابعه برفق ، لتتغضن بعدها ملامحه بحدة لبرهة وهو ينفض يده بعيدا عن اسنانها قبل ان يمسك بها ذقنها ليديرها نحوه بلحظة وهو يرفع وجهها مقابلا له بقوة ، اتسعت عينيه السوداء بصدمة وهو ينظر لحدقتيها البحرية والتي كانت تنهمر منها الدموع على وجنتيها الحمراوين وببرودة متصلبة ، ليقول بعدها بابتسامة جادة ببعض الحدة بدون ان يفلت ذقنها
"ما مناسبة هذه الدموع الآن"

سكنت بمكانها للحظات وهي تعض على طرف شفتيها الحمراوين بقوة محاولة إسكات نحيبها الخافت والتشنجات بجسدها بغصة شطرت حنجرتها لنصفين ، لم يشعر بعدها بنفسه وهو يسحبها لصدره ليعانقها بهدوء بالغ وهو يشدد من تطويق جسدها بذراعيه بقوة كانت تزداد تدريجيا مع كل انتفاضة تخرج منها سيطرت عليه وهو يحاول امتصاص تشنجاتها الغريبة وذبذبات جسدها والتي هزت جسده معها بارتجاف عنيف !

كان يربت على ظهرها برتابة وهو يقول بابتسامة هادئة بضيق
"حسنا يا ماسة كما تريدين لن نذهب للطبيب ولن نرى الحروق ، فقط توقفي عن هذا البكاء والضعف والذي لا يناسبكِ بتاتا"

اخفض ذراعيه بعيدا عنها بلحظة ما ان تراجعت للخلف بوجوم وهي تمسح وجنتيها وعينيها بذراعها بقوة ، لتهمس بعدها بخفوت مشتد وهي تنظر بعيدا عنه
"اريد العودة للمنزل"

اومأ برأسه بالإيجاب وهو يقول بابتسامة جانبية بحنية
"لا بأس وأنا ايضا افكر بالعودة للمنزل مبكرا اليوم فقد هدني التعب من العمل ، لذا سأوصلكِ معي بطريق العودة"

كانت تحرك رأسها بشرود وهي تسير لخارج الحمام بأكمله ويدها ماتزال ممسكة بأعلى ذراعها الآخر بتشنج واضح ، وهو ما يزال يتابعها بنظراته والتي طغى عليها الغموض وهي تبدو امامه اضعف من اي مرة لتكون ظاهرة يراها لثاني مرة منذ لقائه بها ! ولكن لما يشعر بأن السبب بحالتها لا يعود لحرق القهوة بل يعود لشيء آخر اكبر بكثير منه وقد يكون متعلق بحياتها الغامضة مع زوج والدتها وقبل دخولها لمنزل خالها ؟

______________________________
كانت تدلك ذراعها كل حين بارتجاف متشنج لم تستطع منعه وهو ما يزال يسيطر عليها للآن ونظراتها سابحة بالبعيد وتحديدا بزجاج النافذة بجانبها بدون ان تهتم بنظرات الجالس خلف المقود وهو يقود السيارة بهدوء منقبض منذ انطلاقه بعيدا عن الشركة ليسود الصمت المشحون بالغموض بينهما طول مسيرة رحلتهما بدون ان يحاول اي احد بينهما اختراقه او قطعه ، تنهد بعدها بقوة وهو يشدد من القبض على المقود بدون ان يفهم الشحنات السلبية والتي تسيطر على جسده بتشنج مقيت وكله موجه نحو الجالسة بجانبه منذ احتضانه لها وكأنها قد نقلت شحناتها المتنافرة لجسده ليشعر بما يشعر به الآن ؟

رفع يده وهو يمسح بها على وجهه باستغفار من كل الأفكار والتي تحوم من حوله بسوداوية ليصل بيده لمؤخرة رأسه وهو يتخلل خصلات شعره الكثيفة بقوة قبل ان يخفض يده لعنقه بهدوء لتستريح بالنهاية على ساقه بخمول ، عاد بعدها بلحظة ليحيد بنظراته باتجاه الساكنة وليدها والتي كانت ما تزال تضغط على ذراعها بحركة شتت تفكيره وبعثت الظنون برأسه !

اوقف السيارة بعدها بدقائق قليلة امام كشك صغير للوجبات السريعة ، لتنتفض الساكنة بمكانها لبرهة وهي تلتفت بوجهها باندفاع نحوه بحيرة تنضح بملامحها الباردة ، ليسبقها بعدها بالكلام الذي كان ينزع حزام الأمان عنه وهو يقول ببساطة بالغة
"قبل ان تنطقي بأي كلمة عليكِ ان تعلمي بأننا لم نتناول شيئاً منذ الصباح وغير هذا لقد فوتنا علينا استراحة الغداء بالشركة ، لذا نحن مضطرين لشراء بعض الطعام والذي يبقينا احياء قبل العودة للمنزل"

ردت عليه ببرود وهي تعود بنظرها للنافذة
"اشتري الطعام لنفسك ، انا لست جائعة"

ابتسم (شادي) ببرود وهو يهمس بلا مبالاة بعد ان اخرج بعض النقود من سترته
"كما تشائين ، فهذا قراركِ بالنهاية"

ادارت حدقتيها نحوه بوجوم ما ان خرج من السيارة بأكملها قبل ان يسمع تعليقها وهو يشير بكفه عند زجاج النافذة ان تبقى بمكانها ، لتنقل بعدها نظراتها لزجاج النافذة بجانبها وهو يسير بعيدا عنها ببساطة معطيا ظهره لها .

بعد مرور دقائق اخرى ضيقت عينيها بقتامة ما ان عاد ادراجه وهو يحمل عدة اكياس بيديه بدون ان تتبين محتواهم ، لتنظر بعدها امامها بجمود ما ان دار حول السيارة بلحظة ليدخل عند مقعد السائق ، وما ان جلس بجانبها حتى وضع الأكياس البلاستيكية بجانبه لتكون فاصل بينهما قبل ان يشغل السيارة وهو يقودها بعيدا .

عقدت حاجبيها بعبوس ما ان ازكمت رائحة الطعام انفاسها وحواسها بقوة وهي تضيق الأجواء من حولها لتحتل مساحة السيارة بأكملها ، اوقف بعدها السيارة عند قارعة الطريق بهدوء وبعيدا عن الأحياء السكنية بجانب طريق عشبي طويل ، ليفتح بعدها النوافذ بجانب كل واحد منهما لتبدأ عندها النسمات الباردة بالدخول من النوافذ بلطف ليخفف قليلا من الشحنات السالبة بينهما .

كتفت ذراعيها فوق صدرها بجمود وهي تستمع لصوته وهو يفتح الأكياس بجانبها بصمت ليخرج منها اشكال وانواع من الأطعمة ، حتى امتلأت بثواني واجهة السيارة بكل علب الأطعمة المصفوفة بجانب بعضها البعض حتى لم يبقى مجال ليضع شيء آخر عليها ، قالت بعدها بلحظات بخفوت ساخر وهي ترفع حاجبيها بخفة
"هل ستتناول حقا كل هذا الطعام ، أم ستتبرع به لجمعية خيرية"

حاد بنظراته نحوها بهدوء للحظات وهو يبتسم باستفزاز ليقول بعدها ببرود وهو يوجه نظره للعلبة امامه
"وما دخلكِ انتِ ، حتى لو تناولت كل هذا الطعام مثل الوحش المفترس فهذا لا يعنيكِ ، وايضا انا اشعر بالجوع الشديد الآن واستطيع تناول كل ما ترينه امامكِ بلمح البصر"

عضت على طرف ابتسامتها بضيق وهي تعيد نظراتها امامها بدون اي تعبير لتستمع لصوت العلب والملاعق بيديه وكأنه يستفزها بحركاته ، لتشعر بعدها بلحظة بشيء يلاعب شفتيها وهي تخفض نظراتها لحبة البطاطا المقلية والمغروزة بالشوكة والتي كان يرفعها لشفتيها وهو يقول بهدوء
"ما رأيكِ ان تجربي تناول بعض الطعام وتشاركيني متعة ولذة الاطعمة معي ، فأنا لا احب تناول الطعام لوحدي وعندما اتشارك مع احدهم يصبح تناول الطعام اجمل ومبارك اكثر"

التفتت نحوه بوجهها وهي تهمس بامتعاض
"انا....."

قطع كلامها المندفع بلقمة البطاطا والتي دسها بشفتيها رغما عنها ، ليبتسم بعدها بتسلية وهو ينظر لها تمضغ الطعام بفمها بوجوم حانق ، امسك بعلبة من العلب امامه وهي تحوي على البطاطا مع بعض قطع اللحم المقدد ليضعها فوق ساقيها ببساطة وهو يشير لها قائلا بابتسامة جانبية
"تناولي هذه ستعجبك كثيرا وأراهن بأنكِ ستطلبين المزيد منها ، فأنا لا امانع ابدا ان اقاسم طعامي معكِ"

زمت شفتيها بعبوس وهي تنظر للعلبة امامها قبل ان تنقل نظراتها للذي رفع شوكة جديدة امامها بابتسامة هادئة ، لتلتقط بعدها الشوكة منه بقوة وهي تنظر له بتصلب قبل ان تعود بنظرها للعلبة لتدس الشوكة بداخلها بلحظة وهي ترفعها لشفتيها لتتناولها من فورها بهدوء جامد وبحركات ثابتة ، بينما عاد لتناول الطعام بهدوء الذي كان يبتسم وهو يراقبها كل حين براحة وبكل لحظة واخرى كان يضع بعلبتها المزيد من الأطعمة لكي لا تفرغ العلبة وبدون ان تشعر حتى وهي شاردة بالنظر من النافذة بسكون وبعيدا عنه .

بعد مرور ربع ساعة كاملة كان يضع المخلفات بكيس بلاستيكي وهو يلتقط الملاعق والشوك ليدسها بالكيس والذي امتلئ بالكامل قبل ان يعقده جيدا عدة مرات ، وهو يرفع حاجبيه بابتسامة مندهشة من استطاعتهم بأعجوبة القضاء على كل الطعام والذي كان يحتاج لعشيرة كاملة لأنهائه ولكن يبدو بأن الجوع والحزن قد اخذ منهما مأخذه حتى لم يشعرا بكمية الطعام والذي كانوا قد قضوا عليه بدقائق معدودة !

رفع الكيس عاليا وهو يصوبه ليلقي به من النافذة بجانبه ليصل لداخل سلة المهملات بدقة لا متناهية ، بينما كانت تراقبه وهو يفعل هذا بحاجبين مرفوعين ببرود وهي تبتسم بهدوء وبنشوة سعادة تجتاحها لأول مرة بعد وجبة طعام قضت على الفراغ والتجويف بمعدتها وهي التي لم تكن تعلم لأي مدى تشعر بالجوع ؟

رفعت يديها فجأة وهي تعود لتدليك ذراعيها تلقائيا بتشنج عاد ليحتل اطرافها لوهلة ، لتشعر بعدها بدفء يجتاح جسدها بثواني وهي تنظر للذي كان يلبسها سترته فوق كتفيها برفق وهو يتمتم بابتسامة مائلة
"عليكِ ان تدفئي نفسكِ جيدا فالجو قد اصبح باردا جدا ، ولا نريد ان تصيبكِ نزلة برد وبعدها ستقتلنا شقيقتك بسب إهمالنا"

لم تشعر بنفسها وهي تتشبث بسترته بكفيها بدفء تاقت له كثيرا بدون ان تدخل ذراعيها فقط تحميها من برد الشتاء القارص ، ليبعد بعدها يديه ببطء عنها وهو يرجع خصلات شعرها الطويلة العالقة بداخل السترة قبل ان يعود للنظر لها قائلا بابتسامة باردة برضا
"جيد لا بأس بشكلكِ الآن ، لنعود الآن للمنزل فقد تأخرنا بالفعل"

قبض على المقود بيد وهو يشغل السيارة بيده الأخرى ليتحرك بالسيارة بعيدا عن الطريق بابتسامة هادئة ما تزال تحتل محياه البارد ، ونظرات الجالسة بجانبه تراقبه بطرف عينيها بصمت وهي تتشبث بسترته لا شعوريا والتي علقت بها رائحة عطره الممزوجة بالعرق وهي تتنعم بدفئها الغريب والمتسلل لأطرافها بخدر مع حالة الشبع والذي احتل جسدها بعيدا عن التشنجات والفراغ والذي كان يسود به سابقاً وعلى مدار سنوات .

نهاية الفصل وبانتظار آرائكم وتفاعلكم دمتم بحب وسعادة ❤❤

najla1982 likes this.

روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-21, 08:04 AM   #100

Moon roro
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 418427
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 852
?  نُقآطِيْ » Moon roro is on a distinguished road
افتراضي

الف شكر لك على الفصلين الجميلين
سرد رائع وممتع والاحداث اصبحت مشوقة اكثر


Moon roro غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:17 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.