آخر 10 مشاركات
انتصار الإسباني (48) للكاتبة: Daphne Clair (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (الكاتـب : الحكم لله - )           »          حب بطيء النسيان (64) للكاتبة: Stella Bagwell (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          رهاني الرابح (90) للكاتبة: سارة كريفن ...كاملة... (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          145 - وشم الجمر - ساره كرافن (الكاتـب : حبة رمان - )           »          سجينته العذراء (152) للكاتبة Cathy Williams .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          589 - أكره أن أحبك - سارا وود - ق.ع.د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          عشيقة الإيطالي (1) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          602 - عودة الحب الى قلبي - كارول مورتيمر - ق.ع.د.ن *** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1100Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-09-21, 09:49 PM   #151

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي


كانت تسير بخطوات ثابتة وهي تنظر لمسار طريقها الطويل بجمود لا يشاركها به سوى صوت قطرات المطر والتي كانت تتساقط من حولها بنغمات وبإيقاع محدد ارهق سمعها ، وهي تشعر بدوار طفيف ما يزال يغيم على نظراتها بسبب ارهاق السفر والسير الطويل بهذه الأجواء الماطرة ، وهي التي لم تتعافى تماما من الحمى والتي اصابتها بالأمس ، لتبقى اعراضها ملازمة لها للآن وهي فقط تقاوم وتعاند لآخر رمق .

توقفت عن السير بلهاث حاد مزق خفقات صدرها وهي تسند يدها بعامود الإنارة بجانبها لبرهة ، ليتبعها بعدها بلحظة بإسناد ظهرها بنفس العامود وهي ترفع نظراتها من تحت مقدمة قبعتها ، لتصل لها بعض قطرات المطر والتي كانت تسيل من حافة القبعة لتهطل فوق بشرتها الرخامية ببطء وبدون ان تمنعها ، وهي تحفر بتفاصيل وجهها وكأنها تسقي ذبولها بغسل همومها فوق صحراء قاحلة جفت ارضها !

ابتسمت بارتعاش لوهلة وهي تغمض عينيها من تحت قطرات المطر الصغيرة والتي سكنت ملامحها الباهتة ، وهي تشعر بها تمحي التعب عن روحها وعن سواد حياتها وكل الذنوب والتي ارتكبتها بحياتها ، فتحت عينيها البحرية بلحظة على اتساعهما وهي تفكر بآخر نقطة المتعلقة بذنوبها والتي لا تعلم كيف ستستطيع ان تشفع عنها او تمحى من سجل حياتها المليء بالأخطاء ؟

ارتجفت بمكانها وهي تشهق بدون صوت ما ان تذكرت بعض من تلك الذنوب او بالأحرى بعض من اخطاء الماضي ، عندما كان يطلب منها رئيسها ووالدها الروحي ان تلعب دور آخر وبعد ان تفشل كل السبل بالوصول لمعلومات صفقات الشركات ، ويصل بهم الأمر لاستخدامها مثل حل بديل بأرسالها لموقع الشركة وسرقة كل تلك المعلومات الخطيرة من المصدر ، والتي لا يجيدها سوى قرصنة الحواسيب والتي تدمر سمعة تلك الشركات وتربحهم اموال طائلة منها بالتهديد والقتل ، فهي ما تزال تذكر كل كلمة نطق بها ودفعتها اكثر لتلك الدائرة السوداء غير بداية طريقها السهلة والتي كانت مجرد كشف كلمات المرور المعقدة والمعلومات بالمنزل ، ليتطور دورها بينهم لما هو اسوء بكثير
"اسمعي كلامي جيدا ونفذيه بالحرف الواحد فهذه المهمة خطيرة وحساسة للغاية واي خطأ من الممكن ان ترتكبيه فقد تدمر كل خططنا وكل ما وصلنا له والتي لن تنجيكِ من براكين غضبنا ، وكل ما عليكِ فعله بهذه المهمة هو التنكر بهيئة صبي صغير لن يجلب الشك لنا ولن يفكر احد بالقبض عليه وهذا اكثر ما يهمنا ، والذي عليكِ فعله بالشركة ما ان تصبحي بداخلها هو التركيز بالوصول لمكاتب مدراء القسم ومصدر المعلومات لتستطيعي اختراق اجهزتهم وحصولكِ على مبتغانا وكل معلومات تلك الصفقات وكل هذا فقط سيحدث بربع ساعة ، إذا حدث وتجاوزتِ تلك المدة سيتدخل عندها اصدقائنا والذين سينتظرونك عند بوابة الشركة وداخلها ليراقبوا الوضع هناك ، لذا تذكري بأن بكل خطوة ستنفذينها هناك ستكون مراقبة بأدق تفاصيلها وبكل هفوة ستكون الفاصل بحياتكِ وبحياتنا ، فهمتِ يا قناصة الحواسيب"

عادت للتنفس بقوة وهي تشهق بالأمطار والتي ازدادت حدة وقوة فوق تفاصيل ومجريات حياتها ، وهي تتذكر بكل مرة تنهي بها تلك المهام والتي تستنفذ منها كل طاقتها بالحياة والتي تلونت بالسواد وبذنوبها الكثيرة وهي تدمر حياة آخرين كانت لها يد بها ولو لم يكن بإرادتها ! لتشعر دائما بالعالم من حولها وهو يدور بمتاهات فارغة وبكل عيون البشر مصوبة نحوها بنظرات مستترة واتهامات مبطنة تشعرها بسوء فعلتها وقبحها ، وكأن الذنوب مكتوبة على رأسها وبكل نظرة من نظراتها المذعورة بتشتت عالمها !

انتفضت وهي ترفع كفها لتظلل عينيها بعيدا عن اضواء السيارة والتي اخترقت غمامتها وهي تتسلط نحوها مباشرة ، وما ان اخفضت يدها ببطء وهي تضيق عينيها بتشوش حتى ارتفع حاجبيها بصدمة دامت لدقائق وهي تنظر لصاحب السيارة والذي خرج منها بلمح البصر .

ابتلعت ريقها بتشنج حتى غصت بأنفاسها وبالأمطار والتي اوقفت تنفسها لثواني ، لتسعل بعدها بصمت وهي تكتمها بداخل صدرها بدون ان تتحرك من مكانها ، وهي تتشبث بيديها من خلف ظهرها بعامود الإنارة والذي ما يزال يسندها ويثبت قدميها للآن .

اشاحت بوجهها بعيدا عنه وهي ترفع يدها لتمسح خديها المغرقين بالأمطار وببعض الدموع والتي امتزجت معها بدون ان تشعر بمسار هطول دموعها بتلك اللحظات والتي سبقت قدوم تلك السيارة ؟ لتعود لمسك العامود من خلفها بقوة اكبر ما ان شعرت بخطواته وهو يقترب منها بصمت ، ليقف بعدها بالقرب منها وهو يبدأ بالكلام بعد لحظة من الصمت قائلا بتعجب ساخر
"إذاً كيف حالكِ اليوم يا مجنونة ؟ تبدين سعيدة وانتِ تقفين تحت الامطار مع الحمى والتي لم تتعافي منها بعد وكادت تقتلك بالأمس !"

تنفست بارتجاف وهي تهمس بخفوت بارد
"انا بأفضل حال واكثر من اي مرة ، ولكن شكرا لك على السؤال"

تصلبت ملامحه لوهلة وهو يرفع نظراته للأمطار والتي بدأت تخفت قليلا هامسا بوجوم
"إلى متى ستستمرين بدفعي بكل مرة للخوف عليكِ هكذا وجعلي اظن وافكر بكل الاخطار والتي قد تصيبك وهي توديني للجنون ؟"

زمت شفتيها بارتجاف وهي تهمس بدون ان تنظر إليه
"إذاً توقف عن الخوف عليّ ، وعندها ستنتهي كل ظنونك ومشاكلك"

رفع يديه وهو يمسح وجهه المغرق بالأمطار لوهلة قائلا بضيق
"لما تفعلين كل هذا ؟ وكأنكِ ترحبين بالموت بصدر رحب وبسعادة خالصة !"

التفتت نحوه لبرهة وهي تنظر له بعينيها الزرقاوين الساكنتين قبل ان تهمس بلحظة بابتسامة هادئة
"صدقني ستكون هذه اول امنية اطلبها بحياتي ، و يا ليتها تتحقق لكنت ارتحت من الكثير من الحروب وحققت السلام للعالم"

نفض ذراعيه للأسفل وهو ينظر لها بتجهم عابس بعد ان عجز عن فهم دواخلها وكل تفاصيل عالمها المنعزل والبعيد عنه !

امسك بذراعها بلحظة وهو يقول بأمر نافذ الصبر
"هيا بنا لنرحل ، وكفى غباء وجنون غير محدود ، فأنا لن اتحمل المزيد من عدم مسؤوليتك هذه"

ولكن ما ان سحبها حتى تشبثت بالعامود من خلفها اكثر وهي تغرز اظافرها بمعدنه البارد قائلة بأنفاس متقطعة بضعف
"لا اريد الذهاب ، فأنا سعيدة هنا فهذا هو المكان الذي يناسبني ويريحني كثيرا ، وايضا انا لم انتهي بعد من تطهير ذنوبي"

استدار نحوها بملامح منذهلة وهو يصرخ بدهشة
"ماذا ؟!....."

قاطعته التي سحبت ذراعها بعنف وهي تعود لجمودها بلحظة قائلة بتصلب مرتجف زاد من خفقات قلبها
"ارجوك ارحل ، اريد البقاء قليلا ، إذا كنت تتحلى ببعض الكرامة فارحل واتركني وشأني"

تجهمت ملامحه اكثر وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب ، ليزفر بعدها انفاسه بخشونة لبرهة وهو يعود ليشب اصابعه بذراعها بعنف اكبر قبل ان يسحبها منها صارخا بصرامة
"ستذهبين معي الآن يا ماسة وبدون اي اعتراض ، فأنا لم اعد اتحمل اي ضغط او جنون منكِ......"

وما ان حركها من مكانها وهي تفلت العامود من خلفها بقوة حتى تعثرت بخطواتها من الارض والتي اشبعت بالأمطار ، وهي تتشبث بذراعيه بلحظة عوضا عن العامود قبل ان تدفن وجهها بصدره ، وهي تستكين بمكانها بلحظات بدون اي حركة وكأن العالم قد توقف من حولهما وانحصرت الامطار بمكانها ، بينما امسك بذراعيها الذي تجمدت ملامحه لوهلة وهو يخفض نظره للقبعة الغريبة والتي انزلقت عن رأسها لتسقط بجانب قدميه وتظهر شعرها الناعم والمعقود بكتلة فوق رأسها ، وهي تذكره بنفس القبعة والتي كانت ترتديها بذلك اللقاء والذي جمعه بذلك الفتى الصغير المتنكر لأول مرة .

تنفس بهدوء وهو يحاول ان يبعد ذراعيها وجسدها عنه برفق بدون ان تتزحزح من مكانها وكأنه حجر جاثم على صدره يوشك على حرق اعصابه ، وهو يستشعر ببرودة جسدها الجليدي على اطراف جسده وبشفتيها تحرق صدره بنيرانها الخاصة ، ولو كانت تريد عقابه على قسوته معها الآن فسيكون هذا اسوء عقاب قد يمر عليه بحياته بأكملها ويفكر به !

عض على طرف شفتيه بكبت بلحظة ما ان همست بخفوت شديد لا يكاد يسمع وهي تزيد من التصاقها بجسده بعذاب غير محتمل
"انا اريد مسح سجل حياتي ، لا اريد المزيد من عذاب الضمير وحروق الماضي ، كل ما اريده هي حياة نظيفة بدون اي وجود او تفكير بتلك الذنوب ، فهل تستطيع تنفيذ لي هذه الطلبات ام انها مستحيلة بالنسبة لك ؟"

عقد حاجبيه بألم بدأ يغزو ملامحه المتصلبة لبرهة بجمود بدون اي ردّ فعل ، ولا يشهد عليها سوى بعض قطرات المطر والتي ما تزال تهطل بخفوت شديد وبعد ان افرغت كل شحناتها وغسلت كل الهموم بالعالم ، ليرفع بعدها ذراعيه ببطء وبصمت تام قبل ان يحاوط جسدها البارد وهو يحتضنه بقوة ليبدأ بالضغط على جسدها تدريجيا ، ليخفض بعدها بلحظات وجهه بجانب وجهها المدفون بصدره وهو يهمس قريبا منه بصوت اجش وبقوة ضغطه عليها
"كل شيء بالحياة يتحقق وليس هناك بالمستحيل ، ودائما تذكري بأنه هناك فرصة ثانية تقدمها لنا الحياة بسخاء ، لذا استغليها وحاربي بها بكل قوتك ، مثلما انا ايضا احارب بكِ بكل قوتي وبثقة كبيرة بعدم الخسارة فهي ليست بقاموسي ، وانا واثق بكِ كل الثقة يا ألماستي"

شهقت بارتجاف بدون صوت ما ان شعرت بقبلته على مقدمة شعرها وهي تزيد من ضربات صدرها والذي كان يضرب صدره بقوة وبإيقاع مختلف غير مسموع سوى بداخل ارواحهما والتي امتزجت معا بلحظة مع قطرات المطر الصغيرة وهي تتساقط بحياء وخجل .

______________________________
دخلت للغرفة بخطوات متخبطة بغضب قبل ان تقف امام طاولة الزينة لبرهة وهي تسند يديها فوقها ناظرة للمرآة بعينيها الهائمتين بالبعيد بدون اي تعبير واضح بهما ، وبعد ان عادت لذلك الشعور السحيق بالخواء والظلمة وهو ينبش بركام وحصوات الماضي والتي اجبرت على دفنها بدون رجعة وبدموعها والتي ذرفتها من فوقها وهي ترثي حبا كان على وشك التحرر بسماء احلامها الكبيرة يوما ما ....

تنهدت بارتجاف وهي ترفع يديها لتزيل الوشاح عن رأسها ببطء شديد وهي تليها بنزع الرباط عن عقدة شعرها لتحرر الخصلات المموجة والطويلة وهي تستريح على كتفيها بسكون ونعومة ، لتبتسم بعدها بشحوب وضعف احتل محياها بلحظة وهي تجول بنظراتها بملامحها والتي تميل للاسمرار والهدوء التام وبغمازتين تميزان شكلها وتغيرها عن الآخرين باستثناء ، لتعود بالنهاية لتلك العينين السوداوين بلون البندقي واللتين فقدتا بعضا من بريقهما القديم ، لتصبحان عبارة عن عينين متحجرتين بدون اي لمعان او شعور ظاهر بتلك الاحداق الجامدة .

زفرت انفاسها بغضب لوهلة عاد ليلوج بروحها وهي تلقي بالوشاح فوق طاولة الزينة بقوة ناظرة بعيون محمرة بنيران الحقد والتي لم تهدأ ولو قليلا ، وهي تطوف فوق ملامحها والتي تجمدت فجأة بتحجر كتم على انفاسها مثل حجر ناتئ لا يريد التحرك....وهو يسد عليها حياتها بحاجز يفصلها عن ذلك الحب برغم كل ما فعلته لتحرر نفسها وتتجاوز كل تلك الحواجز المقيتة والتي تفصلها عن الحياة الطبيعية والعودة على ما كانت عليه بالسابق .

عبست ملامحها لصورتها بالمرآة ما ان لمحت الواقف عند باب غرفتها وهو يقول بهدوء بارد ناظرا لعينيها بالمرآة
"مرحبا بالآنسة المتأخرة على غير عادتها ، هل تعلمين كم الساعة الآن والتي عدتي بها من الخارج ؟"

زمت شفتيها بحنق وهي تقول بضيق واضح
"ارجوك يا معتز ، هذا ليس الوقت المناسب لسخريتك واحاديثك التافهة ، فأنا رأسي لم يعد يتحمل"

تأوه بتمثيل وهو يسند كتفه على إطار الباب قائلا بسخرية باردة
"ماذا ارى ؟ السيدة سيدرا غاضبة مني بالرغم من انه انا الذي عليّ ان اغضب هنا بسبب تأخرها بالعودة للمنزل لهذه الساعة ! ونحن ننتظر عودتها بفارغ الصبر وبخوف من ان يكون مكروه قد اصاب سيدتنا ، وهي كل ما يهمها ان تبقى لوحدها وترحل بعيدا عنا"

امتعضت ملامحها للحظات قبل ان تستدير نحوه بهدوء وهي تهمس بعبوس
"هل تناولتم طعام العشاء ؟ ام ليس بعد !"

ابتعد عن إطار الباب وهو يحرك كتفيه قائلا ببساطة
"وماذا تظنين ؟ ان ننتظر كل هذا الوقت قدوم الاميرة من عملها لتحضر لنا العشاء قبل ان نموت جوعا ! الحمد الله على نعمة وجودي بهذا المنزل لأحضر لكما الطعام يوميا ، وألا لما كنا بقينا احياء وخاصة مع تأخرك الدائم بالعمل وانتِ تعودين بآخر الليل"

عقدت حاجبيها بوجوم وهي تلوح بذراعها جانبا قائلة باستنكار
"لم اكن اتوقع ان اتأخر كل هذا الوقت بالعمل ، والطريق كان مزدحم بالسيارات بسبب الطقس الماطر ، لذا توقف عن لومي هكذا وكأنني اتقصد التأخر عن المنزل دائما"

ارتفع حاجبيه بهدوء لبرهة وهو يقول بابتسامة جانبية بغموض
"هل هذه هي حقا الحجة والتي تدفعك للتأخر عن المنزل دائما حتى اصبحت سيرتك وسمعتك على كل لسان ؟ وانتِ تجعلين كل من يسوى ومن لا يسوى يتكلم عنكِ بالباطل....."

قاطعته بدفاع وهي تلوح بقبضتها بتمرد صارخة بنفاذ صبر
"كفى يا معتز ، ولا تنسى بأنني اكبر منك سنا ، لذا إياك وان تتجاوز حدودك معي"

حرك رأسه بعيدا عنها ببرود وهو يقول بابتسامة هادئة بجدية
"حسنا اهدئي لن نتكلم عن هذا الموضوع ، والآن هلا اخبرتني كيف عدتي للمنزل بهذا الطقس العاصف ؟ وهل وجدتي مواصلات تقلك للمنزل بهذا الوقت ؟"

اشاحت بوجهها بعيدا عنه بعبوس وهي تهمس بعدم مبالاة
"لقد عدتُ بسيارة مدير الشركة وهو الذي عرض عليّ ان يوصلني معه للمنزل ، عندما لم اجد اي مواصلات متاحة تأخذني للمنزل بهذا الوقت"

تصلبت ملامحه لوهلة وهو يقول بتركيز حاد
"هل هو نفس الشخص والذي يميزك عن الموظفين الآخرين بزياراته المتكررة لنا وباصطحابه معكِ للعمل بكثير من الأحيان ؟ حتى اصبح كل من بالمنطقة وبالبناية يعرف شكله ومدى تقاربه من عائلتنا !"

عقدت حاجبيها بشراسة وهي تهمس من بين اسنانها بحدة
"توقف عن هذه التلميحات يا معتز ، فأنا لا اسمح لك بأن تتهمني بهذه الطريقة الجارحة لكرامتي وتربيتي ، وانت اعلم الناس من اكون وعن مدى اخلاصي الكبير لعائلتي وحماية سمعتها من المخربين ! وعدم السماح لأي احد بأن يفسد اخلاقي والتي تربيت عليها منذ الصغر"

اعاد نظراته نحوها بلحظة وهو يقول بابتسامة جادة
"اعلم هذا يا سيدرا ولم اقصد شيء من كلامي يضر بأخلاقك او سمعتك ، ولكن تذكري بأن الناس لن تنظر لكِ مثل نظرتنا نحن عائلتك ، بل ستحاول تصيد الأخطاء لكِ لتصبحي حديثهم الدائم وعلى ألسنتهم والتي لن ترحمنا ، لذا حاولي دائما تنظيف صورتك امامهم وعدم السماح لهفوة صغيرة لتكون منفذ لهم مهما كانت صغيرة وغير مرئية ، ومرة اخرى حاولي صنع الحواجز وضعي حد بعلاقتك مع ذلك المدير لكي لا يحدث بعدها ما لا يحمد عقباه"

اخفضت نظراتها للأسفل لبرهة بسكون واجم وهي تقبض على يديها بقوة وبتخبط عاد ليشوش تفكيرها من جديد بتلك الحلقات المفرغة ، ليقطع صمتها من تابع كلامه بخفوت وهو ينفض هالة الجمود والتي خيمت عليهما فجأة
"سيدرا ما لذي يحدث معكِ ؟ فأنتِ تبدين لي غريبة اليوم ؟ بل منذ اشهر وانتِ تبدين بحالة متقلبة بين الحزن والغضب بدون سبب محدد ! فما هي مشكلتك والتي تعانين منها ولا تريدين البوح بها ؟"

ابتلعت ريقها بنشيج صامت وهي تدير عينيها بعيدا عنه بجمود ملامحها والتي عادت لتحتل حياتها لوهلة ، لتقول بعدها بلحظة بخفوت غير معبر وباحمرار طفيف بتلك العينين السوداوين
"لا شيء يا معتز ، انا بخير ، فقط اعاني من الضغط بالعمل لا اكثر ولا اقل ، لذا هلا تركتني وحدي قليلا ؟"

عبست ملامحه بعدم اقتناع وهو يقول بضيق مستاء
"ألستِ انتِ التي تجلبين التعب لنفسك بدون ان تتقبلي مساعدة احد بكبرياء عالي ! لو انكِ تتركيني فقط اقود زمام الأمور بدلا عنكِ ، لما تكبدتِ كل هذا التعب بحياتك......"

قاطعته وهي ترفع رأسها نحوه بقوة قائلة بعنف
"لا تقل هذا الكلام يا معتز ، انت عليك ان تركز بدراستك وتعطي كل اهتمامك لها وهذا هو كل ما يهم"

حرك عينيه بعيدا عنها بوجوم قبل ان يستدير امام الباب وهو يقول بهدوء
"لقد خبئت لكِ بعض من طعام العشاء بالثلاجة ، إذا كنتِ تشعرين بالجوع ، وايضا لا تنسي ان تذهبي لغرفة والدتي لتطمئنيها بعودتك فهي كانت طول اليوم تسأل عنكِ بدون اي توقف او ملل"

رفعت عينين متحجرتين باتجاه باب الغرفة والتي خرج منها شقيقها الصغير للتو ، لتجلس بعدها فوق طرف السرير بتعب وهي تريح جانب رأسها على كفها بشرود ، وعينيها تعود لسحابات الحزن والألم على عائلتها الصغيرة والتي تتكون فقط من امرأة مريضة اخذ منها الزمن شبابها لتصبح عاجزة اقرب للكهل ليس بمقدورها فعل شيء وهي تلازم فراشها ليل نهار ، وهناك شقيقها الصغير والذي لا يتجاوز سن السابعة عشرة من عمره وهو يعمل على خدمة والدته بغيابها وهما يتناوبان بالعمل بالمنزل بين الطبخ والتنظيف حتى اصبح برنامج حياة يعيشون عليه منذ سنوات ، فهل سيتغير كل هذا يوما ما بمسارات حياتها وبمتاهات مشاعرها المتخبطة ؟

_____________________________
خرجت من السيارة ما ان توقفت امام مدخل المنزل قبل ان تتجمد بمكانها لوهلة وهي تنظر للسيارة الاخرى والتي توقفت امامها مباشرة ، ليتبعها بلحظة خروج التي كانت تسير ببطء واتزان بدون ان تعير احد انتباهها وهي تتجه مباشرة لمدخل المنزل !

اغلقت باب السيارة بقوة وهي تجري نحوها بخطوات سريعة قبل ان تصل لها باللحظة التالية ، لتمسك بعدها بذراعها وهي تلفت انتباهها لها وقبل ان تصعد درجات السلم هامسة بعبوس
"روميساء ! ما لذي يحدث معكِ ؟ واين كنتِ !"

اخذت منها عدة لحظات قبل ان تلتفت نحوها بهدوء وهي ترمش بعينيها عدة مرات بارتباك ، لتقول بعدها بابتسامة واهية بضعف
"ماسة ما لذي تفعلينه هنا ؟ هل عدتِ الآن من الخارج وبهذا الوقت المتأخر ؟ واساسا اين غبتِ طول اليوم !......"

قاطعتها التي عبست بضيق وهي تهمس بجدية
"انا التي عليها سؤالك هذا السؤال ! لما تأخرتِ بالعودة هكذا من الخارج على غير عادتك ؟"

تصلبت ملامحها لبرهة وهي تنفض ذراعها بعيدا عنها قائلة بجمود بارد
"اصمتِ يا ماسة ، ولا تنسي بأنه انا المسموح لي هنا ان اسألكِ مثل هذا السؤال ، وايضا لقد حدثت امور معي دفعتني للتأخر بالعمل بسبب الأجواء الماطرة"

ارتفع حاجبيها بدهشة ساخرة وهي تهمس بوجوم
"حقا يا روميساء ! ولكن ما اعرفه بأن وظيفتك بالمدرسة لا علاقة لها بالأجواء الماطرة ؟ ام انكِ قررتِ تدريس الاطفال عن كيفية حدوث المطر وتكاثف الهواء البارد خارج الفصل !"

عقدت حاجبيها بحدة ويأس وهي تستدير بعيدا عنها قائلة ببرود جليدي
"سحقا لكِ يا ماسة ، ومن تفكيرك الاحمق والذي لن يتغير ابدا ، وشكرا لكِ على قلة ثقتك باتجاه تصرفات شقيقتك"

زمت شفتيها بحنق صامت وهي تنظر للأخرى والتي كانت تصعد السلالم بعيدا عنها ، وهي تشعر بإهانة مستترة وغضب لأول مرة تشاهده على شقيقتها والتي تحملت امورا اكبر من سنها بكثير ! فما سبب حالتها الغريبة الآن والتي تدل على كم التعب والضغط والذي تعاني منه بوضوح ؟

امتعضت ملامحها بلحظة ما ان قال الواقف بجانبها والذي لم تنتبه لوصوله بخضم ما حدث معها الآن
"ماذا حدث ؟ هل تعرضتِ لإهانة من شقيقتك الكبرى للتو ؟ ولكنني ارى بأنكِ تستحقين هذا لكي لا تتدخلي مرة اخرى بشؤون غيرك وخاصة بأمور فرد من عائلتك ، فهكذا تظهرين له كمية انعدام ثقتك به وإهانة بقراراته وتصرفاته بالحياة"

ابتسمت بنفور لوهلة وهي تهمس بجفاء خافت غير معبر
"انا اثق بروميساء اكثر من نفسي ، ولكني لا اثق بالبشر الذين يعيشون من حولها ، وهذه صفة تربيت عليها ومن المستحيل ان اغيرها فقط لأني اعرف هذا الشخص وبنواياه جيدا ، فأنا عندي الحصول على ثقتي صعب جدا بل شبه مستحيل ، تذكر هذا جيدا يا شادي الفكهاني"

تحركت من فورها ما ان انهت كلامها وهي تصعد درجات السلم بسرعة لتلحق بشقيقتها والتي ابتعدت عن نظرها ، بينما استمر من تركته من خلفها وهو يراقبها ببرود وبابتسامة اتسعت بجمود باهت ، وهو يتمتم بسكون الاجواء من حوله والتي صمتت عن الضجيج وبعد ان توقفت الامطار بصمت تام
"سحقا لكِ يا ابنة الفاروق ! يبدو بأن الطريق للوصول لثقة تلك الألماسة سيكون طويلا ومجهدا اكثر مما توقعت ويحتمل تفكيري والذي اصبح يصل لمنتهاه ؟"

بهذه الأثناء كانت (روميساء) تدخل للمنزل بخطوات ثابتة بجمود ، لتتوقف بعدها بمكانها لبرهة ما ان لمحت بعينيها الخضراوين المجهدتين الواقف امامها بشموخ ونظراته الرمادية قد اصبحت اكثر قتامة عن السابق ، وهو يوجهه نحوها بقوة نفذت بأعماقها بدون ان تفهم هالة الجمود والتي ثبتت قدميها بمكانها بتصلب ؟ وهي على وشك الانهيار من كل هذا الضغط والذي زاد مع نظراته الغريبة ، بدون ان يمهلها من الوقت ولو دقيقة للراحة من كل ما تعرضت له لليوم .

ابتلعت ريقها بتحشرج ما ان اقترب منها بخطواته ببطء شديد عبث بأعصابها اكثر مما تستطيع وتتحمل حتى كاد يغشى عليها ! لترفع بعدها باللحظة الاخيرة كفها بصرامة مفاجئة وهي تقول بحزم محافظة على ما تبقى لديها من ثبات
"لو سمحت يا احمد ، ليس لدي الوقت للكلام والنقاش معك بأي شيء ، فأنا احتاج للراحة الآن بعد هذا اليوم الطويل من العمل ، ولن اتحمل اي كلام او توبيخ تود قوله لي بهذه اللحظة"

ارتفع حاجبيه بصدمة للحظات وهو يتلقى كلام صارم واوامر وقلة تهذيب لأول مرة يسمعها من زوجته المصون فوق تأخرها عن المنزل لهذه الساعة وعبثها بأعصابه بالدقائق الماضية ! وهو فقط يفكر بمكانها وعن سبب تأخرها بالعودة دون عن كل الأيام ، فهل يكون كل هذا بسبب اهماله البالغ وافراطه بالحرية والتي يقدمها بحياتها بسخاء بدون اي حدود او حواجز ؟ حتى اوصلها لحالة الاكتفاء الذاتي والتمرد عليه !

تجهمت ملامحه ما ان عادت للسير بعيدا عنه ليقول بعدها بلحظة من خلفها بصرامة حادة وبعد ان خرج عن هدوء اعصابه والتي حافظ عليها طول تلك الفترة
"هل هذا هو ما لديكِ لتبرري به تأخرك عن المنزل ؟ بالكلام الوقح وبأسلوب عديم الحياء مع زوجك والذي يكون ولي امرك والمسؤول عن الحياة والتي تعيشينها بكل رفاهية وغنى !"

توقفت للحظات وهي تعطيه ظهرها بجمود وبتصلب جمد فقرات ظهرها ، لتقول بعدها بهدوء بالغ وبصوت خافت مجهد جمد الأجواء من حولهما
"اعتذر على سوء الفهم ! ولكنك نسيت بأنني لم اعد موجودة بشقتك ولا اعيش على اموالك ورفاهيتك ، وايضا لم يضعك احد لتكون ولي امري ، فأنا موجودة هنا بطلب من خالي محراب والذي تقبل وجودي بحياته باعتبار بأنه خالي الوحيد والقريب المتبقي لي بهذه الحياة"

ضيق عينيه بصمت زادت من حدة نظراته وهو يراقب التي غادرت باتجاه السلالم بعيدا عنه بعد كل ما قالته وفعلته ضاربة بكل لباقة يتمتع بها عرض الحائط ، بدون ان يفهم سبب كل هذه القسوة والبرود والذي ينضح بكلماتها المتناقضة عن شخصيتها والتي يعرفها جيدا وتعايش مع طبيعتها العفوية ؟ لتقلب كل الموازين بلحظة بتلك الشخصية الباردة والتي تبدو شخص آخر تلبسها ليتكلم بدلا منها وبالنيابة عنها !

ما ان كان على وشك التحرك بمكانه ونظراته ما تزال مصوبة بتلك التي وصلت لفوق السلالم حتى اوقفته بلحظة التي قالت من خلفه بعجلة وهي تقف بمكانها بجمود
"انتظر يا احمد واسمع مني ، لا تحاول الكلام مع روميساء الآن فهي بحالة من العصبية والتعب ومن ضغط كل من حولها لا تسمح لها بالتفكير بما تنطق به ، وقد تفقد السيطرة على اعصابها وتصب جام غضبها عليك ، لذا اتركها حتى تهدأ وترتاح قليلا بعيدا عن الكلام معها والذي لن يجدي ابدا بهذه اللحظات"

قطبت جبينها بتجهم ما ان تجاهلها الذي اكمل سيره باتجاه السلالم ليلحق بالأخرى الغاضبة ، والتي تعلم جيدا إلى اين ستؤدي نواتج الضغط عليها اكثر مما يحتمل صبرها ! وهي تتأفف بنفاذ صبر من الحماقة والتي تواجهها بحياتها هامسة من بين اسنانها بغيظ المتأسف على امره
"لما لا احد يستمع لكلامي والذي سينجيهم من الكثير من المصائب بحياتهما الزوجية المعقدة ؟ ولكن لا بأس سيعرف بالنهاية قيمة كلامي وتحذيري له بعد ان يفسد آخر ما تبقى من علاقتهما والتي لا تؤدي سوى عن الفشل الذريع ، ولكن لما اتعب نفسي بالتفكير بهما فهي ليست اول علاقة وآخر علاقة بالعالم تدمر قبل ان تبدأ !"

_______________________________
طرق على باب الغرفة بقوة عدة مرات بدون ان يسمع اي إجابة ، ليمسك بعدها بمقبض الباب وهو يدفعه باللحظة التالية بدون مقدمات او ادنى تفكير قبل ان يكتشف فراغه ! وما هي ألا لحظات حتى خرجت صاحبة الغرفة من الحمام المرفق وهي تحاول تزرير ياقة ثوبها ، ولكن ما ان وقعت نظراتها على الواقف امامها عند باب الغرفة حتى استدارت من فورها وهي تنوي العودة من حيث جاءت .

توقفت بتصلب جمدت الدماء بعروقها ما ان قصف صوته من خلفها بأمر
"توقفي مكانكِ يا روميساء"

زمت شفتيها بوجوم وتعب مما هو قادم بعد الجدال والذي حدث بينهما عند مدخل المنزل ، وهو ما يزال يكن لها الغضب والوعيد من كلماتها الاخيرة والتي ستوصلها لنهاية وشيكة بعلاقتهما المضطربة .

كان الواقف من خلفها يراقبها عن كثب وبنظرات قوية تكاد تحرقها حية ، وهي تجري من بداية شعرها الاسود الفاحم والذي يصل لنهاية ظهرها مثل الليل الطويل وهو يلمع بقطرات الماء الندية والتي تدل بأنها كانت تستحم من لحظة وانتهت للتو وبذات لحظة وصوله لغرفتها ، لينزل بعدها بنظراته لفستانها القطني القصير بلون الازرق السماوي وبأكمام قصيرة ، وهو يحدد جسدها المغري الطويل بدون ان يخفي مفاتنها لأول مرة .

تقدم امامها عدة خطوات فاصلة بينهما وما ان اصبح خلفها تماما يكاد يستنشق رحيق ونعومة شعرها حتى همس بلحظة بصرامة اخفت عن السابق
"استديري امامي"

قبضت بيديها على ياقة الثوب بانتفاض بدون ان تستمع لكلامه والذي كان يدق بنبرة صوته الهادئة بأذنيها مثل صوت دقات قلبها والتي اطربت سمعها بلحظات ، ليتبعها بعدها بصوت اكثر خشونة وهو يمسك بكتفيها هذه المرة بقوة تخللت لمفاصلها وزادت طنين نبضاتها بأذنيها
"لقد اخبرتكِ ان تستديري ، لما لا تسمعين كلام زوجك ؟"

عضت على طرف شفتيها بتشنج وهي تأبى الانصياع لأوامره بروح شرسة ، لتشعر بعدها بيديه وهي تزيد من الضغط على كتفيها للحظات قبل ان ينزل بهما لذراعيها المكشوفين ، وهو يديرها بلحظة ببطء ناحيته بدون ان تستطيع المقاومة اكثر بحربها الضعيفة والتي دك حصونها بقوة وبأسلحة فتاكة غير محسوبة العواقب .

وما ان اصبحت مقابلة له تماما حتى رفع وجهها بأصبعه السبابة بلحظة والتي كان يمسك بها ذقنها المتصلب بممانعة خفية ، لتتقابل بعدها النظرات بينهما لبرهة بجدال طويل صامت وببعض العتاب والذي انضح بين نظراتهما ، بعد ان زال ستار الجمود عنهما واختفى الهدوء بحياتهما المتنافرة والتي لم يتبقى بها سوى العتاب والحزن الصامت .

قطع بعدها النظرات التي اخفضت عينيها الخضراوين بضعف شل حركة عضلة جفنيها ، ليقول بعدها المقابل لها وهو يقطع خيط الصمت وبعد ان اخفض يديه بعيدا عنها
"إذاً هل ستتكلمين ام ابدأ انا بالكلام ؟....."

توقف عن الكلام فجأة وهو ينحدر بنظراته لياقة ثوبها والتي ما تزال تشدد عليها بقبضتيها المضمومتين معا بتعرق وبارتجاف واضح على مفاصل اصابعهما ، وما ان رفع يده قليلا وهو يقول بوجوم
"يبدو بأنكِ تعانين من مشكلة !......"

حتى انتفضت للخلف قليلا بارتعاش وهي تعود لمحاولتها الفاشلة بدس الازرار بالثقوب بياقة الثوب بدون فائدة وبتعثر ارتجاف اصابعها ، لتشهق بذعر ما ان اندفع امامها حتى وصلت للجدار من خلفها ليمسك بلحظة بيديها بقوة وهو يتمتم بتصلب
"اهدئي"

هدئت بالفعل وهي تبتلع ريقها بارتباك ليخفض بعدها كفيها بعيدا عن ياقة ثوبها ، قبل ان يهتم هو بمهمة دس تلك الازرار الصغيرة بثقوب ثوبها بقوة وعلى ملمس عنقها المتشنج بتعرق ، وهي تجد صعوبة بابتلاع لعابها والذي علق بمنتصف مجرى تنفسها ، ليقول بعدها بتلك اللحظات القصيرة وهو ما يزال مشغول بمهمة ازرارها
"والآن هل ستتكلمين عن سبب ذلك الكلام الوقح والذي امطرتني به عند باب المنزل ؟ فهذه ليست من صفات زوجتي الجميلة والتي لم يصدر منها اي ما يسيء لسمعتها ! لذا اخبريني الآن عن سبب ذلك الكلام ، وما سبب تأخركِ ايضا لهذه الساعة والتي لا تعود منها اي امرأة محترمة تملك عائلة وزوج ؟"

تنفست بصعوبة لوهلة فوق يديه الخانقة لها عند ياقة ثوبها ، لتقول بعدها بلحظة بابتسامة مقتضبة وهي توجه نظراتها بعيدا عنه
"لست مضطرة للتبرير لأني لم اخطئ ابدا بأي تصرف يسيء لسمعتكم ، وليس كل فتاة تعود للمنزل متأخرة يعني تكون فتاة مخطئة او فعلت فاحشة لا تغتفر ، انت فقط تريد ان تترصد لي الاخطاء لتوبخني وتظهر بأنني انا المخطئة دوما ، بالرغم من انني لطالما كنت اعود للمنزل بساعة متأخرة من الليل واكثر فيما مضى ، ولكن اين كنتم بتلك الاثناء......"

قاطعها الذي امتقعت ملامحه بلحظة وهو ينظر لها بصرامة حادة
"كفى يا روميساء ، هل حدث خطب لعقلك ؟ من قال بأنني اود توبيخكِ او انني احب ان اظهرك المخطئة ! بل انا اتكلم معكِ بكل هدوء وعقلانية لأعرف مشكلتكِ واتغاضى عن وقاحتك ، ولكنك مصرة على تضخيم الأمر والذي لا يستحق كل هذا الانفعال والتضايق منه ، وانتِ تذكرين امور حدثت بالماضي البعيد وانتهت منذ دخولك لحياتي"

زمت شفتيها بارتجاف طغى على كل جسدها وهي التي لم تعد تستطيع السيطرة على اعصابها المنهارة منذ تلك الحادثة والتي حصلت امام عينيها ، ليكون الماضي رفيقها طول تلك اللحظات بدون ان يخرج من روحها والتي وشم بها منذ زمن ، لتقول بعدها بلحظة بأنفاس باهتة وبروح استبد بها الإنهاك
"ارجوك يا احمد ، هلا تركتني لوحدي الآن ؟ فأنا احتاج بشدة للبقاء لوحدي ، ولا استطيع التكلم بأي موضوع الآن وانا بهذه الحالة"

تصلبت ملامحه وهو ما يزال يعدل بأصابعه ياقة ثوبها بشرود هامسا بجدية
"ولكنك لم تخبريني للآن عن سبب تأخرك عن المنزل ، ولماذا لم تجيبِ على اي من اتصالاتي ؟ هل حدثت معكِ مشكلة بطريق عودتك للمنزل وبعد مغادرتك من المدرسة ؟"

رفعت عينيها نحوه باتساع متوجس بلحظة وهي تتذكر الحادثة والتي اوقفت طريقها وحياتها لبرهة من الوقت انفصلت به عن عالمها المحيط بها ، والذي تخلل به ذكريات منسية بأعماق روحها وبتفاصيل ألم الطفولة والذي لازمها بمسيرة حياتها ، لتنتفض بعدها لا شعوريا وهي تمسك قبضتيه لتدفعهما بعيدا عنها ، وهي تصرخ بانفعال متهدج وبعد ان تحكمت بها مرارة الماضي واشعلت النيران بكامل جسدها المحترق بتلك الذكريات
"وماذا تعرف عني لتسألني مثل هذا السؤال ؟ ومن اعطاك الحق من الاساس لتسألني وتحقق معي ! وانت لا تعلم ما كنت اعيشه بتلك الطفولة من مرارة فقد الأب وسند العائلة وانا اعيش اليتم الحقيقي بعد ان ذهب بطلي بالحياة ؟ لأصبح مجرد طفلة عليها ان تتقبل وجود رجل آخر يأخذ مكان والدها بحياتها ، وبعد ان ذهبت والدتي لم يعد هناك لدي سوى العمل خادمة عند رئيسي اعمل ليل نهار لأضع المال بيده ، وانا اقابل ابشع البشر وجميع النفوس المريضة والذين عليّ تحمل وجودهم بمجال عملي لأعيش تحت سقف واحد يحميني ويكون مأوى لي بهذه الحياة ، ما لذي تعرفه انت عني ؟"

تجمدت ملامحه بهدوء للحظات وهو يتابع التي كانت تتنفس بقوة امامه وبعد ان افرغت كل شحناتها دفعة واحدة ، والتي كانت تحتجزها بخلجات قلبها منذ سنوات وتراكمت بهذا اليوم تحديدا حتى اصبحت بهذا الشكل المريع ، ليتنهد بعدها بروية وهو يعود لجديته امام مثل هذه المواقف المستعصية وهي تبدو بحالة غير سوية وليس من الصحة الضغط عليها اكثر ، ليقول من فوره بصوت اجش وهو يمسك بكتفيها ليقترب اكثر من رأسها وهو يحط بشفتيه على مقدمة شعرها الناعم بقبلة طويلة
"حسنا يا روميساء ، لن نتكلم عن هذا الموضوع بما انكِ متعبة الآن ، لذا اهدئي وارتاحي"

زفرت انفاسها بحشرجة مؤلمة وهي تشعر بيديه ترتفعان وتنخفضان تلقائيا على طول ذراعها تشاركهما شفتيه والتي نزلت عن مقدمة رأسها ، ليجول بهما على بشرة وجهها الشاحبة حتى وصل لشفتيها المرتجفتين وهو يشبعهما بقبلات قوية ، وكأنه يودي بهما كل اشتياقه لها والذي ازهق انفاسها واتعب خفقات قلبها بصراع مشتعل قصف بضربات صدرها ، وعندما لم تعد لها القدرة لمتابعة هذا الصراع حتى انتفضت قليلا وهي تحرك رأسها ذهاباً وإياباً تلقائياً برفض واضح .

توقف بلحظة وهو يبعد شفتيه عن طول عنقها لوهلة وانفاسه الحارة تضرب بشرتها البيضاء بقوة ، ليرفع بعدها نظراته المشتعلة ببطء لوجهها الشاحب ما ان همست بشفتين مضمومتين بكبت
"لا اريد الآن ، احتاج للراحة بشدة ، ولن اتحمل مثل هذا الضغط"

قطب جبينه بغموض للحظات بدون اي تعبير واضح ، قبل ان يعود لتقبيل وجنتها وهو يهمس فوقها بخشونة ملتهبة خدشت بشرتها
"صدقيني لن اتعبك معي ، بل ستشعرين بكل الراحة والتي تبحثين عنها ، وهذا سيحدث عندما نعيد إحياء تلك الليلة مجددا ، فأنا الآن بأشد الحاجة لكِ يا روميساء وقد وصلت رغبتي بكِ لأقصاها"

انتفضت مجددا بحدة اكبر ما ان شعرت بأصابعه وهي تفك ازرار ياقة ثوبها بقوة ، لتقول بسرعة بعبوس حانق وهي تحرك وجهها بعيدا عنه
"لا يا احمد لا تفعل ، ألم تقل بأنك لن تلمسني ولن تفعل شيء ألا بموافقتي ! هل غيرت كلامك ؟"

شدد من إمساك ذراعيها لا إراديا وهو يقول امام وجهها بأنفاس متهدجة بغضب احرقت شحوب بشرتها
"ولكني احتاجكِ الآن بشدة ، وهذا حقي الشرعي يا روميساء ، ماذا افعل مع رغبتي الحارقة بكِ ؟"

ردت عليه تلقائيا بنفس غضبه وباشتعال حارق
"إذاً اذهب وافرغ رغبتك بزوجتك الأخرى"

عضت على طرف شفتيها بخوف مما نطقت به من غباء للتو غير مقصود ! ولم ترى نظرات الواقف امامها وهو يفلت ذراعيها بهدوء وببطء شديد وبنظرات باردة نحتت بتفاصيل وجهه بجمود ، ليقول بعدها بلحظة بهدوء بدون ان تتبين مغزى كلامه الصخري وبعد ان اختفى اشتعال الرغبة بصوته
"حسنا كما تشائين وترغبين يا روميساء ، وافعلي ما يحلو لكِ فهذا لم يعد يهمني"

فغرت شفتيها بصدمة الذهول بدون ان تعلم ما كان يقصده بكلامه ؟ وإذا كان حقا سيفعل ما قالته ويتجه مباشرة ليفرغ شحناته بزوجته الاخرى ؟ ولكن لما الذهول هكذا أليست هي من طلب منه هذا !

مرت لحظات صامتة ومهلكة على مشاعر كل منهما قبل ان تشعر بخروجه الصامت والذي خلفه من بعده بسكون ، لتزفر بعدها انفاسها المحبوسة بصميم روحها وهي تستند بالجدار من خلفها هامسة بلا شيء وبذهول طغى على نظراتها المهتزة
"ما لذي فعلته للتو ؟!"

يتبع..........

najla1982 likes this.

روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-09-21, 10:02 PM   #152

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

صباح اليوم التالي........
كانت تنزل السلام ببطء وبخط مستقيم قبل ان تشعر بلحظة بقوة دفع من خلفها اصطدمت بظهرها بلمح البصر اختل معها توازن خطواتها وهي تدفع جسدها للأمام وبعيدا عن الدرجة امام قدميها ، وقبل ان تتدارك نفسها بثواني كان هناك من يمسك بذراعها من الخلف بقوة وبسلاسة لتحاول عندها تثبيت قدميها مجددا فوق العتبة بسلام ، وما ان تنفست بارتجاف سكن دواخلها لبرهة حتى صلبت ظهرها بلحظة بجمود وهي تستمع للصوت البارد من خلفها قائلا بصوت اجش مستفز
"لا بأس يا ألماستي ، فما دام زوجك بجانبك فهو لن يدع لكِ حرية السقوط لأنه سيكون عندها من خلفكِ بكل مرة يحدث هذا"

عضت على طرف شفتيها بانفعال وهي تهمس بحنق بالغ
"لقد تعمدت فعل هذا صحيح لكي تكسرني اكثر !"

عبست ملامحها فجأة ما ان تدخل صوت الواقف بالقرب منهما بدون ان تنتبه لوجوده من الاساس وهو يهمس بإحراج
"انا اعتذر حقا على ما حدث فقد اصطدمت بكِ بطريق الخطأ لأني كنت على عجلة من امري"

امتعضت ملامحها ما ان قال الذي ما يزال يمسك بذراعها بقوة بضحكة ساخرة
"عليكِ ان تفكري قبل ان تتهمي الناس بدون اي وجه حق"

زمت شفتيها بوجوم وهي تتجاهل كلامه الاخير محاولة نزول بعض الدرجات امامها بتمايل ، لتثبت جسدها بعيدا عنه وعن يده المساندة لها وهي ما تزال تمسك بذراعها بقوة تمنعها عن الوقوع ، ولكن ما لم تتوقعه هو ان يسحب ذراعها للخلف بلحظة وهو يديرها ناحيته بكلتا يديه ، لتقف بعدها بثواني مقابلة له وهو ينزل الدرجة الفاصلة بينهما امام نظراتها المذهولة ، ليهمس بعدها امام وجهها بتجهم عابس
"إلى اين تريدين الهروب من منقذك يا ناكرة الجميل ؟"

اشاحت بوجهها بعيدا عنه بتأفف لتقع نظراتها على الفرد الثالث بينهما والذي ما يزال يراقب كل لحظات شجارهما الاحمق والذي يكون السبب به بدون ان يشعر بأي ذرة احساس ، وهي تشعر بالدماء الحارة تكاد تنفجر بداخلها وبأوردتها النابضة بصخب من إحراج لم تتعرض له بحياتها ، لتقذف بعدها الكلام باستياء حاد امام نظراته الثابتة عليهما بدون ان تتمالك نفسها
"على ماذا تنظر ؟ هل ترى الأمر ممتع ؟"

ارتفع المقابل لها حاجبيه بدهشة وهو يحيد بنظراته لشقيقه الصغير والذي يبدو لم يتأثر بكلامها او لم يفقه شيء منه من فورة غضبها والواضحة على محياها وهي تصب جام غضبها على ذلك الصغير ؟ ليمسك بعدها بكتفيها برفق قبل ان تتهور او ترتكب جريمة بذلك الصغير وهو يوجه كلامه له قائلا بجدية صارمة
"هيا اذهب يا زين ، فهذه المشاهد لا يصح للأطفال رؤيتها"

رفع نظراته باتجاه صاحب الكلام قبل ان يعود بها للوجه المحتقن بالدماء وبعينيها المتحجرتين بزرقة قاتمة ، ليبتسم بعدها ببساطة وهو يقول لهما بهدوء بالغ
"حسنا سأذهب ، ولكن اولاً اريد ان ابارك لكما مبروك عقد قرانكما ، لقد سعدت كثيرا عندما علمت بأنكما سترتبطان ببعضكما فقد كنت اتوقع هذا منذ فترة طويلة وكان من السهل التكهن بنتائج علاقتكما ، بالرغم من انني اجد استحالة الدمج بينكما......"

قاطعه الذي تصلبت ملامحه فجأة وهو يهمس بأمر
"كفى كلام ، واغرب عن وجهي حالاً"

تجمدت ملامح (زين) قبل ان يعبس بيأس وهو يوجه نظراته للتي كانت تنظر لهما بجمود بدون ان تفهم سبب شرارات الكراهية والتي بدأت تدور من حولهم ؟ ليقول بعدها امامها بابتسامة صغيرة وهو يرفع حاجبيه بخفة
"مبروك يا ماسة ، واتمنى حظاً اوفر لي بالمرة القادمة"

ارتفع حاجبيها مع اتساع مقلتيها الزرقاوين بصدمة بذات الوقت ما ان وصلها معنى كلامه ، بينما من تعقدت ملامحه بحدة كان يراقب الذي اكمل نزول باقي درجات السلم بثواني وهو يبتعد من فوره بعيدا عنهما .

لتنتفض بعدها لا شعوريا ما ان امسك بذراعها بقوة وهو يقول بانفعال حاد مريب
"ما لذي كان يقصده بكلامه ؟"

انفرجت شفتيها بارتعاش لوهلة قبل ان تدفعه بعيدا عنها وهي تهمس ببرود
"لا اعلم"

لتتابع بعدها نزول السلم بخطوات سريعة لم تكن تقارن بخطواته الواسعة والتي وصل بها بثواني لنهاية السلم ، ليعود ليمسك بذراعها باللحظة الاخيرة وهو يسحبها معه بدون كلام بمسار آخر باتجاه قاعة الطعام ، لتمانع بعدها بشدة وهي تصرخ بتذمر حاد
"اتركني يا شادي ، سأتأخر هكذا عن جامعتي بسببك"

ردّ عليها بلا مبالاة وهما يصلان امام قاعة الطعام
"لا بأس انا سأوصلكِ معي للجامعة ، اما الآن فعليكِ حضور مائدة الفطور مع العائلة لأنه هناك ما هو مهم على العائلة جميعها سماعه وانتِ اولهم"

عقدت حاجبيها بعدم استيعاب وبتجهم مما يتفوه به ؟ لتنظر بعدها امامها وهي تشاهد جميع افراد العائلة المجتمعين حول مائدة الفطور والتي تحضرها لأول مرة بحياتها منذ دخولها لهذا المنزل بالمرتين المتتاليتين فقط لتتجنب الاحتكاك بهم ومقابلة نظراتهم المستنكرة من وجودها بينهم ، وهذا ما حدث ما ان دخل كليهما معا لتبدأ النظرات بالتوجه نحوهما تدريجيا للحظات قبل ان يعود كل واحد منهم للطبق امامه بدون ان يعيروا وجودهم اهتماما .

خرجت من شرودها ما ان تحرك الواقف بجانبها وهو يتخذ مقعد من حول المائدة ليبعد المقعد المجاور له قليلا وهو يؤمرها بإشارة بالجلوس بجانبه ، ادارت عينيها بعيدا عنه بضيق وهي تشعر بنفسها اصبحت محط انظار الجميع ، لتقع عينيها بلحظة على مكان آخر اتجهت له من فورها متجاهلة كل من حولها ، لتجلس بالنهاية بجانب التي كانت مشغولة بتحريك الملعقة بداخل كوب قهوتها بدون ان تشعر مما يدور من حولها وبدون ان تنتبه حتى لوجود شقيقتها بالمكان .

ابتسمت ببرود لصاحب النظرات الغاضبة وهي تعصي اوامره بدون ان تبالي بمزاجه وهي تقابله بكل وقاحة برودها ، ولو كان بيدها لكانت خرجت من المكان بأكمله لتغادر لجامعتها بدلا من انتظار الامر المهم والذي يريد قوله بوجودهم ، وجهت بعدها نظراتها الحائرة للجالسة بجانبها وهي ما تزال تحافظ على صمتها وبملامح باردة على غير عادتها ، لتمسك بلحظة بذراعها بهدوء وهي تهمس بتوجس
"روميساء ما بكِ ! هل انتِ بخير ؟"

رفعت عينين خضراوين بشحوب مهتز للحظات وهي تبتسم بضعف واضح هامسة برقة
"انا بخير يا عزيزتي ، لا تقلقي عليّ"

تغضن جبينها بجمود وهي تنظر لشحوب ملامحها الغريب بعدم راحة وعينين ذابلتين ببعض الاحمرار وكأن النوم قد هرب منهما ، هي تعلم جيدا بأن هذه الملامح لم تغب عنها طيلة حياتهما تحت رحمة زوج والدتهما والذي لم يكن يسمح للراحة ان تجد سبيل لتدخل بحياتهما ، ولكن كل شيء قد اختلف بعد دخولهما لمنزل خالهما وزواجها من ابن العائلة ليعود بعض اللون والجمال لحياتها الذابلة ، فما لذي اختلف الآن لتنقلب هكذا وتعود لتلك الفتاة الحزينة مجددا ؟

حركت نظراتها بسرعة من حولهما وهي تلاحظ لأول مرة عدم وجود (احمد) بينهما على المائدة ، لتهمس بعدها من بين اسنانها بأمر واقع
"لقد كنت اعلم ، إذاً هذا هو السبب !"

قال فجأة الجالس على رأس المائدة وكأنه يقرأ افكارها وهو يقول بصوت جهوري صارم
"سندس اين هو احمد ؟ لما لم يحضر مائدة الفطور بعد ؟"

اجابته الخادمة بطاعة وهي تهمس باحترام
"لقد غادر السيد احمد منذ الصباح الباكر بدون ان يترك اي خبر عن سبب رحيله لأحد"

تجهمت ملامحه بعدم رضا وهو يهمس بوجوم متصلب
"لا بأس يا احمد ، حسابك سيأتي عندما اراك ، ولنرى ما هي اعذارك عن تغيبك للحضور على مائدة الفطور مع العائلة"

حركت رأسها بتفكير لبرهة لتحين منها التفاتة جانبا بنظراتها للتي اشتدت يديها على كوب القهوة بدون كلام وهي تنشج بصمت وبارتجاف واضح تجلى على مفاصل اصابعها البيضاء ، رفعت نظرها بعبوس باتجاه الذي كان يصدر تلك الضجة وهو يطرق الملعقة على زجاج الكأس برنين مزعج التفتت معه الانظار بلحظات .

توقف بعدها ما ان وقعت نظراته على عيون رمادية غاضبة وهو ينظر له الند بالند ، ليقول بعدها بابتسامة جادة وهو ينقل نظراته للجهة الأخرى
"اريد ان اعلن عن خبر مهم يخص حياتي على العموم ، واريد من الجميع سماعه بآذان مرهفة لتشاركوا فرحة سماع الخبر معي ، للأسف بأن احمد غير موجود ليسمع ذاك الخبر المهم ، ولكني بالطبع لن انساه وسأخبره به فيما بعد........"

قاطعه والده بتصلب وهو يقول بنفاذ صبر
"هلا دخلت بالموضوع مباشرة بدل هذا الموشح الممل من الكلام الفارغ ؟"

اومأ برأسه ببرود وهو ينظر بقوة للتي تصلبت بمكانها بتحفز مما هو مقدم عليه لن يعجبها ابدا ، فهو لا يدخل بموضوع ولا يبدأ منه من فراغ ، وكما توقعت اكمل كلامه بدون ان يترك نظراتها المتصلبة بتحجر وهو يقول بابتسامة جانبية بمكر واضح
"الجميع يعلم بأن زواجي لم يكتمل بعد ! وقد اتفقنا من قبل بأن نجهز حفل زفاف يليق بنا وبنسب عائلة الفكهاني العريق ، لذا خططت بأن يكون يوم الزفاف بعد ثلاث ايام فقط ، وكل ما يتعلق بتجهيزات الحفلة وما يتبعها من شكليات اصبح جاهزا بالكامل ، وكل ما اريده منكم هو الحضور وتمني السعادة للزوجين بحياة هنية طول العمر ، وشكرا لكم على حسن الاستماع"

خيم الصمت بأرجاء المكان لثواني تحولت لدقائق طويلة بصدمة الخبر والذي لم يحسب احد حساب له ويبدو مخطط له جيدا وبدقة الموعد القريب ، بينما عينيها الزرقاوين المتسعتين كانت ما تزال معلقة بعينيه والتي لم تتركها وشأنها طول كلامه بل منذ قذفه للخبر بوجهها مثل الصاعقة برأسها ، وهي تضربها بالصميم بعد ان قرب موعد ارتباطها بقدرها المحتوم ، وبعد ان اغلق كل الحلول المقترحة برأسها والتي كانت تخطط لها لتقطع بأي شكل هذا الرابط والذي تراه يزيد قوة ومتانة مع اقتراب نهاية استقلالها بهذه الحياة الموشومة بعار ذنوبها والتي تكللت حول عنقها للأبد .

قطع الصمت الطويل حتى اصبح قاتلا الذي قال بنفس ملامحه الحادة بتجهم عابس
"من كل عقلك تريد ان يقام حفل الزفاف بعد ثلاث ايام ! هل تظن كل شيء بالحياة متمحور حولك لنجهز لك حفل زفاف كامل بغضون ثلاث ايام فقط ؟ ماذا تظن نفسك فاعل بهذه التصرفات المتهورة والغير مسؤولة ؟ هل تعلم كم يكلف جهد ووقت ومال تجهيز حفل زفاف من اجلك ومن اجل عروسك والذي يحتاج اقل شيء لأسبوعين ؟......"

قاطعه بهدوء بالغ بدون ان يعطي انتباه لكلامه الاخير وهو يقول بجدية باردة متحديا له بنظرات تحمل العناد والاصرار معا
"يبدو بأنك لم تسمع كلامي جيدا يا ابي ؟ لذا سأكرره على اسماعك من اجلك ، لقد قلت بالحرف الواحد بأن كل شيء جاهز ومخطط له ولن احتاج لمساعدة احد او مساندته بمثل هذه الشكليات ، واقصد بأن وجودكم بالحفلة يكفيني ولن احتاج شيء آخر غيره بهذا الوقت ، لذا ارجوك يا ابي لا تنسى ان تتواجد بالحفلة لتسلم ابنة شقيقتك لابنك العزيز مثل اي زفاف آخر ولأنك كبير عائلتنا هنا فوجودك مهم جدا بحياتنا"

تصلبت ملامح والده بصمت قاتم زادت من قسوة رمادية عينيه بدون ان يحيد بنظراته بعيدا عنه وكأنه يوصل له رسالة مغزاها حسابك لن ينتهي هنا وعقابك عليها لن يكون بهين ، ليخرج بعدها عن صمته التي وقفت عن مقعدها بهدوء بالغ قبل ان تغادر قاعة الطعام بأكملها وبصمت قاتم بدون ان تضيف اي كلمة على كلامه الاخير .

وقف بعدها بلحظة الذي سار باتجاه باب القاعة وهو يلوح بذراعه قائلا ببساطة
"اتمنى لكم يوما سعيدا"

ليختفي بعدها خلف الأخرى وجميع الانظار مسلطة بمكان اختفاءه بوجوم ساد بالمكان للحظات لينحصر بدواخل كل واحد منهم بسكون ...

_____________________________
اسندت جانب رأسها بالنافذة وهي تشاهد الطريق يتحرك بسرعة ثابتة تسرع قليلا بلحظة لتعود للبطء بثانية اخرى مثل دوامة الحياة والتي تعيشها ، وهي تزيد سرعتها بلحظات سعادتها النادرة لتعود للبطء بلحظات آلامها ، وكأنها محتجزة بتلك الدقائق البطيئة والقاتلة بالنسبة لحياتها الباردة ، تصلبت بعدها ملامحها بلحظة وهي تعود للجلوس بسكون مسندة ظهرها للخلف بصمت ، لتكتف من فورها ذراعيها فوق صدرها هامسة بصوت نافذ بصفير اسنانها المطبقة
"ما لذي قصدته بتلك الحركة ؟"

ادار نظراته نحوها لبرهة الذي كان يقود بسلاسة قبل ان يعود بنظراته للأمام ببرود وهو يهمس بخفوت غير مبالي
"تقصدين الكلام والذي قلته امام العائلة ؟ اعتقد بأنه كان واضح كفاية بدون اي حاجة للتفكير به ! بل كل ما عليكِ ان تفكري به الآن هو كيفية تجهيز نفسكِ على اكمل وجه لهذا اليوم المنتظر والذي سيحدث به ارتباطنا رسميا امام العالم وكل من يوجد على سطح الأرض"

عبست ملامحها بغضب وهي تحيد بنظراتها القاتمة نحوه بجمود هامسة بخفوت منقبض
"وإذا قلت لك بأني لا اريد ان يقام زفافي بعد ثلاث ايام ! ام ليس لدي رأي بهذا الخصوص ؟"

ابتسم بهدوء وهو يوجه نظرات باردة نحوها للحظة قبل ان يتمتم ببساطة شديدة
"اعتذر ولكن طلبكِ غير متاح حالياً ، وهذا الزفاف عليه ان يحدث بأقرب فرصة ممكنة لأني لا اطيق صبرا حتى تصبحي لي يا ألماستي وبكل معنى الكلمة ، ولكي استطيع ايضا كبح جماحك الاحمق وتمردك والذي زاد عن حده بالآونة الاخيرة اكثر مما ينبغي......"

قاطعته التي التفتت نحوه بعنف وهي تهمس بانفعال حانق
"انا لا اسمح لك بهذا النوع من التحكم ، فقط لأنك تمسك سجل الماضي الخاص بي تريد ان تجرعني الألم وتسلط عليّ قيود قوانينك حتى تنتقم مني باستخدام ذلك الماضي"

ارتفع حاجبيه بدهشة لوهلة وهو يحرك رأسه بعيدا عنها ببرود قائلا بابتسامة مقتضبة بقوة
"فكري كما تشائين يا مجرمة ، ولكني اعدك بأن انظف عقلك هذا وحياتك السوداء والمليئة بالندوب والتشوهات والتي لن يفيد البقاء عليها قبل ان تقضي على وجودك تماما وتفسد ما تبقى لديكِ من مشاعر ما تزال مكبوتة بداخلك"

عضت على طرف شفتيها باستياء وهي تهمس بعبوس مستنكر
"هل تقصد بكلامك هذا بأني مجنونة واحتاج للعلاج ؟ وانت ستكون المسكن لعلاج هذه المجنونة ؟"

اتسعت ابتسامته بغموض وبلمح البصر كان يمسك بكفها على ساقيها بقوة وهو يتبعها بلحظة بالهمس بخفوت اجش واثق
"إذا كان الجمال يتمحور بالمجانين امثالك ! فأنا اتمنى عندها ان تتحول كل فتيات الأرض لمجانين"

حدقت به لبرهة بصدمة جمدت التفكير بعقلها الخاوي وبخفقات قلبها والتي خفتت فجأة بذهول ! لتزفر بعدها انفاسها بارتجاف وهي تسحب يدها بعيدا عنه بانقباض هامسة بحنق مضطرب
"توقف عن هذا الجدال الفارغ ، فلم يعد يعجبني سير الحديث معك"

ردّ عليها وهو يحرك كتفيه باستخفاف
"ليس انا من بدأ بالحديث بهذا الجدال اولاً"

تأففت بنفاذ صبر وهي تشيح بوجهها للنافذة بجانبها بصمت قاتم بدون ان تزيد كلمة اخرى لكي لا يزيد شعور التخبط بدواخلها مثل نواقيس الخطر ، وبعد عدة دقائق كانت تضيق عينيها الزرقاوين بحدة وهي تقرب جبينها اكثر للطريق بجانبها هامسة بعدم فهم
"هذا ليس الطريق المؤدي لجامعتي !"

نظر لها الجالس بجانبها ما ان التقط همستها وهو يجيبها قائلا بجدية
"اجل هذا الطريق ليس لجامعتك ، لأننا سنذهب لمكان آخر قبل إيصالك للجامعة ، وعندما نصل ستعرفين كل شيء"

فغرت شفتيها باندهاش للحظة وهي تلتفت نحوه ببطء ، ليتحول بعدها بثانية لعبوس وهي تلوح بقبضتها جانبا قائلة باستنكار
"ما هذا الكلام ! اتعلم بأنني بسببك قد تغيبت يومين عن جامعتي بسبب رحلتك الغبية لذلك البيت الريفي وانا الآن متأخرة وقد افوت المحاضرة الأولى بسببك وبسبب اجبارك لي بحضور جلسة الفطور ؟ والآن تريد ان تأخذني لمكان آخر بعد ان وعدتني ان توصلني للجامعة بنفسك ! ولكن الحق كله على التي صدقتك منذ البداية واخلفت بوعدك......"

توقفت عن الكلام ما ان كتم على فمها بيده بقوة ليقود بيده الاخرى وهو يوقف الكلام المسترسل منه والقاتل بذات الوقت ، ليقول بأمر قاطع بعد ان سببت التشوش بأفكاره وهو يحيد عن الطريق قليلا
"اخرسي يا ماسة وإياكِ والتفوه بأي جنون قد ينطق به لسانك الاحمق ! وبخصوص هذا المشوار فقد كنت اخطط له منذ ايام ، لذا اوقفي تمردك هذا وافعلي ما اقوله ، لكي استطيع إيصالك بعدها لجامعتك بسلام"

عندما لم يسمع اي تعليق منها التفت نحوها بهدوء لتقع نظراته على حدقتيها البحريتين بزرقة ساكنة بدون اي هياج او امواج ، وهو ما يزال يكمم على فمها بقوة مستشعرا ذبذبات شفتيها المرتجفتين على باطن كفه ، وما هي ألا لحظة حتى نفض يده بعيدا عنها بألم ما ان شعر بأسنان حادة تقضم لحم باطن كفه بلمح البصر وبخبث واضح لمحه بتلك المقلتين المتسعتين بجمود باهت .

قبض على يده بقوة بألم حارق بباطن كفه وهو يعود للنظر للطريق امامه ما ان شعر بانحراف السيارة عن الطريق قليلا وهو يتمتم بوجوم عابس
"يا لكِ من وغدة ماكرة لقد انحنى الجنون احتراما لكِ !"

حركت عينيها بعيدا عنه بلا مبالاة وهي تهمس ببرود ساخر
"عليك ان تتحمل اكثر فأنت الذي اخترت ان تكون مسكن لهذه المجنونة ، لذا إياك والتراجع عن كلامك الآن فهذا ليس من شيم المحاربين"

عض على طرف شفتيه بكبت وهو يرفع حاجب واحد بحدة بعد ان عبثت بالكلام وقلبت الطاولة عليه ، وهو المذنب الوحيد بكل هذا عندما بدأ هذه الحرب الخاسرة معها وهو يظن مهمة تنظيفها ستكون سهلة عليه ليكتشف سوء اختياره بعد فوات الآوان ، ليهمس بعدها لبرهة من بين اسنانه بصوت غير مسموع وبكل غل يشعر به بهذه اللحظة بعد ان اصبحت كفه ضحية حقدها
"اللعنة عليكِ وعلى اسنانكِ الحاقدة وعلى الشخص الجالس بجانبك"

توقفت السيارة بعدها بلحظات بجانب محل صياغة الذهب والمجوهرات وهي تنظر باتساع عينيها لواجهة المحل الفخمة والتي تظهر كل انواع المجوهرات من خلالها وهي تعكس بريقها بزرقة عينيها ، انتفضت بعدها لا شعوريا ما ان فتح الجالس بجانبها الباب وهو يقول بأمر
"هيا انزلي"

خرجت من فورها من باب السيارة بجانبها ونظراتها ما تزال معلقة بتلك الواجهة الضخمة للمحل الفخم ، لتسير بعدها خلف الذي سبقها باتجاه المحل وهي تتبعه من الخلف بصمت منتظرة نهاية هذه الرحلة والتي ذهبت إليها بدون إرادة منها .

ما ان دخل من باب المحل والذي كان يصدر رنين اجراس ناعمة فوق باب الدخول ، حتى سار من فوره باتجاه طاولة الصائغ وصاحب المحل ، بينما تجمدت الاخرى بمكانها وهي تتنقل بحدقتيها بحذر بمحتويات المحل الجميلة والتي تبدو صياغتها اصلية بجودة عالية من لمعانها الملفت للأنظار والشبيهة بمجوهرات (روميساء) والتي كانت ترتديها بحفلة بمنزل خالها .

امسكت بيديها حزام حقيبتها بتشبث ما ان اشار الواقف امامها على بعد خطوات بعينيه لتقترب امامه بأمر ، لتعض بعدها على طرف شفتيها بارتباك مريب وهي تخفض نظراتها بوجوم وبانقباض احتل اطرافها لوهلة من تواجدها بمكان لا ينتمي لعالمها السوداوي ولا لهيئة حياتها ، والتي عاشت عليها حتى وصمت بروحها بعيدا عن ذاك البريق الذهبي والخاص بعالم الثراء والرفاهية الغير محدودة .

قبضت على يديها بتجمد ما ان شعرت به وهو يمسك بيدها هامسا بغيظ
"ما لذي اصابكِ يا مجنونة ؟ لقد احرجتني امام الرجل"

تنفست بهدوء وهي ترفع رأسها بحذر قبل ان تهمس بعبوس
"ما لذي نفعله بهذا المكان ؟"

ارتفع حاجبيه ببرود وهو يهمس بسخرية
"وما لذي سنفعله مثلا ! بهذا المحل الكبير الخاص بالمجوهرات والذي لا يأتي إليه سوى الذين يريدون ان يختاروا خواتم زواج او خطبة لهم ! ام لديكِ سبب آخر لقدومنا هنا ؟"

عقدت حاجبيها بحدة وهي تهمس باعتراض
"وانا لا اريد اي خاتم"

ردّ عليها من فوره وهو يسحبها امام طاولة صاحب المحل والذي ما يزال يراقب نهاية لحديثهما
"اما انا فأريد وهذا سينطبق عليكِ كذلك"

وقفت امام الطاولة وهي تنظر بعيدا عنه بضيق ، ليقول بعدها للصائغ بابتسامة هادئة
"هذه خطيبتي والتي اخبرتك عنها ، واريد منك ان تعرض عليها انواع الخواتم والتي اخترتها من اجلنا"

نظر الصائغ للفتاة المقصودة بحيرة من غضبها الواضح على محياها وكأنها مرغمة على المجيئ إلى هنا بدون ان تخفي نظراتها الحاقدة والمستعرة على كليهما ؟ ليقول بعدها الصائغ باحترام وهو يستدير ليخرج علبة مخملية من ادراج الخزانة
"اكيد يا سيد شادي ، دقيقة لأحضرها لك"

التفتت نحوه بعبوس ما ان ضربها على ذراعها بمرفقه بقوة وهو يتمتم بغضب
"توقفي عن التصرف بتحامق واظهار غضبك امام الرجل ، وألا ستحلمين ان اوصلك للجامعة وستذهبين لها لوحدك"

دلكت على ذراعها بيدها الاخرى وهي تهمس بضيق
"لا احب ان اكذب ملامحي او ان اظهر المحبة لأحد رغما عني فهذا هو شكلي الحقيقي ، لذا تقبله بصمت وتوقف عن التذمر"

ارتفع حاجبيه بتجهم شرس وقبل ان يقذفها بكلامه الحاد سبقه الذي وقف امامه وهو يفتح العلبة الكبيرة فوق سطح الطاولة قائلا بمودة
"تفضل يا سيدي هذا من افضل انواع الذهب عندنا والمصاغة بحرفية ، ومن اجمل ما قد تراه عيناك ، ويمكنك ان تختار اي ما يعجبك بها"

حانت منها التفاتة نحو ما كان يشير له الصائغ لتنظر لخواتم جميلة من عدة اشكال وصناعة تختلف عن الاخرى ، ولكنها تتشابه بنفس التحفة الفنية واللمعان الملفت بلون ذهبي خالص لم ترى بحياتها مثيل له وكل واحدة تميزها جمالها الخاص بها .

افاقت من شرودها على صوته الخشن وهو يقول بهدوء بارد
"هيا اختاري اي نوع اعجبك منها لنشتري واحد لكلينا"

زمت شفتيها بحنق وهي تنظر لبريق كل واحدة منها والذي كان يخترق غمامة نظرها بضياء ازعجها ، لتنفض الافكار الاخيرة عنها وهي تهمس بلا مبالاة
"لم يعجبني اي واحدة منها ، هل استطيع الرحيل الآن ؟"

تصلبت ملامحه بجمود وهو ينظر للصائغ والذي يبدو صعق بكلامها الوقح وهي تهين صناعة الخواتم وتعبه بصياغتها بدون اي اعتبار لأحد ، ليقول بعدها بلحظة باقتضاب وهو يحرك رأسه بضحكة بدون اي مرح حقيقي
"لا تهتم لكلامها فهي تعاني من خلل بعقلها وهذا ينتابها بين الحين والآخر ! ولم تقصد ان تهين صناعة خواتمك لأنها اصلا لا تفهم وليس لديها ذوق بمثل هذه الأمور"

شهقت بغضب وهي تلتفت نحوه بلحظة هامسة بعنف خافت
"ماذا قلت عني ايها المتبجح !....."

تأوهت فجأة ما ان امسك بذراعها بقبضة من حديد ليهمس لها بتشديد خشن يكاد يفقد اعصابه
"إذا كنتِ لن تختاري الخاتم ، إذاً انا سأختاره لكِ بكل صدر رحب يا زوجتي العزيزة"

ضمت شفتيها بتصلب وبأسنان حادة تكاد تدمي شفتيها تجمدت معها ملامحها بجمود صخري ، ليوجه بعدها ذراعها بقسوة امام الخواتم وهو يشير لواحد منها بعشوائية قائلا بهدوء جاد مسيطر على ما تبقى لديه من اعصاب
"اريد هذا الخاتم لو سمحت فقد اعجبنا كثيرا"

اومأ الصائغ برأسه بارتباك مما يدور حول هذين الزوجين الغريبين الاطوار والذين لم يصادف شبيه لهما بحياته مع مسيرته بصياغة خواتم الزواج ، بينما نفضت ذراعها بعيدا عنه بعنف وهي تمسد عليها قائلة بحنق حاقد
"اكرهك يا ابن الفكهاني"

تجاهل كلامها الاخير وهو ينظر للخاتم الذهبي والذي قدمه الصائغ امامه ومن اختاره بدون ان ينظر إليه ، وقد كان يحوي ألماسة كبيرة بمنتصف الخاتم محفور عليه قلب صغير بخط باهت على سطح الألماسة بجمال خطف نظره للحظات وكأن الألماسة قد خطفت قلب احدهم بداخلها لتحتجزه هناك بتعبير مجازي ابدع بها الفنان !

امسك بالخاتم من فوره وهو ينظر له لبرهة قبل ان يستدير امام الواقفة بسكون بدون ان يظهر اي تعبير على ملامحها الساخطة ، ليرفع بعدها يده الاخرى بصمت وبدون مقدمات كان يعتصر قبضتها بداخل يده ليفتح كفها اليمنى مفرودة الاصابع ، قبل ان يدخل الخاتم الذهبي بأصبعها البنصر بقوة تخللت بمفاصل اصابعها البيضاء ، ليستقر بالنهاية بداخل اصبعها ويظهر جمال الألماسة فوق يدها البيضاء والمنحوتة عليها بوضوح ذلك القلب الصغير ، ليهمس بعدها الذي انحنى امامها بلحظة وهو يقبل جبينها العريض فوق خصلات غرتها الطويلة بصوت اجش عميق وهو يعصر يدها بقبضته وكأنه يعصر على فؤادها بقبضة من حديد
"مبروك فوزك بقلب شادي الفكهاني والذي اصبح الآن ملك بداخل ألماستي ، لذا اوصيكِ حرصا بالحفاظ عليه جيدا بقلبك والذي ما يزال ينبض لآخر نفس بحياته"

_______________________________
سارت بالممر الطويل بثبات قبل ان تصل للردهة الواسعة لتقف بعدها لوهلة امام باب مكتب المديرة ، لتطرق بعدها بلحظات على باب المكتب بأدب وهي تفتح الباب بهدوء ، نظرت بعدها للمكتب والذي اطل عليها ولرأس المديرة والذي ارتفع نحوها بهدوء ، لتبتسم بعدها بلحظة باتساع بمحياها البشوش وهي تقول بجدية هادئة بنبرة صوتها الخافتة
"هيا ادخلي يا معلمة روميساء واغلقي الباب خلفك"

اومأت برأسها بهدوء وهي تغلق الباب من خلفها برفق قبل ان تتقدم امامها بسرعة ، لتقف بعدها بلحظة امام المكتب تماما وهي تخفض نظراتها الخضراء المحمرة هامسة بخفوت
"لقد سمعت بأنكِ قد طلبتني ، هل هناك شيء سيء يخصني او تقصير موجه نحوي ؟......"

قاطعتها التي ضمت قبضتيها معا فوق سطح المكتب وهي تقول بابتسامة واثقة
"لا يا روميساء ليس هناك شيء من هذا القبيل ، وليس هذا السبب لطلب لكِ بالمجيئ لمكتبي ، فأنتِ من بين طاقم المعلمين بأكمله من المستحيل ان اجد اي تقصير بكِ او نقص بتنفيذ مهام وظيفتك بالمدرسة ، وخاصة بأن اغلب الطلاب بالمدرسة وأولياء أمورهم يمدحون كثيرا بتعليمك وسعيدون جدا بما تثمريه بأولادهم من حصاد المستقبل ، والمدرسة اكثر من فخورة بوجود معلمة مجتهدة مثلك اتمنى ان يتخذونك عبرة وقدوة لهم"

رفعت وجهها ببطء وهي تبتسم بسعادة ممتنة لم تشعر بها منذ وقت طويل لتنفض القليل من الضباب الغائم على حياتها المشتتة بكلام لم تسمعه بكل مسيرة تعليمها والتي بدأتها منذ خمس سنوات ، فقد كانت بالسابق تركز فقط حول العمل وعلى راتب الشهر والذي تتقاضاه بنهاية الشهر بدون ان يكافئها احد بكلمة شكر او مدح او امتنان تسعد قلبها المنهك من كم المسؤوليات الملقاة عليه ، وكأن كل هذه الكلمات وحدها عليها دفع ثمنها لتؤجر عليها بعد كل هذا الكد بالعمل الطويل والذي يأخذ كل طاقة مختزنة بحياتها .

همست بعدها بابتسامة ممتنة شقت ملامح وجهها الشاحبة بذبول لتنير قليلا بخضار عينيها الباهت
"شكرا لكِ على ثقتك والتي قدمتها لي ، واعدك بأن ابذل قصارى جهدي دائما لأكون عند حسن ظنكم وما تستحقه مثل هذه المدرسة تمتلك نظام إداري على كل مدرسة ان تتحلى به وعلى صفات المنتسبين بها"

اومأت المديرة برأسها بهدوء وهي تقول بابتسامة جادة بعد ان ارتدت قناع الجمود بتفاصيل وجهها المشدودة
"روميساء اريد ان اتكلم معكِ بخصوص والد التلميذ سامي يوسف والذي نقل للمشفى بالأمس بسبب حادث سير ادى لملازمته للمشفى"

ابتلعت ريقها بانقباض حاد وهي تهمس من فورها لا شعوريا
"هل حدث له مكروه ؟ ولكن الدكتور قد اخبرني بأن حالته قد استقرت !......"

عادت لمقاطعتها بحزم وهي تقول بملامح صارمة
"لا تقلقي يا روميساء هو بأفضل حال ، وليس هذا ما قصدته بكلامي"

عقدت حاجبيها بحيرة لوهلة ما ان اخرجت المقابلة لها باقة زهور كبيرة بيضاء من جانبها لم تنتبه لها لحظة دخولها ، وهي تقدمها لها قائلة بابتسامة هادئة لانت معها ملامحها الصارمة
"اريد منكِ يا روميساء إذا لم يكن لديكِ مانع ان تذهبي عوضا عن جميع طاقم العمل بالمدرسة لزيارة والد التلميذ والذي يكون طالب بيننا وليس من الجميل عدم الاطمئنان عليه وعلى والده المصاب ، وان تتمني له الشفاء العاجل وسلامنا وحبنا واحترامنا الخالص له ، وبما ان جميع المعلمات مشغولات بهذا اليوم وليس لديهن الوقت للقيام بهذه الزيارة فلم يبقى سواكِ هنا ليفعل هذا بدلا عنا ، واتمنى ان لا ترفضي طلبي يا روميساء فجميع من بالمدرسة وادارتها تعتمد عليكِ بهذه المهمة"

انفرجت شفتيها لوهلة بارتعاش بدون ان تجد ما ترد به وهي تشعر بدوار طفيف يغيم على نظراتها للحظات منذ الصباح وهو يزيد من تخبط عقلها ومشاعرها المتضاربة منذ الأمس ، وكم كانت تود الرفض بشدة من كل التخبطات والتي تواجهها بحياتها ، ولكن شوقها لرؤية طالبها والذي تغيب عن المدرسة اليوم واطمئنانها بأن عائلته الصغيرة بأمان ولن يتعرض لما تعرضت له بالماضي من جرح طفولتها البريئة منعها من رفض هذه الفرصة والتي اتت إليها على قدميها .

همست بالنهاية بأنفاس هادئة ببرود وهي تسلط انظارها امامها بقوة
"انا موافقة وسيكون من دواعي سروري ان استلم مثل هذه المهمة"
اتسعت ابتسامتها بسعادة وهي ترفع باقة الأزهار امامها قائلة بامتنان شديد
"لقد اسعدتني كثيرا بموافقتك يا روميساء والمدرسة لن تنسى معروفك ابدا والذي قدمته لنا ، وهذه باقة الأزهار من اجل ان تقدميها للمصاب وانتِ توصلين له سلامنا"

حركت رأسها باهتزاز وهي تتناول باقة الأزهار منها بحذر ، لتحتضنها بعدها بين ذراعيها برفق وهي تهمس بخفوت بارد بحدقتيها الخضراوين المحمرتين مثل جمرتين عبث بهما الارهاق
"اعتمدي عليّ بهذا ايتها الناظرة شهيرة ، وكوني على ثقة بأني سأنفذ مهمتي بأفضل صورة لن تمس بسمعة مدرستنا المحترمة بشيء"

بعدها بنصف ساعة كاملة كانت تسير بممر المشفى الطويل وهي تعانق باقة الزهور بقوة وعينيها تجول بالمكان بتمهل وهدوء ، لتتوقف بعدها بتجمد ما ان لمحت الطفل والذي جرى نحوها من فوره ما ان وقعت نظراته عليها ، ليعانقها بلحظات عند ساقيها وهو يقول بابتهاج بالغ بطفولية
"رائع ! انتِ هنا يا معلمة روميساء ؟ هل جئتِ للمشفى لرؤيتي ؟"

اخفضت نظراتها باضطراب وهي تضحك بخفوت لتربت بيدها على رأسه الناعم قائلة بهدوء
"لا يا صغيري لقد اتيت لرؤية والدك وليس انت ، وايضا لن اسامحك ابدا على تغيبك عن المدرسة اليوم فقد كان الفصل ممل جدا بدونك"

تبرمت شفتيه الصغيرتين وهو يبتعد عنها قليلا هامسا بعبوس
"الجميع يأتي لزيارة ابي ولا احد يهتم لوجودي ، واشك ايضا بأن يكون هناك احد قد لاحظ تغيبي عن المدرسة"

عادت للضحك بخفوت بتشنج وهي تجول بنظراتها بعيدا عنه قائلة بحيرة
"اخبرني يا سامي اين هي غرفة والدك ؟ فقد اتيت لزيارته وليس لدي متسع من الوقت للبقاء طويلا"

امسك بيدها من فوره وهو يسحبها معه قائلا بلهفة طفولية
"تعالي معي وسأوصلك لغرفة ابي"

تابعت سيرها معه حتى وصلت امام الغرفة المطلوبة ، ليفتح الطفل الباب امامها بدون طرق وهو يتابع الجري قائلا بصراخ طفولي
"ابي هناك من اتى لزيارتك"

توقفت مكانها لبرهة ما ان التفت الرجل الجالس فوق السرير وهو يقول بتأنيب للطفل والذي وصل امام سريره بلحظة
"سامي كم مرة اخبرتك ان تخفض صوتك لكي لا تزعج المرضى الآخرين ، ومرة اخرى عليك طرق الباب اولاً قبل دخول الغرف هكذا"

اخفض رأسه بأسف وهو يهمس بندم
"اعتذر يا ابي"

ابتسمت بهدوء التي كانت تشاهد تأنيب الأب لابنه الصغير الشقي وكم ذكرتها بماضي بعيد ما تزال تحتفظ ببعض ذكرياته الجميلة بصندوق قلبها المنسي ، افاقت من افكارها ما ان قال الجالس على السرير بابتسامة هادئة وهو يوجه نظراته لها
"انتِ معلمة سامي أليس كذلك ؟ مرحبا بكِ"

اومأت برأسها بارتجاف وهي تتقدم عدة خطوات قبل ان تقف بالقرب من السرير ، لتقول بعدها بابتسامة جانبية بخواء
"مرحبا بك يا سيد يوسف ، وحمد لله على سلامتك ، انا اتيت عوضا عن جميع طاقم العمل والاساتذة بالمدرسة وجميعهم يتمنون لك الشفاء العاجل وعودة قريبة لزيارة المدرسة لتنيرها بوجودك انت وابنك ، ولا تنسى ان تهتم بنفسك جيدا من اجل سعادة سامي فأنت غالي كثيرا على قلوبنا وبقلب ابنك الصغير والذي ليس لديه سواك"

اومأ برأسه باحترام وهو يرفع قبضته ليضغط بها على صدره قائلا بثقة وبمحبة خالصة
"شكرا لكِ يا معلمة روميساء فهذا لطف كبير منكم ان تهتموا بصحتي وبراحة ابني ، وسعيد جدا بانتساب سامي لمدرسة راقية ومحترمة مثل مدرستكم ، واتمنى ان توصلي سلامي الحار لجميع الاعضاء العاملين بالمدرسة"

تنهدت بهدوء وهي تنقل نظراتها للذي انتشل منها باقة الازهار وهو يقول بابتسامة كبيرة
"هل هذه الازهار لأبي ؟ انها جميلة جدا مثل معلمتي الجميلة !"

ابتسمت بحياء وهي تنظر للطفل والذي كان يعانق باقة الازهار بسعادة ، بينما قال والده وهو يوجه له نظرات صارمة قائلا بأمر
"سامي ما لذي نقوله للشخص والذي يجلب لنا شيئاً جميلا ؟"

عقد حاجبيه الصغيرين بوجوم وهو ينظر للتي كانت تنظر له بصمت قائلا لها بأدب
"شكرا لكِ على الازهار يا معلمتي الجميلة ، وابي ايضا سعيد جدا بزيارة معلمة جميلة مثلكِ شكلا وقالبا"

قال والده فجأة بإحراج صارم
"سامي !"

ضحك الطفل وهو يدور بالأزهار بسعادة ليجري بلمح البصر لخارج الغرفة بضحكات بريئة ، لتعود بعدها بنظراتها للذي كان ما يزال يراقب مكان اختفاء ابنه قبل ان تهمس بإحراج تشعر به سيفتك بها
"حسنا وكيف اصبحت صحتك الآن يا سيد يوسف ؟ هل تستطيع العودة لحياتك الطبيعية ؟"

رفع نظراته نحوها بقوة اجفلت منها وهو يقول بنفس ابتسامته البشوشة
"كل شيء بخير والحمد الله ، ولكني احتاج لبعض الوقت لأعود للسير على قدمي بسبب اضرار الحادث ، ولكن الحمد الله على نعمة الحياة فأهم شيء عندي هو البقاء مع ابني الصغير والذي يحتاج لوجودي بشدة بحياته"

اومأت برأسها بشرود وهي تشعر بغمامة تشوش عليها رؤيتها لبرهة وتطبق على انفاسها بانقباض ، لتقول بعدها بأنفاس متعثرة وهي تستدير بعيدا عنه تكاد تجري لخارج الغرفة والتي تشعر بها قد نفذ منها الاكسجين بغلالة قيدت حركتها
"حسنا سلامتك يا سيد يوسف ، وانا الآن عليّ الرحيل من هنا فقد تأخرت كثيرا ولا اريد ان اتعبك اكثر بزيارتي"

اكملت طريقها لخارج الغرفة بثواني بدون سماع اي كلمة اخرى ، وما ان اصبحت بالممر حتى اسندت كفها على الجدار بجانبها لوهلة وهي تنشج بأنفاسها بصعوبة بالغة ، بدون ان تجد اي قدرة على سحب انفاسها والتي انحصرت بداخل روحها الغائرة بانقباض سحيق ، لتتابع من فورها طريقها لأقرب حمام موجود بالمشفى .

ما ان اصبحت بداخل الحمام حتى انحنت من فورها على ركبتيها وهي تجثو امام المرحاض والذي بدأت تفرغ بداخله كل ما يوجد بمعدتها الخاوية بتشنج حاد احتل اطرافها بقوة وكأنها تعصر روحها بداخلها ، وما ان انتهت من تقيؤ كل ما تحمله معدتها حتى استراحت جالسة على رخام الحمام الابيض ، وهي تعود للتنفس بطبيعية وبتشنج ما يزال يهز جنبات روحها المنتفضة ، وهي تتوسل بعض الاكسجين والذي يعيد جسدها للحياة من تخبطاته الغريبة والتي تمر عليه لأول مرة ، وكم تخشى التفكير الآن عن سبب الحالة والتي تمر بها بعيدا عن التعب الجسدي والذي أنهك كل اعضاء جسدها المشدود ؟

نهاية الفصل وبانتظار آرائكم وتفاعلكم بفارغ الصبر ❤


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-21, 04:21 PM   #153

فتاة حلوة
 
الصورة الرمزية فتاة حلوة

? العضوٌ??? » 490524
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » فتاة حلوة is on a distinguished road
افتراضي

فصل جميل كالعادة بدأت بعض الحقائق بالظهور كعلاقة اوس بجواد دمت مبدعة وكل التوفيق لك اعتذر عن قلة مشاركاتي ساحاول التواجد متى ما سمحت الفرصة.دعواتي لك لتيسر امورك و ظروفك.

فتاة حلوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-09-21, 12:26 AM   #154

زهراء يوسف علي

? العضوٌ??? » 483901
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » زهراء يوسف علي is on a distinguished road
افتراضي

رواية جميلة جدا ورائعة استمري تستحقين التألق دمت متألقة

زهراء يوسف علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-09-21, 02:38 AM   #155

soha ahmed5

? العضوٌ??? » 416929
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 126
?  نُقآطِيْ » soha ahmed5 is on a distinguished road
افتراضي

روايه أكثر من رائعه

soha ahmed5 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-09-21, 06:31 PM   #156

صل على النبي محمد
 
الصورة الرمزية صل على النبي محمد

? العضوٌ??? » 404607
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,174
?  نُقآطِيْ » صل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد

لا تنسوا الباقيات الصالحات

سبحان الله

الحمد لله

لا إله إلا الله

الله أكبر

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


صل على النبي محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-09-21, 06:51 PM   #157

kiara003

? العضوٌ??? » 152856
?  التسِجيلٌ » Jan 2011
? مشَارَ?اتْي » 1,037
?  نُقآطِيْ » kiara003 has a reputation beyond reputekiara003 has a reputation beyond reputekiara003 has a reputation beyond reputekiara003 has a reputation beyond reputekiara003 has a reputation beyond reputekiara003 has a reputation beyond reputekiara003 has a reputation beyond reputekiara003 has a reputation beyond reputekiara003 has a reputation beyond reputekiara003 has a reputation beyond reputekiara003 has a reputation beyond repute
افتراضي Thx

Thxxxxxxxxxxxxx

kiara003 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-09-21, 10:08 PM   #158

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة حلوة مشاهدة المشاركة
فصل جميل كالعادة بدأت بعض الحقائق بالظهور كعلاقة اوس بجواد دمت مبدعة وكل التوفيق لك اعتذر عن قلة مشاركاتي ساحاول التواجد متى ما سمحت الفرصة.دعواتي لك لتيسر امورك و ظروفك.

هلا عزيزتي نورتي ، ويسعدني كثيرا وجودك وتفاعلك الدائم على الفصل ومحاولتك للاستمرار لمتابعة احداث الفصول ، واتمنى ان تكون الفصول القادمة عند حسن ظنك....دمتي بود وسعادة


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-09-21, 10:13 PM   #159

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهراء يوسف علي مشاهدة المشاركة
رواية جميلة جدا ورائعة استمري تستحقين التألق دمت متألقة

تسلميلي حبيبتي على رأيك واتمنى ان تحظى باقي الفصول على إعجابك...تحياتي لكِ


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-09-21, 10:42 PM   #160

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل الخامس والعشرون

الفصل الخامس والعشرون..........
كانت تحرك اصابعها الرقيقة حلقة الخاتم الذهبي بشرود وهو ملتف حول اصبعها النحيل ليقيد حركة مفصل العظمة ، وعينيها غائمة بدوامة تفكيرها البعيدة وبين طيات ذهنها الغائب عن الواقع بنقطة سابحة ببحار عقلها ، وبدون ان تشعر بخروج استاذ المحاضرة من القاعة يتبعه باقي الطلاب قبل ان تفرغ من الجميع بلحظات ، لتبقى وحدها الجالسة بآخر صفوف المقاعد شاردة بلا شيء ومع امواج بحار عقلها والتي لم تهدأ منذ ساعات ولو قليلا وهي تغيبها عن عالمها تماما .

تجمدت ملامحها فجأة وهي تقبض بيدها والتي تملك الخاتم بأصبعها وهو يحفر بباطن كفها بسبب احتضان الألماسة بداخل يدها حتى شعرت بها تخدش اناملها ، لتريح بعدها بلحظة قبضتها على اعلى صدرها لا إراديا وهي تضغط بها على موضع خفقات القلب والتي ما تزال تصدر طنينا مزعجا بكل إنحاء جسدها مثل نواقيس الخطر بحياتها ! لتتنفس بلحظة بلهاث طفيف دام لدقائق حتى آلمت صدرها لترمش بعدها بعينيها عدة مرات بدموع خفية لا تعلم مصدرها وهي تلسع روحها قبل عينيها ؟ بدون ان تتأكد إذا كان سببها العدسات ام هو الألم الساكن بروحها منذ دهور حتى اتخذ جسدها مسكنا ؟

زفرت انفاسها بقوة مكبوتة بعد وقت دام لخمس دقائق كاملة وهي تستعيد روحها المنتفضة ، لترخي بلحظات يديها المشدودتين كما جسدها قبل ان تقف من فورها باستقامة لتلتقط حقيبتها وهي تندفع لخارج القاعة بأكملها بدون تأبه بالطريق امامها وبكل النظرات الدائرة من حولها ، وهو الوقت القصير الذي تحتاجه دائما وتذهب إليه بتخبطات حياتها وفاصل بأمواج محيطها ، عندما تصل لمفترق طرق محتوم بين التراجع والتقدم والذي يدفعها دائما لتختار بين الموت بمكانها وموتها بالحياة ليقودها الخيارين للموت والذي لا فرق بينهما ! ولكن بعالمها الذي تخوضه هناك دائما خيار بالموت افضل من الآخر ، وعلى كل الأحوال لا ضير من تجربة جميع انواع الموت والتي لا تضاهي شيئا حين تأتي ساعة الموت الحقيقي والتي ستخلص البشر من تجربة هذه الأنواع من الموت ، ويبدو بأنها ستحارب كثيرا حتى تحين تلك الساعة والتي ستريح جسدها من معاناته الأبدية والتي وشم بها !

تباطأت قدميها عن السير باندفاع لبرهة وهي تخفت بخطواتها حتى توقفت تماما ما ان شعرت بدنو الخطر نحوها وبغريزة الحذر تنتفض بداخلها ، لترفع ببطء عينيها الواسعتين بتوجس باتجاه الواقف امامها على بعد خطوات منها ، وهي تراقب بتمعن ابتسامته المائلة بملامحه المفترسة مع عينين ناعستين لا تخفي لمحة الاجرام بهما والتي تعايشت على نظراتهما لها منذ الصغر بدون ان تأبه آن ذاك بمعنى تلك النظرات المقيتة والتي كانت تدور من حولها بتسلط متملك بكل مكان ، لتزيد من كرهها الأزلي لكل ما يمت بصلة بجنس الذكور المريض ...

ضيقت عينيها للحظات ما ان شعرت به يهمس بدون صوت بكلمته المشهورة والتي حفظت نطق احرفها بدون سماعها
"دميتي"

عقدت حاجبيها بضيق وهي تدير عينيها بعيدا عنه بأنفاس حادة غاضبة بكبت ، وكأنها قد عادت الطفلة التي كانت تغضب وتفور من كلماته المريضة والتي كان يطلقها عليها دائما وتقابله بها بالاستياء والغضب ، ولم تشعر بعدها بصوت خطواته وهو يقترب منها اكثر قاطعا الفاصل بينهما بلحظة ، وما ان اصبح امامها تماما حتى مال بجسده قليلا وهو يهمس بعبث خطر
"لو تعلمين كم يبلغ اشتياقي لكِ يا دميتي ؟ لقد استطعت بكل قدرتي ان اصبر نفسي كل هذه الفترة عنكِ ولا اتهور معكِ ، وهذا ابدا ليس من تقاليدي ومبادئي !"

تشنجت ملامحها وهي ترفع عينين زرقاوين بغضب مستعر هامسة من بين اسنانها بضيق
"ألم تمل من هذه اللعبة بعد يا مازن ! الجميع قد كبر وتزوج وبنى عائلة وحياة ، وانت ما تزال تلهو بتلك اللعبة السخيفة المتعلقة بلحاق نفس الطفلة والتي لا تطيق رؤية شكلك بحياتها وكأنها من ممتلكاتك الخاصة"

اتسعت ابتسامته بلحظة قبل ان تتحول لضحكة ساخرة بعيدا عن المرح ، ليعود بعدها للنظر لها بقوة وهو يهمس بحاجبين مرتفعين ببرود مستفز
"اجل الجميع اكمل حياته بطبيعية ، وحتى صفاء الصغيرة البلهاء استطاعت الزواج والتحليق بعيدا عنا ، ولكن ماذا عنكِ انتِ المجرمة الصغيرة والتي اوهبت حياتها لخدمة الشر والاجرام ؟ هل لديكِ حقا القدرة على اكمال حياتك بسعادة رغم كل الدمار والذي احدثته بحياة الناس بطريقة غير مباشرة حتى تكللت حياتك بالذنوب والآثام ؟ هل تستطيعين التسالم مع هذا الماضي ومحي كل ما فات بدون اي تعذيب ضمير او ذكريات سوداء تعيدك لحقيقتك الشنعاء بهذه الحياة ؟"

تصلبت ملامحها الحجرية لبرهة وهي تنظر له بأحداق جامدة بدون اي تعبير فقط أمواج من مشاعر وهياج انشبت بروحها بمخالب سوداء لماضي سحيق دفن بتربة الحياة ، بعد ان كانت تتسائل بنفس هذه الأسئلة الآن ليعيدها لدوامة بحار عقلها بدون اي هوادة بطريق ملئها الجميع بالألغام ، ولكي لا يصل اي قبس من السعادة بداخل مكان تربت فقط على اكل الألغام منه حتى تكيفت بتلك البيئة والتي لم يكن لديها خيار بها .

زمت شفتيها بارتجاف ظهر على محياها بلمحة خاطفة ما ان تابع كلامه بابتسامة باهتة وهي ترتفع بغموض
"عليكِ ان لا تنسي بأن حياتنا هكذا افضل بكثير من غيرنا ، فمن بمكانك الآن يتحاسب على اعماله منذ دخوله لذلك العالم الاجرامي حتى نهاية حياته ، وخاصة زمرة قيس والتي كنا جزء منها وقبض على معظمها ومن تبقى منها محدود جدا ، ونحن الاثنين باعتبار من الناجين من تلك الكارثة بسبب قلة تفاعلنا بنشاطاتها الاجرامية ، ولكن من يعلم قد تنقلب الادوار بعدها وتصبح اسمائنا من المطلوب القبض عليهم مع زمرة قيس !"

عبست ملامحها وهي تبتلع ريقها بهدوء ظاهري تشنجت معها تفاصيل وجهها الباردة وسحقت بمفاصل اصابعها المقبوضة مسيطرة على موجة الضعف بطيات غضبها الجائح والذي لا يكد يفلت من زمام امورها ، لتهمس بعدها بلحظات طويلة بازدراء وهي توجه له نظرات جليدية بدون اي تعبير
"هذا امر شيق وطريقة طريفة لبث الرعب بداخلي ، ولكن صدقني هو لا يؤثر بي ولو قليلا ، فكما نفذت من قبل من كثير من الكوارث ، فسأستطيع إذاً النفاذ بسهولة من هذه الكارثة الصغيرة والتي لا تساوي شيء امام ما واجهته بحياتي من قبل ، واسمي سيبقى دائما نظيف بعيد عن امثالكم وعن قائمة المجرمين السوداء"

اومأ برأسه بانبهار تمثيلي وهو يرفع يده لرأسه بإشارة الإعجاب الساخر قائلا بقتامة واضحة زادت عسلية عينيه اجراما
"ارفع لكِ القبعة يا دميتي ! ولكن ماذا ستكون ردة فعلك عندما يحاول احد آخر التحايل عليكِ وإيصال اسمكِ لهم مع الأدلة الواضحة والموصومة بأفعالك وعلى جرائمك ؟....."

قاطعته التي رفعت يدها بوجهه بتهديد وبانفعال مندفع
"لن تفعلها لأنه ليس لديك الجرأة الكافية لتوريط نفسك بمثل هذه التهمة......"

شهقت بوجل ما ان قبض بيده على كفها بعنف حتى كاد يكسرها لوهلة ، وما ان رفعت حدقتيها نحوه حتى تصلبت بمكانها بلحظة انحصرت بها الدماء عن وجهها بلمح البصر وهي تشعر بخطر نظراته العسلية والتي ابتعدت عن الهزل يكاد يحرقها بلهب تلك الشعلات بعينيه ، ليحدث عندها ما توقعته وهو يهمس بابتسامة ملتوية بقسوة وعينيه تشير لأصبع من اصابع يدها الظاهرة من قبضته
"خاتم جميل جدا ! لم انتبه له من قبل ، ولكن من اين جلبته فهو يبدو باهظ الثمن وما هو اساسا ؟"

عضت على طرف شفتيها بغضب متوجس وهي تحين منها التفاتة جانبا للنظرات والتي بدأت تتجه نحوهما تدريجيا وبالتتابع ، ليسحبها بعدها بثواني الذي كان يمسك بيدها وهو يسير بها بعيدا عن ساحة الكلية ، بدون ان يهتم لمقاومتها لاندفاعه وليدها والتي تكسرت مفاصل اصابعها بقبضته الساحقة .

وما ان وصلت عند الحديقة الخلفية والبعيدة عن باقي الطلاب حتى كان يديرها امامه بعنف ليفلت يدها اخيرا عن قبضته ، لتدلك من فورها يديها معا وهي تعدل الخاتم على مفصل اصبعها برفق ، لتنظر له بعدها بنظرات باردة وهي تهمس بفورة الغضب
"لن اسامحك عليها ايها الفظ الهمجي ، هل تظن نفسك تملك حياتي لتتصرف بها كما تشاء ؟ امثالك يستحق السجن وعدم الخروج منه حتى يموت ويدفن هناك ليصبح عبرة لكل من يفكر مثل تفكيرك المريض......"

تأوهت بألم ما ان انقض على ذراعيها وهو يهزها منهما مزمجرا بغضب ناري بعد ان فقد اعصابه بلحظة
"ماسة اخرسي لأني لست بمزاج جيد لأتقبل سخريتك وشراستك والتي ستنهي على حياتك بقبضة واحدة من يدي وبحركة طائشة مني ، لذا تكلمي الآن واخبريني بدون اي تمثيل ، هل هذا بيدك خاتم زواج ام ليس كذلك ؟"

حركت رأسها بقسوة وهي تهمس ببرود جليدي بدون ان تتأثر بنفث نيران غضبه بوجهها
"بل هو مجرد خاتم ارتديه بأصبعي من اجل ان اغيظك واغضب جميع من يفكر مثل تفكيرك لكي لا يجرأ احد على الاقتراب مني مجددا"

صرخ فجأة بفوران وهو يشدد على ذراعيها بدون اي تخفيف وبصوت انضح به خطورة المجرمين
"تكلمي يا ماسة......"

ردت عليه من فورها وهي تبصق الكلام بوجهه بنفور
"اجل انه خاتم من الشخص الذي يستحق ان امنحه حياتي بدون اي تردد لأنه من يستحق الحصول على ماسة ، وهي ليست حكر لك ولن تكون"

زمت شفتيها بارتباك شل حركتها ما ان وضع يده بلمح البصر حول عنقها وهي تستعد ليقضي على انفاسها الاخيرة ، ولكن ما حدث عكس ذلك تماما وهو يهمس بجانب اذنها بشرارة حاقدة وبجنون حرقت اذنها بلهيب انفاسه
"حسنا إذاً هكذا تريدين الأمر ! سأريكِ من هو الذي يستحق الحصول عليكِ حقا ولمن ستكونين يا ماسة الفاروق ؟"

كتمت انفاسها لوهلة ما ان ابتعد عنها بلحظة ومع انفاسه الحارقة ليودعها عندها بنظرات مفترسة ناعسة عادت لهدوئها الغامض المريب ! ليستدير بعدها لبرهة وهو ينحني قليلا قبل ان يغافلها بسرعة برمي صخرة مدببة بلمح البصر ، لينخفض جسدها لا شعوريا بهلع وهي تجثو على ركبتيها مغطية بيديها فوق اذنيها ما ان صدح صوت تحطم الحجر لذرات غبار مبعثرة على جذع الشجرة من خلفها ، لتزفر بعدها انفاسها بثواني وهي ترفع عينين مذعورتين لمكان اختفاءه وكأنه شبح الماضي المظلم مر على حياتها ، ليختفي بعدها بلمح البصر وبعد ان زرع الخوف الفطري بروحها والتي عاشت وتربت على هذا الخوف منذ شبت على تلك الطفولة القاسية ! بدون ان تعلم ما يخبئه لها القدر من المزيد من الكوارث الموجعة والقادمة على الطريق ؟

______________________________
امسكت بالسكين الحادة لتبدأ بقطع الخضراوات امامها لأنصاف بهدوء على لوح التقطيع الخاص وعينيها تتابع حركاتها بدقة ، وهي تمسك بيدها الاخرى الخضراوات التي تنوي تقطيعها قبل ان تلقي بها بطنجرة الطبخ لتعود بعدها لإكمال تقطيع باقي الخضراوات برتابة ، توقفت لبرهة ما ان سمعت صوت ضوضاء خافتة من خلفها ، لتلتفت بنصف وجهها للخلف وهي تنظر بحيرة للتي كانت تمسك دلو الماء بيدها والممسحة الطويلة بيدها الاخرى .

عقدت حاجبيها بوجوم ما ان وضعت دلو الماء ارضا بقوة لتقطر منه بعض القطرات من حوله وهي تتبعه بمنشفة قطنية صغيرة ألقت بها بداخل الدلو ، لتقول بعدها وهي تستدير امامها بلحظة وبنظرات حائرة بارتباك
"ما لذي تفكرين بفعله بهذه الأغراض يا عمتي هيام ؟"

رفعت رأسها التي كانت تعدل الوشاح حول وجهها جيدا بعقده خلف عنقها وهي تقول بابتسامة هادئة بوهن
"اليوم هو يوم تنظيف المنزل يا ابنتي ، فأنا لم انظفه منذ اسبوعين وقد اصبحنا بنهاية الشتاء ، لذا عليّ ان ابدأ بتنظيفه مباشرة من كل الأتربة والأوساخ والتي جلبها الشتاء معه ولكي نستقبل الربيع ببيت نظيف"

احنت نظراتها بعبوس لدلو الماء والممسحة الطويلة وهي تفكر بالجهد والوقت والذي يستغرقه تنظيف منزل كامل من عشرة غرف وعلى امرأة كبيرة مثلها لم تستطع التوازن بحمل دلو الماء ! عادت بنظراتها لها وهي تهمس بخفوت عابس
"ولكن أليس هناك احد يساعدك بتنظيف المنزل عادةً ! فهو كبير جدا ويحتاج لجهد جبار لأنهاء تنظيفه"

نظرت لها للحظات وهي تهمس بابتسامة متسعة بهدوء
"لا تقلقي يا عزيزتي فأنا معتادة على تنظيف المنزل لوحدي بدون مساعدة من احد ، فقط المشكلة بأن المنزل قد اصبح حجمه اكبر وعدد غرفه اكثر بالنسبة لمنزلنا القديم والذي كنا نعيش به بالسابق ، وقد اقترح عليّ جواد كثيرا ان احضر خادمة تعمل هذه المهمة ، ولكني رفضت بشدة ولم اقتنع بالفكرة فليس من اللائق ان يخدمنا الناس او ان يعمل تحت أمرتنا من اجل الحصول على بعض النقود فهذا بالنسبة لي بالغ القسوة"

اومأت برأسها بشرود وهي تفكر بأن هذه المرأة تتشابه معها بنفس المنطق والذي كانت تعيش عليه عندما كان والدها يحاول اقناعها دائما بإحضار خادمة تساعدها وتساندها بالمهام اليومية بالمنزل ، ليكون جوابها على الدوام الرفض وعدم ادخال امرأة اخرى بتلك الوظيفة الرخيصة والتي تقلل من قيمة المرأة وتفسد مكانتها بالمجتمع ، همست بعدها بلحظة بوجوم غيم على ملامحها لوهلة
"هل كان لديكم منزل آخر غير هذا ؟"

رفعت نظراتها بشرود حزين لمحته بتلك العينين السوداوين وهي تهمس بابتسامة صغيرة بحنين
"لقد كان منزل بسيط جدا وبحيّ سكني شعبي ، بالرغم من صغر مساحته وقلة غرفه ولكنه كان يحمل الحنين والدفء بزواياه الضيقة ، وخاصة بأنه كان يجمع عائلتنا معا بدون ان يفسد ترابط تلك العائلة الصغيرة"

عقدت حاجبيها بامتقاع وهي تشعر بدوامات الحزن تحيط بالأجواء من حولهما حتى كادت تخنقها بشعور سحيق بصميم روحها ، بدون ان تفهم سبب تلك المشاعر الآن والتي اجتاحتها على حين غفلة منها ؟ فهل تشعر بالحزن على فراق رجل المنزل ام هو شيء آخر لم تفهمه بأسرار هذه العائلة الغامضة ؟

قالت بعدها بلحظات بابتسامة متسعة وهي تنفض غيوم الحزن والحيرة عنها
"ولكني ارى بأن المنزل نظيف جدا ، ولا يحتاج لحملة التنظيف هذه والتي ستأخذ منكِ كل طاقتك وصحتك من اجل انهاء تنظيفه والذي لن ينتهي قبل الغد....."

قاطعتها بروية التي كانت تمسك بعامود الممسحة قائلة بخفوت جاد
"لا داعي لكل هذا الخوف عليّ يا صغيرتي ، فأنا لن يهدأ لي بال حتى ارى المنزل نضيف تماما وخالي من اي اتربة او ميكروبات قد تؤدي عن امراض خطيرة ، وايضا لقد اتفقت مع جواد بعد جدال طويل بأنني سأنظف فقط الغرف التي نقيم بها والأماكن التي نتواجد بها كثيرا بالمنزل ، واما باقي الغرف سأتركها لتنظيف السنوي"

زمت شفتيها بدون ان تقتنع تماما بكلامها وخاصة بأنها ادرى الناس عن مدى الوقت والجهد والذي يأخذه تنظيف منزل من عدة غرف حتى لو كانت من طابق واحد ومجرد ثلاث غرف التي سيتم تنظيفها ، تقدمت نحوها بهدوء لتقف امامها تماما وهي تمسك بعامود الممسحة عنها هامسة برقة
"حسنا يا عمتي بما انكِ مصرة على رأيك ، إذاً سأترك لكِ مهمة تقطيع وطبخ الخضراوات وانا سأستلم مهمة تنظيف المنزل ، فهو لا يقارن امام المنزل والذي استلم تنظيفه يوميا"

ارتفع حاجبيها بدهشة بلحظة قبل ان تعبس وهي تراقبها تمسك بمقبض الدلو قائلة لها باستنكار غير راضي
"لا يا صفاء اتركي عنكِ هذه المهمة ، فأنا التي استلم مهمة تنظيف هذا المنزل لسنوات ، وليس يعني انكِ زوجة ابني تصبحي خادمة عندي فهذا غير مقبول ابدا....."

قاطعتها التي سارت باتجاه باب المطبخ وهي تقول بابتسامة بمحبة
"لقد حسم الأمر يا عمتي وانا من سأنظف المنزل ولن يستغرق مني الكثير من الوقت ، وصدقيني لست افعل هذا لأكون خادمة عندك ، بل لأني اكون باعتبار ابنتك وانتِ بمقام والدتي لذا على الابنة ان تساعد والدتها بأعمال المنزل من اجل راحتها وتعبير عن مدى محبتها لها"

خرجت من المطبخ من فورها بعد ان لمحت نظرات تلك المرأة الدامعة وهي تخصها بنظرات مكسورة تراها لأول مرة بعينيها الواسعة ، ام تراها تتوهم هذا فقط بسبب حاجتها الشديدة لتجربة مثل هذه المشاعر الأمومية والتي حرمت منها لسنوات !

وصلت امام الغرفة الاخيرة بالمنزل بعد ان انتهت من تنظيف الغرف الخاصة بها هي وعمتها وباقي الغرف التي يستخدمونها كثيرا ، لتصل بالنهاية للغرفة الخاصة بذلك الفارس الحاقد والذي يكون زوجها ويتوجب ان تكون هذه غرفتهما معا وليس كل واحد منهما بغرفة منفردة وكأنهما اغراب ولا تربط بينهما صلة !

تنهدت بهدوء وهي تفتح الباب امامها لتطل عليها الغرفة الفارغة بصمت داكن شبيه بأجواء الغرفة المظلمة وكأنه يعيش طيلة حياته بالعتمة بعيدا عن النور ، لتتنقل بعدها بنظراتها تلقائياً بمحتويات الغرفة الانيقة والفاخرة والتي تمزج بين اللونين الرمادي والاسود بدون ان يدخل اي ألوان اخرى لحياته ذكرتها بألوان (ماسة) المفضلة والتي لا تفضل غيرها بحياتها السوداوية .

تقدمت بخطواتها للداخل ببطء حذر وهي تحمل الدلو بيديها والممسحة تحت ذراعها ، لتقف بعدها بمنتصف الغرفة بلحظة وهي تضع الدلو امامها بتعب ، لتستقيم بوقوفها لوهلة وهي تمسح جبينها بظاهر يدها بهدوء قبل ان تمسك بالمنشفة القطنية الصغيرة وهي تعصرها من الماء بقوة .

اتجهت امام السرير الواسع لتبدأ بمسح خشبه الأملس برفق وهي تشرد للحظات بملاءة السرير ناصعة البياض وبالوسائد المرتبة من فوقها وكأن لا احد ينام عليه او يقطن بهذه الغرفة ؟ نفضت الافكار الحالمة عن رأسها بلحظة ما ان انحدرت لمستوى آخر فجر الدماء بوجنتيها الحمراوين بطيات احلام يقظتها !

انتفضت واقفة بمكانها تلقائياً وهي تمسك بعامود الممسحة الطويلة لتحركها بعيدا بعشوائية عن مسار افكارها بدون ان تنظر للسرير الفارغ ، لتشعر بعدها بلحظة بشيء تحت قدمها داست عليه بدون ان تنتبه ، لتوجه نظراتها للأسفل لبرهة وهي تنحني من فورها مبعدة قدميها قبل ان تلمح بصدمة مفتاح صغير معدني لا تعلم من اي اتى ؟

امسكت بالمفتاح الصغير بارتجاف وهي تحدق به بحيرة عن سبب وجوده وما هي وظيفته هنا ؟ لتحين منها التفاتة من حولها وهي توزع نظراتها بالمكان علها تجد مصدره ، لتقع بالنهاية على الادراج بجانب السرير وهي تضيق عينيها العسليتين ناظرة لثقب الدرج الأول والذي يحتاج لمفتاح صغير ليستطيع فتحه .

عضت على طرف شفتيها الورديتين بحذر بدون ان تمنع الفضول من نهش اطرافها بقوة عن سبب وجود هذا الدرج والذي يحتاج لمفتاح خاص لفتحه ! لتتنفس بعدها بهدوء وهي تغرز المفتاح بلحظة بداخل القفل ببطء شديد ، قبل ان تسمع بثانية صوت فتح القفل والذي تبين بأنه فعلا خاص به وصاحب هذا المفتاح ...

ابتلعت ريقها بانقباض لوهلة وهي تفتح الدرج امامها ببطء صامت خيم على المكان للحظات ، لتلقي بعدها نظرة خاطفة على محتويات الدرج والتي كانت تضم اوراق وملفات متكومة فوق بعضها البعض بفوضة قبل ان يلفت نظرها برواز لصورة مقلوبة لم تستطع رؤية محتواها ، امسكت بإطار الصورة لتخرجها من الدرج بحرص وهي تقلبها على الجهة الاخرى من الصورة بلحظة ، لتظهر الصورة الفتوغرافية بداخلها بتشوش بسبب تكوم كتل الغبار فوق زجاج الصورة لتمنع رؤيتها لها بوضوح .

التقطت المنشفة الرطبة بجانبها لتمسح بها على زجاج الصورة برفق حتى ظهرت الصورة واضحة امامها بكل تفاصيلها ، عقدت حاجبيها بوجوم لوهلة وهي تنظر للأشخاص المتواجدين بالصورة والذين لم تتعرف منهم سوى على اثنين ، ومنهما المرأة المبتسمة بسعادة بشوشة يلف وجهها وشاح وردي جعل ملامحها اكثر بياضا وتوردا وكل سعادة العالم تسكن بتلك العينين السوداوين الجميلتين ، وكأنها امرأة اخرى او انعكاس لصورة امرأة حوّلها الزمن والحزن لتلك الصورة الباهتة والتي تراها امامها على الواقع ، وكل ما تفكر به ما لذي غير تلك المرأة يا ترى ؟ واما الشخص الثاني الذي تعرفت عليه من فورها ذلك الفتى الصغير والذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره وما ميزه هي تلك الملامح السمراء الحادة وعينين سوداوين عميقتين ، ولكن الاختلاف بأنهما لا يحملان اي شيء من تلك القتامة الحالكة بنظراته بل نظرات تحمل السعادة والدفء معا والثقة والتي تطغى على كليهما ، وكأنه يستطيع حمل الكون بأكمله وتحريك العالم كما يشاء بدون ان يأثر بثقته شيء !

تغضن جبينها بلحظة ما ان وصلت للفردين المتواجدين بالصورة والذين لم تعلم حتى الآن اصلهما بهذه الصورة العائلية ! وهي تنظر لطفلة صغيرة لا تتجاوز سن الخامسة بشعر اسود قصير حدد وجهها الدائري الصغير بملامح بيضاء طفولية تشع براءة ونور وبابتسامتها الكبيرة والتي تنير براءة العالم بداخلها ، لتصل للفرد الثاني الغريب وهو فتى يبدو بنفس عمر الأول ولكنه اصغر منه بسنتين تقريبا بسبب ملامحه الاكثر طفولية والتي تحمل نفس الاسمرار الحاد تتخللها ابتسامة مرحة بشقاوة غير موجودة عند الآخر .

انتفضت من غمامتها الشاردة بلحظة وهي تقف من فورها بهلع ما ان شعرت بدخول احدهم للغرفة ، ليقع برواز الصورة منها بغفلة عنها وبموجة رعبها ، نظرت بعدها بوجل للتي دخلت بسرعة للغرفة وهي تتجه نحوها قبل ان تنحني بلحظة خاطفة امام البرواز وهي تلتقطه من الأرض بحرص ، عقدت حاجبيها بارتباك ما ان وقفت المرأة امامها متجسدة من الصورة بالبرواز وهي تقول لها بتلعثم
"الحقيقة لقد كنت انظف بالغرفة ورأيت هذه الصورة مصادفة ، اقصد رأيتها بالدرج الذي كان مغلق وهو....."

عضت على طرف شفتيها بحنق وهي تزيد فعلتها غباءً بلسانها الطائش والذي سيجلب نهايتها بالمنزل وبهذه العائلة ، لتنظر بعدها بحيرة للمرأة التي جلست على طرف السرير وهي تتلمس زجاج الصورة بكفها بدموع برقت بمقلتيها الواسعتين وبحزن عميق لمحته بنظراتها الذابلة ، قبضت بعدها على يديها معا بتوتر مفرط وهي تقول بخفوت حزين مترافق مع حزن المرأة والتي تجسدت من شبح الماضي المؤلم
"هل هذه صورة عائلتك ؟"

تنهدت التي كانت ما تزال تشرد بالصورة امامها بحنين للماضي البعيد وقبل حدوث كل مآسي الحاضر ، لتقول بعدها بغصة بكاء لم تتركها منذ سنوات
"اجل عائلتي الصغيرة واجمل من انار حياتي منذ سنوات"

تشنجت ملامحها بارتباك بدون ان تجد الرد المناسب لمثل هذا الكلام والذي وضعها بغمامة مشوشة وبتخبط اكبر من السابق ، لتقول بعدها بحيرة واجمة بدون ان تمنع نفسها
"ومن الموجودين بالصورة مع جواد ؟ هل هؤلاء اولادك ؟"

ابتلعت ريقها بتوجس ما ان شحبت ملامح المرأة فجأة لتزيد لمعان الدموع بتلك العينين الواسعتين اكثر من السابق وكأنها قد انتقلت لعالم آخر بعيد عنها فصلها عن الواقع لدقائق ، لترفع بعدها يدها بتردد وهي تربت على كتفها بهدوء متشنج للحظات ، رفعت نظراتها نحوها لبرهة وهي تعود للابتسام بشحوب حاني ، قبل ان تخفض نظرها بلحظة للصورة قائلة بهدوء شارد واناملها ما تزال ترسم تفاصيلها على زجاج الصورة
"اجل اولادي الصغار ، الفتاة هي ابنتي الصغرى غنوة واغنية الحياة بهذا المنزل ، واما الطفل الثاني اوس فهو ابن شقيق زوجي الطفل الشقي ومن ارضعته مع ابني جواد ليكون ابن لي مثل مرتبة اولادي تماما ولا يختلف عنهم بشيء ، ليكونوا جميعا منارة حياتي وكل ما املكه بهذه الحياة"

ارتفع حاجبيها ببعض الدهشة ممزوجة بالاستياء من الحقائق والتي تتلقاها الآن الواحدة تلو الأخرى قاضية على آخر ذرة عقل برأسها بدون اي توضيح ، فأين هم هؤلاء الاولاد وكم تخشى من طرح السؤال واجابته ؟

قالت بعدها بلحظات بخفوت مرتجف وهي تشتت نظرها بعيدا عنها نافضة هالة الحزن والصمت والذي اصبح حلقة حول عنقها يكاد يخنقها
"عائلة جميلة جدا والله يحفظهم لكِ ، وانا متأكدة بأنهما الآن بمكان افضل من هذا المكان......"

قاطعتها بنفس شرودها الحزين واناملها ما تزال تتلمس على زجاجها البارد بقسوة
"غير صحيح يا صغيرتي ، اوس ما يزال على قيد الحياة ، ولكنه لم يعد موجود بالعائلة فقد عاد للعيش مع والده وبعيدا عنا ، وحرمت انا من رؤيته بحياتي مجددا وبقسوة من الجميع ، بدون ان يعلم احد بقلبي المفطور والذي تعلق بذلك الطفل البريء"

لعقت طرف شفتيها بثواني وهي تحاول فهم الحقيقة الجديدة فوق الحقائق الاخرى وهي تهمس باستفهام لا إرادي
"وماذا عن غنوة كيف رحلت عنكِ ؟"

تسمرت ملامحها لوهلة وهي تقابل ملامح باردة كالجليد مرسومة بملامح الجالسة امامها ويدها تقبض على اناملها فوق الزجاج بقوة حتى اصبحت شبيهة بملامح ابنها القاسية ! بدون ان تعلم سبب كل هذه القسوة والجمود بحياتهم المعقدة ؟

رفعت رأسها بعيدا عنها بانتفاض ما ان سمعت صوت صفارة خافتة قادمة من المطبخ ، وما ان افاقت الاخرى من افكارها وهي على وشك النهوض عن السرير حتى اوقفتها التي قالت بابتسامة رقيقة بهدوء
"لا بأس انا سأذهب لأكمل امور الطبخ ، فقد انتهيت بالفعل من تنظيف الغرف"

لتغادر من فورها لخارج الغرفة بلحظات بدون ان تنتظر ردها ، لتعود الجالسة بشرودها على الصورة امامها وهي ترفع قبضتها لشفتيها بلحظة ما ان خرجت الشهقة المذبوحة من صدرها المنتحب وهي تتذكر بعض من ذلك الماضي والذي يجمعها بأولادها ، وخاصة مع صغيرتها الزهرة والتي فقدتها بسن صغير وقبل ان تتفتح تماما وعبارة واحدة تتردد بذهنها قبل ان يتحول كل شيء من حولها لسواد حالك لم تخرج منه للآن وهو يلون سقف حياتهم
(ابنتكِ ماتت مقتولة برصاصة طائشة اصابت قلبها واودتها قتيلا)

______________________________
دخلت للمطبخ بسرعة وهي تنظر للطنجرة تحت النار والتي كانت تصدر صوت الصفير المرتفع والماء يتسرب من حواف الغطاء بسيلان ، لتتجه من فورها امام الغاز بلحظة وهي تطفئ النيران الملتهبة من اسفل الطنجرة بارتجاف حتى تأكدت من توقف فوران الماء تماما وخفوت صوت الصفير ليحل مكانها بلحظة الصمت التام لثواني .

تنفست الصعداء وهي تمسك بذراعي الطنجرة بحرص ، وما ان حاولت رفعها قليلا حتى قصف صوت من خارج المطبخ يهتف بقوة
"امي......"

ادارت وجهها ناحية باب المطبخ بشرود بذات الوقت الذي شعرت به بثقل الطنجرة على يديها والتي ابتعدت عن الغاز وهي تتراجع للخلف لا إراديا ، لتشهق بذعر لوهلة ما ان اخترق شرودها صوت صارخ ليتبعها سقوط ما بين يديها بلحظة واحدة
"انتبهي يا صفاء !"

لم تسمع بعدها سوى صوت ارتطام الطنجرة على الأرض الرخامية مع محتوياتها والتي خرجت مع سقوطها ، لتملئ الأرض من حولها قبل ان يغيم الصمت لبرهة على عالمها للحظات طويلة كاتمة للأنفاس ، فتحت بعدها بلحظة عينيها العسليتين بتوجس وهي ترمش عدة مرات بارتعاش لتتأكد مما تراه امامها ، وهي تنظر للجسد الطويل والذي كان يعانق جسدها النحيل بقوة ذراعيه وهما تطوقان خصرها الغض بتشبث ، بينما نظراته الحادة كانت معلقة من خلفه وعلى مصدر الدمار والذي احدثته الآن وبملامح تتقلب لأول مرة بتشنج حاد ينضح منها القسوة وبشكل مختلف تماما عن المعتاد قريب من الخوف او الذعر وكأنه يخفي ذلك الشعور خلف واجهته القاسية !

زمت شفتيها بارتجاف وهي تخفض نظراتها العسلية بعيدا عنه ما ان وجه نظرات قاتمة نحوها وهو يتأملها عدة لحظات بتمهل بعث الرعب بأوصالها ، لتقبض على يديها لا شعوريا لوهلة ما ان رفع يديه ببطء عن خصرها بدون ان يتركها ليصل ليديها وهو يمسك بهما بقوة اخترقت عظامها هامسا بوجوم عابس
"لقد حرقت يديكِ ، يا لكِ من بلهاء !"

عقدت حاجبيها بتشوش وهي ترفع نظراتها بحذر لما يفعل لتفاجئ بملامحه الباردة والتي عادت لهدوئها الظاهري بعيدا عن ملامح الخوف والتي رأتها تنضح بتفاصيله منذ لحظة ، لتخفض بعدها نظراتها ليديها وهي تلاحظ لأول مرة احمرارهما القاني وخطوط دقيقة جدا بباطن كفيها سببها الماء المغلي والذي كان يتسرب من غطاء الطنجرة ، ليصيب يديها بدون ان تنتبه او تشعر بحضوره المفاجئ والذي طغى على كل شيء ؟

ابتلعت ريقها بانتفاض وهي تحاول التملص من يديه هامسة بارتباك
"لا بأس فهذه ليست اول مرة احرق بها يديّ ، وهو مجرد حرق صغير وسيزول......"

قاطعها الذي شدد اكثر على يديها حتى كاد يحطم مفاصلهما وهو يهمس بأمر
"اخرسي يا صفاء ولا كلمة ، يكفي الغباء والذي تسببتِ به لنفسكِ للآن"

انفرجت شفتيها بانشداه بدون كلام وهي تشتمه بداخل نفسها على التخبط والذي سببه بحياتها حتى كادت تحرق نفسها بطنجرة الطبخ بسبب دخوله للمكان بدون إذن او تنبيه وهو يهتف باسم والدته بصوته الخشن العميق والذي يرجف له كل جزء بجسدها ، وما هي ألا لحظات حتى سحبها معه امام صنبور الماء وهو يقدم يديها فوق المغسلة بقبضة ليفتح صنبور الماء بقبضته الاخرى بقوة ، ليهدر من فوره الماء فوق يديها معا لبرهة وهي تشعر ببرودة جليدية تنخر عظام كفيها نافضة الألم عنهما للحظات قبل ان يجتاح شعور الراحة بدواخلها ببهجة خالصة .

اغلق صنبور الماء بصمت وهو يتمتم بضيق واضح
"حقا بلهاء ! اين كان عقلكِ وانتِ تمسكين بطنجرة الطبخ حتى وقعت من يديك هكذا بدون اي حس بالمسؤولية ؟"

عبست ملامحها بحزن وهي تراقب يديها بداخل قبضته هامسة ببؤس
"لقد افزعني صوتك المرتفع ، لذا سقطت الطنجرة مني بدون قصد"

تصلبت ملامحه وهو يمسح بقبضته الخشنة على كفيها لا إراديا هامسا بسخرية قاتمة
"هل تقصدين بأنكِ تفزعين من كل الاصوات العالية وعليّ ان اخفض صوتي كلما دخلت لمكان تتواجدين به ؟ لكي لا ازعجك ولا تدمرين شيء او تحرقين نفسك كما فعلتِ الآن !"

حركت رأسها باهتزاز وهي تهمس بابتسامة صغيرة بعفوية
"لا قصدت بأنه من الافضل ان تعمل تنبيه لوصولك قبل ان تفزع احد بصوتك العالي"

تجهمت ملامحه بلحظة وهو يتمتم باستنكار
"ماذا !......."

توقف عن الكلام فجأة ما ان اخترق جدالهما التي دخلت للمطبخ من فورها وهي تقول بقلق
"ما كان ذلك الصوت ؟......."

شهقت بصدمة وهي تنظر للدمار امامها بعينيها السوداوين المتسعتين بوجل محدقة بمحتويات الطعام من قطع الخضار المتناثرة ارضا مع الماء من حولها ، والذي كانت تفكر بسلقه بالماء المغلي لتتركه فوق النار لينضج براحته قبل ان تفجع بهذه الحادثة ، همست بعدها بأنفاس مذهولة وهي تضع يدها فوق صدرها النابض بتعب
"ما لذي جرى هنا ؟"

زم شفتيه بوجوم وهو يترك يديها بصمت ليوجه نظراته لوالدته والتي تبدو ستصاب بالإغماء وهو يقول لها بنفس قسوته المعتادة
"اسألي هذا السؤال للبلهاء والتي تعمل معكِ والتي سلمتها كل امور المطبخ بدون اي مراقبة ؟ فهي تبدو لا تصلح لمثل هذه الأعمال الصعبة على فتاة مثلها !"

ارتفع حاجبيها بوجل وهي تنقل نظراتها للتي اصبحت تنظر لها بصدمة لتهمس بسرعة بتعثر مبرر
"الحقيقة لم اقصد حدوث هذا ، صدقيني فقط سقط مني عندما سمعت صوت جواد بالخارج......"

ابتلعت باقي كلامها بتوجس ما ان اصبحت تقف امامها التي امسكت بذراعيها وهي تهمس لها برفق حاني
"هل انتِ بخير يا صفاء ؟ هل تأذيتِ مما حدث ؟"

حركت رأسها بالنفي بضعف بدون كلام وهي تضم قبضتيها معا بصمت موجع ، لتوجه (هيام) نظراتها السوداء للواقف بجانبها وهي تقول بحيرة عابسة
"جواد متى عدت من العمل ؟ هل حدثت معك مشاكل بالعمل ؟"

افاق من شروده بلحظة وهو يهمس بخفوت خشن
"لا يا امي ، لقد عدت للمنزل لأسألك عن الملف والذي طلبت منكِ ان تخبئيه لي ؟"

عقدت حاجبيها بتفكير لوهلة قبل ان تهمس بهدوء
"اجل لقد وضعته لك بداخل الخزانة بغرفتك"

اومأ برأسه بصمت وهو يلقي نظرة اخيرة على الساكنة بمكانها قبل ان يغادر بسرعة لخارج المطبخ ، لتنظر بعدها صاحبة العينين العسليتين باتجاه الواقفة امامها بخجل يكاد يفتك بها وهي تهمس لها بحزن عميق
"انا اعتذر حقا يا عمتي على الدمار والذي سببته لكِ بالمطبخ"

نظرت لها لبرهة قبل ان تبتسم بشحوب وعطف تدفق بعينيها المستديرتين بجرح يأبى ترك جمال عينيها وهي تربت على كتفها هامسة ببحة صوتها الحانية
"لا داعي للحزن وللأسف يا صغيرتي ، فالمهم عندي هو سلامتك هنا فكل شيء بالحياة يعوض ألا انتِ يا صغيرتي ، وايضا هذه مهمتي انا منذ البداية الاهتمام بالطبخ ولم يكن عليّ ترككِ تتصرفين بها بمفردك"

ابتسمت بحياء وهي تزفر انفاسها براحة ما ان انتهت من مشكلة تأنيب الضمير بسبب ما فعلت يديها بغباء غير محدود ، لتقول بعدها بلحظات وهي تحرك رأسها بحماس
"إذاً انا من سأنظف هذه الفوضة لأنني السبب الرئيسي بها"

نظرت لها وهي على وشك الكلام قبل ان يسبقها الصوت بالخارج بصراخ منتفض بنفس نبرة صوته الخشنة
"امي !"

ارتعشت كل اطرافها دفعة واحدة وهي تتجمد بمكانها بوجل ورعب سكن بروحها مما هو قادم الآن من انفجار وشيك لن يسرها ابدا ! ليحدث بعدها ما توقعته وهي ترى الذي وقف عند إطار باب المطبخ وهو ينفخ انفاسه بانفعال متهدج شعرت به بتقاسيم وجهه ، ليهمس عندها بلحظة بقسوة عادت لتسكن تفاصيل ملامحه الحادة بسواد قاتم
"من الذي كان يعبث بأغراضي الخاصة بغرفتي ؟"

عضت على طرف شفتيها بجزع تكاد تدميها بدون كلام وهي تعلم جيدا إلى ما يلمح إليه بكلامه المبطن وهو يقصد ذلك الدرج المقفل بالمفتاح والذي نسيت اقفاله بعد ان ذهبت للمطبخ ، لتمسك بعدها بلحظة لا شعوريا بعباءة الواقفة امامها وهي تتشبث بها برعب واستنجاد صامت ، لتفهم تلك الاخرى اشارتها وهي توجه كلامها لابنها لتواجه غضبه قائلة بهدوء جاد
"وما لمشكلة بذلك ! هل تخفي بها اسرار خطيرة لتخاف عليها هكذا وكأنها مملكتك الخاصة ؟"

تجهمت ملامحه اكثر بسواد اشتعل بتلك الاحداق القاتمة ليتبعها بعدها بنطق كلماته بتشديد متصلب
"امي لا تبدأي الآن بهذه السخرية المقيتة ! فالأمر لا يحتاج صدقا ! وانا متأكد بل على يقين من هوية هذا الفاعل والذي اقتحم غرفتي وخصوصياتي وانتِ الآن فقط تحاولين التستر عليه والدفاع عنه امامي"

اخفضت عينيها العسليتين بدموع متحجرة بمقلتيها وبارتعاش احتل كل جزء بأطرافها حتى لم تعد تستطيع التحكم بعضلة عينيها والتي تشنجت فجأة بجمود ويديها تزيدان من تشبثهما المجنون على تلك العباءة الخفيفة ، لتتدخل بعدها بلحظة والدته وهي تقول بانفعال حانق احمر معها وجهها بصرامة
"كيف تتكلم معي بهذه الطريقة ! كل الذي حدث بأننا انا وصفاء كنا ننظف الغرف بحملة التنظيف الاسبوعية ودخلنا لغرفتك واضطررنا للعبث قليلا بأغراضك لنستطيع تنظيفها جيدا ، فهل بهذه الطريقة نكون قد اخطئنا باقتحام حدود مملكتك وعرشك ؟"

عبست ملامحه لبرهة وهو يوجه نظرات نارية للتي شعرت بها تحرقها بمكانها لتصيبها بالصميم ، وهي تحاول الاحتماء بوالدته الواقفة امامها مثل درع حامي بدفاع يخرج منها لأول مرة ! ليقول بعدها وهو يعود بنظراته لوالدته قائلا بتهديد حاد يحمل بين طياته الكثير وهو يشملهما بكلامه
"حسنا فهمت يا امي ، إذا كنتِ تريدين هذا الاسلوب بالكلام لكِ هذا ! ومرة اخرى إذا علمت بأن هناك احد قد اقتحم غرفتي او حاول العبث بها مجددا فلن اسامحه أياً كان ، ولا يحاول احد تنظيفها او فعل اي شيء بها فهي من الآن قد اصبحت من الاشياء المحظورة عنكما وتجاوزها سيكلف كليكما الكثير"

انتفضت والدته وهي تقول بعتاب حزين
"هذا ليس اسلوب رائع بالكلام معي يا جواد !......"

ولكنها كانت وكأنها تكلم نفسها والمقصود بكلامها كان قد غادر من المطبخ بأكمله بلمح البصر ، ليتبعها بلحظة مغادرته للمنزل وهو يصفق الباب من خلفه بكل قوة رجت محتويات المنزل بعنف ، بينما التي ما تزال تتشبث بالعباءة الخفيفة كانت قد ارتخت مفاصلها لوهلة كما يديها لتفلت العباءة وهي محنطة تماما بدون اي مشاعر فقدت معها الاحساس بالخوف للحظات ، وبدون ان تشعر بالذراعين واللتين عانقتا كتفيها بهدوء وهي تربت على ظهرها بحنان ودفء عصى ان يصل لروحها المكسورة من كل ما يحدث من حولها دمرها لشظايا متناثرة حتى اصبحت تجرح كل ما تصله روحها ...

_____________________________
سارت بالرواق الطويل بخطوات بطيئة متخاذلة لأول مرة تحدث معها بعيدا عن الثبات والذي كانت تتحلى به فيما مضى ، وبدون اي روح تسكن زوايا جسدها الخاوية وكأنها قد فقدت كل شيء مع كلمات ذلك المجنون وتحطم الحجر والذي كاد يصيب رأسها ، وهي اعلم الناس بنوايا (مازن) الاجرامية والتي لا تقل خطورة عن زوج والدتها والذي ورث منه تلك النزعة الدنيئة والمريضة بالاستيلاء على كل ما يقع تحت ملكيتهم ويعجبهم بمسمى (اصبحت تخصني وحدي) وقبل ان يسبقهم الآخرون بالاستحواذ عليه ، كما فعل زوج والدتها من قبل بالاستيلاء والسيطرة على والدتها من النظرة الأولى ليخضعها له بأيام ويدفعها للزواج منه ، بالرغم من كل العيوب والتي كان يعاني منها والتي لا تقارن بالأمنيات والتي حققها لها وأولهم هو تقبل بناتها بحياته ووضعهم تحت رعايته الخاصة ومعيشته ، ليصبح منذ تلك اللحظة باعتبار والدهما الروحي والذي وضعوه بحياتهما رغما عنهما ، ومع كل المشاكل والتي تبعتها بعد الزواج فلم تستطع التخلي عنه يوما او التفكير بالطلاق منه بسبب الأمان والذي يقدمه لعائلتها الصغيرة والذي لن تجده عند احد آخر ولكي لا تحمل لقب مطلقة بعد ان حصلت على لقب ارملة بحياتها الزوجية .

تنفست بارتجاف خاوي ما ان وقفت امام غرفتها وهي تلقي نظرة اخيرة على الخاتم الالماسي والذي للغرابة لم تفكر بخلعه بعد كل ما حدث معها ! فهل تثبت لنفسها بأنها بدأت بالرضوخ لفكرة الزواج من (شادي) والذي ما يزال متمسك بها للآن ؟

فتحت الباب باللحظة التالية بهدوء لتتسع مقلتيها الزرقاوين بوجوم لوهلة ، قبل ان يحل الصمت على ملامحها الباردة وهي تتبعها بهمستها الباهتة
"اهلا وسهلا بروميساء ، نورتِ غرفتي"

كانت المقصودة جالسة امام الخزانة المفتوحة وهي تقلب بين حقائب الملابس بصمت بدون ان تعير كلامها الاخير اي اهتمام وكأنها لم تسمعها ، لتحرك الاخرى كتفيها بلا مبالاة وهي تغلق الباب من خلفها بقوة قبل ان تكمل سيرها بلحظة لداخل الغرفة .

جلست على طرف السرير بهدوء وهي تلقي الحقيبة بجانبها ، لتبدأ بعدها بلحظة بخلع حذائيها بإنهاك وهي تهمس بابتسامة جامدة
"هذه الفوضى والتي تسببتِ بها بالغرفة انتِ من سترتبينها ، فأنا ليس لي مزاج لأرتب خلف احد"

عندما لم تجد اي ردّ من المشغولة امام الحقائب وهي ترمي بكل قطع الملابس من حولها بسكون مقيت ، حتى زفرت انفاسها ببؤس وهي تنهض عن السرير بلحظات لتتجه من فورها امام المرآة وهي تزيل الخاتم عن اصبعها الطويل بعد ان ترك اثره على مفصل اصبعها ، ليثبت اكثر العلاقة والتي تجمعها بهذا الخاتم والتي تبدو علامته لن تزول بسهولة ؟ وضعته امامها فوق طاولة الزينة برفق لترفع بعدها يديها وهي تمسك بعقدة شعرها بهدوء ، قبل ان تخلعها من فورها بعنف ليتساقط شعرها بفوضة حول وجهها الساكن بدون اي تعبير ظاهر عليه ، حانت منها التفاتة جانبا لبرهة وهي تهمس بعبوس متصلب
"هل ستطول اقامتكِ كثيرا هنا ؟ ام ان المشاكل بحياتك الزوجية تمنعك من الإجابة !"

مرت عدة لحظات قبل ان تنطق لأول مرة وهي تخرج عن صمتها هامسة بخفوت بارد
"سأبيت عندكِ لثلاث ليالي قادمة حتى موعد الزفاف ، فأنتِ تحتاجين لكثير من التجهيزات والارشادات من اجل يوم زفافكِ ، وانا اريد ان يتم زفافك على اكمل وجه بدون اي مشاكل ، لذا عليكِ تحمل وجودي معكِ لثلاث ايام كاملة"

عقدت حاجبيها بحدة مع عبوس شفتيها بآن واحد ونظراتها معلقة بظهرها على طرف المرآة ، لتقول بعدها بلحظة بسخرية قاتمة وهي ترفع يديها لتعود لعقد خصلات شعرها من جديد
"ارى بأنكِ تبالغين كثيرا بالتفكير بيوم زفافي والذي لن يكون بكل هذه الأهمية ، فقط مجرد حفلة مبتذلة ومظهر امام الناس من الطبقات المخملية والنبيلة والتي ستغادر ما ان تنتهي مسرحية الزفاف والتي لن تغير شيء بحياتنا"

ردت عليها التي التفتت بوجهها قليلا للخلف هامسة بهدوء
"تقولين هذا الكلام لأنكِ لم تجربي يوم الزفاف وما يتبعه من قوانين جديدة عليكِ التأقلم معها ، وعندما تصبحين ملك هذا الشخص للمتبقي من حياتك والتي ستقدمينها له بكل لحظة ويوم والتي ستجمعكِ معه مثل كيان واحد......"

قاطعتها بانفعال حانق وهي تستدير نحوها بعنف
"توقفي عن مثل هذا الكلام يا روميساء ، تتكلمين وكأنكِ جربتِ يوم الزفاف وكل هذه التفاهات ! وانا ارى بأن علاقة زواجك تختلف تماما عن جميع ما تفوهتِ به الآن والذي لا يتبع اي منطق بحياتك"

تغضن جبينها بوجوم التي عادت بنظرها للأمام لوهلة هامسة بشرود بارد
"حسنا لقد جربت القليل ولم يكن رائعا على اي حال ، وانتِ على حق لم احصل من هذه العلاقة سوى على الألم والذي فقدت معه الحق بالحزن على زوج كانت تملكه غيري"

زمت شفتيها بتشنج لبرهة وببعض الألم والذي بدأ ينضح بعينيها الزرقاوين القاتمتين بعد الكلام الاحمق والذي تفوهت به الآن والذي سيكون جرح شقيقتها بشدة بدون ان تظهر شيء ، وكله بسبب جنونها والذي اصبح يسيطر عليها كثيرا مؤخرا بدون ان تستطيع كبح جماحه !

تنفست بقنوط وهي تخفض يديها عن شعرها بلحظة والذي عاد للانتشار حول وجهها بفوضى مجنونة بدون ان ينصاع لأمرها ويتهذب بعد عقده فوق رأسها لوقت طويل ، لتتقدم من فورها باتجاه الجالسة بمكانها قبل ان تجثو على ركبتيها بقربها لتعانق عندها كتفيها بلحظة وهي تهمس فوق كتفها بخمول تام احتل اطرافها لوهلة
"انا اعتذر حقا إذا كنت قد جرحتك بكلامي"

رفعت يدها بصمت وهي تربت على كفها عند كتفها بسكون هامسة بشحوب
"كل شيء بخير يا ماسة ، واهم شيء عندي الآن هو ان يسير زفافك على اكمل وجه واضمن حياة سعيدة من اجلك ، لذا لا تفكري بأمري كثيرا وركزي فقط على يوم زفافك"

تصلبت ملامحها بجمود وهي تدفن وجهها بقميص بيجامتها القطنية بحزن ، لتفيق من شرودها بلحظات على صوت التي قالت بسعادة غريبة نفضت الحزن عن صوتها
"واخيرا وجدتها"

رفعت وجهها بعيدا عن كتفها لوهلة وهي تنظر لما بين يديها والسبب بسعادتها ! لترفع بعدها حاجبيها بحيرة مندهشة وهي تلمح دميتين محشوتين شبيهتين بالدببة الصغيرة وهي تمسكهما بيديها الاثنتين واحدة تبدو اصغر من الاخرى بلونين مختلفين طريفين ، لترفع نظرات متعجبة للتي قالت بمرح وهي ترفع لها الدمية الزرقاء الصغيرة بشريطة حمراء حول عنق الدمية
"هذه الدمية كانت لكِ بطفولتك ، أليست جميلة ؟"

اتسعت عينيها الزرقاوين بحيرة اكبر وهي تتمهل بالنظر للدمية خاصتها ، لتنقل بعدها نظراتها للدمية الاخرى الشبيهة لها بلون الاخضر وشريطة صفراء تحتل عنقها ، لتتمتم بعدها بلحظة بوجوم عابس
"لا اتذكر بأنني كنت املك مثل هذه الدمية !"

عادت للنظر لهما بسعادة وهي ترفع الدميتين معا امامها لتقول بعدها بابتسامة حانية بشرود
"لقد اشتراهما ابي بيوم مولدك ، وقال بأن الدمية الكبيرة لي والثانية الصغيرة لكِ ، واتذكر بأنكِ كنتِ تحبين اللعب بهما وتشاجريني احيانا لتحصلي على الدمية الكبيرة ، ولكن ما ان كبرت قليلا حتى انشغلتِ بألعاب اخرى اجمل منها ، لذا لم يعد احد يسأل عن هاتين الدميتين ، ولأني احبهما كثيرا احتفظت بهما معي والآن فقط تذكرت وجودهما"

اومأت برأسها بشرود وهي تخفض ذراعيها بعيدا عن كتفيها لتلتقط بلحظة الدمية الزرقاء منها بصمت ، لترفعها امامها للحظات قبل ان تتمتم بابتسامة صغيرة تجمدت عند طرف شفتيها بدون ان تصل لوجنتيها
"لقد اختار ألوان الدمى على ألوان اعيننا ، هل هذه صدفة ؟"

نظرت لها لثواني قبل ان تقول بابتسامة شاردة بحنين
"ليست صدفة ، فالذي لا تعلمينه بأن والدنا كان شخص منظم جدا وكان يهتم دائما بأدق واصغر التفاصيل بحياته ! فهو كان محاسب مهووس بالتنظيم ومسؤول عن الأمور المالية بالشركة والتي تحتم عليه ان يهتم بكل تنظيمات حياته"

تسمرت بمكانها للحظات بجمود وهي تشيح بنظراتها بعيدا عنها ، لتنظر بعدها لحقيبة الملابس المفتوحة قبل ان ترفع يدها بلحظة وهي تلتقط منها دفتر الرسم الكبير بين طيات الملابس ، لتقلب بعدها بين صفحاته بلمحة خاطفة وهي تهمس بخفوت باهت
"لم اكن اعلم بأنكِ ما تزالين محتفظة بدفتر الرسم الخاص بكِ ! يبدو بأنكِ قد ورثت روح التنظيم عن والدك ؟"

امتعضت ملامحها وهي تنتشل الدفتر منها قائلة باستنكار
"وهل تظنينني فتاة تعيش بالفوضى مثلك ومثل والدتي والتي ورثت عنها كل الصفات الحسنة والتي تدعو للفخر بها ؟"

اتسعت ابتسامتها بجمود بدون كلام وهي تومأ برأسها بصمت بدون اي تعبير ، لتعود الاخرى للنظر للدفتر بشرود وهي تنظر للأوراق المرسومة بيد مراهقة صغيرة عشقت يوما هواية الرسم حتى اتقنتها بأصابعها الحالمة فوق الاوراق البيضاء والتي خطتها بكل انواع الألوان المبهجة والتي كانت تلون حياتها يوما ما .

افاقت من شرودها على التي وقفت بعيدا عنها وهي تخرج بعض الملابس من الخزانة هامسة ببرود
"لم يكن عليكِ ترك مثل هذه الهواية الجميلة ، فأنا ارى بأنها افضل شيء حدث بحياتك يا روميساء ، ولم يكن من المفروض التضحية بها بسبيل ارضاء الآخرين"

اخفضت وجهها امام الاوراق انحنت معها مقلتيها الخضراوين بحزن لبرهة وهي تهمس بمرارة
"لم اكن اريد التخلي عنها ، لكن عندما تختفي الألوان بحياة الانسان فلن يبقى له شيء يستخدمه لتلوين تلك الصور الصماء !"

كانت الاخرى قد وصلت للحمام الملحق وهي تمسك بملابسها المريحة قبل ان تلتفت نحوها بنصف وجهها هامسة بهدوء
"بل كنتِ تستطيعين فعلها يا روميساء ، فأنتِ بيديكِ تجلبين الألوان لعالمك وبيديكِ ايضا تمحين الألوان عن تلك الأوراق ببساطة"

رفعت عينيها نحوها لبرهة بدون اي حياة قبل ان تتسع ابتسامة (ماسة) بجمال لأول مرة وهي ترفع يدها بلحظة قبل ان تلقي بشيء بها بلمح البصر ، لتلتقطها بالمقابل الجالسة ارضا وهي ترفع نظراتها المتسعة للدمية المحشوة بيدها ، قبل ان تنقل نظراتها بصمت للتي همست بخفوت وهي تصفق باب الحمام من خلفها
"احتفظي بالدمية من اجلي كما كنتِ تفعلين بالماضي ، فهي ملكي ولن اتنازل عن حقوقي"

ضحكت بخفوت التي عانقت الدميتين بصدرها معا وهي تسبح بنظراتها الخضراء الندية للصورة المرسومة امامها على الورقة البيضاء ، وهي لوجه طفلة ضاحك ظهرت تفاصيله بوضوح وبقلم الرصاص بدقة احترافية ودعاء واحد يتردد بصدى روحها

(احفظ لي يا الله شقيقتي من كل سوء واتم فرحتها بزفافها ولا تقرب الحزن منها ، فهي القطعة التي ما تزال تنبض بها الحياة بعائلة فقدت الكثير)

يتبع في الصفحة التالية وهذا رابطها https://www.rewity.com/forum/t481045-17.html..........



التعديل الأخير تم بواسطة كاردينيا الغوازي ; 26-09-21 الساعة 11:13 AM
روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:57 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.