آخر 10 مشاركات
لاجئ في سمائها... (الكاتـب : ألحان الربيع - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          رهاني الرابح (90) للكاتبة: سارة كريفن ...كاملة... (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          341 - خيانة حب - كاي هوجز - م.د** (الكاتـب : عنووود - )           »          316 - الشك القاتل - ليندا بيوتشستر - م.د** (الكاتـب : hAmAsAaAt - )           »          عروس من الخيال (75) للكاتبة: آنا ديبالو (الجزء 2 من سلسلة عرسان أرستقراطيين) *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          سحر جزيرة القمر(96)لـ:مايا بانكس(الجزء الأول من سلسلة الحمل والشغف)كاملة إضافة الرابط (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          لن..أغفر لك! (48) للكاتبة heba45 ×كــــاملهـ× مميزة (الكاتـب : heba45 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1100Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-12-21, 11:37 PM   #241

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهراء يوسف علي مشاهدة المشاركة
جميلة جدا واصلي قلمك رائع

تسلمي حبيبتي على مشاركتك الجميلة ، وشكرا على الدعم.....


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-12-21, 11:06 PM   #242

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل الرابع والثلاثون

الفصل الرابع والثلاثون............
كانت تسير بالممر الفارغ وهي تبحث بعينيها عن شريكها الذي رافقها ليلة امس بطولها حتى بلوج الفجر بدون ان يتركها وشأنها لثانية حتى ضاقت ذرعا منه ومن عناده الشرس بمنافستها بتحدي سافر ، وهي متيقنة بأنه سيكون الآن يغوص بأحلامه السعيدة بسبب السهر الطويل بالأمس والتي لن يفيق منها قبل ساعات إذا لم يكن لليوم الثاني ! ومع ذلك هناك هاجس يدفعها للذهاب والاطمئنان عليه وبالأحرى تريد رؤيته مجددا بتوق غريب اصبح يلف حياتها مؤخرا بقيد جميل .

توقفت خطواتها وهي تضيق عينيها ما ان لمحت الذي كان يسير بالرواق المقابل لها ، لتقبض على يديها لا شعوريا وهي تهمس ببؤس
"احمد ما لذي يفعله هنا ؟ ولما لم يأتي لغرفة روميساء ؟"

عقدت حاجبيها بارتياب اكبر ما ان اختفى عن نظرها خلف جدار الممر المؤدي للجهة الاخرى من المشفى ، لتسرع بخطواتها تلقائياً وهي تتجه لنفس المسار الذي سلكه من لحظة بدون ان تشعره بوجودها .

وبلحظات كانت تقف بهدوء وهي تشاهد الذي دخل لغرفة مكتب الطبيب والذي عرفت عنه من الاسم المكتوب على اللافتة المعلقة على سطح بابها ، لم تستطع منع الفضول من نهش احشاءها بتوجس وخوف من ذهابه شخصيا لمقابلة الطبيب بسرية ألا إذا كانت حالة طارئة تخص وضع (روميساء) تستدعي وجوده ! لتعزم امرها بالنهاية وهي تستند بالجدار المجاور لباب الغرفة لتستطيع استراق السمع عليهما بما انهم مصرين على عدم اطلاعهم بالكلام الذي يودون قوله بسرية تامة !

عقدت حاجبيها بتركيز ما ان وصلها صوت الطبيب وهو يقول بجدية عملية
"اعتذر على ازعاجك بطلب مقابلتك بهذا الوقت والتكلم على انفراد ، فأنا لا اريد ان يصل هذا الكلام للملأ ، ولو لم يكن بكل هذه الأهمية لما اخفيته عنكم لهذه اللحظة خوفا من ان تسيئوا الفهم او نخطأ بتوقعاتنا !"

كانت تغضن جبينها بوجوم اكتسح محياها بلحظة وهي تحاول تفسير كلامه المبهم والغير واضح وكأنه يخفي سرا خطيرا سيؤثر بحياة الجميع ! ليقول من بالطرف الآخر بالمحادثة بلباقة مهذبة
"لا بأس يا دكتور حمود ، انت فقط اخبرني بما يعتمل بداخلك ويثير شكوك هكذا ، فأنا لن ارتاح قبل ان اعرف كل شيء يخص حالة زوجتي وكل ما قد يؤثر بها للأسوء"

اتسعت حدقتيها بتأهب متحفز وكأنها قد وصلت للنقطة الأهم بحوارهم ، ليخرج بعدها صوت الطبيب بنبرة اكثر عملية بدون ان يخفي الاسى والذي تخلل بصوته
"الحقيقة يا سيد فكهاني لا اعلم كيف اخبرك بها او كيف ابدأ بها ! ولكن ما اكتشفناه مؤخرا بعد تحاليل وفحوصات كثيرة بأن المسبب بفقدان الجنين هي اعشاب خاصة تخللت بالسوائل التي شربتها بآخر مرة ليؤدي لموت الجنين بداخلها بدقائق فقط ، وقد تأكدنا من هذا عدة مرات وليس مرة واحدة لدحض الشكوك من اذهاننا ولكي نعطيكم الجواب الاكيد ، وهذا ما اردت اخبارك به يا سيد فكهاني لتكون اكثر حرصا على حياة زوجتك بالفترة القادمة"

كان (احمد) يستمع له بذهول سمره عن الحركة للحظات وهو يحاول استيعاب ما نطق به الآن والذي دخل لعقله مثل الصاعقة التي ضربت كل منطق وكل شعور بعقله المشتت الضائع ، بينما الاخرى التي ضربتها نفس الصاعقة بقوة اكبر وبطريقة مختلفة اثارت عنفوان روحها المحبوسة بقضبان عالية لتتغلغل بأجزاء جسدها وتخرجه عن هدوءه .

قطع الصمت الذي تنفس بذهول وهو يقول بصدمة عدم الاستيعاب وكأنه يتكلم عن شخص آخر
"مستحيل يا دكتور حمود ! فأنا الذي اعرفه واخبروني به بأنها قد سقطت على اولى درجات السلم ! كيف يكون لهذا علاقة بالأعشاب التي تتكلم عنه ؟"

ردّ عليه من فوره بجدية هادئة متناقضة عن حالة الجالس امامه وهو يزيد طعنه بسكين الحقائق المتتالية
"يبدو بأنكم مخطئون فليس هناك اي علامة تدل بأنها قد اجهضت الجنين من سقوطها على درجات السلم ، ولو كان كلامك صحيحا لظهر علامات خدوش او آثار رضوض على جسدها ! ولكن الذي رأيناه بأن الاذى لم يصل لجسدها السليم بل الأذى والألم كان يقبع بداخل احشاءها عند موضع الجنين ، وما انا متأكد منه بأنها قد تألمت بشدة وعانت وتحملت الكثير قبل ان تغيب عن الوعي فمفعول هذه الاعشاب اقوى مما تتصور ، لذا نجاتها وحدها من هذه الفاجعة تعد معجزة تحمد عليها ، وخاصة بأنها قد شربت كمية كبيرة من هذه الاعشاب والتي تكفي كمية صغيرة منها لتقتل انسان بكامل صحته وليس الجنين فقط"

كانت انفاسه تتسارع بتهدج انتفخ معه صدره بالكثير من المشاعر والألم الساكن بينهما والذي فاق تحمله ، وفكرة تحملها كل هذا الألم والمعاناة قبل غيابها الكامل عن الوعي قبضت على فؤاده بقبضة من حديد انهت عليه ! ليحاول بعدها ان يخرج كلامه بصعوبة وهو يقول بتحشرج واهي بخفوت حذر
"وما هي المعلومات التي تعرفها عن هذه الاعشاب التي شربت منها روميساء ؟"

حرك رأسه بتفكير لوهلة وهو يقول بجمود هادئ
"لا املك الكثير من المعلومات عنها ، ولكن كل ما اعرفه بأنها مكون قاتل وخطير ولا يستخدم سوى لأغراض طبية غير ذلك يمنع استخدامها بالحياة اليومية منعا باتا ، بسبب اعراضها وما تسببه لمتناولها من تعب وارهاق جسدي وامور كثيرة لا تحصى تؤثر برحم الانثى وبالجنين القابع بداخلها"

اومأ برأسه بدون اي معالم تعلو ملامحه فقدت معها الحياة بجمود محياه ، لينهض بعدها عن المقعد بحذر وهو يستمع لباقي كلام الطبيب وهو يقول بنفس النبرة الجادة
"عليك ان تنتبه اكثر على زوجتك يا احمد ، وتلتزم معها بالأدوية الحيوية وفيتامينات لجسدها بسبب ما تعرض له من نقص عليه ان يعوضه بأكلات صحية والانتظام بالأدوية ، وانا قد قلت هذا لمصلحتك لكي تحتاط من كل شيء يدور من حولك ، فلا احد يعلم قد يؤثر هذا على إنجابها بالمرات القادمة بالمستقبل وهذا ما لا ارجو حدوثه !"

غادر من غرفة المكتب بصمت بدون ان يعبر على كلامه الاخير بشيء ضاع منه كل الكلام والشعور ببضعة كلمات شلت عضلات عقله المشدودة ، ليتسمر بمكانه بصدمة للمرة الثانية وهو يحدق بالواقفة امامه والتي اعترضت طريقه بلمح البصر لا تقل عنه صدمة وكأنها دوامة مشاعر ابتلعت كليهما سويا بلحظات بدون سبيل للتحرر .

حرك عضلة حلقه بمرارة وهو يبتلع ريقه بارتباك ليهمس بعدها بتشنج خاوي حاول جعله بنبرة صوته الطبيعية
"ماذا تفعلين هنا يا ماسة ؟ ألم تكوني برفقة روميساء ! كيف تتركينها وحدها بهذه الأوضاع ؟"

زفرت انفاسها عدة مرات ببرودة وكأنها تستعد لتفريغ العاصفة بداخلها والتي قضت على كل شيء حي بروحها ، لتحرك شفتيها المتيبستين بجمود وهي تهمس بعداوة
"من الذي فعلها ؟"

ارتفع حاجبيه ببطء شديد لبرهة قبل ان يهمس بابتسامة متشققة ببرود
"من الذي فعل من ؟"

اندفعت فجأة صارخة وهي تلوح بقبضتها عاليا بسخط غاضب
"من الذي يفكر بقتل شقيقتي وطفلها ؟"

تغضن جبينه بلمحة ألم خاطفة وهو يرفع يده امام وجهها بإشارة صارمة هامسا بصوت خفيض
"اخفضي صوتكِ يا ماسة ، لكي لا يسمع احد ما تتفوهين به !"

اخفضت ذراعيها بقوة عصبية وهي تهمس من بين اسنانها بحنق
"وما لغريب بالذي اتفوه به ؟ أليست هذه هي الحقيقة ! أليس هذا ما كنت تتكلم به مع الطبيب بسرية تامة بعيدا عن الجميع لكي لا يشهد احد على شناعة ما حدث وعن هوية مرتكبها !"

امسك انفه بأصابعه بألم منفر وهو يحاول استجداء صبره امام كل المواجع التي تتلاحق فوق رأسه ، ليقول بعد عدة لحظات بهدوء على وشك النفاذ منه
"نحن لسنا متأكدين بعد من هذا الكلام يا ماسة ، هو مجرد افتراض وليس من الاكيد ان يكون صحيح !"

ردت بسرعة باشتعال متقد على وشك حرقه
"هل تقصد بأن موت الطفل ايضا لم يكن بسبب تلك الاعشاب ؟ إذاً ماذا سيكون غيره إذا كان وقوع السلم ليس له اثر !"

نفض يديه للأسفل وهو يهمس من بين اسنانه بجمود صخري تلبسه بلحظة
"كفى يا ماسة ، نحن لن نتكلم عن هذا الموضوع بالوقت الحالي ، وسيبقى سر بيننا لن يخرج على مسامع احد ، حسنا !"

تجهمت ملامحها بثانية وهي تلوح بذراعها هامسة باستنكار حاد
"لا ليس بهذا البساطة ! انا لست مضطرة لأخفي على جريمة احد وخاصة عندما يكون المرتكب قد اذى شقيقتي وكاد يودي بحياتها ، هل تريد مني ان اصمت عن حقها بهذه السهولة التي تتخيلها ؟ إذا كنت ستدافع عنه وتحميه من براثني فأنا لن اكون مثلك ولن اسمح بحدوث هذا !....."

قاطعها بصوت مشتد منفعل على وشك الانهيار امامها والتوسل لها لتصمت
"ارجوكِ ليس الآن ، لا تفعليها وهي ما تزال بتلك الحالة ، لن تتحمل مثل هذا الخبر الموجع وستلوم عندها نفسها اكثر وتدخليها بدوامة لوم اخرى ، إذا كنتِ تفكرين بمصلحة شقيقتك وصحتها لن تفعليها الآن"

عبست ملامحها ببهوت جمدت كل شيء من حولهما بصمت المكان ، لتستدير بعدها للجهة الاخرى وهي تسير عدة خطوات امامه بثبات تحسد عليه قبل ان تتوقف لوهلة بجمود وهي ترفع وجهها قليلا بسكون مريب ، لتهمس بعدها بلحظات بخفوت بارد فقدت كل آثار الثورة التي كانت تحتلها
"لن اخبر روميساء بأي شيء سمعته للتو ، وهذا سيكون حتى اتأكد من هوية المرتكب الحقيقي والذي لن يشفع عندي اي شيء يخصه ولو كان كبير العائلة نفسه ! وعندها لن اتوانى عن اخبار روميساء بكل شيء حدث معها ، ولن يمنعني عن فعلها احد ، فلا احد يملك السلطة عليّ ولا بالتحكم بقراراتي ! لا احد !"

غادرت بعدها امام ناظريه وهي تتركه بتشتت اكبر عن السابق حتى كاد يشعر بصوت ضربات قلبه على وشك الانفجار من كل هذا الكبت الذي يعانيه ، ليتخلل بعدها خصلات شعره بأصابعه بعنف مضغوط وهو يرفع عينيه عاليا لوهلة قبل ان يهمس للسراب امامه بمناجاته الوحيدة والسبيل للتفريغ عن كل ما يعتريه
"يا إلهي الرحمة ! لم اعد احتمل اكثر من هذا ، هذا يفوق مقدرتي الطبيعية على الاحتمال ! يا إلهي ارحمني !"

_______________________________
تنهدت بإنهاك وهي تسند خدها بقبضتها بشرود صامت غيم على محياها وتفاصيل حياتها المنعزلة عن الجميع لوهلة ، لتخفض بعدها جفنيها فوق احداقها المائلة لألوان الغروب المتقلب والذي احتار بأمره العالم بأسره بسبب تموج ألوانه كل حين حسب مزاج ومشاعر صاحبته ، وهذه الحالة اصبحت تحوم من حولها بكثرة التساؤلات والمشاعر المسورة بعالمها المليء بالندوب والتشوهات وكأنها حلقة مفرغة علقت بها منذ زمن وقيدت بمقاليد مشاعرها الضارية ، وهي ما تزال للآن تتألم من تلك المشاعر بدون سبيل للتحرر منها اندلعت بصميم روحها منذ بداية خروجها من عزلتها اخيرا قبل ان تعود لها مجددا بحصون عالية وقيود اكثر قوة .

فتحت عينيها على اتساعهما فجأة ليظهر لونهما العسلي الذائب بالألم الساكن بهما والذي لم تستطع انتشال نفسها منه للآن ، قبل ان تنقلب الألوان بعينيها لضباب باهت ما ان وقعتا على الشيء البراق الذي يعلو طاولة الزينة وهو يلمع بقوة الشمس الساطعة التي اغشت نظرها عن رؤية غيرها ، لتتسمر عضلات وجهها برعشة طفيفة خدرت اطرافها لوهلة وهي تعبس بارتجاف غير واعي ما ان مرت سحابة الذكريات القاتمة والتي تسحبها دائما لنفس الهوة ذاتها ، نقلت نظراتها بعيدا بهدوء جامد وهي تتلبس نفس الملامح الباهتة التي فقدت كل معالم الحياة الجميلة بوحدة موحشة تحيطها على الدوام .

حركت وجهها بقوة وهي تنفخ انفاس قصيرة لتخرج من دوامة الحزن على الذات التي اقسمت يوما بعدم العودة لها وعدم السماح لها باحتلال عالمها ، شددت على قبضتها المتكورة على خدها وهي تستذكر السبب بعودتها لتلك الدوامة مجددا والتي جلبها موضوع مفاتحة الزواج قبل يومين والتي لم تقلب كيانها فقط بل غيرت موجة مشاعرها وتفكيرها بعصف ذهني ارهقها بشدة واستنزف طاقتها الاخيرة ، بدون ان تحدد الاجابة التي عليها تقديمها لأستاذها صاحب عرض الزواج والتي تختلف تماما عن اجابة سؤال باختبار شفهي سيكون اسهل بكثير مما تعاني منه على مدار يومين كاملين ! وهي لا تعلم حقا من اين جاءت هذه المصيبة والتي لم تحسب لها اي حساب بعالمها البارد الخالي من المشاعر ؟

تأففت بنفاذ صبر وهي تنهض عن المقعد امام النافذة بقوة بعد ان تعبت من المحاربة مع وحدتها القاتلة والتي تجلب لها كل انواع المرارة بحياتها وهي تتلخص كلها امام عينيها ، لتقرر بالنهاية الخروج من جحرها وهي تتجه مباشرة لباب الغرفة التي بدأت تخنقها بجدرانها الباردة وبصمتها المقيت .

وصلت بلحظات للطريق المؤدي للمطبخ بنهاية الرواق لتدلف له من فورها بدون ان تعير احد من الموجودين اهتماما ، وما ان وقفت امام الخزائن حتى اخرجت منها علبة القهوة الفورية قبل ان تمسك بالملعقة بثواني وهي تغرف منه لتضع كمية كبيرة بالأبريق الكهربائي لتغمره بعدها بالماء حتى المنتصف ، وقفت امام الخزائن التي تحفظ موائد المطبخ الكريستالية وهي تحاول الوصول للأكواب بالرف الأعلى ، تدخلت الخادمة الصغيرة التي وقفت بجوارها وهي تهمس بمودة
"هل تحتاجين للمساعدة ؟ استطيع ان احضر لكِ الكوب إذا اردتِ !"

استمرت بالتشبث بطرف رخام المطبخ وهي ترتفع على اطراف اصابع قدميها هامسة بخفوت
"لا شكرا ، استطيع تدبر اموري"

ابتسمت بانتصار ما ان امسكت بطرف الكوب اخيرا قبل ان ينزلق من بين اصابعها بلمح البصر وهو يقع امام ناظريها ليصل للأرض بثواني ويتهشم لمئة قطعة وشظية ، انتفضت معتدلة باستقامة ما ان صدح بلحظات صوت عند باب المطبخ بهجوم ضاري مستعد للانقضاض
"ما كان هذا الصوت من لحظة ؟ من الذي عبث وكسر من محتويات الموائد الغالية ؟ لأني عندما اعرف الفاعل لن ارحمه على هذه الفعلة !"

قالت بسرعة التي ابتسمت بإحراج وهي ترفع يدها بفكاهية
"انا الفاعلة يا امي ، لقد اوقعت الكوب بمحض الخطأ ، لذا لا داعي لتعاقبي احد على فعلتي"

عبست ملامحها باستهجان وهي تمسك خصرها بقوة هامسة بيأس
"انتِ يا غزل مجددا ، أتعلمين كم مرة اوقعتِ بها وكسرت من الموائد بسبب استهتارك الغير مبالي ؟ لقد زادت اخطائكِ كثيرا بالآونة الاخيرة بشكل لا يحتمل ولا يطاق ابدا !"

تعمقت ابتسامتها حتى اصبحت مجرد التواء على زاوية شفتيها وهي تهمس بسخرية
"هل هذا يعني بأني معاقبة خصم شهر من راتبي ام ستطردينني من المنزل بسبب استهتاري وعدم مسؤوليتي بالحفاظ على موائدك المقدسة ؟"

اتسعت عينيها بشرارات غاضبة وهي تضرب على خصرها هامسة بعصبية مهددة
"هذا ليس وقت مزاحكِ السخيف يا غزل ! فأنا اتكلم هنا بموضوع جدي ومصيري ، اخبريني كيف ستفتحين منزل وتربين عائلة وانتِ تتصرفين على هذا النحو من الاستهتار واللامبالاة ؟ انتِ حتى لا تستطيعين الاعتماد على نفسكِ بمنزل عائلتك إذاً كيف ستهتمين بمنزل كامل لوحدك !"

غامت حدقتيها لا شعوريا بألوان سحابة الحزن قبل ان تهمس من فورها بابتسامة صغيرة بمرح تمثيلي
"لا تقلقي يا امي ، فأنا قد فكرت كثيرا بالأمر ! وافضل حل وجدته هو البقاء بجوارك بمنزل عائلتي لكي لا تشعري بالوحدة بدوني ، وبالمقابل لكي لا اكسر موائد احد عند عائلة اخرى لن تحتمل وجودي بينهم مثل عائلتي"

عقدت حاجبيها بغضب اكبر على وشك الفتك بها وهي تضرب يديها معا هامسة باستياء حانق
"لا فائدة من الكلام معكِ ، فأنتِ ستبقين فتاة بائسة فارغة العقل والقلب"

غادرت بعدها من امام المطبخ بعد كلامها الاخير والذي اثار حالة من الجمود بقلب ابنتها ، ولا تعلم إذا كانت تقصد كلامها بالمعنى الحرفي ام خرج منها من فورة غضبها التي اوقدتها بداخلها ؟

تنهدت بهدوء وهي تنحني بلحظة على ركبتيها لتجمع قطع الزجاج من على الأرض بصمت ، قبل ان ترتفع عينيها ناحية التي انحنت امامها كذلك وهي تجمع قطع الزجاج معها هامسة بلطف
"لا بأس يا آنسة غزل ، استطيع ان انظفه بنفسي"

حركت يدها بالرفض وهي تهمس بابتسامة محرجة
"لا داعي لذلك يا عزيزتي ، انا التي اوقعت الكوب وعليّ تحمل نتائج فعلتي"

اومأت الخادمة برأسها وهي تهمس بإصرار
"ومع ذلك انا مصرة على مساعدتك ولن اترككِ بهذه المشكلة وحدك ، فقد سبق وساعدتني كثيرا من قبل بكوارث اكبر وهذا جزء من ردّ الجميل لكِ !"

ابتسمت بمودة وهي ترتفع واقفة بهدوء قبل ان تقف الخادمة معها وهي تفتح كيس بلاستيكي كان بحوزتها لتلقي به كليهما قطع الزجاج المهشم بداخله بحرص شديد ، اخذت الكيس بعدها لتلقي به بسلة المهملات بزاوية المطبخ ، بينما الاخرى عادت للعمل على القهوة الخاصة بها بدون اي روح تسكن محياها وكل ما تتأمله ان تنتهي من هذه المهمة بسرعة .

انتفضت من سحابة شرودها على صوت نفس الخادمة التي كانت تلقي بزجاج الكوب بسلة المهملات
"هل انتِ بخير يا آنسة غزل ؟ فقد اصبحتِ تتصرفين بغرابة بالآونة الاخيرة وكأنكِ تفكرين بمعضلة واستعصى عليكِ حلها !"

التفتت نحوها بارتباك وهي تلوح بيدها هامسة بمرح مزيف
"ماذا تقصدين اتصرف بغرابة ؟ هل انا حقا شخص غريب الاطوار لهذه الدرجة حتى احصل على انتقادات منكِ ومن امي ؟"

وقفت الخادمة بسرعة باضطراب وهي تهمس بتصحيح مبتسم
"لا يا آنستي اكيد ليس هذا ما قصدته ! فأنتِ لستِ من هذا النوع ابدا ، ولكن تصرفاتكِ توحي دائما بالحزن القابع بها وكأنكِ بعالم غير عالمنا ! هل هناك ما يضايقك ولا تستطيعين التوقف عن التفكير به ؟"

انحنت عينيها قليلا بهالة شرود لحظي قبل ان تهمس بابتسامة باهتة بوجوم
"انتِ فضولية جدا يا حلا ، لم اعرفكِ هكذا !"

ارتبكت ملامح (حلا) وهي تتقدم امامها بسرعة هامسة بابتسامة صغيرة بندم
"انا اعتذر إذا كان الموضوع قد ضايقكِ ، ولكني لا احب ان اراكِ حزينة ومشتتة التفكير بهذا الشكل فأنتِ اقرب الاشخاص لي ودائما ما تساعديني عندما اقع بالمشاكل وانا اريد مساعدتكِ كذلك ! لذا هل تسمحين لي ؟"

ارتفع حاجبيها بصدمة لوهلة قبل ان تتسع ابتسامتها بمحبة وهي تربت على كتفها هامسة بحنية
"وانا ايضا اعتبركِ من المقربين مني مثل مرتبة شقيقتي الصغرى ، بما انني لا املك شقيقات صغيرات كما ترين !"

تهللت اساريرها بابتهاج وهي تقبض على يديها معا عند صدرها هامسة ببريق الأمل
"إذاً هل ستفصحين الآن بما يعتمل بداخلك ؟ فأنا احب كثيرا ان اسمعكِ وان اعطيكِ النصح بمثل هذه المشاكل !"

اتسعت عينيها بجزع وهي تلوح بيديها الاثنتين هامسة بتهرب
"لا ليس هناك شيء مما تفكرين به يا حلا ! وهي مجرد مشاكل دراسية بالجامعة ليس لها اي معنى لتكوني بكل هذا التحفز والحماس"

عقدت حاجبيها بقوة بعدم الاستسلام وهي تهمس بابتسامة ماكرة بمرح
"مع ذلك اشعر بأن الأمر اكبر بكثير من مجرد مشاكل دراسية ! هل يعقل بأن يكون وراء تصرفاتكِ الغريبة قصة حب معلقة تنتظر اكتمالها وشخص ملهوف بكِ ينتظر إشارة منكِ ؟"

انفرجت شفتيها بأنفاس ذاهلة طافت على محياها بلحظة لتخفض يدها بسرعة وهي تتصنع ابتسامة ظريفة هامسة بتعجب ساخر
"من اين اتيتِ بهذا الاستنتاج المجنون يا حلا ؟ بل كيف خطر على بالكِ ؟"

ردت بسرعة بابتسامة كبيرة بلهفة
"إذاً هل استنتاجي صحيح ؟"

زفرت انفاسها بوجوم وهي تكتف ذراعيها هامسة بتصلب
"بالطبع غير صحيح يا حلا ، فأنا لا اؤمن بهذا النوع من قصص الحب"

عبست ملامحها بحزن وكأنها على وشك البكاء لترفع بعدها قبضتها لصدرها وهي تهمس بخفوت حالم بسعادة
"ولماذا لا تحبين تجربة مثل هذه القصص الرائعة ومشاعر الحب الجياشة ؟ انا ارى بأن من يخوض بهذه القصص يكون محظوظ جدا ويعيش اجمل سنوات حياته ، وكم اتمنى ان يأتي دوري بهذه القصص واعيش ايضا قصة حبي الخاصة التي ستجعلني اتحول من خادمة لأميرة زماني !"

عقدت حاجبيها بغمامة واجمة سيطرت على تقاطيع ملامحها الدقيقة بدون ان تشاركها بسعادتها ، لتتنفس بعدها بجمود هاوي وهي تهمس بابتسامة شاردة اعتلت محياها بلحظة
"هذا فقط بمخيلتكِ يا حلا ، ولكنه بالواقع شيء مختلف تماما عن احلام يقظتكِ !"

ارتجفت ابتسامتها بتوجس وهي تهمس بوجوم حائر
"تتكلمين وكأنه لديكِ خبرة بهذه القصص يا آنستي ! لأنه بالواقع......"

قاطعتها بنفس الصوت الباهت ببرود
"يمكنكِ القول بأنني خضت تجربة مشابهة لما تقولينه كانت فاشلة !"

اتسعت عيناها بذهول وهي تغطي فمها بكفها هامسة بخفوت مرتجف
"يا للخسارة ! لم اكن اعلم حقا ! اعتذر على هذا يا آنستي"

انحنت ابتسامتها بذبول وهي تحرك رأسها هامسة ببسمة طفيفة
"لا بأس يا حلا ، فقد مر على هذه القصة اكثر من سنة ! وانا قد نسيت الأمر حقا"

حركت رأسها بإمارات الاسى التي اعتلت محياها وهي تمسك بكتفيها باندفاع قائلة امام وجهها بحفنة تفاؤل عالية
"لا تقولي هذا الكلام يا آنستي ، عليكِ ان تتحلي اكثر بالصبر والقوة وانا واثقة بأن فارسكِ الحقيقي والنبيل سيأتي وينتشلك من هذا الحزن على حصانه الابيض ، فقط كوني على علم بأن هذا العالم لن يترككِ تعانين من قصة حب فاشلة ، ومهما فشلتِ وسقطتِ مرات عديدة عليكِ بإعادة المحاولة حتى تجدي سعادتك الحقيقية والتي ستعوضك عن كل ما فاتك من سعادة بحياتك"

اتسعت حدقتيها العسليتين ببريق مموج بالمشاعر والتي خلقتها هذه الفتاة بداخلها ببضعة كلمات صغيرة غيرت مسار تفكيرها ، لتحرك بعدها رأسها بإيماءة مهتزة وهي تهمس برهبة خافتة
"حسنا يا حلا ، سأحاول اتباع نصيحتك ، وشكرا لكِ على الدعم"

ابتعدت عنها (حلا) بلحظة وهي تعود للابتسام بلطف هامسة بمودة
"انا بالخدمة يا آنستي"

ابتسمت بارتجاف وهي تفيق على صوت صفير الابريق الكهربائي والذي انتهى من تجهيز القهوة ، لتتحرك الخادمة بسرعة وهي تخرج كوب كريستالي آخر من الخزانة بثواني لتسكب به القهوة السائلة بحذر ، قبل ان تقدمها امام الساكنة بمكانها وهي تهمس لها بأدب
"تفضلي يا آنستي ، لقد اصبحت القهوة جاهزة"

اومأت برأسها بحياء وهي تتناول الكوب منها هامسة بابتسامة عطف
"شكرا لكِ يا حلا ، لقد ساعدني الكلام معكِ كثيرا اكثر مما تتصورين"

اومأت برأسها بابتسامة مشعة بالسعادة وهي تهمس ببهجة
"سعيدة لأنني استطعت مساعدتك ولو بالقليل ، وإذا احتجتِ لأي مساعدة بأي وقت لا تترددي بطلبي"

ابتسمت بامتنان وهي تمسح على كتفها بعطف ، وما ان استدارت بعيدا عنها حتى قالت بلحظة بابتسامة هادئة
"وشيء آخر ، ليس هناك داعي للألقاب بيننا ، ويمكنكِ مناداتي باسمي مجردا فنحن باعتبار شقيقات ولا يجوز مناداة شقيقتك الكبرى سوى باسمها ، مفهوم ؟"

اومأت برأسها بطاعة وبسعادة غامرة احتلت ملامحها الاقرب للطفولية ، لتغادر بعدها لخارج المطبخ بخطوات خافتة سرعان ما ثبتت وخابت امام درجات السلم ، تنفست بنفس الشرود الواجم وهي تحدق بدخان الكوب الساخن بين يديها بدوائر تائهة ، قبل ان ترفع وجهها بلحظة بإيباء تغلب عليها وهي تحدد مصيرها القادم بحياتها والاجابة والتي عليها ان توصلها لصاحب عرض الزواج ، وكل ما تفكر به الآن هي اللحظة الحاسمة والتي ستغير بها مجرى حياتها وتكشف بها كل الاوراق التي كانت مخفية بحياتها وحان الوقت المناسب لإظهارها...عندها فقط سينتهي كل شيء كما بدء تماما .

_______________________________
كتفت ذراعيها بجمود وهي تراقب بعينين ساكنتين بضباب اكتسح محياها الطريق السريع بجوارها من خلال زجاج النافذة البارد والذي كان يمرر لها خيوط من اشعة الشمس بدون ان توصل لها اي دفء يطرد البرودة الساكنة بعظامها ، وهي تختلف تماما عن الحالة السابقة التي جاءت بها للمشفى بتموج المشاعر والافكار والتي مرت على ذهنها بشكل خيالات واضطرابات بدقائق قصيرة حرقت روحها طول مسيرة الوصول للمشفى ، اما الآن وهي تعود من نفس الطريق للمنزل بعد ان غادروا المشفى وانهوا الاوراق المطلوبة لخروج المريضة تشعر ببرودة جليدية وانعدام مشاعر تحتل عالمها الخاوي وكأنها النقيض عن تلك الحالة تماما ، وقد يعود السبب للفوارق الواضحة بين الحالتين بداية برفيقها برحلة العودة والذي يجلس بجوارها ولم يكن سوى زوج شقيقتها والذي تبدل بزوجها الغائب ، وثانيا تبدل مشاعرها الثائرة لشيء آخر مختلف عن الخوف الغريزي والذي تلبسها من قبل وهي تتوجه هذه المرة لأحد آخر غير شقيقتها وهو السبب بتحجير مشاعرها وانطفاء كل ما كانت تشعر به ، وهي ما تزال لا تصدق للآن كيف تركها ذلك المحتال الخائن بهذا الأمر وحدها وهي تكتشف مغادرته للمشفى باكرا بدون ان يخبرها او يعلم احد عن سبب رحيله ؟ ليخون ويخرق اتفاقهم بالبقاء معا بالمشفى قبل ان يهرب باليوم التالي ما ان سنحت له الفرصة ! ليخالف عندها كلامه وتوقعاتها كما يفعل دائما واكثر ما يفلح به !

اسندت جانب قبضتها على زجاج النافذة وهي تهمس مع نفسها بعبوس مرتجف بصوت غير مسموع
"سحقا لك من متلاعب ! اعدك بأني لن اسامحك عليها ما حييت ، سمعت يا احمق الفكهاني !"

ابعدت قبضتها كما جانب وجهها وهي تعتدل بجلوسها بسكون جامد ، لتنقل بعدها عينيها بهدوء عند المقاعد الخلفية وهي تلمح جانب وجه الساكنة بجوار النافذة على نفس شرودها الصامت منذ بداية رحلة العودة وكأنها دوامة واسعة كتمت اصوات ثلاثتهم بهوة سحيقة لم يتجرأ احد منهم على الخروج منها للآن ، وهي تكاد تشتعل من الغيظ على الوضع الذي وصلت له بعد ان ارغمت على الجلوس بالمقعد الامامي بدل شقيقتها خشية على حالتها التي ما تزال غير مستقرة وقد تتأذى من اي اصطدام او مطب صغير ! لتعود بعدها بنظرها للأمام بلحظات بدون اي تعبير او ردة فعل تسكن منحنيات ملامحها الجليدية المرسومة من رخام قاسي بعناية لا يقبل الانصياع او الخضوع .

تنفست الصعداء بعدها بدقائق قليلة ما ان دخلت السيارة اسوار منزل العائلة ، وما هي ألا لحظة حتى اندفعت وهي تخرج من السيارة بلمح البصر بدون ان تعطيه الفرصة ليتأكد من وضع اصطفاف السيارة ، ليتنفس بعدها ببؤس وهو يفرك عينيه بأصابعه بكبت قبل ان يتحرك من مكانه وهو يخرج من السيارة بأكملها .

تسمر بمكانه للحظة ما ان وجد (ماسة) وهي تساعد شقيقتها على الخروج من باب السيارة بالاستناد بمرفقيها لتستطيع الوقوف بعدها على قدميها ، وما ان فعلت حتى تمسكت بذراعها بيد وهي تبعد خصلات شعرها المتمردة فوق كتفها باليد الاخرى بإنهاك واضح خدر حركاتها المحدودة ، لتغلق (ماسة) باب السيارة من خلفها بلحظة وهي تسحبها بخطوات بطيئة متناغمة مع خطواتها بدون ان تترك كفها الممسك بذراعها بتشبث لا إرادي .

وما ان وصلت كليهما امام نظره حتى قال بابتسامة جانبية لا تحمل اي مرح
"هلا تتركين لي مهمة مساعدة زوجتي بنفسي ؟"

اشاحت بوجهها بعيدا عنه وهي تكمل سيرها امام مدخل المنزل قائلة بجمود
"لا شكرا ، فنحن نتدبر امورنا لوحدنا"

عبست ملامحه بتصلب وهو يرى التي اكملت طريقها بدون ان تأبه له وبعد ان سرقت بهجة روحه منه ، ليتحرك بعدها على مضض وهو يلحق بهما بخطوات واسعة بدأت بالتسارع تدريجيا حتى تحولت لهرولة زادت من خفقات صدره ونبضات قلبه المتهدج ألماً وشوقاً .

ما ان تجاوز بوابة المنزل حتى تجمدت خطواته بالأرض والتي ابتلعت منه كل الطاقة المخزنة بداخله بثواني معدودة ، وهو يشاهد ثلاثة افراد من عائلته ظهروا بمجال نظره اثنان منهم يقفان امام مدخل المنزل عند الاستقبال والفرد الثالث اكتفى بالوقوف بعيدا عند درجات السلم ينظر من بعيد بدون ان يكون بينهم .

نقل نظره ناحية الفتاتين الواقفتين على بعد خطوات منه ، وما ان كان على وشك الكلام حتى سبقه الصوت الجهوري المعروف وهو يوجه الكلام له بصرامة وكأنه لا يرى احد غيره
"لقد تأخرت اليوم ايضا بالذهاب للعمل يا احمد ! لا تنسى ما حدث يوم امس والخسائر والتي كان من الممكن ان نتعرض لها بسبب انسحابك بمنتصف العمل قبل اتمامه ، وهذا ليس جيد ابدا بسير العمل ولا بمصلحته بالنسبة لمرتبتك الحساسة بالشركة والتي قد تفقدها بسبب تهورك"

تشنجت ملامحه بلحظة ما ان اصبح محط نظرات الجميع بالدائرة ، ليقبض بعدها على يديه بقوة غير ملحوظة قبل ان يقول بعبوس هادئ رغم كل الانفعال الهادر بداخله
"اعتذر إذا كنت قد ازعجتك بتصرفاتي يا ابي ، ولكني كما اخبرتك لقد كانت حالة طارئة واضطررت بسببها لترك العمل وتأجيل البقية ، فكل شيء بالحياة يعوض ويستمر ولكن هناك اشياء لا تعوض وتكون خسارتها كبيرة جدا واكثر من مجرد مشروع عمل او صفقة لن تغير من سير حياتنا شيء !"

تلبدت ملامح والده بغموض وهو يقول بهدوء جاد
"ماذا ؟ هل تتهمني بما حدث لزوجتك ؟ اخبرني ماذا سينفع الندم بعد حدوث الخسارة لو انك فكرت بعقلك المغيب الذي اصبح يتبع اوامره من عواطفك لوجدت بأن انقاذ خسارة العمل التي ستليها خسارات متتالية افضل من اللحاق بزوجتك والتي لا تعد خسارة بحياتنا ؟ فلا تنسى لست اول رجل بالعالم تصاب زوجته بنكسة مفاجئة !"

غيم الصمت بينهم بقوة المشاعر الثائرة والتي اشعل فتيلها بداخل كل واحد منهم والتي لا تنتظر سوى كلمة واحدة لتحرق الأرض ومن فيها ، لتحاول (ماسة) التدخل بدوامة صمتهم بعد ان ضاقت بها ثورة مشاعرها لولا القبضة والتي شددت على ذراعها تأمرها بحركة صامتة بعدم التدخل بقوة خائرة ، وهي تحيد بنظراتها ناحية وجهها البارد بدون اي تعبير او ملامح تسكن تلك التقاسيم الذابلة بحالة جفاف مريبة ، لتعض بعدها على طرف شفتيها بغضب مكتوم وهي تمتثل لأمر شقيقتها والتي تعلم جيدا عدم مقدرتها على تحمل اي ضغط او حرب كلامية اكثر من هذا .

عاد (احمد) للكلام بنبرة غريبة وهو يضيق عينيه بجمود هامسا بمرارة انبثقت بصوته
"انت على حق يا ابي لقد خسرت وخسارة كبيرة لا تعوض بكل اموال العالم ! فقد رحل الطفل الذي انتظرناه طويلا وخسرناه بوقت لن ينفع فيه الندم او العتاب"

ساد صمت اطول عن السابق بمشاعر مختلفة طغت عليها غصة الحزن على رحيل الجنين برحم والدته ، لينطق بعدها الجبل الشامخ امامه بلحظات وهو يقول بصوت قاسي لم يتأثر بكلام ابنه ولو قليلا وكأنه خبر متوقع
"حسنا وما لجديد بالأمر ؟ هذه هي اقدار الحياة ونحن علينا بالتأقلم معها فليس كل شيء يسير حسب هوانا وكما نبتغيه منها ! ولكن ما لم اتوقعه منك ان تكون بكل هذا الضعف يا احمد لدرجة ان تصاب بنكسة خسارة طفل لم يولد للحياة بعد لتقرر الاعتكاف عن العمل والهروب منه من اجل هذا السبب !"

نظر بسرعة لوالده ببعض الصدمة وهو يلوح بذراعه قائلا باستنكار فقد زمام السيطرة عليه
"ارجوك يا ابي توقف عن التكلم عن العمل بكل شيء وادخاله بهذه الأمور الشخصية والحساسة بالنسبة لنا ! فليس كل شيء بالحياة يتعلق بالعمل واخذ مرتبة عالية به ! فهناك اشياء بالحياة اهم من العمل بكثير ولحظات نستحق التفكير بها وتأملها بعيدا عن العمل"

ضاقت عيناه الرمادية بلحظات قبل ان يقول بنفس الصوت الجهوري المعروف بنبرته النافذة
"انت الذي بدأت اولاً بإدخال امور العمل بعواطفك ومشاكلك الشخصية منذ انسحابك بمنتصف العمل تاركا كل شيء خلف ظهرك للحاق بالسراب واتباع بما يملي عليه قلبك ، لذا ليس لديك اي حق بالتذمر والغضب الآن بعد ان ادخلتنا بهذه الحرب فهذا سيكون هروب آخر منك لن اغفره لك كما افعل دائما !"

امتقعت ملامحه وهو يشيح بوجهه جانبا بانفعال اصبح يهدد بالانفجار الوشيك بداخل روحه الصاخبة والتي تضخمت بالكثير ، ليقطع الصمت هذه المرة الصوت البارد وهي تتململ بمكانها بضجر
"عذرا ولكني مضطرة لقطع حديثكم الشيق والانسحاب لأخذ شقيقتي لترتاح بغرفتها ، فهي ما تزال متعبة وتحتاج للراحة بعد كل ما تعرضت له وتجرعته من مصائب عائلة زوجها"

اتبعت كلامها بالسير من فورها وهي تسحب شقيقتها امام انظارهم باتجاه السلالم ، لتتوقف فجأة ما ان تدخل الفرد الصامت الواقف بجانب والده وهو يقول بمرح
"حمد الله على سلامتك يا زوجة شقيقي ، سعيد بعودتك لنا بصحة كاملة فقد نورتِ المنزل بوجودك"

اومأت برأسها بامتنان بدون ان تتفوه بكلمة ، وما ان اصبحت على محاذاة من الجبل الصامت حتى نطق بجمود هادئ بدون اي معالم
"حمد الله على سلامتك يا روميساء"

اتسعت حدقتيها باهتزاز وهي تنظر لصاحب العبارة والتي لم تتوقع ان تسمعها منه بعد كل ما قاله عنها من لحظة بدون ان يظهر اي اسف اتجاه الطفل الراحل ! لتحرك رأسها بعيدا عنهم وهي تهمس بشبه ابتسامة باهتة بخفوت
"شكرا لك يا خالي محراب"

لتصل بعدها كليهما لبداية درجات السلم والتي ما تزال تقبع هناك الساكنة بمكانها تشاهد كل شيء يحدث امامها بصمت ، لتقف عند حاجز السلم بعيدا عن طريقهما قبل ان تتسمر بمكانها بذهول متصلب تجمدت معها الدماء بعروقها ما ان التقطت تلك العينان الحاقدة الموجهة لها بتصميم مريب يثير الشكوك والرعب بقلب الناظر لها وكأنها تهددها او تتوعد لها بطريقة غير مباشرة ! هل يعقل بأنها قد اكتشفت فعلتها بشقيقتها ؟ ولكن مستحيل كيف من الممكن ان تعرف بأنها الفاعل وهي قد تأكدت جيدا من طمر الادلة ومسح آثارها بدون ان تسمح لشيء ان يدينها او يوصلها لهم ! إذاً ما سبب تلك النظرات الحاقدة التي تحمل سعير غير مرئي سوى لها ؟

اشاحت بوجهها بتوتر استبد بها بدون كلام ما ان اكملت كليهما صعود درجات السلم بعيدا عنها ، بينما الذي كان يراقب بهما بتركيز حاد متتبع كل خطوة وترنح يصدر منها اشعل حريق قلبه اكثر عن السابق والمندلع منذ زمن ، ليتحرك من فوره وهو يسير بخطوات ثابتة باتجاه مسار نظره والذي قطعه بصوت والده الصارم بأمر نافذ بدون اي رحمة
"احمد اريد ان اراك بالشركة بغضون ربع ساعة بدون اي تأخير ، وصدقني إذا تأخرت على الموعد ولو دقيقة واحدة فأنا عندها سأسحب المشروع منك واعطيه لشخص آخر غيرك يهتم بقوانين العمل ويلتزم بمواعيده ولا يسمح لعواطفه بالتأثير عليه ! وقد اعذر من انذر !"

غادر بعدها صاحب الكلام بعيدا عنهم يتبعه ابنه الصغير والذي يلازمه على الدوام ، بينما تابع الآخر سيره باتجاه السلالم بهرولة بدون ان يأبه لكل حرف مهدد نطق به والده والذي لن يتردد عن فعلها فهو لا ينطق شيء او يفعل شيء من فراغ ، ولم يهتم كذلك لهتاف الواقفة بمنتصف السلم وهو يبتعد عن نظرها بثواني بدون ان يسمع نشيج انفاسها بنطق اسمه بعد ان بعثت الخوف بداخلها وتدفق الدماء بأوردتها وتفكيرها فقط يدور بما سيحدث لها لو تم اكتشاف امرها حقا ؟!

يتبع...........


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-12-21, 11:11 PM   #243

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

ساعدتها بالجلوس على طرف السرير ببطء وتمهل شديد وهي تتأكد من استقامة جسدها المرتخي الذي ما يزال يعاني من مفعول المسكن والذي كان موصول بجسدها منذ لحظة دخولها للمشفى ، لترفع بعدها جسدها بوهن فوق الملاءة عدة سنتمترات حتى اسندته على ظهر السرير براحة تسربت بمنحنيات اطرافها المتصلبة والتي خارت قواها تماما ، لتراقب التي رفعت الغطاء فوق جسدها برفق ليشملها كلها بثواني حتى مستوى صدرها بقليل وهي تعطي كل تركيزها لما تفعله يديها .

تنهدت بهدوء وهي تشيح بوجهها بشرود احاط عالمها لوهلة قبل ان تهمس بابتسامة شاحبة بوهن
"كم انا سعيدة بعودتي للمنزل ولسرير غرفتي الدافئ والذي يختلف تماما عن سرير المشفى القاسي ! بالرغم من عودتي مختلفة تماما عن السابق وكأننا عدنا لأول يوم لنا بهذا المنزل والذي احتوانا بعد منزل قيس"

استقامت بمكانها وهي تنظر لها بجمود لتتحرك بعدها امام المنضدة وهي تلتقط شريحة اقراص الدواء هامسة ببرود
"يبدو بأننا ما نزال نفس الفتاتين المنبوذتين بكل عالم ندخل إليه بدون ان يتقبل وجودنا به"

اومأت برأسها بهدوء وهي تحرك كتفيها بوهن هامسة بوجوم
"يبدو كذلك !"

حادت (ماسة) بنظراتها نحوها وهي تسكب كأس من الماء البارد قبل ان تمسك قرص الدواء بيدها الاخرى هامسة بعبوس
"هل كل هذا البؤس بسبب كلام خالنا محراب عن خسارتك والتي لا تعد خسارة ؟ ام عدم اهتمامه بأمر رحيل طفلك ! ولكنه بالحقيقة لا يلام فقد نسيتِ معلومة مهمة بأننا ما نزال لهذه اللحظة بنات مايرين الملعونات بهذه العائلة ، ولا تتوقعي معاملة تختلف عن التي كانت عليها بلحظة دخولنا لهذا المنزل !"

رفعت وجهها عاليا بنفس الشرود وهي تهمس بخفوت بارد
"هل تعتقدين بأني قد انسى مثل هذا الامر ؟ لقد تركت لنا والدتنا انطباع سيء عند جميع من نعرفهم ويقرب لنا ! وبرغم كل محاولاتنا لتغيير نظرة الآخرين نحونا ليقبلوا بنا كما نحن على طبيعتنا نعود للفشل من جديد ونتعرض للمعايرة النفسية والمعنوية بسبب خلفية والدتنا وزوجها واللذان لم يتركا لنا اي عامل ينجدنا من هذا العالم ، وكل ما كنت آمله ان تتغير صورتنا امامهم ما ان ننتمي وننتسب لعائلة الفكهاني ونصبح من افرادهم ونختلط بحياتهم ، ولكن على ما يبدو بأن هذا لم يحدث !"

زفرت انفاسها بضيق وهي تقف بجانب السرير لتمد بكفها التي يستقر بها قرص الدواء هامسة بخفوت
"لا تفكري كثيرا بالأمر يا روميساء ، يكفي بأن نكون احياء بصحة جيدة لنساند بعضنا البعض بوقت الشدائد كما كنا نفعل بالماضي ، صحيح ؟"

رفعت حدقتيها الخضراوين نحوها بشحوب قبل ان تبتسم برفق حاني هامسة بهدوء
"اكيد يا صغيرتي ، بما ان الطفل قد رحل سريعا فقد عدنا وحدنا من جديد بهذا العالم الوسيع ! ولا اعتقد بأني سأفكر مجددا بإنجاب الاطفال بعد كل ما حدث ! ربما سأكتفي بما امتلكه ولن اطلب المزيد"

تغضن جبينها بوجوم وهي تنظر ليدها التي التقطت قرص الدواء منها لتضعه بفمها بلحظة قبل ان تتبعها بكأس الماء وهي ترتشف منه على مهل ، وما ان انتهت حتى اعادت الكأس الفارغ لمكانه فوق المنضدة الجانبية ، لتقول بعدها بلحظات وهي تكتف ذراعيها بجدية آمرة
"الآن عليكِ بالنوم والراحة فهذا الدواء يعمل على تسكين آلامكِ وارخاء مفاصل جسدكِ من التصلب ، وإذا شعرتِ بأي شيء غير طبيعي او احتجتِ لمساعدة فقط اهتفي باسمي وانا سأكون معكِ بالخارج ، حسنا !"

اومأت برأسها بابتسامة اتسعت باسترخاء وهي تلوح بيدها هامسة بمرح
"هل تحاولين ان تلعبي دوري ؟ لأنكِ لو كنتِ كذلك فلن تفلحي ابدا بتمثيل شخصيتي والتي اديتها معكِ على مدار سنوات !"

حركت رأسها بابتسامة صغيرة شقت محياها ببهوت وهي تهمس بخفوت
"انتِ على حق فلا احد يستطيع ان يمثل شخصيتك والتي تميزتِ بها منذ مولدنا ، انا فقط احاول التأكد من عدم تكرار ما حدث معكِ بالأمس ، فقد كان خطأ مني لا يغتفر ابدا !"

ما ان استدارت بعيدا عنها بثواني حتى عادت للكلام بسرعة وهي تهتف بحزن
"ماسة انا لم ارى شادي برفقتك ! ألم تخبريني بأنكِ قد بت ليلة البارحة مع شادي بالمشفى ! ام لم يكن موجودا من الاساس ؟"

صمتت للحظتين بسكون قبل ان تحرك كتفيها باستخفاف وهي تهمس ببرود بالغ
"كان موجودا معنا بالفعل ، وبعدها رحل صباحا ، ولا اعلم حقا إلى اين رحل ؟"

شحبت ملامحها بغموض بدون ان تعطيها الفرصة للرد فقد سبقتها بالكلام وهي تتابع سيرها لخارج الغرفة
"نامي جيدا يا روميساء ، ولا تشغلي بالكِ بشيء ، وبالوقت الذي تحتاجيني به سأكون عندك"

غادرت بعدها لخارج الغرفة وهي تقف بمنتصف بهو الجناح بوجوم اكتسح عالمها لوهلة ، لتنتفض بعدها بانتباه ما ان سمعت الطرق القوي على باب الجناح والذي قلب ملامحها للجمود الكاسر ، لتأخذ منها عدة لحظات قبل ان تحرك قدميها بهدوء باتجاه الباب بخطوات جامدة تستطيع اختراق الارض السائرة عليها ، وما ان فتحت الباب ببطء حتى ظهر امامها من توقعت وجوده وليس بسبب حدسها فقط بل بسبب نظراته المسلطة عليهما والتي كانت تلحق بهما على السلالم !

تنفست بعدها بسخط لتعبر عن نفورها البادي على ملامحها وهي تهمس بإيجاز
"ماذا تريد ؟"

قطب جبينه بجمود بدون ان يعير ملامح النفور على وجهها والتي لم تكلف نفسها بإخفائها وهو يتمتم بجفاء
"اتيت لرؤية روميساء ، وألا ما لذي جلبني افعله امام جناحها مثلا ؟"

عقدت حاجبيها بتصلب وهي تدير عينيها للخلف بمغزى قبل ان تعيدهما نحوه هامسة بعفوية
"اعتذر يا سيد احمد ، ولكن روميساء قد اخذت الدواء من لحظات وستكون الآن قد ذهبت بسبات عميق ، لذا ارجو منك ان تعذرنا ولكنه غير مسموح لك برؤيتها الآن !"

تصلبت ملامحه وهو يحاول السيطرة على غضبه الذي كبحه طويلا قائلا من بين اسنانه المطبقة بجمود
"ومع ذلك هذا السبب لن يمنعني من رؤيتها ، وانا واثق بأنكِ قد ابتكرت هذه الكذبة الآن من اجل ألا تسمحي لي برؤيتها والانفراد معها !"

ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تضرب بقبضتها على إطار الباب هامسة بشراسة غاضبة
"ماذا تقصد بكلامك ؟ لقد اخبرتك بالحقيقة كاملة ! وهي بأن روميساء نائمة بعد ان اخذت الدواء من لحظات ، ولك الحرية بتصديقها ام لا ؟ فهذه ليست مشكلتي !"

ضرب فجأة الارض بقدميه بنفاذ صبر وهو يقول بحنق عابس بعد ان فاض به الكيل
"ماسة لا تغضبيني اكثر من هذا وتدفعيني لفعل ما لا يليق معكِ ! فأنا ما ازال احتمل وقاحتك لهذه اللحظة لأنكِ تكونين شقيقة زوجتي الصغرى وزوجة شقيقي بذات الوقت ، لذا احترمي قليلا هذا الرابط بيننا واتركيني ارى زوجتي لمرة واحدة !"

زمت شفتيها بقوة وهي ترفع يدها امامه هامسة بجمود
"ابتعد من امامي"

تراجع تلقائياً للخلف برهبة من اندفاعها المجنون ، لتغلق بعدها باب الجناح من خلفها وهي تستند عليه محاصرة المكان بذراعيها المرتفعتين لتهمس بلحظة بوقاحة مستفزة
"والآن ارني كيف ستستطيع تجاوزي يا محترم بدون ان تلمسني او تفسد ذلك الرابط بيننا ؟ وصدقني لست اول وآخر رجل اردعه عن طريقي واضع حدا له ! فأنا قادرة على ابعادك واخراجك من حياة روميساء ببساطة بدون اي عناء فقط عندما تعطيني هي الإشارة !"

ارتفع حاجبيه بصدمة والذهول يغمر محياه ليطبق على اسنانه بلحظة وهو يقاوم الغضب العارم من التمرد عليه والذي سيقضي على صورته المثالية عند (روميساء) وشقيقتها ، ليوجه بعدها نظراته نحوها بغموض وهو يهمس من بين اسنانه بغضب مكتوم
"ألن تتوقفي عن هذه الوقاحة والتي تجاوزتِ بها كل الحدود ! فأنا لا اعلم لما كل هذا الدفاع والتأهب امامي وكأنني ارتكبت جريمة بحقكما ؟ كل ما اريده هو رؤيتها قليلا والتكلم معها على انفراد ! هل اخطئت بهذا الطلب وكأني اتكلم عن شخص غريب لا يربطني به شيء ؟"

حركت رأسها جانبا وهي تقول بخفوت بارد بدون اي رحمة
"وانا اخبرتك بها ولن اكررها لك بكل دقيقة روميساء الآن نائمة ولا تستطيع رؤية احد ! لذا ارح نفسك وغادر من هنا فأنت تضيع وقت كلينا ، وخاصة بأنه لديك عمل الآن بالشركة عليك اللحاق به لكي لا تتلقى توبيخ وخسارة جديدة فوق خسارتك السابقة لن تستطيع تعويضها وستكون نهاية مأساوية بحياة عائلة الفكهاني"

تنهد بتعب وهو يشعر ببوادر الاستسلام والفشل الذريع يلوح امامه بالأفق بعد ان افقدته كل الحق بالوصول لزوجته المختبئة خلف اسوار الجناح الذي كان من المفترض ان يجمعهما معا ! ليستدير بعدها للجانب الآخر وهو يدس يديه بجيبي بنطاله قائلا بهدوء عاد لتقمصه
"حسنا يا ماسة لا بأس ، اهتمي بها جيدا حتى عودتي ، فأنا لن اتراجع عن حقي برؤيتها ولن تستطيعي منعي طويلا عن فعلها"

ضيقت عينيها الزرقاوين بقسوة بدون كلام وهي تشاهد الذي غادر من امامها بعيدا وهو يحمل خيبة جديدة فوق الخيبات السابقة والتي تراكمت عليه بدون ان يرحمه احد ، بينما الواقفة بمكانها تتشبث بإطارات الباب على جانبيها وهي تشرد بمكان اختفاءه هامسة بمرارة ساخرة
"يا لحظنا العاثر الذي اوقعنا مع حمقى عائلة الفكهاني !"

______________________________
كانت تجري باتجاه باب المنزل بتعثر قبل ان تقف امام الباب لوهلة وهي تحاول فتح مقبض الباب بمرفقيها بسبب تلطخ كفيها بطحين الطعام ، وما ان نجحت اخيرا بفتح الباب حتى تسمرت بمكانها بتجمد وهي ترى الذي ظهر امامها بلحظة بدون سابق إنذار ، قبل ان تفيق من شرودها على صوت الاكياس وهو يرفعهم نحوها قائلا بجمود
"امسكي"

انفرجت شفتيها بارتجاف وهي ترفع له يديها الملطخين بالطحين بإحراج استبد بها ، لتتجهم ملامحه بلحظة وهو يحرك رأسه جانبا قائلا بأمر
"ابتعدي عن طريقي يا فتاة"

تراجعت بسرعة وهي تفسح له المجال للمرور قبل ان يسير امامها بجمود وهو يتجه للمطبخ مباشرة وكأنه سيد المنزل ، لتلحق به من فورها وهي تراه يضع الاكياس فوق الطاولة الصغيرة المتوسطة بالمطبخ ، وما ان كانت على وشك الكلام حتى سبقها الذي كان يعطيها ظهره وهو يتمتم بجفاء
"هل تفتحين الباب دائما بهذه الطريقة قبل ان تتعرفي على هوية الطارق ؟"

ارتفع حاجبيها بصدمة وهي تفرك يديها بتوتر حتى خلطت الطحين بينهما هامسة بوجوم
"لا لم افعلها من قبل ، اقصد لا احد يزورني بالمنزل غيرك ، لذا كنت واثقة من انك ستكون الطارق"

اومأ برأسه بجمود وهو يهمس بإيجاز
"ومع ذلك لا تفتحي الباب مجددا قبل ان تتأكدي من هوية الطارق ! والافضل ألا تفتحي الباب لأي احد غريب لم يعرف عن هويته"

اومأت برأسها بشرود وهي تهمس بخفوت واجم
"وكأنه هناك احد سيفكر بزيارتي !"

انتفضت بمكانها ما ان استدار امامها بلحظة هامسا ببرود
"بماذا كنتِ تهمسين ؟"

حركت رأسها بالنفي تلقائيا وهي تلوح بكفها هامسة بخفوت
"لا شيء مهم ، فقط كنت اتسائل عن سبب زيارتك الصباحية لي ؟......"

قاطعها الذي مد كيس صغير نحوها وهو يقول بهدوء جاد
"لقد احضرت لكِ الادوية والتي وصت بها الدكتورة الخاصة بكِ واليوم قد وصلت عند عيادة الدكتورة ، لذا احرصي على تناولها بانتظام واتباع الارشادات المكتوبة على الادوية ، سمعتي لا تنسي حرف من الذي قلته الآن !"

انتصبت رأسها وهي تومأ بالإيجاب بطاعة لتتناول الكيس منه بلحظة وهي تتمعن بالأدوية الظاهرة منها ، لتقول بعدها بخفوت وهي تحني عينيها بحزن
"كان بإمكانك اخباري عن وصول الادوية التي وصت بها الدكتورة لأذهب بنفسي واحضرها من العيادة !"

حدق بالكيس الصغير بين يديها وهو يتمتم ببساطة
"افعلي كل ما اقوله لكِ بدون اي تذمر"

زمت شفتيها بوجوم وهي تنقل نظراتها للأكياس الاخرى فوق الطاولة هامسة بحيرة
"وماذا يوجد بالأكياس الاخرى ؟ هل كانت موجودة بالعيادة كذلك !"

نظر لها بعينين ضيقتين وهو يتمتم بجمود بارد
"لقد مررت من محل مستهلكات بطريق ذهابي للعيادة واشتريت منه بعض المستلزمات الضرورية ، ولم يكن عند العيادة ولا بداخلها كما يفكر عقلك الساذج ، لذا لا داعي لأن تكوني ظريفة بموقف لا يحتاج للمزاح !"

اخفضت وجهها بحياء وهي تضم الكيس عند صدرها هامسة بخفوت
"اعتذر لم اقصد ان ازعجك"

تنفس بهدوء وهو ينتقل بنظره بالفوضة التي تحتل المطبخ والتي تدل على انها كانت على وشك طبخ شيء ، ليقول بعدها بحيرة وهو يدس يديه بجيبي بنطاله بملل
"يبدو بأنني قد قاطعت طبختك المهمة التي كنتِ على وشك صنعها !"

تغضن جبينها بحيرة وهي تدير وجهها ناحية الفوضة القائمة بالمطبخ من الخزائن المفتوحة على جانبيها وكيس الطحين المفتوح والذي انسكب واختلط مع المكونات الاخرى ، لتعود بنظرها له بسرعة وهي تقول بابتسامة محرجة بارتباك
"الحقيقة لم اكن اتوقع زيارتك لي بهذا الوقت من الصباح الباكر ! لذا لم يكن لدي الوقت الكافي لتنظيف المطبخ وتجهيز المكان لاستقبالك ، وانا حقا اعتذر منك على هذا النوع من الاستقبال !......"

توقفت عن الكلام لبرهة ما ان تحرك الواقف امامها باتجاه واجهة المطبخ والتي كانت تعج بفوضة الطحين والذي اكتسح المكان ، وما ان وصل امامه حتى نظر للإناء المعدني المخلوط به المكونات مع الطحين قبل ان يتمتم باهتمام واضح
"هل كنتِ تصنعين الاومليت ؟"

اتسعت عينيها بتوجس وهي تتقدم نحوه بسرعة لتضع الكيس فوق المغسلة بلحظة قبل ان تمسك بالإناء امامه بيديها المتسختين هامسة بارتباك
"اجل كنت اعمل على خلط المكونات بهذا الوعاء ، وقد انتهيت تقريبا منه ولم يتبقى سوى وضعها بالزيت المغلي لكي....."

قطع كلامها انزلاق الإناء من بين يديها ما ان فقدت توازنها قليلا ليقع بلحظة امام نظراتهما وهو يصدر رنين معدن عالي بعد ان نشر مكوناته من حوله بفوضة اكبر ، لتنظر بعدها بارتجاف لصاحب الملابس المتسخة بمسحوق الطحين المخلوط بالبهارات والذي كان له النصيب الاكبر بوقوع الإناء عليه قبل ان يكمل طريقه بتلطيخ الارض التي تحولت للون الأبيض الناصع .

ابتلعت ريقها بهلع وهي تمسح على ذراعيها بارتجاف هامسة بوجوم
"انا اعتذر حقا لم اقصد حدوث هذا لك !"

وعندما لم تجد اي معالم تعلو ملامحه الساكنة والتي لا تدل على ايجابية الموقف من سلبيته ، لتتنفس عندها بهدوء وهي تجثو على ركبتيها لتجمع المسحوق الابيض من على الارض بمهل وهي تغرف بيدها لتلقي به بالإناء الواقع ، تسمرت بمكانها لوهلة ما ان قصف صوته من فوقها بنبرة منخفضة
"هل كان هذا فطورك ؟"

اومأت برأسها بإيماءة صغيرة وهي مستمرة بعملها ليعود صوته ليقصف فوقها بنبرة آمرة هذه المرة
"قفي امامي يا ميرا"

تجمدت يديها فوق الطحين والذي لونهما بالبياض حتى مرفقيها اكثر من السابق ، لتقف بعدها على قدميها باتزان كما طلب بانصياع تام ، ليتنفس بعدها لعدة لحظات وهو يحاول تمالك اعصابه قبل ان يتمتم بجمود باهت
"حسنا انا سأهتم بتحضير هذا الفطور بنفسي ، وانتِ اذهبي واجلسي بأي مكان بعيدا عني ، فلا تنسي عليكِ شرب الدواء بعد تناول الطعام ، فهذه كانت ارشادات الطبيبة"

رفعت عينيها الواسعتين بانذهال وهي تهمس بشفتين فاغرتين
"ماذا ؟!"

عبست ملامحه بلحظة وهو يقول بحزم حاد
"ماذا الآن ؟ لا تبقي واقفة هكذا تحركي من اجل ان ننتهي من مهمة فطورك !"

اومأت برأسها باهتزاز وهي تلتقط كيس الدواء معها لتبتعد عن طريقه بلحظة ، جلست بعدها على احدى كراسي الطاولة الصغيرة وهي تضع الكيس الصغير امامها بهدوء ، لتراقب بعدها الذي انحنى على ركبتيه وهو يلتقط الاناء من على الارض قبل ان يستقيم بلحظات وهو يضعه فوق رخام المطبخ برفق .

رفعت حاجبيها بدهشة ممزوجة بالذهول غزت ملامحها بثانية وهي تراقب الواقف امامها عن كثب والذي بدأ بوضع المكونات بنفس الإناء وهو يقدر كمية الطحين بالكأس ليضيف بعدها البهارات بالتدريج كل بملعقته بدون اي اخطاء وكأنه عاش كل حياته وهو يطهو هذا النوع من الطعام والذي لا يعرفه ولا يتقنه سوى البيوت والعائلات الشعبية ، حتى من يراه الآن لا يصدق بأنه يعيش بمنزل يملئه الخدم بكل مكان والذين ينتظرون فقط إشارته بسبب مرتبة عائلته العريقة ! وهذا النوع من البشر تحديدا لا يعرف سوى الدلال واصدار الأوامر والتكبر على كل المخلوقات الاقل مرتبة منه ويعيشون خدم عند اسيادهم ، وقد عرفت كل هذا بسبب انها كانت منهم يوما ما وتعايشت معهم منذ مولدها حتى تأقلمت مع نوع حياتهم والتي لم تستطع يوما الاعتياد عليها !

عادت من دوامة افكارها ما ان وصل للخطوة التي يمزج بها الخليط بيده بعد ان كسر بيضتين فوقها لتصبح متماسكة لينة كما يجب ان تكون تماما ، نقلت بعدها نظراتها ما ان شد انتباهها صوت الغاز والذي كان قد اشعله مسبقا تحت الغلاية التي تحوي زيت القلي ، ليبدأ بلحظة بسكب الخليط بمنتصف الغلاية حتى شكلت اقراص مدورة بدقائق وهو يهتم كذلك بتقليبها بآن واحد .

اشاحت بوجهها بتوتر ما ان اخذ منها التأمل والتحديق اكثر من الازم وكأنها تنظر لأول مرة لرجل يطبخ بحياتها ! اعادت نظراتها نحوه برجفة ما ان قال بحزم جاد وهو مشغول بما يفعله
"جهزي المائدة يا ميرا !"

نهضت بسرعة عن الكرسي وهي تحدق بيديها المتسختين بالبياض لوهلة لتتجه بعدها للمغسلة بلمح البصر لتدير صنبور الماء فوق يديها بثواني قبل ان تمسحهما بالمنشفة المعلقة بجانب المغسلة ، وما ان انتهت حتى وقفت امام الطاولة وهي تمسك بالأكياس لتضعها ارضا عند زاوية المطبخ ، وزعت بعدها الاطباق على الطاولة وبعض المقبلات البسيطة عليها لتكون وجبة متواضعة تناسب محتويات المنزل ومستوى معيشتها الحالي .

بعدها بدقائق كانت تجلس بصمت وهي تحدق بطبقها الذي امتلئ بأقراص الاومليت والتي اعتادت على اخذها فطور لها كل صباح عندما تتناولها مع نفسها بدون اي رفيق يشاركها ، ولكن هذه المرة مختلفة فقد تواجد معها فرد من عائلتها ليشاركها بفطورها البسيط والذي اعده بنفسه لها بحرفية طاهي ، وكم تاقت بشدة لعيش مثل هذه الاجواء الاسرية والدافئة والتي افتقدتها كثيرا وحرمت منها !

رفعت رأسها باتجاه الذي جلس على الكرسي المقابل لها بصمت وهو يتناول من المقبلات الموجودة امامه ، لتخفض بعدها نظرها لطبقها وهي تهمس بفضول تغلب عليها بنهاية المطاف
"كيف استطعت صنع الاومليت هكذا ؟ هل انت معتاد على صنعه ؟"

نظر لها بجمود للحظات وهو يمضغ حبة زيتون بفمه ليقول بعدها ببرود بدون ان يبدي اي اهتمام
"لقد كنت اصنعها بأيام سكن الجامعة ورحلات العمل عندما تنفذ مني مكونات المطبخ ، حتى اصبحت فطوري المعتاد واليومي وكل ما استطعت اتقانه بحياتي"

امسكت بأطراف اصابعها شريحة الاومليت برفق وهي تقطع طرفها لتتناولها بحذر وهي تتذوق جمال عجينتها ونكهتها القوية والتي علقت بفمها بطعم تحفظه عن ظهر قلب ، لتنظر بعدها بسرعة ناحيته وهي توجه له السؤال التالي الذي خطر ببالها بلحظة شك هامسة بهدوء
"من اين تعلمت طريقة صنع الاومليت ؟"

ساد صمت طويل بينهما حتى شعرت بثقل يحيط بالأجواء بينهما لثواني ، ليعود كل شيء لما كان عليه ما ان همس بنفس البرود المعتاد بعدم مبالاة
"لقد تعلمت وحدي ، ليس مهم الوسيلة او الحافز المهم هي النتيجة"

عادت بنظراتها لطبقها بصمت خيم عليهما وهي تتبسم لا شعوريا بالتواء طفيف وكلمة واحدة خطرت على بالها (انه يكذب) ، لقد كذب عليها واخفى حقيقة طريقة صنع الاومليت والتي لا يصنعها ولا يتقنها سوى العائلات الشعبية والتي اعتادت على الحياة البسيطة والتعب بالعمل والكد بعيدا عن كل سبل الرفاهية والغنى ، وليس هناك بحياتهما سوى شخص واحد يتناقض عن حياة الغنى والتي عايشوها وتأقلموا بها ببيئة نشأتهم وهي تربط كليهما بذلك الرباط الاخوي والذي لم يكن لديهما يد به ، وكله بسبب تلك الأم الشعبية من جذور بسيطة لا صلة لها بعالم الثراء او النبل بحياة الاغنياء والتي استطاعت ان تدفع اثنين من اغنى رجال البلد بالارتباط بها بسبب مقوماتها الانثوية وفتنتها والتي كانت تطغى على اي عيب بأصولها المتواضعة والتي لا تنتمي لأي نسب راقي او جذور معروفة ، ومع كل هذا الثراء والرفاهية بحياتها المثالية لم تستطع يوما التخلي عن اصولها القديمة ومبادئها لتظهر ببعض تصرفاتها بملابسها وبطريقة طهو طعامها وكل ما انطبعت به ولم تغيره على مدار سنوات .

تصلبت اصابعها قليلا على عجينة الاومليت وهي تطوي قرص واحد منها حتى اصبح على شكل لفافة اومليت صغيرة ، لترفع بعدها وجهها باتجاه الشارد بعيدا وهي تمد له لفافة الاومليت هامسة بابتسامة اعتلت محياها ببشاشة
"شادي تناول قطعة فهي شهية جدا ، وليس من العدل ان تتعب نفسك بصنعها بدون ان تتذوق واحدة !"

تسمر للحظات قليلة ببرود اكتسح محياه وهو يلتفت بوجهه نحوها ببطء قبل ان تقع عينيه على لفافة الاومليت بيدها والشبيهة بشيء بعيد جدا اخترق ذاكرته لوهلة ومر على خاطره بلمح البصر ، وبدون ان تعلم بأنها بتلك الحركة قد اعادته للوراء سنوات طويلة وكأنه لم يكبر عليها عندما كان يقف يراقب تلك المرأة باهتمام واضح على عينيه المتربصتين لها بطفولة متلهفة للشبع من كل شيء يخصها حتى حفظ اصغر تفاصيلها بتفاهتها وعمقها مثل راحة يده الصغيرة ، بينما كانت تلك المرأة تجلس على مائدة الطعام الكبيرة والفارغة من سكان المنزل كعادتها الدائمة والمحبة للميل للوحدة بكل تفاصيل حياتها وكأنها هكذا تسعد نفسها وتنسج عالمها الخاص بها بدون اي دخيل يفسد عليها خلوتها سوى ذلك الطفل الشغوف والذي تعلق بها برباط ابدي عقد بينهما منذ مولده ، كان يراقبها باتساع عينيه السوداوين واللتين لا تغفلان عنها وهي تتناول اقراص الاومليت ذلك الفطور اليومي لها والذي لا تدع اي احد يصنعه غيرها وهي تقضي وقتا طويلا بصنعه وحدها بدون اي رفيق معها حتى حفظ خطوات صنعه بعقله المبرمج على حفظها .

ارتجفت اطرافه برهبة ما ان وصله صوتها الناعم وهي تهمس بملل واضح
"توقف عن مراقبتي هكذا مثل الجراء الجائعة ، من يرى تصرفاتك لا يصدق بأنك ابن اغنى رجال عائلات البلد !"

استمر بالنظر لها بعيون متسعة كبيرة شبيهة بالجراء الجائعة كما تقول ولكنها جائعة للحصول على نوع آخر من كمية طعام مملوءة بالمشاعر الخالصة والتي يحتاجها بشدة ومتلهف لتذوقها ، لتعود للكلام من جديد بنفاذ صبر وهي تلوح بكفها نحوه ببرود
"إذا كنت تريد قطعة تعال وخذ بدلا من هذه المراقبة المملة !"

تقدم بسرعة نحوها بخطوات مترددة قبل ان يقف بجانب مقعدها وهو يشاهد بنفس العينين الواسعتين يدها الناعمة مصبوغة الاظافر بطلاء ملون بمزيج بألوان فاقعة يناقض العالم الراقي الذي تعيش فيه ولا يمت للرقي او الفخامة بصلة ، وهي تطوي عجينة الاومليت برفق لتشكل لفافة صغيرة محشوة بالزبدة السائلة والتي دهنت بها القرص وهي تصر على ادخالها بكل وجباتها رغم السعرات الحرارية التي تحملها ، لتمد بعدها بلفافة الاومليت امامه وهي تهمس بخفوت جاف
"هيا خذ تناولها كلها ، وإياك وان ترجع شيء منها"

امسك بها بسرعة بيديه الصغيرتين وهو يقضم منها بسعادة تلونت بتفاصيل حياته وغمرت محياه ببهجة بالغة وهو يشبع جوعه بالمشاعر التي كان يتلهف لتذوقها والارتشاف منها ، لتتألق بعدها ابتسامة انيقة على محياها وهي تهمس بتفكير ساخر
"هل هي شهية ؟"

رفع عينيه بلحظة لتصطدم بعينيها واللتين تماثلان سواد عينيه مع فتنة اجمل تأسرها بملامح بيضاء دقيقة تتوسط بين الرقة والصخب لتكون بينهما وتأخذ من كليهما بسبب تأثير عالمها السابق وما اصبح عليه الآن ، ليحرك رأسه الصغير بالإيجاب وهو يهمس بفرحة طفولية صادقة
"اجل شهية جدا"

ليلمح بعدها ميلان ابتسامتها الناعمة بجمود وهي تحرك رأسها جانبا هامسة بنبرة خافتة
"جيد"

خرج من افكاره على صوتها الخافت وهي تهتف باسمه بوجوم
"شادي اين شردت ؟"

تعقدت ملامحه وهو ينظر للفافة بيدها بجمود ليلتقطها بعدها بلحظة وهو يقربها امام عينيه بتمعن ، ليقضم منها بهدوء وهو يلوك اللقمة بفمه بصمت متذوق طعمها الذي لم يغفل عنه يوما ولازمه طيلة حياته الماضية وحاضرها ، ليرتفع بعدها حاجبيه بانتباه وهو يلاحظ اختلاف بطعمها عن التي يعدها ، عاد بنظره نحوها وهو يهمس بعبوس غامض
"هل دهنتها بالزبدة ؟"

نظرت له بارتجاف وهي تمسك بعلبة الزبدة بجانبها والتي لم ينتبه لها هامسة بابتسام
"نعم فأنا لا اتخلى عن وضع الزبدة بكل وجباتي ، فهي مكون رئيسي بها"

تشنجت ملامحه وهو يخفض وجهه للفافة بيده بصمت اخذ منه الكثير ، لتتابع كلامها بلحظة هامسة بسعادة غامرة
"ماذا ؟ هل هي شهية ؟"

رفع وجهه من جديد نحوها ما ان سمع نفس تلك العبارة تهتف بها ابنتها ، لتشق ابتسامة ساخرة محياه وهو يحرك رأسه جانبا هامسا ببهوت
"انتِ تشبهينها كثيرا"

حدقت به للحظات وهي تعلم ما يرمي إليه من كلمة تشبهينها بالرغم من انه لم يدل عليها بكلمة والدتي او اسمها ! بل استطاعت معرفتها لأنها الشخص الذي كان يدور حديثهما وافكارهما عنها بسبب وجبة الاومليت والتي جلبت لهما ذكراها ، لتمسك بعدها بلفافة اخرى وهي تقضم منها هامسة بعفوية
"من اي ناحية تقصد ! هل هي تشبهني شكلا ام مضمونا ؟"

ردّ عليها باختصار جاف
"من كل النواحي"

شددت على لفافة الاومليت لا شعوريا وهي تهمس بشبح ابتسامة ساخرة
"امر عجيب ! بالرغم من كلام الناس والذين كانوا دائما يشيرون بأنه ليس هناك شيء يشبهني بوالدتي والتي لم استطع ان ارث منها شيء من جمالها الأخاذ والذي سحر وفتن الجميع به ؟ لا اعتقد بأنك تذكرها جيدا !"

تغضن جبينه للحظات قبل يحرك كتفيه بحركة باردة هامسا بجمود
"يبدو بأنه لا احد منهم قد عرفك حقا ! فلا احد ينظر لداخل الانسان او مظهره بل بما يملكه ويدون بملف حياته ، وهذا الحال هو الذي جعلهم لا يستطيعون تشبيه جذورك العريقة بجذور والدتك المتواضعة"

شحبت ملامحها بلحظة غادرة بدون كلام ساد بينهما طويلا ، ليقطعه صوت طرق خافت على باب الشقة اخترق الصمت بينهما ، وما ان كانت على وشك الذهاب لرؤية الطارق حتى سبقها الذي تقدم امامها وهو يتمتم بأمر
"لا تتحركي من مكانك ، انا سأذهب لأرى بنفسي"

غادر بعدها لخارج المطبخ بدون ان ينتظر الرد ليصل بعدها امام باب المنزل وهو يفتحه بدون اي تردد ، ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يقابل فتى صغير لا يتجاوز عمر الثالثة عشر وهو يهمس له بوجوم عابس
"ماذا تريد يا فتى ؟"

تلبكت ملامحه بارتجاف وهو يقول بتفكير متوجس
"أليس هذا منزل الآنسة وفاء شديد !"

عقد حاجبيه ببطء جامد وهو يزيد من عبوس ملامحه هامسا بتجهم
"نعم وماذا تريد منها ؟"

ابتلع ريقه بجزع وهو يرفع الاكياس بيديه هامسا بنبرة حاول جعلها طبيعية
"هذه الاكياس قد طلبتها من محل الملابس الخاص بنا وقالت ان نحضرها لهذا العنوان"

حدق بالأكياس بتمعن وهو على وشك قول شيء لولا التي تدخلت من خلفه وهي تقول بسعادة
"هل وصلت الاغراض اخيرا ؟"

التفت نحوها ما ان اصبحت بجواره بلحظة وهي تلتقط الاكياس منه بعد ان اعطته نقود عن سعر الملابس لتهمس بعدها بمودة
"شكرا لك يا ياسر ، لقد اتعبتك معي حقا !"

حك الفتى شعره بإحراج وكأنه فعل إنجاز عظيم بجلب الاكياس لها وهو يهمس بحياء المراهقين
"لا بأس يا آنسة وفاء ليس هناك اي تعب ، فنحن دائما نعمل على خدمتكِ"

اومأت برأسها وهي تحرك يدها هامسة بلهفة
"انتظرني لحظة يا ياسر"

غادرت بلمح البصر باتجاه المطبخ بدون ان تعطي الوقت لأحد ليستوعب سبب تصرفها ، لتعود بلحظات بنفس السرعة وهي تحمل طبق الاومليت معها لتقدم للفتى لفافة واحدة وهي تقول له بلطف
"تفضل يا ياسر ، يمكنك تناولها بطريق عودتك لتعوض عن التعب والذي بذلته بالمجيئ إلى عنوان منزلي"

اومأ برأسه بنفس الحياء وهو يأخذ منها اللفافة بتردد ليهمس بعدها بأدب
"شكرا لكِ ، هذا من لطفك يا آنستي"

رفع بعدها نظره بشك وتفحص ناحية الواقف امامه بسكون ، لتقول (وفاء) بسرعة وهي تشير لشقيقها بجانبها بمرح
"هذا يكون شقيقي يا ياسر ، ليس احد غريب"

حاد (شادي) بنظراته نحوها بجمود بدون اي رد ، ليغادر بعدها الفتى وهو يلوح بيده لهما قائلا بعجلة
"حسنا انا عليّ الذهاب فقد تأخرت على عملي كثيرا ، وشكرا لكِ على الطعام يا آنستي"

ما ان اختفى من امامه حتى وجه عينيه نحوها وهو يهمس بعبوس حانق
"من يكون هذا الفتى يا ميرا ؟"

امسكت بالأكياس من على الارض بعد ان وضعتهم من لحظة لتجلب طبق الاومليت للفتى وهي تستقيم قائلة بهدوء
"اسمه ياسر وهو يعمل بمحل ملابس صغير قريب من مجمع تجاري شعبي ، وانا دائما اطلب من عندهم الملابس بسبب اعتيادي على الشراء منهم ، ولكني لم استطع بآخر مرة الذهاب لهم بسبب تغير مكان سكني الجديد لذا طلبت الملابس من رقم هاتفهم ليجلبوه لي مع العامل"

عقد حاجبيه بتفكير وهو يشير بيده لمكان خروج الفتى قائلا باقتضاب
"ولما تتصرفين بهذه الاريحية ؟ لا وتنشرين عنوان سكنك على الملأ ! ألم احذرك من فعلها !"

التفتت نحوه بلحظة وهي تهمس بحاجبين مرفوعين بتعجب
"ما لذي تقوله يا شادي ؟ انا اعرف هؤلاء الناس منذ انتقالي للبلد هنا ! وانا متأكدة بأنهم لن يسببوا لنا اي مشاكل او متاعب"

حرك رأسه بعدم اقتناع وهو يتمتم بجفاء
"ومع ذلك لا اسمح بهذه التصرفات بأن تتكرر امامي مجددا ! وايضا لما كل هذا اللطف بالتعامل مع ذلك الفتى ؟ ومن اعطاكِ الحق بأن تعرفيني على انني شقيقك امامه ؟"

ارتفع حاجبيها بوجوم اكبر وهي تحرك ذراعها باتجاه الباب كما يفعل هامسة باستنكار
"هل تتكلم عن ياسر ؟ هو مجرد فتى صغير يعمل بمحل ملابس والده منذ سنوات ! وانا اعرفه منذ كان طفلا بالعاشرة من عمره ! ولن يضر ابدا لو عرف بأنك شقيقي فهو كما اخبرتك من عائلة بسيطة جدا من المستحيل ان يفكروا بخيانتك لأنهم لا يعرفون شيء عن دناءة البشر والتي يعيشونها بالطبقات الغنية"

سكنت ملامحه بلحظة وهو يستدير بعيدا عنها ليهمس بهدوء جاد
"المهم الآن لا اريد ان تتكرر هذه التصرفات العفوية مع كل من تثقين به وتعرفينه ، حاولي الحفاظ على المسافة الآمنة بينكِ وبين البشر ، فلا ينقصني تحمل مشاكل جديدة غير التي نعاني منها حالياً ، سمعتي يا ميرا ؟"

اخفضت رأسها بانحناء حزين وهي تهمس بخضوع
"حاضر يا شادي"

تحرك باتجاه باب المنزل قبل ان توقفه التي هتفت بسرعة بوجل
"انتظر يا شادي ! هل سترحل حقا ؟"

ردّ عليها من فوره ببساطة
"اجل سأرحل فقد بقيت معكِ مدة اطول مما كنت اخطط له ، ولا تنسي تناولي الدواء بعد الانتهاء من الفطور كما عليكِ ان تنتظمي بتناول باقي ادويتك الاخرى بمواعيدها ، وإذا احتجت لشيء آخر اتصلي بي"

عادت للكلام بسرعة وهي تهمس بابتسامة حزينة بمحبة
"شكرا لك على هذا الفطور"

سكن بمكانه للحظة قبل ان يتابع طريقه لخارج المنزل بصمت ، بينما تركها وهي تمسك الاكياس بيد وطبق الاومليت بيدها الاخرى بعد ان عيشها بتلك الاجواء الدافئة بكنف عائلة ليعود ليخلف البرود بروحها من جديد ، ولكن مع اختلاف كبير بالحالة فقد اصبحت الآن تملك حق اقوى بالاستنجاد بشقيقها الوحيد والاستناد عليه دائما ما ان تمر بمشكلة ، وكل هذا قد حدث منذ لحظة مناداته بلقب شقيقها والتي لم يمانع بها امام ذلك الفتى الصغير والتي خرجت منها بعفوية غير مقصودة .

______________________________
كان يركل الحصوات بطريق الشارع الفارغ نسبيا إلا من بعض المركبات التي تظهر على اطراف الطريق بين الحين والآخر بدون اي ملل بهذا الوقت من الصباح الباكر وكأنهم يستعدون للخروج بساعات الفجر ليبدأوا رحلتهم اليومية بالحياة ، وهذا حال كل البشر بالعالم والذين يعيشون على روتين محدد بالحياة تبرمجت خطواته بعقولهم وانزرع داء المثالية بأجسادهم مثل عادة لا تزول ، ولكنه لم يكن ليسمح بمثل هذه العادات البالية بالسيطرة عليه ليكون دائما النقيض عن البشر ومخترق قوانين العالم بتمرد ورعونة واكثر ما تميز بهما بمراحل عمره ليخلق العالم الذي يليق به ولا يدخل به اي من قوانين او تحكمات البشر المتسلطة ، وكم كان يجلب له هذا الأمر الشقاء والعناء بحياته المجنونة والتي لم تتقبل اختلاف طبيعته الاعتيادية وما يجب ان يكون عليه امام البشر والعائلة ليتلقى الرفض الدائم على نمط تفكيره وطبيعة تصرفاته المتمردة على الجميع وعلى كل من يحاول ان يفرض سيطرته عليه !

رفع رأسه بانتباه شارد ما ان سمع الخطوات التي بدأت تزداد بمحيط سمعه بثواني ، لتقع عينيه بلحظة على مجموعات متفرقة من طلبة المدارس والذين يرتدون ازياءهم الخاصة والتي تميزهم عن غيرهم وهم يحتلون الشارع من حوله بسيطرة مهيمنة بسبب بداية اوقات دوام المدارس بجميع انحاء العالم ، وهو اكثر من يعلم ببداية دوام مدرستهم بهذا الحي والتي كان يذهب لها يوميا مرغما وبأحيان كثيرة يتسلل هاربا منها بتمرد شرس على قوانينهم ، ليتلقى بعدها التوبيخ واللوم من كل من المدير ومن والديه بدون ان يستجيب لرغباتهم له بالتعلم والذي لم يكن يرى به فائدة او شغف بحياته بل مجرد مضيعة للوقت والتفكير وافساد لمستقبله الحافل والحياة مفتوحة امامه بكل اشرعتها .

توقف بمكانه قليلا ما ان جذب انتباهه شيء آخر مختلف تماما عن ذكرياته الحالية وهو يشاهد بعض الاولاد المتعقبين لفتيات المدارس والذين لا عمل لهم او مشغلة سوى ملاحقة الفتيات والتسلية بإزعاجهن بهواية لا يعرفها سوى اولاد سنهم ، وما هو متأكد منه بأنهم طلاب مدارس مثلهن تماما تاركين المدرسة وهاربين منها ليمارسوا هوايتهم المعتادة وهي إزعاج اي مخلوق انثوي يقابلونه بالطريق ، وقد حفظ اسلوب حياتهم جيدا بسبب كونه كان واحد منهم فيما مضى عندما كان يترك المدرسة ليتسلى بمضايقة اي فتاة يصادفها بالطريق مع عصابته المشهورة والتي كان يتزعمها بالحي ، بدون ان يشعر بأن ذاكرته قد غدرت به لتعود لتلك الاحداث البعيدة وهو ما يزال يسمع ذلك الصوت المألوف لأذنه وهو يخترقها بصراخ مرتفع بتلك النبرة الطفولية التي تطغى عليه
"ابتعد عن طريقنا يا مازن ، وإذا لم تتوقف عن هذه العادة بتعقبنا فأنا سأنهشك بأسناني وأرمي لحمك للكلاب الجائعة وهذا افضل ما يستحقه امثالك ومع اعضاء عصابتك التي تستحق الحرق عليها"

اخفض عينيه العسليتين الناعستين لها وهو يفترسها على مهل باستمتاع مترقب دائما ما تثيره بداخله ، ليشير بعدها بذراعه نحو قامتها القصيرة وهو يقول بابتسام مائل بمتعة
"وماذا بمقدوركِ ان تفعلي يا قصيرة ؟ انا ارى بأن تحذري انتِ منا فقد نصبح نحن الكلاب الجائعة وننزع عظمكِ عن جسدك !"

اتسعت مقلتيها الزرقاوين بوجل لحظي وهو ما دفعه للضحك عليها ليشاركه باقي اعضاء عصابته المتفرقين من حولها ، وبلحظة كانت تنقض على ذراعه الممدودة لتغرز اسنانها الصغيرة بلحمه بكل قوة زادت من ضحكاته الساخرة عليها حتى نفض ذراعه بقوة وهو يقذفها بعيدا مثل الدمية ، ليمسد بعدها على ذراعه مكان اسنانها وهو يتمتم بعبوس ساخر
"اهدئي ايتها الكلبة المسعورة ، فهذا ليس اسلوب فتاة مهذبة بالتعامل مع قريبها !"

اطبقت على شفتيها بغضب مرتعش وهي تشير له بأصبعها السبابة صارخة بنفور شرس
"لست قريبي ولست مضطرة لأعاملك باحترام ، فأنا ما ازال اكبح شعوري عن قتلك والشرب من دمك من اجل الرجل والدك والذي يستحق كل العطف عليه بالابتلاء بولد مثلك ! وإذا لم تبتعد عن طريقي الآن وحالاً سأنسى كل ما يربطني بك ولن اسأل عن احد"

عض على طرف شفتيه وهو يكتم ضحكته ليرفع ذراعه امامها وهو يشير لعلامة اسنانها على مرفقه قائلا بمغزى
"هيا تعالي وحاولي ان تشربي من دمي يا قصيرة ، وانتِ اقصى ما تستطيعين الوصول له بطولكِ المنكمش هو مرفقي ! وحتى لو حاولتِ استخدام كل وسائلك الدفاعية بالهجوم عليّ وقتلي فلن تصلي لقوة الرجل !"

تبع كلامه بضحكة ساخرة اخرى ورفاقه يشاركونه بنفس الضحك المنفر وكأنها عدوة واصابتهم جميعا بالتتابع حتى اصبح من الصعب التفريق بينهم وكلهم تمثلوا بنفس نوع الداء ، لتصرخ بعدها بأعلى صوتها وهي تضرب الارض بقدمها الصغيرة بثورة مشتعلة
"كفى اخرسوا يا مجموعة الفشلة ومنعدمين الاخلاق والتربية ، فنحن لدينا الآن مدرسة نذهب إليها ولا نملك الوقت لنضيعه مع مجموعة مغفلين امثالكم يشكلون عالة على المجتمع والبشرية"

انقلبت ملامحه بجمود مفترس وما ان حاول الاقتراب منها حتى تدخلت الصامتة بينهما وهي تهمس برجاء رقيق
"ارجوك يا مازن اتركنا نذهب للمدرسة ، فقد تأخرنا كثيرا بالفعل وستعاقبنا المعلمة على هذا التأخير"

ارتفع حاجبيه بتفكير وهو يعود للنظر للطفلة المتمردة امامه قبل ان يحرك رأسه بهدوء وهو يشير بأصابعه لها بإشارة التحدي هامسا بنبرة بطيئة بتشدق
"سأسمح لكما بالمرور بشرط ان تربحي عليّ بهذا التحدي ، وإذا خسرتِ فلا تتوقعي مني ان ارحل عن طريقك او حياتك ، سمعتي يا دميتي الجميلة !"

شددت على اسنانها وهي تقضم شفتيها الصغيرتين هامسة من بينهما بانفعال حانق
"حسنا موافقة ، ارني ما تستطيع فعله يا مهرج !"

ابتسم بخبث واضح وهو يخرج من جيب بنطاله لوح شوكولاتة مغلفة ليلوح بها بينهما وهو يهمس بعيون تبرق بالمتعة
"هذه ستكون وسيلة التحدي بيننا اليوم والرابح هو الذي سيحصل عليها بالنهاية ، وكل ما عليكِ فعله هو اختطافها مني وانا واقف امامكِ هكذا ولكن بدون استخدام اي من اسلحتكِ الهجومية للفوز ، فهمتي ؟"

ردت عليه بسرعة بقنوط مستعر
"هذا ليس عادل ابدا ! انت تستغل نقاط ضعفي لصالحك لأنك تعلم جيدا بقصر قامتي ، كيف سأستطيع اختطافها منك ؟"

رفع لوح الشوكولاتة عاليا وهو يقول بابتسامة جانبية بتحدي
"هذا هو التحدي بيننا والانسحاب منه او التذمر يعد انهزام ، وإذا كنتِ تريدين اللحاق بالمدرسة فعليكِ إذاً بالتخلص من العقبة امامك واستحقاق المرور"

عقدت حاجبيها الصغيرين بشراسة وهي تصوب هدفها على اللوح بيده ، لتنزع بعدها حقيبة المدرسة عن ظهرها وهي تلقي بها ارضا ، لتتراجع بعدها عدة خطوات اخذت منها لحظتين قبل ان تبدء هجومها الضاري وهي تقفز عليه مرة واحدة ليباغتها بحركة سريعة وهو يقيد معصميها بالهواء بيد واحدة كما يفعل معها دائما بدون ان يفلتها .

كانت تحاول الفكاك منه وهي تلوح بقدميها الصغيرتين لتضرب بهما عدة مرات على جسده بأماكن متفرقة بكل قوة ، لتشعر بعدها بنفسها تسقط وهي تهوى على الارض بقوة كسرت عظامها الصغيرة قبل ان تستقر ممددة على ظهرها بسكون .

تغضنت ملامحها الصغيرة وهي تستمع للصوت المنفر وهو يميل بجسده قليلا قائلا باستهزاء
"ما بكِ يا دميتي الشرسة ؟ هل استسلمت واعلنت انهزامك ؟"

تنفست بلهاث متعب وهي تبعد الخصلات الملتصقة عن وجهها بكفها الصغيرة بصمت ، لتحجز بعدها انفاسها بحنجرتها الصغيرة لوهلة عندما تفكر بارتكاب تهور وهي ترفع ساقيها بلمح البصر لتقيد بهما ساقه الطويلة وهي تميل على جانبها الآخر ، وبلحظة كان جسده يسقط للخلف بعد ان افقدته توازنه بثواني معدودة !

نهضت عن الارض بقفزة واحدة جعلت خصلات شعرها تشعث بجنون وهي تنطلق لتجري من حوله بسرعة قبل ان يفيق احد من صدمة ما حدث ، التقطت بعدها لوح الشوكولاتة الملقى ارضا بجانب جسده والذي انزلق منه على اثر الوقوع ، لتصرخ بعدها بانتصار وهي تقفز بسعادة تغلبت عليها
"لقد ربحت عليك وانت خسرت ، والآن مت من غيظك يا مدعي البطولة والشهامة !"

ضحكت بقوة بطفولية وهي مستمرة بالقفز بسعادة وكل الانظار تتابعها بانشداه مصدوم بعد ان انقلبت اللعبة بينهم واصبحت هي من تضحك عليهم ، لتمسك بعدها بحزام بحقيبتها وهي تضعها على كتفها هامسة بانتشاء
"هيا بنا يا صفاء لنذهب للمدرسة فقد انتهينا اخيرا من هذه الحيوانات الهجينة ويمكننا الرحيل بسلام"

حرك رأسه جانبا وهو ما يزال مستلقي على الارض هامسا من بين اسنانه بفحيح شرس غير متسامح
"لن اسامحكِ عليها يا ايتها المجرمة الصغيرة ، وسأردها لكِ غالية بعد ان خالفتي القوانين التي اتفقنا عليها بعدم استخدام اي سلاح من اسلحتكِ !"

ادارت وجهها للخلف بعنفوان وهي تنفخ على خصلاتها المتطايرة امام محياها هامسة بابتسامة ماكرة بتشمت
"افعل ما تشاء ، ولكن تذكر القانون لا يحمي المغفلين"

تغضن جبينه بارتباك لوهلة ما ان افاق من دوامة الافكار التي تاه بها بدون إرادة منه ليركل عندها حصوة اخرى امام قدمه بقوة اكبر وهو يتنفس بانفعال هادر احتل كيانه ، ليتابع بعدها سيره على نفس المسار والذي فرغ من المارة ومن طلاب المدارس مثلما فرغت حياته من جميع ذكرياته معهم حتى تبقى له البرود يحتل جزء ثابت بحياته .

تسمر قليلا بمكانه وخطواته تتباطأ تدريجيا ما ان لمح الواقف امام الطريق المقابل لمنزل عائلته ، وهو يستطيع تمييز هذه الاشكال عن بعد ولو مر عليها مئات السنين بدون ان يخطأ بها او يشك بمهارة معرفتها !

حاد عن الشارع وهو يسير على طرف طريق فرعية بخطوات حذرة متسللة بدون ان يشعر الواقف بمكانه بما يحوم من حوله ، وبلحظات كان يقف وراء الرجل وهو يقيد عنقه بذراعه مثل الافعى عندما تلتف على فريستها قبل ان ينخفض ارضا امامه بمقاومة ضعيفة للإفلات منه ، ليركع بعدها على بعد سنتيمترات منه وهو يهمس بالقرب من اذنه بفحيح خافت بتهديد
"من الذي ارسلك لمراقبة هذا المنزل ؟"

اجاب الرجل بتقطع واضح بأنفاسه والتي على وشك فقدانها
"السيد متحت هو الذي ارسلني إلى هنا"

تجمدت انفاسه ببرودة قاتلة وهو يتمتم بسخط تلون بعينيه العسليتين بنيران متأججة
"ذلك الرجل مجددا ! اللعنة عليه"

قال بعدها بلحظات وهو يشدد اكثر على عنقه بذراعه التي تنبض قوة وخشونة
"تكلم لماذا ارسلك لمراقبة هذا المنزل ؟ هيا تكلم !"

ردّ الرجل بسرعة بانتفاض وهو يحاول تلقف انفاسه بصعوبة
"لا اعلم ! اقسم لك لا اعلم ! ارجوك اتركني"

اخرج زمجرة شرسة وهو ما يزال يشدد على عنقه بغضب حارق استولى عليه ، ليرفع بعدها ذراعه الاخرى وهو يكور قبضته هامسا عند اذنه بألسنة الغضب
"اخبر رئيسك ذاك ان يبقى بعيد قدر المستطاع عن هذا المنزل وساكنيه ، لكي لا اجعل حياتكم عبارة عن جحيم متدفق لن تنجو منه بسهولة ! سمعت !"

اومأ برأسه بهزة طفيفة بذعر قبل ان يغيب عن العالم بثواني ما ان هوت قبضته على رأسه لتفقده وعيه بالكامل ، ليلقي به بعدها بزاوية بعيدة عن الاعين وعن المنزل وهو مستلقي على الجدار بخواء .

وصل امام باب المنزل بدقائق وهو يطرق عليه بقبضته بعصبية واضحة تكاد تكسره ، ليُفتح بعدها الباب بفعل الخادمة نفسها التي ما ان لمحته حتى تراجعت للخلف بذعر وهي تستعد لاستقباله بأدب لكي لا يكرر ما فعله معها سابقا ، تعقدت ملامحه بجمود صخري وهو يدخل امامها باندفاع قبل ان يقف بثواني امام السلالم ما ان هتفت من خلفه بتهذيب لم يخفى الخوف بصوتها
"السيد الكبير موجود بغرفة المعيشة"

تصلب بمكانه للحظة قبل ان يغير مسار طريقه بعيدا عن السلالم وهو يتمتم ببرود صارم
"الافضل لكِ ان تعتادي على وجودي بينكم ، فقد قررت العودة للعيش بالمنزل ، وهذا يعني بأنني سأكون بوجهكِ دائما كل يوم"

شحبت ملامحها بوجل حتى بانت تجاعيد العمر على وجهها وهي ترى الذي ابتعد عن نظرها بلحظات ، لتربت بعدها بيدها على صدرها كما عادة كبار السن عندما يقعون بمصيبة هامسة باستياء
"يا ألهي ! من اين وقعت عليّ هذه المصيبة ؟"

بينما كان (مازن) يقتحم المكان على والده الشارد بقراءة الصحيفة بين يديه بهدوء صامت ، وما ان رفع نظراته عن الصحيفة بدهشة تغضنت بزوايا ملامحه الشاحبة حتى عادت بلحظة لترتخي بوهن وهو يهمس بهدوء
"ما لذي اعادك ؟"

زفر انفاسه بقوة وهو يواجه والده بنظرات جامدة دامت للحظة قبل ان ينطق بهدوء جاد وكأنه يتقمص شخصية اخرى
"ابي لقد قررت العودة للعيش بالمنزل معك كما بالسابق ، وسأفعل كل ما تطلبه مني بسبيل العودة للسكن بالمنزل ، حتى لو اضطررت للعمل خادم بدار النشر الخاص بك ، فما هو رأيك ؟"

تغضنت ملامحه اكثر بجمود متصلب وهو يخفض الصحيفة من امامه ، لتعتلي بعدها ابتسامة شاحبة على طرف شفتيه بسعادة بدأت بالظهور على محياه وهو يتبعها بالهمس بزهو لم يشعر به منذ زمن
"اهلا بعودتك للمنزل ، لقد تأخرت كثيرا بالعودة"

اومأ برأسه بهدوء وعقله بعالم آخر وهو يعود لحدث مشابه لما يراه الآن عندما عاد لوالده شاب مطعون بعمر الثامنة عشر ارتكب اول جريمة بحياته المتهورة وهو يركع امامه عند قدميه هامسا برجاء مكسور وذل وخوف خفي يقبع خلف كل هذا

(ارجوك سامحني يا ابي ، ولكني لم اقصد حدوث كل هذا ! صدقني انا اقول الحقيقة لم افعل هذا عن قصد بل كان كله عن طريق الخطأ ! اقسم لك بهذا ، ارجوك ساعدني يا ابي ، لا تتركني وحدي بهذه المشكلة فأنا ليس لي سواك ليخرجني من هذه الكارثة والتي قد تدمر حياتي المهنية والانسانية وتعرضني للسجن مدى الحياة ! ارجوك انجدني يا ابي ولا تتركني لهذا المصير)

يتبع..........


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-12-21, 11:16 PM   #244

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

دخلت للغرفة وهي تمسك صينية تحوي اطباق من طعام الغداء وهي منتظمة على سطح الصينية ، لتتسمر بعدها بمكانها لوهلة وهي ترى التي كانت تقف امام الخزانة تحاول الوصول لشيء معين بالرف الاعلى وهي ترتفع على طاولة صغيرة تحت قدميها لترفع نفسها اكثر وكفها الحرة تمسك ببطنها بألم بان على ملامحها الشاحبة بوضوح .

اتسعت حدقتيها باهتزاز خاطف وهي تضع بسرعة الصينية فوق اول ما صدف امامها وهي طاولة الزينة ، لتعود بسرعة للتقدم امام شقيقتها وهي تهمس بخفوت متوجس
"روميساء ماذا تفعلين بطريقة الوقوف هذه ؟"

ارتجفت اطرافها وهي تلتفت بنصف وجهها للخلف قبل ان تهمس ببسمة طفيفة ببعض الوهن
"ماسة ألا تستطيعين ان تخفضي نبرة صوتكِ قليلا ! لقد افزعتني بوضع لا احتاج به للفزع !"

عبست ملامحها بغضب وهي تلوح بذراعها نحو الطاولة الصغيرة التي تصعد عليها هامسة بامتعاض
"انا التي عليها ان تفزع منكِ وانتِ تصعدين بهذه الطريقة الخطيرة عليكِ ، حتى انكِ لم تخرجي من المشفى سوى بالصباح وتحتاجين للراحة التامة من اجل جسدكِ والذي لم يتعافى بالكامل بعد ! هل انتِ تهتمين حقا بصحتك كما اهتم انا بها ؟"

حركت رأسها للأمام وهي تعود لرفع نفسها هامسة بهدوء واثق
"لا تقلقي عليّ يا صغيرتي ، انا بخير وما زلت بكامل صحتي وبقوتي الجسدية ، انتِ فقط تبالغين بهذا الخوف الغير مبرر والذي ليس له منطق !"

ارتفع حاجبيها بصدمة اكبر وهي تراقب يديها التي تحاول بشق الانفس الوصول لهدفها ، لتقول بسرعة بوجوم مرتجف سكن محياها
"ارجوكِ يا روميساء انزلي ، انتِ هكذا تعرضين جسدكِ للضغط والاذى ، اسمعي مني فقط هذه المرة !"

حركت رأسها بالنفي وهي تهمس بتصميم
"لن انزل قبل ان احضر الملف من الاعلى"

ابتلعت ريقها بتخبط وهي تهمس بعبوس مستاء
"حسنا يا روميساء انا سأحضره لكِ إذا كان هذا سيسعدك ويجعلك تتنازلين عن موقفك ، فقط انزلي واتركيني افعلها بدلا عنكِ"

تراخت يديها على جانبيها وهي تعود لتلتفت نحوها هامسة بهدوء مبتهج
"هذا سيكون معروف كبير منكِ يا ماسة"

عضت على طرف شفتيها وهي تهمس بغيظ
"فقط انزلي"

حركت رأسها قليلا وهي تحاول النزول عن الطاولة حتى كادت تنزلق قدمها خارج دائرة الطاولة لولا الذراعين اللتين طوقتا ساقيها بلحظة لتحميها من الوقوع ، ضحكت بعدها بخفوت وهي تهمس بابتسامة صغيرة بامتنان
"شكرا لكِ ، لقد انقذتني بآخر لحظة"

امتعضت ملامحها وهي تتشبث بساقيها بارتجاف هامسة بقنوط
"ما هو المضحك بالأمر ؟ لقد كدتِ تقعين وتصيبين نفسكِ بكسر لن تخرجي منه حية !"

اكملت نزولها عن الطاولة بحذر وهي تقف على قدميها بسلام ، لتنظر لها بابتسامة متسعة وهي تفرد ذراعيها على جانبيها هامسة برقة
"ها انا امامكِ بخير وبكامل صحتي ولم اصب بأي كسور او خدوش ، ولكنكِ دائما تحبين تهويل الأمور وتحويلها لكارثة كبيرة لا يوجد لها حل بشخصيتك السوداوية المتشائمة !"

ارتفع حاجبيها باندهاش وهي تهمس بتعجب ساخر
"شكرا لكِ على هذا الانتقاد ، لقد كنت احتاج لسماعه بشدة"

كتفت ذراعيها بجمود وهي تشير بعينيها ناحية الطاولة هامسة بحزم
"هل ستحضرينها ام احضرها بنفسي ؟"

زفرت انفاسها بملل وهي تصعد على الطاولة نفسها حتى استقرت بالنهاية واقفة عليها وهي تمد ذراعيها عاليا لتصل للرف الاعلى ، بينما كانت تقول التي تمسك بساقيها كما كانت تفعل معها بهدوء
"على اقصى اليمين ستجدين ملف اوراق بلون الاخضر احضريه لي"

امسكت بالملف بأطراف اصابعها ببطء قبل ان تسحبه بلحظة لتلوح به عاليا هامسة بهدوء
"هل هذا هو ما تبحثين عنه ؟"

اومأت برأسها بحماس وهي تفلت ساقيها هامسة بتأكيد
"اجل"

تمسكت بسرعة بإطار الخزانة بيديها ما ان شعرت باهتزاز الطاولة من اسفلها ، لتمسك الاخرى بساقيها مجددا وهي تكتم ضحكها هامسة بإحراج
"لا بأس ، انا امسك بكِ الآن"

زمت شفتيها بحنق قبل ان تتحرر ابتسامة صغيرة تغلبت على ملامحها المتصلبة ، لتنزل بعدها عن الطاولة بحرص قبل ان تقف امامها لتلوح عندها بالملف هامسة بغرور
"ها هو الملف قد اصبح بين يديكِ ، ما هو الذي ستقدمينه لي هدية احضاري لملفك ؟"

اتسعت ابتسامتها بحنان وهي تمسك بكتفيها لوهلة لتقبل بعدها جبينها بخفة وهي تهمس بخفوت مرح
"هذه هديتي لكِ والتي لن تجدي مثيل لها ، وشكرا لكِ على مساعدتي"

عبست ملامحها وهي تنظر لها تسير بعيدا عنها حاملة الملف الذي سرقته منها بدون ان تنتبه ، تنفست بعدها بهدوء وهي ترخي عضلة شفتيها بشبه ابتسامة هادئة .

اقتربت امام طاولة الزينة وهي تتناول الصينية بحذر لتتقدم بها امام الجالسة على السرير تقلب بالملف الاخضر والذي احضرته لها ، لتقف بعدها بجوار السرير وهي تسند طرف الصينية على صدرها هامسة بجدية هادئة
"هيا يا روميساء اتركي كل شيء من يدك ، فقد حان وقت تناول الغداء"

نظرت لها بحيرة وهي تهمس بخفوت عابس
"ألن تتوقفي عن لعب هذا الدور معي ! فقد بدأت اشعر بالضيق منه وانتِ تتصرفين هكذا مثل رئيسة او عريفة فصل عليّ !"

حركت رأسها بقوة وهي تقول بحزم اكبر بدون ان ترضخ لها
"لن اتوقف عن هذا الدور حتى تتعلمي التصرف بحكمة اكبر بحياتك بدون اي استهتار او لعب كما فعلتِ الآن !"

ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تمسك خصرها بيدها الحرة هامسة باستنكار
"انتِ تتكلمين مع شقيقتك الكبرى إذا كنتِ قد نسيت ذلك وليس العكس !"

ابتسمت بميلان وهي تضيف ساخرة
"اشك بذلك بعد كل ما حدث !"

انفرجت شفتيها بذهول قبل ان تتحول لعبوس غاضب وهي تدير عينيها بعيدا عنها لتعود للنظر للملف امامها بممانعة صامتة ، تنفست بوجوم وهي تصعد على السرير معها لتجلس بجوارها وهي تضع الصينية فوق ركبتيها هامسة بهدوء جاد
"هيا يا روميساء عليكِ تناول الغداء قبل ان يحين موعد الدواء ، ارجوكِ افعلي هذا من اجل مصلحتكِ فأنا كل ما اريده ان تكوني بخير !"

حادت بأطراف عينيها لوهلة ظهر بها العتاب قبل ان تضع الملف جانبا وهي تفرد يديها هامسة بخفوت
"ضعي الصينية هنا علها تريحني من عنادك !"

ابتسمت برخاء مستريح وهي تناولها الصينية على مهل لتضعها فوق ساقيها بلحظة ، نظرت بعدها ناحية التي نزلت عن السرير وهي تهمس لها بوجوم حائر
"أليس لديكِ جامعة تذهبين إليها ! فأنا لم اركِ تذهبين للجامعة منذ ايام ؟ لا تقولي بأنكِ كنتِ تتغيبين عنها طول تلك الفترة !"

دارت حول السرير بثواني قبل ان تجلس فوق الاريكة بزاوية الغرفة وهي تهمس ببرود
"لقد انتهت المحاضرات بالجامعة ، وانا الآن بفترة إجازة للاستعداد لاختبارات نهاية الفصل ، لذا توقفت عن الذهاب للجامعة طول تلك الفترة"

اومأت برأسها بشرود وهي تحني حدقتيها الخضراوين هامسة بخفوت
"يا للأيام ! لم اشعر بالوقت وهو يمر بهذه السرعة ! لقد اصبحنا بنهاية الفصل الدراسي واتممت عامكِ الاخير بالجامعة بسرعة الريح وكأنكِ لم تبدأي بعد"

سكنت ملامحها وهي تمسك بالمذاكرات على الطاولة بدون ان تعلق على كلامها الاخير ، بينما بدأت (روميساء) بتناول الطعام امامها وهي تدس ملعقة الارز بفمها بصمت بأول لقمة ، ليتغضن بعدها جبينها لبرهة وهي تلتفت بسرعة البرق نحو شقيقتها لتهمس لها بغموض مرتاب
"من الذي اعد هذا الطعام يا ماسة ؟"

لوت شفتيها بجمود وهي تهمس باقتضاب ناظرة للكتاب بين يديها
"أليس هذا واضحا ؟ انا الذي اعده وجهزه من اجلك"

ارتفع حاجبيها بامتقاع وهي تتأمل اطباق الطعام المرتبة امامها هامسة بارتجاف عابس
"ولما فعلتِ هذا ؟ أليس هناك خدم ليقوم احد منهم بهذه الوظيفة ! اقصد من اجل ألا تتعبي نفسكِ بهذه المهمة الصعبة !"

التفتت نحوها بشراسة تسربت على محياها وهي تلوح بيدها هامسة باستهجان
"توقفي عن هذا يا روميساء وقوليها بصراحة ! انا سيئة بالطهو ولا اصلح بتاتا لهذه المهمة ، شكرا لكِ على هذا الاطراء الرائع بدلا من ان تكوني ممتنة لأني طهوت لكِ !"

ارتبكت ملامحها بوجل وهي تحرك يديها هامسة بابتسامة حاولت جعلها داعمة
"لا يا عزيزتي ليس هذا ما قصدته ! وانا اقدر كثيرا مجهودكِ بإرضائي والاهتمام بي ، ولكن ألا ترين بأنه من الافضل ان نترك مثل هذه المهام الصعبة عليكِ لمن يتقنها ويمتلك الخبرة ؟"

ردت عليها بسرعة باستنكار حاد
"من المستحيل ان اسمح بهذا او ان اقبل بأي احد كان ليقوم بتحضير الطعام لكِ ! فلا احد يعلم بطبيعة المكونات الموجودة بالطعام الذي يحضرونه ولا الطريقة التي يتبعونها بتحضيره ، ولن نعيد ما حدث مجددا ونهمل بهذا الأمر البالغ الجدية......"

ابتلعت باقي كلامها ما ان شعرت بنفسها تنحدر بالكلام المندفع لحافة خطرة جدا فقدت زمامها ، لتقطع افكارها صوت شقيقتها المبتسم بمحبة
"هل كل هذا خوف على صحتي يا صغيرتي ؟ هل وصل بكِ الحال لتشككي بعمل الخدم وبالطعام الذي يعدونه ؟ هذه إهانة كبيرة بحقهم لن يمرروها لكِ بسهولة !"

حركت رأسها للأمام بصمت وابتسامة صغيرة تشق محياها الباهت وهي تهمس بتشديد قاسي
"كل من يحيط بنا مشكوك بأمره ولن اتوقف حتى اكشف غريمي الحقيقي"

نظرت لها للحظات بهدوء بدون ان تدرك فحوى كلامها الغامض والتحفز الواضح على تقاسيم وجهها ، وما ان كانت على وشك الكلام حتى سبقتها التي لوحت بكفها ببرود وهي تغير الموضوع
"لم تخبريني عن الذي يحتوي به ذلك الملف الاخضر الذي كنتِ تقتلين نفسكِ للوصول له !"

حركت رأسها للأسفل وهي تمسح بكفها على الملف الذي يستقر بجانبها هامسة بخفوت جاد عاد لتلبسها
"هذا الملف يخص عمل على فصول المدرسة طلبته منا المديرة قبل فترة ونسيت بعدها امره تماما ، لذا كنت ابحث عنه بكل مكان لأكمل انجازه قبل ان تنتهي المهلة المحددة لتسليمه"

حانت منها التفاتة نحو الملف الذي تتكلم عنه لتبتسم بعدها ببهوت وهي تتمتم بنبرة جافة
"تفكرين بالعمل وبالمديرة وبالطلاب بعد كل ما حدث معكِ وحصل ! كيف تستطيعين ان تكوني بكل هذه الطبيعية والتسالم وكأن شيء لم يكن ؟"

ضيقت مقلتيها الزرقاوين بهدوء ما ان قالت صاحبة الملامح الشاحبة بحزن خيم عليها لوهلة
"لا نستطيع فعل شيء لنغير الواقع ولا نستطيع التحكم بالزمن للعودة لحدث تاريخي معين ، لذا كل ما نستطيع فعله بحالتنا هو التأقلم مع الحياة والتقدم للأمام لنتجاوز كل الحوادث الأليمة والمحزنة التي قد تترك الجرح والألم ساكن بداخلنا لأننا لو لم نفعل ذلك لكان الزمن قد سحقنا وتركنا وحدنا نعاني من تلك الحادثة والتي توقفت حياتنا بأكملها عندها !"

شددت من القبض على يديها وهي تشيح بوجهها جانبا بارتعاش استبد بها ، لترفع بعدها الكتاب امام نظرها وهي تقول بعبوس ممتعض
"هلا توقفتِ عن خلق مثل هذه الاجواء الكئيبة ؟ فهذا الأمر لن ينجدك من تناولي طعامي ، وعليكِ ايضا الاعتياد عليه فهو سيصبح طعامكِ اليومي"

تغضن جبينها بريبة ما ان وصل لسمعها ضحكة خافتة بمرارة تستطيع الشعور بها ، وما ان نظرت نحوها بارتباك حتى قالت لها بابتسامة هادئة بدون اي حياة
"تذكرين يا ماسة ! عندما كان عمي قيس يغضب دائما ويتذمر من طعامكِ وطهوكِ السيء ، ومع كل التعليمات والتوجيهات والتي كنت انصحك بها لتعلم الطهو الصحيح كنتِ تقترفين خطأ صغير يدمر كل شيء ويقلب كيان قيس علينا ، حتى اضطررت لاستلام امور الطبخ معكِ والاشراف عليكِ لكي نتأكد من ارضاء قيس وعدم دفعه للغضب علينا اكثر"

كانت مع كلماتها تزيد من سحابات الحزن بينهما حتى طغت على اجواء المكان ، لتدير بعدها وجهها للنافذة بجوارها وهي تهمس بجفاء ساخر
"ومع كل ما كنا نقدمه له لنحاول ارضاءه بكل الوسائل الممكنة لم ينجدنا كذلك من قسوته معنا ومعاملته السيئة نحونا وكأننا عبيد عنده اشترانا بمبلغ زهيد لنعمل خدم تحت امرته لمدى الحياة !"

ارتسم الحزن على محياها بثواني وهي تهمس بخفوت قلق
"ماسة هل ما تزالين تتألمين بسببه ؟......."

قاطعتها بجمود صخري وهي تنظر بعيدا عنها بهدوء
"هلا توقفتِ عن التكلم عنه ؟ فقد اكتفيت منه"

تنهدت بهدوء وهي تتابع تناول الطعام بصمت بدون اي شهية حقيقية بعد ان عبثوا بصندوق آلامهما بالحياة ، بينما الاخرى تتابع شرودها بالنافذة بدون اي تعابير او شعور سوى بالألم القابع بداخلها بدون اي خلاص منه او مهرب ، وكل تفكيرها يدور بنقطة واحدة هل ستستطيع التقدم بحياتها حقا ام ستعلق بهذه النقطة للأبد حتى يسحقها الزمن ويرحل بدونها ؟

_______________________________
كانت تكتب على الورقة بهدوء شديد والصمت يخيم عليها بأجواء باردة لا ينيرها سوى ضوء خافت من المصباح اليدوي الذي كان مشعل بجوار الاوراق التي تكتب عليها مذاكراتها ، تنفست بعدها بتعب مرهق كان يزداد بكل ثانية تمر عليها بهذه الدوامة المأسورة بها ، لتحين منها التفاتة جانبا وهي تشرد من خلال النافذة بسواد الظلام المحيط بالعالم الآن وجميع البشر بهذا الوقت نيام بأسرتهم بدون اي هموم يحملونها بنهاية يومهم الحافل ، وهو الوقت المستقطع من الحياة والذي يخلدون به للراحة والاستغراق بالنوم بسبيل الغوص بعالم احلامهم الخيالي والبعيد عن اي شيء قد يمت لقسوة العالم الحاضر إذا كان فشل دراسي او فشل عاطفي او فشل من كل النواحي ، ولا تعلم حقا ما هو الصنف الذي تنتمي إليه من كل هذه الانواع ؟

عقدت حاجبيها بانحناء طفيف وهي تضيق مقلتيها الزرقاوين بلمعة القمر المنير السابح بظلام العالم بدون ان يختفي ضياءه الكامل من الانتشار ولو قبس صغير يخترق ظلام عالمها السائد ، نفضت الافكار الاخيرة عن رأسها وهي تدير عينيها للأمام لتعود للتركيز على مذاكرتها الجادة والتي عليها انهاءها قبل وقت بلوج الفجر والذي يأتي معه موعد دواء (روميساء) والذي عليها ان تتناوله ثلاث مرات باليوم وقد غفلت عن مرة واحدة بدون ان تدرك ذلك .

اتسعت حدقتيها بذعر لحظي وهي تفلت شهقة غادرة منها ما ان ساد الظلام النهائي بالأجواء من حولها بلحظة ، لتعبس بعدها برجفة خاطفة وهي تتنفس بهدوء هامسة باستياء
"سحقا يبدو بأنني لن اتخلص من هذا الخوف قريبا !"

نظرت للمصباح اليدوي الذي انطفئ فجأة بغدر غير مسبوق لتحاول عندها اعادة تشغيله عدة مرات بدون جدوى ، تنفست بيأس وهي تشتت نظراتها بالفراغ المحيط بها بدون ان تتبين شيء وكأنها تبحث بالسراب .

استقامت واقفة على قدميها وهي تمسك بمذاكراتها بين ذراعيها لتتجه من فورها لخارج الغرفة بحثا عن مصباح آخر تستطيع الدراسة عليه .

سارت بالممر الفارغ بخطوات ثابتة بدون اي صوت وهي تحدد مسارها باتجاه غرفتها القديمة ، لتزيد بعدها من تسارع خطواتها لا شعورياً ما ان تنبهت حواسها لسماع شيء مريب يلوح بالأنحاء ، لتتحول الخطوات الواسعة لهرولة مكتومة تكاد ترجف كل جزء بجسدها المتصلب بأنين انفاسها وضربات قلبها مثل قرع اجراس الخطر بحياتها .

تجمدت بمكانها لوهلة وهي تلهث بتسارع مؤلم حصرت الدماء بروحها وعروقها ، لتقبض بعدها على يديها بلحظة وهي تحاول استجماع شجاعتها الهاربة والتي تخونها بأهم اللحظات ، لتستدير بعدها دورة كاملة وهي ترفع رأسها بإيباء دام للحظة قبل ان يتبدل بالوجوم وهي تهمس بابتسامة هاوية
"يبدو بأنني اتوهم ، يا لحماقتي !"

عادت بعدها للسير للأمام خطوتين فقط قبل ان تحاصرها القيود التي احاطت من حولها بلمح البصر قيدت حركتها بإحكام ، تجمدت ملامحها بشحوب مفزع حتى هربت منها الدماء وحدقتيها متسعتين ببركتي دموع متحجرة افقدتها الشعور بالعالم من حولها ، لتفيق بعدها على الصوت المألوف وهو يهمس بأذنها بدفء متدفق
"لا تقلقي ، هذا انا !"

كلمتين فقط جعلت الهياج يتدفق بداخلها بدون هوادة وكأنها بركان خامد عاد للحياة بعد سنوات جفاء ، لتندفع بعدها بعنف متهور وهي تتمرد على حصاره والذي انفك من حولها بلحظة قبل ان تتعثر بفعل الخوف الذي ما يزال يسيطر عليها وهي تجثو ارضا امام المذاكرات التي وقعت منها .

عقد حاجبيه بتصلب مرتبك غزى ملامحه بثانية وهو يمد ذراعه بتردد محاولا الوصول لها ، ليتسمر بعدها بمكانه ما ان قابل الكتاب الطائر الذي صدم وجهه بقوة وهي تتبعه بباقي الكتب بحوزتها ، ليرفع ذراعه لوجهه بحماية وهو يقول بغضب متهدج
"كفى يا مجنونة ! هل تريدين افتعال عراك بمنتصف الليل ؟"

ولكن المجنونة التي كانت مستمرة بقذف كل شيء تصله يدها بوجهه قد فقدت صوابها وهي تصرخ بغضب حانق
"يا لك من احمق ساذج ! كم مرة عليك ان تخرج لي بالظلام هكذا وتخيفني بهذه الطريقة ! هذه المرة الثانية التي تفعلها بي وهذا ليس ممتع ابدا"

كان قد وصل لها وهو يجثو على ركبتيه ليمسك بمعصميها بتقييد وهو يوقف حركتهما المجنونة بطيش غير محدود ، ليضم بعدها قبضتيها معا وهو يهمس امام وجهها بخفوت اجش آمر
"ماسة ولا كلمة ، هششششش"

عضت على طرف شفتيها بنشيج مرتجف سرى على طول انحاء جسدها بانتفاض ملحوظ متناغم مع حركة صدرها والذي كان يعلو ويهبط بألم تحرر من مسكنه ، ليحاوط قبضتيها بيد واحدة وهو يرفع يده الاخرى ببطء ليمسك بخدها بلحظة وهو يبعد ستار خصلاتها عن مكان اصابعه ، وما ان نظرت له باتساع ببريق دموعها حتى كان يجتاح مجرى تنفسها بقبلته الدافئة وهي تطبع بكل سلام على جروحها لتنعم بحنان خالص توق عالمها البارد بحلاوة من نوع آخر ، ليتوقف بعدها عن تقبيل شفتيها وهو يطوف على وجهها هامسا بنبرة خفيضة التقطتها بتلهف
"اعتذر على ترككِ لوحدك"

ابعدت يديها عن قبضته التي ارتخت تماما لتمسك بهما قماش سترته وهي ترتفع تلقائيا بلحظات حتى وصلت لياقة قميصه ، لتشد بعدها ربطة عنقه ببطء شديد حتى شعر بانحصار بتنفسه لوهلة وهي ترغمه على الابتعاد عنها غصبا ، وما ان ابتعد عنها قليلا وهو يفك وثاق ربطة العنق حتى همست على مقربة من شفتيه بأغراء منتشي
"هذا عقاب صغير من اجل ان تحبس رغباتك ، وإذا اعدتها مرة اخرى فلا اضمن ان اتركك تخرج من بين يدي حياً !"

اتسعت عينيه بجمود وليس بسبب كلامها بل بسبب طعم القبلة الصغيرة والتي طبعتها على شفتيه بلحظة لتختم على كلامها ! ليرمش بعدها بعينيه عدة مرات وهو يهمس بميلان مبتسم بإثارة
"وماذا عن حبس رغباتكِ انتِ ؟ هل يسمح لكِ بفعل ما تريدين وانا لا ؟"

زمت شفتيها بعبوس وهي تشير بأصبعها السبابة امام وجهه هامسة بغرور
"بالطبع هو كذلك ، فأنا يسمح لي بالتقبيل بالوقت الذي اشاء ، واما انت فلا يسمح لك بفعلها سوى برضاي"

ارتفع حاجبيه بتتبع متسلي وهو يقبل اصبعها المرتفع بوجهه هامسا امامه بانبهار خافت
"يعجبني هذا النوع من التحدي ! بما انني سأحصل على قبلات اخرى من شفتيكِ الكرزيتين !"

ضمت اصبعها بسرعة وهي تخفض قبضتها بارتجاف هامسة بقنوط محمر
"منحرف جدا يا فكهاني !"

اتسعت ابتسامته برخاء اكبر وهو يتأملها بالظلام السائد من حولهما وهما جالسين برواق الممر يتبادلان الحديث والقبلات بالعراء بدون اي حساب لانكشاف امرهما امام ساكني المنزل بحياء ولباقة انعدمت منهما ، بينما عاد (شادي) للاقتراب منها وهو ينحني بشفتيه قريبا منها ليقبل خدها هامسا بخفوت
"هل انتِ بخير ؟"

حادت بنظراتها نحوه بضيق وهي تهمس بسخرية
"وماذا ترى امامك ؟ بعد ان اخفتني بتلك الطريقة تتوقع بأني سأكون بخير ؟ ولم انسى ايضا خيانتك لي وخرق الاتفاق بيننا وانت تتركني بالمشفى لوحدي !"

ارتفع حاجب واحد وهو يعود لتقبيل خدها هامسا بتأنيب نادم
"ولكني اعتذرت منكِ على ذلك ! ألا يصفح ذلك عندك !"

تقدمت بوجهها امامه وهي تهمس باحمرار مفرط على تأثير توق قبلاته
"لا لا يصفح عندي ابدا ، فقد زادت اخطائك كثيرا بشكل لم يعد هناك للغفران طريق بقلبي ، لذا جد طريق آخر لتحصل به على الصفح مني ؟"

تغضن جبينه بتفكير وهو يقبل هذه المرة شفتيها برقة هامسا بخفوت ماكر
"سأستمر بتقبيلك حتى تصفحي عني"

شهقت بوجل وهي تشيح بوجهها بعيدا عن جنون قبلاته هامسة بغيظ غاضب
"أليس لديك شيء سوى القبلات ! وايضا ألم نتفق على عدم تقبيلي سوى برضاي !"

عقد حاجبيه بخبث وهو يهمس ببساطة
"لماذا ؟ ألم تكوني راضية الآن عندما استقبلتِ قبلتي بكل شغف !"

ردت عليه بسرعة باحتقان نافي يكاد يفجر الدماء بوجهها
"لا"

تنهد بيأس وهو يتراجع عنها ليعود للجلوس بلحظات قبل ان يحك ذقنه هامسا ببأس
"إذاً ماذا افعل من اجلكِ ؟"

ادارت وجهها ناحيته وهي تعض على طرف ابتسامتها الخفية بانتشاء مغري ، لتستند بعدها على ركبتيها حتى تصل له وهي تمد يدها بتلقائية لتربت على كتفه قبل ان تهمس امام وجهه بابتسامة متحدية
"ابذل كل ما بوسعك يا شادي الفكهاني ، لأن مهمة ارضائي ستكون صعبة جدا عليك"

حدق بها بجمود وهو يهمس بتملك واثق
"اعدكِ بأنكِ ستندمين على هذا الكلام ، وعندما اربح سأحصل على امور اكثر من قبلة !"

ارتجفت ابتسامتها وهو يقبل زاوية شفتيها بصمت تام يختلف عن نوع قبلاته السابقات وكأنه يعلن حرب التحدي عليها ، ابتعدت بسرعة وهي تقف على قدميها لتبدأ بالتقاط مذاكراتها المبعثرة من على الارض بلحظات ، لتلتفت بعدها نحوه وهي تنفض خصلات شعرها بهدوء هامسة بغرور ماكر
"إياك وان ألمحك تلحق بي لغرفتي فلدي الآن مذاكرة للصباح ، وحتى تربح بذلك التحدي الجديد وتحصل على رضاي ومسامحتي لا اريد ان اراك او اكلمك حتى ذلك الوقت ، بالتوفيق يا عزيزي"

قطب جبينه بصدمة وهو ينظر لها تغادر بعيدا ببساطة بعد ان ضربته بكلامه تلك الماكرة ! والآن ليس لديه خيار سوى الاستمرار بذلك التحدي الاحمق والذي كان المسؤول الأول عنه ، ليهمس بعدها بغضب مكتوم وهو يشدد على اسنانه بجمود
"سحقا لتلك اللعينة ! وسحقا لجمال قبلاتها !"

_______________________________
كانت تسند كتفها بإطار النافذة المغلقة وهي تشاهد الظلام المسور بالخارج من خلال زجاج النافذة المعتم بدون ان يتخلل بها اي انوار تزيل رداء عتمتها بجو من الكآبة والحزن ، انتقلت عينيها تلقائياً كعادتها بمواجهة الطريق المقابل لها والفارغ تماما من اي حركة او حياة بهذا الوقت من منتصف الليل ، وهي تميل بعينيها جانبا بحالة جمود اكتسح حياتها بدون ان تمنع الخيبة التي تملكت كيانها ما ان اكتشفت فراغ المكان منه والذي اعتادت رؤيته به طول الأيام الماضية امام مكان سكنها والذي لا يفارقه حتى طلوع شمس اليوم التالي ، ولكن اليوم من بين جميع الأيام لم يظهر بذلك المكان بحالة نادرة بعثت الشك بقلبها ! فهل يكون قد يأس من نضاله معها ام انه سبب آخر ادى لغيابه عن مناوبته الليلية امام منزلها ؟

انتفضت بوجهها بعيدا عن النافذة ما ان اقتحم صمت خلوتها الصوت الخافت بحيرة
"ما لذي تنظرين له ؟"

نظرت له بامتعاض وهي تستقيم بعيدا عن إطار النافذة هامسة بغضب
"ألا تعرف كيف تطرق الباب قبل ان تقتحم غرفة شقيقتك ؟ فهذا من واجب استئذان الدخول على اي مكان تذهب إليه !"

حرك كتفيه بهدوء وهي يهمس بصوت ثابت بثقة
"لقد طرقت على الباب بالفعل واكثر من مرة ، ولكنكِ من تشردين بالعالم الخارجي اكثر من الداخلي بدون ان تسمعي اي صوت آخر يحوم من حولك وكأننا لا نعيش معك !"

عقدت حاجبيها بضيق وهي تتقدم امام السرير لتجلس عليه بلحظة هامسة بهدوء ظاهري
"ماذا تريد يا معتز ؟ وما لذي يسهرك لهذه الساعة ؟"

حرك رأسه بتفكير وهو يهمس بنفس سؤالها
"وما لذي يسهرك انتِ علما بأنه لديك عمل مبكر غدا ؟"

رفعت رأسها نحوه وهي تهمس بجمود غاضب
"لا تجيب سؤالي لكِ بسؤال آخر ! فأنا لا احب ابدا هذه الطريقة بالمراوغة معي !"

ابتسم بهدوء وهو يهمس بعفوية
"لقد كنت افكر بأمور سببت لي الأرق وعدم قدرتي على النوم"

اومأت برأسها بصمت ليصلها سؤاله التالي وهو يهمس بابتسام
"والآن هل مسموح لي معرفة السبب بسهرك ؟"

امسكت بالأوراق المبعثرة على ملاءة السرير وهي تقول بجدية باردة
"لقد كنت اعمل قليلا على اوراق ومستندات تخص الشركة ، وقد اخذت مني وقتا طويلا لأنتهي منها"

تقدم امامها عدة خطوات حتى وصل للنافذة التي كانت تنظر من خلالها ، ليلقي نظرة متأملة للخارج لبرهة قبل ان يعود بنظره لها ما ان قالت بوجوم عابس
"ما لذى جاء بك لغرفتي يا معتز ؟ إذا كنت تريد اكمال سهرك بالحديث معي والثرثرة بالكلام الفارغ......"

قاطعها بهدوء جاد بدون اي تعبير
"لقد انتهت علبة دواء والدتي ، ونحتاج لشراء غيرها من العيادة بأقصى سرعة"

ارتجفت اطرافها بالكامل وهي تهمس بخفوت متوجس
"كيف ألم نشتري الدواء لها بالأسبوع الماضي ؟ كيف انتهى بهذه السرعة !"

ردّ عليها من فوره بملامح باردة
"هذا كان قبل اسبوعين وليس اسبوع ، راجعي معلوماتكِ جيدا فقد اصبحتِ تنسين بسرعة ولا شك ستنسين نفسكِ بالنهاية من كثرة الالتزامات التي تتحملينها وحدك !"

تجهمت ملامحها بلحظة وهي تهمس بانفعال مكبوت
"هذا ليس وقت سماع الطرائف منك يا معتز ، فهذه حالة طارئة علينا التفكير بها وإيجاد حل سريع لها ! لو انك اخبرتني بعد عودتي من العمل......"

قاطعها مجددا وهو يجيبها ببساطة
"لقد اكتشفت الأمر من لحظات ، ولم افكر بإخباركِ سوى الآن"

امسكت بذقنها بتفكير عميق وهي تهمس مع نفسها بملامح جامدة بغموض
"إذا تغيبت عن العمل غدا لن يرحمني المدير بالأسئلة والتي سيمطرها عليّ وخاصة بعد ما حدث مع بيان ! ولكن إذا لم احضر الدواء مبكرا فلن تستطيع تناوله بموعده وهذه بحد ذاتها مشكلة كبيرة ! ليس بيدي شيء افعله سوى الاخذ من وقت العمل لإحضار الدواء بسرعة......"

تدخل الواقف امامها وهو يهمس بجمود صخري
"لما لا تعطيني ورقة الدواء وانا سأحضرها لكِ بدون ان تتعبي نفسكِ بالتفكير بها ؟"

عقدت حاجبيها باعتراض وهي تهمس باستنكار حاد
"لا تستطيع فعلها فأنت لديك مدرسة غدا وخوض اختبار عليك النجاح به ، ولا تظن بأني من الجنون لأتركك تفعل مثل هذا الأمر وانت لا تعرف مكان العيادة اساساً !"

اشاح بوجهه بجمود وهو يتمتم باستهزاء خافت
"كنت احاول مساعدتك بتحمل بعض المسؤوليات عنكِ"

ابتسمت بهدوء شاحب وهي تلوح بيدها هامسة بخفوت متعاطف
"لا بأس يا معتز ، فأنا سأحاول الخروج مبكرا من المنزل واحضار الدواء من العيادة بأقصى سرعة قبل ان يأتي موعد تناوله ، وسأقدم عذر للمدير عن تأخري بالمجيئ للعمل وهو سيتفهم الوضع تماما"

اومأ برأسه بدون ان ينظر لها وهو يهمس بشرود قاتم
"سيتفهم الوضع إذاً ! اتمنى ألا يكون يبحث عن شيء من وراء تصرفاته النبيلة معكِ !"

تغضن جبينها بارتباك وهي تهمس بعبوس خافت
"ما لذي تتكلم عنه يا معتز ؟"

حرك رأسه نحوها وهو ينظر لها مباشرة قبل ان يهمس بغموض متصلب
"لقد كنت اتكلم عن مديركِ المغوار ، هل ما تزالين تذهبين وتعودين معه بالعمل ام توقفتِ عن فعل ذلك ؟"

زمت شفتيها بامتقاع وهي تهمس من بينهما بجفاء غير معبر
"اجل توقفت ، فأنا لست بكل هذا التهور حتى اتلاعب بسمعتي وسمعة عائلتي ؟"

حدق بها للحظات طويلة قبل ان يهمس بابتسام هادئ
"لو كان هذا صحيحاً من يكون إذاً الشخص الذي يتعقبك لكل مكان تذهبين إليه ويلازم مراقبة منزلنا بكل ليل ونهار ؟ هل تعرفين من يكون ؟"

اتسعت عينيها بذهول بالغ وهي تندفع واقفة عن السرير لتهمس بعدها بلحظة بوجوم مرتجف قبض على احشاءها
"من الذي اخبرك بهذا الكلام ؟ بل كيف تتجرأ على اتهامي بمثل هذا الكلام !"

عقد حاجبيه بتصلب وهو يلوح بيده جانبا هامسا ببرود
"الخالة حفيظة اخبرتنا عن ما يقوله سكان البناية عنكِ"

عضت على طرف شفتيها بغيظ وهي تهمس من فورها ببؤس
"كم مرة اخبرتك ان تخفف من الكلام معها وادخالها لمنزلنا بغيابي ! فأنا لا اطيق سماع كلامها او اي شيء تجلبه معها فقط لتضيع وقتها بالثرثرة الفارغة والتكلم بأعراض الناس"

تنهد بجمود وهو يحرك رأسه علامة النفي قائلا بحزم جاد
"لا نستطيع التخلي عنها فهي رفيقة والدتنا المقربة ، والوحيدة التي توافق على البقاء بجوار والدتنا والاطمئنان عليها بغياب كلينا عن المنزل ، لذا وجودها مهم جدا بحياتنا رغم عيوبها وسلبياتها"

اطبقت على شفتيها بغضب مرتعش وهي تخفض نظراتها قليلا هامسة ببرود جامد
"ولكنها دائما ما تمارس هواية نقل الشائعات والاخبار لكل البيوت التي تزورها وكأنها تنشر الفتنة والكراهية بين الناس ، وهي لم توافق على البقاء مع والدتنا إلا رغبة بسرقة الاخبار منها ومعرفة كل تفاصيل ومجريات حياتنا لتتسلى بالحديث عنا بجمعاتها مع جيرانها ومع كل سكان الحي ، وانا متأكدة بأن موضوع المتعقب الذي تتكلم عنه هي المسؤول الأول عن نشره عند كل القاطنين بالبناية"

صمت بهدوء للحظتين قبل ان يتمتم باهتمام
"هل هذا يعني بأن قصة المتعقب صحيحة ؟"

اتسعت عينيها بارتجاف خاطف قبل ان تكتف ذراعيها هامسة بقوة
"هل تثق بي يا معتز ؟"

اومأ برأسه بدون ادنى تردد وهو يهمس ببساطة
"لو كنت لا اثق بكِ لما طرحت عليكِ هذا السؤال بكل هذا الهدوء !"

رفعت عينيها نحوه ببطء قبل ان تبتسم بشبه ابتسامة هامسة بإيجاز
"إذاً هذا اكثر من كافي لنوقف التحقيق هنا ! فأنا ليس لي مزاج للتكلم اكثر"

قطب جبينه بتصلب وهو يحرك رأسه باتجاه النافذة هامسا بشرود
"لو انكِ كنتِ تسمحين بتدخل كبار العائلة لمساعدتنا لما احتجتِ لوجود الخالة حفيظة ولما انتظرتِ إحسان من المدير ! ولكنكِ دائما تصرين على إبعاد الجميع عنكِ وقطع صلاتك بالعالم الخارجي لتصفين بنهاية المطاف وحيدة تعاني وتشقى بالقتال وحدها بكبرياء عالي وعناد شرس سرعان ما سيزول ولن يبقى لكِ سوى حياتكِ والتي تدمرت على يديكِ"

قبضت على يديها الممسكة بالأوراق حتى تجعدت اطرافها وهي تهمس بسخرية باردة بكره
"هل تظن هذا حقا ؟ هل تظن بأني من اعترض طريق العائلة للوصول للسعادة والراحة من كل هذه المعاناة ؟ هل نسيت بهذه السرعة كل الأوامر والقوانين والتي سلطوها علينا ليقبلوا بمساعدتنا وضمنا لعائلاتهم ؟ وفقط القوي هو الذي يلقي بالشروط ويتأمر على الضعيف بمنافسة بينهم من سيكسرنا ويتحكم بنا اكثر ! وانا من المستحيل ان اسمح لفرد من عائلتي ان يهان بهذه الطريقة او يخضع لهم ولطلباتهم فقط بسبيل الحصول على الراحة بحياتنا ، فنحن بعد كل شيء لدينا كرامة فوق كل اعتبار وهي ما تجعل البشر ما يزالون على قيد الحياة ولم يفقدوا انفسهم !"

اعاد عينيه نحوها وهو يتأملها بصمت قبل ان يقول بلحظة بجفاء بارد
"ولكن من اجل أن يرتاح كل منا مما يعانيه ! ألا يستحق ان نتنازل قليلا من اجل سعادة عائلتنا ؟ فقد نسيتِ بخضم تفكيركِ بنفسك وبكرامتك بأن والدتك تحتاج اكثر منا لهذه الراحة والتي كانوا على وشك ان يقدموها لها بإدخالها لأفضل المشافي بالبلد وحصولها على العناية التي تحتاجها ! ولكن يبدو بأن اهوائك وكرهكِ لهم قد طغى على كل شيء آخر يخص عائلتك والتي اخرجتها من كل مخططاتك للسعادة"

رفعت عينيها نحوه باتساع وهي تلوح بالأوراق جانبا بعنف قائلة بثورة
"ما هذا الذي تقوله يا معتز ؟ هل كنت موافق على عروضهم الرخيصة تلك وشروطهم ليوافقوا علينا ؟ هل كنت ستوافق على جعلنا لعبة بين ايديهم وهم يريدون منا ان نتزوج من ابنائهم المدللين واحدة منهما مطلقة والثاني متزوج بالفعل ؟ هل كنت ستفني حياتك بأكملها بخدمتهم والدخول لعالم اعمالهم والتي ستفقدنا كل شعور وكيان نملكه ؟"

تشنجت ملامحه بلمحة حزن خاطفة وهو يشيح بوجهه جانبا هامسا ببهوت خاوي
"ولكنكِ قد رفضتِ كل شروطهم بدون اي مساومة او نقاش !"

ردت عليه بسرعة بجمود مندفع
"معتز هل انت بصفهم ام بصفي ؟"

نظر لها بثواني قبل ان يقول بابتسامة جامدة بدون ادنى تفكير
"وهل يحتاج الأمر لسؤال ؟ بالطبع انا بصفك ودائما"

تنفست الصعداء لوهلة قبل ان تهمس بعبوس مرتجف
"ولماذا إذاً كل هذا الكلام ؟"

غامت ملامحه بلحظة وهو يخفض رأسه قليلا هامسا بجمود منخفض
"لقد اردت ان اغير نظرتكِ نحو قبول المساعدات من الغير والتوقف عن دائرة الاعتماد على النفس والتي انستكِ كل من حولك وكل مباهج الحياة والتي عليكِ الاغتنام منها قبل ان تفوتك ، لذا اثرت تفكيركِ بهذا الموضوع تحديدا لتفكري اكثر بمسيرة حياتكِ وتبدأي بتوسيع دائرتك لمن حولك وتخرجي للعالم الخارجي لتجربي العيش به ولو قليلا"

ارتفع حاجبيها برجفة خدرت حركة ملامحها بحالة حزن طافت على سطح محياها ، لتمسك بعدها بخصلة شعر شاردة على جانب وجهها وهي تشد عليها هامسة بهدوء جاف
"لا بأس يا معتز ، انا بخير هكذا وسعيدة بما انا عليه بعيدا عن كل مآسي العالم الخارجي وعن كل تجاربه القاسية"

تقدم امامها عدة خطوات قبل ان ترفع عينيها نحوه ما ان قال بهدوء جاد
"هلا اخبرتني بما يعتمل بداخلك وتخفينه عن الجميع بدون ان تبوحي به ؟ ام ستبقين تتكتمين عنه لآخر نفس !"

اشاحت بوجهها بقوة وهي تهمس بانفعال لا إرادي
"لا يوجد لدي شيء ابوح لك به"

حرك رأسه ببرود وهو يكمل كلامه بحزم جاد
"انا اقصد الاسرار التي تخبرينها لأمي ما ان تنفردي بها لوحدك لتقضي معها ساعات طويلة وانتِ تفضي لها بكل ما يعتمل بداخلك ويزعجك"

نظرت له بسرعة باتساع متوجس وهي تهمس باستهجان
"هل كنت تسترق السمع علينا ؟"

ابتسم بدون اي مرح وهو يقول ببساطة
"لا تقلقي لن افعلها قبل ان تسمحي لي بذلك وتعطيني الإذن لسماعك ، فأنا اعلم جيدا بأنكِ لا تثقين بي لتخبريني بأسرارك ولا ترينني الرجل المناسب لأتحمل اعباء عائلتي ! ولكني مع ذلك اعطيكِ المساحة الكاملة والتي تريدينها ولا اتدخل بأموركِ الخاصة لأني دائما ما اثق بكِ وهذا الأمر لن يتغير ابدا"

ردت عليه بسرعة باستياء عابس
"ما هي مناسبة هذا الكلام يا معتز ؟ هل ترى الوقت مناسب لتحملني لوم وعتاب فوق طاقتي ؟......"

قاطعها بهدوء بدون ان يفقد ابتسامته
"انا احاول فقط مساعدتك ، ولكن إذا كنت قد ازعجتكِ فأنا اعتذر !"

زفرت انفاسها بتأفف وهي تهمس بجمود اكتسح محياها
"غير مهم ، اذهب الآن للنوم وتوقف عن تضييع وقتك بالتفكير بشيء غير دراستك ، ولا تقلق بشأن الدواء فأنا سأحضره بصباح الغد مبكرا"

اومأ برأسه بجمود وهو يبتعد بخطواته باتجاه باب الغرفة ، وما ان وصل له حتى وقف امامه لوهلة وهو يهمس بهدوء بارد
"لا تتعبي نفسكِ بالسهر طويلا فنحن ما نزال نحتاج لكِ وصحتكِ تهمنا جدا ، وإذا كنتِ قد نسيتِ فلديكِ شقيق بحياتك يمكنكِ الاعتماد عليه بين الحين والآخر"

رفعت نظراتها بارتجاف ناحية الباب الذي خرج منه بهدوء ، ليتغضن جبينها بألم خاطف ما ان قطعت خصلة الشعر التي كانت تلفها حول اصبعها لا شعوريا بخضم مشاعرها المضطربة .

تحركت بسرعة وهي تتجه لا إراديا امام النافذة المغلقة بدافع غريب ، وما ان وقفت امام النافذة حتى تسمرت بمكانها لوهلة وهي تشاهد بعينيها المتسعتين الواقف بجانب الشجرة الكبيرة على الطريق المقابل ، رفعت بعدها كفها لطرف الستار ببطء وهي تحاول تحريكه بحذر قبل ان تتسمر للمرة الثانية بطريقة مختلفة ألهبت مشاعرها التي ظنت بأنها قد انطفئت نهائيا وهي تراقب صاحب اليد التي بدأت تلوح لها بحركة اصابعه الغير مرئية تقريبا ، بدون ان تصدق كيف استطاع رؤيتها من خلف زجاج نافذتها المعتم والذي لا يظهر للخارج ما يوجد بالداخل ! ام انه قد يكون لمح خيالها ؟

انتفضت بعنفوان شرس وهي تدفع الستارة بقوة لتغطي بها النافذة عن رؤية ما يظهر امامها كما غطت قلبها عن الشعور بأي مشاعر غادرة ، لتستدير بعدها للخلف بقوة طيرت خصلاتها المتمردة عن عقدتها التي تهدلت وارتخت ، وبلحظة كانت تستند بالجدار بخمول متعب تسرب بخلايا جسدها ببطء وهي تتخلل شعرها بأصابعها بقوة حتى تحررت باقي الخصلات بعنف هادر ، قبل ان تأن بألم وهي تنتشل كفها من شلال شعرها المموج لتلمح الخصلات المقصفة التي انتزعتها من شعرها الخفيف والذي لم يعد يستطيع تحمل قسوة اصابعها عليه والتي بدأت تفقد السيطرة عليها مثل كل شيء يدور بحياتها فقدت زمام السيطرة عليه !

نهاية الفصل وبتمنى تفاعل كبير ودعم لأنه التفاعل صاير كثير قليل ودمتم بحب وسعادة 🌹❤


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-12-21, 04:12 PM   #245

زهراء يوسف علي

? العضوٌ??? » 483901
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » زهراء يوسف علي is on a distinguished road
افتراضي

رواية تستحق المتابعة حقا بورمت،👌👌👌😍😍

زهراء يوسف علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-12-21, 02:44 PM   #246

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهراء يوسف علي مشاهدة المشاركة
رواية تستحق المتابعة حقا بورمت،👌👌👌😍😍

تسلمي يا عزيزتي ويسعدني بأنها ما تزال تحظى على إعجابك وتشجيعك ، تحياتي لكِ يا غاليتي ❤❤


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-21, 08:20 PM   #247

ساهر ف

? العضوٌ??? » 431344
?  التسِجيلٌ » Sep 2018
? مشَارَ?اتْي » 416
?  نُقآطِيْ » ساهر ف is on a distinguished road
افتراضي

هلا الرواية مشوقة اتمنا التوفيق والسداد للكاتبة

ساهر ف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-01-22, 04:03 PM   #248

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساهر ف مشاهدة المشاركة
هلا الرواية مشوقة اتمنا التوفيق والسداد للكاتبة

تسلميلي يا قلبي وشكرا على رأيك الجميل اسعدني مرورك 🌹


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-01-22, 02:14 AM   #249

ali.saad
 
الصورة الرمزية ali.saad

? العضوٌ??? » 334068
?  التسِجيلٌ » Jan 2015
? مشَارَ?اتْي » 490
?  نُقآطِيْ » ali.saad has a reputation beyond reputeali.saad has a reputation beyond reputeali.saad has a reputation beyond reputeali.saad has a reputation beyond reputeali.saad has a reputation beyond reputeali.saad has a reputation beyond reputeali.saad has a reputation beyond reputeali.saad has a reputation beyond reputeali.saad has a reputation beyond reputeali.saad has a reputation beyond reputeali.saad has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم شكرا لك على الرواية سلمت يداك واتمنى لك التوفيق والنجاح الدائم

ali.saad غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-01-22, 02:20 PM   #250

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ali.saad مشاهدة المشاركة
السلام عليكم شكرا لك على الرواية سلمت يداك واتمنى لك التوفيق والنجاح الدائم

وعليكم السلام شكرا لك على الدعم ومشاركتنا برأيك اسعدني مرورك....


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:44 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.