شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   رواية بحر من دموع *مكتملة* (https://www.rewity.com/forum/t481045.html)

روز علي 31-07-21 09:52 PM

كانت تسند كتفها بجانب الجدار عند مدخل المدرسة وهي ترفع معصمها كل حين ناظرة للساعة بملل ، فهذه اول مرة يتأخر بها بالمجيئ على الموعد المحدد من انتهاء دوامها اليومي بالمدرسة على غير العادة ، فهل يعقل بأن يكون قد انشغل عنها بالعمل ونسيها ؟

تنهدت بشرود لوهلة وهي ترفع نظراتها الشاحبة للسحب الرمادية والتي كانت تخفي جزء من الشمس بمثل هذا الفصل من السنة والذي يكون الطقس به متقلبا مزاجيا بدون ان يستطيع احد التنبؤ بالقادم منه ، وهذا حال اليومين الماضيين بالمنزل والذين مروا على الجميع بهدوء المزاج المتقلب بدون ان يتوقع احد ما سيحدث بعدها ، وخاصة مع شقيقتها والتي اعتزلت الظهور امام احد وهي تحبس نفسها بغرفتها بعد عرض الزواج والذي اعلن عنه ابن خالها امامهم لتصبح كئيبة وباردة بمزاج متقلب لم يعد يطاق ابدا ، وهذا غير علاقتها الهادئة والتي يشوبها الجفاء بينها وبين زوجها بدون اي تقدم يحصى بينهما وهي التي لم تعد تراه كثيرا سوى بذهابها وعودتها من العمل واحيانا قليلة عند مائدة الطعام والتي تحضرها نادرا مرغمة فقط من باب الذوق والاحترام امام ساكني المنزل .

اخفضت نظراتها لموقع قدميها بوجوم قبل ان يتغضن جبينها بحيرة وهي تلمح اقدام صغيرة تقف بجانبها تماما ، لترفع بعدها بلحظة وجهها ببطء وهي تحدق بالوجه الطفولي والذي كان ينظر لها بسكون غريب بدون اي تعبير ظاهر بملامحه .

استقامت (روميساء) بوقوفها بلحظة وهي تضيق عينيها بتركيز قبل ان تقول بابتسامة صارمة بتشنج
"ما لذي تفعله هنا يا سامي ، أليس من المفترض ان تعود للمنزل الآن بعد انتهاء اليوم المدرسي"

اخفض الطفل رأسه للأسفل وهو يهمس بخفوت شديد
"لن اعود للمنزل ، فأنا انتظر قدوم ابي ليوصلني معه للمنزل"

ابتسمت بهدوء وهي تعقد حاجبيها بتفكير قائلة بوجوم
"ولما لم تذهب بحافلة المدرسة لتوصلك للمنزل ، فيبدو بأن والدك مشغول جدا الآن وسيتأخر كثيرا....."

قاطعها الطفل وهو يرفع وجهه بقوة قائلا بتصميم
"بل سيأتي ، وانا لن اذهب مع اي احد سوى مع والدي ، فهو وعدني بأنه سيأتي ولن يخلف بوعده ابدا"

حركت رأسها بابتسامة شاحبة فهذا الطفل يبدو متعلق بوالده بشدة لدرجة لا يريد الذهاب مع اي احد آخر غيره وقد لاحظت هذا ايضاً بالأيام الماضية فهو دائما يعاند جميع المدراء بالمدرسة برفضه بالعودة للمنزل بالحافلة مع باقي رفاقه بدون والده ليضطر بالنهاية ان يوصله احد من العاملين بالمدرسة بسبب عدم مقدرة والده بالمجيئ وانشغاله الدائم بالعمل ، ولكن ماذا سيحدث له عندما يشعر بالملل بعد كل هذا الانتظار ويخيب امله به وهو يخلف بوعده كالعادة مرة تلو الأخرى لتتدمر عندها صورة الوالد بعينيه مرة بعد مرة وهو يكتشف بأنه كان فقط ينتظر السراب لا اكثر ؟

انحنت على جذعها قليلا وهي تخفض وجهها امامه قائلة بابتسامة هادئة بلطف
"اسمع يا صغيري ، والدك مشغول جدا بالعمل وهو اكيد لا يريد منك ان تبقى تنتظره بالمدرسة لوحدك كل هذا الوقت ، لذا من الأفضل ان تذهب بالحافلة مع باقي رفاقك وعندما يصبح لديه متسع من الوقت سيوصلك"

تبرمت شفتيه بحزن وهو يهمس بعبوس طفولي
"اعلم بأنه مشغول جدا ، فهو منذ وفاة والدتي اصبح يهتم بكل شيء يخص حياتنا ، ولكني لا اريد العودة للمنزل لوحدي فأنا قد مللت كثيرا من بقائي الطويل وانا انتظره حتى يعود من العمل ، لذا سأبقى انتظره هنا حتى يأتي"

عبست ملامحها بارتجاف لوهلة وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه ببطء ما ان تذكرت ذلك الشعور المؤلم بالبقاء بمفردك وقتا طويلاً بمنزل فارغ موحش خالي من ساكنيه فقد جربته كثيرا بطفولتها عندما كانت تنتظر عودة والديها من العمل بكل يوم وهي ما تزال بعمر الرابعة فقط بدون ان يصدق عقل ان طفلة بعمر الرابعة تُترك لوحدها بدون رفيق ؟ ولكن كل شيء متوقع بعائلتها المجنونة ولا مجال للشك او الاعتراض على ذلك !

عادت بنظراتها امامها بسرعة ما ان صرخ الطفل بفرح طفولي
"لقد جاء ابي"

استقامت من انحنائها وهي تلتفت بسرعة للخلف ناظرة للرجل الانيق والذي كان يهرول باتجاههما ، لينطلق الطفل بسرعة نحوه بثواني قبل ان يتلقفه والده بسعادة وهو يضحك بفرح طفولي بالغ وكأن الحياة قد اشرقت بداخله .

انشرحت ملامحها بسعادة وهي تزفر انفاسها براحة طافت بملامحها لثواني ، لتنظر بعدها للرجل والذي تقدم نحوها بلحظات وهو يمسك بيد ابنه قبل ان يقف امامها مباشرة ليقول عندها الطفل بسعادة بالغة
"هذه معلمتي روميساء يا ابي والتي اخبرتك عنها من قبل"

نقلت نظراتها المتسعة بإحراج باتجاه الرجل والذي قال بابتسامة هادئة بود
"مرحبا يا آنسة روميساء ، لقد تشرفت بالتعرف عليكِ فأبني لا يكف عن الكلام عنكِ ، واتمنى حقا ألا يكون قد سبب لكِ الكثير من المشاكل"

حركت رأسها بالنفي بهدوء وهي تقول بابتسامة متزنة بلطف بقدر ما تستطيع
"لا تقلق يا سيدي فابنك سامي مهذب جدا وهو من الطلاب المتفوقين جدا عندي ، وانا سعيدة جدا بحضورك اليوم لاصطحابه معك ، فهو قد انتظرك كثيرا ولم يخب ظنه بك ابدا"

ابتسم الرجل بهدوء وهو ينقل نظراته لابنه الواقف بجانبه ليقول بعدها بلحظة بابتسامة هادئة بامتنان
"لقد استطعتُ انهاء عملي مبكرا اليوم ، لذا قررت ان آتي لاصطحابه معي ، وشكرا لكِ حقا على اهتمامك به"

اومأت برأسها بهدوء قبل ان تتسع عينيها الخضراوين بلحظة بوجل ما ان لمحت السيارة والتي تعرفت عليها من فورها وهي تقف بجانب الطريق والتي لم تنتبه لها ألا الآن ؟ لتقول بعدها بلحظات بابتسامة مرتبكة بهدوء
"حسنا عليك المجيئ بين الحين والآخر لاصطحاب ابنك معك فهو يحتاج لوجودك معه بشدة بحياته وخاصة بأنه قد فقد والدته بأهم مراحل طفولته ، لذا حاول اعطاء بعض الوقت لابنك بعيدا عن العمل ، فهو لن يضر العمل بشيء ، واتمنى ان تأخذ كلامي نصيحة تربوية مني"

عاد الرجل بنظراته لها لبرهة وهو يبتسم باتساع ناظرا لها بتركيز للحظات وما ان كان على وشك الكلام حتى سبقته التي كانت تسير بعيدا عنهما وهي تقول بعجلة
"انا عليّ الذهاب الآن ، فقد تأخرت كثيرا بالفعل ، وداعا"

استدار الرجل برأسه ليتتبع مسار سيرها وهو يحرك رأسه بابتسامة متسعة بهدوء ، بينما كان الطفل بجانبه يلوح لها بكفه ببهجة بالغة .

فتحت باب السيارة بلحظة لتجلس من فورها بجانب مقعد السائق قبل ان تغلق الباب بجانبها بحذر وهي تهمس بإنهاك
"لقد تأخرت كثيرا بالمجيئ هذه المرة"

لم تنتبه للنظرات الحادة والتي كانت تنظر لها لأول مرة بتركيز مستاء وهو يراقب خصلات شعرها السوداء والتي كانت متحررة من عقدتها لتستريح حول عنقها باستكانة وإغراء وبعض الخصلات القصيرة قد التصقت بوجنتيها الشاحبتين وكتفيها منحنين للأسفل بإنهاك واضح ، وهذا حاله منذ لمحها وهي تقف امام رجل غريب وهي تتكلم معه ببساطة وعفوية ضربته بمقتل !

قال بعدها بلحظات وهو يضيق عينيه بتجهم ساخر
"ولكني لا ارى بأنكِ متضايقة من تأخري ، بل تستمتعين بوقتكِ بالكلام مع الرجال والدردشة معهم وامام مدخل المدرسة"

عقدت حاجبيها بحيرة وهي تلتفت نحوه بعبوس لتفاجئ بنظراته الحادة والتي كانت تضيق برمادية قاتمة ارهبتها وهي تكاد تعريها بنظراتها الغريبة والجديدة عليها ، لتدير بسرعة نظراتها بعيدا عنه وهي تهمس بابتسامة هادئة
"نعم تقصد ذلك الرجل ، لقد جاء من اجل ان يوصل ابنه والذي يكون طالب عندي بالفصل ، وانا كنت فقط اكلمه عن مستوى ابنه بالمدرسة ولم اكن ادردش معه"

حرك رأسه بعدم رضا وهو يعيد نظراته بلحظة للطريق امامه قائلا بابتسامة صارمة بتصلب
"هذا الكلام تقولينه فقط عندما تكونين حرة بحياتكِ ، ولكنك الآن قد اصبحتِ زوجتي وعليكِ التقيد بما اقوله لكِ وآمرك به ، والوقوف مع الرجال او التكلم معهم بأي شيء ممنوع منعا باتاً وألا لا تحلمي بالعودة للعمل بتلك المدرسة مرة أخرى ، فإذا كنتِ تريدين الاستمرار بذلك العمل فعليكِ العمل بها بشروطي"

انفرجت شفتيها بأنفاس مذهولة قبل ان تعبس هامسة بوجوم
"هذا ظلم كبير"

تجاهل همستها الواضحة وهو يتابع كلامه الحاد قائلا بجدية صارمة
"وهناك شيء آخر ، من الآن وصاعداً ستتعلمين القيادة لتقودي سيارة خاصة بكِ وحدكِ بذهابكِ وعودتكِ من عملكِ بالمدرسة ، فأنا لا اعلم المواعيد والتي اكون بها متفرغاً لأصطحبكِ معي من العمل ، وقد اتأخر عليكِ مثل اليوم"

التفتت بوجهها بسرعة نحوه وهي تقول بابتسامة جانبية بارتباك
"لا داعي لذلك يا احمد ، يمكنني الذهاب والعودة بسيارة اجرة كما كنت افعل بالسابق بدون الحاجة لتعلم القيادة......"

قاطعها بأمر صارم بدون ان ينظر إليها
"لا يا روميساء لقد اتخذت قراري ، وانا ارى بأنه افضل حل هو ان تقودي سيارة خاصة بكِ فليس من الرائع ان تعود زوجة احمد الفكهاني كل يوم بسيارة اجرة ونحن نملك المئات من السيارات امام المنزل ، لذا ستفعلين ما أقوله لكِ بدون اي جدال"

ردت عليه بعبوس متوجس
"ولكن يا احمد ، انا حقا لا احتاج ولا اريد ان تكون بكل هذا الكرم معي....."

عاد لمقاطعتها وهو يقول بجفاء حاد ضاربا المقود بقبضته بقوة
"يكفي يا روميساء ، كم مرة عليّ ان اعيد واكرر بأنني اكون زوجكِ وانا الآمر هنا وما اقوله ستنفذينه بالحرف الواحد بدون اي اعتراض او امتنان لا داعي له ، فكل هذا من اجل مصلحة كلينا"

اعادت نظراتها الخضراء للأمام بشحوب وهي تكتف بلحظة ذراعيها فوق صدرها بقوة هامسة ببرود
"افعل ما يحلو لك"

ارتفع حاجبيه ببعض الدهشة لبرهة وهو يحيد بنظراته لها بضيق وقد ظهر الجانب الوقح منها وهي تبدو الآن متصلبة وعينيها الخضراء شاخصة بالبعيد ببرود جليدي ، ولكن ما يريحه بأن هذه العنيدة قد خضعت له اخيرا وكم يحب هذا الجانب الوقح والذي نادرا ما يخرج منها بعيدا عن الصرامة والهدوء والذي دائما تتحلى به امامه وهي تعامله وكأنه طالب عندها ، ليحرك بعدها بلحظات السيارة بعيدا عن جانب الطريق وهو يقول بهدوء بالغ بعد ان لانت ملامحه قليلا بعيدا عن التجهم
"ضعي حزام الأمان"

مرت لحظات بدون اي استجابة منها وما ان التفت بوجهه نحوها وهو ينوي وضع الحزام بدلا عنها حتى سبقته وهي تربط الحزام بطرف مقعدها بثبات متصلب بدون ان تنظر له وهي تعود لتكتيف ذراعيها فوق صدرها بقوة وكأن شيء لم يكن ، ليعود بعدها للنظر للطريق امامه وابتسامة صغيرة بدأت بالزحف لطرف شفتيه المتصلبتين بغموض بدون ان يعلم سببها ومن اين مصدرها ؟

__________________________
سارت بالطريق بخطوات ثابتة بتمهل وهي تنظر للمذاكرات بين يديها بهدوء ، لتتوقف بعدها امام بوابة المنزل الخارجية على بعد خطوات وهي تفكر بطريقة لتوصل هذه المذاكرات بدون ان تضطر لمقابلة اي احد من العائلة ، فهي تعلم جيدا بأن علاقتها بصديقتها اصبحت مشتتة بعض الشيء ومتدهورة وتحتاج للوقت لتعود كما كانت عليه فهكذا اعتادت ان تعامل علاقتها بصديقتها منذ الصغر عندما يحدث وتعتب عليها الاخرى او تغضبها .

تنهدت بهدوء وهي تراقب المنزل المتواضع امامها بوجوم والذي يتشابه كثيرا مع منزلها القديم والذي كانت تسكنه مع والدتها ، عبست ملامحها بتصلب لبرهة ما ان تذكرت بأن عليها ان تذهب لعملها بالشركة بعد ان تسلم هذه المذاكرات فقد يكون الآن مديرها يشتعل من الغضب بسبب تأخرها والذي اصبحت تتعمده باليومين الماضيين لتدفعه للجنون وكله عقاب لكي لا يحاول مرة أخرى التحكم بها وربطها بزواج ابدي رغما عنها وامام الجميع ، ولكن الذي يحيرها هو صبره والبرود الذي يتحلى به امامها بدون ان يتأثر بأفعالها والتي تستطيع ان تخرج الشياطين من داخل البشر فقط يمر بمرحلة غضب مستاء منها ليعود من فوره لبروده وكأن شيء لم يكن ! ولولا حاجتها الشديدة لهذا العمل لكانت تركته منذ اللحظة الأولى لها بذلك المكان .

انتفضت بعيدا عن البوابة ما ان خرج من المنزل والد صديقتها ليدخل بعدها بلحظة بسيارته الصغيرة والقريبة من باب المنزل ، لتتسع بعدها عينيها لوهلة بتوجس ما ان رأته وهو يتجه نحوها مباشرة ! سارت من فورها بلمح البصر بعيدا عن البوابة وهي تقف بزاوية بعيدة بجانب الجدار ، لتتنفس بعدها بلحظات براحة ما ان لمحت سيارته وهي تبتعد تدريجيا بالطريق حتى اختفت عن مرأى نظرها تماما .

ابتعدت عن الجدار بلحظة وهي تتخذ قرارها النهائي ، لتسير بعدها باتجاه المنزل وهي تتجاوز البوابة الخارجية له وما ان وصلت امامه تماما بلحظات حتى اخرجت القلم من حقيبتها قبل ان تجثو على ركبتيها وهي تضع المذاكرات امام عتبة المنزل لتكتب فوقها على ورقة بيضاء فارغة بأحرف كبيرة واضحة (من ماسة إلى صفاء ، انا اعتذر) .

استقامت بوقوفها ما ان انتهت وهي تدس القلم بحقيبتها قبل ان تستدير بلحظة لتعود من حيث جاءت بهدوء ، اغلقت بعدها بوابة المنزل الخارجية وهي تتمسك بقضبانها بيديها لبرهة لتبتسم عندها بشرود طاف على ملامحها للحظات ما ان تذكرت عندما كانت تهوى تسلق القضبان الحديدية للمنازل كهواية لديها لتدخل بدون إذنهم بينما تفضل صديقتها انتظارها بالخارج حتى تفتح لها الباب من الداخل ليبدأ عندها اللعب والمرح بحدائق الجيران الغنية بكل انواع النباتات وبخضارها بديع الجمال والغير موجود بالمنازل الاخرى .

انفرجت شفتيها بارتعاش ما ان اخترق صوت خشن افكارها وهو يهتف من خلفها بهدوء
"يا فتاة"

استدارت بسرعة للخلف وهي تنظر باستدارة عينيها الزرقاء القاتمة للشخص الواقف امامها على جانب الطريق الآخر ، ليسير بعدها بخطوات هادئة ليقطع الطريق امامها بلحظات وهو يتمتم بوجوم
"هل انتِ من عائلة مازن جلال"

تجمدت بمكانها لوهلة وهي تبتلع ريقها برهبة من وجود هذا الرجل هنا وبهذا المكان تحديدا فهي تعرف جيدا كيف تميز بين وجوه البشر والتي مرّ عليها عدد لا بأس به منها حتى تآلفت معها ومع اشكالها ، وهذا الوجه غير مبشر بالخير ابدا وخاصة مع نظراته الفاحصة لها بتركيز مع ندبة غريبة تحتل منتصف عقدة حاجبيه لتزيده إجراما !

عقدت حاجبيها بحدة بلحظة ما ان وقف امامها وهو يقول بابتسامة جانبية بغموض
"لا تقلقي يا جميلة فأنا لن اؤذيكِ ، فقط اريدكِ لبعض الوقت من اجل رئيسي"

زمت شفتيها بارتجاف وهي تهمس بتصلب حانق محاولة ضبط اعصابها امامه وكفها تبحث عن السكين بجيب بنطالها الخلفي
"انا لا افهم عن ماذا تتحدث يا سيد ، ولا اعلم من هو رئيسك"

اتسعت ابتسامة الرجل ببرود وهو يحرك يديه ببساطة قائلا بجدية خافتة
"اخبرتكِ بأن لا تخافي من شيء ، فكل ما نريده منكِ هو الوصول لشقيقك مازن فقد اختفى منذ مدة بدون ان نجد له اي اثر ، وهناك حسابات على رئيسي ان يصفيها معه وليس من الجيد تركها معلقة هكذا لأن رئيسي لا يحب التهاون ابدا بالعمل"

عبست ملامحها ما ان بدأت تفهم فحوى كلامه وسبب وجوده بهذا المكان وهو يظنها شقيقة ذلك المجنون وتقرب له ، وهذا يعني بأنها قد اصبحت الآن مستهدفة من قبلهم لتكون وسيلتهم للوصول لجحر ذلك الاحمق والذي لا تعلم اين هو الآن ؟ فحتى بعدم وجوده وبغيابه يسبب المشاكل للجميع ؟

تنفست بهدوء للحظات وهي تبتسم بسخرية هامسة بغيظ
"ومن الذي اخبرك بأني موافقة على كل هذا او ان اكون وسيلة تواصل بينكم وبين مازن من اجل افعاله والتي ليس لي علاقة بها"

حرك رأسه بجمود وهو يتمتم باقتضاب
"ليس امامكِ خيار آخر"

عضت على طرف شفتيها بتصلب مشتد لوهلة وهي ترفع يدها الممسكة بالسكين بسرعة خاطفة قائلة باندفاع متهور
"سأريك الآن خيار آخر يا......"

قطعت كلامها وهي تشهق بصدمة ممزوجة بالألم ما ان شعرت بضربة كالمطرقة تهبط على مؤخرة رأسها بقبضة من حديد لتغيبها عن العالم بأكمله بلحظات ، امسك بعدها بيدها المرتفعة بالسكين من معصمها ليتهدل عندها بلحظة جسدها للأسفل وهي تجثو على ركبتيها امامه بين طبقات غيابها عن الوعي قبل ان تفلت السكين من كفها بصمت لتقع بجانبها بقوة وهي تصدر رنين صاخب لاحتكاك الحديد بالأرض ، ليكون عندها آخر شيء تسمعه قبل ان يأخذها السواد بعيدا جدا حيث اعتادت ان تذهب هناك بكل مرة تتعرض بها للتعذيب الجسدي والنفسي وهي تتمنى ان تبقى به للأبد ولآخر يوم بعمرها بدون ان تفق منه على قسوة جديدة عليها التعايش معها مجددا !

__________________________________
بعد مرور عدة ساعات كانت تفتح عينيها بصعوبة وهي تشعر بشيء قاسي يسحب رأسها للأعلى وخصلاتها على وشك التقطع من الألم والذي يكاد يقتلع خصلاتها من مكانها وهي تجزم بشعورها بأنفاس باردة تحيط من حولها لتخترق غمامة الصمت المحدقة بها ، لتشعر بعدها بلحظة بغريزة الحذر وهي تنتفض بداخلها بانقباض حاد احتل اطرافها لتدفعها لفتح عينيها على اتساعهما لبرهة ليقابلها من فورها اول وجه من وجوه كثيرة تنضح منها الوحشية والقسوة والتي طبعت علاماتها على ملامح الناظر لها بدون اي رحمة وهي تنذر بالخطر الوشيك ، حفرت بعدها ابتسامة قبيحة على طرف شفتيه وهو يهمس بغموض
"لقد استيقظت"

انتفضت بوجهها للأمام بقوة ما ان قال الواقف على بعد خطوات منها بهدوء وهو نفسه من قابلها امام منزل صديقتها قبل ان يضربها على رأسها بقبضته ليغيبها عن العالم بأكمله
"اتركها الآن"

عبست ملامح الممسك بها من شعرها وهو يهمس بتصلب
"ولكن...."

عاد للكلام بصرامة اشد بحدة وهو يعقد حاجبيه مع ندبته والتي ظهرت بوضوح
"قلت لك اتركها ، ألم تسمع"

تركها بالفعل وهو يفلت خصلات شعرها لتتساقط حول وجهها باستكانة وتجعد من قبضته ، بينما كانت تراقب ما يحدث امامها بجمود شاحب وهي تلاحظ لأول مرة بأن هذا الرجل يبدو صغير بالعمر بالنسبة للرجال الآخرين والمتواجدين معه بنفس المكان ، لتحاول بعدها بلحظات تحريك يديها قبل ان تكتشف بأنها مقيدة اليدين والساقين بحبال متينة قوية لكي لا تستطيع تحريك اي جزء منهما وهي مقيدة بإحكام .

تنفست بغيظ مما يحدث معها وكأن حياة الإجرام والتعذيب تلاحقها بكل مكان بدون ان تتركها وشأنها ؟ وكل ما تتمناه هو ان تعيش يوما واحدا بعيدا عنهم بهدوء وراحة بال وكأنه قد كتب عليها ان تتجرع دائما من سمهم بسبب مشاركتها لهم بأعمالهم الحقيرة بالماضي !

عادت بنظراتها للواقف امامها بلحظة وهو يقول لها بابتسامة باردة بدون اي تعبير
"لم اكن اريد ان نصل إلى هنا ولكنكِ من ارغمني على فعل كل هذا ، بسبب عنادكِ وعدم التعاون معي ، وهذا كان خطأً كبيرا لا يغتفر منكِ فليس من السهل الفوز على رجل مثلي"

زمت شفتيها بحقد متأصل بحدقتيها الزرقاء الداكنة بدون ان تنطق بأي كلمة وهي تنظر له بعينيها المتسعتين بقوة بدون اي مواربة ، ليتابع بعدها كلامه وهو يحك ذقنه بتفكير حاد
"يبدو بأنكِ فتاة اقوى مما تخيلت ، فأنتِ للآن لم تظهري اي من علامات الرعب او الهلع بعد ان تم اختطافكِ ببساطة ، وقد كنتِ من الجرأة لتحاولي مهاجمتي بسكينكِ الصغيرة ، فما هو سركِ يا جميلة"

استمرت بالنظر له بصمت واجم وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه ببرود ، ليقطع الصمت والذي كان يدور بينهم بالغرفة الصغيرة من اقتحم عليهم المكان وهو يقول بجدية صارمة
"لقد وصل الرئيس يا أوس"

التفت صاحب الاسم برأسه نحوه وهو يحرك رأسه بالإيجاب بدون كلام ، ليغادر الآخر المكان بأكمله بلحظة كما جاء واقتحمه ، ادارت حدقتيها بسكون باتجاه باب الغرفة بحيرة وهي تفكر بذلك الرئيس والذي اعلنوا عن قدومه الآن ، ليتحرك بعدها بلحظات الواقف من امامها وهو يستند بالجدار بعيدا عنها بقليل ليشعل سيجارة اخرجها من جيب بنطاله بهدوء ليبدأ بتدخينها بعدم مبالاة .

ارتعشت مفاصلها لوهلة بجزع ما ان دخل رجل قوي البنية للغرفة وهو يبدو كبير بالسن بعض الشيء وقد يكون الرئيس المزعوم والذي كانوا يتكلمون عنه الآن ، لتزحف بعدها للخلف لا إرادياً بشعور الخطر ما ان تقدم الرجل امامها عدة خطوات قبل ان تصطدم بساقي الواقف من خلفها وهي لا تجد اي مهرب تذهب إليه بعد ان حوصرت من كل الجهات ، وما ان وصل امامها مباشرة حتى اخفض نظراته الحادة لها من علو وكأنه يريد ان يسطو عليها وهو يبدو مثل الهرم امامها بسبب ضخامته امام حجمها ، ليخترق بعدها سمعها صوت خشن غليظ دب الرعب بطبلة اذنيها وهو يقول بغموض
"هل هذه هي الفتاة"

ردّ عليه المشغول بنفث دخان سيجارته وهو يقول بهدوء
"اجل انها هي"

حشرت انفاسها بحنجرتها بترقب وهي تنتظر ما سيحيل بها الآن بعد عبارة ذاك ، وما هي ألا لحظات فاصلة حتى حدث عكس ما توقعته تماما وذلك الجسد يستدير بعيدا عنها بلحظة ليتجه باتجاه آخر قبل ان يضرب بلمح البصر الواقف عند الجدار وهو يلكمه بمنتصف معدته بقوة ليسقط الآخر ارضا من فوره وهو يجثو على ركبتيه بترنح .

اخرجت انفاسها المحبوسة بثانية على شكل شهقة خافتة بذعر بدون اي صوت وهي تنظر للذي عاد بلحظة ليستعيد اتزانه وهو يسعل بقوة بفعل دخان السيجارة والذي اثر على احباله الصوتية ، بينما كان الرجل الواقف امامه يهمس بعصبية وهو ينحني بلحظة ليمسك بياقة قميص الآخر بعنف وقسوة
"ايها الاحمق ألم اخبرك بأن تمسك بشقيقة مازن صفاء جلال ، ولكن بدلا عن ذلك احضرت لي فتاة أخرى ليست المطلوبة ، والآن ماذا تريد مني ان افعل بك بعد هذا الخطأ الشنيع والذي ارتكبته ، وكأنك لم تتعلم شيئاً من اخطائك السابقة والتي ازدادت عندي اكثر مما هو مسموح به"

ابتلعت ريقها بتشنج لبرهة وهي تراقب بعيون متسعة بوجل ما سيكون مصيرها الآن فيبدو بأنها قد كشفت بالنهاية ولم تطلي الخدعة على رئيسهم كما حدث مع رجاله ؟ وهذا يعني بأن نهايتها قد اصبحت قريبة على ايديهم وليس بعيد عنهم ان يلقوا بجثتها بالطرف الآخر من العالم ليتخلصوا منها !

عقدت حاجبيها بوجوم ما ان قال الذي نفض قميصه وهو يقف بعيدا عن رئيسه بنزق
"لقد رأيتها وهي تخرج من منزل مازن جلال ، ليست مشكلتي بأنك لم تحدد لي شكل الفتاة جيدا حتى اخطأت بها ، لذا ارجوك توقف عن ألقاء كل اللوم عليّ بكل شيء افعله من اجلك ، فهذا امر مزعج ويدعو للضجر"

تجهمت ملامح المقابل له بشراسة قاتمة وما ان كان على وشك الرد عليه بقسوة حتى سبقه الآخر وهو يغادر من الغرفة بأكملها ببرود ليعود للتدخين بلحظة بسيجارته بعدم مبالاة متعمدة .

مرت لحظات طويلة قاتمة قبل ان يستدير مجددا ذلك الجسد الضخم باتجاه الفتاة وهو يتقدم امامها بهدوء ، اتسعت حدقتيها الزرقاء بتوجس ما ان جثى امامها بلحظة على ركبتيه ليمسك من فوره بذقنها بخشونة وهو يرفع وجهها مقابلا له رغما عنها بقسوة حادة ، لتقابل بعدها نظراته السوداء المتوحشة والمتغضنة قبل ان يقول بتفكير قاتم بنبرة صوته الغليظة
"لقد رأيت هذا الوجه من قبل ، ولكن اين يا ترى"

عضت على طرف شفتيها بألم بدون ان تنطق بأي كلمة وهي تحاول اخفاء انفعالاتها وتشنجات جسدها خلف واجهتها الباردة والمنحوتة من صخر ، ليرتفع بعدها حاجبيه ببطء مترقب وهو يهمس بابتسامة شاردة بغموض
"الآن تذكرت ، انتِ ابنة قيس الروحية وشريكته بأعماله الإجرامية"

بقيت محافظة على ثباتها للحظات بدون ان تمنع زفرتها المرتجفة من الخروج من بين شفتيها المتصلبتين بقوة ، ليحرك بعدها رأسه بقوة فظة وهو يقول بثقة بالغة
"حسنا وجودكِ هنا سيفي بالغرض ، فأنتِ تكونين ابنة عمه قيس وهو اكيد سيفكر بإنقاذكِ بأية طريقة ، وعندما يصل سيكون عندها قد وقع بالفخ بمنتهى البساطة لنصل لمبتغانا اخيرا"

تصلبت ملامحها لوهلة وهي تهمس لأول مرة بسخرية بدون ان تمنع الاستهزاء من الخروج بنبرة صوتها الباردة
"ستكون اكبر واهم لو ظننت بأن مازن من الحماقة والتي قد تدفعه ليضحي بحياته ويأتي للموت بقدميه لإنقاذ فتاة مثلي لا تقرب له بشيء سوى ابنة زوجة عمه الروحية"

عبست ملامحه بامتقاع للحظات وهو يشدد من القبض على ذقنها بقسوة حتى سمعت صوت طرقعة عظامها قبل ان يهمس بابتسامة متغضنة بشر وبكل خباثة العالم
"لا تفرحي كثيرا يا فتاة ، لأنه إذا لم يظهر اي اثر لمازن بغضون ساعة فقط ، فعليكِ عندها الترحم على روحكِ والتي سننهي على الرمق الأخير بها قبل ان نتخلص من وجودكِ نهائياً ، وقد نقضي بعض الوقت الممتع معكِ يا جميلة قبل ان يحدث كل هذا ، لذا ترقبي ما سيحدث لكِ وانتظري القادم"

اتسعت حدقتيها بصدمة ممزوجة بالذهول ولأول مرة تشعر بالعجز بالنطق امام احد وكأن كل كلمات الحقد والتي كانت تحملها برأسها له قد اختفت نهائياً من ذهنها ليحل مكانها السكون الواجم للحظات ، بينما ابتعد عنها الرجل وهو يفلت ذقنها بهدوء ليستقيم بوقوفه بلحظة باتزان قبل ان يوزع نظراته بأنحاء الغرفة ببطء وهو يشير لهم بذراعه قائلا بصرامة حادة
"راقبوا الفتاة جيدا واياكم وان تغيب عن نظركم للحظة ، هل سمعتم ما اقوله"

حركوا الرجال رؤوسهم بطاعة تامة ليسير بعيدا عنهم وهو يخرج من الغرفة بأكملها بهدوء بعد ان كان يملئ الغرفة الصغيرة بضخامته وبصوته الكريه ، ليترك من خلفه التي كانت ما تزال جالسة على الأرض بتجمد بدون اي حركة وكل عضلة بجسدها قد توقفت عن العمل تماما ألا من دمعة صغيرة يتيمة شقت طريقها بوجنتها الثلجية ببطء شديد قبل ان تفارقها لتسقط على ارض الغرفة القذرة والقاسية مثل كل شيء يحيط بها الآن .

______________________________
كان جالس على الأريكة بصمت وهو يستند بيديه على ركبتيه ناظرا بتركيز للجالسة ارضا امام الطاولة والفاصل بينهما وهي منحنية الظهر امام الورقة والقلم يتحرك بين اصابعها بتوتر واضح وهو يشعر بعينيها تكاد تؤكل الورقة امامها من اتساعهما المريب وكأنها تحل معادلة رياضية ليس لها حل وليست مجرد ورقة تحوي على بعض الأسئلة بالدروس السابقة ليتأكد من مدى فهمها لمحاضراته وجميعها من ضمن الكلام والذي تحدث عنه بالمحاضرات السابقة ، وكل هذا يعتمد على مدى استيعابها وما تلقته من معلومات مرتبط بدروسها اليومية وكل امله ان لا تكون تعاني ببطء بالاستيعاب كذلك كما يحدث معها بالكتابة ، فهذا سيحتم عليه اعادة المحاضرة الواحدة لها مئة مرة ليصل لعقلها البطيء وهذا بحد ذاته سيكون اضاعة للوقت والجهد الثمين ، لم يمقت بحياته او يتذمر من مهنة التدريس كما يحدث معه الآن فهذه الفتاة قد غيرت كل موازين وظيفته والتي عمل بمجالها لسنوات !

حرك رأسه باتزان للحظة وهو يجول بنظراته بتمعن للتي ما تزال تحرك القلم بين أصابعها بتوتر تارة وتكتب به على الورقة بتعثر تارة أخرى ولوهلة احب مراقبتها وهي تبدو اقرب لطفلة عوقبت بنسخ الدرس على دفترها مئة مرة بسبب إهمالها وتقصيرها الدائم بوظائفها المدرسية ، وهو يتابع خصلات من شعرها القصير الناعم والتي كانت تتراقص امام جبهتها وكأنها تساعدها على التفكير بالحل وبعض منها كان يتلمس عينيها العسليتين وهي تعيق عليها رؤية الحل تماما بينما هي بالحقيقة تفشي لها بالإجابة لترشدها للنظر لها جيدا .

ابعد نظراته عنها بضيق لبرهة وهو يوبخ نفسه للمستوى والذي وصل له من التفكير ، ليخترق شروده صوتها الخافت وهي تهمس بمودة
"لقد انتهيت يا استاذ هشام"

التفت بسرعة نحوها وهو ينظر للورقة والتي كانت تمدها نحوه ، ليلقي بعدها نظرة على الساعة بمعصمه وهو يقول بجدية
"حسنا لقد اخذت كل وقتكِ والذي حددته لكِ ، ليتبين بأنكِ حقا سلحفاة"

عبست ملامحها بامتعاض وهو يتناول الورقة منها قبل ان يرفعها بلحظة امام نظره وهو يتفحصها بتمعن شديد ، بينما كانت هي تشاهده بتوجس مما ستحول لها النتيجة وهو يأخذ وقت اكثر مما يستحق بمراجعة الأسئلة حتى اتلف اعصابها المحترقة بلهفة بالكامل ؟

تنهدت الصعداء ما ان قال بهدوء وهو يحرك رأسه بقوة
"لا بأس بأجوبتكِ ، مستوى فهمكِ للدروس السابقة جيد"

رفعت نظراتها العسلية باتجاهه بشك وهي تتمتم بابتسامة مرتبكة
"هل هذا يعني بأني نجحت بالاختبار"

اخفض الورقة من امامه ببطء وهو ينظر لها بتركيز للحظات قبل ان يبتسم ببرود قائلا بثقة
"اجل نجحتِ بامتياز"

تهللت ملامحها بسعادة خاطفة وهي تبتسم باتساع مبتهج عكس بريقه بعينيها العسلية باخضرار مشرق ، لترفع بعدها يديها المضمومتين معا لأعلى صدرها وهي تقرب شفتيها منهما هامسة بأنين
"الحمد الله"

شرد للحظات بحركتها المفاجئة وكأنها انجزت انجاز عظيم بحلها لبعض الأسئلة وهو يرفع بلحظة حاجبيه بخفة وببعض التعجب بآن واحد مما يراه ! ليتنحنح بعدها بجدية وهو يلوح بالورقة قائلا ببرود
"حسنا بغض النظر عن بطئكِ بالكتابة يا سلحفاة ، فقد ابليتِ بلاءً حسناً بالنهاية وانا فخور بكِ جدا فلم يذهب تعبي بشرح دروس المحاضرات بالأيام الماضية هباءً ، وهذا كل ما يهمني"

عقدت حاجبيها بوجوم وهي تشعر بنبرة سخرية تخرج من صوته كما يفعل عادةً عندما يلقبها بالسلحفاة ، لتقول بعدها بلحظة باستياء غاضب
"توقف عن مناداتي بالسلحفاة"

ابتسم بهدوء بدون ان تتغير ملامحه المتزنة وكأنه يستمتع بإغضابها بهذا اللقب ، ليقول بعدها بلحظات بابتسامة هادئة بدون مرح
"هناك سؤال يجول بذهني منذ لقائي بكِ واريد ان اطرحه عليكِ ، وهذا إذا لم يزعجكِ الأمر"

زمت شفتيها بارتجاف متوجس بدون ان تنطق بأي كلمة وهي تنتظر سؤاله المزعوم ، ليتابع بعدها بلحظات كلامه وهو يعود ليسند يديه فوق ركبتيه ناظرا لها بهدوء
"اريد ان اعلم السبب لبقائكِ لوحدكِ أغلب الوقت بدون اي زملاء او صديقات ، وقد لاحظت هذا بكل مرة ألمحكِ فيها بالجامعة ، هل تفضلين الوحدة لهذه الدرجة ولا تحبين تكوين الصداقات بالرغم من ان الجامعة تعج بكل انواع الطلاب وقد تجدين ضالتكِ من بينهم"

احنت حدقتيها للأسفل بحزن لبرهة وهي تضم قبضتيها معا عند حجرها قبل ان تهمس بتلك النغمة الحزينة مترافقة مع ابتسامة صغيرة
"كنت اهوى حقا تكوين الصداقات بطفولتي فهذا ما كنت اجيده واحبه من اجل ان نتشارك معا اللعب ، ولكن الأمر قد تغير عندما كبرت فلم اجد الوقت الكافي لأشكل صداقة مع احدهم فكما ترى انا عدتُ لحياة الاختلاط بعد فترة طويلة من الانقطاع ، وليس من السهل تكوين صداقة بوقت قصير او استعادة الثقة وتلك الروح المرحة والتي كنت اتحلى بها بطفولتي ، لذا تخليت عن هذه الرغبة بتكوين صداقات بما ان وجودها غير مهم وليس بالضرورة وجودهم ، يكفي دراستي وحلمي بالتخرج القريب وهو كل ما اسعى إليه بالوقت الحالي"

كان يحرك رأسه بانتباه شديد بصمت وهو يمسك ذقنه بقوة عاقدا حاجبيه بتشنج وهو يفكر بعيدا بكلامها والذي خرج بنغمة صوتها والتي تذيب قسوة الصخور ، وهو ليس بصخر حتى لا يتأثر بحزن صوتها والذي يبعث رعشة محببة بدواخله لم يشعر بها مع احدهم من قبل ! قال بعدها نافضا الأفكار الأخيرة عن رأسه والتي اخذته بعيدا جدا بدوامة مظلمة
"إذاً لم تجربي بحياتكِ ان تعقدي اي صداقات من باب التغيير والتجربة"

عضت على طرف شفتيها لوهلة بارتجاف وهي ما تزال تنظر للأسفل بوجوم لتهمس بعدها بلحظات بخفوت شارد وكأنها تكلم نفسها
"لقد جربت مرة ولكن لم يكتب لها النجاح فقد باءت بالفشل بعد فترة قصيرة"

عقد حاجبيه بتركيز حاد ولم يعجبه سير حديثها وحزنها والذي تحول لألم محفور بصوتها الخافت والتي لقطتها اذنه المرهفة ، ليتمتم بعدها بعبوس متصلب
"هلا وضحتِ كلامكِ اكثر ، وما هي التجربة التي فشلت ، هل صادقتِ احدهم من قبل"

رفعت نظراتها نحوه بوجل وهي تحاول تذكر ما نطقت به الآن بموجة شرودها ؟ لتنتفض بعدها بلحظة واقفة امامه وهي تهمس بابتسامة متسعة بتوتر
"صحيح يا استاذ هشام نسيت ان اسألك إذا كان هناك المزيد من الاختبارات عليّ تقديمها لأستطيع المذاكرة عليها غدا والاستعداد لها"

عقد حاجبيه بتفكير وهو يقول بجدية صارمة
"اجل هناك اختبار مهم بعد يومين ، ولكن للأسف لن استطيع المجيئ لمنزلك فأنا لست متفرغا بذلك اليوم ، لذا قررت بأنه من الأفضل ان تأتي انتِ للجامعة بعد يومين لتستطيعي تقديم الاختبار وتحت مراقبتي وسيكون بغرفة مكتبي فهذا هو الحل الوحيد المتوفر لنا الآن"

انفرجت شفتيها بارتعاش لوهلة وهي تهمس بجزع متلعثم
"أليس هناك حل آخر ، مثلا ان نؤجل الاختبار ليوم آخر....."

قاطعها بقوة من وقف امامها وهو يقول بعملية حادة
"لا استطيع يا غزل ، فأنتِ لستِ متأخرة بالدروس وبالمحاضرات فقط بل هناك ايضا اختبارات عليكِ تقديمها لكل مساق من تخصصك ، لذا علينا ان نتبع البرنامج والذي وضعته انا ألا إذا كنتِ تريدين تقديم اكثر من اختبار بنفس اليوم"

حركت رأسها بالنفي لا إراديا وهي تتخيل نفسها تقدم بكل دقيقة اختبار تلو الآخر فهذا اكيد سيزيد نسبة سخريته منها ورسوبها لتصبح اضحوكة امامه ، قطع عليها تفكيرها صوته الهادئ وهو يحمل حقيبته ليتجه بها لباب الغرفة قائلا بجدية
"لا تنسي يا غزل ، ذاكري دروسكِ جيدا وحاولي تحسين سرعتكِ بالكتابة ، فأنا اعلم بأنكِ تستطيعين فعلها كما استطاعت السلحفاة تجاوز خط النهاية بنجاح"

ارتفع حاجبيها بصدمة لبرهة مع شفتيها الفاغرتين بانشداه بذات الوقت وهي تنظر للباب والذي اغلقه من خلفه بعد كلماته الأخيرة والمتنافرة مع بعضها ، وهي لا تعلم إذا كان كلامه مدح ليشجعها ام كان ذم ليسخر منها كالعادة بلقب السلحفاة والذي ضاقت ذرعا منه وهو لا يتوقف عن تلقيبها به ؟!

يتبع............

روز علي 31-07-21 10:07 PM

كانت تتلوى للأمام وللخلف بحركة رتيبة غير ملحوظة وهي تحاول تحرير قيد معصميها من بين الحبل المربوط عليهما بإحكام حتى انهكت قواها تماما ، لتتوقف بعدها بلحظة وهي تتنفس بنشيج متعب تشعر به يخرج من صميم روحها المنهكة من كل انواع الانتهاك والذي تتعرض له للآن وهو يجرح حنجرتها بأنفاس باردة كالأشواك ليخرج ويتناغم من فوره مع الأجواء الغائمة من حولها ومع انفاس المتجولين بالغرفة القميئة .

رفعت جفنيها الحمراوين ببطء عن احداقها لبرهة وهي تتنقل بنظرها بالمتواجدين معها بالغرفة والذين لا يتجاوز عددهم عن ثلاث اشخاص وجميعهم من اقوياء البنية وتتقارب اعمارهم بين منتصف الثلاثين والاربعين وما فوق ، ولكن الشاب اصغرهم والذي يقارب من عمر (مازن) لم يتواجد بالمكان بعد مجيئ رئيسهم وكأنه قد تخلى عن المهمة بأكملها بعد المشادة والتي حدثت بينه وبين رئيسه .

عضت على طرف شفتيها بقوة لوهلة وهي تفكر بسرعة مضيقة عينيها بتركيز حاد بمهرب من هذا المأزق قبل ان تقع نظراتها بلحظة بالنهاية على باب فرعي بالغرفة لم تنتبه له بالبداية ، لتفتح بعدها شفتيها بأنفاس باردة قبل ان تتحول لابتسامة ساخرة وهي تلتفت بنظراتها بحذر للواقف من خلفها بهدوء .

قالت بعدها بلحظات وهي تنظر له بثبات بدون ان تأبه بوجود البقية
"لو سمحت ، اريد الذهاب للحمام"

اخفض الرجل نظراته الحادة نحوها لثواني بدون اي تعبير وهو ينفث دخان سيجارته ببرود ، ليقول بعدها بابتسامة باردة وهو يلوح بالسيجارة امامها بحدة
"لا تفكري بلعب معي يا حلوة ، فأنا مهمتي هنا فقط مراقبتكِ وغير هذا لا استطيع فعل المزيد لكِ"

عقدت حاجبيها بوجوم بلحظة وهي تهمس بابتسامة متصلبة بقوة
"ولكني احتاج للحمام بشدة ولم اطلب منك ان تهربني من هنا ، وغير هذا انت بلا فائدة الآن لذا لن تخسر شيئاً إذا ارشدتني للحمام ، واعدك بأني لن احاول خداعك والهروب منك لكي لا تعاقب من رئيسك"

تجهمت ملامح الواقف من خلفها بقوة وهو يعصر قبضته بسيجارته والتي تحطمت بقبضته وهي تكاد تجزم بأنه سيلكمها بهذه القبضة بأية لحظة ، ليهمس بعدها بنبرة خافتة بخطر باهتزاز شعرت به بعضلات جسده
"هل كنتِ تسخرين مني الآن"

تجمدت ملامحها ببرود وهي تنظر له بترقب حذر ، ليتدخل بعدها صوت آخر من الاثنين الباقين وهو يقول بلا مبالاة
"لا بأس يا شعيب اتركها تذهب للحمام الملحق ، فلن يمانع الرئيس هذا ، والحمام قريب منا بالغرفة يعني لن تستطيع الهروب"

اومأ برأسه بحدة ونظراته ما تزال ساهمة بها بقوة ، ليحرك بعدها شفتيه بتصلب اشبه بالهمس بفظاظة
"اتبعيني"

تنفست ببعض الراحة وهي تنظر له يفك وثاق معصميها وقدميها من الحبال المربوطة عليهما ، ليستقيم بعدها بوقوفه وهو يمسك بذراعها بخشونة ليوقفها معه قبل ان يسحبها باتجاه الحمام الملحق بالغرفة ، وقف امام باب الحمام بلحظات وهو يفتحه امامها بقدمه بعد ان افلت ذراعها وهو يتمتم بأمر صارم
"امامكِ خمس دقائق فقط قبل ان افتح عليكِ باب الحمام ، لذا اسرعي بقضاء حاجتك بدون التفكير بأمور اخرى خارج هذا المكان"

حادت بنظراتها نحوه بحدة لبرهة وهي تمسد على معصميها بألم بعد ان طبع عليهما آثار الحبل ، لتتجاوزه بعدها وهي تهمس بغيظ
"وحش فظ"

اغلقت باب الحمام بسرعة من خلفها قبل ان تسمع تعليقه الوحشي وسيكون الآن يتوعدها بالقتل ، لتتنقل بعدها بنظراتها بتشوش بأنحاء الحمام الصغير متقشر الجدران وهو يبدو بحالة يرثى لها وهذا غير رائحته الكريهة والتي لا تطاق ابدا ، نفضت الأفكار عن رأسها وهي تركز بشيء واحد فقط وهو إيجاد منفذ للهروب من هذا المكان .

انتفضت بارتعاش سرى بأنحاء جسدها بتوجس ما ان شعرت باهتزاز طفيف بجيب بنطالها الأيمن ، لتخفض بعدها بلحظة كفها لمكان الاهتزاز وهي تتلمس قماش بنطالها الجينز الضيق حتى وجدت مصدر الاهتزاز والذي شلها عن الحركة لثواني .

اخرجت الهاتف من جيب بنطالها ببطء شديد وعينيها متسعتين باستدارتهما القاتمة ، لتعض بعدها على طرف شفتيها ما ان لمحت الاسم والذي اضاء بشاشتها بهذا الوقت لينبهها بوجود الهاتف والذي نسيت وجوده تماما بخضم ما حدث معها للآن .

حركت يدها لا إراديا وهي تجيب على الاتصال لتضعه من فورها بجانب اذنها ما ان صدح الصوت الغاضب بتوبيخ
"واخيرا اجبتِ على اتصالي يا سيدة ماسة ، لقد كدت اشيب وانا انتظر قدومكِ وانتِ بكل وقاحة تتجاهلين كل اتصالاتي وتتأخرين على عملكِ كالعادة ، لقد بدأت افقد الأمل منكِ حقا وقد وصل صبري معكِ لمنتهاه......"

توقف عن الكلام فجأة وهو يشعر بانقباض حاد بالأجواء لا يقطعه سوى صوت انفاسهما والتي تناغمت معا ببرودة ! ليقول بعدها بلحظات بعد ان خفت صوته بعيدا عن الحدة وهو يهمس بريبة جادة
"ما لذي يحدث معكِ يا ماسة ، تكلمي"

زمت شفتيها بقوة وهي تحاول استرجاع نفسها الهادئة لتقول بعدها بنشيج خافت بثبات
"اسمع يا شادي ، ليس لدي الكثير من الوقت لأشرح لك ، ولكن كل ما استطيع قوله لك الآن بأني محتجزة عند عصابة مجرمين اشرار وعليّ الهروب من هنا قبل غضون ساعة ، هل فهمت ما قلته"

مرت لحظات ساكنة بينهما وكأن من بالطرف الآخر قد اختفى عن الخط تماما ، وما ان كانت ستعاود الكلام بتصلب مرتجف حتى سبقها من بالطرف الآخر وهو يقول بهدوء جامد
"اخبريني اين هو موقعكِ ، هل تستطيعين تحديد المكان الذي انتِ متواجدة به الآن"

دارت بسرعة بعينيها بثواني بأنحاء المكان بحذر قبل ان تصل للنافذة الصغيرة والمفتوحة عند زاوية الجدار ، لتهمس بعدها للطرف الآخر بعجلة
"انتظر لحظة"

سارت من فورها باتجاه النافذة وهي ترفع نفسها على اطراف اصابعها لتلقي نظرة على المكان بالخارج بلحظات وهي تلمح امامها طريق مهجور وبيوت بعيدة تبعد عنها مئات الأميال قبل ان تصل للافتة بيضاء قريبة من مرأى نظرها كتب عليها بوضوح (طريق الصحراء الغربية) ، قربت الهاتف بسرعة لأذنها وهي تهمس بأنفاس ذاهبة بتحشرج
"لقد رأيتها يا شادي ، انا موجودة بطريق مهجور وعليه لافتة مكتوب عليها طريق الصحراء الغربية"

شهقت بجزع وهي تلتفت بدورة كاملة ما ان بدأ المتوحش بالطرق الصارم على الباب وهو يقول من خلفه بقسوة
"لقد انتهى الوقت هيا اخرجي من الحمام بسرعة"

قبضت على الهاتف لا شعوريا بجانب جسدها بقوة وهي تستمع لصوت الطرف الآخر وهو يصرخ بانفعال حاد
"ماسة ، اين ذهبتِ ، ماسة"

افاقت من صدمتها وهي ترفع كفها بالهاتف بارتجاف وما ان وصل لمجرى سمعها حتى همست بكلمات هادئة بدون اي حياة
"انا احتاج إليك ، لا تتأخر"

فصلت الهاتف من فورها قبل ان تسمع رده وهي تدير يدها لخلف ظهرها بلحظة ما ان فُتح باب الحمام بقوة حتى كاد يكسره ، تمسكت بحوض المغسلة من خلفها بتشبث وهي تلقي بداخله الهاتف ببطء وحذر ، بينما تقدم امامها من اجتاح المكان بلحظات قبل ان يمسك بذراعها بقسوة وهو يصرخ بصرامة حادة
"لما تأخرتِ كل هذا الوقت بالحمام ، وما لذي كنتِ تفكرين بفعله"

عبست ملامحها بتصلب بدون ان تجيبه بشيء ونظراتها معلقة به بدون اي مواربة ، لتزداد شراسة ملامحه بلحظة وهو يرفع يده عاليا ينوي صفعها قبل ان يوقفه الصوت الحاد عند باب الحمام وهو يصرخ بأمر قاطع
"اتركها يا شعيب وألا ستحدث مشاكل انت بغنى عنها ، وفهمك للأمر كفاية"

حادت (ماسة) بنظراتها لوهلة خلف كتف الواقف امامها لتلمح من عاد مجددا للمكان وهو نفس من احضرها لهنا وقد ظنت بأنه قد رحل بعيدا ، افلت الواقف امامها ذراعها وهو يستدير للخلف بلحظة بتجهم قائلا بتصلب
"ولكنك لا تعلم ما حدث انها....."

عاد للكلام وهو يبتسم ببرود حاد
"قلت لك كلمة وانت عليك ان تنفذها ، فأنا الذي يسير كلامي هنا بغياب الرئيس"

عبست ملامح الرجل بقوة قبل ان يندفع بلمح البصر وهو يغادر الحمام بأكمله بدون ان ينطق بأي كلمة ، لتعود بعدها للنظر للواقف عند باب الحمام وهي تفكر بأن رتبة هذا الشاب عالية بينهم وفوق الجميع وقد يكون من قرابة رئيسهم لذا يخول له فعل ما يشاء بعكسهم ؟

ارتفع حاجبيها بتوجس لوهلة ما ان تقدم الشاب امامها قبل ان يقول بابتسامة هادئة
"هل انتِ بخير"

اومأت برأسها بعدم فهم بدون ان تتأكد من سبب إيماءتها الآن ؟ ليضع بعدها ذراعه من خلفها وهو يشير بذراعه الآخر امامها قائلا ببساطة
"لنخرج من هنا"

ادارت عينيها امامها بقوة وهي تسير بعيدا عنه لخارج الحمام ، وما ان وصلت للغرفة حتى رفعت حاجبيها بدهشة لبرهة من الأنظار الغامضة والمتجهة نحوها بثبات ! لتخفض بعدها نظراتها بتوجس وهي تلمح صينية طعام لم ترها من قبل موضوعة ارضا وهي تحوي فوقها أرغفة خبز ومعها بعض الجبن والزيتون .

عادت بنظراتها بجمود للذي وقف امامها مباشرة وهو يقول بابتسامة جانبية بغموض
"اجلسي وتناولي طعامكِ ، فأنتِ لم تتناولي شيئاً منذ مجيئكِ لهنا"

تنهدت بحدة وهي تمسد على جبينها بتشوش مما تواجهه الآن من جنون محدق بها ومصير لا تعلم اين سيكون ؟ وكل ما يهم هذا البارد بأنها لم تؤكل شيء للآن وهي مجرد رهينة هنا ، انحنت بعدها بلحظات على ركبتيها وهي تجلس امامها بعد ان استبد بها التعب ولم تعد ساقيها قادرتين على حملها .

اتسعت عينيها بحدة وهي تنظر له يجلس امامها قائلا ببرود مريب
"ماذا ، ألم يعجبكِ الطعام"

اشاحت بوجهها بعيدا عنه وهي تهمس باستياء حاد
"لا اريد تناول شيء ، وهلا توقفت عن هذا الكرم معي فهذه إهانة كبيرة بحقي"

تصلبت ملامحه بلحظة بهدوء وهو يهمس بلا مبالاة
"كما تريدين يا جميلة ، وعندما تشعرين بالجوع سيكون هذا الطعام امامكِ ، من اجل ألا تلقي عليّ باللوم فيما بعد بموتكِ جوعا"

اندفعت بوجهها نحوه بلحظة بعد ان طفح بها الكيل وهي تتنفس بحدة لتهمس بعدها بابتسامة ساخرة باشمئزاز
"رجاءً لا تحاول تمثيل الرجل الطيب امامي لكي لا تحمل الذنب وتأنيب الضمير بسببي ، فأنت ستبقى هو الأساس بحالتي هذه يكفي بأنك من احضرني لهذا المكان لتكون المتورط الأساسي بما سيحدث لي ، ومهما انكرت فأنت ايضا مجرم مثلهم تماما ولا تختلف عنهم بشيء سوى بأنك تتخطاهم شراً بأضعاف"

كانت تتنفس بسرعة مضطربة وهي تنظر له بعبوس متصلب نحتت ملامحها من صخر بدون ان تصدر منهما اي حركة والوجوم يطغى على الأجواء من حولهما ، لتتراجع للخلف بلحظة تلقائياً بغريزة الحذر ما ان انتفض المقابل لها وهو يقف امامها بقوة قبل ان يندفع بعيدا عنها لخارج المكان بأكمله بصمت دام بينهم للحظات وكأنها قد اصابت وتر حساس بحياته بما فعلته وقالته بدون اي تردد او تفكير ! واسئلة كثيرة تدور بذهنها ما لذي تفعله هنا ولما قالت كل ذلك الكلام ؟ وإلى متى ستبقى تعيش بهذا الفراغ الموحش والذي تشعر به يتوسع بصدرها تدريجيا إلى ان يبتلعها بالكامل بدون ان يبقي على اي جزء بداخلها على قيد الحياة ؟

_______________________________
كان يسند ظهره لجذع شجرة يابسة ومتساقطة الأوراق وكأن سيقانها قد جفت تماما وفقدت لونها ورونقها حتى اصبحت على هذه الحال الذي يرثى لها ويدعو للشفقة عليها ، بينما كان هو شارد بالبعيد وتحديدا بضباب دخان سيجارته المتطاير وهو ينفث منه كل دقيقة بدون اي كلل او ملل ، ليعقد بعدها حاجبيه بحدة بلحظة مع الندبة والتي ظهرت بوضوح وهي تبرز بمنتصف عقدة حاجبيه كعلامة لا تزول وكأنها قد اصبحت جزء من شخصيته تأقلم معها منذ زمن ، ليطرق على ذهنه الشارد كلامها الأخير والذي كان بالنسبة له سكين حاد نبش الجروح القديمة بقسوة

(رجاءً لا تحاول تمثيل الرجل الطيب امامي لكي لا تحمل الذنب وتأنيب الضمير بسببي ، فأنت ستبقى هو الأساس بحالتي هذه يكفي بأنك من احضرني لهذا المكان لتكون المتورط الأساسي بما سيحدث لي ، ومهما انكرت فأنت ايضا مجرم مثلهم تماما ولا تختلف عنهم بشيء سوى بأنك تتخطاهم شراً بأضعاف)

عاد لينفث من دخان سيجارته بنفس اطول وبملامح متشنجة بغموض لا تعبر عن شيء سوى عن الجمود والبرود المتأصل بداخله منذ قرون ، لتحفر بعدها شبه ابتسامة حادة قريبة من السخرية المقيتة على طرف شفتيه وهو يتذكر كلام بعيد شبيه بكلام الأخرى ولكن بنبرة ساخرة وناقمة اكثر تحمل من الحقد الكثير والذي طعن فؤاده بمقتل بذات الوقت بدون ان تأبه صاحبته لذلك

(يا لك من مجرم حقير وكاذب انت ووالدك رئيس العصابة لقد خدعتني طول تلك السنوات وانت تمثل الحب عليّ وتظهر نفسك دائما امامي بصورة الشاب النبيل والطيب ولكن حقيقتك عكس ذلك تماما ، حتى انني اخجل من ذكر مسار علاقتنا والفخ والذي وقعت به وثقتي العمياء بك ، ليتبين بأنك مجرد مجرم حقير مطالب من القانون وحتى انك قد تجاوزت المجرمين الآخرين دناءة وفجورا فهم على الأقل لم يكذبوا عليّ ولم يخفوا عني شخصياتهم الحقيقية خلف قناع البراءة ، لن اسامحك ابدا يا اوس تذكر هذا جيدا واعلم بأنني منذ هذه اللحظة سأقطع كل صلة تربطني بك ويجمعني معك ، فأنا لن اضع يدي بيدي مجرم حقير مثلك ولا يشرفني ابدا ان اكون حبيبة او زوجة مستقبلية لشخص كريه مثلك)

ارجع مؤخرة رأسه للخلف بإنهاك ليسنده بجذع الشجرة من خلفه لوهلة وهو يتنفس الدخان المتبقي من بين شفتيه بهدوء وبألم عاد لينهش اطرافه المنقبضة بحرقة مزعجة ومقيتة لا تريد تركه وشأنه وهي تغيبه بضباب ذكرياته البعيدة ، اخفض يده الممسكة بالسيجارة بعيدا عنه بلحظة ما ان شعر بشلل طفيف يسري بساعده الأيمن باضطراب عاود لمضايقته وكأنه ينقصه الآن معالجة اضطراب ذراعه والذي يلازمه بين الحين والآخر وقد زاد مؤخرا .

رفع ذراعه الأيسر ليمسد بكفه على جبينه بعنف وهو يعود بذكرياته لكلام والده ورئيسه بالعمل والذي قاله تعقيبا على الذي حدث معه بدون ان يستخدم عبارات المواساة والغير متواجدة بقاموسه

(هذا افضل بكثير والآن يمكنك التركيز بالعمل كما بالسابق بعيدا عن كل قصص الحب التافهة والتي تأخذ فقط حيزا كبيرا بحياتنا بدون ان تفيدنا او ان تغير شيئاً من سير حياتنا ، لذا من الأفضل ان ننظر للأمام فقط ونفكر بالجانب الجيد من حياتنا فكل ما يهم هي مصلحة انفسنا وضمان حياتنا بعيدا عن الهم والحزن والذي يجلبه لنا الحب ، فهكذا هي الحياة عليك اقتناص كل لحظاتها الثمينة لحظة بلحظة قبل ان يسرقوها منك وتبقى بالنهاية مجرد حثالة لا فائدة منها)

تصلبت ملامحه فجأة وهو يخفض كفه بقوة ليرفع عندها ذراعه الأيمن ما ان خف اضطرابه قليلا وهو يحاول تقريب السيجارة من شفتيه قبل ان ينتفض بعنف مندفع لوهلة وهو يلقي بالسيجارة بأقصى ذراعه بعيدا وعينيه متسعتين بحدة من اسفل حاجبيه المعقودين بتحفز حاد ، ليستقيم بعدها بوقوفه بهدوء وهو يعود لقناع الجمود ما ان سمع صوت الخطوات المقتربة منه بصمت .

تنفس بروية وهو يلتفت بوجهه نحو الذي وقف بالقرب منه وهو يقول بجدية هادئة
"عليك ان تأتي وتراقب الفتاة يا اوس ، فقد اوصانا الرئيس بالحرص على عدم هروبها كما طلب منا لتنجح الخطة ، وألا عوقبنا جميعاً وانت ستكون الاكثر ضررا بيننا فهو يتصوب لك الاخطاء دائما وهذا الذي تفعله سيزيد رصيدك عنده"

ابتسم بهدوء وهو ينظر له بتركيز ليقول بعدها بلحظة وهو يحرك كتفيه ببرود
"لا يهم فهذا لن يغير شيئاً من معاملته لي ونظرته للأمور ، فأنا سأبقى امامه مجرد مجرم فاشل بالمرتبة الثانية لا فائدة منه ولا يعتمد عليه بشيء ، لذا لا يهمني إذا عاقبني هذه المرة ايضا او خاب امله بي ، فهو بكل الأحوال لا يطيق وجودي"

حرك الرجل امامه رأسه باستنكار وهو يقول بحدة مستاءة
"لهذا اخبرك دوما بأن تحسن اسلوبك بالعمل معه لتستطيع إعجاب والدك ورئيسك بالعمل وهذا سيحدث عندما تثبت له جدارتك وقيمتك امامه بتنفيذ اوامره بحذافيرها و....."

قاطعه (اوس) بملل وهو يستدير بعيدا عنه قائلا ببرود جليدي
"هذا لا يهمني يا سالم ولست مهتم بتغيير اسلوبي فهو يعجبني كثيرا ويروقني ، والآن عذرا منك عليّ الذهاب"

ردّ عليه بسرعة بتجهم
"هل سترحل"

ابتسم بهدوء وهو يحرك رأسه بالإيجاب قائلا بتصلب
"اجل سأغيب بضع دقائق وبعدها سأعود ، فهناك ما عليّ فعله الآن ومستعجل جدا ، لذا حاول الاهتمام بكل شيء بغيابي وإياك وان اعلم بأنكم قد اصبتم الفتاة بأي أذى او سوء لأني عندها لن ارحم اي احد منكم ، فهمت يا سالم ونبه هذا الكلام لكل افراد المجموعة"

كان يومأ برأسه بشرود وهو يتمتم بطاعة
"لا تقلق كل شيء سيكون تحت السيطرة"

ليغادر بعدها الآخر من امامه وهو يسير بعيدا عنه ونظراته ما تزال تلاحقه بغموض وهو للآن ما يزال غير مستوعب علاقة الابن بوالده والتي تبدو علاقة تشوبها التناقضات والتنافر بدون ان يظهر اي مودة عائلية بينهما وكأن كل واحد منهما قد نشأ من بيئة مختلفة عن الأخرى ؟

_____________________________
شددت من معانقة ساقيها بانقباض حاد وهي تزحف للخلف ببطء شديد ما ان انحنى امامها ذلك الوحش والذي كان على وشك صفعها بعد ان كسر عليها باب الحمام ، لتشيح بعدها بوجهها جانبا ما ان لفحها بأنفاسه الخشنة وهو يهمس بابتسامة جانبية بهدوء
"اسمعي يا حلوة ، ما رأيكِ ان نتفق معا ، انا اقدم لكِ حريتكِ بالهروب من هذا المكان بدون ان يتعرض لكِ الرئيس مقابل ان تعطيني اي شيء اطلبه منكِ"

تشنجت ملامحها بلحظات وهي تحيد بنظراتها نحوه باشمئزاز قبل ان تهمس بوجوم خافت
"وهل سيتضمن طلبك شيء حقير شبيه بك"

تصلبت ملامح الجالس امامها وهو يحاول الابتسام بجمود بدون اي تعبير ، ليرفع بعدها يده ببطء باتجاه وجهها وهو يربت على خدها بخشونة هامسا بفحيح منفعل
"هذا سيكون حسب ما اريده منكِ وما تستطيعين تقديمه لي لترضي به شخص متطلب مثلي....."

زمجر بغضب وهو ينفض يده بعيدا عن وجهها بلحظة ما ان عضت بأسنانها الحادة على جانب كفه ، لينتفض بعدها بمكانه وهو يقبض على خصلات شعرها من مؤخرة رأسها بعنف صارخا بوحشية
"يا لكِ من وقحة وتتجرأين على التعرض لأسيادك....."

تجمد بمكانه ما ان قصف صوت احدهم عند إطار باب الغرفة وهو يقول بغضب مكتوم
"توقف عن هذا يا شعيب ، فأنت بهذه الطريقة ستجلب نهايتك بتعرضك للفتاة ، فهي مجرد رهينة عندنا وعلينا مراقبتها حتى يعود الرئيس ويتكفل بها"

التفت (شعيب) بوجهه للخلف بقوة وهو ما يزال قابض على خصلات شعر الأخرى ليقول بعدها بابتسامة ساخرة بشماتة
"هل هذه الأوامر صادرة من ابن الرئيس اوس ، اين هو اصلا ولما غادر من المكان ، هل يعقل بأن يكون قد هرب من المهمة كما يفعل عادةً ، انه لا يجيد سوى اصدار الأوامر وكأنه رئيسنا وهو لا يستحق حتى ان يكون رئيس علينا"

عبست ملامح الذي تقدم امامه عدة خطوات وهو يقول بصرامة حادة
"اصمت يا شعيب فأنت بهذه الطريقة قد بدأت تتجاوز حدودك المرسومة مع ابن الرئيس ، فهذا الذي تتكلم عنه يكون اعلى مرتبة منك ولا تستطيع مجابهته لأنه يملك الحق بطردك من العصابة واذاقتك قسوة لم تذقها بحياتك"

اتسعت ابتسامته بعجرفة لبرهة وهو ينهض ليقف امامه بعد ان سحب شعر الساكنة من خلفه وهو يوقفها معه رغما عنها قائلا بابتسامة باردة بغموض
"لا تقلق فأنا لن افعل شيئاً مخالفا للقوانين ولست من الجنون حتى احاول مجابهة ذلك الطفل ، ولكني افكر بفعل شيئا مع هذه الفتاة لكي لا تحاول تجاوز حدودها معي مرة أخرى ، ولن يمانع احد على هذا ، فيبدو بأن ابن الرئيس غائبٌ الآن ولن يعود قبل ساعات"

تجهمت ملامح الواقف امامه وهو يمسك بذراعه الممسكة بشعرها قائلا بحزم جاد
"اتركها يا شعيب فهذه اوامر اوس وهو الذي قال بأن لا يتجرأ احد على التعرض لها ، لذا اتركها حتى يأتي الرئيس ويتصرف بأمرها قبل ان يحدث ما لا يحمد عقباه"

تجمدت ملامحه بلحظة وهو يعود للخلف نافضا يده بعيدا عن ذراعه ليلوح بعدها برأس التي اصبحت بجانبه وهو يشدد من القبض على خصلاتها قائلا بجفاء
"ولما كل هذا الدفاع والخوف على الفتاة ، ألا ترى بأنك تبالغ بكل هذا الحرص على سلامتها ، فهي مجرد فتاة عاهرة من تلك الفتيات اللواتي يعملن بمجال الإجرام ، فقد نسيت ما قاله الرئيس عنها بأنها ابنة قيس الروحية والمعروف عنها بشريكته السرية وسبب نجاح كل مخططاته الحقيرة ، وهذا يعني بأنها لا تقل عنا خباثة وحقارة ولن يمانع احد لو علمتها بعضا من دروسنا بالدناءة"

ازدادت ملامحه شراسة وهو يحرك رأسه بعدم اقتناع ، ليقطع الأجواء المشحونة بينهما دخول شريكهم الثالث من اعضاء العصابة وهو يجتاح الغرفة قائلا بانفعال لاهث
"مصيبة لقد اصيب عمار بساقه ، وهناك احدهم....."

توقف عن الكلام بانقباض وهو يحبس انفاسه ما ان شعر بشيء حاد مصوب فوق رأسه مباشرة ، بينما اتسعت العيون الناظرة له بصدمة ألا نظرات قاتمة بقيت مخفضة حدقتيها للأسفل بدون اي حركة وهي تشعر بالشحنات المتنافرة قد ملئت الغرفة الصغيرة حتى كاد يضيق المكان بهم جميعا !

اخترق ضباب افكارهم الذي كان يصوب فوهة المسدس فوق رأس الواقف امامه وهو يرفع يده الأخرى ليمسك بها كتفه بقسوة قائلا بتهديد خطر حفر بملامحه الجامدة
"إذا صدرت من اي احد منكم حركة واحدة ولو مجرد نفس فسأفرغ طلقات هذا السلاح برأس هذا الأحمق مثل ما فعلت بالذي سبقه ، لذا استسلموا لي بمنتهى الهدوء بدون مزيد من المشاكل والإصابات"

بقيت الوجوه جامدة بهدوء للحظات ونظراتهم ما تزال معلقة به قبل ان يرفع بسرعة المدعو (سالم) مسدسه وهو يصوبه برأس الفتاة الممسكة بها رفيقه قائلا بتصلب مشتد
"إذا حاولت اصابته بأي اذى ، فاعلم بأن رأس الفتاة سيكون هو الضحية وستخسرها مقابل الرجل والذي تصوب المسدس فوق رأسه"

ارتفع حاجبيه بخفة وملامحه ترنو بين الهدوء والجمود وكأنه غير مبالي بما يفعله وينوي على فعله بقتلها امامه وهو يقرب فوهة المسدس الخاص به من رأس الرجل وكفه تشدد على كتفه وهو يكاد يسمع صوت طرقعة عظام الرجل الممسك به بقسوة ، بينما التي ما تزال تخفض رأسها للأسفل وخصلاتها القابضة هي ما تعلقها عن السقوط وهي تتنفس بنشيج خافت تكاد تزهق انفاسها من المكان والذي شح منه الهواء فجأة بانهيار وشيك وهي تشعر براحة كبيرة وبدنو نهايتها قد اقتربت اخيرا وكأنها جسد معلق بين الحياة والموت !

اخترق فجأة بلحظة غادرة صوت الصفارات الخاصة بسيارات الشرطة على مقربة منهم ، لينسحب عندها بلحظة اللون من الوجوه الناظرة له وخاصة الذي كان يصوب بمسدسه على رأس الفتاة ، ليقول بعدها الذي كان يبتسم امامهم ببرود مشمئز
"لقد اخبرتكم ان تحذروا ، ولكنكم لم تسمعوا نصيحتي ، وها قد اتى من سيحاسبكم على شر اعمالكم والتي لن يكفيها عقاب السجن والذي يكونوا اقل ما يستحقه امثالكم ، لذا عليكم الآن التعامل معي باللين وترك الفتاة قبل ان يحدث ما هو اسوء من وضعكم والذي لا تحسدون عليه ، واظن بأن الهرب هو افضل ما عليكم التفكير به الآن"

سقطت ذراع المقابل له والممسكة بالمسدس بعد ان وصل به الرعب والخوف لأقصاه قبل ان يتحرك بعيدا وهو يجري لخارج الغرفة بأكملها بلمح البصر ، بينما تجهمت ملامح الممسك بالفتاة وهو ينظر للذي كان يتقدم باتجاهه بثبات بعد ان دفع الذي كان ممسك به بعيدا عنه بقسوة ، وما ان وقف امامه تماما حتى اخرج (شعيب) سلاحه الآخر من جيب بنطاله بلحظة وهو يقدم الساكنة بمكانها امامه بعد ان ترك شعرها ليلف ذراعه حول عنقها وهو يضع فوهة المسدس بجانب رأسها هامسا بشراسة
"خطوة اخرى امامها وسأقتلها بدون ان يرف لي جفن ، فأنا عكس ذلك الجبان لا اهاب احدا ولا الشرطة ، لذا من الافضل ان تتركني انا والفتاة لأني مهما حدث لن اتركها لأحد"

وقف امامه مباشرة وهو ينظر له ببرود يخفي الكثير ليبتسم بعدها بدون اي مرح وهو يتمتم باقتضاب
"وهل تظنني سأتركها بين يديّ مجرم مثلك وارحل ببساطة ، لقد اتيت لأخذ ما يخصني من هذا المكان لأرحل من هنا بسلام ، ولكن يبدو بأنكم لا تعرفون شيئاً عن السلام حتى اضطررت لأصيب احد من رجالكم الحمقى"

ضحك المقابل له باشمئزاز وهو يشدد من تطويق عنقها بذراعه بلحظة هامسا بخشونة ساخرة
"يا لك من سخيف يبدو بأنك من الاشخاص المتحضرين ومن سكان المدينة المترفة ، وهذا يعني بأنك لست من اقارب المدعو مازن والذي كنا نحاول استدراجه لهنا ، ولكن الغريب هو ما لذي يربطك بهذه المجرمة الدنيئة والفاجرة ، والتي تكون بعيدة كل البعد عن التحضر ام انها قد خدعتك بإخفاء ماضيها الملطخ بقذارة والدها الروحي وبعالمهما الإجرامي والذي يفوق عالمنا دناءة....."

شهق بانتفاض لوهلة ما ان غرزت الواقفة امامه بمرفقها الحاد بمنتصف معدته بلحظة خاطفة بكل قوة قبل ان تركله بقدمها من الخلف على ساقه ليسقط ارضا بجمود للحظات وهو يمسك معدته بألم متشنج بعد ان سقط المسدس بجانبه ، لتستدير بعدها نحوه بعنفوان وهي تعيد شعرها المنفوش للخلف بقوة قبل ان تنحني امامه قليلا بجذعها بلحظة لترفع يدها عاليا من فورها قبل ان تهبط بها على جانب وجهه الحاد بصفعة قاسية وبسرعة خاطفة وهي تعيد الكرة اكثر من مرة وكأنها تنفث به غضبها الوحشي والذي تحرر دفعة واحدة وهذا ليس جديد على فتاة تعايشت وتأقلمت بين اعتى الوحوش على وجه الأرض حتى اصبحت جزء من ذلك العالم والذي انكشف حقيقته لوهلة !

وقد كان كله يحدث امام نظرات سوداء متسعة بدهشة لم يفق منها بعد وهو يتقلب على سيخ مشتعل بانصهار بعد كلماته الصادمة لذلك المجرم بالنسبة له والتي كانت تخرج منه بثقة بالغة بدون ان يتبين صدقها من كذبها ؟ وإذا كان حقا مجرد تمثيل رخيص امامه من مجرم حقير مثله يحاول تشويه سمعة ابنة عمته امامه لا لشيء سوى للتسلية ؟ والافظع من كل ما حدث معه هو ردة فعلها على كلامه والصفعة والتي اهدتها لذلك المجرم بل الصفعات المتتالية بدون اي حدود او تردد وكأنها كانت تنتظر الفرصة المناسبة لتُقدم على هذه الحركة المتهورة والتي يراها قمة الامتهان والابتذال !

افاق من افكاره بامتقاع وهو يتابع خطوات التي سارت للحمام الملحق بصمت لتخرج منه بعدها بثواني قبل ان تتجه لزاوية بالغرفة لتلتقط حقيبتها ببساطة بدون ان يفهم شيئاً من حركاتها والتي تبدو مبرمجة على فعل شيء معين مثل الحواسيب ؟ بينما كان ما يزال الآخر ملقى على الأرض وهو يتلوى بألم وزمجرة وكأنها سمكة على وشك الموت من نقص الاكسجين بعد خروجها من الماء .

سارت (ماسة) باتجاهه بهدوء وهي تنفض جانبي سترتها الجلدية بقوة مرجعة شعرها للخلف قبل ان تتجاوزه بلحظة قائلة بخفوت لا حياة به وكأنه يسمع صوتها لأول مرة
"لنرحل من هنا"

التفت برأسه باتجاه باب الغرفة بقوة والذي خرجت منه للتو وهو يحاول استيعاب كم الحقائق والتي عليه التعايش معها مقدماً وتقبلها بحياته مرغما وفوقها حقيقة بأنها من النوع المرغوب به من قبل المجرمين والذين يحومون من حولها دائما بدائرة متسعة وهو يخشى فقدانها بمنتصف تلك الدائرة كلما غفلت عينه عنها بقصد او بدونه .

_______________________________
تنهدت بهدوء وهي تنفخ الهواء من شفتيها بوجوم وقنوط وحاجبيها البنيين معقودين برقة متناغماً مع تقاسيم وجهها الحزينة وكأنها قد انفصلت عن العالم بأكمله لتسبح بعالمها الآخر والبعيد كل البعد عن واقعها ولكن الاختلاف هذه المرة هو عدم ظهور ابتسامتها الحالمة والتي تشاركها دائما بكل لحظات شرودها وقد بدأت خيوط احلامها الوردية والتي لطالما تشبثت بها منذ طفولتها من الزوال من عالمها تدريجيا ، فما لذي تغير بها يا ترى ؟ ولما كل هذا الوجوم والحزن والذي يحيط بروحها منذ يومين واكثر وتحديدا منذ زيارته لمنزلهم واتفاقهم على شروط زواجها المزعوم والذي تبين بأنه سيكون مجرد عقد قران بالمنزل وبعدها تصبح زوجته ببساطة بدون اي حفلات او مقدمات نسجتها بوحي خيالها لتتحول احلامها ومطالبها الكثيرة بلحظة لمجرد سراب بعثرها الواقع ؟ فهل هناك المزيد عليها التضحية به وتحويله لبقايا احلام ما تزال تتشبث بأرض مخيلتها الواسعة ؟

شددت من القبض على يديها المستريحتين فوق ركبتيها حتى جرحت لحم باطن كفيها بأظافرها وهي تحيد بحدقتيها العسليتين لبرهة للهاتف الموجود فوق المنضدة وهو ساكن تماما بدون اي حركة ، لتزم بعدها شفتيها الورديتين بقهر مقيت وهي تنتظر اي اتصال منه ولو كان مجرد رسالة صغيرة تطمئنها بأنه مازال على الوعد ، ذلك الوعد والاتفاق والذي يتعلق بعقد قرانها والذي تحدد بنهاية الاسبوع وهو يعدهم بأن يجهز كل شيء بخصوص عقد القران القريب ولن يبقى لها عندها سوى ان تكون مستعدة بذلك اليوم لتذهب لحياتها الزوجية والتي لا تعلم ما تخبئ لها ؟

ولكن الذي يحيرها منذ فترة هو انقطاعه عنها وعدم الاتصال بها ولو من باب الذوق والاحترام باتجاه خطيبته والتي يربطه بها زواج قريب وحياة ابدية كما يحدث مع جميع المخطوبين ! هل يعقل بأنه لا يحبذ هذا النوع من الاتصالات ام انه يخجل من الكلام معها ؟ وكم سيكون هذا مضحكاً لو كان صحيحاً على رجل حاد ببشرة سمراء قاسية شبيه برجال المخابرات مثله يخجل من اجراء اتصال عابر يدور بينه وبين خطيبته !

تنفست بهدوء وهي تبعد وجهها بلحظة لتوجه نظراتها للذي كان يطرق على باب الغرفة مخترقا غمامة احلامها الشاردة ، لتسمح له بعدها بالدخول وهي تعتدل بجلوسها رافعة كفها لتمسح بها وجنتها المحمرة برفق .

رفعت نظراتها للداخل والذي كان يبتسم لها ببشاشة لا تفارق ملامحه المتغضنة بشحوب ، ليتقدم بعدها امامها عدة خطوات قبل ان يقف بجانب سريرها وهو يقول بخفوت متزن
"هل ازعجت خلوتكِ بدخولي لعالمكِ يا عروس"

ابتسمت بحياء وهي تقبض على كفيها معا هامسة بخفوت شديد
"لا انا فقط كنتُ شاردة بعض الشيء"

اتسعت ابتسامته بغموض وهو يهمس بثبات
"إذاً ألن تخبريني عن السبب والذي جعلكِ تتغيبين عن الجامعة ليومين متتاليين ، ولا تقولي بأن السبب هو زواجكِ القريب فهو لا علاقة له بكل ما يحدث معكِ ، ام انكِ تفكرين بترك الجامعة"

عضت على طرف شفتيها بتشنج لوهلة وهي تهمس بابتسامة حزينة بشرود
"لقد اخبرتك يا ابي ، انا فقط اشعر بالتعب والإرهاق وتفكيري مشتت بأمور كثيرة عليّ فعلها قبل موعد عقد القران بما انه بنهاية الاسبوع ، لذا ليس لدي الكثير من الوقت للانشغال بأمور اخرى غير عقد القران"

مرت لحظات ساكنة بينهما لا يقطعها سوى صوت انفاس الجالسة بمنتصف السرير وصدرها يرتفع ويهبط لا إراديا وبانفعال متهدج من تحت قميص بيجامتها القطنية ، لتسمع بعدها صوت خطوات ثابتة تتجه نحوها قبل ان يحط بيده على رأسها بلحظة وهو يمسح على شعرها البني الناعم بحنان قائلا بنبرة صوته المتعبة من المرض
"لا بأس يا صغيرتي افعلي ما يريحك وما ترينه مناسباً لكِ ، وتذكري بأن والدك سيبقى دائما موجودا بعالمكِ مهما ابتعدتِ عنه واصبح لديكِ عائلة خاصة بكِ وحياة مستقلة ، فأنا سأحاول ان ادعمكِ بقدر ما استطيع ما دام هناك روح تنبض بداخلي لم تأخذ مني للآن"

اغرورقت اطراف مقلتيها بالدموع السابحة بألم وهي ترفع وجهها ببطء هامسة بعبوس
"ابي...."

قاطعها بقوة وهو يضع مذاكراتها والتي كان يمسك بها فوق المنضدة الجانبية برفق قائلا بابتسامة جادة
"ركزي على مذاكراتكِ جيدا يا صفاء ، ولا تجعلي اي شيء يحطمكِ او يجعلكِ تتراجعين عن تحقيق احلامكِ بحجة انكِ اصبحتِ امرأة متزوجة ومستقلة ، وانا اثق بالخيار والذي ستختارينه بخصوص إكمال دراستك"

زمت شفتيها بحزن وهي تراقب والدها بعيون عسلية دامعة بصمت ، ليبتسم لها باتساع متغضن للحظات بكل حنان العالم قبل ان يربت على رأسها بهدوء ليسير بلحظة بعيدا عنها بصمت ، وقف بعدها امام باب غرفتها لبرهة وهو يمسك بمقبضه ليقول عندها بإشارة من رأسه للمذاكرات فوق المنضدة
"بالمناسبة لقد وصلتني هذه الأغراض عند باب بيت المنزل واعتقد بأنها اغراض مهمة جدا بالنسبة لكِ ، وخاصة بأنها من صديقتكِ العزيزة والغالية على قلبك ، لذا إياكِ ان تقاطعيها مرة اخرى فهؤلاء الاصدقاء لا تجدينهم كل يوم"

انفرجت شفتيها بارتعاش مذهول للحظات وهي تنظر لباب الغرفة والذي اغلقه من خلفه برفق ، لتنقل بعدها نظراتها من فورها للمذاكرات فوق المنضدة قبل ان تضيق عينيها لبرهة وهي تطيل النظر بها ما ان لمحت عبارة لقطتها بسرعة بمقلتيها الدامعة (من ماسة إلى صفاء ، انا اعتذر) .

لم تشعر بابتسامتها وهي تنير ملامح وجهها الحزينة ببريق سعادة فقدت طريقها منذ ايام ، لتضحك بخفوت تلقائياً بدون اي مرح فقط شعور قديم طفولي يدغدغ كيانها بسحر تلك اللحظات وكأنها عادت طفلة بعمر السبع سنوات تعاتب صديقتها وتقاطعها بطريقتها الطفولية لتحاول الأخرى إيجاد منفذ لتنير به روحها بصفاء الصداقة الأبدية والذي لا يتأثر بسوء الأوضاع فهكذا اعتادت وعلى هذا تعايشوا ، وها هي تصلها رسالة منها والتي تثبت بأنها لم ولن تنسى ذلك الرابط الصادق والذي يجمعهما منذ امد بعيد وبنفس الوقت ما تزال على العهد بينهما فقط تنتظر بعض الوقت حتى تتداوى القلوب وتعود لصفائها الدائم .

______________________________
كان يريح مرفقه على جذع الشجرة بجانبه ونظراته ساهمة بالبعيد بجمود مع حاجبيه المقوسين عند ندبة منتصف حاجبيه بحدة وهو يتابع بتركيز منقبض النافذة امامه والتي كان يظهر منها بعض الأخيلة المتحركة من خلف ستارها الخفيف والمتطاير مع الريح بدون ان يسمح له برؤية صاحبة الخيال والتي تسكن تفكيره وكيانه منذ فترة طويلة لم يعد يعلم مدتها ومن اين بدأت تحديدا ؟ فكل ما يعلمه بأنه لا يهنئ له بال ألا إذا رآها امامه ولو طيف من خيالها بدون ان يهتم بالألم والذي سيعذب روحه بالمقابل بعد ان لمح شيء منها ، وهو الذي حُرم من كل شيء يخصها منذ خرجت من حياته مخلفة فجوة مظلمة بدواخله لم يستطيع احد ترميمها وهي تزداد اتساعاً كالشرخ بدون ان يكون بمقدوره فعل شيء حيالها ، وماذا يستطيع ان يفعل مثلا بعد كل ما حدث وحصل لتصل علاقته بها لأسوء من الحضيض وكله بسبب كذبة اودت بحياته للجحيم لتصبح من شبه المستحيلات ان تعود لسابق عهدها وهذا ما يثبته كلامها الأخير له والذي كان مثل السم بالنسبة له فهي تُفضل الموت على العودة إليه ؟! ولكن يبقى هناك دائما امل يداعب مخيلته بكل يوم بأن كل هذا سيتغير يوما ما ليعود كل شيء كما كان عليه بالماضي وافضل وكأن شيء لم يكن .

ابتعد بسرعة وهو يخفض مرفقه بلحظة ليتراجع بخطواته وهو يستدير ليقف خلف الشجرة تماما ما ان لمح طيفها وهو يحاول سحب الستار بعيدا عن النافذة ، اخفض جفنيه المجهدين فوق عينيه بقوة وهو يشعر بنظراتها الموجهة للشجرة المختبئ من خلفها وهي تشكل حاجز بينهما بدون ان يتجرأ على مواجهتها ولو من نظرة من طرف عينيه والتي قد تكلفه كل ما يملك وخاصة بأنها ستزيد المسافة اكثر بينهما وقد تحرمه ايضا من بقايا رؤية طيفها وآخر ما تبقى لديه منها .

عقد حاجبيه بقوة وهو يقطب جبينه بحدة ما ان شعر باهتزاز الهاتف بجيب بنطاله ، ليخرجه بعدها بلحظات بملل قبل ان يجيب عليه قائلا بنزق
"ماذا تريد ، ألم اخبرك بأن تتصرف بدوني وتتوقف عن الاتصال بي ، فأنا ليس لدي وقت لكل هذه السخافات والتي يصدرها ابي....."

قاطعه من بالطرف الآخر وهو يقول بتلعثم مذعور
"ولكن الأمر مهم جدا يا اوس ، فقد فشلت المهمة بأكملها ، واكيد والدك سيقتلنا جميعا عندما يعلم بما حدث"

ضيق عينيه بتفكير للحظات وهو يصرخ انفعال
"ماذا تقصد بكلامك ، هل حدث مكروه للفتاة"

قال من بالطرف الآخر بسرعة بارتباك
"لا ليس هذا ما اقصده ، ولكن الذي حدث بأن الفتاة قد هربت مع الرجل والذي اقتحم المكان وقد جلب معه الشرطة ، ونحن الآن بمأزق كبير فالرئيس لم يعلم شيئاً بما حدث ، وحتى ان احد الرجال قد انصاب وامسكت به الشرطة مع رجل آخر"

ابتسم بهدوء بدون اي تعبير لبرهة وهو يهمس بلا مبالاة متجاهلا كلامه الأخير
"حقا هذا جيد ، كان عليك قول هذا منذ البداية ، لقد ارحتني حقا بهذا الخبر السار ، فقد كنت افكر بطريقة سريعة لأنتهي من هذه المهمة واتخلص منها ومن رئيسها"

ردّ عليه من بالطرف الآخر بعدم رضا
"ما هذا الكلام يا اوس ، لو سمعك الرئيس لما خرجت من بين يديه حياً ، انا اقول بأنه من حسن حظك انه يكون والدك وغير هذا لا احد يتحمل مثل هذه التصرفات الا مبالية والإهمال والذي تتعامل به بحياتك العملية وبمثل هذه المواقف الجدية....."

قاطعه بنفاذ صبر وهو يحرك رأسه بحدة
"يكفي يا سالم عليّ ان ارحل الآن ، وانت اسبقني لمقر الرئيس وانا قادم لن اتأخر عليكم ، لنرى ما هو نوع العقاب والذي سيسلطه علينا هذه المرة"

ردّ عليه من فوره بسخرية
"عليك ان تقلق على نفسك فأنت الذي تحصل دائما على النصيب الأكبر من العقاب ، وهذه هي مساوء ان يكون والدك رئيسك"

اقفل الخط بدون ان يضيف تعليق آخر على كلامه وهو يخفض الهاتف للأسفل بوجوم قاتم ، ليلتفت بعدها بوجهه ناحية النافذة والتي اصبحت مغلقة والستار يغطيها بالكامل بعد ان اختفى كل اثر من طيفها ، ليبتسم عندها بلحظة بشرود وهو يبتعد عن الشجرة وعن كل شيء موجود بمجالها وانفاسه تخرج متلاحقة بانفعال حاد عاد للسيطرة على دواخله بتشنج منقبض وهو يودع آخر خيال حطت عليه عينيه وعبارة واحدة تتردد بذهنه كلما غادر هذا المكان

(ارحل من هنا يا سفاح ولا تعد مرة أخرى ، واياك وان اراك امامي ولو لمحت طرف من خيالك فلن تتوقع عندها ما ستكون عليه العواقب)

_____________________________
كانت تريح جانب رأسها على زجاج النافذة وهي تنظر للطريق الطويل امامها ولغروب الشمس خلف الأفق والذي غيم على الأجواء بينهما لساعات بصمت قاتل بدون ان تعلم كم الساعة الآن وكم قضت من الوقت وهي على هذه الحال ؟ ولكن ما تعلمه جيدا وموقنة منه بأن حال الجالس بجانبها خلف المقود غير مطمئنة ابدا وقد تكون مشاعره الآن قد تغيرت نحوها كلياً بعد ذلك الحدث والذي كشف كل ما هو مستور حاولت دفنه بعيدا عن الأعين لتتعرى الحقيقة امامه بأقبح صورة ، وهذا واضح من طريقة إمساكه بالمقود بقبضتين متصلبتين وملامحه تتلون بين العبوس والاستياء بعيدا عن البرود والذي اعتادته منه وهو يضرب المقود بقبضته المتصلبة بكل دقيقة وكأنه يفرغ بها شحناته المتنافرة بهذه الطريقة قبل ان تخرج على شكل آخر لن يعجب كليهما وهذا هو اكثر ما يتميز به هذا الشخص هو ضبط النفس والتحلي بالصبر لأبعد الحدود !

تنفست بهدوء وهي تقطع الصمت القاتل والذي يكاد يخنقها لأول مرة وهي التي اعتادت على الصمت بحياتها هامسة بشرود
"هل انت بخير"

تصلب فكه بجمود لبرهة ما ان سمع همستها الخافتة ببرود وهو لا يعلم هل يفرح لأنها نطقت اخيرا بعد كل ذلك الصمت والذي ظن بأنها لن تخرج منه ابدا ؟ ام يحزن لأنها تسأل عن حاله ببساطة بدون ان تشعر بأي ذرة تأنيب ضمير على ما حدث امامه ؟ وهي للآن لم تقدم له التبرير الشافي والذي يطمئن قلبه وعقله عن العصف الذهني والذي حلى عليه منذ ذلك الكلام والذي ضرب ما تبقى له من منطق وتفكير ادراج الرياح .

فهل يفهم من كل هذا بأن كل ما حدث امام عينيه وسمعه بأذنيه صحيح ؟ وما لذي اوصلها لوقرهم ذاك من الأساس ؟ ألا إذا كانت جزء من ذلك العالم الإجرامي وكم يدعوه هذا للنفور والجنون ، ولم يعد يستبعد اي شيء يصدر عنها بعد ان رأى بعينيه طريقتها بصفع الرجل واطاحته ارضا بعد ان قلبت اللعبة والطاولة لصالحها واصبحت المجرمة هنا وهو الفريسة !

زفر انفاسه بحدة وهو يعود لضرب المقود بقبضته بقوة ليتمتم عندها بجفاء بارد
"وما لذي ترينه امامك"

ابعدت رأسها ببطء عن النافذة وهي تهمس بابتسامة باهتة ببرود
"لا تبقى صامتاً هكذا وقل ما يدور برأسك ، فهو افضل من كبته بهذه الطريقة والتي تدعو للشفقة"

زم شفتيه بوجوم وهو يعقد حاجبيه بغموض بآن واحد قبل ان يوقف السيارة بجانب الطريق بقوة حتى ارتد رأسيهما للأمام بدفعة طفيفة ، ليتنفس بعدها بانفعال منصهر يشعر به اشعل احشاءه بنيران مندلعة تأبى الخمود وهو ما يزال يشدد من القبض على المقود بقوة حتى ابيضت مفاصلهما واصبعه الإبهام يضرب بمقدمة المقود بحركة رتيبة مرددا بالاستغفار كما يفعل بتلك الطريقة عندما يجتاحه الغضب المجنون ، ليتمتم بعدها بعد عدة ثواني بجمود
"وماذا تتوقعين مني ان اقول مثلاً بعد كل ما حدث ورأيته ، بينما انتِ من عليكِ الشرح والتفسير لكل ما حدث معكِ منذ بداية وجودك بذلك المكان حتى خروجنا منه ، فما لشيء الذي يربطكِ بذلك المكان بل بالأحرى ما لذي يربطكِ بهؤلاء الأشخاص"

عضت على طرف شفتيها الحمراوين للحظات بصمت وعينيها الزرقاوين متسعتين ببهوت وكأنها قد انفصلت عن العالم بأكمله ليبقى عقلها فقط العالق بين الحاضر والماضي وفكرة واحدة تعصف برأسها على الدوام (ابنة المجرم تجاوزت والدها بأضعاف) .

انفرجت شفتيها بأنفاس حادة لوهلة وهي تتمتم بتصلب خافت
"ابنة مجرم ، وهل كنت تتوقع غير هذا منها"

تصلبت ملامحه وهو على وشك الانفجار بها بأية لحظة بدون ان تأبه بالضغط والذي يعاني منه وهو يكتمه بشق الأنفس ، ليعود لضرب المقود بقوة اكبر وهو يقول بغضب مكبوت
"هذا ليس وقت السخرية فكلامي واضح جدا ، ام تريدين مني ان ألقنكِ السؤال بطريقة اخرى حتى تفهمي"

التفتت بوجهها نحوه بترقب وهي ترفع حاجبيها بخفة قائلة بابتسامة باردة باستهانة
"وهل ستتجرأ على فعلها ، هل لديك الجرأة لمحاولة إرغامي على فعل ما لا اريد لتصل لما ترغب به والإجابة والتي تريح بها قلبك وعقلك"

ادار وجهه نحوها بتصلب ليصبح وجهه بلحظة مقابلا لها قبل ان يدنو منها اكثر ببطء حتى اصبح لا يفصل بينهما سوى شعرة فقط وهو يركز على عينيها بترقب مشتد وبحاجبين معقودين بحدة ليتتبع تفاصيل ملامحها الجليدية بافتراس قبل ان يتوقف لبرهة على ابتسامتها والتي تحتل شفتيها الحمراوين وهي تتسع بسخرية باردة متضامنة مع باقي ملامحها والتي تنضح سخرية وشماتة من توقعها وثقتها بفشله الذريع امامها ، ليهمس بعد عدة لحظات صمت بخفوت واجم وكأنه قد خسر للتو الحرب الباردة بينهما
"سحقاً لكِ من مجرمة"

انتفض وهو يرجع رأسه بعيدا عنها بحركة سريعة بجمود مع ارتفاع حاجبيها بدهشة بذات الوقت ، لتتعقد بعدها ملامحها بذهول متوجس ما ان خرج الآخر من باب السيارة وكأنه يحاول تقبل هزيمته امامها بعيدا عنها وهو يبدو قد اوصلته لدرجة من الغضب تفوق احتماله اكثر من أي مرة ؟

تنهدت ببعض الراحة بعد ان تخلصت من وجوده اخيرا والذي كان يسبب لها الإزعاج والضغط وكأنها محط استجواب ، ولكنها مع ذلك لا تستطيع ترك كل شيء معلقاً هكذا وألا قد يفكر باستخدام اسلوب آخر باستجوابها قد يوصلها لحافة الانهيار فهذا الرجل ليس بالهين ولا تستطيع التكهن بدواخله كما يظهر عليه بل يخفي من خلف واجهته الباردة مكر ودهاء تعلم عنه جيدا .

رفعت نظراتها لبرهة نحو الواقف على بعد خطوات من السيارة بجسده الطويل من تحت قميصه الناصع البياض والذي يظهر بوضوح عضلات ومنحنيات جسده المتصلبة بقوة من تحت نور الشمس الخافت بهذا الوقت من الغروب والشمس على وشك الرحيل ، ضربت بطرف أصبعها السبابة على جبينها بقوة لتفيق من افكارها البلهاء والتي ليس لها داعي الآن وهي تعزم امرها على الخروج إليه ، لتفتح بعدها بلحظة الباب بجانبها وهي تخرج منه بهدوء ونظراتها لم تفارق الجسد الواقف امامها يعطيها ظهره بوقفته المتصلبة امام غروب الشمس وبمنطقة تخلو من الأحياء السكنية وبأرض قاحلة .

سارت باتجاهه ببطء وهي تعانق سترتها الجلدية بذراعيها بقوة والرياح الباردة تتلاعب بخصلات شعرها الفوضوية من ايدي المجرمين بدون ان تهتم بترتيبها او إبعادها عن مجرى نظرها ، لتصل بعدها خلفه مباشرة قبل ان تتنحنح بتشنج لوهلة وهي تهمس بخفوت شديد
"اسمع ، متى سنعود للمنزل...."

قاطعها من كان يقف امامها بشموخ بدون ان يلتفت نحوها ولو قليلا
"هل حقا انتِ مجرمة مثل زوج والدتك قيس ام انكِ حصلتِ على اللقب فقط بدون ان تلطخي نفسكِ بمعناه"

زمت شفتيها بحنق وهي تهمس باقتضاب
"فكر بما تشاء ، فأنا لست مضطرة لأجيبك عن شيء"

شهقت بجزع ما ان استدار الجسد امامها دورة كاملة لينقض عليها بلحظة وهو يكبل ذراعيها بقبضتين قويتين وقبل ان تتدارك نفسها مما هي فيه كان يهمس امام وجهها وهو يشبع بشرتها الجليدية بأنفاسه الحارقة بسخونة
"اريد فقط جواب واحد وصريح ، ولن تفلتي مني قبل ان احصل عليه فقد وصلت لمرحلة لم اعد اميز بها بين الصواب والخطأ ، لذا تكلمي بوضوح هل ما قاله ذلك المجرم الحقير عنكِ صحيح ، وهل انتِ جزء من ذلك العالم الإجرامي وما يفعلونه فيه ، وماذا كنتِ تكونين بمنزل زوج والدتك"

انفرجت شفتيها بانشداه مرتعش للحظات وهي تهمس بانفعال حانق
"انت كيف تتجرأ....."

قاطعها وهو يصرخ بتصلب مشتد جمدها بمكانها كبرودة المكان من حولهما
"اجيبِ بنعم او لا ، وألا لن يمر هذا اليوم على خير ، فأنتِ لا تعرفين شادي الفكهاني كيف يصبح عندما يصل به الغضب لأقصاه ويتخلى عنه قناع الصبر والبرود"

عبست بارتجاف بلحظة ولم تعجبها نبرة صوته الجديدة عليها بآخر كلماته وعينيها متسعتين بتوجس قاتم ، لتخفض بعدها نظراتها للأسفل ببطء وهي تتمتم ببرود جليدي بعد ان قررت ان ترحمه بإجابته لتنتهي من هذا اليوم الطويل والذي استنفذ كل قواها الجسدية
"نعم"

شعرت فجأة بتشنج قبضتيه على ذراعيها وارتجاف عضلات صدره القريبة منها وهو يخفف من تكبيلهما بدون ان يتركهما ، لترفع بعدها نظراتها المتوجسة بحذر نحوه قبل ان ترفع حاجبيها بوجوم عابس ما ان لمحت نظراته السوداء القاتمة والتي كانت تنظر جانبا بتصلب بعيدا عنها بدون اي تعبير وكأنه لم يعد قادراً على النظر لها اكثر من هذا بعد ان قدمت له ذلك الجواب ! فهل بدأ يشعر بالنفور والاشمئزاز نحوها بعد إجابتها ؟

تغضن جبينها بألم موحش اطلقت سراحه ليتربص بروحها الباردة عند هذه النقطة لتحاول عندها تخليص ذراعيها من تكبيله بحركة عنيفة انزلت جانبي سترتها عن كتفيها قليلا ليظهر قميصها الداخلي بدون ان يسمح لها بالفرار ، ليعود بعدها للتشديد على ذراعيها بلحظة بقسوة وهو يقرب وجهها امام وجهه بحدة بدون ان يأبه بألمها ونظراته عادت للنظر لها بقوة وهو يهمس بخفوت مريب
"كيف حدث هذا ، هل كنتِ مرغمة على فعل كل هذا ام انكِ كنتِ تفعلينها بإرادتك الحرة"

عقدت حاجبيها ببطء شديد لبرهة وهي تتنقل بحدقتيها الزرقاء الداكنة بملامحه المتصلبة لتصل لعينيه السوداء والتي تكاد تبتلعها وتنهش دواخلها بدون اي رحمة وهي تحاول إخراج الحقيقة من جوفها ، نطقت بعدها بلحظات باستياء حاد
"لقد قلت بأنه سؤال واحد....."

قاطعها مجددا وهو يشدد على كلماته بحدة ومن بين اسنانه بتنافر وهو يحرقها بأنفاسه المشتعلة والتي اشعلت الأجواء من حولهما
"اجيبِ بمرغمة ام لا"

ردت عليه بصراخ منفعل
"مرغمة"

اخرج انفاسه براحة لتكون اقل سخونة على بشرة وجهها وهي تشعر بانقباض حاد بصدرها من كل هذا الضغط والذي تتعرض له منذ الصباح ، فمتى سينتهي كل هذا العناء ؟

وما ان رفعت وجهها نحوه حتى تجمدت نظراتها بلحظة على ابتسامته الغامضة ببرود بعد ان غاب التصلب عن ملامحه قليلا وكأنه قد حصل على مراده ! ليقول بعدها وهو يعبس بزاوية بابتسامته المريبة
"إذاً من هو السبب بوصولكِ لذلك المكان وعند هؤلاء الأشخاص ، هل يتعلق بماضي زوج والدتك ام من ابن شقيقه والذي خطفكِ من قبل"

تشنجت ملامحها لوهلة وهي تخفض نظراتها بوجوم لتهمس عندها بأنفاس باردة
"انه يتعلق بابن شقيقه وانا لست المقصودة بمخططهم"

حرك رأسه بعيدا عنها بتفكير للحظات وما ان كان سيعاود الكلام حتى سبقته التي عادت للانتفاض بقوة وهي تهمس بامتعاض خافت
"ألا يكفي هذا القدر من الأسئلة ، فقد مللت حقا من هذا الاستجواب المقيت"

نظر لها بهدوء للحظات وهو يحرر ذراعيها ببطء معيدا رفع سترتها لكتفيها برفق قبل ان يرفع يده لخصلة شعر طويلة كانت تتطاير مع الرياح امام عينيها وهي تحجب الرؤية امامهما ليدسها عندها خلف اذنها اليمنى بقوة وهو يتمتم امام وجهها بابتسامة هادئة بمغزى
"انتِ على حق بهذا ، سنتوقف هنا وليس من اجلكِ بل لأنه لدينا امور أخرى اهم علينا فعلها وحلها سوياً ، لذا لنسرع بإنجازها وبعدها سنفكر بباقي استجوابكِ والذي لم ينتهي بعد"

ارتفع حاجبيها بعدم استيعاب وبضعف قبل ان تتنهد بلحظة بإنهاك وبأنفاس مجهدة بكبت ، بينما ابتعد عنها الآخر بدون ان يطلق سراحها بنظراته والتي كانت تنظر لها بتركيز وبابتسامة هادئة ببساطة عادت لتحتل محياه من جديد وكأن غضبهما السابق والذي كان على وشك افتراسهما قد تبخر بلحظة غادرة غفلوا عنها !

نهاية الفصل وبانتظار آرائكم وتفاعلكم بفارغ الصبر

فتاة حلوة 01-08-21 08:21 PM

فصل جميل وفيه مفاجآة كثيرة شخصية اوس الغامضة الجديدة والمصيبة الي عاملها مازن احلام صفاء الوردية التي تحولت لسراب في دقائق سلمت اناملك يا مبدعة في انتظار القادم بشوق

روز علي 02-08-21 12:54 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة حلوة (المشاركة 15602251)
فصل جميل وفيه مفاجآة كثيرة شخصية اوس الغامضة الجديدة والمصيبة الي عاملها مازن احلام صفاء الوردية التي تحولت لسراب في دقائق سلمت اناملك يا مبدعة في انتظار القادم بشوق


تسلميلي حبيبتي على كلامك الجميل وتحليلك للفصل ، وإن شاء الله الفصول القادمة تحضى على إعجابك كذلك ، ولا تحرميني من تفاعلك الدائم ، دمتي بحب وسعادة 🌹🌹

روز علي 07-08-21 09:37 PM

الفصل العشرون
 
الفصل العشرون...........
كانت تجلس امام مكتبتها الخاصة وهي تمسك بالقلم بيد وتثبت الورقة بأصابعها بيدها الأخرى لكي لا تتحرك من مكانها وهي مشغولة بتسطير الجدول امامها بقلم الرصاص بتحديد والذي يحوي على اسماء الطلاب وارقام فصول كل واحد منهم بعد ان قضت ساعات وهي تحاول تنظيمه بالشكل المطلوب والمناسب والذي يعجب مدراء المدرسة العريقة لتستطيع تسليمه لهم كما طُلب منها ، فهذه هي وظائف المعلمة ومهامها اليومية والتي عليها إنجازها على اكمل وجه والمسؤولية الملقاة على عاتقها بخصوص طلابها بحجرات فصولها واي تقصير بحقهم سيكون كل اللوم عليها هي وحدها بما انها المسؤولة عنهم وعن كل مشكلة او تقصير يحدث معهم .

زفرت انفاسها بتمهل وهي ترفع يدها عن الورقة لتعيد خصلات غرتها المقصوصة عن حاجبيها بهدوء وهي تعقد حاجبيها بتركيز ، حادت بنظراتها قليلاً لبرهة للساعة الصغيرة والموضوعة عند زاوية المكتبة وهي تأخذ شكل الطائر العنقاء بتصميمها وقد كانت تشير للساعة الثامنة مساءً وهذا يعني بأن موعد العشاء مع العائلة قد حان فهذه العائلة اكثر ما يحرصون عليه هو اوقات ومواعيد الطعام .

زمت شفتيها بوجوم وهي تعود بنظرها للورقة امامها لترفع القلم بعيدا عنها وهي تغرزه بخصلات شعرها المعقودة معا بشكل ضفيرة طويلة لكي لا تضايقها بعملها ، تنفست بعدها بقوة وهي تتجاهل التفكير تماما بموعد العشاء فهي عليها ان تكمل عملها المتبقي وليس لديها الوقت للرسميات بين افراد عائلة لا يطيقون وجودها من اساسه وهي تشعر بنفسها بالفرد الثقيل على قلوبهم بالرغم من انها اصبحت زوجة ثانية لابنهم الكبير ولكن يبدو بأنه لا احد يريد تقبل هذه الحقيقة !

حركت رأسها بشرود لوهلة وهي تخفض القلم بعيدا عن رأسها لتخط به على الورقة من جديد وهي تزيد من الضغط على الخطوط السوداء القاتمة بالجدول امامها بتشنج حتى كادت تحفر بالورقة وتخترقها ، انتفضت بمكانها وهي تبعد القلم بسرعة مع استدارة وجهها بوجل بذات الوقت باتجاه باب غرفتها والذي كان يخرج منه صوت الخطوات عند جناحها بالخارج !

وقفت عن الكرسي بحذر وهي تتبع بانتباه صوت الخطوات قبل ان يتبعها صوت الطرق على باب غرفتها والصوت الهادئ بنبرته المتزنة تخرج من خلفه بتلك الصرامة المحببة
"روميساء ، هل يمكنني الدخول"

زفرت انفاسها بابتسامة هادئة وهي تفكر بأنه لم يزرها من قبل بغرفتها وبمثل هذا الوقت منذ دخولها للمنزل لأول مرة بصفتها زوجته ! نفضت الأفكار من رأسها بلحظة وهي تتجه لباب الغرفة لتفتحه بعدها بلحظات بصمت بدون ان تنظر له ، بينما تجمد الواقف خلف الباب بمكانه لبرهة ما ان لمحها امامه وهو يراها لأول مرة ترتدي بيجامة سماوية شتوية بلون البحر ولكن ما جذب انتباهه اكثر هو ضفيرتها الطويلة والمعقودة من مقدمة رأسها حتى نهاية خصلاتها والتي تصل لنهاية صدرها وهي مستريحة على كتفها الأيمن بسبب طول شعرها الكثيف وبعض الخصلات من غرتها المقصوصة والتي تمردت على الضفيرة بقيت تحف حاجبيها السوداوين وفوق جبينها العريض ، وهو الذي اعتاد على رؤيتها بتلك الهيئة الصارمة والمملة والتي تتقنها بوضع وظيفتها وكأنها تحمل كل هموم العالم فوق كتفيها والتي تظهرها اكبر من عمرها الحقيقي بكثير !

قطع عليه تأمله والذي طال كثيرا صوتها الصارم وهي تهمس بخفوت
"نعم يا احمد ، ماذا هناك"

رفع نظراته الرماية بغموض لوجهها وهو يقول بابتسامة هادئة
"لقد حان موعد العشاء ، ألا تريدين النزول"

عقدت حاجبيها بحيرة وهي تهمس بوجوم
"وهل وجودي معكم ضروري لتأتي بنفسك وتدعوني"

عقد حاجبيه بتصلب وهو يقول بتأكيد حازم
"اكيد وجودكِ ضروري ، فأنتِ زوجة ابن هذه العائلة إذا كنتِ قد نسيتِ ذلك"

ردت عليه بغموض وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بهدوء
"لم اكن اعلم"

زم شفتيه بجمود للحظات قبل ان يتنفس وهو يتمتم ببعض الجفاء
"ماذا افهم من هذا الكلام"

اخفضت نظراتها بعيدا عنه لوهلة وهي تعض على طرف شفتيها بتأنيب مما تفعله من تصرفات لم تعد تفهمها بنفسها ولم تخرج منها بحياتها ؟ لتقول بعدها من فورها بتفكير متصلب
"هل عادت ماسة من العمل"

تغضن جبينه بوجوم وهو يدس كفيه بجيبي بنطاله قائلا ببرود
"لا لم تعد بعد لا هي ولا شادي"

اومأت برأسها بجمود بدون ان تضيف تعليق آخر ، ليتابع بعدها بلحظة الواقف امامها كلامه وهو يقول بنفاذ صبر
"إذاً ألن تنزلي لمائدة العشاء ، فقد تأخرنا كثيرا"

تنفست بهدوء لبرهة وهي ترفع وجهها نحوه قائلة بابتسامة معتذرة
"لا استطيع مشاركتكم على المائدة هذه المرة ، فلدي اعمال مستعجلة عليّ انهاءها ولا استطيع تأجيلها ، لذا شكرا على اهتمامك"

تجمدت ملامحه ببرود للحظات وهو يراقب نظراتها المتسعة بشحوب قبل ان يهمس بخفوت حاد
"ولكنكِ انتِ تقريبا لا تحضرين اغلب مواعيد الطعام مع العائلة وكأنكِ تتعمدين التهرب دائما بحجة العمل ، فهل هناك ما يضايقك ويجعلكِ تتعمدين عدم الحضور"

زمت شفتيها بارتباك وهي تحرك رأسها بالنفي تلقائياً قائلة باستنكار
"غير صحيح ، فأنا حقا لدي عمل مستعجل ، وإذا كنت لا تصدق يمكنك ان ترى بعينك فأنا لا ألهو هنا مثلما تفكر"

تابع بنظراته التي ابتعدت عنه وهي تشير بذراعها للورقة فوق مكتبتها بزاوية الغرفة قائلة بعبوس صارم
"انظر هذا هو العمل والذي قضيت عليه ساعات لأستطيع انهاءه وغيرها الكثير من المهام عليّ انجازها قبل موعدها بالغد ، فأنا لست مثل مجال عملكم احصل على كل شيء جاهزاً بدون بذل اي مجهود او تعب"

ارتفع حاجبيه بدهشة حادة بلحظة من كلامها المندفع والمهين بحقه وهو يشعر بأنه المقصود من كل كلامها وكأنها تعلم ما لذي يفعله بالشركة وينجزه يوميا ؟ فمن هو الذي يحصل على كل شيء جاهزاً بدون تعب ؟

تقدم عدة خطوات جامدة نحوها قبل ان يقف امامها مباشرة ونظراته مسلطة على حدقتيها الخضراء الكبيرتين بهدوء ليتمتم بعدها بلحظة بجمود مقتضب
"روميساء أتظنين حقاً بأن هذا هو ما افعله بمجال عملي وبالشركة والتي ادير اغلب اقسامها....."

انتفضت للخلف لا إرادياً وهي تحرك ذراعها جانبا بدون قصد لتصدم بلحظة كأس الماء الموجود فوق المكتب قبل ان يقع فوق الورقة بجانبها لينسكب عندها كل ما بداخلها على عرض الورقة والتي بدأت تنمحي نصف كلماتها مع الجدول ، وما هي ألا لحظات حتى شهقت بجزع من اندفعت للمكتبة وهي تمسك من فورها بالورقة برهبة والتي تبللت بالمنتصف وتداخلت كلماتها بقلم الرصاص ببعضها وكأن تعبها بأكمله وكل جهدها والذي بذلته بالساعات الماضية قد ذهب ادراج الرياح بغمضة عين !؟

بينما كان الآخر يراقبها بحاجبين مرتفعين بتوجس من ردة فعلها القادمة مما حدث قبل لحظة وقد نسي سبب مجيئه لغرفتها من الأساس ! ابتلع ريقه بارتباك لوهلة وهو ينظر لسكونها الغريب والجديد عليه والذي يخفي من خلفه اعاصير قد تهدد حياتهما بأكملها بطقس جديد فهو لم يجرب بحياته غضب هذه الصارمة والتي يتوقع منها الكثير من الخبايا ؟

تنفس بحشرجة خشنة وهو يهمس بعبوس متصلب
"اسمعي انا لم اقصد ان يحدث كل هذا....."

حبس انفاسه وباقي كلامه بلحظة ما ان التفتت بوجهها نحوه بملامحها الشاحبة والتي تلونت باحمرار قاني وبعيد كل البعد عن الخجل والحياء والذي كانت تقابله به دائما ! وما صدمه اكثر وجمد عقله عن التفكير لوهلة هو حدقتيها الخضراء الندية بدموع القهر والتي تظهر لأول مرة بأطراف حدقتيها المستديرتين باحمرار شاحب ؟

قطع الخطوات بينهما بلحظات وهو يقول بارتباك متوجس
"روميساء انا حقا...."

قطع كلامه من الدفع القوي بصدره من قبضتيها المضمومتين وهي تضربه بقوة قائلة بغضب مكتوم
"اخرج من الغرفة يا احمد ، اللعنة عليك لقد اضعت كل تعبي هباءً وضاع كل وقتي وجهدي ادراج الرياح ، وكله بسبب وجودك هنا"

تنفس بكبت وهو يستقبل ضربات قبضتيها على صدره العريض للحظات بصبر قد ينفث القليل من غضبها الناري والذي يخرج لأول مرة بهذا الشكل ، وهي تتابع كلامها بقهر وغل شديد
"سحقا لك يا احمد لو انك لم تأتي لغرفتي لما حدث كل هذا ، واضعت كل تعبي والذي اهدرته الساعات الماضية هباءً....."

توقفت عن الكلام ما ان علقت الغصة بحلقها واوقفت حنجرتها عن الكلام والذي سبب شرخ بها ، لتتنفس بعدها بتهدج وهي تشدد من القبض على الورقة بيدها بعد ان افرغت كل شحنات قهرها وغضبها المكتوم وقبضتيها ما تزال تضرب على صدره برتابة هدئت عن السابق .

رفع يديه ما ان شعر باستكانتها ليمسك بمعصميها بهدوء وهو يبعدهما عن صدره هامسا بروية
"هل هدئتِ الآن ، اسمعي انا ليس لي علاقة بما حدث معكِ فلم تكن ذراعي من اصطدمت بكأس الماء ، وايضا هذه الورقة ليست نهاية العالم فأنتِ يمكنكِ صنع غيرها صحيح"

رفعت وجهها ببطء نحوه لبرهة وهي تعض على طرف شفتيها بقهر لتفلت قبضتيها بعيدا عنه بقوة وهي تتمتم بجفاء
"الكلام سهل عليك يا احمد الفكهاني ، لأنك لا تعلم كم من الوقت والجهد والذي استغرقته لأنجز عملي على اكمل وجه لتأتي انت وتدمره بكل بساطة"

عقد حاجبيه بحدة بلحظة وهو يمسك بكتفيها بقوة قائلا بعنف مكبوت
"كفى لوم يا روميساء ، وبدل ان تلقي باللوم عليّ بما حدث معكِ ، فكري بحل لمصيبتكِ هذه فالتذمر لن يعيد ما فات"

رفعت حدقتيها النديتين بخضار غابة النخيل وهي تهمس بشفتين عابستين
"ماذا افعل"

عبست ملامحه باهتزاز وهو ينظر لوجهها القريب منه والذي تلون باحمرار محتقن بالدموع الندية والتي تحتل عينيها العشبية وهي تبدو شبيهة بطفلة اضاعت دميتها وتريد من يساعدها بإيجادها ، ليرفع بعدها يده وهو يمسك بجانب وجهها وإبهامه يمسح الدموع عن طرف حدقتيها تلقائياً ليدنو امامها بلحظة وهو يتمتم برفق
"لا تقلقي سنفكر بحل لهذه المصيبة فيما بعد ايتها الطفلة الباكية ، فهذا آخر ما افكر به امام ما اريده وارغب به الآن"

انفرجت شفتيها بارتجاف لوهلة وهي ترفع قبضتيها بينهما وجسدها يرتعش لا إراديا هامسة بخفوت متوجس
"ماذا تقصد يا احمد ، وايضا عليّ ان اعيد كتابة الورقة من جديد...."

تصلبت قبضته على جانب وجهها بلحظة وهو يضغط بإبهامه على وجنتها بقسوة قائلا بصرامة منخفضة
"ألم يحن بعد الوقت المناسب لننهي هذه اللعبة ونكمل هذا الزواج العقيم والذي يحتاج لموافقتك لاكتماله كما يجب ان يحدث ، وانا اخشى حقا من ان افقد البقية الباقية من صبري عليكِ يا روميساء"

تشنجت ملامحها بصراع داخلي وشفتيها منفرجتين بذهول وهي تشدد من القبض على يديها بقوة بدون ان تجد ما تجيب به وما عليها فعله الآن ؟ فهل تترك مصيرها لما هو مقدر له منذ البداية وتريح كليهما من هذا العناء والذي طال كثيرا ؟

اتسعت ابتسامته بهدوء ما ان شعر بقبضتيها والتي كانت الفاصل بينهما وهي تخفضهما للأسفل بسكون بدون ان تنتبه للورقة والتي سقطت منها امام قدميه ، ليتنفس بعدها براحة وهو يداعب خصلات شعرها المقصوصة عند حاجبيها قائلا بقوة
"سأعتبر السكوت علامة الرضا"

اتسعت حدقتيها الخضراء بوجل ما ان هبط بلمح البصر بوجهه ليلتقط شفتيها بشفتيه المتصلبتين بقسوة لم تعتدها منه وهو يقبلها بقوة اطاحت بعقلها وبقلبها بآن واحد والذي تشعر به سيخرج من مكانه بذعر وقدميها تتراجعان للخلف بارتعاش قبل ان تصطدم بالسرير بقوة لتقع جالسة عليه باللحظة التالية وهو يحرر شفتيها اخيرا ، لتتنفس بعدها بإنهاك ازهق انفاسها بدون اي نية بتحريرها وكل هذا بسبب صوت طرق قادم من باب الجناح بالخارج قطع الأجواء الحميمية بينهما يتبعه همس خافت غير مسموع لأذنيهما !

ادارت حدقتيها بلحظات نحو الواقف امامها وهي جالسة على السرير من خلفها بهدوء ، لتعبس بعدها بحزن لم تعرف مصدره وهي تهمس بخفوت
"اعتقد بأنه عليك الذهاب لرؤية الطارق"

حرك رأسه باتجاهها بغموض وهو ينظر لها للحظات بمشاعر غريبة لم تفهمها ولم تستطع فك رموزها بين رمادية عينيه الساكنة ؟ ليسير بعدها بعيدا عنها بثبات وبصمت ، وقبل ان تتنفس بوجوم كانت تسمع صوت اغلاقه لباب الغرفة بالمفتاح وهو ما يزال بداخلها !

انتفضت بمكانها على طرف السرير وهي تعقد حاجبيها بصدمة بذات الوقت قبل ان تهمس بتوجس
"احمد ما لذي...."

قال الذي ألقى بالمفتاح فوق المكتب بإهمال وهو يرفع ذراعيه جانبا ببساطة
"اعتقد بأننا نحتاج لبعض الوقت المنفرد لأنفسنا بدون تدخل اي احد من خارج هذه الغرفة وحدود حياتنا الخاصة ، فنحن بالنهاية زوجين ومن حقنا ان نستمتع بشهر عسلنا كأي زوجين طبيعيين وهذا حق من حقوقنا الزوجية ، وألا ماذا ترين انتِ"

فغرت شفتيها الممتلئتين بصدمة لوهلة قبل ان تتحول لضحكة خافتة لا شعورياً ولا تعبر سوى عن الذهول والذي تحولت به حياتها بأكملها ! وهذه ستكون نقطة جديدة بحياتها وصفحة ستغير كل موازين عالمها ، لتقول بعدها بلحظات بابتسامة مرحة بإحراج وهي تريح جانب وجهها على ملاءة الفراش بهدوء واستكانة مقلدة نبرته
"انت دائما على حق يا احمد وبكل شيء ، وألا ماذا ترى"

اتسعت ابتسامته بالتواء طفيف متلهف ليقطف من ثمار حديقته الغنية بعد ان نسي كلاهما موضوع الورقة وموعد العشاء مع العائلة ومعها الواقفة بالخارج تنتظرهما بدون ان يعكر شيء على لحظاتهما الثمينة والتي ستكون البداية لحياتهما الزوجية والتي طال انتظارها كثيراً واكثر مما ينبغي .......

_____________________________
طرق على الباب عدة طرقات قبل ان يدخل بهدوء وهو يقف عند إطار الباب ما ان سمع الإذن بالدخول ، ليرفع الجالس خلف المكتب رأسه باتزان وهو يعقد حاجبيه بقسوة وملامحه تتحول للجمود الصخري بلحظة مع اتساع حدقتيه الرمادية بتركيز حاد ، ليهمس بعدها بنبرة متصلبة ونظراته لم تفارق الواقف امامه
"يا مرحباً بالغائب الحاضر ، كيف قادتك قدماك لمكتبي بدون ان يدعوك احد ، لقد كدت انسى حقا وجودك بالعائلة وبأنك فرد بها"

ردّ عليه من كان يبتسم ببرود وهو يلوح بذراعه ببساطة
"شكرا لك على هذا الاستقبال الرائع يا ابي والذي لا يشابه اكيد اي استقبال لباقي افراد عائلتك ، فأنا دائما سأبقى المميز بينهم والمستثنى عنهم بالمعاملة والاهتمام"

ضيق عينيه بحدة لبرهة بدون اي مواربة وهو يضم قبضتيه معا فوق سطح المكتب قائلا بصوته الجهوري الحاد
"ما لذي جاء بك لمكتبي"

تجمدت ابتسامته للحظات وهو يحرك رأسه للأسفل بحزن تمثيلي قائلا بهدوء
"ليس هذا ما توقعته منك"

ضرب الجالس خلف المكتب بقبضته فوق سطح المكتب صارخا بقوة
"شادي"

رفع المقابل له ذراعيه لفوق رأسه بصمت مستفز وهو يشير بعينيه السوداء لجانبه بهدوء وبسكون تام ، وما ان حرك والده عينيه جانبا حتى لمح التي خرجت من الخلف بجمود قاتل لتقف بجانب ابنه وهي تنظر له بذلك البرود القاسي والغير متواجد سوى بعائلة الفكهاني والمتأصل بمقلتيها الزرقاء والموروثة من جينات عائلة والدتها وهو يشعر بها بكل مرة تقع عينيها عليها تعيد له صورة تلك الفتاة المجنونة لمخيلته والتي خلفت دمار وحطام من خلفها لتثير الألم بزاوية مظلمة بروحه وهي تعيد ذكريات بالعائلة يود لو يحرقها او يزيلها من حياتهم ومن ذكرياتهم وكأنها صفحة سوداء وانطوت نهائياً !؟

ولكن كيف سيحدث هذا وهي تعيد بوجودها الدائم كل تلك الذكريات المؤلمة والتي افقدتهم روح العائلة وجمالها لتذبل وتصبح بكل هذا الذبول والقبح ؟ وهو ما يزال للآن يذكر كل حرف من ذلك القسم والذي رن بزوايا جدران الغرفة الواسعة بصدى جهوري قوي خلف مرض وتعب استبد منه

(لن تعتب اقدامها منزل عائلة خرجت منها بإرادتها الحرة ومزقت بها قوانين واعراف العائلة ، وكل من يربط بها دماء مدنسة يخرج من رحمها لن يعترف بوجوده ولا بجزء من هذه العائلة ، واقسم بأن كل من يخالف هذه القوانين وهذا القسم ستلحقه لعنتي لمدى الحياة كما لحقت لعنتي من قبلكم بسلالة مايرين الفكهاني ، واياكم ان تقولي بأني لم احذركم يا عائلة الفكهاني)

اشاح (محراب) بوجهه بعيدا عنهما وهو يقبض على كفيه معا بقسوة ما ان تذكر ما حدث بعد ذلك القسم مباشرة والذي ادى على وفاة كبير عائلة الفكهاني بمرض مستعصي ليأخذ هو عندها السلطة كاملة من بعده بما انه الابن الذكر الوحيد بين إناث ، وهو لا يصدق كيف تحقق كلامه بعدها بسنوات ولعنته والتي دمرت حياة شقيقته (مايرين) بحياتها الزوجية من غضب والدها والذي لحق بناتها فيما بعد لتكون عبارة عن معاناة لمدى الحياة وخسائر فادحة الواحدة تليها الأخرى بداية بموت زوجها وعشيقها لتتورط بعدها بالزواج من مجرم وحقير لا يقل دناءة ورخص بنظرهم عن الأول ؟

عاد بنظراته للأمام لبرهة وهو يعود لقناعه الجامد ما ان تقدم ابنه امامه باتجاهه بخطوات واثقة قبل ان يستند بيديه على سطح المكتب بلحظة وهو يقول بابتسامة جانبية ببرود
"اريد التحدث معك ، فهل لديك وقت لتسمع ما يريد قوله ابن والدته"

تغضن جبينه بوجوم وهو يحيد بنظراته لوهلة للتي ما تزال ساكنة عند باب المكتب بصمت ، ليعود بنظره للأمام وهو يقول بسخرية قاتمة
"هل هذا ما اظنه صحيح"

ارجع رأسه للخلف تلقائياً باتجاه الواقفة عند الباب قبل ان يعود بنظره لوالده وهو يبتسم باتساع ، ليعض بعدها على طرف شفتيه بعبث وهو يحرك كتفيه قائلا بلا مبالاة
"اعتقد بأنه كما تظن وهذا حسب ما تفكر به نحونا"

تصلبت ملامحه بحدة بلحظة وهو يقول بصوته الصارم الحاد
"كفى سخافة يا شادي ، وتكلم مباشرة فأنا لا افهم بهذه الطريقة ، وإذا لم تتوقف عن هذه التصرفات الصبيانية فسأطلب منك مغادرة المكتب فورا ، فأنا ليس لدي وقت لمثل هذه الحماقات"

زفر انفاسه بملل وهو يرتمي من فوره جالسا على الأريكة بجانبه ليرجع ذراع واحدة لخلف رأسه وهو يهمس بتأفف وضيق
"انت تفهم جيدا إلى ماذا ألمح إليه ، ولكني مع ذلك سأشرحها لك بطريقة أخرى ، لقد قررت ان اتزوج بما انني بسن مناسب للزواج وقد وجدت بالفعل الفتاة المناسبة لي ، واقصد بكلامي هي ابنة عمتي الصغرى ماسة ، فما هو رأيك بقراري"

تجمدت ملامحه لوهلة بدون ان يظهر عليها اي معالم وهو ينقل نظراته للواقفة بمكانها تنظر بعيدا عنهم وكأن الأمر لا يخصها ! ليعود بنظراته لابنه وهو يبتسم ببعض السخرية حفرت على طرف شفتيه المتصلبتين قائلا ببرود قاتم
"هذا رائع ، يبدو بأنك تحاول اتباع مسار شقيقك الأول بزواج قريبتك الثانية والتي وقعت بلعنة جمالها انت ايضا ، بدون اخذ مشورة احد ولا اعطاء اعتبار لأحد....."

قاطعه بسرعة وهو يتقدم بجلوسه مسندا يديه على ركبتيه قائلا بثقة
"ليس تماما ، فهناك اختلافات شاسعة بيننا يا ابي ، فأنا بعد كل شيء لم اتزوج منها من خلف ظهرك كما فعل احمد وعقد قرانه بها بدون اخبار احد ، لأنني قد فكرت بأمور كثيرة اريد فعلها بزواجي مثل حفل زفاف وشهر عسل ومثل هذه الأمور والكثير الكثير اود فعله ، ألا توافقني بالرأي"

ارتفع حاجبيه بوجوم للحظات وكأنه يحاول ان يستشف حقيقة كلامه الواثق من النظر لعينيه السوداء الباردة المتحدية باستفزاز ، ليحرك بعدها رأسه بقوة وهو يهمس بابتسامة ملتوية بقسوة
"يبدو بأنه بعد كل شيء الجينات تحكم هنا ، أليس كذلك يا ابن جيهان"

اختفت ابتسامته بغموض مع عينيه والتي ضاقت بغمامة مظلمة لوهلة ما ان نطق بذلك الاسم ، فقط مجرد لحظة قبل ان يعود لقناع البرود الساخر وهو يهمس ببرود جليدي
"لا تحاول لأنك لن تستطيع احباطي بهذا الاسم والذي لا يحتل اي جزء من حياتي"

عقد حاجبيه بضيق للحظات وهو يهمس بخفوت متصلب
"ولكن لا تنسى بأن لها الشرف بإحضارك لهذه الحياة......"

قاطعه من قطب جبينه وهو يخرج عن سيطرته لأول مرة صارخا بانفعال مفاجئ
"كفى"

ادارت وجهها التي كانت تنظر بعيدا وهي ترفع حاجبيها بعدم فهم لما وصله له حديثهما والذي لم تسمع منه شيئاً ولم تتعب نفسها بذلك ! بينما قال الذي عاد لجموده القاسي وهو يكور قبضتيه بقوة
"يا لك من ابن عاق ، وما دخلني انا بكل هذه التجهيزات والتي يبدو خططت لها من قبل مع ابنة عمتك المصون وانا خارج الصورة دائما ، فما لذي جاء بك إلى مكتبي ألا إذا كنت تريد مني ان اصفق لك على هذا الإنجاز العظيم"

عاد بلحظة لهدوئه الظاهري وكأن شيء لم يكن لتنحني ابتسامته بميلان وهو يهمس بخفوت جاد
"لا بل اتيت من اجل ان تبارك لنا زواجنا وتكون حاضرا وشاهدا بكل طقوس زواجي ، فنحن ليس لدينا ولي امر او كبير بالعائلة غيرك ، لذا هلا وافقت على طلبنا يا أبي"

ارتفع حاجبيه بصدمة غير متوقعة لوهلة قبل ان تتحول بلحظات لتجهم صارم وهو يهمس بانفعال حاد
"شادي....."

قاطعه من فوره وهو يضع ذراعه امام صدره قائلا بابتسامة جانبية بقوة
"رجاءً يا أبي لا ترفض لي هذا الطلب ، واعدك بأني لن تطلب منك غيره ، وإذا كان ليس من اجلي فهو من اجل ابنة شقيقتك والتي تحتاج لوجود خالها والذي يكون ولي امرها بهذه المناسبة المهمة ، لذا كن كريماً معنا لمرة واحدة واعطنا موافقتك ودعمك ، فقد تستطيع التكفير قليلاً عن اخطائك والتي اقترفتها نحو ابنة شقيقتك"

نظر له بحدة قاتمة لبرهة وقد استطاع اللعب بالكلمات بدهاء ماكر ليصبح الظالم بينهما وهو يذكره بأخطائه نحو بنات شقيقته والتي ذاقوا بسببها الويل ، وهو لا ينكر بأنه قد اخطأ بشدة بنبذهما للمجهول بدون ان يعلم ما وصل بهما مصيرهما وكله بسبب قسم ولعنة والده والتي دبت الرعب والتأهب بقلوب جميع افراد العائلة منذ دهور وهي ما تزال تؤثر عليهم للآن ؟

نقل نظراته بعدها بلحظات للواقفة بسكون بعيدا عنهما وهو يضيق حدقتيه الرمادية بتركيز حاد بدون اي مواربة ، ليقول بعدها وهو يوجه كلامه لها لأول مرة بجمود جهوري
"هل انتِ موافقة حقا على هذا الزواج"

تشنجت ملامحها لوهلة بدون اي تعبير قبل ان تدير نظراتها نحوه بتركيز متصلب دام للحظات وكأنها دهور لتنطق بلحظة بخفوت بارد احدث صدى بالغرفة الواسعة
"اجل"

حدق للحظات بجمود مقلتيها الزرقاوين وكأنه ينتظر اي بادرة او اي علامة تدل على رفضها لهذا الزواج فهو يعلم جيدا من اي نوع تكون والذي لا يخضع لأي شيء بسهولة تامة مثل حال شقيقته المجنونة والتي رغم كل القيود والتي كانوا يحيطونها بها استطاعت الافلات منهم بالنهاية بدهائها وألاعيبها المشهورة بها منذ ان شبت عن الطوق !

اخفضت جفنيها الحمراوين بسكون بعيدا عنه لتحجب احداقها عنه ، ليحرك بعدها رأسه بعيدا عنهما وهو يهمس بجفاء بارد
"حسناً ، افعل ما تشاء"

انتفض (شادي) وهو يقفز بخفة بعيدا عن الأريكة ليخفض رأسه امام والده وهو ما يزال يضع ذراعه امام صدره بقوة قائلا بابتسامة باردة وهي تميل بجمود
"شكرا جزيلا لك يا أبي على كرمك الخالص معنا ، وصدقني نحن ممتنون جدا لك ولن ننسى لك هذا الدعم الرائع بوقوفك معنا بهذا الحدث المهم ما حيينا ، يا كبير عائلة الفكهاني"

_____________________________
سارت بالرواق الطويل بخطوات جامدة تستطيع سحق ما تصله قدماها بعنف بدون ان تأبه لذلك وملامحها ترنو بين الجمود والتصلب وبعض الاستياء والذي طفى على كل ذلك ما ان مرّ عليها تفاصيل ما حدث قبل دقائق معدودة وهي توضع بموقف لا تحسد عليه بعد ان تحاصرت من كل الجهات لأول مرة بحياتها القاسية بدون ان يترك لها منفذ وكأنها عادت تلك المجرمة الرخيصة والتي تتنازل وتحاصر من قبل الجميع ومن فوقهم والدها الروحي ورئيسها منذ كانت طفلة ووعت على الدنيا من حولها ، لتصبح حياتها تدور فقط بفلكه حتى خسرت كل ما تملك من كرامة وطفولة واحلام ليتبقى لها فقط سراب من حياة زائلة لا تعلم متى تنتهي وتريحها معها ؟

وعندما قررت اخيراً بأنها لن تنقاد خلف احد ولن تسمح لأحد بتقييدها عن حريتها ومحاصرتها رغم إرادتها ، ليأتي ذاك المتبجح ويبدأ بالتحكم بها واصدار اوامره وقيوده عليها وكأنها لعبة امامهم الجميع يحركها كيفما يشاء ! ولا تعلم ماذا يظن نفسه حقا ليفعل كل هذا معها بحجة القرابة المقيتة والتي لم يعترفوا بها سوى مؤخراً ؟

توقفت مكانها بقوة وبتجمد احتل كل انحاء جسدها ببرودة وكأنها تحولت لتمثال رخامي ملتف بملابس حددت تفاصيلها المشدودة بذبذبات غضبها النادرة وكلامه ما يزال يدور برأسها قبل وصولهم للمنزل بدقائق وهو يتكلم معها ببساطة بالغة وببعض الجدية الصارمة والتي يغلفها ببروده المعتاد

(اسمعيني جيدا يا ماسة ولا تحكمي على كلامي بمبدأ التسلط والتحكم بالذات ، فأنا اريد منكِ ان تسمعيني بعقلك الواعي وبالإنسانة المثقفة بداخلك وليس بذاتك المجرمة ، بالرغم من اني اشك بوجودها خلف غمامة جنونك والتي تطبق عليكِ ، فكل ما افعله من اجل مصلحتكِ اولاً واخيرا يا ابنة عمتي ، وبخصوص ما حدث معكِ بذلك المكان وما بعده فلن يعلم عنه احد وستنسين كل ما يتعلق به ، ولكن الذي عليكِ معرفته بأنكِ من الآن وصاعداً ستفعلين كل ما اقوله لكِ وتوافقين على كل خطوة افعلها بدون اي جنون او فوران ، لأنكِ لم تعودي ملك نفسك وحياتك ليست لعبة بين يديكِ تفعلين بها ما تشائين وتعبثين بها بين الوحوش الدنيئة ، وصدقيني إذا حاولتِ التمادي اكثر بالعبث بحياتكِ وعصيان الأوامر فلن اتهاون عندها بالتعامل معكِ وقد تصبح ابنة المجرم حقيقة تتناقلها كل الألسن وسيكون مصيرها لا شيء امام عقاب السجن)

تنهدت بتهدج ارتجف معها جسدها بانقباض وهي تشدد على اسنانها بحقد دفين لماضي اصبح يشكل تهديد خطير بالنسبة لها بدون سابق إنذار او تنبيه ! وهو يستخدمه كسلاح ليوقف اندفاعها وجنونها ويقيدها خلف قضبانه بطريقته الخاصة .

همست بعدها من بين نفير انفاسها بسخط حانق
"اللعنة عليك يا شادي الفكهاني ، لن اسامحك عليها"

حبست انفاسها للحظات ما ان سمعت الصوت الهادئ يقول من خلفها بحيرة
"لا داعي لكل هذا الغضب الناري والذي قد يؤذي بصحتك ، فهو لا يستحق كل هذا صدقاً"

استدارت للخلف بهدوء وهي تعود لقناعها الجليدي بلحظة قبل ان تبتسم بسخرية هامسة بخفوت
"انت مجددا ، لا اعلم من اين تظهر لي حقا"

ابتسم الوجه الطفولي امامها بثقة بالغة وهو يعقد حاجبيه بتركيز قائلا بتفكير
"هل حقا ستتزوجين من شقيقي شادي"

تجمدت ابتسامتها بدون اي تأثر لبرهة وهي تتمتم بوجوم
"ألا تعلم بأن استراق السمع من خلف الابواب عادة سيئة"

عبست ملامحه وهو يخفض نظره بعيدا عنها قائلا بهدوء
"انا اعتذر"

دققت النظر بهيئته للحظات بعيدا عن الملابس الرسمية والتي رأتها به بحفلة شركتهم وهو يبدو بكل الأحوال خاطف للأنفاس وملفت للنظر بوسامته المحببة الطفولية والموجودة بجميع افراد عائلة الفكهاني والتي تنبأ بمستقبل رجل اعمال شديد الوسامة ، ولكن الذي جذبها اكثر هو الشبه الكبير بينه وبين شقيقه (شادي) فلم يأخذ منه فقط وسامته المحببة بل اخذ تصرفاته وبساطته بالتعامل مع الأمور بطريقة تسحر القلوب وتطغى على شخصيته !

اشاحت بوجهها بعيدا عنه وهي توبخ نفسها على ما وصل إليه تفكيرها من انحدار كارثي ، لتستدير بعدها للأمام وهي تهمس ملوحة بذراعها بلا مبالاة
"اذهب للنوم يا زين ، ولا تتعب تفكيرك بشيء"

لتكمل بعدها سيرها باتجاه الرواق وبتجاهل للواقف خلفها يراقبها بعيون سوداء متسعة بدهشة فهي لأول مرة تهتف باسمه بدون ان تنساه وهذا بحد ذاته تقدم رائع !

وصلت (ماسة) بسيرها لممر محدد لتلمح من بعيد تلك المشعوذة والتي كانت تتجاوز الممر باتجاه معاكس لها بدون ان تفهم الثورة والتي كانت تحيط بها وهي تبدو خارجة من مكان جناح شقيقتها ! لتسرع بعدها بخطواتها بغريزة الخطر باتجاه جناح شقيقتها ، وما ان وصلت بلحظات حتى توقفت بصدمة ما ان ظهر امامها الذي كان ينظر لها باتزان مريب عبث الظنون برأسها ومن سبب تواجده هنا بهذا الوقت ؟

ما ان كان سيتكلم المقابل لها حتى سبقته التي دخلت من فورها للجناح لتتجه لغرفة محددة قبل ان تجتاحها بقوة بدون استئذان لترفع حاجبيها بعبوس لوهلة وهي تصدم بمرأى الغرفة الفارغة ، وما هي ألا لحظات حتى خرج من الحمام المرفق من كانت تبحث عنها وهي تجفف وجهها وشعرها بالمنشفة بين يديها بدون ان تنتبه لها .

تقدمت نحوها عدة خطوات قبل ان تقف امامها مباشرة وهي تضيق عينيها الزرقاء بقتامة بلحظة قائلة بوجوم
"ماذا حدث هنا"

اخفضت المنشفة عن وجهها وهي تنظر لها بعينيها الخضراوين باتساع مشدوه قبل ان تهمس بابتسامة مرتبكة
"ماسة ، متى عدتِ ، لم انتبه لعودتك"

تجمدت ملامحها لبرهة وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها قبل ان تميل قليلا امامها بتحديق متمهل وهي تلحظ الاحمرار الجديد والذي كان يطغى على ملامح شقيقتها الكبرى بعيدا عن الشحوب والحزن والذي كان يسكن ملامحها دوما وهذا غير توردها الملفت والذي انعكس بريقه بحدقتيها الخضراء الكبيرتين ، لتعود بعدها برأسها للخلف بقوة وهي تنظر بعيدا عنها قبل ان تشق ابتسامة صغيرة ملامحها الباردة بلحظة وهي تهمس بخفوت مستفز
"هذا يعني بأنكِ قد فعلتها اخيرا واصبحتِ زوجته بحق"

ارتفع حاجبيها بصدمة لوهلة من تحليلها المخجل بدون اي حياء وهي تتنفس بقوة قبل ان تصرخ بها بانفعال حانق
"ماسة ما هذا الذي تتفوهين به ايتها الوقحة....."

عادت بنظرها لها وهي تقاطعها بابتسامة كبيرة لأول مرة تصل لوجنتيها قائلة ببرود وهي تضم قبضتها امام صدرها بحركة كانت تفعلها بطفولتها لتعبر عن مدى انبهارها ودهشتها
"رائع سأصبح خالة عما قريب ، هذا اجمل خبر اسمعه بحياتي"

انحنت عينيها بحزن للحظات وهي تتبع حركتها الطفولية والتي كانت تتميز بها بالماضي لتفقد رونقها بمرور السنين ، عقدت بعدها حاجبيها بوجوم ما ان وقع نظرها على العلامات المحفورة حول معصمها بوضوح ، لتمسك بيدها من فورها وهي تتلمس برفق على العلامات حول معصمها هامسة بقلق
"ما هذه العلامات على معصمك يا ماسة"

تشنجت ابتسامتها لبرهة وهي تذوي بمكانها بلحظة ما ان تذكرت المسبب الرئيسي لهذه العلامات ، لتنفض بسرعة ذراعها بعيدا عنها وهي تقول ببرود متعمد
"ما بكِ يا روميساء ، هل هذا الوقت المناسب لمثل هذه الأسئلة ، وايضا عليكِ ان تفكري بموضوع الطفل القادم وتركزي كل انتباهك عليه"

افاقت بعدها من شرودها لتتسع حدقتيها بصدمة ما ان وصلها فحوى كلامها الأخير لرأسها وهي تهمس باندهاش متلعثم
"طفل"

ردت عليها التي سارت باتجاه باب الغرفة وهي تلوح بقبضتها للأعلى قائلة ببساطة
"اقصد عندما تنجبين اطفالاً كثيرين لهذه العائلة الكئيبة ، وتصبح المدرسة التي تعملين بها موجودة بمنزلك ، يا فرحة قلب احمد عليكِ"

فغرت شفتيها بشهقة مشدوهة بدون اي صوت ولا تعبر سوى عن الحقيقة والتي ضربت عقلها ببطء شديد معذب اوقف قلبها عن النبض لثواني ، بينما امسكت بمقبض الباب التي كانت تبتسم ببرود غير معبر بعد ان اختفت كل اثر للفرحة بملامحها وهي تهمس بهدوء شديد
"لقد اتيت لأخبركِ بأني قررت الزواج من شادي ، وهنيئاً لكِ بحياتك الزوجية الجديدة"

ولكن التي كانت مشدوهة بكلماتها بشحوب لم تفقه شيئاً مما قالته شقيقتها الأخرى والتي تبعتها بخروجها من الغرفة بأكملها بهدوء خيم على الأجواء من خلفها للحظات ، وتلك الواقفة بمكانها كانت تشدد من القبض على المنشفة بيديها وهي تشعر بغيوم ضبابية غيمت على حياتها فجأة وعلى قلبها بعد ان كان قد عرف الفرح اخيرا ليعود للتخبط من جديد بدوامة جديدة مركزها طفل جديد ومعاناة جديدة عليها التعايش معها بعد ان كانت قد نجت منها بصعوبة بالغة ، فكيف بوجود طفل معها ؟

_____________________________
ارتمت جالسة على طرف السرير بإنهاك وهي ترفع رأسها للأعلى بقوة لتتساقط خصلات شعرها الفوضوية بتدرج مموج لأسفل رأسها ويدها تمسد فوق حاجبيها بتشنج واضح ، بعد ان استنفذت كل قواها الذهنية والجسدية بهذا اليوم الكارثي والمتلف لأعصابها الباردة والتي ما تزال تتحلى بها لليوم لينتهي بكارثة افظع من جميع مما سبق !

ولكن الجيد من بين كل هذه الكوارث والتي ما تزال تتوالى عليها هو خبر اكتمال زواج (روميساء) المعلق رغم كل التعقيدات والصعوبات والتي كانت تواجهها وتحد على اكتمال علاقتهما وهذا يعني بأنها قد سلمت اخيرا لحياتها الجديدة مع زوجها وهذا اقصى ما تستحقه بعد حياة الشقاء وكمية العناء والتي اخذت منها كل مأخذ للسعادة والمتمثلة بحياة مستقلة وعائلة تحيطها بكل انواع الأمان ، ذلك الأمان والذي كان ابعد ما يكون عن حياتهما اليتيمة والمهددة بالدمار بأية لحظة وقد كانت بعض من حقوقهما بذلك السن والتي عليهما بكل مرة دفع ثمنها لينجوا منها بأقل الأضرار الممكنة .

اتسعت عينيها باستدارتهما الزرقاء الجامدة موجهة للسقف المزخرف من فوقها وهي تبتسم ببطء بارد لا يعبر سوى عن السخرية القاسية والمحيطة من حولها وبروحها المظلمة ، فهي ما تحتاجه عكس شقيقتها تماما ولن يمحي الأمان والعائلة اي شيء مما تشعر به بداخلها فقد وصل بها الرثاء على الذات لدرجة تلوثت معها كل ألوان حياتها والتي تخص احلام واماني الفتيات بسنها ليأخذ الجفاء حيزا كبيراً بحياتها ومكان امانيها فيما مضى ، فماذا ستكون احلام فتاة تحولت بيوم ما لسلاح يستخدم لأعمال حقيرة غير انسانية وقلبها كان هو ذخيرة السلاح ذاك بدون اي رأفة بروحها والتي كانت تدفن مع الأحياء بكل لحظة تمرّ عليها بحياتها ؟!

اخفضت رأسها بهدوء لبرهة وهي تنزل بيدها عن حاجبيها لتصل لعنقها وهي تضغط على جانبها بارتجاف منقبض ، لتحيد بعدها بنظراتها للحقيبة بجانبها للحظات قبل ان تمسك بها بيدها الأخرى وهي تخرج منها هاتفها بسكون جامد .

رفعت الهاتف لأمام نظرها بتصلب مشتد وهي تضغط على عدة ازرار بقوة لترسل بالنهاية رسالة قصيرة مكتوبة بأحرف مختصرة للرقم المحدد

(انتبهي على نفسكِ اكثر ومما يدور من حولكِ ولو كنت بمكانكِ لما خطت قدميّ لخارج المنزل بهذه الفترة ، فيبدو بأن مصائب شقيقكِ المخبول لن تتركنا وشأننا ، لذا احذري وكوني بخير بعيدا عن ثقتكِ العمياء بكل من حولكِ ، فليس لدي الوقت لأشغل تفكيري بالقلق عليكِ ايضاً)

اخفضت الهاتف بعيدا عن نظراتها الباردة وهي ساهمة بالبعيد بلا شيء ويدها تشدد على الهاتف لا إرادياً ، لتشعر بعدها برنين رسالة على هاتفها وهو يرج بيدها بخفوت بعث الرعشة بذراعها للحظة !

زفرت انفاسها بهدوء وهي ترفع الهاتف لأمام نظرها مجددا قبل ان تتسع حدقتيها بصدمة لبرهة ما ان اكتشفت بأن الرسالة ليست ممن كانت تظن رداً على رسالتها بل من آخر شخص كانت تنتظر منه رسالة

(مساء النور يا جميلتي المجرمة اقصد خطيبتي المجرمة ، اتمنى حقاً ألا تكوني ما تزالين غاضبة مني للآن وعلى وشك قتلي وتلقين عليّ بكل انواع الشتائم بقاموسك ، ولكن وقبل ان تكملي سيل شتائمكِ لا تنسي بأنني اصبحت املك مقاليد حياتكِ بأكملها وانتِ عليكِ بالخضوع لها بكل طاعة تامة ، وسبب رسالتي لكِ هو الاطمئنان على حالكِ وتذكيرك بما حدث اليوم من امور مهمة ستبقى مخلدة بحياتنا كذكرى رائعة لا تزول ، ولو تعلمين مدى الشوق الكبير والذي اشعر به لليوم والذي يعقد به الرابط الأبدي بيننا ، وليلة سعيدة لكِ يا خطيبة شادي الفكهاني)

كانت تشدد على الهاتف بين يديها بقوة تدريجيا وعينيها تتحول للونها الأزرق القاتم وكأن البحار تلوج بداخلها بظلام دامس على وشك ابتلاع كل ما تقع عليه امواجها وهي تعود لروحها البدائية المفترسة بلمسة إجرام قديمة والتي لا تعرف الرحمة وكأنه غير متواجد بقاموسها ! لتلقي بعدها باللحظة التالية بالهاتف بعيدا ليضرب من فوره بالجدار امامها قبل ان يقع ارضا وهي تتنفس بحشرجة وبانفعال حاد لن يرتاح قبل ان يقطعه لأشلاء وكأنه هو الهاتف نفسه .

نظرت بعدها بلحظات للهاتف المسكين والذي كان ملقى ارضاً بالزاوية بدون اي ذنب وقد كان قد اشبع من الضربات القديمة والخدوش حتى وصل لدرجة الاكتفاء ، وهذا حالها كلما استبد بها الغضب من شيء وكأنها وحش خامد تنتظر الفرصة ليفجر كل ما بداخله من كبت !

انتفضت واقفة تلقائياً وهي تتجه لمكتبتها عند زاوية الغرفة لتجلس امامها ببرود جليدي وهي تمسك بالقلم بعد ان فتحت المفكرة امامها لتبدأ بالكتابة عليها وكأن شيء لم يكن وهو اكثر ما تجيده بحياتها الخاوية وحافظت عليه لسنوات ، وبخصوص هاتفها فهي تعلم جيدا كيف تصلحه كما تفعل عادةً ليعود لسابق عهده مثل صاحبته والتي مهما تغيرت الظروف من حولها من تقدم وتأخر ستبقى كما هي .....

يتبع...............

روز علي 07-08-21 10:39 PM

صباح اليوم التالي......
كانت تمسك بالكتاب بيد وهي تعض على طرف القلم والممسكة به بيدها الأخرى بتركيز حاد مشتت بعض الشيء واحداث البارحة لا تريد مغادرة عقلها ولا قلبها المعلق بتلك الليلة والتي وشمت آثارها ليس على جسدها فقط بل على روحها والتي دبت بها الحياة فجأة لتزهر بكل ألوان الجمال والتي كانت محرومة منها فيما مضى وابعد ما يكون عنها وعن حياتها المليئة بالمشاغل والمسؤوليات ، لتلقيها بعدها بثواني بنفس الدوامة المظلمة كالعادة ما ان تذكرت نتائج هذه العلاقة وتبعاتها والتي كانت قد غفلت عنها لتنجب منها أرواح ستتعلق بعنقها طيلة حياتها ولآخر يوم بعمرها ، فهل تجازف من جديد بحمل هذه الأرواح وإيصالها لبر الأمان بدون اي اذى وبحياتها المشتتة والتي لم تصل للسلام للآن ؟ لتعيد نفس خطأ والدتها وتعلق نفسها بأمل النجاة بأطفال لا ذنب لهم بهذه الحياة المعقدة وكما فعلت مع شقيقتها الصغرى والتي تحملت هي مسؤوليتها منذ كانت رضيعة لتتحمل رعايتها وهي لم تتجاوز عمر الخمس سنوات بعد !

تشنجت ملامحها لبرهة وهي تزيد من الضغط على اسنانها ما ان تذكرت عبارة قديمة مرت على ذهنها من طفلة صغيرة ذاقت من الحياة الكثير على ايدي البشر من حولها حتى خط الحزن والبؤس على حياتها خطوط من كل انواع الظلم لتصبح جزء من حياتها عليها التعايش والتأقلم معها ومن صميم روحها المنبوذة

(لما العالم بكل هذه القسوة معنا ، لما لا يتوقف الناس عن إنجاب الاطفال بهذا العالم المظلم ، فقط لو يعود الزمن للوراء لتمنيت ألا اولد بهذه الحياة ولا اخرج من رحم والدتي ، يا ليتني فقط ارى العدل بهذه الحياة والتي لم تخلق للأطفال امثالنا ، فقط لو يعود يوماً)

اتسعت حدقتيها بصدمة لوهلة وهي تعود للحاضر بعد موجة مشاعر اخذتها بعيدا بدون إرادة منها ما ان خرج الصوت الطفولي من بين الطلاب الجالسين امامها بالمقاعد الأمامية
"معلمة روميساء ، أليس هناك درس لليوم"

اومأت برأسها بقوة وهي تنفض عنه كل آثار الماضي والتي عرقلة عليها سير تفكيرها بغمامة مظلمة ، لتبعد القلم بسرعة عن فمها بعد ان شعرت بطعم الخشب بلسانها من فرط التوتر والذي كانت تشعر به بدون ان تنتبه !

وما ان كانت على وشك التكلم حتى قاطعها الصوت القادم من باب الفصل وهو يقول بخشونة صارمة سمعتها من قبل وسكنت طبلة اذنها بليلة امس
"لا يوجد درس لليوم ، لأنني بالحقيقة قد قررت اخذ المعلمة روميساء معي بإجازة قصيرة ، لذا يمكنكم اعتبارها راحة من الدراسة ليوم كامل"

اتسعت العيون الصغيرة الناظرة له والتي لفتت انتباههم بلحظة ومن كان شاردا بعيدا قد انجذب لكلامه بعد ان فتح آذانهم الصغيرة وحواسهم بكلامه والذي كان مفاجأة بالنسبة لهم ، بينما من كانت متجمدة بمكانها بصدمة ارتعش معها عامودها الفقري وهي تلتفت بوجهها نحوه ببهوت ناظرة له بذهول محرج لون وجنتيها بامتقاع وهي لا تصدق ما فعله الآن فما لذي ينوي على الوصول له بهذه الحركة ؟

وما ان التقت عينيها المتسعة بعينيه حتى دام الصمت بينهما بتواصل غريب وبطول ليلة امس عليهما وقد تغيرت النظرات بينهما لتكون مفضوحة بدون اي مواربة يغلفها القليل من الحياء بطبقة رقيقة خجولة ، قطع التواصل الغريب بينهما الصوت الصارخ بضحك طفولي
"انه زوج الاستاذة روميساء ، والذي انقذنا اليوم ، شكرا لك يا استاذ"

شهقت (روميساء) بصدمة وهي تضع كفها على شفتيها بذهول ممزوج بالحياء ما ان بدأت الضحكات الصغيرة بالخروج تدريجياً لتمتلئ القاعة الواسعة بلحظة بضوضاء صاخبة ، بينما ابتسم باتساع متزن من تقدم امامها عدة خطوات بعيدا عن باب الفصل وهو يتأمل إحراجها الصارم والذي لونها بلحظات بغضب الحياء وهي توجه نظراتها للأطفال بسخط واضح .

وما ان وصل امامها مباشرة حتى وجه نظره للأطفال وهو يقول بصرامة محببة
"كفى ضحكاً يا اطفال ، فأنتم بهذه الطريقة تحرجون المعلمة روميساء ، وهذا ليس لائقاً بمظهرها والذي قد يفسد جمالها امامي ، وهذا ما لن اسمح به"

عادت الضحكات للخروج بصخب اعلى مترافقا مع التصفيق الحار والتصفير وكأنها تحولت من قاعة تعليم محترمة لقاعة حفلات تضج بجميع انواع الضوضاء ! لتنقل بعدها بلحظات نظراتها بصرامة للواقف على بعد خطوات منها وهي تغرز اسنانها بطرف شفتيها بغيظ هامسة بوجوم
"توقف عن هذا يا احمد ، فأنت تشوه صورتي امام الطلاب"

حاد قليلاً بنظراته نحوها لوهلة وهو يغمز لها بطرف عينه بحركة غير ظاهرة جمدتها بمكانها لثواني ، ليعود بنظره للأطفال الضاحكين وهو يقول بصوت خشن فوق صوت ضحكاتهم البريئة
"حسنا يا طلاب الاستاذة روميساء ، عذراً ولكن على زوج الاستاذة الذهاب معها فنحن بعجلة من امرنا ، واتمنى لكم حقا إجازة سعيدة"

وما ان انهى كلامه حتى تدخلت (روميساء) من فورها وهي تهمس له بعبوس متصلب
"ما هذا الذي تفعله يا احمد......"

قاطعها من وقف بجانبها فجأة وهو يمسك بحقيبتها من على الطاولة بيد وبالكتب باليد الأخرى ليدسها بداخل حقيبتها قائلا بجدية هادئة
"ستفهمين كل شيء بعد قليل ، والآن علينا ان نسرع قبل ان ينتهي اليوم علينا ، لأننا لدينا ساعات كثيرة نقضيها معا يا زوجتي العزيزة"

فغرت شفتيها بارتجاف لوهلة عند كلماته الأخيرة والتي تنسبها له فهي قد سمعتها كثيرا من قبل ولكن ليس مثل الآن بعد ان اصبحت زوجته بحق وكل شيء بحياته ، انتفضت بلحظة بارتعاش ما ان استل الكتاب من بين يديها والذي نسيت امره ليدسه بداخل حقيبتها بقوة مع البقية قبل ان يمسك بكفها بدون اي مقدمات وهو يتخللها بقوة ليلوح بعدها بالحقيبة بيده الأخرى قائلا بمودة
"شكرا لكم على وقتكم ، والآن وداعاً"

رفعت نظراتها الخضراء المهتزة له بارتباك واضح وهو يوجه نظراته نحوها بحنية مع ابتسامة متزنة باطمئنان وهو يسحبها من يدها ليسير معها لخارج القاعة بأكملها وصوت نغمات ضحكاتهم الصغيرة تودعهم مع التصفيقات والتي بدأت بالهدوء مع ابتعادهم عن مدخل القاعة ، بينما كانت هي تحاول مجاراة خطواته الواسعة باتزان ونظراتها معلقة امامها وسمعها معلق من خلفها وكأنها تركت وألقت بكل شيء خلف ظهرها بدون ان تبالي او ان تفكر حتى ما دام هذا الشخص معها ويسير بطريق حياتها فلا شيء يستحق القلق عليه ولو كانت حياة كاملة تنتظرها مليئة بالهواجس امامها... لا شيء .

_____________________________
دخلت من باب الشركة امامها وهي تجر قدميها الواحدة تتبع الأخرى رغما عنها بعد ان اخذت طول ليلة امس وهي تفكر بترك العمل بالشركة وبأشراف ذاك المزعج والذي اصبح يشكل تهديد خطير بالنسبة لهدوء حياتها وهي تتمنى حقا لو تجد عمل آخر او بديل عنه لتخرج من حياة الجميع وتستقل لوحدها بدون اي تدخل من احد لتكوّن كيانها الخاص بها وحدها ، ولكن كلما اقتربت خطوة من تحقيق مرادها تعود العقبات لسد الطريق امامها بدون ان تترك لها اي مهرب وهي تحيط حياتها بأكملها بقفل منيع لن تستطيع التحرر منه بسهولة ، والآن اصبحت مهمتها الجديدة هي التخلص من ذاك الرباط الأبدي والذي قد يغلق عليها آخر منفذ للتحرر من حياتها لتبقى عالقة بتلك الدوامة طيلة حياتها القادمة .

كانت تسير مخفضة رأسها ببأس وملامحها لا تعبر سوى عن السخط الشديد قبل ان يتوقف بلحظة زحف قدميها امام من سد الطريق امامها فجأة بدون اي مقدمات ، لترفع بعدها وجهها الحجري ببطء لبرهة وهي تنظر ببرود للرجل الواقف امامها والذي اوقف طريقها بتعمد مستفز !

رفعت حاجبيها بغموض لوهلة وهي تنتظر سبب هذا العرض الصباحي والذي دفعه ليوقف طريقها الممهد ببأس ، ليقول بعدها بلحظات الواقف امامها وهو يبتسم لها ابتسامة عملية
"صباح الخير آنسة ماسة ، هل انتِ سكرتيرة المهندس شادي"

عقدت حاجبيها بوجوم وهي تومأ برأسها بصمت بدون اي كلام وكأنها مجبرة على الكلام معه بدون ان تعلم مناسبة هذا السؤال ؟ ليتابع بعدها المقابل لها كلامه بدون ان يهتم برأيها وهو يمد يده امامها قائلا
"مرحبا بكِ انا المهندس رامي من فرع الهندسة المعمارية ، لقد كنت اود بشدة التعرف عليكِ ، فقد عرفت بالصدفة من زملائي بأنكِ تملكين مهارات فوق المستوى تساعد ببنية المشروعات بحكم مجال دراستك الصعبة والتي لا يدخلها سوى من يختص بهذه الأمور"

تصلبت ملامحها بلحظة وهي تلوح بيدها هامسة بلا مبالاة
"انا لستُ....."

توقفت عن الكلام فجأة ما ان مرت على ذهنها فكرة ستحل مشكلتها العويصة وتكون المنفذ مما هي فيه الآن وكأنه قد انبعث امامها بهذه اللحظة بالذات بأسوء لحظاتها ، قالت بعدها بلحظات باهتمام وهي تصافح يده الممدودة امامها بقوة
"اهلا بك ، وانا تشرفت بالتعرف عليك ، وإذا كنت تحتاج لأي مساعدة بمجال المشاريع اخبرني ، انا بالخدمة"

ابتسم الرجل من فوره باتساع وهو يقول بثقة بالغة
"شكرا لكِ على اهتمامكِ يا آنسة ، ولن اتردد بطلب مساعدتك بأي وقت ، ولا تترددي انتِ ايضا بطلب المساعدة"

سحبت يدها بعيدا عنه وهي تضمها مع يدها الأخرى قائلة بابتسامة صغيرة بهدوء
"إذاً هل استطيع طلب المساعدة منك الآن ، بإيجاد وظيفة من اجلي خارج حدود هذه الشركة"

عقد حاجبيه بتفكير لبرهة وقبل ان ينطق بأي كلمة تدخل صوت آخر من خلفه وهو يقول بصرامة جادة
"ماسة لما تأخرتِ بالمجيئ للعمل اليوم ، لا وايضا تتسلين بالكلام مع مدراء الشركة ، ولكن لا داعي للعجب فقد اعتدنا على مثل هذه التصرفات منكِ والتي اصبحت طقوس يومية من حياتنا"

تجهمت ملامحها بغضب مكتوم بلحظة وهي تدير حدقتيها بعيدا عنه ببرود جليدي ، ليتنفس بعدها بغضب يشعر به كشعلة متقدة بداخله وهو يهمس بأمر
"هيا يا ماسة تحركي إلى العمل"

تدخل الثالث بينهما والذي كانوا قد نسوا امره تماما وهو يستدير نحو المتصلب بمكانه ليقول له باستنكار عابس
"انا لا اسمح لك بالتكلم بهذه الطريقة المهينة مع سكرتيرتك وحتى لو كانت تعمل عندك ، هذا لا يعطيك الحق بالتعامل معها هكذا وكأنها تعمل عند سيادتك ، وهي ليست مضطرة لتحمل مثل هذا الأسلوب الفظ بالتعامل معها وكأنها ليست بشر مثلك تماما ، يكفي بأنها قد قبلت بهذا العمل القليل على قدراتها والتي تطلب عمل افضل من هذا"

انفرجت شفتيها لوهلة بابتسامة ساخرة بشماتة من العرض المسرحي الصباحي والذي تغير فجأة بالموازين ليصبح عرض هزلي تحتاج إليه لتعدل به مزاجها وتعكر صفو حياتهم ! بينما نظراتها الزرقاء الداكنة تراقب متجمد الملامح ببرود وكأنها صخرة هادئة امام ذاك المدير البسيط والأنيق بحلة ظريفة .

ارتفع حاجبيها بصدمة ما ان حدث عكس ما توقعته تماما وهو يعود لقناع البرود الساخر ملقيا نظرة صغيرة باتجاهها بإشارة مغيظة قائلا
"اعتذر يا سيد فيبدو بأنني لم اسمع ما قلته جيدا ، هل كنت تتكلم عن ألماستي الجميلة ، عذرا ولكنك اخطئت الظن فهذه تكون زوجتي وهذا يعني بأنه يحق لي فعل ما اشاء بها بدون اي حق بالتدخل ، وشهامتك هذه احتفظ بها لنفسك بعيدا عن ممتلكاتي فهي تخصني وحدي ، وصدقني إذا اعدت هذا الكلام المتبجح امامي مرة اخرى فلن اضمن لك ما سيحدث عندها ومن الذي سيطرد من هذه الشركة بعد ان اكون قد مسحت بكرامته بكل اراضي الشركة"

تجمد الرجل بمكانه بصدمة بعد ان توقف الكلام بحلقه وكأنه يحاول استيعاب المفاجأة والتي حطت عليه بدون سابق إنذار ، بينما كانت الواقفة من خلفه تلعنه بكل انواع الشتائم بشفتيها العابستين بسخط وعينيها متسعتين بكامل استدارتهما بحدة ناظرة للذي كان يبتسم لها ببساطة مستفزة وكأنه يتعمد ان يخرج اسوء ما فيها بتقييدها بذلك الرباط وهو يجعله واقع امامها عليها تقبله ارادت ذلك ام رفضت ؟!

تحرك (شادي) امامها عدة خطوات وهو يتجاوز المتجمد بينهما لتسبقه بخطواته التي خرجت من جمودها بلحظة وهي تسير بعيدا عنه ببرود باتجاه الممر المؤدي للمكاتب بعيدا عنهما .

حرك رأسه بيأس منها وهو يلهم نفسه الصبر قبل ان يلحقها من فوره وهو يتبع المسار الذي سلكته ، وما ان وصل كليهما بلحظات لأمام باب مكتبه حتى امسك بذراعها من الخلف ليديرها نحوه بقوة وهو يقول بنفاذ صبر
"إلى اين تريدين الوصول بهذه التصرفات يا ماسة"

نفضت ذراعها بعيدا عنه بقسوة وهي تقول ببرود محتقر
"لا شيء فقط ارحل من حياتي ، وتوقف عن تشهير هذا الرباط الاحمق والذي حدث بتهديد منك ، فأنا لست سلعة بين يديك تعرضها امام الجميع على انها زوجتك"

تراجع للخلف قليلا وهو يقول بجفاء بارد
"انتِ من وافق على هذا الزواج وبحضور والدي يا ألماستي....."

قاطعته بصراخ منفعل وهي تضرب بقبضتها بالهواء
"قلت لك مئة مرة لا تخطئ باسمي يا كتلة البرود والعجرفة"

اتسعت عينيه بحدة بلحظة وهو يرفع حاجبيه بخطر مختلط بالجمود المحدق لتسبقه بسرعة من استدارت بعيدا عنه وهي تفتح باب المكتب باندفاع قبل ان تتوقف لبرهة ما ان قابلت آخر من تمنت رؤيته الآن وبهذه اللحظة بالذات ، فما بها المشاكل تتراكم امامها دفعة واحدة بدون ان تتركها تأخذ نفس ؟

تقدمت صاحبة العينان الخضراء والتي كانت تنظر لها بابتسامة رقيقة بدون اي تعبير ، لتنقل بعدها نظرها للذي وقف بجانبها وهو يرفع حاجبيه بدهشة مما يراه شبيه بحال الواقفة بجانبه وقد تجمد الزمن بين ثلاثتهم للحظات فاصلة .

قطعت الوقت بينهم من تنفست بهدوء وهي تهمس بابتسامة حاولت جعلها طبيعية
"صباح الخير شادي وبابنة خالك ايضاً ، سعيدة جدا برؤيتكما معا مجددا"

افاق من صدمته من تقدم امامها عدة خطوات وهو يبتسم لها قائلا بمودة بعيدا عن التجهم والشرر والذي كان يحتله قبل قليل من غريمته
"وانا سعيد جدا برؤيتكِ يا لينا ، ولكن ما سبب هذه الزيارة المبكرة"

لم تتغير ملامحها الرقيقة وهي تهمس بخفوت مبتسم
"ولكني دائما ما كنت ازورك بهذا الوقت يا شادي ، اعتقد بأن مشاغل الحياة واقاربك الجدد قد انسوك اصدقائك المقربين"

كانت ردة فعل الواقفة عند الباب الجمود القاتل وهي تشعر بنفسها مستهدفة بكلامها لتستدير من فورها بلحظة وهي تنوي مغادرة المكتب بأكمله قبل ان تثبتها بمكانها اليد والتي امسكت برسغها والتي دفعتها لتعود بنظرها للأمام وهي تنظر بحيرة واجمة للذي وقف بجانبها بلحظة وهو يقول بابتسامة جانبية ببرود
"اعتذر على هذا يا لينا ، ولكن المشاغل والتجهيزات بالآونة الأخيرة قد اخذت كل وقتي ، لذا اعذري فظاظتي يا عزيزتي"

ردت عليه المقابلة له وهي تتنقل بنظرها بينهما بتشوش
"ماذا تقصد بالتجهيزات"

رفع ذراعه وهو يضرب بقبضته على مقدمة جبينه قائلا بتذكر مستاء
"صحيح نسيت ان اخبرك ، بموضوع زواجي القريب من ابنة عمتي ، وانتِ اكيد ايضا مدعوة للحفلة والتي سأقيمها قريبا بهذه المناسبة"

ارتفع حاجبيها الاشقرين بصدمة وهي تفغر معها شفتيها بارتجاف منذهل بآن واحد دام للحظات بدون ان تفيق منه ، لتنتفض بعدها الواقفة بجانبه وهي تفلت يدها بعيدا عنه هامسة بطرف عينيها بحقد
"سحقا لك"

ليكون تعليقه على كلامها ابتسامة صغيرة مستفزة
"لم تري شيء بعد يا ألماسة"

زفرت انفاسها بتأفف مسموع وهي تغادر باللحظة التالية لخارج الغرفة بأكملها بدون ان تأبه بأحد ، ولا بالتي كانت تنظر لها بكل حقد العالم من غلفتها القسوة والجمود بعيدا عن الرقة وما يزال الذهول يحيط ذهنها ليُخرج كل شياطين الأرض من مخبئها وهي تصوبها على شخص واحد ليس هناك احد آخر غيره وهي تضعه لأول مرة بقائمة عقلها السوداء !

______________________________
انتفضت بجلوسها وهي ترفع وجهها بعيدا عن الكتاب بحجرها ما ان سمعت صوت تحطم صادر من الطابق السفلي يتبعها صوت ضوضاء خافتة صادرة من نفس المكان ! ليتغضن بعدها جبينها بوجوم وهي تجزم بمعرفتها الأكيدة بسبب هذه الضوضاء المعتادة والتي تحدث تقريباً كل يومين ولأسباب تافهة لا تحتاج لكل هذه الضجة والتي اصبحت لا تطاق ابدا وتسبب الصداع لرأسها بالآونة الأخيرة ؟ وخاصة مع كل هذا الضغط بالدراسة والمذاكرة والتي لا تنتهي بدون ان تنسى اختباراتها والتي تتوالى عليها الواحدة تلو الأخرى بدون ان تجد متسع من الوقت لتهتم بنفسها او تنظر لحياتها وهي تشعر لأول مرة بالكره للدراسة لم تشعر به بسنواتها الأولى بالدراسة ببناء الجامعة ؟ فهل المشكلة تكمن بها ام بأستاذها الصارم ؟

انتفضت مرة أخرى وهي تستقيم بعيدا عن الأريكة ما ان زاد صوت الضوضاء بالخارج ، لتلقي بالكتاب فوق الأريكة بإهمال وهي تتمتم بقهر المظلوم
"الرحمة ألا يستطيع الشخص ان يجد الهدوء بهذه العائلة"

خرجت من الغرفة بلحظة لتنزل السلالم بسرعة وهي تتجه للمكان الصادرة منه كل هذه الضوضاء ، وما ان وقفت بقرب باب المطبخ والخارج منه الضجة حتى تجمدت بمكانها لبرهة وعينيها متسعة بوجل ما ان اكتشفت بأن المشكلة اكبر بكثير مما توقعت ! وهي تنظر للمرأة الصارمة والتي كان يبدو عليها كل ملامح القسوة والجمود لتنحت بداخلها وتحولها لأقسى مخلوقات الأرض وقد كان هذا واضح بطريقة وقفتها الجامدة ونبرة صوتها الرنانة بحدة آمرة بعيدا عن اللباقة والتي تتحلى بها دائما ، فما لذي حدث لوالدتها اوصلها لهذه الحالة المتقدمة والتي لا تصل لها بسهولة لتخرج عن طابع ورداء اللباقة والرقي بحكم مرتبة عائلتها ؟ وهذا اكيد لا يحدث ألا إذا كانت مشاكل شقيقتها الكبرى له يد به !

نقلت نظراتها للخادمة الصغيرة والواقفة امامها والتي كانت تتلقى ذلك التوبيخ القاسي من والدتها وهي تبدو قد انخطف اللون من وجهها وكأن شبح الموت قد تلبسها للتو ! لتخفض بعدها بلحظة نظرها لسبب كل هذه المشكلة والتي كانت تدور حول تحطم طقم كامل من الكؤوس والموائد الكريستالية والباهظة الثمن والتي تبين بأنها من الطقوم المقدسة عند والدتها والتي تهتم بها وتحبها اغلى شيء عندها بالمنزل بأكمله ، فكل شيء عندها يهون ألا اشياءها المقدسة والتي تعطيها كل الأهمية .

حانت منها التفاتة باتجاه الخادمات المحصورات عند زاوية المطبخ وهمّ يشاهدون ما يحدث للخادمة بعيون متسعة بوجل بدون ان تتجرأ احداهن على التدخل لكي لا تصيبها من سهام والدتها والتي قد تنسف على وجودها بهذا المنزل بأكمله .

عادت بنظرها لوالدتها وهي تتنهد بيأس قبل ان تتقدم نحوهما بخطوتين لتقف من فورها امامها لتصبح عندها الفاصل بينهما ، لتقول بعدها بهدوء ظاهري متجاهلة نظرات والدتها والتي اصبحت موجهة نحوها
"ماذا هناك يا أمي ، لما كل هذه الضوضاء ببداية الصباح"

كتفت (جويرية) ذراعيها فوق صدرها بقوة وهي تقول باشمئزاز ناظرة للخادمة من خلفها بطرف عينيها بشر
"قبل ان تبدأي بالدفاع عنها ، عليكِ ان تعلمي اولاً ما لذي فعلته تلك البلهاء بطقم كؤوس كامل كان عليها ترتيبه بحرص بالخزانة ليتحطم بالنهاية بدون اي حس بالمسؤولية ، وهي لا تعلم قيمته وكم يكلف ثمنه ولو عملت ليل نهار لن تستطيع جمع نصف ثمنه"

اغتصبت ابتسامة صغيرة وهي ترفع ذراعيها جانبا للدفاع عن نفسها وعن الخادمة ان فكرت والدتها بالهجوم عليهما قائلة بخفوت وروية
"اهدئي يا امي ، والموضوع لا يحتاج لكل هذا الغضب الناري ، قد تكون قد اخطئت بدون قصد فهي اكيد لم تتعمد تحطيم موائد المطبخ ، لذا ارجوكِ سامحيها هذه المرة ولو من اجلي فهي ما تزال جديدة بالعمل"

تقدمت والدتها خطوة لتتراجع الأخرى للوراء قليلاً بتوجس ما ان تخصرت والدتها امامها بلحظة وهي تقول بصرامة حادة مشددة على كلماتها بحزم
"كم مرة اخبرتكِ يا غزل ان تتوقفي عن الدفاع عنها ، فهذه البلهاء لم تخطئ مرة او مرتين بل هي دائما تتعمد الخطأ متأملة ان نسامحها بسبب صغر سنها ومن بعمرها يستطيع إعمار منزل كامل وعائلة بعشر اطفال ، ولكن يبدو بأنها لا تنفع لا بزواج ولا بالعمل خادمة عند عائلة محترمة مثلنا"

ارتفع حاجبيها بدهشة لوهلة وهي تهمس بخفوت ساخر غير مسموع
"ولكن سلوى تزوجت بعمر الحادية والعشرون ، هل تظن نفسها تعيش بالقرون ما قبل الجاهلية"

عقدت حاجبيها ببطء حاد ما ان سمعت ضحكات خافتة خارجة من الخادمة والوحيدة والتي سمعت همسها لتصمت عندها من فورها ما ان وقعت نظراتها عليها بشر وهي تتمتم بخطر
"ماذا كنتِ تقولين الآن يا غزل"

تداركت نفسها وهي تبتلع ريقها بانتفاض لتحرك يديها بعشوائية قائلة بلا مبالاة
"قصدت بأنكِ تبالغين كثيرا بتضخيم المشكلة ، وهي اساسا ليست بكل هذا التعقيد ، فنحن نملك الكثير من طقوم الكؤوس الكريستالية بالخزائن الأخرى ويمكنكِ الاستخدام منها بدل ان تحتفظي بها وتقدسيها للأجيال القادمة"

عادت والدتها للصراخ باستنكار ما ان خرجت الضحكات هذه المرة من الخادمات الاخريات والمحصورات بالزاوية
"غزل"

قالت (غزل) بسرعة وهي تنظر لها وبنفاذ صبر
"ارجوكِ امي كفى ، اعلم بأنكِ لستِ غاضبة من تحطم الكؤوس بل انتِ غاضبة من امر آخر لا يتعلق بالكؤوس وهو ما جعلكِ تنفثين غضبكِ بالخادمات ليكونوا متنفس عن غضبكِ الناري ، وايضا انا اذكر بأني قد استخدمت هذه الموائد على الفطور ولم انتبه جيدا لترتيبها بالخزانة حتى سقطت مع الخادمة هكذا"

ردت عليها بحدة وبحاجبين معقودين بعدم تصديق
"كاذبة"

كتفت ذراعيها فوق صدرها كحركة والدتها الصارمة وهي تقول بهدوء بالغ وبحاجبين مرفوعين بثقة
"صدقي او لا ، هذه الحقيقة"

ضيقت عينيها بحدة قاسية موجهة نظراتها للواقفة امامها تجابهها بنفس النظرات العسلية الحادة بدون اي تردد او خوف من نتائج فعلتها وكأنها تتحداها ان تعترض على كلامها او ان تنكره وهذا هو ما تمتاز به ابنتها والشبيهة بوالدها بقوة المواجهة والصبر عند المنافسة بدون اي تخاذل حتى يعلن خصمها استسلامه ! ليحدث بعدها بلحظات ما توقعته ووالدتها تشيح بوجهها بعيدا عنها بإيباء قائلة ببرود جليدي بصرامة
"لا بأس يا غزل ، ولكن مرة أخرى لن اسامحكِ عليها لا انتِ ولا من يختبئ من خلفك"

عقدت حاجبيها بتركيز لبرهة وهي تتابع خطوات والدتها والتي ابتعدت لخارج المطبخ بعد كل هذه الضوضاء والتي جلبتها معها ، لتشعر بعدها بيد تربت على كتفها برفق قبل ان تلتفت نحو التي اخفضت رأسها ودموع الخزي ما تزال تملئ عينيها وهي تهمس لها بامتنان شديد
"شكرا جزيلاً لكِ يا آنسة غزل ، شكرا لا اعلم ماذا كان سيحدث لي لولا تدخلك"

اومأت برأسها بهدوء وهي ترفع يدها لتربت على كتفها هامسة بلطف
"لا عليكِ ، المهم ان تنتبهي على نفسكِ اكثر بالمرة القادمة ، فأنا لا استطيع انقاذكِ من امي بكل مرة"

اخفضت يدها ما ان رفعت المقابلة لها وجهها الشاحب وهي تبتسم لها بمحبة يناسب ملامحها الطفولية والتي تقارب بعمر السادسة عشر وهي تضطر للعمل خادمة بهذا السن لتحصل على يقوت يومها ، لتلتفت بعدها لباقي الخادمات الاخريات وهي تقول لهم بأمر جاف
"اسمعوا هذه المرة لن اقول لكم شيئاً عن غفلتكم عنها ، ولكن مرة اخرى اريد منكم ان تحرصوا اكثر على العمل بشكل افضل وتعليمها كل اصول العمل بدون ان تخطئ مجددا ، واياكم ان اعلم بأنكم تعطونها وظائف اكبر من سنها ، هل كلامي مفهوم"

حركوا رؤوسهم بلحظة بطاعة تامة بدون اي كلام ، لتتنفس عندها الصعداء وهي تلقي نظرة اخيرة باتجاه الوجه المبتسم لها بامتنان ، لتستدير بعدها وهي تغادر من المطبخ بأكمله وكل تفكيرها يتمحور حول دراستها المعلقة والتي لن تنهيها قبل موعد الاختبار بالغد وهي تشعر ببوادر الفشل والرسوب وشماتة استاذها قد بدأت تلوح لها بالأفق ! وكم ستكون إهانتها كبيرة عندما يحدث كل هذا وافظع من تحطم طقم كؤوس كامل والذي لن يضاهي شيئاً امام فشلها .

______________________________
كانت تشرب من كأس العصير امامها بمهل وهي تنظر لقطعة الفاكهة المعلقة بحواف كأس عصيرها الخاص بها والذي كان بنكهة البرتقال البرية وهو ما كان تحتاج إليه بعد وجبة طعام دسمة ملئت معدتها بها حد الشبع ، رفعت بعدها حدقتيها ببطء لبرهة باتجاه الجالس امامها والذي كان يتكلم مع النادل ونفسه من احضر لهم كل هذه الأطباق المنوعة من الأطعمة والتي اكتشفت معها مذاق جديد للحياة لم تجربه من قبل بأفضل المطاعم بالبلد كما لاحظت ! وكم تشعر بالإحراج الشديد من تواجدها بمثل هذه الأمكنة العريقة والتي كانت محظورة عنها فيما سبق لتصبح وهذا الشخص الجالس امامها جزء من عالمها المنغلق والذي بدأ ينفتح رويدا رويدا على يديه ، فهل السر يكمن بطبيعة الرجل المرتبطة به بعلاقة اكتملت بالأمس ؟ وليست متأكدة تماما من اكتمالها ؟

ارتبكت قليلاً ما ان وجه نظراته الغامضة نحوها بلحظة غادرة لتخفض عندها نظرها لكأس العصير من فورها وهي تعود لشربه بهدوء وصمت عادت لتقمصه ، بينما ابتسم الناظر لها بحنية بتلك الاحداق الرمادية والتي تخصها بنظرات لا يعلم عنها سوى صاحبها ؟ وهو يتسائل بكل مرة عن السعادة اللحظية والتي تبثها بروحه بنظرة لعينيها الخضراء الشاحبة بحزن صامت لا يليق سوى بمقلتيها الكبيرتين مثل غابة نخيل واللتين تحملان كل هموم العالم ومسؤولياته بداخلهما منذ ان وقع اسير عينيها باللحظة الأولى ؟

التفت للنادل مجددا وهو ينتهي من محاسبته ليرحل من امام طاولتهما ، عاد بنظراته للصامتة امامه وهو يتنحنح بخشونة قائلا بجدية هادئة
"هل اعجبكِ"

تركت كأس العصير وهي ترفع نظراتها نحوه بارتباك بذلك الاتساع المريب لتتدارك عندها نفسها وهي تهمس بخفوت مبتسم
"اتقصد الطعام ، اجل لقد اعجبني كثيرا وقد كان افضل طعام اتذوقه بحياتي"

اومأ برأسه بنفس الابتسامة المتسعة قبل ان يضحك بهدوء وهو يقول بابتسامة جانبية
"لقد ارحتني حقا برأيكِ فقد ظننت بأن كل المال والذي اضعته على الطعام قد ذهب هباءً ، ولكني كنت اقصد بكلامي العصير والذي امضيت عليه نصف ساعة وانتِ ما تزالين تشربين منه"

ابتسمت بإحراج استبد منها وهي تبعد كأس العصير من امامها بعد ان اكتشفت بأنها كانت مراقبة طول وقت استغراقها بشرب العصير بدون ان تنتبه لذلك ، لترفع بعدها يدها وهي ترجع خصلات شعرها الطويلة لخلف اذنيها قائلة بهدوء متزن عاد ليتلون بملامحها الشاحبة
"شكرا جزيلا لك على هذا الغداء الرائع وبمكان مدهش لم ارى له مثيل بحياتي ، فأنا لم ازر بحياتي مثل هذه الأماكن الفاخرة ، لذا شكرا لك على هذا الوقت والذي اضعته من عملك لتقضيه معي"

كان ينظر لها للحظات بصمت قاتم قبل ان يقول بابتسامة متزنة بثقة
"لا داعي لكل هذا الكلام والرسمية معي ، فقد ظننت بأن كل الحواجز قد انتهت من بيننا منذ ليلة امس وتحديدا منذ موافقتكِ على مشاركتي لحياتي لتكوني جزء من هذه الحياة بإرادتكِ الحرة ، فأنتِ بالنهاية زوجتي وليس هناك اي رسميات او امتنان بيننا بعد الآن ، سمعتي يا روميساء"

اخفضت وجهها وهي تتلاعب بخصلة مهملة فوق ياقة قميصها بتوتر ما ان عاد لتذكيرها بتلك الليلة والتي كانت اطول ليلة تمر عليها بحياتها ، ولا تعلم لما تبعث بها كل هذا التشنج والحياء بقلبها المنقبض بوجل وهذا غير السعادة الطفيفة والتي تطغى على كل هذا وكأنها ربحت بجولة الحياة لتكسب كأس العالم ؟

ابتلعت ريقها برهبة ما ان قال الجالس امامها بحزم ولطف
"هيا بنا لنذهب من هنا ، ام انكِ تريدين الانتظار حتى تنهي العصير"

زمت شفتيها بحنق وهي تنظر له بعبوس متصلب ، ليقف بعدها وهو يحرك رأسه بضحكة خافتة قبل ان يسير بجوارها ليرفع ذراعه نحوها بإشارة لها قائلا برفق
"هيا بنا يا روميساء الفاروق"

اتسعت ابتسامتها بهدوء بلحظة وهي تقف من فورها لتتمسك بذراعه بيديها برفق قائلة بتصحيح ظريف
"تقصد روميساء الفكهاني"

حدق بها بابتسامة اتسعت تلقائياً من عفويتها معه والتي تظهرها على سجيتها المحببة والتي تقتلها دائما بواقع الحياة ، ادار وجهه بسرعة للأمام وهو يتمالك نفسه مما يحول امره ما ان تكون هذه الفتاة بقربه وكأنها قد استولت على حياته وتفكيره بأكمله بدون اي مجهود يذكر فقط مجرد لعنة تجعله لا يفكر سوى بتفاصيلها الصغيرة كما قال والده من قبل !

وصل بها للسيارة المركونة عند طرف الطريق المقابل للمطعم ، وما ان وقف بجانب مقعد السائق حتى افلت يديها وهو يمد ذراعه بلحظة ليفتح باب السيارة وهو يشير بذراعه الآخر قائلا بغموض
"هيا يا روميساء اجلسي بمقعد السائق"

ارتفع حاجبيها بارتياب لوهلة وهي تنقل نظراتها منه للمقعد قائلة بدهشة
"ولكن يا احمد هذا مقعدك انت ، كيف تريدني ان اقود مكانك....."

قاطعها من رفع ذراعه ليربت على كتفها وهو يقول بهدوء واثق
"لا تقلقي يا روميساء فأنا لم اجن بعد ، قصدت بكلامي بأنني اود تعليمكِ بعض الأمور المهمة عن اساليب القيادة بما انه ما يزال لدينا متسع من الوقت وقد اخذت إجازة من العمل بالفعل ، لذا لا ضير من اعطائكِ بعض الدروس بالقيادة"

فغرت شفتيها بصدمة للحظات وكأنها تحاول التأكد من صدق كلامه لتتراجع بعدها قليلا للخلف وهي تهمس بشحوب
"لا يا احمد ، ما هذا الذي تقوله ، انا لا اريد تعلم شيء واستطيع العيش بدون تعلم قيادة السيارات والتي لا تناسبني من الأساس"

عقد حاجبيه ببعض الجمود بعد ان غاب عنه الهدوء والذي كان يتحلى به امامها ليقول بعدها وهو يشدد من القبض على إطار باب السيارة امامه بقوة
"ماذا قلنا عن هذا الموضوع يا روميساء ، لقد اتفقنا بالفعل وانتِ قد وافقتِ على تعلم القيادة ، فما لذي تغير الآن"

عضت على طرف شفتيها الممتلئتين بغيظ لما وصل به حالها وهو يحاول وضعها بالأمر الواقع ، لتقول بعدها بوجل وهي تلوح بذراعيها بتوتر
"ولكني ظننت بأنك لست جاد بذلك الموضوع لأنك كنت تبدو غاضباً جدا ، وانا ارى بأنه تافه جدا ولا يحتاج لكل هذه الجدية به....."

عاد لمقاطعتها بحزم اشد انتفضت مع نبرة صوته الصارمة وهو يقول
"روميساء كفى ، لقد قلت ما عندي وليس هناك داعي للنقاش اكثر ، وانتِ ستفعلينه ولو رغما عنكِ"

اخفضت نظراتها للأسفل بصمت وهي تحاول كتم انفاسها المصدومة بشهيق لا إرادي مما تتعرض له من الشخص والذي ظنت بأنه اجمل شيء حدث بحياتها ليتحول بلحظة لنسخة اخرى متحكمة عن زوج والدتها (قيس) ، وهذا ما كان عليها توقعه من صنف الرجال بأكمله كما كانت شقيقتها تقول دائما !

رفعت نظراتها بهدوء ما ان شعرت بيديه فجأة وهي تمسد على كتفيها بقوة تسللت لمفاصلها بلحظات ، ليقول عندها من كان يبتسم لها برفق حاني
"اسمعي يا روميساء انا اقدر رغبتكِ بعدم التعلم للقيادة بحكم تربيتك وبيئتك ، ولكنك انتِ الآن زوجة احمد الفكهاني ولا بأس من تعلم القيادة ولو من باب كسب الخبرة لتبقى معكِ للظروف القادمة والتي قد تواجهكِ بالمستقبل ، وايضاً لم اطلب منكِ القيادة الآن فقط اريد ان اعلمكِ القليل عن القيادة النظرية لا اكثر ، وسأترك الباقي لمدربتك والتي ستعمل على تعليمك القيادة فيما بعد"

فتحت شفتيها بارتجاف وهي تنوي قول شيء لتعود لأغلاقه بتوتر قبل ان تومأ برأسها بالإيجاب باستسلام ، ليمسك بعدها بذراعها وهو يدخلها لمكان مقعد السائق برفق قبل ان يغلق الباب من خلفها ليدور حول السيارة بلمح البصر ويدخل بالمقعد المجاور لها .

تنقلت بنظراتها برهبة بمزايا السيارة حديثة الطراز وهي لا تصدق بأنها ستقود هذه المركبة الرائعة والتي اكيد ستكون سرعتها عالية مثل مزاياها الكثيرة ! اخفضت نظراتها للذي كان يشير لها بيده للمقود امامها قائلا بعملية جادة بعثت الرعشة بعظامها
"اولاً امسكي بالمقود بيديكِ بإحكام فهو سيكون السبيل للتحكم بمسار سير السيارة بمنحنيات الطريق امامكِ ، يعني مثل الالعاب الالكترونية ذات مقود التحكم ولكن الفرق هنا بأن هذه واقعية ومن ستقودين امامهم ستكون ارواح حقيقية بين يديكِ"

لعقت طرف شفتيها بارتباك وهي تهمس بوجوم
"لم اجرب بحياتي الألعاب الالكترونية ، هل هذا يعفيني من القيادة الواقعية"

ردّ عليها بكلمة واحدة بحزم صارم
"لا"

اخفضت جفنيها بتعب للحظات قبل ان تنتفض بمكانها وهو يتابع كلامه بعملية جافة
"هيا يا روميساء توقفي عن التكاسل وافعلي ما اقول ، فما اقوله مهم جدا بتعلم القيادة النظرية وبعدها يأتي وقت القيادة التطبيقية"

اومأت برأسها بالإيجاب وهي تتمسك بيديها بالمقود كما قال وهي تشعر بتشنج مفاجئ احتل اطرافها لوهلة وهي تشعر بنفسها قد اصبحت مسؤولة عن عشرات الأرواح والتي قد تدوسها بعجلات السيارة بدون اي رحمة او رأفة ! عضت بعدها على طرف شفتيها بقوة ما ان نفذ صوته اعماقها وهو يقول بجدية مشيرا بقدمه للفرامل من تحت قدميها
"وهذه تكون الفرامل التي تدوسين عليها لتوقفي حركة السيارة....."

توقف عن الكلام فجأة وهو يشهق بألم ما ان داست على قدمه فوق الفرامل باندفاع لا إرادي ، لتتسع عينيها بوجل بلحظة وهي تبعد قدمها بسرعة من فوق قدمه والتي ابعدها من فوره !

نظرت بسرعة لملامحه المتشنجة وهو يخفض نظراته بعيدا عنها بدون ان تتبين اي شيء به ، لتبتلع عندها ريقها برهبة وهي تهمس بحذر
"احمد هل انت بخير ، انا آسف لم اقصد ، اخبرتك بأني لا اصلح لهذه الأمور...."

توقفت عن الكلام بصدمة ما ان قاطعتها ضحكته المرحة بانشراح وهو يرفع نظراته لها بهدوء ! ليضرب بعدها بطرف اصبعه على مقدمة جبينها بخفة قائلا ببرود
"غبية يا روميساء ، بدل ان تدوسي على الأرواح امامكِ دستِ على قدمي زوجك"

تبرمت شفتيها بعبوس وهي تبعد نظراتها عنه بغضب مكتوم متمنية ان تنشق الأرض الآن وتبتلعها من هذا الموقف المخجل اكثر من اي موقف آخر مرّ عليها ، شهقت بألم ما ان شد على خصلة طويلة من شعرها ليوجه رأسها للأمام قائلا بأمر هادئ
"هيا ركزي يا روميساء ، انتِ تضيعين وقتنا بهذا التكاسل وتزيدين من اخطائكِ عندي ، وهذا ليس جيداً على معلمة محترمة مثلكِ"

شددت من الضغط على اسنانها بتصلب حانق وهي تلوح بذراعها لتدفعه بعيدا عنها ، وما ان ابتعد عنها حتى عادت للقبض بيديها على المقود بتصلب وهي تشتم نفسها مما اوقعت نفسها به وهو يتجرأ ويعايرها بلقب المعلمة ! وكم تتمنى الآن لو انها اندفعت بكل قوتها وهي تدوس على قدمه الحمقاء حتى تسبب له العرج والذي سيجعله يندم على اليوم والذي فكر فيه بتعليمها القيادة .

يتبع..................

روز علي 07-08-21 10:52 PM

دخل من باب المنزل وهو يسحبها معه من يدها الممسك بها بقوة تملكية اخترقت مفاصل اصابعها برعشة محببة ، بينما كانت هي تتبعه بصمت محرج من السعادة والتي بدأت تدق اجراس قلبها وعلى اوتار مشاعرها باعثة نشوة فريدة متخللة بشرة يدها لباقي اعضاء جسدها ولقلبها مباشرة !

توقفت خطواتها لبرهة متزامنة مع الخطوات والتي توقفت امامها فجأة ، لتحيد بعدها بنظراتها بحيرة للسبب والذي اوقف حركته عند مدخل المنزل قبل ان تفاجئ بالكائن الانثوي والواقف امامه والذي نسيت امره تماما بخضم سعادتها الفريدة بهذا اليوم التاريخي والذي سيسجل بالتاريخ لأول مرة ولآخر مرة على ما يبدو ! ونفسها من تكون زوجة الرجل والذي تقاسمها به بحكم الزوجات وكأنه هذا هو حظها بالحياة ان تكون سعادتها دائما مرهونة بأشخاص آخرون يشاركونها به بدون ان تستطيع ان تهنئ به لوحدها فقط ، ولا تستطيع قول شيء حيال ذلك او الشكوى منه لأن كل اللوم يقع عليها هي لوحدها لأنها قبلت برجل متزوج منذ البداية ؟

تقدمت بخطواتها بحذر لتصبح على مقربة من الجسد الجامد بجانبها وهي تحاول افلات كفها من قبضته بدون ان يسمح لها وهو يزيد من تشديده على يدها تلقائياً حتى كاد يحطم عظامها ، ونظراتها الشاحبة معلقة بالساكنة بمكانها بدون ان يصدر عنها اي حركة للآن وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بقوة وشياطين الأرض تبرق بمقلتيها السوداء المشتعلة بهدوء جربت من قبل تبعاته عندما اهانتها بوظيفتها علانية ، فكيف الآن وهي تنظر لهما بتلك الطريقة المريبة والتي تستطيع ان تتكهن بدواخلهما ؟

قطعت الصمت من وجهت نظراتها مباشرة للواقف امامها بجمود وهي تتكلم برقة متنافرة عن ملامحها المشتعلة بقنوط
"مساء الخير يا احمد ، لقد تأخرت كثيرا بالعودة اليوم للمنزل على غير العادة ، هل حدث شيء طارئ بالعمل يا زوجي العزيز"

اخفضت نظراتها بإحراج لوهلة بعيدا عنهما وهي تشعر بنفسها خارج الصورة ، ما ان قال الجبل الجليدي الواقف بجانبها بابتسامة هادئة
"لا لم يحدث شيء يا سلوى ، ولكني اليوم اخذت إجازة من العمل لاصطحب معي روميساء بجولة قصيرة ، لتستمتع قليلاً بوقتها وترفه عن نفسها بعيدا عن جو العمل والذي اخذ كل وقتها بالأيام الماضية ، ولم يكن عليكِ حقا انتظاري لهذه الساعة"

عضت على طرف شفتيها بغضب بدأ بالظهور بملامحها وبنبرة صوتها الحادة وهي تهمس بانفعال مهتز
"وهل قضيتما وقتاً ممتعاً برفقة بعضكما البعض بتلك الجولة بدون ان تفكرا بأي مخلوق قد يعكر عليكما صفو حياتكما"

ردّ عليها (احمد) ببساطة بالغة وبابتسامة عريضة
"بالتأكيد وماذا كنتِ تظنين مثلاً"

انفجرت فجأة من صرخت بحقد دفين خرج منها دفعة واحدة
"سحقا لك يا احمد......"

قاطعها من صرخ فوق صوتها بصرامة حادة
"كفى يا سلوى"

صمتت بالفعل للحظات وهي تحاول تنظيم انفاسها بصعوبة لتنقل نظراتها فجأة باشتعال للتي ابتلعت ريقها بتعثر وهي تحاول ان تخبئ نصف جسدها خلف الجبل الواقف امامها لكي لا تصيبها بسهامها الطائشة والتي ستوديها قتيلاً ! لتعود بعدها بنظراتها المشتعلة لنفس الشخص وهي ترفع ذراعها لتلوح بها باتجاه الأخرى قائلة بحدة مستنكرة
"هذه من تفضلها على زوجتك الأولى ، هل انستك عشرة زواج خمس سنوات كاملة ، هل هنتُ عليك بهذه البساطة ولم اعد مهمة بحياتك بعد ان اصبحتُ زوجة مستهلكة وجاءت من هي افضل مني ، هل احببتها اكثر مني لأنها اجمل......"

عاد لمقاطعتها بحدة وبنفاذ صبر بعد ان استبد به الغضب
"اخرسي يا سلوى ، ألن تتوقفي عن قول التفاهات والكلام الغير مجدي"

تنفست بحشرجة حادة وهي تنفض ذراعها للأسفل هامسة بصوت مهزوز حانق
"حسنا ، لقد تقبلت بأنك تزوجت منها بدون الأخذ برأيي او اعتبار لمشاعري ، ولكن ان تفضلها عليّ وتفعل لها اموراً رائعة وانا مهملة بالزاوية ، فهذا ما لن اسمح بحدوثه ، فأنا لن ألعب طول حياتي دور المشاهدة"

عقد حاجبيه بحدة وهو يتنهد بقوة لبرهة ليقول بعدها ببرود قاسي موجها نظراته نحوها مباشرة
"ما هو الجزء الذي لا تفهمينه يا سلوى ، لا تنسي بأن روميساء لديها حقوق عليّ ومتطلبات منذ بداية زواجي منها مثلكِ تماما ، وما افعله هو جزء من حقوقها والتي تأخرت بتحقيقها لها ، وبخصوص بأني لم افعل لكِ شيئاً فهي اسخف كذبة اسمعها بحياتي ، فأنا منذ بداية زواجي منكِ حققت لكِ كل امانيك بدون اي نقص او تقصير من حفلات وشهر عسل ، واما زوجتك الثانية فهي عكسك تماما لم تحصل على اي شيء مما حصلتِ انتِ عليه بزواجك ، فهل تستكثرين عليها بعض من حقوقها المتأخرة والتي تستحقها كل زوجة جديدة"

مرت لحظات صامتة بعد كلماته القوية والتي اصابت القلوب المحيطة بها بين منذهل ومشتعل وخاصة التي كانت تبتسم بابتهاج وسعادة عادت للبريق بملامحها الشاحبة من جديد بعد ان استعاد منها حقها واوقف تلك المشتعلة عند حدها وهي تشعر بقيمتها بحياته ترتفع اضعافاً عن السابق ! بينما كانت الأخرى ما تزال متجمدة بمكانها وهي تشعر بروحها على وشك الغليان مثل فوهة بركان ثائرة وهو يهينها بكل بساطة وبدون اعتبار لمشاعرها والتي سحقها بقوة بثقته البالغة وبدون اي تردد او تفكير .

اخترق الصمت والذي لف ثلاثتهم معا خطوات ثابتة متجهة نحوهم بصمت قاتم ، لتقف بعدها من انضمت لهم بلحظات وهي تقول بجانب المشتعلة بابتهاج مزيف اقرب للسخرية
"مساء الخير يا عرسان ، يا لها من صدفة رائعة ان اراكم هنا بهذه الأمسية الجميلة ، والأجمل من كل هذا هو ليلة زفافكما بالأمس ليصبح لعلاقتكما مسمى آخر يطلقون عليه عصافير الحب او عرسان شهر العسل ، شيء من هذا القبيل"

احمرت الوجوه الناظرة لها بلحظات والتي تكاد تؤكلها بنظراتها بدون ان تعيرها اي اهتمام وهي تلقي عليهم كلماتها الوقحة ببساطة ضربتهم بالصميم ! وخاصة الواقفة بجانبها والتي زادت من اشتعالها والذي تحول لشيء آخر بعيد تماما عن الحياء والدماء تصعد لأوردتها تكاد تفجرها قبل ان تلقي بلحظة نظرة اخيرة دامعة من الحمم المشتعلة بروحها باتجاه الواقف امامها والذي جمدته الصدمة ؟ لتستدير بعدها بعنفوان وهي تنفض شعرها المتشابك للخلف قبل ان تغادر بعيدا عنهم باتجاه البهو الواسع بدون اي كلمة اخرى .

اشاحت (ماسة) حدقتيها الزرقاوين بعيدا عن التي كانت تنظر لها بتأنيب صامت مما اقترفته للتو بدون اي حياء ، لتحول بعدها نظراتها للواقف بجانبها وهي تتلمس مرفقه قائلة بخفوت هادئ
"اعتقد بأنه عليك الذهاب من خلفها يا احمد ، فما سمعته كثير عليها ولا اعتقد بأن اي انثى متزوجة مثلها ستتحمله"

ادار حدقتيه الرمادية نحوها بغموض لوهلة وملامحه تنضح بالرفض قبل ان يستسلم امام اصرار حدقتيها الخضراوين الصارمتين ، ليفلت بعدها كفها على مضض قبل ان يسير بعيدا عنهما بنفس طريق الأخرى ونظراتها تودعه مثل شيء جميل كان بحوزتها بلحظة غادرة قبل أن تشيع جثمانه بيديها وبإرادتها الحرة !

______________________________
دخل للغرفة بهدوء وهو يتنقل بنظراته بحيرة قبل ان يلمحها وهي جالسة على طرف السرير تعطيه ظهرها بسكون يقابله منها لأول مرة يبعث الخوف والريبة بروحه من سكونها الغير مبشر والذي يخفي هجوم آخر من بركان خامد ينتظر الفوران ! وهو ادرى الناس بموعد الفوران ونتائجه الوشيكة والذي اعتاد على تهدئته على مدار سنوات حتى يأس ومل .

استغفر ربه وهو يتخلل خصلات شعره السوداء بأصابعه بقوة محاولا استرجاع كل هدوء يملكه بحياته المشتتة والغير مرتبة وهو للآن لم يستطع تحديد مكانه ووضعه بهذه الحياة الفوضوية وبين امرأتين متناقضتين بكل شيء ، ليعود ويذكر نفسه بلحظة بالمسؤوليات الملقاة على كاهله والتي عليه ان ينصف بها بحق الزوجتين ، وخاصة مع هذه المرأة والتي لا يهنئ لها بال قبل ان تعكر صفو حياة الجميع وهو يتمنى حقا ان تتحلى ولو بنصف عقل زوجته الثانية ، فهل الأمر يتعلق بطبيعة التربية وبالبيئة والتي نشئوا بها كل واحدة منهما ؟

تقدم عدة خطوات وهو يتنحنح بخشونة قائلا بجدية منخفضة بعد ان عاد لقناع الهدوء
"إذاً ماذا افهم من هذا الهدوء المريب ، هل تحاولين اثارة شفقتي او شيء من هذا القبيل"

وعندما لم يجد اي ردّ منها على غير عادتها قال بعدها بلحظات بابتسامة جامدة وهو يقف بالقرب منها
"إذا كنتِ تتوقعين من هذه الحركة ان اغفر لكِ كلامكِ الأخير ووقاحتك امام مدخل المنزل ، فهذا ما لن يحدث فقد اظهرتِ لي بذلك التصرف مدى تفاهتك وقلة احترامكِ ولو من واجب احترام زوجك ، وهذا هو الفرق بينكِ وبين ضرتك الثانية......."

اندفعت فجأة الساكنة بمكانها بلحظة وهي توجه وجهها ناحيته لتخرج من هدوئها قائلة بانفعال محتقن
"لا تقل ضرتك مرة أخرى ، وهي ليست افضل مني والدليل شقيقتها الوقحة والتي لا تعرف شيء عن الحياء والأدب ، وإياك ان تقارن ابنة الجاه والعز مع مجرد عاهرا......"

قاطعها بصرخة صارمة وهو ينفض ذراعيه للأسفل بحنق
"سلوى اللعنة عليكِ"

اخفضت رأسها للأسفل بارتجاف الخزي لبرهة وهي تتنفس بحشرجة مختنقة قبل ان يتلون وجهها بلحظة باحمرار قاني شبيه بالحمم البركانية ، وما هي ألا لحظات حتى بدأت تجهش ببكاء مرتفع بعد ان استبد بها الغضب وهي تغطي وجهها بيديها بانهيار مهتز بانفعال !

تنفس بغضب لوهلة وهو يرفع حاجبيه بوجوم ناظرا لانهيارها والذي اعتاد عليه بكل نهاية نقاش حاد يحدث بينهما وبعد ان يصل بها الغضب لأقصاه حتى اصبح من طقوسه اليومية والتي تأقلم معها منذ زمن .

سار باتجاهها بهدوء قبل ان يجلس بجانبها تماما ليرفع عندها ذراعه بلحظة وهو يحاوط كتفيها بصمت دام بينهما للحظات بدون ان يضيف اي تعليق آخر ويده تربت على خصلات شعرها المتشابكة برفق ، ليشعر بعدها بتفاعلها الصامت معه وهي تستدير على جانبها لتصبح مقابلة له قبل ان تعانقه وهي تطوق خصره بذراعيها بقوة وقد بدأت شهقات بكاءها بالهدوء تدريجياً حتى اختفت بين منحنيات صدره العريض .

استمر بتهدئة ثورتها لثواني اخرى حتى سمع صوتها وهي تهمس بحشرجة بكاء ما يزال يطغى عليها بحة غاضبة
"احبك يا احمد ، واعتذر على كل ما سببته لك من مشاكل ، واعدك بأني سأحاول ان اتعايش مع الوضع الجديد ومع زوجتك الثانية من اجلك فقط"

اومأ برأسه بشرود صامت وهو يشعر ببعض الذنب والتقصير والذي اقترفه بحق زوجته الأولى وهو اعلم الناس بطبيعة تفكيرها المحدود ومزاجها المشتعل والذي يطغى دوما على حياتها ! اخفض بعدها ذراعه عن شعرها ما ان شعر بابتعادها عن حضنه بضع انشات قبل ان ترفع رأسها نحوه بقوة وهي تنظر له بمقلتيها الدامعة بتوهج مشتعل بإصرار غريب .

عقد حاجبيه بوجوم ما ان عادت للكلام برجاء حزين وهي تتمسك بياقة قميصه بلحظة بكفيها بتعلق متشبث
"ارجوك يا احمد اعطني فرصة اخيرة لأثبت بها نفسي ، وسأريك بأني ما ازال زوجتك الفاتنة والتي تزوجت منها منذ خمس سنوات ، وان ذلك الرباط والذي يجمعنا من المستحيل ان يتغير بيننا مهما كانت الظروف ، فقط هذه الليلة لنكون معا كما كنا بالسابق واعدك لن اطلب غيرها"

اتسعت حدقتيه بصدمة من طلبها المفاجئ بهذا الوقت تحديدا ، ليرفع بعدها يديه وهو يقبض على كفيها الممسكين بياقة قميصه بقوة وبإصرار مريب قبل ان يعود بلحظة بنظره لمقلتيها الدامعتين ولوجهها المحتقن من الدموع بصمت اطبق عليهما للحظات .

اخفض نظراته بعيدا عنها لثواني وهو يزفر انفاسه بهدوء منقبض ليعود بنظره لها ببطء وهو يقول بابتسامة هادئة بدون اي تعبير
"حسنا يا سلوى ، لا بأس بذلك"

اتسعت ابتسامتها بسعادة وهي تريح رأسها على صدره براحة منتشيه وكأنها قد حصلت اخيرا على انتصارها والذي تاقت إليه كثيرا ليشفي القليل من غليلها ويطفئ نيرانها والتي نشبت منذ ليلة امس لتكون الاسوء بحياتها ، ستتركها الآن تهنئ بتلك الليلة اليتيمة للأيام القادمة لأنها لن تحلم بها مرة أخرى عندما تبدأ بالتفوق عليها المرة تلو الأخرى حتى يسلم بالنهاية بسحر فتنتها والتي تطغى على كل شيء بحياته ، وهذه الليلة هي بداية استرجاع حقوقها والتي اوخذت منها رغما عنها وبدون موافقتها ....

_____________________________
صباح اليوم التالي........
كانت تسير بالممر الطويل المؤدي للمكاتب وهي تحاول تجاهل النظر للوجوه المحيطة بها مخفضة نظرها لموضع قدميها بخزي وتحديدا لحذائيها الرياضيين بلون الوردي البارد والذي ارتدته على عجلة من امرها عندما لم تجد أياً من احذيتها ذات الكعب العالي بسبب المنبه الأحمق والذي لم يوقظها بالوقت المناسب لتتأخر على موعد اختبارها بمكتب الاستاذ والذي اكيد سيحيل حياتها لجحيم لو تأخرت او تغيبت عن الاختبار والذي كان قد حدده معها من قبل ، وكل هذا لأنها سهرت طوال الليل وهي تحاول الدراسة مع صوت صراخ (يامن) المتألم والذي لم يصب بالحمى إلا بوقت مذاكرتها حتى غفوت بالنهاية على الأريكة بدون ان تشعر بنفسها لتبقى على هذه الحال لليوم التالي ، وكم كان من حسن حظها بأن زيارات شقيقتها قد انعدمت بأيام اختباراتها والتي لن تتحمل الصخب والذي تجلبه معها من حياتها الزوجية المليئة بالفوضى !

توقفت بمكانها بوجوم ما ان سمعت احدهم يهتف باسمها من الخلف ، لترفع بعدها رأسها بملل وهي تلتفت لمصدر الصوت بحيرة تحولت بثواني لصدمة مشدوهة وهي تستدير بكامل جسدها ما ان وقف امامها الذي كان يهتف باسمها ليقول عندها بابتسامة جانبية بارتباك
"مرحبا غزل ، كيف حالكِ ، هل كل اموركِ على ما يرام"

رفعت حدقتيها النصف مغلقتين من سهر ليلة امس وهي تنظر له بتشوش دام للحظات قبل ان تحرك رأسها للأسفل بارتجاف بإشارة بأنها بخير وهي لا تصدق للآن بأن من يقف امامها هو نفسه حقا من كان يحتل كل جزء بتفكيرها العقيم بتلك الفترة وبقلبها الصغير حتى اصبح داء لم تستطع التخلص منه للآن بعد كل شيء لدرجة بأنها ما تزال تعلق الآمال به بعد كل ما حدث ويحدث ؟ فهل وصل بها الغباء والشفقة على الذات لهذا المستوى المنحط والميؤوس منه ؟

ابتلعت ريقها مع غصتها بقوة لتنحر بها روحها المكسورة وكأنها تجرع نفسها الألم والذي اعتادت على تجرعه لسنوات بدون اي تذمر ، لتسمع بعدها بلحظات صوته وهو يتابع كلامه ببساطة بدون ان يهتم بجروحها والذي يزيد من نبشها بقلبها العليل
"لقد كنت فقط اريد الاطمئنان عليكِ ، فقد اختفيتِ بالأيام السابقة ولم تعودي تظهري بالجامعة ، وقد ظننت بأنكِ قد انتقلتِ لجامعة اخرى حتى رأيتك هنا"

زمت شفتيها بهدوء لبرهة وهي تحاول تمالك نفسها امام حقيقة بأنه ما يزال يهتم بأمرها حقا قبل ان تعود بلحظة لخفض نظرها لموضع قدميها لكي لا يلمح الحزن بحدقتيها وهي تهمس بعملية استطاعت اتقانها
"لقد عدت للدراسة بالبيت ، فقد رأيت بأنها الوسيلة الأفضل لي وبحالتي ، ولكن شكرا لك على قلقك واهتمامك البالغ"

عقد حاجبيه بتفكير للحظات وهو يقول بابتسامة غامضة
"ولكنكِ قد اتيتِ اليوم للجامعة......"

قاطعته فجأة من كانت تنشج بصمت
"لقد اتيت لأقدم اختبار بالجامعة لا اكثر"

عضت على طرف شفتيها بألم وتأنيب وهي تتفوه بكل هذه المعلومات عن حياتها وكأنها مرغمة على ذلك ، فهل تحاول ان تثبت له اكثر مدى غبائها ام بأنها لا تهتم لأمره وهذه ستكون اكبر كذبة بحياتها ؟

قاطع تفكيرها المتخبط صوته وهو يعود للكلام قائلا بابتسامة هادئة
"حقاً هذا رائع لقد ارحتني ، لقد ظننت لوهلة بأنكِ تركتِ الجامعة بسبب انني....."

توقف عن الكلام فجأة ما ان وصل لهذه النقطة والتي دفعتها لرفع حدقتيها نحوه بلحظة باتساع بعد ان طرد النعاس عن غمامة شرودها وهو يعود لأهم نقطة بحياتهما والتي اخذت منها كل ذرة سعادة لتقلب حياتها رأساً على عقب وكأن الزمن قد توقف عند هذه اللحظة بالذات ولم تعد تستطيع معرفة كم مرّ عليها من الوقت وهي على هذه الحال المتصلبة !

انتفضت بارتعاش ما ان قصف الصوت من خلفها بصرامة اعادتها للواقع
"غزل انا انتظركِ بالمكتب منذ نصف ساعة وانتِ تتسلين هنا ، إذا كنتِ قد نسيتِ فهناك اختبار مهم عليكِ تقديمه بغضون عشر دقائق ام عليّ ان اذكرك بموعد الاختبار مرة أخرى"

التفتت بسرعة للخلف وهي تخفض رأسها تلقائياً هامسة بإحراج شديد
"انا اعتذر يا استاذ هشام ولكن الذي حدث....."

قاطعها بنفس الصرامة وهو يشير بذراعه جانبا بقسوة
"ولا كلمة ، هيا تحركي بسرعة لمكتبي ، وألا اعلنتُ عن رسوبكِ بدون تقديم الاختبار لأني لن اعيده لكِ مرة أخرى ولن اقبل بأي اعذار"

عضت على طرف شفتيها باستياء وهي لا تصدق مدى التسلط والذي يوجهه نحوها بهذه الطريقة القاسية والمهينة بحقها والتي فاقت احتمالها ؟ وهذا غير الجهد الجبار والذي بذلته للقدوم مبكرا للاختبار مع قلة النوم والسهر والتي تكاد تشطر وتزهق عينيها لنصفين !

تحرك الذي سبقها بالمغادرة وهو يوجه نظرات مستنكرة باتجاه الواقف من خلفها بعثت الرعشة بأطرافها بتوجس ، ليكمل بعدها بلحظة سيره بعيدا عنهما بصمت دام بينهما لدقائق معدودة .

تنفست التي كانت تنظر امامها بجمود لتحيد بعدها بنظراتها للخلف قليلا قبل ان تهمس بابتسامة شاردة بدون اي تعبير
"عليّ الذهاب الآن ، وشكرا لك على سؤالك عني ، وقبل كل شيء مبروك خطبتك يا عصام ، اتمنى حقا السعادة لك وبكل خطوات حياتك"

عبست ملامحه بهدوء بدون ان يعلق على كلامها ، لتسير بعدها باتجاه المكان والذي سلكه استاذها بصمت قاتم وبخطوات بطيئة تجرها بصعوبة بعيدا عن الألم والذي كان يسببه لها كعب الحذاء العالي فقط الألم بقلبها والذي لن يندمل ابدا بسهولة ألا إذا بدلته بقلب آخر لا يعرف للألم طريق !

______________________________
عقد حاجبيه بتركيز وهو يدون بالورقة امامه قبل ان يرفع القلم بعيدا ما ان اخترق سمعه صوت طرق خافت على باب المكتب بهمس لا يكاد يسمع ، ليعطيها بعدها بلحظة الإذن بالدخول وهو يعرف هوية الطارق مسبقا ، وما هي ألا لحظات حتى دخلت المقصودة والتي كانت تتمسك بإطار الباب بهدوء وهي تتخبط بأفكارها بدون ان تستطيع اتخاذ قرارها بالدخول ام لا والجالس خلف المكتب يبدو متجاهلاً لوجودها تماما ؟

زفر انفاسه بضيق لوهلة عندما طال الصمت بينهما حتى اصبح خانقا بالنسبة له ليرفع عندها رأسه ببطء باتجاه الساكنة بمكانها وهو يحاول تحجير قلبه وقسوته امامها بصرامته والتي لا تتهاون عند الزلات بحكم مبادئه ، ليضيع كل هذا بمهب الريح وبلحظة واحدة ما ان التقت عينيه بمقلتيها العسلية بلون الغروب الحزين مع هالات وردية تحف جفنيها وبملامحها والتي تبدو اكثر توردا عن السابق وكأنها طفلة قد ايقظوها من نومها للتو لتبدو على هذه الصورة ! وخاصة مع خصلات شعرها القصيرة الغير مهذبة والتي كان جزء منها غير مصفف للأسفل وهو مبعثر امام جبينها وللخلف بعشوائية محببة ناسبتها وبسبب طوله القصير والذي يحف اذنيها فلم يؤثر عدم تصفيفه جيدا على مظهرها والذي يبدو ملفت للنظر بكل الأحوال ، فهل كل هذا يكمن بجمالها الفريد والغير مألوف والمتناقض عن باقي الفتيات بنفس سنها بالجامعة ؟

اخفض نظراته بقوة ما ان خرج صوتها المنغم بحزن لم يعد يطاق بالنسبة له
"انا اعتذر على تأخري يا استاذ"

شدد من القبض على القلم بيده لا إراديا وهو يتنفس بتصلب ما ان تذكر سبب غضبه منها والذي اختفى على مرأى دخولها بهذه الهيئة والتي عبثت بكيانه لوهلة ، وهو الذي كان يجهز لكل انواع الخطابات والتوبيخ والذي كان سيوجهه لها عقابا لها لكي لا تكرر فعلتها مرة اخرى وتتأخر عن موعد اختبار حدده معها مسبقا ! فهو يتهاون بكل شيء ألا الاستخفاف بمثل هذه المواعيد وكأنه ليس لديه شيء يفعله سوى انتظار قدومها .

عقد حاجبيه بقوة وهو يتمتم بعدها بلحظات بجفاء بارد
"لا بأس يا غزل ، ولكن لا تنسي انا من طلبت منكِ الحضور للجامعة لغرض واحد وهو تقديم الاختبار عندي بالمكتب وكل هذا لأستطيع انجاز اعمالي المتراكمة وغير هذا لما كنت طلبت منكِ الحضور ، ولكن بدلا من ان تقدري هذا الظرف والذي نمر به تأخرتِ على موعد الاختبار عشر دقائق كاملة"

ردت عليه بسرعة وهي تبتسم بإحراج مرتبك
"انا حقا اعتذر ، ولكن الذي حدث بأني لم استيقظ على صوت المنبه ، لذا اخذت وقتاً اطول بالقدوم ، صدقني لم اكن اقصد كل هذا"

ارتفع حاجبيه بوجوم وقد كان يتوقع هذا التبرير منها ليس بسبب صدق نواياها والواضحة بنبرة صوتها بل من هيئتها والتي تدل على الحالة والتي مرت بها بالصباح ، اشاح بوجهه بعيدا عنها وهو يجمد تفكيره عند هذه النقطة قائلا بهدوء قاتم غير معبر
"وغير انكِ متأخرة عن موعد الاختبار تتسلين بالكلام مع اصدقائك وتضيعين الوقت بالدردشة معهم ، وكأنه لا شيء يشغلني هنا سوى انتظار قدوم الأميرة والتي اصبحت فجأة شخصية اجتماعية بين الطلاب"

زمت شفتيها باستياء بلحظة وهي تلهي نفسها بإعادة خصلات شعرها المبعثرة لخلف اذنها بحركة غير ملحوظة وهي تندب اليوم والذي كشفت به كل اسرارها امامه ومن بينها بأنها ليس لديها اي اصدقاء وتحب الانفراد اكثر من تكوين الصداقات حتى اصبحت ممسك عليها ونقطة سوداء يعايرها بها بالوقت الذي يشاء ، بالرغم من انها لا تملك اي اصدقاء بالفعل سوى ذلك الذي قابلته قبل قليل والذي اصبح من الماضي وهو يصنفه عن عشرة اصدقاء !

رفعت رأسها بعدها بلحظات وهي تهمس باستنكار متشنج
"غير صحيح يا استاذ ، انه مجرد صديق قديم كان يريد الاطمئنان عليّ لا اكثر"

عاد بنظراته نحوها وهو يحرك رأسه بشرود قبل ان يتمتم باقتضاب
"وهل هو حقا مجرد صديق قديم"

ابتلعت ريقها بارتباك وهي لا تعلم لما تشعر بنبرة خطر واتهام بصوته الهادئ ؟ لتغير بعدها سير الكلام بسرعة وهي تقول بابتسامة هادئة
"هل هناك اختبار لليوم يا استاذ ، ام انك قررت معاقبتي بحرماني من تقديم الاختبار"

ابتسم بجمود للحظات وهو يهمس بتفكير ساخر
"هل ما يزال لديكِ الجرأة بعد كل ما حدث بمطالبتي بتقديم الاختبار"

تشنجت ملامحها بجزع وهي تضم قبضتيها عند مقدمة صدرها هامسة بعبوس ورجاء
"ارجوك يا استاذ هشام لن اعيدها مرة أخرى ، ارجوك لقد سهرت طول الليل وانا اراجع للاختبار لا تحرمني منه......"

قاطعها من اشاح بوجهه بعيدا عنها بقوة وهو ينشغل بفتح الدرج بجانبه قائلا بملل
"حسنا اصمتِ ، ولا تقلقي لن احرمكِ من الاختبار ، وايضا ورقة الاختبار جاهزة ولست مستعدا لأعيد صياغتها مرة اخرى ، وهذا كرم شديد من استاذك والذي ما يزال يتحملك"

اومأت برأسها براحة وهي تسير بسرعة امامه لتجلس بلحظة على الأريكة امام المكتب بعد ان وضعت الحقيبة بجانبها ، ليخرج بعدها الجالس خلف المكتب ورقة الاختبار قبل ان يرفع معصم يده الأخرى بالساعة قائلا بحزم
"لديكِ فقط عشر دقائق لإنهاء الاختبار ، وهو الوقت المتبقي لدي من اجل اختبارك"

اتسعت عينيها بوجل وهي تهمس باستنكار
"ولكن هذا وقت قصير جدا....."

قاطعها وهو يمد الورقة امامها بقوة
"اعتذر هذا الوقت المتبقي لكِ من اليوم ، فقد اضعتِ نصفه تقريبا يا سلحفاة"

عضت على طرف شفتيها بسخط وهي تلتقط منه الورقة لترفع بعدها بثواني نظرات خجلة امامه وهي تهمس بحياء بعد كل ما حدث
"هل لديك قلم ، فقد نسيت قلمي الخاص بالمنزل"

تصلبت ملامحه بجمود بدون ان ينطق بأي كلمة وهو يحاول ضبط اعصابه امام استهتارها اللامتناهي ليلتقط عندها بنفس جموده القلم من على فوق الورقة قبل ان يلقيه امامها عند الطاولة بصمت ، امسكت بعدها بالقلم بخجل يكاد يفتك بها وهي منكسة الرأس بدون ان تتجرأ على مواجهته مجددا بعد هذا الموقف المخزي .

ادار حدقتيه بعيدا عنها لبرهة بجمود ما ان بدأت بالكتابة بقلمه والذي لا يملك غيره ، ليسمع بعدها بلحظات صوت طرق على باب مكتبه قبل ان يتبعها دخول احدهم والذي اكتشف بأنه صديق له بمهنة التعليم وهو يعمل معه بنفس القسم .

تقدم الرجل امامه بابتسامة متسعة قبل ان يصل للذي وقف من خلف المكتب ليصافحه بقوة وهو يقول
"شرفت مكتبي يا استاذ ، هيا تفضل اجلس"

اخفض رأسه بإحراج وهو يقول بتفكير بعد ان لمح الفتاة الجالسة عنده
"يبدو بأنك مشغول ، لم اقصد ان اقاطع عملك بزيارتي"

ردّ عليه من كان يحيد بنظراته لها وهو يقول بلا مبالاة
"لا تهتم يا استاذ اشرف ، فهي طالبة عندي وتقدم اختبار بقسمي ، وايضا انا متفرغ الآن يمكنك اخباري بما تريده"

ابتسم الرجل من فوره باتساع قبل ان يجلس على الأريكة امامه والمقابل للفتاة المنشغلة بالاختبار بعيدا عنهما ، ليجلس الآخر ايضا خلف المكتب بهدوء وهو يستمع لصديقه والذي بدأ بالكلام من فوره عن كل شيء يخص الجامعة وامور اخرى عن العمل ليدوم الوقت بينهما للحظات تحولت لدقائق بدون ان ينتبه احد لمرور الوقت !

وبعد وقت طويل جدا وهو ما يزال مشغول مع صديقه شعر بالورقة توضع امامه مع القلم وهي تقطع عليهما انسجامهما قائلة بابتسامة ومودة
"شكرا لك على وقتك يا استاذ هشام ، عليّ الذهاب الآن ، واعتذر على مقاطعتكما ، اكملا حديثكما الآن"

وقبل ان يتكلم اي منهما سبقته التي غادرت من المكتب بلمح البصر يتبعها بنظراته الحائرة بوجوم ، ليرفع بعدها معصمه بسرعة بالساعة قبل ان تتسع عينيه بصدمة مشدوهة وهو ينظر للساعة والتي تجاوزت اكثر من عشر دقائق كاملة دليل بأنها اخذت اكثر من وقتها المسموح به بدون ان ينتبه او ان تخبره بذلك !

اخفض معصمه ببطء وهو يلتقط ورقة اختبارها بهدوء ليرفعها امام نظره مع تصلب ملامحه بضيق والتي ازدادت عبوسا مع الكلمات المكتوبة عند زاوية الورقة بخط مرتب صغير

(شكرا جزيلا لك على هذا الوقت الطويل والذي قدمته لي بدون ان تنتبه ، فيبدو بأن السلحفاة قد انتصرت بالنهاية على الأرنب والذي لم يشعر بمرور الوقت جيدا بغفوته الطويلة حتى فازت عليه سلحفاة ضعيفة ، وتذكر دائما بأن الوقت ليس مقياس للنجاح)

______________________________
بعد مرور عدة أيام..........
تنهدت امام المرآة ببطء شديد وهي تدعوّ لنفسها بالتوفيق بحياتها القادمة والمقبلة عليها والتي ستغير كل مجريات حياتها وهي تخوض بعالم جديد هي الذي اختارته بإرادتها الحرة بدون اي دافع او إرغام وكل املها بأن يكون طريق السعادة الأبدية والتي حلمت بها منذ طفولتها ، لتبدأ بها صفحة جديدة من حياتها ستنسى معها كل ما مضى وفات وكأنه لم يكن لتكرس حياتها فقط لحبها الأبدي والذي وجدته بنهاية مطاف حياتها بدون اي عناء او عذاب كما تسمع بقصص الحب .

رفعت يدها تلقائياً لتضغط بها على موضع قلبها والذي كان يتراقص بسمفونية صاخبة اصمت اذنيها بدون ان تعلم إذا كان فرحاً هذا او تلهفاً لما هي مقدمة عليه مع الشخص والذي اصبح فارس احلامها وكل شيء وهو ينتظرها الآن بالخارج ؟ لتعض بعدها على طرف شفتيها الورديتين بحياء وخجل لون وجنتيها بحمرة قانية ناسبت تقاسيم وجهها الناعمة ما ان تذكرت كل تفاصيل يومها الشائق والذي انتهى بعقد قرانها بفارس الاحلام والذي كان يبدو بطل بكل الحكايات وخاصة مع حلته السوداء الأنيقة والتي جعلته اسطورة ستبقى مزروعة برأسها كأجمل صورة تراها بحياتها الحالمة وكأن كل مواصفات فارس احلامها قد تجسدت به وحده ليصبح هو كل شيء بعالمها الوردي ! والآن لم يبقى سوى ان تذهب مع هذا الشخص والذي قيدت معه بحياة زوجية لتعيش معه عالمها الوهمي والذي بني عليه .

اخفضت نظراتها بعيدا عن المرآة لوهلة لتحدق بالسوار الذهبي والملتف حول معصمها الابيض ما ان طرق على ذهنها كلام (ماسة) ورأيها بفارس احلامها والذي لا يخفي صدقه ! ولكنها مع ذلك ستتجاهله كما تفعل عادةً مع كل شيء لا يعجبها ويفسد سعادتها وكأنها بهذه الطريقة تلغي حقيقته بدون ان تهتم او ان يؤثر بها ذلك ، ولكن مع كل ما حدث تشعر بالحزن والأسى لعدم مشاركتها سعادتها مع صديقتها الوحيدة وهي تعيش اهم لحظة بحياتها والتي قضتها بكل خطواتها معها ولم تكن لتتجرأ ان تخطو اي خطوة واحدة بدون ان ترافقها بها مثل ظلها ، وآخر ما تلقته منها قبل ان تختفي نهائياً هي الرسالة والتي تتكلم عن الخطر المحيط بها من شقيقها المجنون والذي جعلها تتخذ كل سبل الحيطة والحذر بخطواتها بالرغم من انها لم تخرج من المنزل بالأيام الماضية ألا للضرورة القصوى فهي اكثر ما تعلمه عن (ماسة) بأنها لا تقول شيء من فراغ ألا وحدث حقيقة ولا تعلم إذا كان ذكاء منها ام بحكم طبيعة حياتها ؟

نفضت ذراعيها للأسفل وهي تزفر انفاسها بقوة لتعود لتذكر نفسها بما وصلت له للآن وكيف لم يصبها اي اذى من مشاكل شقيقها ، فكل ما يهم الآن هو التركيز على حياتها بعيدا عن ضوضاء حياة الآخرين .

اتسعت ابتسامتها بسعادة وهي تعود بنظرها لصورتها بالمرآة لتغمز لها بطرف عينها العسلية بحياء ، لتتحرك بعدها بسرعة بعيدا عن طاولة الزينة وهي تلتقط الحقيبة الموجودة بجانب باب غرفتها قبل ان تخرج بلحظة من الغرفة بأكملها بتعثر وهي تغلق ازرار معطفها بعجلة .

استمرت بالجري وهي تنزل السلالم قبل ان تتوقف بآخر العتبات لبرهة وقد عادت صورة فارس احلامها متجسدة حقيقة امامها وهو يقف بآخر السلم بوقفته الملوكية والتي سلبت عقلها واعادت نبضات قلبها للتخبط مثل نواقيس الخطر وهي تنظر له يرتدي بدلة سوداء طويلة التفت حول جسده المشدود وهو يقدم ساق ويؤخر الأخرى ويدس يديه بجيبي بنطاله بحركة اظهرت اكثر ضعف وصلابة صدره وخصره ، قبل ان تصل لمقدمة صدره وهو يترك عادةً ازرار قميصه العلوية مفتوحة مع ربطة عنق متهدله بالرغم من انها لم تكن كذلك بوقت عقد قرانهما قبل ساعات !

افاقت على نفسها لتتابع نزولها باقي درجات السلم بتعثر وعينيها ما تزال معلقة عليه حتى كادت تسقط على وجهها لولا الذراع والتي وقفت حائل بينها وبين السقوط بلمح البصر ، لترفع بعدها مقلتيها العسليتين بوجل امامها قبل ان تقابلها نظرات سوداء حادة تنظر لها باتساع قاتم اوقف انفاسها وزاد قرع طبول قلبها بأذنيها للحظات وهي لا تفهم كل هذه الرهبة والتي يبعثها بأطرافها ؟

ابتلعت ريقها بتشنج وهي تبتعد عنه بارتباك ما ان تراجع للخلف قليلا ، ليتدخل عندها من لم تنتبه لوجوده بأسفل السلم بسبب من اخذ تفكيرها وحيز بعقلها ، ليقف بعدها امامها وهو يقول لها بنفس ابتسامته الحنونة مع بعض الدموع والتي بدأت تتدفق بعينيه بتغضن زواياها
"لقد حان الوقت يا صغيرتي ، لأقول لكِ وداعا لحياة افضل ولسعادة مع عائلة مستقلة تقدم لكِ كل ما تحتاجينه من الدفء والحنان والسعادة والتي افتقدتها بحياتك......"

قاطعته المقابلة له وقد بدأت غلالة من الدموع باحتلال حدقتيها العسلية وهي تهمس بعتاب
"ما هذا الكلام الذي تقوله يا أبي....."

عاد والدها للكلام وهو يمسك بكتفيها بهدوء قائلا بصرامة هادئة
"اصمتِ ودعيني اكمل كلامي اولاً واخرج كل ما بداخلي من كبت احتفظت به لسنوات من اجل هذه اللحظة والتي اودع بها حمامتي"

زمت شفتيها بارتجاف وهي تحاول كتم الغصة بداخلها ما ان اكمل والدها كلامه بابتسامة متغضنة زادت الوهن بمنحنيات وجهه
"لا اصدق كيف كبرتِ بهذه السرعة حمامتي الصغيرة واتى الوقت المناسب لتطير بعيدا عن عشها ، لطالما كنتِ عصفورة صغيرة تحتاج للعناية والرفق وخاصة بعد وفاة والدتك وانتِ ما تزالين طفلة بعمر السنتين ، ولا اعلم إذا كنت قد اخطئت بعدم زواجي من اخرى لأعوضك عن والدة اخرى تحل مكان والدتك ، ولكني حاولت بكل جهدي بأن اكون لكِ كل شيء بحياتكِ ولا اشعركِ بأي نقص قد تشعرين به بغياب والدتك ، رغم يقيني بأنه لا احد يستطيع تقديم مشاعر الأمومة سوى والدتك ولكني حاولت ، لذا إذا كنتِ قد شعرتِ بأي تقصير او ظلم بحياتكِ معي فأتمنى ان تسامحيني عليه فأنا لا اتمنى لكِ سوى كل الخير بكل لحظة من حياتك"

كانت تنشج بمكانها بصمت وبشهيق معذب وهي لا تصدق كل المشاعر والتي اجتاحتها بلحظة واحدة لتذكرها بكل أفضال والدها عليها والتي نستها بمرور السنوات وبتضحياته والتي قدمها من اجلهما هي وشقيقها وهو يحرم نفسه من الزواج ومن النساء فقط ليعتني بها وبشقيقها وهو يعيش من اجلهما فقط بدون ان يفكر بنفسه وبحياته ! لترفع بعدها بلحظة يدها بارتجاف وهي تمسد بها على كفه الممسكة بكتفها هامسة بابتسامة صغيرة بدموع
"اتعلم ما هو الخطأ الوحيد والذي اقترفته بحياتك يا أبي ، هو بأنك فضلت العيش وحيدا وتكريس حياتك لنا على ان تفكر بنفسك وبحياتك القادمة ، وهذا ظلم كبير بحقك......"

توقفت عن الكلام ما ان علقت الغصة بحلقها تمنعها من الاستمرار اكثر وبعد ان فاضت بها مشاعرها فجأة لتطفو على السطح ، لتندفع بعدها لا شعورياً وهي تعانق والدها بذراعيها بقوة وبدموع فاضت من مقلتيها بانهيار على ذلك الرجل والذي سيبقى بالنهاية وحيدا نهاية المطاف ينتظر شبح الموت ليأتي ويأخذه بدون ان يؤنسه احد بوحدته وجميع من كرس حياته من اجلهم سيتركونه وحيدا بالنهاية ، فهل هي ظالمة لهذه الدرجة لكي تهمل التفكير بهذا الرجل مثل شقيقها الاكبر ؟ ولكن ما تعلمه بأنها ستبقى دائما مترابطة معه بالدعاء وبقلبها وحتى لو ابتعدت عنه لنهاية العالم فهو سيبقى والدها لآخر نفس بحياتها .

ابعدها عنه لبرهة وهو يمسك بذراعها بقوة ليقول عندها بابتسامة جانبية وهو يمسح الدموع عن خديه المتغضنين بيده الاخرى
"هيا يا صغيرتي لا تضعفي الآن ، عليكِ ان تكوني اقوى من هذا فهناك حياة اخرى تنتظرك مع زوجك ، وتذكري بأني سأكون دائما من الخلف ادعمكِ"

اومأت برأسها بدون كلام وهي تمسح الدموع عن وجنتيها بارتجاف ما ان شعرت بالذي وقف بجانبها بلحظة ومن كان خارج دوامتها العاطفية مع والدها ومن فضل الصمت طول ذلك الوقت بدون اي تدخل وكم كانت تتمنى اي عبارات مواساة منه بدل هذا الصمت الكئيب والمتمسك به منذ بداية حديثهما ! امسك بعدها بيدها وهو يتخللها بقوة قبل ان يحكم قبضته عليها بثواني ليبعث مشاعر جديدة بخلايا جسدها بحياء وبتدفق بكل اوردتها حتى وصلت لقلبها مباشرة .

قال بعدها الواقف امامهما وهو يتراجع قليلا للخلف موجها كلامه للصامت بجانبها وهو يعود لثبات صوته الواثق
"اتمنى منك حقا ان تكون بقدر ثقتي بك ، فأنا الآن اعطيتك اغلى امانة املكها بحياتي ، لذا حاول ان تحافظ عليها بعينيك لأني لن اسامحك عندها ما حييت إذا اصابها اي مكروه او خدش منك"

اومأ برأسه بدون كلام وهو يتمتم بهمس جاف يكاد لا يسمع بعد صمت طويل
"حمامتك بأيديّ امينة"

حادت بنظراتها نحوه لوهلة عند كلماته الهامسة والتي وصلت لأذنيها بحزن غير مبرر لا تعرف مصدره وكأنه همس معدوم المشاعر عكس ما كانت تفكر به ؟ لتشعر بعدها بذراعه وهي تنتشل الحقيبة منها بلحظة ليمسك بها بيده الأخرى قبل ان يسحبها معه بخطوات ثابتة باتجاه باب المنزل وهي تتبعه بصمت ، ونظرات والدها تودعها بابتسامة حنونة وبوجوده والذي سيختفي من حياتها للأبد وهو يدعوّ بقلبه المريض بحياة سعيدة وهانئة لحمامته الصغيرة والتي تستحق الأفضل دائماً بدون ان يعلم ما يخبئ لها القدر من خفايا ستنسف سعادة العائلة ومعه حمامته الصغيرة ؟!

_____________________________
ضمت قبضتيها معا بحجرها بتوتر مشتد وهي تشعر بالهواء قد اختفى بأجواء السيارة المكتومة بصمت يكاد يطبق عليها بعكس المرة الأولى والتي تواجدت بها بنفس السيارة ومع نفس الشخص ! ولكن الاختلافات هنا واضحة وهي بوجهة السيارة والتي لن تأخذها لمكان محدد وتعيدها منه بل ستأخذها لمكان تبني عليه حياتها الجديدة وهذا الشخص بجانبها لم يعد كما كان بل تغيرت مرتبته بحياتها ليصبح اساس هذه الحياة المقدمة عليها .

تنفست بهدوء ما ان توقفت السيارة اخيرا عند زاوية الطريق لترحمها من هذا الانتظار المقيت ، رفعت بعدها بلحظات رأسها تلقائياً للوجهة والتي وصلت لها لتجد نفسها امام بناء متواضع بحي سكني بسيط وللغرابة لم تفاجئ او تستاء من مرأى منزلها المستقبلي فهذا ما كانت تتوقعه من مرتبة عمله وحال ملابسه البسيطة الغير باهظة الثمن ؟ فهل كانت تظن بأنها ستجد امير يملك قصر مثل الحكايات ؟

التفتت بوجهها بوجل نحو الذي خرج من السيارة بهدوء بدون ان ينطق بأي كلمة طول طريق رحلتهما وهو متمسك بصمت لم تعرفه عنه من قبل ! لتخرج بعدها من السيارة بإحباط عابس لم تعرف مصدره وهي تراقب الذي كان يُخرج بحقيبتها من الكرسي الخلفي ببساطة قبل ان يكمل طريقه للبناء امامه بدون ان يلتفت لها حتى ؟

زفرت انفاسها بتأفف من هذا الصمت الخانق بالنسبة لها وهي لم تعرف بحياتها سوى الثرثرة ؟ لتتابع بعدها سيرها من خلفه بوجوم وبخطوات متمهلة يائسة ، توقفت بعدها بلحظات حتى كادت تصطدم بالذي وقف امامها فجأة وهو يدس يده بجيب بنطاله ، تراجعت قليلا للخلف ما ان فتح باب الشقة امامه ليسبقها بعدها بالدخول بصمت .

تجمدت لوهلة بمكانها بانشداه وهي لا تصدق انعدام لباقته بعدم دعوتها للدخول وحتى انه لم يمسك بيدها وهي تخطو اولى خطواتها لداخل منزلها الجديد كما هو معروف عند كل عروس جديدة بأول قدوم لها لمنزل الزوجية ؟

افاقت من افكارها ما ان لاحظت بأنها قد طالت كثيرا بوقوفها امام الباب كالبلهاء ، لتسير بسرعة لداخل المنزل وهي تغلقه من خلفها بقوة ، لتدير بعدها حدقتيها بأنحاء المنزل بتمعن صامت قبل ان تقع على الواقف عند باب الغرفة والذي لم تنتبه لوجوده بالبداية وهو يتأملها بالمقابل بغموض واكيد سيكون قد لاحظ اطالتها بالوقوف عند الباب كل هذا الوقت !

اخفضت نظراتها بارتجاف ما ان شعرت بعدم مقدرتها على مجابهة نظراته الصامتة اكثر وهي تخترق هشاشتها وتزعزع كيانها بظاهرة لم تشعر بها من قبل ! وما ان عادت لرفع نظراتها بلحظة لذات الجهة حتى كان قد اختفى من مكانه بلمح البصر ، لتعقد بعدها حاجبيها بحيرة وهي تسير بسرعة وحذر باتجاه الغرفة والتي كان يقف عندها !

ما ان وصلت لباب الغرفة والتي كانت تحوي على سرير كبير حتى لمحته وهو واقف عند الطرف الآخر من السرير يعطيها ظهره بعد ان نزع السترة عنه وهي ملقاة على الارض بإهمال ، تقدمت بخطواتها بحذر وبطء شديد حتى اصبحت مقابل الجانب الآخر من السرير وهو يبدو لم يشعر بها بعد !

قبضت على يديها بلحظة بتعرق وهي تشعر بحرارة ملتهبة تنتشر بكل اطرافها ببطء شديد تكاد تحرقها حية بالرغم من برودة الجو بالخارج ! لترفع بعدها يديها لا إرادياً لياقة معطفها الصوفي وهي تفتح ازراره برفق قبل ان تخلعه بأكمله ليظهر عندها من فوره الفستان الابيض الرقيق من تحته ، وجهت نظراتها بسرعة نحو حقيبتها الملقاة بالزاوية لتسير نحوها من فورها قبل ان تدس بها معطفها بداخلها بهدوء .

استقامت بوقوفها بتجمد لبرهة وهي تشعر بحركة خافتة من الوحيد الموجود معها بالغرفة ، لتستدير عندها بسرعة للخلف لا شعورياً وهي تقابل نظرات سوداء تنظر لها بتأمل اعمق من سابقه وهو يتمعن بكل تفاصيلها بتمهل شديد بدون ان يحيد بنظراته بعيدا عنها ليرسل بلحظة الرعشة بعظامها وشرارات الحرارة بدمائها وهي تتدفق لأوردتها بقوة حتى اشعلت وجنتيها وجزيئاتها بحرارة تكاد تفتك بها !

بينما كان الواقف مقابلا لها يضيق عينيه السوداوين بحدة ناظرا بدون إرادة منه للفراشة الصغيرة الواقفة امامه وهي ترتدي فستان ابيض قصير بالكاد يصل لركبتيها كان قد اشتراه من قبل بغفلة منه بدون ان يتمعن به كما يجب مثل باقي التجهيزات والتي تخص عقد قرانهما السريع ، ليكون له مسمى آخر بعد ان اصبح على جسد هذه المرأة وهو ينزل بنعومة قماشه على بشرتها الشفافة برقة وبحمالات رفيعة غير مرئية مع بياض بشرتها وهو يظهر منحنيات جسدها وتفاصيله اكثر مما يخفي وكأنه قد فصل خصيصا لجسدها ليصبح لعنة جمال عليها وهي تتحول لحمامة بحق كما كان يقول والدها ، واما شعرها العسلي الطويل فقد كان معقودا بفوضوية لفوق رأسها ليعطيه الحرية اكثر بالتمعن والنظر بكل تفاصيل وجهها وعنقها وشكلها بدون اي قيود او تفكير .....

اتسعت مقلتيها العسليتين بتوجس ما ان دار حول السرير بخطوات جامدة ونظراته ما تزال معلقة بها بتدقيق مخيف قبل ان يصل لها بلحظة ، وما ان فعل حتى تراجعت للخلف لا شعورياً بدافع الرهبة قبل ان توقفها يده والتي امسكت بذراعها بلمح البصر وبدون ان تشعر بالارتجاف والذي احتل مفاصلها وخلجات قلبها بطنين اصم اذنيها ، لترفع لوهلة حدقتيها نحوه بانشداه منذهل لم يدم سوى لثواني قبل ان تصبح محمولة بين ذراعيه بخفة وكأنها لا تزن شيئاً .

تنفست بارتعاش وهي تتعلق بعنقه بذراعيها تلقائياً مغمضة عينيها بانقباض حاد اوقف انفاسها لثواني ، لتشعر بعدها بخطواته وهو يسير عند زاوية معينة بلحظات قبل ان يضعها برفق فوق فراش ناعم بعث الراحة والبرودة بتفاصيل جسدها المنقبض ، وما ان كان على وشك الابتعاد عنها حتى شددت من تطويق عنقه بتشبث لا إرادي شعرت معه بتصلب جسده لثواني معدودة .

مرت عدة لحظات وهما على هذه الحال قبل ان تخفف من قبضتيها على عنقه ببطء ما ان شعرت بسكونه المريب ! لتخفض بعدها ذراعيها عند جانبيها بهدوء وهي ترفع مقلتيها لوجهه المتصلب بحيرة ، وما ان كانت على وشك النطق حتى توقفت بشهقة مرتعشة ما ان شعرت بلحظة بشفتيه وهي تنقض على عنقها الابيض بقسوة ليتمتم من فوقه بأنفاس منفعلة بحدة لأول مرة تسمعها بهذا القرب
"انتِ الملامة الوحيدة ، لذا عليكِ ان تتحملي"

عضت على طرف شفتيها بقوة من فرط ما تشعر به من مشاعر خرجت عن إرادتها وهي تكتم انفاسها لثواني بدون ان تفهم اي كلمة مما يقول ويفعل ؟ وما ان تمرد اكثر بقبلاته على طول عنقها بقسوة تزداد تدريجيا مع تعمق موضع قبلاته وهو ما دفعها لتهمس بانفعال ذاهب الأنفاس
"رجاءً ، اعطني بعض الوقت لأستطيع ان اكون جاهزة"

رمشت بمقلتيها بارتجاف شل حركتها بالكامل ما ان شعرت به وهو يطبق على شفتيها الورديتين بتصلب اشعل حواسها وهي تختبر معها مشاعر جديدة ازهرت بقلبها المتخبط بسعادة وكأنه عصفور تحرر من قفصه للتو ! لتشعر به بلحظات وهو يبتعد عنها ببطء متعمد اذابها وانفاسه ما تزال تلفح ملامحها بحرارة قبل ان يهمس وهو يعود ليقترب من شفتيها بابتسامة مائلة خطفت انفاسها
"لا داعي للوقت ، فقد اخذتي كل وقتكِ المسموح به ، ولم يعد هناك مجال للتراجع الآن"

دارت بعينيها بتشوش لوهلة على ملامحه السمراء الحادة بجاذبية بعد ان غيمت عليها غمامتها الحالمة وخطفت كل ذرة بأنفاسها المتلهفة ، لتعود للشهيق بعنف ما ان عاد لاجتياح شفتيها وكل ذرة بملامحها وهو يهمس بكل ثانية بكلام غير مفهوم لم تتبين منه سوى جملة واحدة سمعتها من قبل بخشونة شرسة وكأنه يوشمها بداخلها
"انتِ الآن بأيدي امينة يا حمامتي"

لتترك عندها كل زمام الأمور له وكل مجريات حياتها وهي تسلمه كل مفاتيح عالمها وكل شيء جميل تملكه بمخيلتها لهذا اليوم والذي حلمت به منذ كانت طفلة تلهو وتلعب دور الاميرة والتي تتزوج بالنهاية من اميرها متناسية بأن هناك دائماً فروق بين الواقع والخيال ......

نهاية الفصل ولا تنسوا تدعموني بآرائكم وتفاعلكم لنستمر بتنزيل الفصول ❤❤

ali.saad 09-08-21 03:37 AM

شكرا لك على الرواية سلمت يداك في الانتظار حتى الفصل القادم،،🌹

روز علي 10-08-21 12:23 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ali.saad (المشاركة 15613559)
شكرا لك على الرواية سلمت يداك في الانتظار حتى الفصل القادم،،🌹


تسلميلي حبيبتي وتسعدني كثيرا متابعتك معنا بالرواية ، وإن شاء الله تحظى الفصول القادمة على إعجابك كذلك ، دمت بسعادة وحب 🌸🌸

فتاة حلوة 13-08-21 11:21 PM

اسفة حبيبتي روز على الرد المتاخر لاني قرات الفصل للتو بسبب انشغالي بس يوم نزلتيه دخلت المندى وكتبتلك تعليق بس ما لقيته اعذريني .كالعادة فصل جميل ممتع وشيق شكرا على مجهوداتك في اسعادنا ولاتحزني لقلة الدعم حبيبتي فالبداية دائما تكون هكذا وتحتاج للصبر وارى انك ستصبحين في قائمة افضل الكاتبات قريبا وانت ماشاء الله متمكنة من ناحية الاسلوب والوصف اتمنى لك مزيدا من النجاح .بانتظار جديد ابداعك بفارغ الصبر دمت بخير
سؤال..:هل رواية بحر من دموع هي اولى رواياتك ؟


الساعة الآن 12:26 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.