شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   رواية بحر من دموع *مكتملة* (https://www.rewity.com/forum/t481045.html)

روز علي 14-08-21 08:40 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة حلوة (المشاركة 15619885)
اسفة حبيبتي روز على الرد المتاخر لاني قرات الفصل للتو بسبب انشغالي بس يوم نزلتيه دخلت المندى وكتبتلك تعليق بس ما لقيته اعذريني .كالعادة فصل جميل ممتع وشيق شكرا على مجهوداتك في اسعادنا ولاتحزني لقلة الدعم حبيبتي فالبداية دائما تكون هكذا وتحتاج للصبر وارى انك ستصبحين في قائمة افضل الكاتبات قريبا وانت ماشاء الله متمكنة من ناحية الاسلوب والوصف اتمنى لك مزيدا من النجاح .بانتظار جديد ابداعك بفارغ الصبر دمت بخير
سؤال..:هل رواية بحر من دموع هي اولى رواياتك ؟


عادي يا قلبي خذي راحتك وتعليقك السابق شفتو ويسعدني كثيرا تفاعلك ومتابعتك على الفصول اول بأول ، وشكرا كثير على الدعم المبهج والتشجيع العالي إلي فرح قلبي جدا تسلميلي يا عمري 🌹🌹
هذه اول رواية انشرها بالمنتدى وشكرا على اهتمامك دمتي بصحة وعافية......

روز علي 14-08-21 09:39 PM

الفصل الحادي والعشرون
 
الفصل الحادي والعشرون.............
افاقت من نومها وهي تحاول فتح عينيها بصعوبة ما ان اخترق سمعها صوت ضوضاء خافتة بجوارها ، لتتلفت بعدها من حولها بريبة وبغمامة ما تزال تحتل عينيها الناعستين بإنهاك قبل ان تقع على مصدر الإزعاج ببداية الصباح ، لتتسع بلحظة مقلتيها العسليتين بتوجس وهي تنظر للجسد المتصلب والذي كان يعطيها ظهره وهو يبدو مشغول بتفريغ الخزانة كما هو ظاهر امامها بدون ان تفهم السبب الحقيقي لما يفعل وينتويه الآن ؟

ارتفع حاجبيها بوجوم حائر لبرهة وهي تحاول الاستناد بقبضتيها على السرير لتبتعد قليلا عن الملاءة بإنهاك ، لتنتفض بعدها بلحظات لا شعورياً ما ان استدار نحوها ذلك الجسد المتصلب بمعالم وجهه الصخرية والمتناقضة تماما عن هيئته بليلة امس وكأنه شخص آخر من كان ينام بجوارها طول الليل وليس هذا الرجل الصخري امامها والذي كان يرتدي ملابس الخروج كاملة !
فما لذي يفكر بفعله يا ترى وإلى اين يريد الذهاب بثاني يوم لهما بعد الزواج ؟

اخفضت جفنيها فوق احداقها برهبة ما ان تقدم الواقف امامها عدة خطوات قبل ان يلقي بحقيبة بيده لتسقط بجانبها بقوة وهي تبعث الرجفة بأطرافها بانتفاض ، ليتبعها بعدها بصوته البارد بنبرة آمرة بعثت الصقيع بداخلها عكس الحرارة والتي كانت تشعر بها بالأمس
"جهزي نفسكِ بسرعة ، سنغادر من هنا"

وقبل ان تطرح عليه أياً من الأسئلة والتي كانت تدور برأسها كان قد غادر من الغرفة بأكملها ببرودة خلفها بأجواء الغرفة من حولها ، لتتنهد بعدها بهدوء وهي ترجع خصلات شعرها الحريرية والمبعثرة عن وجهها وكتفيها للخلف لترفع عندها نظراتها لمكان اختفائه بحزن لم تتوقعه بثاني يوم لها بهذا العالم والذي دخلته بكل ثقة تملكها !

بعدها بدقائق كانت قد جهزت نفسها بحركات رتيبة بدون ان تفهم الحزن والذي كان يرافق ملامحها الحزينة وكأنها قد طعنت بقلبها الحالم وبعالمها والذي ظنت بأنه قد اصبح مثالياً ؟ لتخرج بعدها من الغرفة بصمت وهي تمسك بالحقيبة والتي كانت قد احضرتها معها بالأمس لتخرج بها باليوم الثاني برفقتها كما كانت ولكن هذه المرة مع قلبها المطعون ، بينما رفع الواقف عند باب الشقة رأسه وهو يراقبها بهدوء بنظرات باردة شعرت بها وهي تلسعها بجمود لا يناسب دفء الصباح الباكر .

رفعت بلحظة وجهها باتجاهه ببطء لتعلق مقلتيها مع عينيه وهي تشعر بذلك الحياء والاحمرار والذي يكاد يفجر وجنتيها بالدماء ما ان ينظر لها بتلك الطريقة الغريبة والتي تنظر لها بذلك التجرد بدون ان يغفل عن اي تفصيل بها وهو يتمهل بهيئتها الصباحية بداية من قميصها البني الباهت والتي يعلوها سترة جينز بلون البني القاتم ليصل لتنورتها والتي تتجاوز ركبتيها بقليل بلون عسلي مائل للون شعرها الطويل والذي عقدته على هيئة ذيل حصان ليستريح بانسيابية على كتفها الايمن بخصلاته الحريرية والتي جرب نعومتها من قبل بقبضة يده الخشنة وهو يتسلل بين مفاصله بنعومة فائقة .....

حرك رأسه بعنف بعيدا عنها وهو ينفض الأفكار الاخيرة عنه قبل ان يستدير بلحظة ليخرج من الشقة بأكملها ببساطة ، وهو يترك من خلفه التي كانت تنظر بأثره بحزن شطر قلبها لنصفين ببرودة المكان بدون ان تفهم بماذا اقترفت للآن وما لذي يفعله بالضبط ؟

بعد مرور ساعات طويلة بطريق الذهاب بالسيارة لوجهة لا تعرف طريقها للآن ؟ لتقف بعدها بشكل مفاجئ بقوة حتى ارتد رأسها للأمام قليلاً بدوامة شرودها والتي اخذتها بعيدا عن الواقع ، رفعت عندها رأسها بتوجس وهي تعيد ذيل حصانها والذي ارتد للخلف لتلمح عندها وصول السيارة لمجمع سكني للأغنياء ووقوف السيارة بجانب منزل كبير نسبياً بديكور ناعم بفن حرفي يناسب المكان الراقي والذي تعلم عنه وتراه لأول مرة بحياتها ؟ فكل ما هي متأكدة منه الآن ومتيقنة به بأن هذا المكان والمنطقة غير متواجدة بين الأماكن والتي زارتها من قبل فهي تبدو من المناطق الاثرية والتي يهتم بها السياح الاجانب بزيارة معالمها بسبب جمال منازلها والبعيدة كل البعد عن اماكن سكنها الأخرى .

همست بعدها بانشداه بدون ان تمنع نفسها
"اين انا"

ادارت حدقتيها بحزن جانبا ما ان تجاهلها الجالس بجانبها وهو يخرج من السيارة بهدوء بدون ان يجيب على سؤالها ، لتخرج بعدها من خلفه ببطء وهي تخفض رأسها للأسفل بعبوس لتسير بلحظة نحوه وهي تقدم قدم وتأخر اخرى بتعرج بائس ، وما ان وصل كليهما امام باب المنزل المنحوت بطلاء جميل يدل على حرفية الصنع حتى رفع الممسك بالحقائب ذراعه ليمسك بمقبض الجرس الشبيه بالعصور القديمة وهو يطرق به على خشب الباب بقوة .

وما هي ألا لحظات قليلة فاصلة حتى فُتح الباب ببطء ليكشف عن صاحبة هذا المنزل والمختبئة خلف هذا الباب الحرفي ، اتسعت مقلتيها باستدارتهما بتجمد مع انفتاح الباب وهي تنظر لامرأة تبدو كبيرة بالسن او هذا ما هو ظاهر امامها وهي تتشح بالسواد من رأسها حتى اخمص قدميها بعباءة سوداء طويلة مع وشاح اسود يغطي شعرها بالكامل ألا من خصلات سوداء حريرية تختلط مع البياض كانت تحف جبينها ومع ملامح وجهها البيضاء بشحوب فاتن تستطيع ملاحظته بسهولة حتى بأوج مرضها ومع تقدم عمرها ولولا التجاعيد والتي كانت تغزو اغلب ملامحها لشكت بأنها قد تجاوزت الاربعين من عمرها واكثر ، ولكن ليس هذا كله ما جذب انتباهها بل عينان المرأة امامها بلونهما الاسود القاتم ومع ذلك الاتساع الفاتن والشبيه بالواقف بجانبها والذي يملك نفس اتساع تلك العينان الحاد والذي كان يخيفها ويرهبها ببداية تعارفهما حتى اصبح جزء من عالمها الحالم وكأنه قد اقتبسه من عينان تلك المرأة ، وهذا لا يدل سوى على شيء واحد إذا ساءت الظن ؟ والذي اكيد سيدفعها للجنون المحدق مما تراه وتشاهده ؟

فتحت شفتيها بشهيق بدون صوت وهي تنشج بمكانها ما ان وضع الواقف بجانبها يده على كتفها بخفة وهو يقول بجمود غير مبالي وببساطة ضربتها فوق طعن قلبها وكأنها صفعة افاقتها من غفلة الواقع
"اعرفكِ يا أمي هذه زوجتي صفاء ، ومن الآن ستعيش معكِ لفترة مؤقتة"

تجمدت بمكانها وكأنها قد تحولت لتمثال رخامي حيّ بلحظات وهي تحاول استيعاب ما يجري من حولها وما دخل بأذنها من كلام غريب غير واقعي ؟ ولم تتبين من كل هذا الكلام سوى حقيقة واحدة وهو بأن هذه المرأة الواقفة امامهما هي والدته وهذا يعني بأن والدته ما تزال على قيد الحياة ، ألا إذا كان لم يقصد لفظ والدته بالمعنى الحرفي ؟

ادارت بعدها بلحظات حدقتيها العسلية ببطء بعد ان تحررت من جمودها باتجاه الواقف بجانبها وهي تهمس بارتجاف لا إرادي متعجب بدون ان تتأكد إذا كانت قد وصلت الهمسة لأذنيه ام لا
"والدتك"

تجمد بمكانه للحظات قبل ان يحيد بنظراته بلا تعبير نحوها وببرود نخرت عظامها وطعنتها اكثر من اي مرة وهو يجيبها بطريقته الخاصة الساخرة والتي اصبحت تفهمها جيدا ! اخفضت نظراتها بضعف شل حركتها بالكامل ما ان وجهت المرأة الصامتة نظراتها للواقف امامها وهي تخرج عن صمتها هامسة بتلك الاحداق الحزينة بسواد قاتم وبنبرة مذهولة
"ما لذي يجري هنا يا جواد"

قبضت على يديها بتصلب وهي تشعر بدوامة تشوش عليها الرؤية ما ان اخترق ذاك الصوت الناعم بأمومة اذنيها وهو يثبت اكثر العلاقة والتي تربطها به بدون ان تفهم ما هو مكانها حقا من كل هذا ؟ وما هو هدفه الاساسي من تلك الحركة ؟

تنفست بارتجاف ما ان شعرت بحركة الواقف بجانبها وهو يتركها ليسير بعيدا عنهما بدون ان يجيب الواقفة بسكون وهي تراقبه بنظراتها الحزينة بصمت ، لتتبعه بلحظات هي الأخرى من فورها وهي تنتشل نفسها من دوامتها العاطفية غصبا لتلحق به بخطوات زادت سرعتها تلقائياً حتى وصلت للغرفة والتي دخل بها بدون ان تنتبه لتقسيم الغرف بالمنزل بخضم ما حدث معها !

وقفت عند إطار باب الغرفة وهي تنظر له يلقي بالحقائب بداخل الخزائن بإهمال ، لتندفع بعدها بالسير امامه وهي تقول بحدة وقبل ان تمنع نفسها وهي تخرج كل الكبت بداخلها بغلالة دموع احتلت مقلتيها فجأة
"هل هي والدتك حقا"

استقام بوقوفه وهو يفرد ظهره امامها بجمود ليتمتم بعدها بلحظات باقتضاب
"وهل لديكِ شك بهذا"

زمت شفتيها بانفعال مكبوت وهي تحاول استجماع افكارها المشوشة لتقول عندها بخفوت متوجس
"هذا يعني بأنك كنت تكذب عليّ بقصة حياتك"

ردّ عليها بدون اي مواربة وبدون اي تردد وهو ما يزال يعطيها ظهره
"نعم"

عبست ملامحها بارتجاف والغلالة بعينيها تزداد بريقاً عكس بروحها المكسورة وكأنه يزيد من اغارتها ببساطته القاتلة وببروده القاسي ، لتهمس بعدها بصوت اعلى بدون ان تدرك ذلك ومن فرط شعورها بالخيانة والكذب
"ولماذا فعلت ذلك ، ما فائدتك من هذا الكذب....."

علقت الكلمات المتبقية بحلقها ما ان قاطعها بلحظة الذي استدار امامها ليصل لها بخطوتين قبل ان يمسك بذراعها بلمح البصر ليصبح وجهها مقابلا له تماما وهو يهمس امام بشرتها بجمود وبحاجبين معقودين بخطر
"اخرسي يا صفاء لأنه لا يهمني رأيكِ بي إذا كنت كاذباً ام لا ، ولكن الذي عليكِ معرفته جيدا بأن هذا المنزل سيكون مكان معيشتك ولفترة محددة اقصاها شهر وهي فترة عقد زواجنا ، لذا كوني فتاة مطيعة حتى تنتهي مهلتك وخادمة جيدة لوالدتي ، وألا اقسم بالله سترين شيء لن يعجبكِ بحياتكِ ، فهمتي يا صغيرة"

اتسعت حدقتيها الندية بأقصى اتساعها وهي تومأ برأسها بالإيجاب بدون ان تفهم السبب فقط تحرك رأسها من خوف غريزي يدفعها لإطاعة اوامره ؟ ليفلت عندها ذراعها ببطء قبل ان يرفع يده وهو يرجع خصلات ذيل حصانها عند كتفها للخلف برفق حتى لمس بأصابعه عنقها وهو يبعث لسعة بنعومة بشرتها ذكرتها بأحداث ليلة امس ، ليختفي بعدها كل هذا ما ان ابتعد عنها بلحظة خاطفة ليغادر من امامها باللحظة التالية وهو يترك فجوة كبيرة وبرودة بابتعاده عنها بدون ان تستطيع منعه او فعل شيء حيال ذلك ، لتنزل عندها الدموع العالقة بمقلتيها اخيرا وهي تتحرر من غلالتها ومن قسوة الواقع الجديدة والتي شطرت ليس فقط قلبها لنصفين بل عالمها بأكمله ببداية حياتها الجديدة والتي تركت كل مفاتيحها معه بإرادتها الحرة !

____________________________
تنفست بملل وهي تنظر للنافذة بجانبها تارة وللساعة بمعصمها تارة اخرى متجاهلة الثرثارة الجالسة خلف المقود وهي ترى نسخة اخرى عن صديقتها الحالمة ولكن الاختلاف بينهما هو بطبيعة الثرثرة والتي ينطقون بها كل واحدة منهما بينما تلتزم هي الصمت التام واكثر ما تتميز به بحياتها حتى ييأس ويتوقف جميع من حولها عن الثرثرة ، ولا تعلم حقا ما لذي اصاب شقيقتها بهذه الفترة الوجيزة حتى اصبحت شخص مسؤول اكثر من اي مرة اخرى لا يطاق ابدا وكأنها تفرغ شحنات امومتها الزائدة بها ؟ ولا تستبعد ان يكون السبب زوجها المصون والذي ظنت يوما بأنه باكتمال زواجهما سيخلصه منها ليزيد من تعقيدات حياتها اكثر من السابق ؟ وهي بالنهاية من عليها ان تتلقى كل توابع تعقيدات العلاقة وتقلباتها بينهما .

تنهدت براحة ما ان توقفت السيارة بجانب الطريق المقابل لبناء الجامعة ، لتبتسم بعدها بسخرية وهي تهمس بخفوت ممتعض
"واخيرا وصلنا ، لقد كدت افقد الأمل حقا بأن اصل اليوم للجامعة بهذه السلحفاة"

ردت عليها الجالسة بجانبها بجفاء صارم
"لقد سمعتكِ ، وبالمناسبة هذه تسمى القيادة الآمنة ، ام تظنين بأنني سأقود مثل السائقين المتهورين المنتشرين بالطرقات فقط لأصل لوجهتي الخاصة متناسية الارواح والحوادث والتي قد تتسببين بها بطريقكِ......"

قاطعتها من التفتت بوجهها نحوها بجمود وهي تتمتم ببرود
"حسنا فهمت ، لقد سمعتها منكِ مئة مرة طول هذا الطريق وكأني اهتم بقيادتك الآمنة ، وشكرا لكِ على هذا التأخير"

عبست ملامحها بغضب وهي تلوح بذراعها قائلة باستنكار
"هذا بدل ان تشكريني على إيصالكِ للجامعة واراحتكِ من المواصلات العامة"

ادارت حدقتيها بعيدا عنها بلا مبالاة وهي تهمس بخفوت
"لا تنسي بأنكِ انتِ من ارغمني على الذهاب معكِ بهذه المركبة البطيئة وبدون ان تهتمي بموافقتي ، إذاً تحملي رأي بقيادتك الآمنة"

زمت شفتيها بوجوم وهي تدير وجهها بعيدا عنها هامسة باستياء
"الحق عليّ بأني فكرت بمصلحتك يا ناكرة الجميل ومحطمة المعنويات"

حادت بحدقتيها الزرقاء نحوها للحظات قبل ان تقع على يدها الممسكة بالمقود لتهمس عندها بابتسامة غامضة
"هل تعلمين ما هو اكثر شيء اسعدني بكِ اكثر من حصولكِ على رخصة القيادة"

ادارت عينيها الخضراوين نحوها ببطء وهي تعقد حاجبيها بحيرة صامتة ، لتتابع الأخرى كلامها وهي تشير بحدقتيها ليدها هامسة بابتسامة شاردة
"انا ارى بأنكِ قد اصبحتِ ترتدين خاتم الزواج كثيرا مؤخراً حتى اصبح لا يفارق اصابعكِ"

اخفضت نظراتها بهدوء ليدها وهي تحرك الخاتم العريض بأصابعها بشرود دام للحظات ، لتبتسم بعدها بشحوب قبل ان تتمتم بهدوء بالغ
"ربما"

تأففت الجالسة بمكانها وهي تفتح الباب بجانبها لتلوح بذراعها قائلة ببساطة
"حسنا عليّ الذهاب الآن ، واشكري بالنيابة عني الشخص الاحمق والذي دفعكِ لتعلم القيادة"

استدارت نحوها بسرعة وهي تقول بوجوم متجاهلة كلامها الاخير
"ولكن لم تخبريني ، متى تنتهي محاضراتك لكي اوصلكِ معي بطريق العودة"

وقفت بمكانها لبرهة بعد ان خرجت من السيارة وهي تمسك بإطار الباب بيدها ، لتقول بعدها وهي تلتفت بنصف وجهها للخلف ببرود
"لا داعي للتوصيل ، فأنا لدي عمل بعد الجامعة ولن اعود للمنزل قبل وقت متأخر"

عقدت حاجبيها بحدة وهي تقول باستنكار حاد
"ولكن لما تصرين على العمل بتلك الشركة يا ماسة ، وانتِ ستتزوجين بمن سيعوضك عن العمل وعن كل شيء بحياتك"

عضت على طرف شفتيها بحنق ما ان قابلت ردت فعلها وهي تغلق باب السيارة من خلفها بقوة لتكمل سيرها بعيدا عنها ببرودها المعتاد ، تنفست بعدها بكبت وهي تعيد تشغيل محرك السيارة لتقودها بعيدا عن المكان باتجاه طريق عملها .

بينما وصلت التي كانت تسير بثبات لساحة الجامعة المكتظة بجميع الطلاب قبل ان تتوقف فجأة ما ان لمحت احدهم دفعها لتتجمد بمكانها للحظات بصدمة شلت اطرافها لوهلة ! لتعقد بعدها حاجبيها بتركيز وهي تحاول النظر بدقة للذي كان يقف مقابل لها على بعد مسافة وشخص آخر يقف امامه يعطيها ظهره ومن كان يحجب عليها رؤية الواقف امامه بالكامل والتأكد من هويته .

تابعت خطواتها تلقائياً وباتجاه مسار محدد وعينيها لا تبارح مكانهما بشك ويقين كان يزيد مع اقترابها ، لتصطدم بعدها بكتف احدهم بقوة والذي ادى عن سقوط حقيبتها ارضا بدون ان تنتبه امامها ، نقلت نظراتها غصبا لحقيبتها وهي تنحني بسرعة لتلتقطها معتذرة للواقف امامها ، وما ان استقامت بوقوفها لتوجه نظراتها بعيدا حتى كان قد اختفى من مكانه ولم يتبقى سوى الواقف يعطيها ظهره بينما الآخر قد اختفى تماما بدون ان يترك له اثر !

ارتفع حاجبيها بدهشة ممزوجة بالضيق وهي ترفع يدها لتضرب بها على مقدمة جبينها بحنق بالغ وبغباء وهي تفقد اثره تماما ، لتضع بعدها حزام حقيبتها فوق كتفها بسخط وهي تسير بطريق محايد بلحظات قبل ان تجلس فوق مقاعد الاستراحة بصمت وهي تتنفس بقنوط .

تنقلت بنظراتها بالجوار قبل ان تشيح بنظراتها جانبا لتتسع عندها مقلتيها الزرقاوين بقتامة مظلمة ما ان لمحت المكتوب على ظهر المقعد بجانبها بلون الدهان الاحمر والذي كان يبدو عليه حديثا لم يجف بعد
(ديناميت)

ابتلعت ريقها برهبة وهي تخفض نظراتها بضعف احتلها لثواني ما ان تذكرت معنى العبارة وما تعنيه وهي كلمة كانوا يطلقونها بالحيّ القديم على كل من يفوز بحرب الطرقات ويحصد على اكبر عدد من الشغب والفوضى بالطرقات وهي كلمة ألفتها عصابة (مازن) للمرح واللعب وقد كانت دائما تدور المنافسة بينهما على من يحصل على اللقب اولاً بسبب الحقد المتأصل بينهما منذ الصغر حتى اصبح قانون وتحدي بينهما وخاصة بأن منزلهما كانا بنفس الحيّ والمنطقة والتي تدور بها المنافسة ، ولكن ما مناسبة هذه الكلمة الآن وما لذي يقصده بها ؟ ألا إذا كان يريد تسليمها ذلك اللقب والذي حاربت كثيرا من اجله بعد كل تلك السنوات من العداء وبعد ان اعلن عن استسلامه امامها بالنهاية ؟

_____________________________
كانت تقود بهدوء وثبات بالطريق الخالي من السيارات نسبياً وهي تحاول الابتعاد عن كل الطرقات والتي تكتظ بها شتى انواع السيارات والمركبات والتي لا يهمها سوى الوصول لوجهات محددة بدون ان يكترث احد منهم للأذى والذي قد يسببه للآخر وكأنها منافسة حية بينهم من يصل اولاً ! فهي بالنهاية ما تزال مبتدئة بالقيادة وخاصة مع هذه السيارة حديثة الطراز ولم تنجح باختبار القيادة سوى بالأمس مع حصولها على رخصة القيادة بنفس اليوم ، حتى ان (احمد) كان يعدها بأن يخوض معها تدريبات القيادة التطبيقية ولكنه ما ان عين مدربة خاصة بها حتى اختفى عن كل التدريبات ولم يظهر حتى ليبارك لها على اجتيازها جميع اختباراتها بنجاح ولا عند حصولها على الرخصة ؟ وكأنه كان ينتظر الفرصة المناسبة ليتخلص من مهمة ايصالها وعودتها من عملها ، وكل الذي فعله هو بأنه حجز هذه السيارة باسمها عند باب المنزل بدون علمها لتذهب بها لعملها بأول يوم .

اتسعت عينيها الخضراوين بوجل وهي تدوس على الفرامل بقوة لإيقاف السيارة بشكل مفاجئ ما ان ظهرت سيارة اخرى امامها بدون سابق إنذار وهي تقود مقابل لها بشكل معاكس ! وما ان توقفت كلتا السيارتين امام بعضهما لا يبعدهما سوى شبر حتى رفعت عينيها الخضراوين بغضب متوهج سرعان ما تبخر وهي تكتشف هوية السائق امامها والذي لم يكن سوى (احمد) .

ابتلعت ريقها بتشنج لوهلة وهي تحاول ترتيب خصلات شعرها للخلف بعيدا عن وجهها والتي تبعثرت بسبب توقفها المفاجئ ، لتضيق بعدها عينيها بتركيز شاحب للحظات ما ان لمحته وهو يخرج من سيارته بهدوء ونظارة سوداء كان يخفي بها حدقتيه الرمادية عنها وهي تراها لأول مرة عليه وكم كان يبدو بهذه اللحظة بالذات مثل رجال الاعمال الكبار والمعروفين بالبلد والذين لا يظهرون سوى على التلفاز .

اخفضت نظراتها بإحراج منفعل وهي تحاول السيطرة على زمام الأمور والتي انفلتت من بين يديها بلحظة غادرة ، لتشعر بعدها بوصوله بجانب النافذة عند المقعد المجاور ليتبعه بعدها بلحظات بصوته وهو يطرق على زجاج النافذة بمفاصل اصابعه قائلا بأمر هادئ
"هلا فتحتِ لي الباب المجاور لو تكرمتي"

عضت على طرف شفتيها بامتقاع وهي تسمع لهجته الآمرة وهو يتكلم ببساطة وكأن شيء لم يكن بعد ان كان سيتسبب بحادث كارثي معها بسبب قيادته المعاكسة ! وما ان عاد لطرق زجاج النافذة مجددا حتى رفعت ذراعها ببطء بدون ان تنظر له وهي تفتح له الباب بجانبه بصمت قاتم .

اعادت ذراعها وهي تتمسك بالمقود امامها بقوة ليدخل عندها بجوارها وهو يجلس بهدوء ، تابع بعدها كلامه وهو يخترق الصمت بينهما قائلا بابتسامة شعرت بها بصوته الاجش
"لقد تحسنت قيادتك بشكل ملحوظ ، واصبحتِ تدوسين على الفرامل بالشكل الصحيح"

اندفعت الصامتة بمكانها لا إراديا وهي تستدير نحوه حتى التفت الخصلات الطويلة حول عنقها قائلة بانفعال حانق
"هل هذا ما اثار انتباهك حقا من كل ما حدث ، ألم تلاحظ بأنك كنت قبل قليل على وشك التسبب بحادث ارتطام خطير بيننا بدون ان تهتم حتى من طريقة قيادتك المعاكسة والتي لا تليق بشخص مثلك يملك رخصة قيادة عمرها سنوات"

عبست ملامحها باستياء ما ان رأت ابتسامة المقابل لها وهي تتسع تدريجيا لتتحول بعدها لضحكة خفيفة وكأنه يسخر من كلامها ومن جديتها بهذا الموضوع ، حتى انها شكت بطريقة كلامها وما هو المضحك بها حقا ؟

احمرت وجنتيها بغضب وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها هامسة بخفوت
"هلا اخبرتني ما هو المضحك بكلامي....."

قاطعها الذي رفع ذراعه نحوها وهو يتلاعب بخصلات شعرها الطويلة على عنقها قائلا بهدوء متزن
"اهدئي يا روميساء ، فأنا اعلم جيدا اساليب القيادة واكثر منكِ ، ومن المستحيل ان يصيب اي احد منا مكروه ما دمت على قيد الحياة ، انا فقط اردت ان اخرج روميساء الصارمة عن صمتها وهدوئها والذي امقته ، فهذه هي روميساء التي اعرفها"

ارتفع حاجبيها السوداوين بخفة لبرهة وقد اختفى كل غضبها بلحظة وهي تبتسم باتساع تلقائياً متضامنة مع ابتسامته الهادئة والتي تراها لأول مرة بكل هذا الجمال والجاذبية مع نظارته الداكنة والتي تعكس لون رمادية عينيه القاتمة ، لتخفض بعدها نظراتها بحياء وهي تبعد يده عن عنقها ما ان بدأت تتمادى بلمساتها هامسة بغيظ
"يا لك من ماكر"

اعاد ذراعه لمكانها وهو يستقيم بجلوسه ليقول عندها بابتسامته الهادئة ناظرا امامه
"هذا ليس وقت الكلام الآن ، فأنا اريد منكِ ان تخوضي امامي اختبار قصير لأرى مدى جدارتك بالقيادة ، وإذا كنتِ حقا تستحقين رخصة القيادة بحوزتك"

عقدت حاجبيها وهي تنظر له بحيرة هامسة بوجوم
"ولكن ليس لدي وقت الآن ، فأنا عليّ الذهاب للعمل بالمدرسة وألا تأخرت"

ردّ عليها الجالس بجانبها وهو يحرك رأسه بصرامة
"لا بأس ، لن نأخذ الكثير من الوقت ، فقط رحلة قصيرة بمسافة الطريق امامك ، ام انكِ لديكِ الوقت فقط لإيصال ماسة لجامعتها وليس لديكِ الوقت لاجتياز اختباري"

اتسعت حدقتيها بصدمة من نهاية كلامه قبل ان تشتعل بغضب وهي تكتشف بأنه كان يراقبها عندما كانت توصل (ماسة) لجامعتها وهذا ما جعله يكتشف بدقة موقعها الآن ، استدارت للأمام وهي تتمسك بالمقود بيديها هامسة بتصلب
"لم يخبرك احد ان تتغيب عن تدريباتي واختباراتي مع المدربة"

حاد بنظراته باتجاهها بهدوء بارد قبل ان يهمس بخفوت غامض
"اسمع نبرة عتاب وقهر خارجة من زوجتي روميساء"

زمت شفتيها بحنق بدون ان تعلق على كلامه وهي تشغل محرك السيارة ، لتقول بعدها بابتسامة غير معبرة
"اين تريدني ان اقود"

اعاد نظراته للأمام وهو يشير برأسه قائلا بعملية
"اريد منكِ ان تصلي عند ذلك العامود بمنتصف الطريق"

نظرت إلى ما يشير إليه قبل ان تحرك السيارة من جانب الطريق وهي تقود باتجاه عامود الإنارة عند منتصف الطريق ، ليلتزم كل منهما الصمت طول طريق رحلتهما القصيرة والتي لم تأخذ اقل من خمس دقائق ، وما ان وصلت حتى اوقفت السيارة بجانب العامود بحذر قبل ان تستدير بوجهها نحوه وهي تقول بابتسامة عريضة بثقة
"ما رأيك ، هل استحق رخصة القيادة يا سيد احمد"

التفت نحوها بوجهه بصمت وبابتسامته الهادئة وهو يراقب ثقتها والتي توهجت بحدقتيها الخضراوين بلون الفاكهة الناضجة وهي تزداد خضار متأثرة مع انفعالاتها الداخلية لتظهر واضحة من خلال حدقتيها الكبيرتين وهذا ما لاحظه منذ اللحظة الأولى من رؤيته لها !

افاق من افكاره على صوت الجالسة بجانبه وهي تدنو بالقرب منه هامسة بتوجس
"ماذا هناك يا احمد ، هل كانت قيادتي سيئة"

حرك رأسه بالنفي وهو يتراجع برأسه للخلف بعيدا عنها ليخلع عندها النظارة من فوق عينيه بلحظة وهو يضعها امامه ، ليعود بعدها بنظراته باتجاهها وهو يتمتم بغموض
"ليس هذا سبب مجيئي إليكِ ، بل هناك شيء آخر هو ما دفعني لأوقف سيارتي بمنتصف طريقك"

عقدت حاجبيها بتفكير وهي تهمس بوجوم
"هل هو اختبار آخر بالقيادة"

عاد ليحرك رأسه بالنفي وهو يضحك بخفة ليعود بعدها لقناع الجدية وهو يرفع راحة يده مفرودة الاصابع نحوها قائلا بقوة
"اعطيني يدكِ يا روميساء"

ارتفع حاجبيها بعدم استيعاب وهي ترفع يدها اليمنى تلقائياً قبل ان تتوقف ما ان تابع كلامه مشيرا بعينيه ليدها اليسرى
"ليس هذه بل يدكِ الاخرى يا روميساء"

زمت شفتيها بإحراج شديد وهي تمد له يدها اليسرى قبل ان تضعها براحة كفه بصمت ، ليدس بعدها يده الحرة بجيب سترته قبل ان يخرج منها خاتم صغير ذهبي شبيه بخاتم زواجها والذي ترتديه الآن ولكن الاختلاف بينهما هو بحجم الخاتم بيده والذي يبدو ارق واصغر من خاتم زواجها بكثير .

تغضن جبينها بحيرة من سبب وجود هذا الخاتم معه وهو يدخله بأصبعها الطويل بجانب الخاتم القديم ليظهر الفرق الشاسع بينهما وهو يبدو اصغر مما تصورت امام الخاتم القديم ؟ وما ان كانت ستتكلم حتى صمتت فجأة بدهشة وهي تراه يزيل الخاتم القديم عن اصبعها والذي من ضخامة حجمه على اصبعها النحيل استطاع الانزلاق منه بسرعة وسلاسة فائقة !

نقلت نظراتها من الخاتم له وهي تقول بحيرة واجمة
"لما فعلت هذا يا احمد...."

قاطعها وهو يمد قبضته المضمومة بالخاتم قائلا بهدوء
"امسكي"

رفعت راحة كفها مفرودة الاصابع وهو يسقط الخاتم بداخلها ، لترفع بعدها الخاتم القديم امام وجهها وهو يتابع كلامه بابتسامة جانبية بهدوء
"لقد اشتريت لكِ خاتم زواج جديد ، وهذا الذي ترتدينه الآن خاتمك والذي لن يفارق اصابعكِ ، واما الخاتم القديم يمكنكِ الاحتفاظ به معكِ ولكنه لم يعد ذو اهمية امام خاتمكِ الجديد والذي سيكون رمز على زواجنا وعلى علاقتنا الجديدة"

اومأت برأسها بشرود قبل ان ترفع نظراتها نحوه وهي تتمتم بتفكير
"ولكن لما بدلته ، ما هو الداعي لفعل هذا ، وتكلفة نفسك ثمن خاتم آخر"

ردّ عليها وهو يرفع يده لوجهها ليتلمس على وجنتيها بأصبعه السبابة قائلا بابتسامة جادة بقوة
"لا تهتمي للثمن وتتعبي نفسكِ بالتفكير به ، فقد كان كل ما يهمني هو شراء خاتم زواج يناسبكِ انتِ ويناسب رقتك ، لأنه سيبقى يمثل لكِ رمز على زواجنا وليس جيدا ان تهمليه او تضعيه برف منسي وكأنه لا يمثل اي قيمة لكِ ، وكان غباء مني بأني لم افكر بهذه النقطة عند شراء خاتمكِ لأول مرة"

احنت نظراتها بحزن وهي تهمس بخفوت محرج
"اعتذر لأني لم اهتم بارتداء خاتم الزواج بالبداية ، فقد كنت غير معتادة على ارتداء مثل هذه الخواتم الثقيلة والباهظة الثمن بدون ان اقلق من مشكلة ضياعها"

اومأ برأسه وهو يمسك بجانب وجهها بقوة قائلا برفق
"لا عليكِ ، فقد كنتُ اعلم منذ البداية بأنه لم يعجبكِ ، ولم ترتديه بهذه الفترة ألا من اجل كلام الناس"

اتسعت حدقتيها وهي تنظر له للحظات قبل ان تتمتم ببهوت
"لقد كنت تعلم"

اتسعت ابتسامته باتزان وهو يقرب وجهه امامها تماما قائلا بثقة
"انا اعلم كل شيء عنكِ يا روميساء ، وكل تفاصيلكِ الصغيرة وليس من السهل ان تخفي عني شيء لفترة طويلة ، لأنكِ حتى لو حاولتِ ذلك ستفضحين نفسكِ بنفسك"

زمت شفتيها بغضب مكتوم توهج بحدقتيها من جديد وهي ترفع قبضتها لتضرب بها على صدره بخفة قائلة بقنوط
"لست مضحكاً"

وقبل ان يسمح لها بالابتعاد عنه كان يدنو امام شفتيها بلحظة ليجتاحها بقبلته بقوة بعثت رعشة محببة بمفاصلها وهو يتنقل بشغف بوجنتيها المحمرتين ببطء رقيق اودى بقلبها للهاوية وكأنه يتسلى بتعذيبها البطيء والذي يزيد فتيل شوقها دائما لإعادة تلك الليلة والتي تكمل جمال علاقتهما وتداعب مشاعرها الوليدة بحرارة جديدة عليها وبمزيج يعيد روحها المتخبطة للحياة وعلى بر الأمان .....

تنفست بارتجاف ما ان ابتعد عنها بسرعة الذي كان يحاول اعادة تنظيم انفاسه المبعثرة مثلها وهي تضرب وجهيهما بسخونة ملتهبة تعيد توهج المشاعر بينهما من جديد ، ليقطع الصمت بعدها بلحظات الذي عاد ليقبل وجنتها بخفة وهو ينهي كل هذا الصخب والذي اجتاحهما فجأة قبل ان يبتعد عنها وهو يفتح الباب بجانبه قائلا بانفعال مكبوت طغى على صوته
"حسنا إذاً عليّ الذهاب الآن ، فقد تأخرنا كلينا على العمل وهذا ليس جيد على مكانتنا"

توقف بمكانه لوهلة ما ان قالت من خلفه بخفوت مبتسم بمحبة
"شكرا لك ، واعدك ان احافظ على رمز علاقتنا"

ابتسم بدون ان ينظر من خلفه لكي لا يضعف امامها مجددا وخاصة مع حدقتيها والتي ستكون الآن تتوهج بكل ألوان الحياة وبالمشاعر والتي بدأت تتدفق بداخلها بهذه اللحظة ، ليلتقط بعدها نظارته من امامه قبل ان يخرج من السيارة بأكملها .

كانت تتابع حركته بأحداق مشدوهة وهو يضع النظارة السوداء فوق عينيه القاتمة ليلوح بعدها بيده لها بمودة قبل ان يغادر بعيدا عنها باتجاه سيارته ، لتفكر بعدها بسرعة بأنه لم يطلب منها ان تعيده لموقع سيارته ؟ فهل نسي ان يطلب منها بخضم مشاعرهما ام انه كان خائف من ضعف مشاعره امامها وكم يدعوها هذا للفخر عندما تكون هي مركز اهتمامه ونقطة ضعفه بالحياة ؟

_______________________________
دخل من باب المطبخ المفتوح وهو ينظر لظهر الواقفة امامه تشغل نفسها بالعمل على شيء ما يبدو مثل صوت تقطيع الخضار بعنف بدون توقف شبيه بصوت ماكينة الخشب وهذه الحالة عادة ما ترافقها عندما يصل غضبها واستيائها من احدهم لأوجه وهي تتجاهل كل ما يحيط بها بعدم مبالاة متعمدة لتزعج سمعه بهذه الاصوات .

تنهد بهدوء مكبوت وهو يتجه لكرسي قريب منه قبل ان يرتمي عليه بقوة ليرتج عندها الكرسي بمكانه وهو يفتح ازرار قميصه العلوية بعنف ، ليدس بعدها يده بجيب بنطاله قبل ان يخرج منها سيجارة وهو يشعلها بيده الاخرى بصمت قاتم .

نفث دخان سيجارته بهدوء للحظات قبل ان يتمتم بجفاء بارد
"كيف هي الاحوال عندكِ"

شعر بتشنج جسدها من خلفه ليتبعها بعدها بصوتها الحزين بعتاب كان يتوقعه منها
"وهل لديك الجرأة لتسألني عن احوالي يا جواد ، وانا دائما آخر من يهمك امره"

تنفس بقوة وهو ينظر لدخان السيجارة المتطاير امامه بجمود قبل ان يسمع صوتها وهي تتابع كلامها بحدة بدون ان يخفي حزنها
"والآن اجبني بصدق ، هل تزوجت حقا بدون ان تخبرني وبدون حتى ان تعلمني ، لو كنت اعلم برغبتك بالزواج لكنت بحثت لك عن زوجة مناسبة لك بنفسي......"

قاطعها الذي كان يشدد على السيجارة بيده قائلا بقوة بدون مواربة
"اجل تزوجت ولمدة وجيزة"

توقف عندها صوت التقطيع ليحل الصمت على المكان لدقائق معدودة قبل ان تستدير بلحظة باتجاهه بكامل جسدها وهي تمسك بيدها طرف وشاحها قائلة بقوة تخرج منها لأول مرة
"ما هذا الكلام يا جواد ، افهمني ما لذي يدور برأسك ، ولما اتيت انت وتلك الفتاة لمنزلي بعد ان قررت العيش بعيدا عني......"

قطعت كلامها وهي تشهق بصدمة ما ان رأت الدخان المتطاير بسقف المطبخ قبل ان يتحول لعبوس صارم وهي تخفي جانب وجهها بوشاحها بقوة هامسة بغضب
"كم مرة عليّ ان اخبرك يا جواد ، بأنه غير مسموح لك بتدخين هذه النفايات بمنزلي"

ابتسم بجمود لبرهة وهو يدس طرف السيجارة بسطح الطاولة امامه قبل ان يلقي بها بسلة النفايات بجانبه بلا مبالاة ، ليقول بعدها وهو يرفع نظراته للواقفة امامه بقسوة
"لا تقلقي بهذا الشأن يا امي ، هي مجرد كبش فداء وزوجة مؤقتة ، ويمكنكِ اعتبارها خادمة عندكِ حتى تنتهي المهلة المحددة لها"

ضيقت عينيها السوداوين بتشوش وهي تهمس بعدم استيعاب
"هل قلت كبش فداء"

رفع وجهه نحوها مع ابتسامة غير معبرة وهو يقول بقتامة مقصودة زادت من اتساع عينيه بحقد قديم
"انها من عائلة المجرم"

ارتفع حاجبيها السوداوين لبرهة ببطء شاحب قبل ان تقع منها السكين بدون ان تنتبه ، لتفيق بعدها على صوت رنين السكين بالأرض الرخامية قبل ان تهمس بصوت هادئ غير معبر
"وماذا يعني هذا"

اندفع واقفا عن الكرسي بعنف ليقع من خلفه بقوة وهو يقول بانفعال حاد
"ارجوكِ يا امي لا تتغابي"

ردت عليه بنفس عنفه وهي تلوح بذراعها قائلة بتصلب
"توقف عن إهانة والدتك ، وتذكر بأن كل هذا قد حدث بالماضي وقد اصبح بالفعل طي النسيان ولم يعد اي احد يفكر بوجوده وبما حدث هناك ، لذا توقف عن الانتقام من الجميع بدون اي حق"

ابتسم المقابل لها بسخرية قاتمة وهو يتمتم بجمود جليدي ونظراته موجهة نحوها بقوة نافذة
"وماذا عن حق غنوة"

تجمدت ملامحها ببهوت وهي تتنفس بحشرجة مؤلمة شطرتها لنصفين لتعود لذهنها صورة ابنتها الصغيرة وهي مغرقة بدمائها وجسدها ملقى بسرير الموت والذي كانوا ينقلون به الجثث للمقبرة بذلك اليوم المشؤوم ، ولم تعي بعدها مما يدور من حولها وهي تشعر بنفسها تهوي هامسة بدموع عادت للبريق بمقلتيها بعد ان جفت لسنوات
"صغيرتي"

تقدم بسرعة الواقف امامها بخطوتين قبل ان يصل لها بلمح البصر ليسندها قبل ان تقع وهو يحاوط كتفيها بذراعه بقوة قائلا بقلق
"امي هل انتِ بخير"

تنفست بهدوء مجهد وهي تضع يدها على صدره الصلب للحظات لتعود لقوتها وهي تحاول ان تستقيم بوقوفها بعيدا عنه ، لترفع بعدها عينان دامعة تحيطها الهالات السوداء من الارق والاجهاد والذي يصيبها دائما وهي تهمس بأنفاس متعبة وببحة حزينة طغت على صوتها
"ارجوك يا جواد ، انسى الماضي وركز على حياتك بالمستقبل ، فأنت بهذه الطريقة لن تعيد ميت للحياة ، وكما كان يقول عمك فهي الملامة الوحيدة لما حدث معها فلم يجبرها احد على التصرف بطيش هكذا......"

انتفض الجسد الممسك بها بلحظة وهو يبتعد عنها بقوة قائلا بصراخ مدوي ملوحا بذراعه بسخط
"لا تقولي عنه عمي يا امي ، فهو السبب الرئيسي بما وصلنا له للآن عندما قَبل برشوة المال مقابل ان يتبرى من دم ابنة شقيقه ، بدل ان يحقق العدالة ويمسك بالمجرم الرئيسي والذي كان السبب بتعريض ابنتكِ لكل هذا وحرق قلوبنا عليها ، فهي كانت مجرد طفلة صغيرة والجميع استطاع العبث بها واخذها منا بدون ان يبالي احد بدمائها والتي تحولت لشربة ماء"

ردت عليه التي كانت تضع يدها على صدرها المذبوح من الغصة بداخلها وهي تهمس بخفوت معاتب
"وما ذنب تلك الفتاة بكل هذا ، لما ادخلتها بانتقامك ، ألم اخبرك بأن تتوقف عن إيذاء الناس الأبرياء ، لقد انتقمت بالفعل من جميع من اذوك بالماضي واستعدت حقك كاملا ، لما إذاً احضرتها لعالمك المجنون"

ادار وجهه جانبا للحظات قبل ان يقول بشبه ابتسامة لا تعبر سوى عن الحقد الاسود والذي ملئ قلبه منذ سنوات
"غير صحيح يا امي ، لم يكتمل انتقامي بعد ، فما يزال المجرم الحقيقي حر طليق بدون ان يتلقى عقابه ، ولكني مع ذلك لن احاول استخدام الطريقة البدائية معه وألقائه بالسجن ، فأنا لن يهدئ لي بال حتى احرق قلوبهم على حمامتهم الصغيرة كما فعلوا معنا تماما ، وهذا وعد مني يا أمي"

كانت والدته تحرك رأسها بالنفي بهذيان وهي تهمس باستنكار مذهول
"كيف وصل بك الحال لهذا المستوى المنحط يا جواد ، لتدخل فتاة ليس لها ذنب بحربك"

استدار بعيدا عنها وهو يدس يديه بجيبي بنطاله قائلا ببرود محتقر
"انتِ لم تري شيء بعد يا امي ، عليكِ ان تكوني ممتنة بأني لم افعل معها ما هو افظع من هذا لأنفذ انتقامي وابرد نار قلوبنا"

اتسعت عينيها بجزع لوهلة وهي تصرخ بنحيب غير مصدق
"جواد"

ولكنه كان قد خرج من المطبخ بأكمله بدون ان يهتم بصراخها ووجهته باب المنزل وبدون ان يهتم حتى بالواقفة عند ممر غرفتها تراقب بعيون عسلية حزينة الذي خرج بدون ان يعبرها بعد ان خرجت من غرفتها على مسمع اصوات شجارات بالمطبخ بدون ان تعلم السبب ؟ بينما وقفت الأخرى عند باب المطبخ والتي كانت ما تزال تنشج بدموع صامتة انهكت عينيها وهي تراقب ابنها الكبير وهو يغادر محمل بكل سواد الحقد والذي لم يتخلص منه للآن ، وهي كل ما تخشاه ان يقتل نفسه ذات يوم ويستولي عليه الحقد لتخسر عندها آخر ما تبقى لها بهذه الحياة وهو يلحق بشقيقته الصغرى والتي لم تخسرها سوى إهمال منها وكل ما تفعله بأنها تشاهد ضياع وتشتيت اولادها بدون ان يكون بمقدورها شيء !

يتبع.............

روز علي 14-08-21 09:53 PM

كانت تتلاعب بالقلم بأصابعها بذهن شارد مشوش مغلف بالصمت منذ وصولها للشركة وهي جالسة بمكتبها بصمت مطبق احتل عالمها وكأنها مجرد جسد محنط بلا روح غادره عقلها بعيدا منذ ان وقعت عينيها على تلك العبارة والتي شتت تفكيرها بنقطة واحدة وهي عودة (مازن) لعالمها بعد ان استقر بغيابه بدون ان تتبين سبب كتابته لتلك العبارة وإذا كانت منه حقا ؟ وكل ما ترجوه ان يكون كل ما يحدث معها من نسج خيالها المضطرب من كل ما تمر به بهذه الفترة الوجيزة والتي كانت الاكثر ضغطا على اعصابها التالفة مؤخرا ......

اخفضت جفنيها الحمراوين على احداقها لثواني وهي تتذكر حديث قديم عمره اعوام كان يدور بين اطفال الحيّ بالطرقات القديمة وتحديدا بين العصابات الاخطر بالأحياء وسبب الضوضاء والصخب بها ، كانت تقف طفلة التسعة اعوام امام الشاب المراهق وهي تشير له بسبابتها بثقة بالغة قائلة بقوة تفوق سنها
"هذه المرة انا التي سأحصل على لقب الزعيمة ديناميت بالحيّ ، لأني لن اسمح لك بالفوز عليّ هذه المرة لا انت ولا عصابتك الفاشلة"

ضحك الشاب المقابل لها بعبث وهو يحرك رأسه قائلا بابتسامة جانبية بسخرية
"لا تحلمي بهذا يا طفلة ، فهذا اللقب محجوز لي انا فقط ولن يستطيع اي احد الحصول عليه بالمدينة بأكملها غيري"

عقدت حاجبيها الصغيرين بحدة وهي تهمس بامتعاض خافت بدون ان تأبه بقوته والتي تفوقها بأضعاف
"اتقصد بأن اللقب حكر لك وحدك وغير مسموح لأحد غيرك بالحصول عليه"

ادار عينيه الناعستين بعيدا عنها بتفكير قبل ان يعود بنظره لها وهو ينحني بوجهه امامها قائلا بابتسامة ماكرة
"هناك فرصة تستطيعين بها الحصول على اللقب وهذا بحالة واحدة"

برقت مقلتيها الزرقاوين بلمعان وهي تهمس بلهفة طفولية بالغة
"تقصد بأنني عندما اقتلك واتخلص منك استطيع عندها الحصول على اللقب"

ارتفع حاجبيه بصدمة مما يسمعه منها قبل ان تتسع ابتسامته بدهشة على افكار هذه الشيطانة الصغيرة ! ليقول بعدها بلحظات بابتسامة مائلة بغموض
"اكيد لا يا ساحرة ، انا قصدت عندما اسلمكِ هذا اللقب بنفسي واتخلى عنه بإرادتي الحرة وهذا سيحدث عندما تصبحين ملك مازن جلال يا دميتي"

عبست ملامحها الصغيرة بضيق عند هذه الفكرة ومنذ ذلك الحين لم تعد تهتم بمنافسته على ذلك اللقب كما تفعل عادةً وهي تلهي نفسها بأمور اخرى وتحديات اخرى تدور بينهما ، فهي اكثر شيء كانت تحبه بطفولتها وتجيده هو الدخول بحروب وتحديات ومنافسات لا تنتهي بينها وبين اولاد الحيّ لكي تخرج منها فائزة بلقب جديد وبانتصار ساحق على الكائنات الذكورية والاكثر كرها بالنسبة لها .

تنفست بتهدج لوهلة وهي تشدد من القبض على القلم بيدها بقوة فكل هذا قد اصبح من الماضي منذ وفاة والدتها بل منذ طمست شخصيتها بالحياة وهي تتحول لشخصية اخرى انعكاس عن شبه فتاة تعيش لترضي الآخرين فقط وهي تدفع ثمن كل لحظة بحياتها المشتتة وكل نفس تأخذه بهذه الحياة على حساب كرامتها وحياتها الشخصية .

بينما لم تنتبه لوجود من يراقبها عن بعد منذ ساعات تقريبا بل منذ دخولها بحالة الشرود الذهني وهو يتابع كل حركات تشنجات جسدها المشدود وتصلبه وبرود ملامحها الحجرية والتي يراها لأول مرة بكل هذا البرود وكأنها تحاول محاسبة نفسها على كل ما حدث معها منذ ولادتها لهذه اللحظة ! بدون ان يفهم سبب دخولها بهذه الحالة الغريبة الآن بعد ان ظن بأنه قد اعتاد على كل تقلباتها الغريبة مؤخرا ليصادف تقلب جديد اعاده لنقطة البداية معها ؟ وهو يفكر بأن مهمة فهم هذا الكائن والغوص ببحاره سيتطلب منه الكثير من الجهد المضاعف والكثير من العمل ، ولا شيء يمقته بحياته اكثر من العمل .

ارتفع حاجبيه بانتباه ما ان اخترق الصمت والمغلف من حولها صوت رنين هاتفها ، لترفع بعدها شاشة هاتفها وهو يلاحظ تحجر مقلتيها على الهاتف للحظات لتأخذ وقتا اكثر مما يطلبه رؤية هوية المتصل الغامض !

عبست ملامحه بضيق ما ان وقفت عن المكتب لتسير عدة خطوات بعيدا عنه بدون ان تخرج من المكان ، بينما وقفت التي كانت تعطي انتباهها للهاتف عند ردهة المكتب وهي تجيب على الاتصال ليسبقها من بالطرف الآخر وهو يقول باستفزاز
"مرحبا الزعيمة ديناميت"

زمت شفتيها بانفعال مكبوت وهي توزع نظراتها حولها بحذر هامسة بخفوت
"ما لذي قصدته بتلك الحركة"

ردّ عليها من فوره وهو يقول بسخافة ما يزال يحافظ عليها بعد كل ما حدث
"ماذا هناك يا ماسة ، هل انتِ حزينة لأني غبت عنكِ كل هذه الفترة ، ولكن صدقيني كان فوق إرادتي فقد كنت احتاج لبعض الوقت حتى استعيد كل ما اضعته مني وارتب حساباتي جيدا"

عقدت حاجبيها بغضب عاد لافتراسها وهي تتمتم ببرود ساخر
"من الذي اخبرك بأني اهتم لأمرك ولوجودك بهذه الحياة ، فقط كل ما اطلبه منك ان تخرج من حياتنا فأنا لا ينقصني مشاكلك وكل ما يجلبه لي عالمك الاجرامي"

مرت لحظات صمت قبل ان يجيبها من بالطرف الآخر بهدوء متسلي
"اهدئي يا ساحرة ، فيبدو بأنكِ قد نسيتِ بأن تلك الطفلة عاشقة التحدي ستبقى دائما جزء من عالمي المجنون والذي ستخرج منه فائزة ، وهذا ما حدث اليوم أليس كذلك يا ديناميت"

زفرت انفاسها باستياء وهي تهمس باقتضاب حاد
"كفى سخافة فأنا لم يعد يهمني ذلك اللقب ولا اريد شيئاً منك ، ولم اجب على اتصالك سوى لأخبرك بأن تبعد وحوشك عنا ، لأنهم يحاولون الوصول لأي رهينة ليستطيعوا الوصول لك بأي طريقة ، وخاصة بأن شقيقتك هي هدفهم الاساسي بسبب صلة القرابة بينكما ، لذا توقف عن التهريج فكل ما سيحدث لصفاء انت ستكون المسؤول عنه"

سمعت صوت من بالطرف الآخر وهو يقول بعد ان اختفت كل لمحة من السخرية بصوته البارد
"لا تقلقي كل شيء تحت السيطرة ، وما حدث معكِ بسببهم حسابه قادم ولن يمر بدون عقاب"

عضت على طرف شفتيها بشرود واجم لوهلة وقبل ان تجيب عليه كان الهاتف ينتشل منها بقوة وبلحظة غفلة ، لتستدير بعدها للخلف بعنف حتى التفت معها خصل متحررة من ذيل حصانها لتستقر على جانب وجهها ما ان توقفت بصدمة شلتها عن الحركة وهي تكتشف هوية المزعج والذي قطع عليها تواصلها على الهاتف بوقاحة .

اتسعت حدقتيها بوجل ما ان رفع الهاتف لأذنه لتندفع عندها بسرعة وهي تضرب على ذراعه الممسك بالهاتف ليقع منه بعيدا وهو ينزلق على الأرض حتى وصل بلحظات لأسفل المكتب من خلفه ، وما ان حاولت ان تخطو بعيدا عنه حتى اوقفتها اليد التي امسكت بذراعها بقسوة لتديرها نحوه بعنف وهو يشير بذراعه الآخر جانبا هامسا بخفوت خطير فاجئها
"مع من كنتِ تتكلمين يا ماسة ، ولما منعتني من التعرف على هوية المتصل"

نقلت نظراتها ناحيته وهي تتلوى بعيدا عنه هامسة بشراسة قاتمة
"انا التي عليها الغضب هنا لأنك تجرأت واخذت الهاتف مني ، وغير هذا تسألني بكل بساطة عن هوية المتصل بعد ان حاولت التجسس على خصوصياتي"

عقد حاجبيه الاسودين بقوة وهو يشدد من تكبيل ذراعها مقدما وجهه امامها قائلا بتصلب بارد
"لدي كل الحق يا ألماستي ، فأنا خطيبك إذا كنتِ قد نسيتِ وزوجك ولدي كل الحقوق بالتدخل بشؤون زوجتي وكل تفاصيل حياتها الخاصة بدون اي حواجز"

تنفست بقوة وهي ترفع حاجبيها ببطء مستفز بلحظة هامسة بخفوت عابس
"تريد ان تعرف المزيد عن حياتي لكي تجعلها نقطة سوداء تعايرني بها بالمستقبل وسلاح تستخدمه لتهددني به لأقبل بهذه العلاقة المشؤومة"

تصلبت ملامحه لثواني حتى سمعت صوت احتكاك اسنانه ببعضها بتصلب وكأنها قد اصابت هدفها المنشود بنجاح لتزعزع بروده وسلام حياته بطريقة شنيعة لم يعرفها مع احد من قبل سوى مع هذه الساحرة الشريرة ! لتستغل عندها هفوته اللحظية وهي تنفض ذراعها بعيدا عنه قبل ان تتجه للمكتب من فورها وهي تجثو امامه على ركبتيها لتحاول مد ذراعها على اقصاها لتصل لهاتفها بالأسفل ، وما ان فعلت حتى شعرت بيد اخرى تمسك بيدها بقبضة صلبة حتى كادت تحطم مفاصل اصابعها لتدفعها بلحظة لتفلت هاتفها قبل ان يمسك به بدلا عنها .

استقامت بجلوسها بسرعة وهي تلتفت بغضب للذي ابتعد عنها وهو يمسك بهاتفها قبل ان يقف امامها ببساطة ، ليلوح عندها بالهاتف وهو يقول بهدوء مريب
"هل لهذه الدرجة متلهفة لتحصلي على الهاتف وتتابعي مكالمتك المهمة"

تغضن جبينها بوجوم للحظات وهي تنظر بتوجس مما هو مقدم عليه بملامح وجهه الباردة والتي تقلبت فجأة بشكل يدعوّ للشك على شخص غير مبالي مثله تحول بلحظة لشخص آخر شبيه برجال العصابات والذين قابلتهم كثيرا من قبل ؟ ليحدث عندها ما توقعته تماما وهي تنظر لذراعه وهي ترتفع عاليا قبل ان تلقي بالهاتف بعيدا بلحظة ليضرب الجدار بكل قوة حتى سمعت صوت تقطع الجهاز لأشلاء بعد ان تحمل خدمتها لسنوات لينتهي نهاية مأساوية .

اخفضت نظراتها لقطع الجهاز الملقى بزاوية الجدار وهي تنظر له بأسى وحزن تتلون به ملامحها لأول مرة ! لتتنفس بعدها بشفتين مرتجفتين وهي تقف على قدميها ببطء دام للحظات ويدها تمسح على خدها الجليدي تلقائياً .

قبضت على يديها بتشنج لبرهة وهي تمسك بحزام حقيبتها فوق مكتبها بنفس برودها ، لتتحرك بعدها عدة خطوات باتجاه باب مكتبها قبل ان تقف بلحظة وهي تعطيه ظهرها لتهمس عندها بجفاء قاسي
"انا اقدم استقالتي من هذا العمل ، وشكرا لك مقدما على هذه الوظيفة ، واتمنى كل سوء الحظ لك ولسكرتيرتك القادمة والتي ستبتلي بالعمل معك"

ارتفع حاجبيه بوجوم وهو ينظر لخروجها البارد والمتناقض عن كلماتها القاسية ببرودة جليدية ، فقط لو يفهم كيف هي تركيبة هذا العقل والذي تحمله فوق رأسها بعد ان حطم هاتفها امام عينيها وبدل ان تنفعل وتغضب على ما حدث خرجت من الموضوع بسلاسة بدون ان تسمح له بالاستمتاع بلذة الانتصار عليها ؟ فكيف تستطيع التصرف هكذا ودفعه ليخرج دائما اسوء ما بداخله لم يعرفه هو بنفسه ؟

_____________________________
كان يقود السيارة بأقصى سرعة ممكنة بالطريق الفارغ والمظلم امامه نسبيا بموعد غروب الشمس وهو يقطع الطرقات بثواني بسيارته الفارهة مثل الوحش الكاسر حتى كاد يتسبب بأكثر من مرة بحادث وشيك مع المركبات الاخرى ببداية رحلته بدون ان يأبه بأحد ولا بسرعة السيارة والتي تجاوزت الحد المسموح به بالقانون ، بينما كانت ملامح وجهه لا تعبر سوى عن الشر الاسود والمكبوت بداخله منذ سنوات ينتظر الطريقة المثلى والتي يستطيع بها إخراجه من جحره ليستطيع عندها التداوي والشفاء من جروح الماضي وهو يحرر كل ما يكنه بداخل سواد روحه والتي لوثتها ظلم وعجز الايام ........

بدأ يخفف من سرعة السيارة تدريجيا حتى توقفت بالنهاية عند زاوية الطريق بهدوء بعد ان شعر بخمول تام يتسرب لأنحاء جسده ببطء شديد شبيه بالمخدر ، رفع بعدها ذراعه وهو يريحها فوق عينيه ورأسه متراجع لمسند الكرسي بصمت تام فقط انفاسه هي ما كانت تشاركه نفس السمفونية الحزينة بعد ان تفارق جسده لتعود إليه بكل مرة محملة بغبار الماضي ، ليترك بعدها خيوط الماضي وهي تقيد رأسه بنفس الشبكة العنكبوتية وبتعذيب لا نهائي وهي تحمله ذنب كل ما حدث بحياته منذ اللحظة الأولى وتحديدا منذ وفاة والده ورحيله عن هذه الحياة ليترك امرأة وطفلين بهذه الحياة بدون اي سند سوى المسمى بشقيق الأب .

تصلبت ذراعه بقوة ما ان عاد لتلك اللحظة المشؤومة وسبب كرهه العدائي لذلك الرجل والذي زاد اضعاف مع كل تصرف يخرج منه اقبح من سابقه ، وهذا حدث بعد وفاة شقيقته الصغرى مقتولة برصاصة اصابت قلبها لتوديها قتيلا قبل ان تصل للمشفى وكل هذا حدث بحرب العصابات والتي لم تكن سوى ضحية بها ، بوقتها كان يقف امامه بوجه مصدوم باستنكار وهو يصرخ به بعدم تصديق
"كيف فعلت هذا ، كان من المفروض ان يعاقب القاتل والسبب الرئيسي بدخول غنوة لذلك العالم ، كيف استطعت ان تتركه حر طليق وتغلق القضية وتزيف الحقائق بهذه الطريقة....."

كان يتنفس الشاب والذي يقارب بداية العشرين من عمره بقوة وبملامح يمزجها الاسى والحزن الشديد وهو الذي لم يخرج بعد من صدمة وفاة تلك الطفلة والتي تولى مسؤوليتها كاملة مع والدته ليعوضها عن كل النقص بحياتها وعدم وجود الوالد بعالمهما ، ليتلقى خبر وفاتها وبطريقة شنيعة لم تخطر على باله مثل الصاعقة والتي ضربت كل ترتيبات حياته وكل منطق كان يعيش عليه ! اجاب الجبل الواقف امامه والذي يعتبر السند الوحيد والمتبقي لهذه العائلة والمسؤول عن كل شيء يخص حياتهم وهو يبتسم له بهدوء غير معبر بدون ان يؤثر به وفاة ابنة شقيقه ولو قليلا
"قبل ان تبدأ بمحاسبتي بقراراتي وبكل شيء افعله بحياتكم ، عليك ان تعلم بأن تلك التي تسميها طفلة كانت على علاقة بشاب يكون عضو من عصابة شغب ، لذا توقف عن ألقاء اللوم على كل من تراه امامك بسبب مقتل تلك العاهرة ، فهي بالنهاية قد حصدت نتائج افعالها"

رفع الشاب وجهه وهو يحافظ على ثباته والمعتاد عليه قائلا بشبه ابتسامة قاسية
"ولكن هذا لا ينفي بأنها قد قتلت على ايديهم وبرصاصة من سلاحهم بعد ان استدرجوها لمخبئهم ، لذا على القاتل الحقيقي ان يحاسب بما اقترفه ، وايضا انا واثق بنزاهة شقيقتي من كل هذا وبأنها لم تدخل لتلك العلاقة سوى بخداع واحتيال من احدهم لينصب لها هذا الفخ والذي وقعت به بمنتهى البساطة"

عبست ملامحه بخطوط وجهه الحادة بازدراء وهو يتمتم باقتضاب
"اخبرتك بأنها ليست طفلة حتى لا تفرق بين الصواب والخطأ بل هي مراهقة قد تجاوزت عمر الخامسة عشر ، وايضا ماذا سيفيد الإمساك بالمجرم الحقيقي بما انها قد قتلت بحرب عصابات وشغب يوجد بها الكثير من القتلة والمجرمين ، هل تعلم كم تبلغ اعدادهم بها"

اتسعت ابتسامته بسخرية بملامح وجهه السمراء بدون ان يخفي الحزن بها وهو يهمس باستهزاء
"وكيف تريدني ان اعلم عن مثل هذه الأمور ، هل تظنني انتمي لذلك العالم الرخيص والذي تعمل به وتدير اعمالك به ، فأنا اكيد لست مثلك ومثل ابنك ولا يشرفني ابدا ان اكون جزء من تلك الحقارة والدناءة والتي تعيشون عليها ، انا فقط اريد استعادت حق شقيقتي واخذ ثأري منه والذي لن يهدأ قبل ان اجرعه الألم والذي جرعه لنا ، واعلم جيدا بأنك تعلم من هو"

اشاح بوجهه بلا مبالاة وهو يهمس ببرود
"ومن الذي اخبرك بأني اعلم هوية القاتل"

ازدادت ابتسامته شراسة وهو يتمتم بعيون تقدح شرا باحمرار قاتم
"لأنك اكثر من يعلم عن عالم الإجرام والعصابات وكل شيء موجود به ، وليس هناك خافية تخفى عنك ، وانا متيقن بأنك لم تغلق القضية وتزيف حقائقها سوى لأسباب معينة ولأهداف حقيرة"

اعاد وجهه ناحيته بهدوء ولدقائق طويلة قبل ان تتسع ابتسامته ببطء ليضحك عندها بهدوء مستفز اشعل فتيل الواقف امامه ، ليتراجع بعدها بخطواته امام مكتبه وهو يلتقط رزمة من المال من على سطح المكتب قبل ان يلقي بها بلحظة امام قدميّ المقابل له وهو يشير امامه قائلا ببساطة
"خذ هذا المال فهو نصيبك من حق مقتل تلك العاهرة ، ويمكنك الاستمتاع به مع والدتك ، وهذا كرم مني لأني قبلت مقاسمتك بهذا المال والذي يكون مقابل حق شقيقتك وإسقاط التهمة عن المجرم"

اتسعت حدقتيه السوداء بصدمة ممزوجة بالذهول وهي تلفه بدوامة الحقائق والتي لا تثبت له سوى شيء واحد ! ليهمس بعدها بلحظات بنبرة جافة اختفت معها كل معنى للحروف
"هل راهنت على حياة غنوة"

حرك رأسه وهو يلوح بذراعه قائلا باستخفاف
"لا تقل هكذا ، بل هي مجرد لعبة تبادل نحن نحصل على مبلغ من المال مقابل ان نغلق اصابع الاتهام عن المجرم ، وهكذا يكون الطرفين رابح"

تصلب الشاب بمكانه للحظات وكأنه يحاول تمالك نفسه واستعادت كلامه والذي يثبت اكثر قبح تصرفه وسهولة تقبل إسقاط حقه عن ابنة شقيقه المقتولة فقط من اجل كسب مبلغ من المال ! ليندفع بعدها لا إراديا بلحظة وبدون ان يمنع نفسه وهو يمسك بياقة الواقف امامه صارخا وهو يزمجر بوجهه بوحشية تخرج منه لأول مرة امام هذا الرجل
"كيف تجرأت على فعل هذا......."

تأوه بألم وهو يتراجع للخلف ما ان لكمه الواقف امامه بمعدته بمهارة معتاد عليها بالتعامل مع الخونة بحكم عمله ، ليجثو عندها الآخر على ركبتيه بإنهاك شل حركته وهو يحدق بالأوراق المالية والمتساقطة امامه بعجز ، ليسمع بعدها صوت الواقف امامه ويده تمسك بمقدمة شعره القصير بقسوة قائلا بتحذير خطر
"إياك ولتجرأ على فعلها مجددا يا ابن مصعب ، فلا تنسى بأنك انت ووالدتك ما تزالون تعيشون على صدقاتي واموالي ، وحتى المنزل يمكنني بسهولة تجريدكم منه ، لذا احذر مرة اخرى وانتبه لحركاتك فأنت ستكون المسؤول عن دمار بقايا عائلتك ، وتذكر بأن تلك العاهرة هي التي دخلت بتلك العلاقة المشبوهة بإرادتها الحرة مع تلك العصابة وبدون اي تردد لتكون خسارتها بالنهاية فادحة وكبيرة جدا وهي تشوه سمعة العائلة وسمعتها معها"

اخفض ذراعه بقوة مخرجا نفسه من هذه الدوامة المظلمة ومن تلك الكلمات والتي ما تزال تتردد بذهنه ليومه هذا لتثبت اكثر ضعفه وعجزه امام جبروت ذلك الرجل والمعروف بزعيم العصابات والأعمال الخطيرة بالبلد ، وكل خضوعه له وقبوله بتلك الحياة فقط من اجل ألا يجردهما من كل شيء وهذا ليس بعيد عنه وكله بسبب عدم اثبات ملكية المنزل بإسم والده قبل رحيله .

اخفض رأسه قليلا للأسفل وهو يسند يديه فوق ركبتيه ليعود لذهنه صورة اخرى ما تزال محفورة برأسه كذكرى تلاحقه منذ اعوام وهي تزيد فتيل حريق قلبه ، عندما كان يسير بممر المشفى الطويل والمظلم قبل ان يصل لسمعه صوت باكي ضعيف ينشج بألم وهو يتردد بأنحاء المكان
"هيا يا صغيرتي استيقظي ، ماما هنا لن تترككِ وحدكِ مجددا ، هيا يا حبيبة والدتك افتحي عينيكِ"

امسك بإطار باب الغرفة بدون ان يتجرأ على الدخول ما ان ظهر المشهد امامه متجسد بكل معاني الألم وتلك المرأة المتشحة بالسواد تعانق ذلك الجسد الهزيل والذي اختفى منه كل معاني الحياة بعد ان فارقت روحه جسده ليكون بهذا الشكل المؤلم والذي يذيب الصخر بقسوته ، بينما ما تزال تلك المرأة تكرر كلماتها وهي تستنجد بها وكأنها تستطيع سماعها وتشعر بها ويدها تمسح بأمومة على ذلك الشعر الاسود الطويل وهو ينزل لأسفل السرير مثل الحرير والشيء الوحيد والذي ما يزال حيّ بها ، ليتراجع بعدها بسرعة بلحظة بعيدا عن باب الغرفة قبل ان يسند ظهره بالجدار البارد من خلفه وهو يرفع يده ليضغط بأصابع كفه على وجهه وهو يجهش ببكاء صامت بدون ان يصدر اي صوت فقط يخرج التنهدات من روحه ومن قلبه والذي انهكه العجز وهو يودع روح تربت على يديه وتعلقت به لتتركه وحيدا ينازع بذنبها وبحقها المسلوب منه للآن .....

زفر انفاسه بهدوء وببطء وهو يريح جبينه على مقود السيارة ودمعة فارقت مقلتيه السوداء بهدوء وهذه المرة ليس حزنا او عجزا على شقيقته الوحيدة بل قهرا وحقدا على النار والتي ما تزال تشتعل بأحشاء روحه والتي لن تهدأ قبل ان يجعل الجميع يتجرع منها وهذا ما سيحدث قريبا .

______________________________
سارت لداخل حديقة المنزل بعد ان تجاوزت البوابة الخارجية لتتجه من فورها للطريق المؤدي لمدخل المنزل وهي تطرق الأرض بقدميها بسخط واضح منذ مغادرتها بناء الشركة وشفتيها ترتجفان بتمتمات حاقدة تعبر عن مدى غضبها والذي لن يهدأ قبل ان تحطم رأس فريستها والسبب بما وصلت له الآن ، فهي لم تتعرض بحياتها لكل هذا الذل والهوان ألا على يديّ زوج والدتها وبعد ان حطم كرامتها مع الهاتف وكل هذا ليس ما يحرق اعصابها وما يزيدها فتيلا بروحها بل جرأته على التدخل بخصوصياتها بدون اي حق بشكل يدفعها للجنون لم يتجرأ احد على فعلها ولا حتى زوج والدتها (قيس) !

تجمدت بمكانها بتصلب ما ان تجاوزت بوابة المنزل وهي تواجه اجواء غريبة تحوم بأنحاء المكان دفعت غريزتها للحذر مما يدور من حولها ، لتظهر بعدها امامها شقيقتها والتي كانت تسير باتجاهها باتزان ، قبل ان تقف مقابلة لها تماما وهي تبتسم لها باتساع وبعيون خضراء حانية لا تراها سوى بالمناسبات المهمة وعندما تصل امومتها لأقصى درجاتها وكأنها تظهر بهذه الطريقة حبها الكبير لابنتها !

فتحت شفتيها عدة مرات قبل ان تعود للتصلب بمكانها لوهلة ما ان انقضت عليها الواقفة امامها وهي تعانق جسدها بقوة وكأنها تبث بها سعادتها العاطفية والتي خلقت معها بفطرتها الأمومية بدون ان تفهم سبب ما يحدث معها ؟ فمن بين كل تقلباتها اليومية هذا الاكثر غرابة منها ؟

عقدت حاجبيها بحدة ما ان تكلمت التي كانت تربت على شعرها وهي تهمس بفرحة امومية
"مبروك يا صغيرتي ، مبروك يا ماسة"

تجمدت ملامحها للحظات قبل ان تنتفض باندفاع وهي تتراجع للخلف هامسة بانفعال حانق
"ما لذي يجري هنا ، أهذه مسرحية جديدة"

ضحكت من فورها بخفة وكأنها قد سمعت نكتة مضحكة للتو وهذا يخالف طبيعة (روميساء) التي تعرفها والبعيدة عن الواقفة امامها ! ليزيد تعقيد ملامحها الجليدية بحنق وهي تكاد تصاب بالجنون ما ان تابعت المقابلة لها وهي تقول ببساطة بالغة
"هذه مزحة ظريفة منكِ يا ماسة"

زمت شفتيها بوجوم وهي تكاد تنفجر بوجهها لتتوقف عن هذه الشخصية الساخرة امامها ، وما ان كانت على وشك فعلها حتى توقفت وهي تحيد بحدقتيها الزرقاوين بحيرة باتجاه الذي كان يسير نحوهما قبل ان يتوقف بجانب الأخرى وهو يقول بنفس الابتسامة الحنونة وكأنها عدوة واصابته من زوجته لتوديها للجنون
"مبروك يا ماسة ، واتمنى لكِ السعادة حقا ، وصدقيني لقد سعدت كثيرا بمعرفتي بهذا الخبر"

ارتفع حاجبيها بوجوم وهي تحاول تحليل كلامه المبهم مثل زوجته والذي ضرب كل ذرة عقل متبقية برأسها ! لتتنقل بنظرها بينهما بتفكير للحظات قبل ان تستقر على صاحب العبارة الأخيرة وهي توجه كلامها له هامسة بابتسامة ممتعضة
"على ماذا ، هلا اوضحت كلامك اكثر"

نظر كليهما لبعضهما بحيرة لبرهة قبل ان ينقلا نظرهما لصاحبة السؤال بوجوم ، لتتقدم بعدها (روميساء) امامها عدة خطوات وهي تمسك بذراعها قائلة بتوجس بعد ان اختفى المرح من ملامحها
"ماذا هناك يا ماسة ، هل انتِ بخير"

ابتسمت بسخرية التي ابتعدت عنها وهي تنفض ذراعها للأسفل قائلة باستنكار حاد
"عليكِ ان تسألي نفسكِ وزوجكِ هذا السؤال وليس لي ، فليس انا من كنت اتكلم بالألغاز والكلام المبهم منذ عودتي من العمل وانتم لا تكفون عن التصرف معي بغرابة"

تابعت بعدها كلامها وهي تتجاهل نظرات شقيقتها المشدوهة لتوجه كلامها هذه المرة للواقف بجانبها لا يقل صدمة عنها قائلة بسخرية مقيتة
"رجاءً يا احمد هلا اعدت روميساء لطبيعتها القديمة ، فهذه الشخصية التي تحولت عليها لا تطاق ابدا ولم تعجبني بتاتا ، يكفي التقلبات والتي عليّ تحملها منها كل يوم بسبب تدهور علاقتكما الزوجية......"

قاطعتها التي خرجت من صدمتها وهي تقول بعبوس صارم عاد ليغزو ملامحها الشاحبة
"ماسة كفى"

صمتت بالفعل للحظات قبل ان تبتسم بطرافة وهي تقول ببرود
"هذا رائع ، كم انا سعيدة لعودتكِ يا روميساء"

اندفعت المقابلة لها وهي تمسك بكتفيها بقوة قائلة بحزم قاطع
"اصمتِ يا ماسة ، هل حقا لا تعلمين ماذا سيحدث اليوم بعد دقائق"

تأففت بنفاذ صبر وهي تجيبها بلا مبالاة
"وماذا سيحدث مثلا"

ارتفع حاجبيها بدهشة وببعض الضيق لبرهة قبل ان تعود لصرامتها المعتادة وهي تخفض يديها عن كتفيها لتمسك بيدها قائلة بهدوء مريب
"تعالي معي وستعلمين ماذا سيحدث"

عقدت حاجبيها بوجوم بدون ان تسمح لها بالتعليق على كلامها وهي تسحبها معها بقوة باتجاه بهو المنزل الواسع بدون ان تأبه باعتراضها ، وما ان وصلت كليهما للمكان والذي دفعها لترفع رأسها حتى اتسعت مقلتيها الزرقاوين بانشداه متوجس وهي توزع نظراتها بالمكان والذي تغير كلياً عن السابق بالزينة الخفيفة والشرائط المنتشرة بأنحاء المنزل بجمال ، ولكن اكثر ما لفت انتباهها هي الطاولة المستديرة والتي تحوي باقة ازهار بكل الألوان موضوعة بالمنتصف ويستقر عند اطراف الطاولة ورقة وقلم امام كل واحد من الطرفين بدون ان تفهم الفائدة منهما ؟!

نقلت نظراتها بحدة للواقفة بجانبها وهي تهمس بجفاء خافت
"ما هذا"

نظرت بعيدا عنها وهي تهمس بابتسامة شاردة
"هذه تجهيزات عقد قرانك"

امتعضت ملامحها الباردة بلحظة وهي تعيد انظارها للتجهيزات امامها والتي من المفترض ان تكون لعقد قرانها المزعوم كما يقولون وتسمع وهي آخر من يعلم عنه ؟

كانت ملامحها تشحب تدريجيا بتحجر بدون ان يشعر احد بالجحيم المنبثق من صميم روحها فقط مقلتيها البحرية هي الشيء الوحيد والذي ينطق بالأمواج الغائمة والصراعات والتي تلوج بأعماق دواخلها وبرفض بدائي يخرج من نقطة صغيرة ببحار هائجة على وشك التحرر من قيودها لابتلاع كل ما يقف امامها على اليابسة ، فهل وصل به التبجح للتحكم بروحها وتقييد حريتها لعمل هذا العرض التافه بدون ان يخبرها بشيء عنه ؟ فقط لكي يخضعها تحت تصرفه رغما عنها وينتقم من تصرفها الأخير وتحررها من قيد العمل بتلك الشركة والذي اخطأت بشدة باليوم والذي رهنت به حياتها بتلك الوظيفة الحقيرة ؟ ولكن ما نفع الندم الآن وهي تشاهد حياتها تنهار رويدا رويدا بعد ان تخلصت من بقايا الماضي لتأتي قيود جديدة عليها رهن حياتها بها مجددا !

اندفعت الدماء الحارة فجأة بأنحاء جسدها وبغريزتها والتي انتفضت بداخل تحجر روحها لتحررها من هول المفاجئة وهي تتراجع بخطواتها ببطء وبعشوائية وشفتيها تنطقان بالرفض الغريزي والذي تعايشت معه وعلى أتقان كتمانه بداخلها واسقاط الحق بنطقه منذ شبت عن الطوق ، وقبل ان يستقر تفكيرها بنقطة محددة تخرجها من هذه الحالة كانت تصطدم بالجسد الصلب والذي شعرت بتصلبه يطغى على شحنات وتشنجات جسدها المنتفض لا إراديا ، ليختفي عندها كل هذا بلحظة ما ان جاء الصوت الاجش من خلفها ببرودة وبثقة نخرت عظامها القاسية وبيديه واللتين استقرتا على كتفيها بقوة بعثت الرهبة بأوصالها
"إلى اين يا ألماستي"

رمشت بمقلتيها عدة مرات ما ان عادت البرودة المتناقضة للاستيلاء على روحها وهي تنطق بشراسة بدائية وبخفوت حاقد
"توقف عن نطق هذا الاسم......"

صمتت عن الكلام نهائيا ما ان عاد صوته لينخر مفاصلها وهو يدلك على كتفيها بتعمد هامسا بتحذير بارد غير مبالي بما يدور من حولهما
"ولكنه يعجبني هكذا وهذا هو ما يهم ، واما رأيكِ فسنفكر به بعد عقد القران والذي سيحدد مسار العلاقة بيننا ، وبعدها سنتفرغ للأسماء والتي سنطلقها عليكِ"

تجمدت للحظات وهي تهمس بضيق خافت
"كفى....."

ابتلعت المتبقي من كلامها بحشرجة مؤلمة ما ان انحنى بجانب اذنها بقرب مهول بالنسبة لها وهو يتجاوز حدود لم يستطع احد تجاوزها من قبل حتى شعرت بجسده وهو يلتصق بمنحنيات جسدها من الخلف بدون ان يسمح لها بالتنفس حتى ! ليهمس بعدها بكلمات هادئة وبأنفاس باردة تخللت بأذنها بقوة
"تذكري يا ماسة عليكِ دائما الحذر بأي خطوة تتخذينها بحياتك المقبلة ، واي تصرف يخرج منكِ ستحاسبين عليه بما تستحقين ، فنحن لا نريد الغوص مجددا بذلك العالم المخفي والذي لا يعلم عنه سوانا ، واتمنى حقا ان يبقى دائما محصور بيننا ، أليس هذا اقصى امنياتك"

قبضت على يديها بقوة وهي تتنفس بأنفاس منفعلة بدون ان تتجرأ على الكلام بعد ان احكم قيد لسانها بحكم حياتها الماضية والتي ستوديها يوما للهاوية ، وهي لا تصدق لأي مستوى منحط ستصل إليه بسبب خطأ اقترفته بالماضي لم يكن يوما بيدها ؟

تدخلت من كانت تنظر لهما بحيرة وببعض الحياء وهي تهمس بتوجس
"هل كل شيء على ما يرام"

ردّ عليها من عاد لقناع المرح وبابتسامة هادئة وهو يلتفت نحوها بدون ان يبتعد عن الساكنة امامه قائلا
"لا تقلقي يا روميساء كل شيء بأفضل ما يمكن"

ردت عليه بابتسامة مرتبكة وهي توجه نظراتها للساكنة بمكانها
"حسنا ، ألن تذهب ماسة لتجهز نفسها من اجل عقد قرانكما"

حرك رأسه باتجاه الواقفة امامه وهو يلوح بذراعه قائلا ببساطة
"لا داعي يا روميساء ، فهو مجرد عقد قران ولن يتواجد به احد سوى العائلة"

اخترق الصمت صوت (احمد) والقادم من بعيد وهو يقول بجدية هادئة
"المأذون وصل ، هل انتم مستعدون"

التفت (شادي) بوجهه نحوه وهو يومأ برأسه قائلا بهدوء
"نحن جاهزون يا احمد ، اتركه يدخل"

وما ان غادر (احمد) من المكان حتى وجه كلامه للواقفة بالقرب منهما وهو يقول لها بنفس ابتسامته الهادئة بجمود
"روميساء هلا ذهبتي واحضرتِ خالكِ محراب ليحضر عقد قران ابنه وابنة شقيقته"

اومأت برأسها بصمت وهي تنقل نظراتها بوجوم للساكنة بمكانها بصمت مريب قبل ان تغادر من المكان بأكمله حيث طلب منها ، ليحل بعدها الصمت بأنحاء المنزل للحظات والذي فرغ ألا منهما قبل ان يقطعه الذي امسك بيد الساكنة امامه ليديرها نحوه غصبا بدون ان يأبه بملامحها الغاضبة والتي تجلت امامه واضحة وهو يرفع ذراعه ليعيد بيده خصلاتها المتهدله عند جبينها والخصلات العالقة عند وجنتيها الحمراوين هامسا بصوت اجش بارد
"عليكِ ان تكوني بأبهى صوركِ ، فهذا عقد قرانكِ عزيزتي"

زم شفتيه بعبث ما ان اخفضت جفنيها الحمراوين قليلا على احداقها بصمت وهي ترخي اعصابها بالكامل لتعزل نفسها بعالمها بعيدا عن كل من حولها ، ليعطيه الحرية عندها بالدوران بنظره على ملامحها الثلجية والتي تعادل بياض قميصها الناصع فقط شفتيها القانية هي التي تناقض صفاء بشرتها بشكل يخطف الأنظار ويثير غريزة التأمل بداخله ، ليتلمس بعدها بأطراف اصابعه على جبينها العريض برفق للحظات قبل ان يحط بشفتيه على صفحة جبينها وهو يمسك بيده الأخرى مؤخرة رأسها متمتما بين تنهداته بكلمات هادئة وروية بعثت الرعشة والحرارة بأطرافها الساكنة لأول مرة
"كل شيء سيكون بخير انا اعدكِ"

_______________________________
كانت تنقل الملابس من الخزانة لتدسها بحقيبتها بعشوائية وبملامح متلبدة بالغيوم العاصفة وهذا بعد ما شهدته اليوم من تجريح وإهانة بحق ذاتها وتقييد معنوي وجسدي تجاوز كل الحدود ، وهي تلتزم الصمت غصبا طول الساعات الماضية وبعقد قرانها المزعوم بذلك المشهد المسرحي والذي ربطها بذلك الرباط الأبدي بدون إرادة منها ، وبعد ان انتهت من كل تلك المهزلة بتوقيع حياتها وارتباطها مع شخص آخر حتى غادرت بسرعة تقودها اقدامها لغرفتها بقوة خائرة لتخرج عندها العواصف والتي داست عليها اكثر مما ينبغي وكتمتها مع انفاسها ، ولكن هذا لن يدوم طويلا ما ان تضع له حداً وبخروجها من حياته كما خرجت من قبل من حياة (قيس) وكما خرجت من حياة الجميع ، فهي لطالما كانت وستبقى الهامش الملقى بزاوية من هذه الحياة الخاوية وهذا ما ستفعله الآن ! وبعدها يمكنه فعل ما يشاء بثقته تلك ولو بفضح اسرارها المدفونة عندما تكون قد رحلت بعيدا مع ماضيها المشوه ومع العالم الاجرامي والذي وصمت به .

قاطعت عليها شرودها الغائم دخول احدهم للغرفة قبل ان تشعر بتصلبه من خلفها ما ان وقعت نظراته على الخزائن المفتوحة والحقيبة بيدها لتقول عندها بتوجس حائر
"ماسة ، ماذا تفعلين ، وعلى ماذا تنوين....."

قالت بعنفوان التي استدارت نحوها بعيدا عن الخزانة وهي تقول بسخرية قاتمة
"أليس هذا واضحا امامكِ ، لقد قررت ان اخرج من حياة الجميع لأريحكم مني"

عبست ملامح (روميساء) بعدم تصديق ممزوج بالذهول قبل ان يتحول كل هذا بلحظة ما ان عادت المقابلة لها لدس الملابس بحقيبتها بعنف ، لتتنهد بعدها بيأس وهي توجه نظراتها نحوها بقوة قائلة بوجوم
"هذا ليس وقت السخرية يا ماسة ، فأنا جادة بما اقوله ، اين ستخرجين من المنزل بهذا الوقت وبجنح الظلام"

ردت عليها التي كانت ما تزال تلقي بكل شيء امامها بحقيبتها من على الطاولة قائلة بلا مبالاة
"وانا ايضا جادة بكلامي ، وهذه المرة سأرحل للأبد وليس مثل المرة السابقة"

رفعت قبضتها لجبينها وهي تمسد عليها بتفكير مستاء قبل ان تقول بابتسامة صارمة بهدوء
"رجاءً يا ماسة توقفي عن هذه التصرفات الغير مسؤولة ، إذا كانت المشكلة تكمن بعقد قرانك مع شادي فقط كان عليكِ ان ترفضي ببساطة بدون ان تزيدي من تعقيد حياتكِ هكذا ، وكأنه ينقصنا المزيد من المشاكل بعد ان بدأ كل شيء بالاستقرار اخيرا"

توقفت التي كانت تنظر لحقيبتها بجمود لوهلة قبل ان ترفع وجهها امامها وهي تبتسم ملوحة بذراعها هامسة باستياء ساخر
"لا داعي لكل هذا القلق على المشاكل والتي قد تحصل معكِ بسببي ، فأنا اعدكِ بأنني باللحظة والتي اخرج بها من هنا سيعود عندها الاستقرار لحياة الجميع ، وبخصوص عقد قراني من شادي فأنا منذ اللحظة الأولى لم ابدي اي موافقة عليه ولكنكِ انتِ التي لم تري رفضي للفكرة بأكملها وكل ما يهمك هو ان اصبح قريبة عائلة زوجك"

اتسعت حدقتيها الخضراوين لثواني بصدمة مع انعقاد حاجبيها بضيق لتهمس بعدها بلحظات بابتسامة غير معبرة
"انتِ حقا لن تتغيري ابدا يا ماسة ، دائما تسيئين الظن بالآخرين ، لو انكِ تخبريني فقط بما يدور برأسكِ الآن لوجدنا حل لأغلب مشاكلك"

ردت عليها من اخفضت حدقتيها الزرقاوين بسكون وهي تغلق سحاب حقيبتها بعنف قائلة ببرود
"هذا لأنكِ لم تفهميني يوماً يا روميساء"

ساد الصمت الثقيل المحمل ببرودة الأجواء بينهما للحظات ألا من صوت طرقات الهواء والتي كانت تحتك بزجاج نافذة الغرفة بنغمة مزعجة ! ليقطع السكون بينهما التي تحركت وهي تمسك بحزام حقيبتها قبل ان تسير بثبات باتجاه باب الغرفة وهي تتجاوز الساكنة عند إطار باب الغرفة بصمت قاتم .

كانت تسير بعجلة التي وصلت للرواق بدون ان تأبه بخطوات التي كانت تسير من خلفها ، لتصل بعدها للسلالم وهي تنزلها كل درجتين معا حتى كادت تتعرقل بأحد عتباتها قبل ان تثبت نفسها لوهلة وهي تكمل باقي درجات السلم بنفس الجمود .

وما ان وصلت لبهو المنزل الواسع حتى شعرت بخطوات التي وصلت لها بثواني لتمسك بعدها بذراعها بقوة وهي توقف حركتها صارخة بها بصرامة
"كفى جنونا يا ماسة وتعقلي ، هل تظنين نفسكِ متحررة وليس هناك من احد يسأل عنكِ وعن امرك"

لكنها لم تصغي لها وهي تحاول تحرير ذراعها صارخة بانفعال حانق
"انا مجنونة ، اتركيني وشأني"

لتزيد من سحب ذراعها الممسكة بالحقيبة بتشبث حتى سقطت منها الحقيبة ارضا وبعض من الملابس قد خرجت منها بسبب عدم احكام اغلاقها ، وما ان حاولت الانحناء امام الحقيبة بلحظة حتى سبقتها الاخرى وهي تلتقط الحقيبة من على الأرض لتلوح بها امامها قائلة بأمر حازم
"لن تذهبي يا ماسة لأي مكان ، انا شقيقتك الكبرى وامركِ بالبقاء بالمنزل"

زمت شفتيها بحنق لبرهة وهي تنفض ذراعيها للأسفل باستياء لتتراجع بعدها للخلف بلحظات وهي تقول بابتسامة ساخرة
"حسنا يا شقيقتي الكبرى ، كما تشائين"

وبعد كلماتها استدارت بجسدها للأمام قبل ان تتابع سيرها بعيدا عنها بلا مبالاة باتجاه باب المنزل ، ونظراتها تتابعها بصدمة مشدوهة اخذتها بعيدا للحظات قبل ان تعود للواقع وهي ما تزال تنظر بأثرها بذهول لتقول عندها بامتعاض خافت
"تلك الوقحة"

وما ان كانت على وشك اللحاق بتلك المجنونة حتى اوقفتها الذراع والتي ظهرت امامها فجأة ، لتلتفت عندها بلحظة بوجهها لصاحب هذه الذراع والذي قال لها من فوره بابتسامة هادئة بثقة
"لا داعي للقلق على شقيقتكِ يا روميساء ، فأنا موجود هنا ، وقد حان دور زوجها ليحل هو مشاكل زوجته المجنونة بنفسه ويكبح جماحها وبدون اي تدخل من احد"

فغرت شفتيها لوهلة بدون ان تجد الكلمات المناسبة والتي تعبر بها عن حالتها بهذه اللحظة بالذات وبدون حتى ان ينتظر تعليقها كان يتجاوزها بعيدا باتجاه باب المنزل ، ليخرج هو ايضا خلف الأخرى بعد ان تركها لوحدها مع حقيبة الملابس وقبل ان تخرج من حالة الذهول والتي دخلت بها الآن من كل ما جرى امامها !

بهذه الأثناء كانت تسير (ماسة) باتجاه البوابة الخارجية للمنزل بخطوات جامدة ونظراتها مسلطة امامها بدون اي تعبير فقط خصلاتها السوداء المتحررة هي ما كانت تضرب بملامح وجهها بقوة والهواء من حولها يعبر عن حالتها الآن وهو يكاد ينخر عظامها من تحت ملابسها الخفيفة بهذا الوقت من الليل ، توقفت بعدها خطواتها بهدوء ما ان ظهر امامها حرس البوابة ، لترفع بعدها بلحظة عينيها الباهتة بدموع حبيسة من لفح الهواء البارد لها وكأنه يصفعها بقسوة !

تنهدت بحنق وهي تتمتم للرجلين الواقفين امامها بنفاذ صبر
"هلا ابتعدتما عن طريقي ، فأنتما تسدان الطريق امامي"

نظر الرجلين لبعضهما لثواني قبل ان يعودا بنظرهما لها ليقول لها احدهما بعملية جادة
"لا نستطيع يا آنسة فهناك أوامر تطلب منا عدم السماح لكِ بالخروج ، لذا ارجوكِ لا تضطرينا لاستخدام العنف معكِ"

عقدت حاجبيها ببطء مذهول وهي تحاول استيعاب الكلام والذي كان ينطق به هذا المعتوه ؟ لتهمس بعدها من فورها ما ان استعادت تركيزها وبأنفاس حادة بانفعال
"ماذا كنت تقول الآن ، تريد ان توقفني ، إذاً تعال وتجرأ إذا استطعت"

وقبل ان تصدر منهما اي حركة كانت تدفع كليهما معا عن طريقها بذراعيها بقسوة وهي تكمل طريقها وكأن شيء لم يكن ، وما ان كانا سيلحقان بها حتى ظهرت اضواء سيارة مخترقة الظلام من حولهم كانت تسير امام التي توقفت بتجمد وهي تكاد تلامس مقدمة السيارة التي توقفت امامها تماما ، ليتقدم بعدها الرجلين بسرعة وهما يقفان بجانب التي جمدتها الصدمة عن الحركة واحدهما يمسك بذراعها قائلا بقوة
"سيدي لقد حاولت الهروب منا و......"

تأوه الرجل بألم ما ان داست الواقفة بجانبه على قدمه بقسوة وهي تنفض ذراعها بعيدا عنه صارخة به بغضب
"إياك وان تقترب مني مجددا وألا كسرت عظامك"

تراجع الرجل للخلف بوجل وهو يخفض رأسه قائلا بإحراج الخزي
"انا اعتذر يا آنسة ، سامحيني لن اعيدها مجددا"

اشاحت بوجهها بعيدا عنه ببرود وهي تنظر للنوافذ الأمامية المعتمة ولصاحب السيارة الواقفة امامها ، بينما كان الجالس خلف المقود يبتسم باتساع صامت وبنظرات متأملة بتمهل للكائن الوحشي القابع امامه والذي اعتى الرجال لا يستطيعون الوقوف امامه وهذا ما اثبتته له الآن ولمرتين على التوالي مرة مع حارس البوابة الآن ومرة مع رجل العصابة ذاك بدون ان تهاب احد ! وهو لا يفهم طبيعة هذه القوة الغريزية البعيدة عن الأنوثة والموجودة بها والتي لا تظهر سوى عندما يتجرأ احدهم على التطاول عليها ؟ فهل السبب يكمن من تعايشها بين رجال العصابات منذ طفولتها ام انها غريزة خلقت معها ؟

حرك رأسه بهدوء وهو يلاحظ نظراتها المسلطة عليه بجمود بدون ان تخفي الحقد المتدفق بهما ، ليُخرج بعدها رأسه من طرف النافذة وهو يلوح بيده قائلا بأمر جاد
"هذا يكفي ، يمكنكما المغادرة الآن لقد انتهت مهمتكما"

حرك الرجلين رأسيهما بطاعة قبل ان يغادرا بعيدا ليعودا لمكان عملهما ، بينما خرج من السيارة الذي كان يبتسم لها بهدوء وهو يسير نحوها بصمت واضعا يديه بجيبي بنطاله باستفزاز ، واما الساكنة بمكانها فقد كانت ما تزال متمسكة بصمتها القاتل ونظراتها لا تفارق عينيه بتحدي بارد .

وما ان وقف امامها تماما حتى رفع حاجبيه بتعجب وهو يقول بابتسامة ماكرة
"لم يكن عليكِ التعامل هكذا مع الحرس يا مجرمة ، فبالنهاية هم يؤدون وظائفهم لا اكثر"

ادارت وجهها بعيدا عنه بصمت بينما تابع الواقف بجانبها كلامه وهو يوجه نظره بعيدا عنها
"بالمناسبة اين كنتِ تريدين الذهاب بهذا الوقت من الليل والذي لا يتواجد به سوى الكلاب الجائعة بحثا عن الفريسة السهلة"

قبضت على يديها بقهر بلحظة وهي تهمس تلقائياً بتشنج خافت بدون ان تلتفت له
"انت من طلبت من الحرس ان يمنعوني من المغادرة بشتى الطرق"

ردّ عليها وهو يقترب منها خطوة اخرى قائلا بابتسامة جانبية بخفوت
"اعتقد هذا ، فأنا قد طلبت منهم بالفعل بأي ينتبهوا من حيوان طليق انثوي المظهر ينوي الهروب من قفصه وقد يحاول خداعهم بمظهره اللطيف والذي يكون عكس ما بداخله تماما ، ولكن يبدو بأنهم لم ينتبهوا وحصلوا على تبعات خطأهم بالسماح لذاك الحيوان بالفرار منهم"

كانت تتنفس بحدة وهي تخرج من بين اسنانها نفير الهواء البارد والذي كان يزيد جسدها انقباضا ليس من برودة الهواء بل من الغضب الشرس والذي كان يتسرب لروحها تلقائيا ، لتتجاهل بعدها كل ما تشعر به وهي تعود للتحرك باتجاه معاكس عنه وقبل ان تخطو بعيدا عنه كان يمسك بذراعها بلحظة ليسحبها معه من فوره باتجاه سيارته وهو يقول بهدوء بارد
"لقد اضعنا الكثير من الوقت بهذا الجدال ، ولكن بما انكِ مصرة على الخروج ، فأنا من المستحيل ان ارفض لكِ اول طلب ترغب به زوجتي بيوم عقد قرانها"

تجمدت ملامحها لوهلة وقبل ان تفهم مغزى كلامه كان يلقي بها بداخل السيارة وهو يغلق الباب من خلفها بإحكام ؟ ليدور حول السيارة بثواني قبل ان يركب بمقعد السائق وهو يشغل محرك السيارة ناظرا بطرف عينيه لملامحها المصدومة بانذهال وكم كان يليق بها اكثر من الجمود والذي يحوم من حولها ويطفو فوق ملامحها دائما ! ليهمس بعدها بصوت اجش وبابتسامة جانبية بغموض
"اهدئي يا ألماستي ، فأنتِ الآن ستخوضين بمغامرة ستخلد من اجمل ذكرياتكِ بحياتكِ الزوجية المدهشة والتي ستمحي كل ما يتعلق بحياتكِ السابقة الاجرامية"

عضت على طرف شفتيها الحمراوين بغضب مكتوم وهي تدير نظراتها بعيدا عنه بتأفف واضح ، بينما تجاهل تعابير وجهها الساخطة وهو يتحرك بالسيارة بعيدا عن المنزل وبعيدا عن كل البشر من حولهما فقط بعض اللحظات القليلة لهما بعيدا عن ضجة البشر .....

يتبع.............

روز علي 14-08-21 10:08 PM

دخل للمنزل والذي كان يسود به الظلام الحالك ألا من بعض الإضاءة الخافتة والمنتشرة بالمكان الواسع وخاصة الإنارة القوية والتي كانت قادمة باتجاه ممر المطبخ ، ليتحرك بعدها بخطواته بجمود وبدون ان يصدر اي صوت باتجاه بهو المنزل قبل ان يجلس فوق الاريكة والملقاة بمنتصف المكان وهو يمسد على جبينه بأصابعه بألم مبرح ما يزال يلازمه منذ ذلك النقاش الحاد مع والدته وهو يعيد كل غبار الماضي وحقد الأيام ليملئ قلبه بذاك السواد من جديد والمحمل به منذ سنوات حتى اثقل كاهل قلبه واتعبه .

اخفض نظراته بقتامة وهو يرهف السمع لصوت الخطوات الخافتة المتجهة نحوه مع حفيف اطراف العباءة الطويلة والتي يستطيع تمييز صوتها بصمت المكان ، ليتبعها بعدها بلحظات صوت الصينية المعدنية وهي ترتطم بالطاولة الخشبية امامه بعد ان ألقتها فوقها ببساطة ! ليرفع بعدها نظراته قليلا للصينية والتي كانت تحوي اطباق من الطعام والمقبلات ومعها رغيف كبير من الخبز .

اشاح بنظراته جانبا وهو يتمتم بجفاء
"لست جائعاً"

ردت عليه المقابلة له وهي تلوح بذراعها بضيق ممزوج بالحزن
"ومن اخبرك بأن هذا الطعام لك ، لقد احضرته من اجل ان تأخذه للفتاة المسجونة بالغرفة والتي لم تسأل عنها منذ احضرتها لي وكلفتني مسؤولية حمل ذنبها برقبتي ، وانت غير مبالي بشيء"

اعاد نظراته للأمام بصمت وكأنه قد تذكر الآن شيئا مهماً كان قد غفل عنه وعن وجوده بحياته من الأساس ! ليرفع بعدها نظراته لوالدته والتي كان يظهر عليها إمارات الحزن ممزوجة بالقهر الشديد وبعض من الحسرة والتي لا يستطيع احد لمحها بسواد مقلتيها سوى من عايش معها مأساتها .

قال بعدها بلحظات بجمود حاد
"ألم تخرج من غرفتها منذ الصباح"

حركت رأسها بالنفي بحزن وهي تهمس بخفوت متوجس
"لا لم تخرج بتاتا منذ احضرتها للمنزل ، وحتى انها لم تأكل شيئاً منذ الصباح ، لذا ارجوك بني خذ لها هذا الطعام قبل ان يصيبها مكروه ونصبح بمصيبة جديدة نحن بغنى عنها ، رجاءِ لك بني افعل ما اقوله لك لا اريد المزيد من وجع القلب يكفي ما نحن فيه الآن"

حرك رأسه بعيدا عنها ببرود قبل ان يقف امامها بلحظات وهو يلتقط الصينية من على الطاولة بصمت ، ليستدير بعدها بهدوء وهو يكمل طريقه باتجاه الممر المؤدي للغرف وامام نظراتها الدامعة بغصة تكاد تفتك ببقايا قلب اضناه التعب والارهاق .

بينما وصل (جواد) امام الغرفة المطلوبة قبل ان يطرق على بابها عدة طرقات بقوة وعندما لم يسمع اي اجابة من الموجودة بالداخل فتح عندها الباب بلحظة بجمود وبدون اي مقدمات ، ليقابل عندها الظلام الدامس والهدوء المخيم بالغرفة بشعور بالخواء بدأ يجتاح افكاره ويبعث الظنون برأسه ، وما ان كان على وشك الاستدارة للخروج حتى وقعت نظراته على الجسد الساكن خلف طرف السرير المقابل لا يظهر منه سوى شلالات شعرها العسلية والمستريحة معها ، ليتقدم بعدها بسرعة عدة خطوات باتجاه الجسد والذي تجلى امامه واضحا بمشهد خلاب سلب عقله عن التفكير للحظات كالعادة بكل مرة تقع عينيه عليها وكأنها طاقة خيالية تحيط بها تلقيها على كل من يقع عينيه عليها بدون إرادة منه لتدخله بدوامة سحرها الخاص !

عقد حاجبيه السوداوين بتركيز وهو يتأمل النائمة امامه ارضا والتي كانت تسند ظهرها لطرف السرير ورأسها ملقى بجانبها بنصف استلقاء بينما تحيطها تموجات شعرها العسلية حتى وصلت للأرض بجانب ساقيها وكأنها ستار تغطي بها جسدها وتقييه من برد الليل ، واما ملامحها فقد كانت ساكنة تماما بنعومة تقاسيم وجهها وابتسامة تحتل شفتيها الورديتين بحالمية وكأنها تغوص بعالمها الآخر والبعيد كل البعد عن واقعها وهي تعيش بسبات طويل وبأحلامها الخالية من وجوده ، وكم كان يود بهذه اللحظة بالذات لو يخترق ذاك العالم الآخر والذي ينسجه عقلها الباطن ليدخل لأحلامها ويكتشف عندها السبب لكل هذا الانسجام والمتجلي بملامحها والذي يدعوها للابتسام هكذا ؟

عبست ملامحه لبرهة عند هذه الأفكار السخيفة وما وصل له تفكيره من انحدار ، ليحرك بعدها عينيه بعيدا وهو يحاول اعادة السيطرة على زمام الأمور وبحدة عادت لاكتساح ملامحه بلحظات بجمود وهو يذكر نفسه بمكان هذه الفتاة واصل عائلتها والمختبئة برداء البراءة والتي وصلت بهم الدناءة ليفكروا برشوة عمه فقط ليبعدوا اصابع الاتهام عن ابنهم القاتل والذي احتال على طفلة صغيرة كانت مجرد وسيلة وصفقة ليرضي بها اسياده المجرمين ، ولم يخسر عندها احد سوى عائلة المجني عليه وقلوبهم المحروقة على براءة تلك الطفلة والتي ضاعت بين حقارة البشر.......

شدد من القبض على طرف الصينية بتشنج لوهلة قبل ان يلقي بها بعنف لتسقط بلحظة امامها بقوة وهي تخرج صوت مثل دوى المدافع على رخام الأرضية الصلبة ، لينتفض عندها الجسد النائم بوجل على صوت وقوع الصينية قبل ان تتسع مقلتيها لوهلة على اقصاهما وهي توزع نظراتها بارتباك من حولها قبل ان ترفعها من فورها للذي ما يزال واقف من فوقها بطوله الفارع وبملامحه والتي ازدادت قتامة مع ظلام الغرفة والتي لا ينيرها سوى ضوء القمر والظاهر من زجاج النافذة ليظهر مثل الكابوس وهو يخترق هالة احلامها الوردية والتي كانت تغوص بها للتو بعيدا عن الواقع المؤلم .

تنفست بارتجاف احتل اطرافها لثواني وهي تشعر ببرد قارص يتخلل لمفاصلها ليصل لصميم روحها الموحشة ولقلبها والذي غلفه جليد قسوته ، رفعت بعدها يدها بهدوء وهي تعيد خصلات شعرها بعشوائية لخلف كتفيها وبعيدا عن جانبي وجهها ، لتخفض عندها نظراتها للصينية امامها وسبب يقظتها من سباتها بدون ان تفهم كيف وقعت امامها هكذا ؟

قال بعدها بلحظات الجبل الواقف امامها وهو يجيب على افكارها المتلاطمة والتي لم تطرحها بعد
"هذه صينية طعامك جهزتها والدتي من اجلك ، ولا اعلم لما تقلق هكذا بشأن طعامك ، فأنتِ اكيد لن تموتي إذا لم تتناولي الطعام"

زمت شفتيها بارتجاف وألم طغى على كل عضلة بجسدها المنتفض من طريقة نومها وهي لم تتوقع ان يغمض لها جفن وتغفو بمكانها ألا بعد ان اثقل قلبها بالبكاء لساعات طويلة اجهدت قواها الجسدية والنفسية معا ! استقامت بعدها بجلوسها وهي تحاول النهوض من مكانها بيديها المرتخيتين وبمفاصلها والتي تأن ألم واستغاثة مما يحصل معها وتتعرض له منذ ساعات بل منذ بداية يومها ، لتنجح بالنهاية بتصليب جسدها وهي تقف امامه ببطء شديد ضاغطة على كل نقاط ضعفها وهي تمثل القوة امامه لتبدو انهزامية ورقيقة اكثر من اي مرة سابقة وهذا اكثر ما يعيبها بالحياة ، وكم تتمنى بهذه اللحظة لو تتحلى قليلا من عزيمة (ماسة) والتي لا يهابها شيء بالحياة ولا بكسر القلب والذي يكون ابعد ما يكون عن قلبها الجليدي !

ابعدت خصلات شعرها الحريرية بهدوء لخلف اذنيها وهي ترفع مقلتيها العسليتين باحمرار طفيف وآثار تعب البكاء متجلية عليها بوضوح حتى للأعمى ، قالت بعدها بهمس حزين وهي تحاول ان تخفي نبرة الخذلان به
"بماذا اذنبت اخبرني ، بماذا اذنبت معك لتعاملني بهذه الطريقة القاسية وكأني لست زوجتك ، ولما ايضا كذبت عليّ ، ما هو الداعي لكل هذا الكذب وانت ببساطة كان بإمكانك قول الحقيقة منذ البداية"

حدق بها للحظات شعرت بها مثل الدهور بدون ان تتبين شيء بملامحه الصخرية والتي لم تكن سوى تزداد قتامة سوداء بعينيها بدون ان تفهمها ؟ لينطق بعدها الجسد المتصلب امامها وهو يتنقل بنظره بعيدا عنها وبعد ان غاب الجمود عن ملامحه قليلا
"لما كنتِ نائمة على الأرض بينما يمكنكِ النوم على السرير ، ولما لم تخرجي لمساعدة والدتي كما طلبت منكِ ام انكِ تودين البدء بعصيان اوامري من الآن"

عبست ملامحها بقوة وهي ترفع قبضتها لصدرها هامسة بحزن عميق بدون ان تأبه بتجاهله لأسئلتها السابقة ولرغبته الواضحة بعدم التكلم معها
"لم تجبني على اسئلتي يا جواد ، اخبرني ارجوك وارح قلبي"

اعاد نظراته السوداء ناحيتها لبرهة وهو يتمتم بتصلب مشتد
"لقد طرحتِ الكثير من الأسئلة ، وهذا غير مسموح به هنا إذا كنتِ تريدين المحافظة على حياتكِ كما هي ، لذا تناولي طعامكِ بصمت وبدون اي اسئلة فارغة لا داعي لها"

اندفعت نحوه ما ان استدار بجسده بعيدا عنها بلحظة وهو ينوي الخروج من الغرفة لتتمسك بذراعه لا إرادياً وهي تهمس ببكاء عاد للبريق بمقلتيها العسليتين بحرارة
"لا يا جواد ليس مجددا ، لن ادعك تهرب هذه المرة بدون جواب....."

تراجعت للخلف بوجل ما ان نفض ذراعه بعيدا عنها ليستدير امامها بلحظة قبل ان يكبل ذراعيها بقسوة وهو يهمس امام وجهها القريب منه بانفعال مكبوت
"اخبرتكِ ان تتوقفي عن هذا يا صفاء ، لما تحبين دائما ان تخرجي الجانب الآخر مني والذي لن يعجب كلينا وسيعذبكِ انتِ خاصة ، وعندها لن تتحملي ما سيحدث لكِ يا صغيرة ، اعلم بأنكِ تهوين تمثيل دور الحمامة الرقيقة واللعب على اعصابي دائما ، انا اعطيتكِ مهلة هو مجرد شهر فقط وبهذا الوقت حاولي التخفيف من هذه التمثيلية الرخيصة فقط من اجل حياة هادئة لكلينا ، فهمتي"

ابتلعت ريقها برهبة لوهلة مع غصتها وهي تنحر روحها ببطء معذب بدون رحمة شلت حركة حنجرتها لثواني لتصيبها بالخرس للحظات ، ولم تشعر بعدها بالدمعة الصغيرة المتسللة من مقلتها بعد ان فقدت التحكم بعضلة عينيها والسابحة بالدموع الحارة ، بينما تصلبت قبضتيه على ذراعيها بتشنج بلحظة وهو يتتبع حركة الدمعة الهاربة والمتسربة بنعومة ملامحها قبل ان تعلق فوق شفتيها لثواني ، لتلين عندها ملامحه قليلا بانقباض وهو يقترب بدون إرادة من شفتيها والتي اجتاحها بقسوة قبلته ليمسح الدمعة المالحة عنها ويتذوق من رحيق وردية شفتيها ونعومتها كما كل شيء بها ......

ابتعد عنها بلحظة ما ان لاحظ تشنج جسدها بين يديه بعد ان شح منها الهواء ، ليرخي بعدها قبضتيه عن ذراعيها وهو يتراجع قليلا بجسده عنها ليراقبها وهي تأخذ عدة انفاس بصعوبة مثل عصفور صغير ينازع بالحياة مخفضة رأسها قليلا امامه !

تنفس بتصلب وهو يفلت ذراعيها بسرعة ليتخلل عندها شعره الاسود بأصابعه بقوة خائرة تسللت لمفاصله بعد ان ألقته بدوامة سحرها والتي ارتشفت كل حقد كان يكنه نحوها منذ الصباح بطريقة ألجمت تفكيره ! فما سر هذه الفتاة والتي لا تقوى على مجابهته وفقط تنفس الهواء مهمة صعبة عليها ؟

استدار بلحظات نافضا رأسه من كل هذه الأفكار ليسير عندها باتجاه باب الغرفة قبل ان يقف بالقرب منه بلحظة وهو يقول بهدوء جاف خاوي
"هذه المرة لن احاسبكِ على عدم تنفيذ اوامري ، ولكن من الغد ستبدأين بمساعدة والدتي بكل شيء تحتاجه وبكل شيء ينقصها ، وإذا تكرر ما حدث اليوم مجددا فلن يمر يومكِ على خير ، وتذكري بأن والدتي ليست مضطرة لتخدمكِ وتهتم بطعامك بل انتِ من عليكِ خدمتها هنا ، هل كلامي مفهوم"

وقبل ان يسمع اي اجابة منها كان يغادر من الغرفة بأكملها باندفاع وهو يشعر بصوت انفاسها المتلاحقة بخفوت ما يزال يتبعه بشكل يدعوّ للجنون ، ولا يعلم كيف سينتهي هذا الشهر بدون ان يضطر للدخول بعلاقة اخرى معها ستكلفه الكثير ؟ فكل ما يهمه ان يتخلص من هذا الحِمل ويبرد نار قلبه بطريقة لا تخالف مبادئه عندما تعود تلك الحمامة لعائلتها محملة بالذل والعار والذي سيوصم بتلك العائلة للأبد......

_______________________________
توقفت السيارة بعشوائية عند طرف الطريق العشبي بخط منحرف بسبب الارض الخصبة واللينة امام عجلات السيارة الرياضية والتي غاص جزء منها بتلك التربة ، وما ان فتح قفل ابواب السيارة حتى خرجت الساكنة بجانبه طول الرحلة والتي استغرقت منهما ساعات وهي تخرج من باب السيارة ليقابلها البرد القارص بهذا الوقت من الليل ، اخفضت نظراتها لحذائيها الرياضيين ما ان شعرت بليونة التربة من تحتها بسبب تساقط الامطار الدائمة بهذا الوقت من السنة والذي يكون به فصل الشتاء على اوجهه .

كتفت ذراعيها بقوة وهي تشعر بالبرودة تتخلل قماش قميصها الخفيف وكم لعنت نفسها حينها لأنها لم ترتدي سترتها الشتوية لتقييها من جنون هذا الجو وخاصة بمكان مفتوح بمثل هذه الاماكن الريفية والمقطوعة عن البشر ، رفعت بعدها عينيها الدامعة من لفح الهواء لهما للمنزل امامها والذي لم تعيره اهتماما بالبداية وهو يبدو انيق المظهر من زجاج النوافذ الوردية به وبطلاء ممزوج بين الابيض والاخضر بتناسق مثير ليترك اللون الابيض بصورة خلفية المنزل الامامية بينما تلون الاخضر بحواف النوافذ وبالمدخنة بالأعلى وبسقف مستدير وكأنه قد صمم ليدعو فقط للراحة لكل الناظرين إليه من هيئته الخارجية .....

عضت على طرف شفتيها بتشنج ما ان شعرت بخطواته المقتربة وهي تغوص بالتربة اللينة بخفوت ، لتتحرك من فورها تلقائياً وهي تتجه بطريق معاكس بعيدا عن المنزل وباتجاه الغابة والمحيطة بالمكان وبدون ان تعطيه انتباها ، لتشعر عندها بخطواته وهي تبتعد عن مجرى سمعها للحظات قبل ان يعود صوتها للاقتراب منها بتباطء وهو يسير من خلفها على بعد مسافة قصيرة منها بدون ان يقطعها بينهما وكأنه يتعمد صنع هذا الحاجز الوهمي بينهما بدون ان يتجرأ اي احد منهما على قطعه وصمت الليل الحالك يرافق رحلتهما الموحشة ألا من بعض اصوات حشرات الليل والتي تصر على اختراق هالة وحدتهما !

كان يراقبها عن كثب وحدقتيه تتابع مسار سيرها بالطريق العشبي بغموض وهو يتفحص كل اطراف جسدها المشدود والظاهر من تحت قماش قميصها الخفيف والذي يكاد ان يتمزق من جبهات الهواء البارد بدون ان يغفل عن جزء بها ، وهو ينتظر إلى اين ستصل نهاية مقاومتها الواهية ؟ والواضحة للأعمى من طريقة تصليب جسدها النحيل وتشنجاته الظاهرة على صفحة ظهرها بدون ان يخفيها شفافية قميصها والذي لا يناسب هذه الاجواء ! وهو لا يعلم للآن ما لذي تريد ان تثبته بهذه الحركات سوى غباء غير محدود ومجازفة بحياتها عندما تفقد جسدها من البرد الجليدي ولا يتبقى عندها سوى كبريائها وغرورها الاحمق ؟

توقف فجأة لبرهة وهو يعقد حاجبيه بقوة عند نقطة معينة ليقول عندها بحزم آمر
"هذا يكفي يا ماسة ، هيا بنا لنعود للمنزل ، فليس من الجيد التجول بهذا الوقت ، ويمكنكِ التجول بالغد صباحا"

ضيق عينيه بحدة عندما لم تماثل لأمره وهي مستمرة بالسير بطريقها بنفس الثبات وكأنه ليس له وجود بمحيط عالمها البارد ، ليزفر عندها انفاسه بغضب وهو يعود للسير بخطوات واسعة قائلا بصرامة قاطعة
"ماسة توقفي عن تجاهلي واستمعي لكلامي ، فأنا جاد تماما بما اقوله ، التجول هنا غير مناسب بهذا الوقت ، وغير هذا لقد ابتعدنا عن المنزل بما فيه الكفاية"

عبست ملامحه عندما لم تعطيه انتباها وقد ظن بأنها ستبقى على صمتها المقيت هذا حتى تتحول لقطعة جليد لتخالف عندها توقعاته وهي تنطق بخفوت جليدي وبدون ان تستدير له
"إذا كنت خائف على نفسك لهذه الدرجة ، فيمكنك العودة من حيث اتيت لم يمنعك احد ، ولا تقلق بشأني فالمجرمة هذه تحملت امورا اسوء من الموت بردا ، لذا لا تهتم لذلك"

تغضن جبينه بامتقاع من جوابها والذي لم يزد الاجواء بينهما سوى برودا وهي تستمر بتشكيل الحواجز الوهمية بينهما وكأنها هواية لا تتقنها سوى امامه لتبقيه دائما بدور المشاهد كما الآن ، ليندفع بعدها بلحظة ما ان تذكر شيئاً وهو يزيد من تسارع خطواته قائلا بانفعال حاد
"ماسة قلت توقفي الآن وفورا ، فأنتِ لا تعلمين حتى إلى اين ذاهبة......"

تجمد بمكانه مع خطواته وهي تخفت ما ان سمع الشهقة المرتفعة من الجسد امامه والذي انحدر للأسفل قبل ان يسمع صوت سقوطه بمنبع ماء ، عاد للسير بجري ما ان افاق من صدمته ليقف بعدها بلحظات فوق منبع الماء وهو ينظر بتفحص للجسد والذي سقط من لحظة جالسا بمنتصف بحيرة صغيرة وإمارات الألم واضحة على وجهها البارد وبعض من الوحل كان قد لطخ ذراعيها وقميصها والذي تمزق من اطرافه بعنف سقوطها على صخور البحيرة القاسية .

وضع يديه بجيبي بنطاله لوهلة وهو يقول بثقة مستفزة
"حذرتكِ بأن المكان خطر ولا يناسب التجول به بهذا الوقت بسبب الظلام الحالك وبحيرات المياه المنتشرة بالمكان ، ولكنكِ دائما لا تستمعين لأحد سوى لغروركِ الاحمق والذي اوصلكِ لما انتِ فيه الآن"

عضت على طرف شفتيها بغضب مكتوم حتى شعرت بطعم الدماء بداخل فمها بسبب الألم والذي تعرضت له من السقوط العنيف وهي لم ترى امامها هذا المنبع بسبب الظلام الحالك المنتشر بالمكان كما قال لينتهي حالها بنهاية مأساوية لم تتوقعها بحياتها ! حتى انها لم تعد تشعر بباقي عظام جسدها والذي تيبس من الهواء البارد لتكتمل مع هذا السقوط والذي مزق ليس ملابسها فقط بل كرامتها معها .

رفعت مقلتيها الزرقاوين بغضب للواقف من فوق الجرف وقد وجد وسيلة ليسخر منها ويتسلى من حالها والتي وصلت لها ، لتقول بعدها بلحظة بعنف وهي تتنفس بجمود
"كل الذي يحدث معي بسببك ، وانا متأكدة الآن بأنك كنت تتمنى لي هذا ، هل انت سعيد بما حدث لي الآن"

اتسعت ابتسامته باستخفاف وهو يزيد من جحيم غضبها والمتوهج بزرقة مقلتيها ، ليعقد بعدها حاجبيه وهو يتجول بعينيه على جسدها بتفكير وكأنه يتفحص حالها قبل ان يقول ببساطة
"لقد اخطئتِ الظن بي مجددا ، فأنا اكيد لا اتمنى السوء لأحد ، وحتى لو كان ذلك الشخص من ألد اعدائي فكيف لو كانت زوجتي"

عبست ملامحها بضيق لبرهة وانفاسها تزداد حدة قبل ان تلوح بذراعها بغضب وهي ترشق الماء عليه صارخة بانفعال
"ابتعد عني وارحل من هنا ، اللعنة عليك"

تراجع برأسه للخلف وهو يمسك بطرف سترته والتي وصلها قطرات من الماء ليوجه عندها نظراته ناحيتها وهو يهمس بقنوط وبحاجب واحد مستفز
"لم ارى بحياتي شخص متوحش اكثر منكِ ، لقد بللتِ ملابسي الجديدة بقطرات الماء ، إذا كنتِ تحبين اللعب بالماء فأنا لا احب"

حركت رأسها جانبا بضيق وهي تحاول تمالك نفسها وما تبقى لديها من كرامة لتخرج بها حية ، لتصلب عندها ذراعيها بجانبي ساقيها وهي تحاول النهوض بهما من الماء بدون فائدة وكأن مفاصلها قد شلت عن الحركة من الماء الجليدي والذي تخلل لعظامها وسكن هناك ، بينما كان الواقف امامها يتابعها باهتمام قبل ان يزفر انفاسه بملل وهو ينحني بجذعه امامها ليمد ذراعه لها قائلا بهدوء
"هيا اعطيني يدكِ لنخرج من هنا قبل ان تتحنطي بمكانك من برودة الماء"

نقلت نظرها ليده الممدودة للحظات قبل ان تدفعها بذراعها الملوثة بعنف ، لتحاول مجددا النهوض بكل قوتها الخائرة وما ان حركت ساقيها قليلا حتى عادت للغرق بالماء اكثر من السابق وهي تشعر بكل جزء بجسدها قد تخلل به الماء البارد حتى اصبحت ملابسها مجرد خرق قماش بالية لا فائدة منها امام الماء الهادر بجسدها !

تنفست بارتجاف احتل جسدها بالكامل وهي تعيد خصلات شعرها المبللة والتي التصقت بكل من وجنتيها وعنقها لخلف اذنيها بعنف ، لتنظر بعدها ليده والتي عاد لرفعها نحوها وهو يقول بابتسامة هادئة
"هل انتهينا من هذا ام تريدين اعادة المحاولة حتى تتحطم عظامكِ بالكامل"

زمت شفتيها بوجوم وهي تمسك بيده بكفها الملوثة بالتراب لتمسك بعدها بكفها الآخر بذراعه ، وما هي ألا لحظات حتى رأى نفسه وهو يقع بالبحيرة بجانبها ما ان دفعت ذراعه للأسفل بحركة مراوغة ليسقط بالماء معها بلمح البصر !

انتفض جالسا بلحظة وهو يمسح وجهه بيديه من الماء ليرجع شعره الاسود للخلف بعنف بعد ان تبلل بالكامل ، وهو يستمع لصوتها البارد وهي تهمس بجانبه بمكر
"اعتذر ولكن كما تعلم يديّ مبللتان بالماء ، لذا لم استطع الامساك بك جيدا ، اتمنى ألا تكون تكنُ لي السوء الآن"

تنفس بكبت حانق وهو يلتفت بوجهه نحوها بقوة ليتوقف عندها حابسا انفاسه للحظات مما يراه وهو يحدق بوجهها القريب منه ببشرتها الرخامية شديدة الصفاء بينما وجنتيها وشفتيها يتلونان بحمرة قانية وقطرات الماء تتسلل بمنحنيات وتفاصيل وجهها الدقيقة والتي تطغى عليها حمرة وردية جديدة من برودة الجو من حولهما ، بينما خصلات شعرها السوداء تناقض بياض بشرتها وهي تلتصق بجانبي وجهها بفوضة محببة وتلمع مع ضوء القمر الظاهر خلف السحب والذي كان يعكس ضياءه ايضا بمقلتيها الزرقاوين والسابحتين بدموع الماء بتوهج غريب يلفت الانظار وكأنها بحيرات صغيرة احتلت عينيها الفاتنتين ......

ادار عينيه جانبا بلحظة ما ان اشاحت بالمقابل الساكنة بجانبه بوجهها بعيدا عنه ، ليقول بعدها بثواني بابتسامة ساخرة بجمود ناظرا لحاله والذي وصل له الآن
"هل انتِ سعيدة الآن ، بعد ان اصبحنا متعادلين"

ردت عليه ببرود مبتسم وهي تدير حدقتيها ناحيته
"بل اكثر من سعيدة"

ارتفع حاجبيه بوجوم لبرهة وقد كان يتوقع مثل هذا الجواب منها ولكن ما لم يتوقعه هو رؤية ابتسامتها والتي اتسعت بغموض لأول مرة وهي تحفر بوجنتيها المحمرتين لتزيد لمعان بحيرات مقلتيها ببريق غريب ! رفع بعدها يده تلقائياً بدون ان يمنع نفسه ليمسح قطرات الماء عن وجنتها المحمرة بأصبعه الابهام بلحظة وعن دموع البحيرة العالقة عند جفنيها الورديين .

تنهد بعدها بلحظات وهو يندفع واقفا امامها قبل ان يرفع يديه لينفض جانبي سترته بقوة وهو يتمتم بنفاذ صبر
"هيا لقد اكتفيت من كل هذا الصراع ، يكفي ما حصل لنا للآن"

رفعت نظراتها نحوه وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها هامسة بخفوت باهت
"صدقني لو كنت استطيع العودة بالزمن لما حصل لنا كل هذا"

حانت منه التفاته نحوها للحظات بضيق قبل ان يزفر انفاسه باستياء وهو ينحني جاثيا امامها ليغوص ذراعيه بالماء تحت جسدها قبل ان يحمله عاليا بخفة وهو يهمس بصوت اجش واجم
"اما انا فأريد رؤية المستقبل وليس العودة بالزمن ، لأعرف عندها ما هي نهاية هذه العلاقة"

رفعت ذراعيها الملوثين بالتراب لتتمسك بتعمد بعنقه بتشبث وهي تعبث بأصابعها ياقة سترته بصمت ، لتقول بعدها بابتسامة جانبية باستهزاء
"لا تحاول لأنه بكل الأحوال لن تعجبك النهاية يا ابن الفكهاني ، لذا فكر الآن بحال ملابسك وليس بشيء آخر"

اخفض نظراته لحال ملابسه الانيقة والفاخرة والتي اصبح يرثى لها بعد ان لوثتها بملابسها الملطخة بالوحل والتراب وبذراعيها واللتين تتعمد الصاقهما بعنقه بحيلة جديدة اصبح يفهمها ، ليتنهد بعدها باقتضاب لثواني وهو يحاول الخروج من نبع الماء بأكمله ، ليقول بعدها بابتسامة جامدة وهو يسير بها بعيدا وبطريق العودة
"عليكِ ان تفكري انتِ بنفسكِ يا حورية البحر وبحالتكِ المخزية والتي ستدفع الحوريات للانتحار على جمال دفن حيا عند رؤيتكِ"

______________________________
كانت تسير حول نفسها بتخبط بحلقات مفرغة وهي تمسك بالهاتف عند اذنها لتعيد الاتصال على نفس الرقم بدون يأس او ملل كلما سمعت صوت المجيب الآلي والذي كان يقطع الخط بعدها بدون ان يوصلها للطرف الآخر ، انتفضت بعدها بلحظات وهي تتوقف بمكانها لتخفض عندها ذراعها الممسكة بالهاتف وهي تدير وجهها بذات الوقت باتجاه المكان والذي دخل منه صاحب النظرات الهادئة وهو يقول بصوته الجاد بخشونة طبيعية
"لا تقلقي يا روميساء ، كل شيء على ما يرام"

ضيقت حدقتيها الخضراوين بشحوب لبرهة وهي تحاول استيعاب مغزى كلامه قبل ان تندفع نحوه بلحظات لتقف امامه مباشرة وهي ترفع عينيها المتسعتين امامه قائلة بصرامة منفعلة
"ماذا تقصد بأن كل شيء على ما يرام ، هل من المفروض ان ارتاح الآن بعد كلامك ، لقد اخبرتك بأن ماسة قد خرجت من المنزل منذ قليل وبدون اي ملابس او مكان تذهب إليه"

زفر انفاسه بضيق وهو يرفع رأسه بعيدا عن نظراتها الاتهامية وكأنه هو الذي تسبب برحيل شقيقتها عن المنزل وهي تضعه دائما بموقع المتهم الظالم ؟ ولا يفهم للآن السبب والذي جعل شقيقه المجنون يقدم على هذه الخطوة الواسعة بعقد قرانه بتلك الطفلة الجامحة ؟ فهل فرغ الكوكب من الفتيات ليقع اختياره عليها تحديدا ؟

اعاد نظراته الرمادية نحوها بهدوء ما ان تمسكت بسترته بيديها بتشبث وهي تتحول كلياً لتختفي الصرامة عن ملامحها بثواني ويحل الضعف على حدقتيها المتسعتين بحزن هامسة بخفوت متوسل
"ارجوك يا احمد ابحث عن ماسة واعدها للمنزل ، انا قلقة من ان يحدث لها مكروه او ان تؤذي نفسها فهي عندما تجن تفقد عقلها....."

قاطعها بسرعة من امسك بيديها بقوة فوق سترته وهو يهمس بابتسامة هادئة باطمئنان
"اهدئي يا روميساء ، لقد اخبرتكِ بأن كل شيء على ما يرام فقد علمت من حراس الأمن بالخارج بأن ماسة لم تغادر لوحدها بل ذهبت بصحبة شادي والذي اصطحبها معه بالسيارة ، لذا اهدئي الآن واطمئني فهي بلا شك ستكون بأمان مع زوجها وخطيبها"

فغرت شفتيها الممتلئتين لثواني بانشداه ما ان تذكرت كلام (شادي) عند باب المنزل قبل ان يلحق بها ، فهل يعقل بأن يكون قد فعلها واوقف جموح وتمرد شقيقتها والذي تجاوز كل الحدود ؟

همست بعدها بثواني بتفكير مشوش وحدقتيها ما تزال معلقة بنظراته الهادئة بقوة
"قلت بأنها ذهبت مع شادي"

اومأ برأسه بقوة قبل ان تتابع الأخرى كلامها قائلة بخفوت متصلب
"وإلى اين ذهبوا"

عقد حاجبيه بجمود وهو ينظر بعيدا عنها قائلا ببرود
"لم اعلم للآن"

عضت على طرف شفتيها بتشنج بلحظة وهي تعود لصرامتها قبل ان تنفض يديها بعيدا عن قبضتيه قائلة بانفعال عاد للتهدج بنظراتها
"ولما لا تعلم ، ولماذا اخذها معه من الأساس ، من يظن نفسه ، هيا اطلب منه بسرعة ان يعيدها قبل....."

قاطعها مجددا وهو يلوح بذراعه جانبا قائلا بغضب مكتوم
"كفى يا روميساء ، هل جننتِ ام فقدت عقلك ، ليكن بعلمك بأن ذلك الشخص والذي ذهبت معه ماسة يكون زوجها والذي كان عقد قرانهما اليوم ، يعني هي زوجته شرعا وبالقانون يستطيع فعل ما يشاء بها"

ابتلعت ريقها بارتباك وهي تتراجع بخطواتها ببطء قبل ان ترفع قبضتها لجبينها وهي تخفض جفنيها فوق احداقها بضعف احتل اطرافها بثواني هامسة باستنكار خافت وكأنها تهذي
"لا لم يكن على هذا الأمر ان يحدث لأن ماسة لم تكن تريد كل هذا ورفضته بشدة ، ولكني لم اعلم سوى مؤخرا ، كان عليّ الوقوف بصفها لا ضدها ، ماذا افعل الآن ، كيف اوقف كل هذه المهزلة واصلح خطأي......"

اوقفها بسرعة من وصل امامها بخطوتين ليمسك عندها بكتفيها بقبضتيه بلمح البصر وهو يصرخ بها بقوة مخترقا غمامة افكارها بنفاذ صبر
"اصمتِ يا روميساء فقد اكتفيت من كل هذا صدقا ، اعلم بأنكِ تهتمين بأمر شقيقتك الصغرى وبكل تفاصيل حياتها منذ ولادتها للآن واقدر هذا الأمر وافهمه ، ولكنكِ نسيتِ بأنكِ لم تعودي بعد الآن فتاة وحيدة مثل كما كنتِ بالسابق بل امرأة متزوجة لديها مسؤوليات وواجبات باتجاه زوجها والذي عليه ان يكون بمثل مرتبة ماسة بحياتك وليس مجرد موقع بالهامش ، لذا ارجوكِ اعدلي لمرة واحدة بين احتياجات زوجك وشقيقتك لأنها لم تعد الشخص الوحيد والمحور الرئيسي بحياتك"

ارتفع حاجبيها ببعض الدهشة وهي ترمش بحدقتيها عدة مرات بارتعاش على مسمع كلامه والذي يخرج منه لأول مرة بكل هذا الكبت بدون ان تعلم عن كمية كل هذه المشاعر والتي يحملها لها بين كلماته القوية بعتاب ؟ لتعبس بعدها ملامحها بلحظة وهي تخفض نظراتها هامسة بوجوم لا يكاد يسمع
"انا لم اخطئ بحقك يا احمد ، بل انت الذي اصبحت تبتعد عني بالآونة الأخيرة منذ ان اصطحبتني معك بتلك النزهة ، وظننت بأنه انشغالك بأمور العمل وباحتياجات زوجتك الأولى هي التي تشغلك عني بتلك الفترة ، ولكن يبدو بأن احد آخر هو الذي اخذك بعيدا عن زوجتك الثانية بعد ان حصلت على مرادك منها وانتهى الأمر"

اتسعت حدقتيه بصدمة شلت حركته لثواني قبل ان يرفع يديه عن كتفيها ليمسك بهما وجهها وهو يرفعه باتجاهه غصبا لتصبح مقابلة له بقوة ، ليقول بعدها بجدية ما ان قابلت نظراته خضار احداقها الندية
"ما هذه التفاهات والتي تتفوهين بها والبعيدة عن شخصية زوجتي الجميلة ، هل هذا هو حقا تبريرك لتلك الفترة والتي هجرتني بها بإرادتك الحرة"

امتعضت ملامحها بغضب وهي تهمس باستياء واضح
"هذا غير صحيح ، انت الذي هجرتني وليس انا ، لما تحاول التهرب من الحقيقة وألقاء اللوم عليّ بجفائك المتعمد معي"

ارتفع حاجبيه هذه المرة بوجوم وهو يشدد من محاوطة وجهها بكفيه قائلا بقوة
"ماذا بكِ يا روميساء ، انا دائما كنت بجواركِ كل تلك الفترة حتى بذهابك وبعودتك من العمل ما زلت ارافقك بها لأطمئن عليكِ من الطريق ، ولكن الذي حدث بأنني بكل مرة اعود بها للمنزل لا اجدك باستقبالي واواجه الجفاء منكِ دائما ، وحتى عندما اكون اريد زيارتك بجناحك الخاص اكتشف بأنكِ نائمة عند غرفة شقيقتك متجاهلة وجودي تماما وكأنني مجرد سراب بحياتكِ تحاولين نفضه عنكِ"

تغضن جبينها بحزن على التقصير والذي تبين بأنها السبب به بالفعل ، قبل ان تفيق على نفسها ما ان فكرت بكلامه وهي تهمس بخفوت حائر
"ولكن يا احمد ، انا دائما اكون متواجدة بجناحي بالمساء وبوقت عودتي من العمل ولا اخرج منه ابدا ، ولا احد يعلمني بعودتك للمنزل لأستطيع استقبالك"

عقد حاجبيه بتفكير للحظات غيم عليهما معا بهالة من الوجوم وهو ما يزال يحاوط وجهها بيديه ، ليقول بعدها بعبوس متصلب
"ولكني دائما اخبر الخادمة لتعلمك بمجيئي وتنزلي لمشاركة مائدة الطعام مع العائلة ، وسلوى هي التي تخبرني بنومكِ عند شقيقتك......"

قطع عليه كلامه ومن دفعه للابتعاد عنها بلحظة دخول التي كانت تتنصت على كل كلامهما منذ بداية نقاشهما لتدخل بهذه اللحظة بالذات وهي تقول بأنثوية مزيفة بدون ان تطرق على باب الغرفة والذي كان مواربا منذ البداية
"اعتذر على مقاطعة حديثكم الشيق ، ولكني اتيت لأنبهكما بموعد العشاء الآن ، وقد تواجد الجميع حول المائدة سواكما"

تجهمت ملامح (احمد) وهو يستدير نحوها ولا يعلم كيف ظهرت لهما الآن بدون ان يشعر احد بوجودها وعند اهم نقطة بحديثهما ؟ ليقول بعدها وهو يحرك رأسه بضيق
"حسنا يا سلوى ، اذهبي الآن ونحن سنلحق بك....."

قاطعته مجددا التي اندفعت نحوه لتتمسك بذراعه بيديها بقوة وهي تهمس بدلال خافت مستجدي
"لا يا احمد لن اذهب بدونك ، فأنا لا استطيع ان ابدأ بتناول الطعام بدون مشاركتك معي كما كنا نفعل دائما ، وايضا لا نريد ان نغضب عمي محراب اكثر من هذا فهو ينتظرنا منذ وقت بقاعة الطعام الفارغة لوحده"

تأفف بنفاذ صبر وهو يحرك برأسه بعيدا عنها قائلا ببرود
"حسنا لنذهب إذاً"

لم ينتبه احد للعيون الخضراء المتسعة بانشداه ممزوج بالغضب وهي تنظر لهذا المشهد الحيّ امامها والذي لم تراه بكل هذا الألم من قبل ولم يؤثر بها سابقا كما فعل معها الآن وكأنها سكين تغرز بصميم روحها بتأني شديد ازهق روحها وسلبها منها بدون فعل شيء !

افاقت من شرودها وهي تنظر للتي كانت توجه لها الكلام لأول مرة والتي كانت السبب بألمها الآن وهي تقول بابتسامة جانبية بغموض
"ألا تريدين المجيئ معنا يا روميساء"

عبست ملامحها بلحظة بشحوب وهي تدير احداقها بعيدا عنهما قائلة بجفاء خافت
"لا شكرا لا اشعر بالجوع ، وغير هذا لدي امور اهم عليّ فعلها"

اومأت (سلوى) برأسها بأسف مزيف وهي تعيد خصلاتها المتشابكة لخلف اذنيها هامسة ببرود
"حسنا كما تشائين"

بينما كان (احمد) ينظر لها بعبوس متصلب وهو يشعر بها تبتعد كثيرا عنه بدون ان يحدد السبب لذلك ؟ ولكن ما يحيره اكثر هي نظراتها الحزينة بشحوب والتي عادت لتلون غابة النخيل بعينيها بدون ان يفهم سبب تقلباتها المزاجية الجديدة عليه ؟

سار بعدها بلحظات بعيدا عنها ما ان تحركت الممسكة بذراعه وهي تسحبه لخارج الغرفة بعجلة ، بينما تحركت الساكنة من مكانها بلحظات لتغلق باب الغرفة من خلفهما بقوة وهي تستمع لخروجهما من الجناح بأكمله ليحل عندها السكون على حياتها لبرهة ، رفعت بعدها قبضتها المضمومة قبل ان تضرب بها على مقدمة صدرها برفق وابتسامة جانبية بدأت بالظهور على طرف شفتيها بغموض ما ان تذكرت نهاية حديثهما المعلق لتهمس عندها بقوة تجتاحها لأول مرة وبمسار جديد بحياتها
"إذاً تريدين الحرب ، لكِ هذا ، وانا مستعدة لها ، وسنرى من الذي سيربح بالنهاية"

______________________________
جلست بحذر على الأرض الخشنة وهي تشعر بأطرافها تحتك ببعضها ببرودة من تحت ملابسها الخفيفة والممزقة بعض الشيء وخاصة قميصها والذي تحول لخرقة بالية على جسدها بينما بنطالها الجينز تقلص بسبب برودة ماء المنبع والتي ما يزال يقطر منها وهي تشعر ببرودتها تخللت لعظامها واستقرت هناك ، ولا تعلم ماذا ينتظرها ايضا بهذا المنزل المهجور وبدون اي ملابس تقييها من هذا البرد القارص ؟

رفعت يدها بارتجاف وهي تعيد خصلات غرتها المبتلة لخلف اذنها وبعيدا عن حدقتيها لتتضح الرؤية امامها وهي تشاهد الجالس على الأرض يبعد عنها عدة خطوات وهو مشغول منذ ربع ساعة بمدفئة الحطب تلك والتي تبدو لم تستخدم منذ سنوات وهو ينقل ألواح الخشب بداخلها ويشعلها معا لتخرج منها بعض الشرارات قبل ان تنطفئ نهائياً وهو يكرر المحاولة بكل مرة بدون فائدة وقد كان يعطيها كل انتباهه بتركيز صامت مريب .

ارتفع حاجبيها ببطء مع ابتسامة هاوية احتلت محياها بهدوء ما ان اشتعلت النيران من الحطب هذه المرة بدون ان تنطفئ وألسنتها بدأت تطلق دفئها بأنحاء المكان الموحش ، لتحيد بعدها بنظراتها للذي التفت نحوها برأسه للخلف وهو يقول بابتسامة جانبية مع حاجب واحد مرفوع امتزج مع قطرات الماء على طرف جبينه
"ما رأيكِ بهذه النتيجة ، والآن لن تموتي من البرد"

اخفضت نظراتها لذراعيها المعانقين لساقيها بقوة وهي تهمس بخفوت غير مبالي
"لا يهم"

كان (شادي) يجول بنظراته عليها بتمهل وهو يسند يديه لخلف ظهره بكسل ليلمح اطراف قميصها الممزق والشق الطويل عند خصرها والذي كانت تحاول اخفاءه بيديها وذراعيها لكي لا يظهر شيء من جسدها بالرغم من ان التصاق القميص الابيض ببشرتها الرخامية كان يظهر كل منحنيات صدرها بوضوح وبشكل جاذب للأعين ومغري لغريزة الرجل ، مع تقلص حجم البنطال والذي ارتفع لفوق ساقيها بقليل وما تزال بعض القطرات تقطر وتسيل فوق بشرة ساقيها البيضاء من بنطالها المشبع بالماء .

عاد بنظراته لوجهها المتصلب والذي ارتفع نحوه مع اتساع احداقها البحرية بغضب وهي تهمس باستياء خافت
"توقف عن النظر لي هكذا ، ألا تعرف غض البصر"

عض على طرف شفتيه بأثارة وهو يتنقل بنظراته بحدقتيها المتوهجة والتي لا تلمع بهذه الطريقة سوى عندما تمزج مع قطرات الماء وهو يلوح بيده قائلا بصوت اجش عابث
"هذا القانون يطبق على الاغراب وليس على زوجك ، وماذا افعل معكِ إذا كنتِ تثيريني"

فغرت شفتيها بارتعاش لوهلة بدون ان تجد ما تنطق به قبل ان يتحول بلحظة لعبوس وهي تتلفت بنظراتها من حولها بحثا عن شيء ما لا تعلم ما هو ؟ ليقطع عليها بحثها صوته مجددا وهو يقول بتسلية واضحة
"لا تحاولي البحث عن شيء ، فليس هناك بهذا المنزل ما يفيد نواياكِ"

عضت على طرف شفتيها بغضب مكتوم قبل ان تشيح بوجهها بعيدا عنه هامسة بحنق
"مغرور"

تنهد بهدوء وهو يعود بنظراته للأمام معتدلا بجلوسه ليقول بعدها بابتسامة باردة
"إذا كنتِ تريدين لعب دور الفتاة ذات الكبرياء والشموخ ، فعليكِ اولاً تبديل ملابسكِ هذه والتي تبدو اشبه بالمشردين ، وخاصة بأنكِ ستصابين بالمرض إذا بقيتِ ترتدينها بهذا الجو البارد"

زفرت انفاسها بانفعال وهي تريح جانب خدها على ركبتها هامسة بخفوت
"عندما يكون معي ملابس اولاً ، وايضا انا لا احتاج لنصائحك فقط كل ما اريده منك ان تتركني وشأني ، هل هذا كثير عليكم"

ابتسم بهدوء وهو يرفع يده ليمسك بعصا الحديد من جانبه وهو يحرك بها قطع الخشب امامه ناظرا للألسنة الملتهبة والتي كانت تنير المكان ، ليقول بعدها بلحظات بابتسامة جانبية
"لدي بعض الملابس والتي تخصني بالخزانة ، يمكنكِ استخدامها إذا اردتِ......"

قاطعه الصوت البارد من خلفه وهو يهمس بجفاء
"لا اريد"

عقد حاجبيه بحدة وهو يخفض العصا من امامه قائلا بجمود بارد
"حسنا كما تشائين يا عنيدة ، ولكني لست مسؤولاً عن موتك متجمدة هناك وانتِ تجلسين بزاوية بعيدة عن المدفئة ، فأنا لن استطيع نقل الدفء ليصل لجسدك المتجمد ، فهذا ليس من اختصاص عملي"

عبست ملامحه عندما لم يجد اي ردّ منها وكأن المكان قد فرغ تماما من حوله ، وما ان كان سيتحرك حتى شعر بجلوسها بجانبه بلحظة على بعد مسافة قصيرة منه وهي تعانق نفسها بذراعيها بجمود منقبض ، ليبتسم بعدها بهدوء وهو يلقي بالعصا جانبا ببساطة ليتردد صدى صوتها بصمت المكان من حولهما والذي لا يخلو من اصوات الرياح القوية والتي كانت تحوم حول المنزل بصمت .

تشنجت ملامحها بلحظة وهي تخفض جفنيها على احداقها بقوة ما ان شعرت بملمس راحة يده الخشنة على صفحة جبينها قبل ان يتبعها بصوته الهادئ وهو يهمس بتوجس
"انتِ باردة جدا ، بلا شك ستصابين بالمرض إذا بقيتِ هكذا"

بقيت على جمودها بتصلب وكأنه غير موجود بعالمها وهي تتجاهل كل ما يحيط بها من فراغ متمسكة بصمتها ما ان اجتاحت الذكريات السوداء روحها عن ذاك المكان المظلم والشبيه بالسجن الانفرادي والذي لا يتواجد به سوى جسدها المجثى ارضا والذي اشبع بالضربات ليبقى ملقى ببرودة المكان الموحش وبسواد ارواحهم والتي تجردت من الرحمة وهمس خافت بصوت كريه يتردد بصدى روحها الموحشة
(كل شخص مسؤول عن افعاله)

شهقت فجأة بارتجاف منتفض مع اتساع عينيها على استدارتهما بألم ما ان شعرت بصدر دافئ يحتويها وذراعين تحيطان بجسدها المنتفض بقوة ، لترفع بعدها احداقها القاتمة بغضب مكتوم لوجهه من فوقها وهي تهمس بعنفوان عاد لاجتياحها بلحظة
"ما لذي تفعله"

اخفض نظراته نحوها لبرهة وهو يربت بأصابعه المعانقة على اطراف ذراعها المتشنجة بهدوء قائلا بابتسامة جانبية بغموض
"لما كل هذا الخوف يا ألماستي ، كل الذي افعله بأني ادفئ زوجتي الباردة والتي لا تسمع الكلام ابدا ، وستجلب المرض لنفسها بعنادها الغير محدود ، لذا ارتاحي واتركي مهمة تدفئة جسدكِ لي"

حاولت الرفض والتحرر من قيود ذراعيه للحظات قبل ان تشعر بتصلب يحتل اطرافها بألم لتستكين عندها بلحظة بهدوء وهي تريح جانب رأسها على كتفه المتصلب بصمت وكأنها تعطي لنفسها هدنة بعد حرب طويلة اجهدت كل ما تبقى لديها من طاقة ومقاومة .

بينما كان (شادي) يشدد من عناق جسدها البارد بذراعيه القويين وهو يشعر بأنفاسها الباردة والتي كانت تلفح جانب عنقه كل حين قبل ان يتمتم بجمود حائر مستشعرا برودة اطرافها
"كيف تستطيعين العيش بكل هذه البرودة بجسدك"

حركت وجهها جانبا لتقابل وجهه امامها لا يفصل بينهما شيء وهي تهمس بخفوت بارد
"عندما يعتاد جسدك على روتين او طقس معين فأنه يصبح جزء منه عليه التعايش معه"

عقد حاجبيه ببطء شديد للحظات وهو يرفع يده ليمسح بطرف اصابعه قطرات الماء عن جبينها العريض هامسا بابتسامة جادة بهدوء
"لستِ مضطرة لهذا صدقا"

رفعت نظراتها مع حاجبيها بوجوم بذات الوقت وقبل ان تنطق بأي كلمة كانت تشعر بقبلته الصامتة بدون اي مقدمات وهي تجتاح شفتيها بقوة كانت تزداد تدريجيا بدون ان تشعر بشيء سوى بدمائها المتجمدة والتي عادت للتفجر بأوردتها وبخلايا جسدها بدفء غريب كان يغزو احاسيسها بدون سابق إنذار ، ولم يتطلب منها الامر سوى لحظة لتنفض الهالة عنها وهي تحاول التمرد عليها كاتمة على انفاسها لتدفعه لتحريرها اخيرا ما ان ضغطت بأسنانها الحادة على شفتيه بقسوة ، ليحل بعدها الصمت عليهما للحظات لا يقطعه سوى صوت تنفس كل منهما بأنفاس منفعلة حادة وكأنهما كانا يغوصان بأعماق البحار وخرجا منها للتو بصعوبة !

قطع الصمت الذي لفهما معا بجنون الذي كان يبتسم بتسلية وهو يعض على طرف شفتيه بمكر هامسا من بين اسنانه بانفعال
"مجنونة"

زمت شفتيها بامتعاض وهي تنظر له بعيون متسعة وبأنفاس ذاهبة بانفعال قبل ان تشعر بذراعيه وهي تعاود معانقة جسدها مجددا بصمت ، وهذه المرة لم تحارب او تجاهد بل اعطت نفسها راحة تامة وهي ترمي برأسها على كتفه مجددا بعد ان ارخت مفاصل اطرافها وبظلام دامس احتلها بثواني وكأنه كان ينتظرها بفارغ الصبر لتذهب إليه وبدون اي تفكير بالحاضر او الماضي ......

نهاية الفصل يا حلوين وبانتظار آرائكم بفارغ الصبر ❤❤

فتاة حلوة 15-08-21 01:34 AM

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 29 ( الأعضاء 6 والزوار 23)
‏فتاة حلوة, ‏زهراء ش, ‏Moon roro, ‏قطر الند, ‏zezo1423, ‏سوووما العسولة

يلا بنات شدوا حيلكم بدنا دعم للكاتبة عشان نرفع معنوياتها و الله تستاهل على ابداعها والتزامها
فصل رائع بمعنى الكلمة دمت متالقة حبيبتي روز

روز علي 16-08-21 12:42 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة حلوة (المشاركة 15621493)
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 29 ( الأعضاء 6 والزوار 23)
‏فتاة حلوة, ‏زهراء ش, ‏moon roro, ‏قطر الند, ‏zezo1423, ‏سوووما العسولة

يلا بنات شدوا حيلكم بدنا دعم للكاتبة عشان نرفع معنوياتها و الله تستاهل على ابداعها والتزامها
فصل رائع بمعنى الكلمة دمت متالقة حبيبتي روز


نورتي حبيبتي كلك ذوق ودعمك بكفيني وزيادة ، وإن شاء الله تحظى الفصول القادمة على حسن ظنك ومحبتك ، دمت متابعة دائمة ومحبة وبصحة وسلامة 🌸🌸

ali.saad 17-08-21 12:28 AM

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته قد اكون مقلة بالتعليق لكني متابعة لروايتك التي ابدعتي فيها اتمنى لك التوفيق والاستمرار بالابداع في كل ماتكتبين وان شاء الله اقرأ كل رواياتك الموجودة والمستقبلية تحياتي 🌹

روز علي 18-08-21 11:49 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ali.saad (المشاركة 15624495)
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته قد اكون مقلة بالتعليق لكني متابعة لروايتك التي ابدعتي فيها اتمنى لك التوفيق والاستمرار بالابداع في كل ماتكتبين وان شاء الله اقرأ كل رواياتك الموجودة والمستقبلية تحياتي 🌹


هلا حبيبتي نورتي ويسعدني كثيرا حسن ظنك وانطباعك بالرواية ، واتمنى لكِ دوام الصحة والعافية والاستمرار بدعم الرواية وباقي اعمالي القادمة ، دمتِ بود وسعادة ❤

سيدة قصرها 20-08-21 11:51 PM

مساء الجوري 🌹
روايه جميله تستحق المتابعة في البدايه تبعثرتُ بأبطالها وتصعب عليه فهمها حتى اتضحت صورة الثنائيين احببت التطورات لكل من بنات مايرين …زاد التشويق لمعرفة الأحداث القادمة لأبناء الخال محراب وبنات العمه …في انتظارك عزيزتي روز؛ تحياتي وشكراً

روز علي 21-08-21 10:08 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سيدة قصرها (المشاركة 15630164)
مساء الجوري 🌹
روايه جميله تستحق المتابعة في البدايه تبعثرتُ بأبطالها وتصعب عليه فهمها حتى اتضحت صورة الثنائيين احببت التطورات لكل من بنات مايرين …زاد التشويق لمعرفة الأحداث القادمة لأبناء الخال محراب وبنات العمه …في انتظارك عزيزتي روز؛ تحياتي وشكراً

تسلميلي يا قلبي على كلامك الحلو ، وتسعدني كثيرا متابعتك معنا ، واتمنى ان تحضى باقي الفصول على اعجابك وتكون عند حسن ظنك 🌸


الساعة الآن 08:35 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.