آخر 10 مشاركات
فتاه ليل (الكاتـب : ندي محمد1 - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          445 - غرباء في الصحراء - جيسيكا هارت ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          الجبلي .. *مميزة ومكتملة* رواية بقلم الكاتبة ضي الشمس (فعاليات رمضان 1436) (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          دين العذراء (158) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          لقاء الخريف / الكاتبة : طرماء و ثرثارة ، كاملة (الكاتـب : taman - )           »          لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          Caitlin Crews - My Bought Virgin Wife (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          رافاييل (50) للكاتبة: ساندرا مارتون (الجزء الأول من سلسلة الأخوة أورسيني) .. كاملة.. (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء)

Like Tree8Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-02-21, 01:38 PM   #1

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي نوفيلا ياسمين (4) .. سلسلة في كل فصل نبضة * مكتملة ومميزة *










السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معاكم الكاتبة فاتن منصور
وحكمل معاكم نوفيلات النبضات
💕💕 نبضات الفصول 💕💕
سبق وتم نشر
نوفيلا فصل الخريف 🍁جوري🍁
ونوفيلا فصل الشتاء ❄حلا ❄
واليوم حبتدي معاكم بإذن الله
نوفيلا فصل الربيع 🌸ياسمين 🌸







النشر حيكون كل يوم سبت وثلاثاء بإذن الله





روابط الفصول

الفصول 1, ,2 3, 4 .. بالأسفل
الفصل 5 ,6 الأخير نفس الصفحة








التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 27-03-21 الساعة 05:43 PM
فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-02-21, 01:45 PM   #2

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي

سلسلة_في_كل_فصل_نبضة
نوفيلا الربيع
ياسمين

الفصل الأول

سَلامٌ على كلِّ قَلبٍ يُحبْ
وكلِّ حَبيبٍ ، وكلِّ مُحِبْ
وكلِّ عُيونٍ تَذوبُ اشتِياقًا
وكلِّ قُلوبٍ تَموتُ احتِراقًا
لتَملأَ عيني ضِياءً وَحُبْ
سلامٌ عليها التي ألْهَمَتْني
سَقتْني خَيالاً فأمطَرْتُ شِعرْ
لِعينيكِ أُهدي كلامي وعُمري
ولا الشِّعرُ يَكفي ولا ألفُ عُمرْ
سلامٌ عليها التي عَلَّمَتْني
بأنَّ الحياةَ سَحابٌ يَمُرْ
وجَنْبًا من العُمرِ ألقاهُ حُلوًا
وجنبًا من العمرِ ألقاهُ مُرْ
سلامٌ عليها فلولا هواها
لَما كانَ في العُمرِ شَيءٌ يَسُرْ..
عبد العزيز جويدة
…..

ابتعد عاصم بخطوات متعبة عن الواجهة الزجاجية للمتجر الضخم الذي يمتلكه بعد أن طال شروده متأملاً بعض القطع التي وُضعت للعرض ، خطا بضعة خطوات أخرى فبات خارج المتجر ،حيث يمتد شارع طويل يحتوي متاجراً كثيرة ومتجره واحد منها
جال بنظره على واجهات المتاجر التي تحتل هذا الشارع التراثي بقدمه
متاجر تحاكي التراث بما تعرضه من مصنوعات أبدع صانعوها بما تقدمه أيديهم من منتوجات ، معارض للملابس التراثية ، وأخرى للمصوغات ، تراثيات خشبية ، منسوجات ، نحاسيات ، والكثير غيرها من الحرف اليدوية التي توارثها أصحاب هذه المتاجر عن أجدادهم
وهذا الشارع بحد ذاته يعد تراثياً ، بواجهات المحال الحجرية بفن عمراني مميز ، حيث اصطفت قطع الحجارة البيضاء والسوداء بجانب بعضها لتشكل قناطر متجاورة بتنسيق واحد جميل ، وكأنها تخبرنا عن تميز من قام ببنائها
وأرضية الشارع المرصوفة بالحجارة السوداء تضفي رونقاً خاصاً على المكان
أخذ نفساً عميقاً مشبعاً برائحة المكان ورائحة البُن المحمص التي تصل إليه من أول الشارع حيث يقبع متجر الحاج خليل التراثي ، والذي مازال يحضر حبات البن ويطحنها بأدواته القديمة ، فلا تفقد حبات البن أي من خواصها ، ثم يقوم بإضافة بعض البهارات الخاصة بالبن فتعطي للقهوة مذاقاً مميزاً لا يمكن لأحد تذوق منه أن ينسى طعمه
نادى على الفتى الذي يساعده في بعض شؤون المتجر ، فلبى الأخير النداء مسرعاً ، طلب منه عاصم أن يتوجه إلى متجر البن ويحضر له البن المفضل لديه ، ثم يُعد له بعضاً من القهوة ، أومأ الفتى بأجل ثم غادر مسرعاً لتنفيذ ما طلب منه ، بينما عاد عاصم لتأمل المكان وكأنه يزوره مرة كل فترة ، وليس مقيماً به بشكل يومي
ولكن لهذا المكان ارتباط خاص به ، فهو لطالما عشقه طفلاً صغيراً يتردد مع والده وعمه لمتجرهما هنا ، يتعلم منهما أصول مهنة توارثوها لعدة أجيال ، ولم يكن أقل منهما شغفاً بهذه المهنة ، ليقوم هو بتحويل المتجر إلى معرض كبير يضم أجمل التحف النحاسية المشغولة بإبداع يدوي ، مستغلاً كذلك التكنولوجيا الحديثة في تطوير عمله ونشره في كل مكان
وقبل أن يلتفت بخطواته مقرراً الدخول إلى متجره ، انتبه للأثواب التراثية التي يتم وضعها على واجهة المتجر المقابل لمتجره ، عيناه تعلقت بثوب معين من الأثواب التي باتت تحتل الواجهة الزجاجية الضخمة ، ولوهلة تخيلها ترتدي هذا الثوب ، بطولها المميز ، بجمالها الذي يعشق ، ستبدو كأميرة هاربة من قصص ألف ليلة وليلة وسيكون هو أميرها الذي ينتظرها، لذلك دون أي تفكير كان يتجه نحو المتجر
رحب به صديقه مراد بحرارة حين شاهده يخطو لداخل المتجر ، فهما يعرفان بعضهما منذ الصغر بحكم تجاور متاجر العائلتين ، جلس عاصم قبالته ، فبادر مراد بسؤاله عن أحوال آخر معرض شارك فيه في بلد مجاورة
أجابه عاصم بينما يتناول منه كأس الشاي الذي سكبه له مراد بحفاوة كبيرة :
_ كان ناجحاً ولله الحمد ، فمهنتنا لا يعرفها الكثيرون، رغم تهافت البعض لتزيين منازلهم بالنحاسيات المشغولة يدوياً ، لكن لا يعلمون أن هذه المهنة لا تلقى الدعم الذي تحتاج إليه لتحافظ على وجودها في ظل ما يجتاح السوق من منتوجات أجنبية رخيصة الثمن وسريعة التلف
تنهد مراد قائلاً :
_ معك حق ، لكننا أخذنا على عاتقنا أن نحافظ على تراثنا هذا
وأشار بكف يده لما يحتويه متجره من معروضات
قال عاصم بتأكيد :
_ يجب أن تحضر الاجتماع الذي سنعقده في الغد في مقر النقابة الخاصة بالمهن اليدوية والحرفية
أومأ مراد بأجل فيما تنحنح عاصم بحرج وهو يعود لمشكلة شراءه للثوب فهو لا يعلم بما سيبرر شراءه للثوب النسائي الذي يريد ، لا يستطيع أن يدّعي أنه لشقيقته ، فمراد يعرفها ويعرف أن هذا الثوب لا يناسبها أبداً ، رحمه مراد من حرجه وهو يقول ضاحكاً
_ أخبرني بما تريده يا عاصم ، وأزل عن وجهك ملامح الحيرة فهي لا تناسبك
نظر عاصم لصديقه بابتسامة وهو الأعلم أنه كُشف أمامه ، ثم قال مشيراً للثوب الذي يريد :
_ أريد شراء هذا الثوب ، لقد لفت انتباهي بينما كان إحدى العاملين لديك يعرضه في واجهة المتجر
ضيّق مراد عينيه ناظراً للثوب الذي اختاره عاصم ، ورغم التساؤلات التي مرّت بعقله ، إلا أنه قال بابتسامة ودودة جداً :
_ من عيني يا عاصم ،غالي والطلب رخيص
ضحك عاصم وهو يراقب صديقه يقوم بنفسه بسحب الثوب عن الدمية البلاستيكية ، ثم يطويه بعناية فائقة ، لمح اقتراب أحد العاملين في المتجر ليساعد مراد في وضع الثوب في الحقيبة المخصصة له والموشومة بشعار المتجر واسمه ، اقترب مراد واضعاً الحقيبة أمامه قائلا ًوهو يوجه لصدقه غمزة مرحة :
_ ترتديه صاحبته بالسعادة والهناء

مرور طيفها بخياله سريعاً جعله يتنهد بخفوت ، مجيباً صديقه بصدق:
_ ادعو لصديقك يا مراد أن ينال أمنيته عما قريب
رغم تفاجؤ مراد بما قاله عاصم ، فلم يسبق لعاصم أن حادثهم عن حبه لفتاة ما ، لكنه همس مربتاً على كتف صديقه :
_ اتمنى أن تتحقق كل أمنياتك يا عاصم
استقام عاصم واقفاً ، يأخذ الحقيبة التي تحتوي الثوب بيده ، ملقياً تحية الوداع على صديقه قائلاً
_ أرسل لي فاتورة بثمن الثوب يا مراد لأرسله مع أحد الفتية
ثم غادر عائداً نحو متجره ، كان المتجر في قسمه الأمامي هادئاً نوعاً ما ، يحتوي على رفوف منظمة اصطفت عليها المنتوجات النحاسية بمهارة وذوق كبيرين ، تجذب الناظرين إليها بسحر غريب ،فوانيس بأحجام وأشكال مختلفة ، ثريات تتدلى من السقف وكأنها تخبرنا عن مهارة من صنعها ، أطباق و أواني بأشكال ونقوش مختلفة ، إضافة للعديد من القطع الفنية صغر حجمها أم كبر ،
وفي الزاوية الغربية من المتجر وضع عاصم طاولة مكتبه يحتل حاسبه قسماً منها ، بينما تراكمت عدة ملفات فوقها ، وخلفه خزانة خشبية مصنوعة من خشب الصندل المميز المطعم بالأصداف الصغيرة ، وبجانبها باب يؤدي إلى الغرفة الخاصة بصديقه زياد الذي يشاركه كل تفاصيل عمله ، في شراكة ابتدئاها منذ سنوات طويلة ، وبجانبها باب آخر يؤدي إلى القسم الداخلي من المعرض حيث يتواجد بضع عمال ممن يجيدون هذه المهنة ، يعملون على إنتاج أفضل الأدوات المصنوعة من النحاس
جلس عاصم خلف مكتبه مجدداً ، تلمس قماش الثوب الحريري بيده دون أن يخرجه من الحقيبة ، متسائلاً بداخله
هل سيخطو هو يوماً نحو حلم تمناه طويلاً
متخيلاً طيفها وهي ترتدي الثوب ،
وجهها بابتسامتها التي يعشق ، وعيناها جوهرتاه الثمينتان
تنهد بتعب يبعد عيناها عن مخيلته
عينان أسرتاه منذ سنوات طويلة ، ولم يجد سبيلاً للفكاك من أسرهما
و البوح بما يعتمل بقلبه صعب
وآه من حب لا نستطيع البوح به
نبقيه مدفوناً في أعماقنا
ونخاف أن نظهره للعلن
أغمض عينيه للحظات وكأنه يعتذر من تلك العينين اللتين احتلتا فكره ، يعتذر من نفسه أنه ليس مندفعاً مقتحماً في مثل هذه الأمور ، وإلا كان وجد لمشكلته حلاً
إما سعادة بقربها
أو ألم بفراقها
وضع الحقيبة بعيداً عن متناول يده ، محاولاً الانشغال بعمله ، أشغل حاسوبه متفقداً البريد الالكتروني الخاص بالعمل ، مجيباً بعض الرسائل ، التي وردته حول متجره من بعض المعارض التي حاول التواصل معها في خارج البلاد أثناء رحلته مع شقيقته لخالته والتي طالت لعدة أشهر ، تخللتها زيارات قصيرة من قبله للبلاد ، لذلك قرر أن يستغل سفره بعقد عدة صفقات تجعله يتمكن من عرض منتجاتهم في بعض البلدان الغربية
انتهى من الرد على الرسائل ، ثم التفت لإنهاء بعض الأمور الخاصة بفواتير المتجر ، كل شيء منظم وبمكانه وكأنه لم يغب ليوم واحد
يحمد الله بكل مرة أن لديه صديقا استطاع أن يحافظ على سوية العمل كما تركها ، بل حافظ على المتجر وكأنه متجره الخاص
دخول صديقه المفاجئ أضاع تركيزه ، فدفع الأوراق جانباً فيما القى زياد السلام ثم جلس منهكاً أمامه يفصل بينهما طاولة المكتب الخشبية ،
قال عاصم وهو يناظر صديقه بتفحص :

_ تبدو متعباً.. أخبرني كيف سارت الأمور ؟

قال زياد بابتسامة فخورة ، وهو يعدل ياقة قميصه متصنعاً الغرور

_ أتظن أن زياد لا يستطيع تدبر الأمر بنفسه ..لقد حصلنا عليها ..صفقة العمر يا صديقي

استقام عاصم سعيداً بهذا الخبر ، إلتف حول طاولة المكتب ليصل الى صديقه محتضناً إياه بسعادة ، فهذه الصفقة تعني لهم الكثير ..وسوف تنقل عملهم الى مرحلة متقدمة جداً

_ابتعد عني تكاد تخنقني يا عاصم ، لا أعلم من أين حصلت عائلتكم على مورثات الطول هذه ، فقط المسكينة سراب من نجت منها

قالها زياد ممازحاً وهو يحاول التخلص من عناق صديقه الضخم كما يصفه ، دفعه عاصم بمشاكسة على كتفه وهو يقول

_إنها قدرات خاصة يا صديقي

جلس بعدها الصديقان يتناقشان بخصوص الصفقة وكيفية العمل خلال الأيام المقبلة ، قال زياد بجدية :
_ عليك إنهاء مراجعة كل الفواتير يا عاصم ، ثم ننتقل لتنظيم ما يخص الطلبية الجديدة ، فهي تحتاج لوقت وجهد كبيرين
أومأ عاصم بتفهم ثم قال وهو يشير لحاسبه :
_ لقد كدت أنتهي لا تقلق ، منذ وصولي قبل ساعات وأنا أعمل عليها
نظر زياد له هامساً بجدية
_عليك أن تقوم بصنع بعض القطع المميزة كما تعودنا منك لأجل هذه الصفقة ، فهذه ستكون عامل جذب لهم فيقومون بطلب المزيد
ضحك عاصم وهو يقول
_ لا تقلق يا صديقي ، سأكون أول من يعمل في هذه الطلبية
أخرجهما من اندماجهما في الحديث عن العمل ، وصول رسالة لهاتف عاصم
تناول عاصم هاتفه يناظر حروف الرسالة التي وصلته
لم تغفل نظرة عاصم الحائرة عن زياد الذي قال محاولاً معرفة سبب تغير ملامح صديقه

_ ما الأمر ، هل سراب بخير ؟

أجابه عاصم بصوت منخفض كي لا يظهر له تلك المشاعر المتصارعة بداخله :

_ إنها بخير لا جديد في وضعها ، لكنها أرسلت لي لتذكرني بضرورة العودة مبكراً ، فاليوم موعد الحفل الذي ستغني فيه ياسمين

تلفظه لإسم ياسمين بذلك الشجن ، لم يخفى على زياد فهو يعلم أن عاصم غارق بحب ياسمينته، لكنه يخاف أن يصرح بذلك الحب لأسباب يجدها زياد تافهة ، قال زياد بتقرير :

_ لقد قررت هذه المرة ألا تذهب للحفل ، أليس كذلك ؟

نظر له عاصم لثوان ، ثم قال وهو يعود لمقعده خلف الطاولة :

_ طوال هذا اليوم فكرت ألا أذهب .. ولكن هل استطيع أن اتغيب عن حفلها ،إن ذلك سيحزنها كثيرا وقد كلمتني البارحة واليوم صباحاً تؤكد علي أن احضر وأنه لا مجال للإعتذار

_ وأنت ؟

سأله زياد دون مواربة ،فنظر له عاصم محاولاً إيجاد الإجابة المناسبة ثم أشاح بنظراته وهو يقول متنهداً

_ أنا لا استطيع إلا أن أكون قربها ، حتى لو وُجد لدي سبب يمنعني من الذهاب ، لم أكن لأفعلها وأفوت فرصة رؤيتها تحقق حلماً من أحلامها

_عاصم الى متى ستبقي نفسك أسير هذه المشاعر، طالما أنك ترفض أن تخبرها بها .

قال زياد محاولاً أن يضع صديقه أمام الأمر الواقع
، فهو يريد منه أن يتخذ خطوة نحو الأمام في هذا الأمر ، لا أن يُبقي مشاعره أسيرة في داخله ، فلا يحررها إلا بعد فوات الأوان
أجابه عاصم وهو يمسك قلمه ، يرسم خطوطاً وهمية على الورقة البيضاء أمامه :

_ أعلم بكل ما تود إخباري به يا زياد ..فكرت أن أخبرها اليوم عن مشاعري، لكني أخاف أن يكون تفسيري لمشاعرها تجاهي خاطئا ، أخاف أن تكون وضعتني في قلبها بمنزلة الأخ أو ابن العم و ألا تبادلني هذه المشاعر ، فأخسر وجودها قربي ، ليس سهلاً عليّ أن يكون جوابها الرفض

ثم قال وهو يشير بيديه نحو صدره بألم عاشق :

_ انظر لصديقك يا زياد .. أنا عاصم أخاف أن أبوح لياسمين بمشاعري ، أخشى من ردة فعل تودي بعلاقتنا القوية ، لأني حينها لن أستطيع الإدعاء بأن كل شيء على حاله وبخير .

استقام زياد ثم اقترب من صديقه ، يقف بجانبه مربتاً على كتفه بدعم :

_ إنه الحب يا صديقي يفعل بنا أشياء غريبة ..يجعلنا لا نعرف أنفسنا حقا ..لكن صدقني نحن محظوظون لوقوعنا به
نظر عاصم نحو زياد يحاول تشرب كلماته التي ينطق بها ، وكأنها ستكون دعماً له في القادم من الأيام :
_ خذها نصيحة مني يا عاصم ، في الحب لا ينفع السكوت أبداً .. بل الأمر يشبه المعركة التي يجب عليك أن تخوضها لتخرج منها منتصراً .. لا تمضي أيامك وأنت خائف من التصريح لها ،فيأتي من يمتلك شجاعة أكثر منك ،فيختطفها دون أن تستطيع منعه .

اهتزت حدقتي عاصم بتوتر مع آخر جملة تلفظ بها زياد ، بينما زياد كان يعلم كم قسي عليه بكلماته تلك لكن مع حالة عاصم المستعصية يجب عليه أن يفعل ذلك وأكثر ، لذلك
انسحب تاركا صديقه يصارع ما بين قلبه وعقله
........
توقف ميار عن تذكيرهم بالتعليمات الخاصة بحفل اليوم ، ثم طلب منهم أن يبدأوا بجمع أغراضهم استعداداً للمغادرة نحو منازلهم ، نظراته الطيبة شملتهم جميعاً ، أعضاء فرقته المميزين ، ينتمون لأعمار مختلفة تتراوح بين الثامنة العشرة والخامسة والعشرين وهو نفسه لا يكبرهم سوى بعدة أعوام فقط ، لكنه درس الموسيقى وتخرج ليصبح مدرباً في هذا المعهد الضخم الذي يتوسط المدينة
اقترب من حسان عازف القانون يساعده على توضيب آلته الموسيقية ، حسان الذي يعاني من مشاكل في نمو جسده فيبدو للناظر إليه طفلاً لم يتعدى العاشرة بحجم جسده الصغير ،و بجانبه كانت حياة قد أنتهت من توضيب آلة الكمان خاصتها ، ثم نظرت نحو ميار تشير له بأنها انتهت وستغادر لوصول والديها ، فهم إشارتها ، فأومأ لها بالموافقة ، يراقب خطواتها المرحة وهي تغادر ، قال حسان بعد أن وضع آلته جانبا ً
_ هل سنجتمع هنا قبل الحفل أم في الصالة المخصصة له ؟
استقام ميار واقفاً وهو يقول :
_ سنجتمع هنا ، ثم ننطلق بحافلة المعهد نحو الصالة ، أفضل هذا يا حسان كي نضمن عدم تأخر أحدكم
أومأ حسان بالقبول لما يقوله مدربه ، ثم راقبه وهو يتجه نحو البقية من زملائه ، سند وغياث و رولا و شادية ، أربعتهم يعزفون على آلات موسيقية مختلفة ، لكن أبرعهم بنظره هو سند والذي رغم فقدانه لنعمة البصر إلا أن عزفه على الناي مميز ، يغازل الروح بألحانه فتشدو متيمة بما تسمع
وفي الجهة المقابلة لهم كانت ياسمين و سعاد وتامر وأسامة يتبادلون أطراف الحديث ، ياسمين التي يراها الأقوى بينهم ، قوة تعطيهم جميعاً دفعاً نحو تقديم أفضل مالديهم حين سماع صوتها العذب ، سعاد المتفردة بعزفها على آلة الكمان ، تامر العازف على آلة العود ، وأسامة يجيد العزف على آلة الدف والطبلة
، منذ سنة انضم لهذه الفرقة بعد أن أقنعه ابن عمه بذلك
تنهد بألم لتلك الذكريات منذ عامين مضيا ، لقد كان شبه منعزل عن العالم ، لا يتعامل إلا مع أفراد عائلته ، يؤلمه مايراه من نظرات الناس له ولشكله المختلف ، الألم كان كسكين ثلمة تذبح روحه رويداً رويداً ، تدفعه نحو عزلة اختيارية ، يبتعد بها عن تلك العيون الفضولية ، العيون المشفقة ، والعيون التي لا ترحم بنظراتها وكأنهم يحملونه ذنب ولادته بشكل مختلف عنهم ، لكنه بداخله يماثلهم بكل شيء ، لديه قلب ينبض ، عقل يفكر ، وروح تتعذب من تلك النظرات
لكن عائلته لم تقبل بعزلته ،وهم فقط من كانوا يشعرونه بأنه ملاك هبط إليهم من السماء ، يعاملونه كنعمة خاصة حباهم الله بها ، علمه والده العزف ، فيما والدته علمته اتقان أكثر من لغة كونها كانت تعنل كدليل سياحي في إحدى الشركات السياحية ، إضافة لتمكنه من التخرج من الجامعة بفضل دعمهم اللامحدود له ، قدرته المميزة على التعامل مع الأرقام جعلته ينهي جامعته بتقدير ممتاز ، وحينها طلب منه ابن عمه أن يعمل معه في شركة محاسبة صغيرة بدوام مسائي مريح له ، وبعدها أقنعه بالانتساب الى هذا المعهد ، في البداية رفض الأمر ، فهو لم يعد يريد مزيداً من الاختلاط بالناس ، في العمل يسعده وجوده بمكتب خاص به تعامله يقتصر على مجموعة محددة من الأشخاص ، لكن انتسابه للمعهد يعني مزيداً من الاختلاط وهو لم يكن براغب لهذا الأمر ، فقد سبق وجربه في معهد آخر ، لكن باصرار والدته ووالده قبل بالأمر على أن يكون كتجربة لمدة بسيطة ، لكن المدة طالت لتتخطى العام ، وهاهو اليوم يتحضر للمشاركة في حفلهم الثاني وهذه المرة على مسرح من أهم مسارح المدينة
وجود هؤلاء الأشخاص في فرقته ، وجود قائد الفرقة ميار ومساعدته مدى جعلا من الساعات التي يقضيها برفقتهم أجمل الساعات لقلبه
من خلال أعينهم بات يرى نفسه انساناً طبيعياً لا ينقصه أي شيء ،حتى في عمله بات أكثر اختلاطاً وأكثر انطلاقاً
ابتسم بسعادة وهو يبتعد بنظراته عنهم متمتماً بالحمد لله على نعمة وجوده بينهم
دقائق وكان الجميع قد غادر المكان على وعد باللقاء بعد ساعات
……
وصل حسان لمدخل الشارع المؤدي لمنزلهم ، فوصله صوت أبو سعيد صاحب متجر الخضار في شارعهم
اقترب منه ملقياً التحية عليه بابتسامة بشوشة ، ردها له أبو سعيد بالمثل وهو يحني قامته قليلاً ملتقطاً كف حسان في يده ، متبادلاً معه السلام ، وهو يقول :
_ لقد سمعت من شقيقك عن الحفل الذي ستقيمونه اليوم ، وأنه سيذاع على الإذاعة
أومأ حسان بأجل ، فأكمل الرجل الطيب :
_ إنه لأمر جميل يا حسان ، اتمنى لك التوفيق دائماً يا ولدي
شكره حسان قبل أن يبتعد متجهاً نحو منزله ، فلمح أبو سعيد اقتراب ولده سعيد منه ونظراته توحي باشمئزاز غريب ، يثير نفوره من تفكير ولده ، وازداد هذا النفور أكثر وولده يتشدق بالقول :
_ هذا ما كان ينقص يومي رؤية هذا القزم
ضربه والده بقسوة على كتفه ، مما تسبب له بالألم فرفع ذراعه يربت فوق مكان الضربة. فيما والده ينهره بغضب :
_ توقف عن قسوتك هذه ، ألا يوجد داخل قلبك هذا أي ذرة رحمة
رد عليه ولده بنبرة غاضبة
_ ولم تدافع عنه بهذا الشكل ؟
تنهد أبو سعيد من تفكير ولده وهو يقول له :
_ كم مرة علي أن أخبرك أن الله خلقنا مختلفين لحكمة يعلمها هو وحده ، وحسان مختلف عنا بجسده لكن أخبرني هل عقله مختلف أو قلبه
وإن كان كذلك هل علينا أن نكرهه وننفر منه
أحس سعيد بتأنيب ضمير لحظي ، لكنه سينساه لا محالة حين يجتمع بشلته التي يعتاد على الاجتماع معها للهو وتبديد الوقت
تلك النظرة المتأسفة منه جعلت والده يشعر بالغبطة وهو يظن أن ولده سيعود لرشده ، لذلك ربت على كتفه وهو يقول :
_ حسان مميز ربما أكثر من الكثير من الأشخاص حولنا
علم سعيد أن والده يقصد أصدقائه ، لكنه أخفى امتعاضه من هذه المقارنة كي لا يدخل بسجال لا ينتهي مع والده
ترك لوالده حرية الحديث عن حسان وهو يومأ برأسه بأجل ، فيما عقله مشغول بتلك الجلسة التي سيعقدها اليوم واصدقائه والتي لو يعلم والده أن حسان سيكون نجمها الأول ، فمن غير المعقول أن يمرر أصدقائه نجاح حسان في هذا اليوم دون تهكم وسخرية
…..
وصل حسان إلى المنزل ، فتح الباب لتصله رائحة الطعام الشهي ، إنها وجبة ورق العنب المحشو المميزة التي يعشقها ، لا بُد أن والدته قد صنعتها خصيصاً له ، دخل نحو الصالة منادياً لها بصوت عالي ، فأجابته أنها بالمطبخ ، اتجه نحو المطبخ بابتسامته التي تزين وجهه دائماً بحضرتها ، وجدها جالسة تقوم بتقطيع بعض الخضروات ، اقترب منها بطوله الذي يوازي طولها وهي جالسة ،مقبلاً قمة رأسها وهو يقول :
_ كيف حال والدتي الغالية
ربتت على كتفه وهي تتأمل ملامح وجهه بفخر لا يغيب عن نظراتها أبداً :
_ أنا بخير ، طالما أنت وأشقائك بخير
عاد يقبل وجنتها وهو يدعو أن يديمها الله في حياتهم ، ثم قال وأنفه يستقبل الرائحة الشهية :
_ رائحة الطعام شهية جداً
قالت والدته وهي تستقيم واقفة لتفقد القدر :
_ بدل ملابسك ريثما أسكب الطعام
رنين هاتفه جعله يغادر المطبخ مجيباً ابن عمه والذي بادره قائلاً :
_ حسان ، هل أنهيت العمل يا ابن عمي
ضحك حسان وهو يجيبه :
_ ألم يعلمك عمي أن تلقي التحية أولاً
قهقه ابن عمه معتذراً منه ، فأجابه حسان :
_ لاعليك يا ابن عمي ، لقد أنهيت العمل وسأرسل لك كل شيء حالاً على الإيميل الخاص بك ، ولا تنس أن تكون متواجداً في حفلة اليوم

أجابه ابن عمه بالشكر وأكد له أنه سيحضر حفل الليلة
أغلق حسان الهاتف ثم اتجه نحو غرفته التي يتشاركها مع شقيقه ، ليقوم بتبديل ملابسه ثم إرسال ملفات العمل لابن عمه
…..
انتهت شادية من ارتداء ملابسها الخاصة بالحفل ، أسندت نفسها للتمكن من الوقوف أمام المرآة ، نظرت لانعكاس صورتها فيها ، تتأمل جسدها الذي غطاه ثوب كريمي اللون ناسب سمرة بشرتها الخفيفة ، ينسدل بشكل واسع نحو الأرض ، وأكمامه من الدانتيل التي أعطت للثوب جمالاً إضافياً
خصلات شعرها المتوسطة الطول قامت بجمعها بجديلة مزينة بحبات صغيرة من اللؤلؤ ، فجعلتها تبدو كعروس بحر هاربة من الأساطير
ضحكت للتشبيه الذي خطر على ذهنها ، فقاطع ضحكاتها صوت والدتها التي دخلت غرفتها تطلب منها الإسراع
توقفت خطوات والدتها وهي تتأمل ابنتها بهذا الثوب الذي اقتنته منذ مدة لكنها لم تجد مناسبة لترتديه بها ، ابنتها أميرة بنظرها ، نظرة خاطفة نحو عكازيها جعلت تلك الغصة تعود وبقوة لصدرها ، فتترك قلبها ملكوماً بحزن ، أوهمت نفسها أنها أجادت إخفاءه عن ابنتها
_ ما شاء الله ، تبدين رائعة يا شوشو
ضحكت شادية وهي تقبل وجنة أمها ثم تتناول عكازيها ليساعداها على السير وهي تقول :
_ أجلي وصلة المديح خاصتك يا أمي ،فلقد تأخرنا
وسبقت والدتها بخطوة هاربة من نظرتها تلك التي رأتها بعينيها وهي تتأملها منذ لحظات
بينما مسحت والدتها دمعتين غافلتاها رغماً عنها وهي تناظر حركة ابنتها بواسطة العكازين ، خرجتا من باب منزلهما نحو مخرج البناية حيث يقبع منزلهما في الطابق الأرضي ، وبجانبه منزل جارة لهما ، ألقيتا التحية عليها وهي تقف قرب باب شقتها مع جارة أخرى ،ثم تابعتا سيرهما نحو السيارة التي ستقلهما للحفل ، غافلتان عن تلك النظرات التي صدرت عن الإمرأتين ، واللاتي لا يتركن مناسبة لا يمارسن فيها هوايتهن بالثرثرة الفارغة ، قالت إحداهما للأخرى :
_ هل رأيت كم تبدو شادية جميلة اليوم ، لقد سمعت أنها ستعزف في حفل ضخم
أجابتها المعنية بالسؤال وعيناها تناظران ابتعاد شادية ووالدتها ببعض الغرور والحقد :
_ وماذا سيفيدها عزفها في الحفلات ،هل ستعود فتاة كاملة أم ستجد عريساً يتزوجها وهي بعلتها هذه

كلمات سامة خرجت من فمها دون أدنى شفقة ، غير مهتمة إن كانت وصلت كلماتها للفتاة ووالدتها ، بينما تصادق الجارة على كلامها بغباء :
_ أجل المسكينة ، رغم جمال وجهها لكن علتها تبعد عنها أي راغب بالزواج
أخرجت ضحكة متشفية وهي تلاحظ بطرف عينيها توقف خطوة والدة شادية لثانية ثم متابعتها للسير، فأيقنت أن كلماتها وصلتها ، وهذا ما تريده
سحبت جارتها من يدها نحو الداخل ، وهي تقول بينما تغلق باب الشقة :
_ تعالي حدثيني عن هذا الحفل وكم ستجني العاجزة منه
…….
أنهى سند تحضير نفسه ، ثم خرج نحو ساحة المنزل متلمساً طريقه بعصاه ، نادى بصوت عالي :
_ جدتي أين أنت
فأتاه صوتها الوهن بسبب تقدمها في السن :
_ أنا هنا يا ولدي
خطا نحو مجلسها تحت شجرة الليمون والتي تعبق الدار برائحتها في هذا الوقت من العام ، مدت يدها تتلقف يده لتساعده على الجلوس بجانبها ،ففعل ذلك هامساً لها
_ حفظك الله لي يا جدتي
مدت كفي يدها تنفض ذرات غبار وهمية عن كتفيه ،وعيناها تشعان بفخر عظيم ، همست له بالدعاء ، فقال سند :
_ جدتي غيري رأيك ورافقيني للحفل
قالت وهي ترتب له خصلات شعره بمشط صغير خاص تبقيه في جيب ثوبها التقليدي :
_ لست من هواة هذه الحفلات ، سأسمعك عبر الإذاعة لا تقلق
قبل يدها بعد أن أنهت ترتيب خصلات شعره ، فاستقام واقفاً ، بيده حمل الحقيبة التي تحوي آلته الموسيقية وبيده الأخرى عصاه التي تساعده أثناء المسير ، ثم غادر المنزل بعد أن ودّع جدته ، فالحافلة التي ستقله للمعهد وصلت لمدخل شارعه
…….
خرجت ياسمين من الحمام الملحق بغرفتها، ثم جلست على طرف سريرها تكمل تجفيف شعرها ، بداخلها حماس شديد لحفل اليوم ، وبذات الوقت تشعر برهبة كبيرة ، ابتسمت وهي تتذكر تعليمات مدى وميار لهم هذا اليوم عن قدرتهم على تقديم الأفضل طالما عملوا بروح الفريق الواحدة
وضعت المنشفة التي كانت تجفف بها شعرها جانباً ، ثم استقامت واقفة تقترب من خزانة ملابسها ، مدت يديها تتلمس الثوب الذي علقته سابقاً على باب الخزانة ، لقد انتقته رفقة جوري وحلا خصيصاً لهذه الحفلة
ابتسامتها زادت وهي تفكر بأن عاصم سيكون متواجداً في حفل اليوم ، سيراها وهي تخطو نحو حلمها الذي حدثته عنه قبلاً
قطع أحلامها بخصوص عاصم دخول جوري المفاجئ للغرفة وهي تقول لها
_ ألم تتجهزي بعد يا ياسمين ، سنتأخر بهذا الشكل
أجابتها ياسمين بينما تأخذ الثوب عن العلاّقة الخاصة به :
_ خمس دقائق فقط يا جوري ، وأكون جاهزة
أجابتها جوري بأجل ثم اقتربت تساعدها على غلق سحاب الثوب ، وتصفيف شعرها
بعد أن انتهيتا ابتعدت جوري خطوة عنها تتأملها بعاطفة أم لابنتها أكثر منها عاطفة أخت لأختها الصغيرة ، ياسمين الصغيرة باتت اليوم شابة جميلة تخطف الأنظار بجمالها وبهائها
دموع تجمعت بمقلتيها وهي تناظر شقيقتها بفخر ، لكنها سرعان ما مسحتها وهي تطلب منها أن يغادرا نحو مقصدهما
……
وقفت ياسمين خلف كواليس المسرح تنتظر الوقت الذي ستطل به عليه
تحاول السيطرة قدر الإمكان على توترها
تفكر بأنها لا يجب أن تكون بهذا الشكل ، لقد أمضت وقتاً طويلاً تتحضر لهذا الحفل الذي يقام هذه المرة في أهم مسارح المدينة
إنه حلم
حلم من أحلامها الكثيرة
وها هو يتحقق
الموسيقا والغناء عشقها الأول والأخير
وبفضل تشجيع شقيقتها جوري ووالدها استطاعت أن تخطو نحو حلمها متحدية وضعها الذي فُرض عليها
فهل ستسمح لتوترها أن يسلب فرحتها بتحقيق حلمها
كانت جوري تقف خلفها ، ترتب خصلات شعرها من جديد بوضع دبابيس إضافية ، ومن خلفهما كانت حلا تقف تراقب توتر جوري الواضح على ملامحها أكثر من ياسمين نفسها ، وكأنها من ستغني في الحفل وليس شقيقتها
قالت ياسمين بصوت يحمل نبرة مرتجفة ، فيما يديها تقبضان على الثوب الذي ترتديه ، في محاولة منها لمنع القلق من التسلل إليها ، فمهما إدعينا القوة تبقى هناك لحظات نفقدها فيها ، لشعورنا بالخوف من عدم النجاح فيما صبونا إليه ، وهذا كان حال ياسمين :

_ إني متوترة للغاية … جوري

أجابتها شقيقتها بنعم ، فأكملت ياسمين كلامها :
_ هل تعتقدين أننا سننال استحسانهم .. إنها المرة الأولى التي سأغني فيها أمام جمهور كبير بهذا الشكل ، لم أعتد على هذا الأمر بعد

أنهت جوري وضع دبابيس الشعر، ثم امسكت بيدها تديرها نحوها ، فالتف الثوب معها حول جسدها ليعود وينسدل برقة تشبه صاحبته ، شدّت جوري على كف يدها بدعم قائلة فيما ابتسامتها تزين ثغرها ، تنظر في عيني شقيقتها وكأن ياسمين ستشاهد ماتحمله حدقتاها من فخر بها، لكن بالتأكيد نبرة صوت جوري أوصلت لها كل ذلك :

_ ثقي أنكم ستتفوقون في هذا اليوم ، وستقدمون أفضل ما لديكم

ثم تابعت وابتسامتها تتحول لضحكة خافتة :
_ ثم هيا لم هذا الخوف ، وأنت من كنت متشوقة لمثل هذا الحفل..

وقبل أن تتمكن ياسمين من إجابتها ، كان رنين هاتف جوري يعلو مما جعلها تترك كف شقيقتها لتجيب ، ولكن قبل أن تنظر نحو الشاشة لتعلم هوية المتصل ، قالت ياسمين بسعادة :

_ إنه عاصم أليس كذلك ؟

لم تستغرب جوري معرفة ياسمين لهوية المتصل فهي اعتادت مثل هذا الأمر منها، وكأن لديها حاسة إضافية تجعلها تعلم الكثير من الأمور ، بعكس حلا التي نظرت لها بتساؤل ضمني

( كيف تستطيع أن تعرف أنه هو المتصل دائماً )

أجابت جوري على الهاتف بترحاب لتقول بعد أن استمعت إليه :

_ إنه يريد محادثتك ياسمين

أخذت ياسمين الهاتف وقد زال كل توترها هامسة بصوتها العذب :

_ أخبرني أنك هذه المرة ستحضر الحفل ، ولن تفوته كما فعلت في المرة السابقة

على الجهة المقابلة كان عاصم يقف أمام سيارته ، يراقب الوافدين لحضور الحفل ، قال بنبرة حاول جهده أن يظهرها طبيعيةً، فلا يفضح مشاعره أمامها :

_وهل يعقل أن أدع حفلك يفوتني ...إنني في الخارج ، بإنتظار أن تزيني المسرح بظهورك البهي

وصله صوتها المهلل بفرح ، فأغمض عينيه يتشرب كلماتها وكأنه يختزن كل حرف من حروفها بداخله

بينما هي ادارت ظهرها لجوري وكأن مشاعرها ستظهر جلية على ملامح وجهها ، فهل يسعدها أكثر من وجوده قريباً منها :

_حقاً ، يا إلهي أنا سعيدة جداً أنك هنا عاصم ، لقد أخبرت جوري أنك لن تفوت هذا الحفل ، لإنك تعلم أهميته بالنسبة لي ..أنت يجب أن تكون معي في هذا اليوم ، وبقربي

كانت جوري تناظر شقيقتها دون استغراب فهي تعي تعلق ياسمين بعاصم ، تعلق بدأ منذ سنوات طويلة ولم تخف وطأته أبداً
أما حلا فزادت تلك التساؤلات بداخلها حول ذلك السر بكل هذا الإهتمام من قبل ياسمين بوجود عاصم ، لتبتسم بأمل لأمر دار في خلدها ، فهي تحب ياسمين جداً وتتمنى أن تنال نصيبها من السعادة
بينما ياسمين كانت تبتسم وصوته يصلها :

_ سأنتظر انتهاء الحفل ياسمينة ، لأعطيك هديتك التي وعدتك بإحضارها

همست بخفوت وهي تغمض عينيها تحاول كذلك تهدئة ذلك الضجيج اللذيذ في صدرها ، ضجيج يسري بأوردتها فينعشها :

_أنت هديتي عاصم ولا أريد سوى أن تكون موجوداً .. مع السلامة

عند نطقها لهذه الجملة وبتلك المشاعر التي استقرأتها جوري واضحة في صوت شقيقتها، أحست بالصدمة ، لتزداد صدمتها حين التفت إليها جوري بملامح مشعة بغرابة ، أخذت الهاتف من كف ياسمين بشرود ، وهي تفكر بينما تلاحظ ابتسامة شقيقتها السعيدة ، وكأن كل توترها الذي كان منذ لحظات زال دون أي أثر :

(هل يعقل أن تكون ياسمين عاشقة ..كلا لا يمكن .. إنه مجرد تعلق به لا أكثر وهو من كان قريباً منها منذ سنوات مضت ، تعلق فتاة صغيرة بابن عمها الذي يكبرها بسنوات كثيرة لا أكثر )

ابعدت جوري تلك الأفكار التي هاجمتها عن رأسها ، حين وصل مدرب ياسمين إليهم
هو قائد فرقتهم ومدربها منذ عام ونصف
علاقة صداقة تكونت بينه وبين ياسمين ، وكم كانت جوري سعيدة بهذه الصداقة ، إضافة الى الصداقات التي كونتها مع زملائها بالفرقة ، ألقى ميّار التحية عليهم ، فاستأذنت حلا بالذهاب هامسة لجوري :
_ إن كرم ينتظرني ، سنكون متواجدين في المسرح
راقبت جوري خروج حلا بابتسامة ، فصديقتها وأخيراً تمكنت من كسر تلك القوقعة التي أحاطت نفسها بها ، لتسمح لكرم بأن يزين حياتها بوجوده وحبه الكبير الذي ترى انعكاسه واضحاً على ملامحها
نظر ميّار نحو ياسمين بفخر وهو يقول :

_ هل أنت جاهزة ياسمين ، الفرقة أخذت مكانها فوق خشبة المسرح، ولم يتبق سواك لتطلّ على الجمهور

قالت وهي تمسد ثوبها الفضي اللون بكفيها ، وابتسامتها تزين وجهها ، فيما عيناها ثابتتان مكانهما لا تتحركان :

_ أنا جاهزة ،هيا بنا جوري

امسكتها جوري من يدها ، تقودها نحو الخارج ، ليوقفها صوت ميّار مجددا ً، بنبرته المشجعة لها والفخورة بها :

_ سأكون قريباً منك ياسمين .. أنت ستبهرين الجميع اليوم

ابتسمت جوري له بإمتنان لتشجيعه لشقيقتها، ثم اكملتا طريقهما نحو خشبة المسرح
عاد بعض التوتر إليها ، وأصوات الناس المتجمعين في المسرح تصلها ، فالجمع اليوم كبير ومهما حاولت إدعاء الشجاعة ، يبقى للمرة الأولى رهبتها في داخلها ، اقترب منهما تيم و الذي كان يقف قرب الباب المؤدي إلى خشبة المسرح قائلاً :

_ ستكونين مميزة يا ياسمين

_شكرا لك تيم

أجابته بابتسامتها المعهودة قبل أن تكمل مسيرها مع شقيقتها ، ساعدتها جوري لتأخذ مكانها أمام مكبر الصوت ، وبعدها عادت أدراجها نحو المنطقة المخصصة لمراقبة المسرح في الخلف
كان عاصم قد اتخذ مكانه قرب شقيقته سراب التي قررت أن تحضر هذه المرة حفل ياسمين ، لم يعلم كيف سارع بخطواته ليصل قبل ظهورها
مازال صدره يعلو ويهبط نتيجة إسراعه للوصول إلى داخل القاعة

عيناه تعلقت بها وهي تقف على المسرح تحيي الجمهور
كفراشة فضية اللون أطلت لتخطف القلوب
كأميرة هاربة من الأساطير كما تخيلها دائماً
شعرها العسلي مفرود على ظهرها باسترسال خطف نبضة من قلبه ، فيما ابتسامة شفتيها المطليتين بلون وردي غامق ، جعلتا قلبه يهدر بعنف داخل صدره
استعادت أذناه صوت همسها
( أنت هديتي عاصم ولا أريد سوى أن تكون موجوداً )
هل يعقل أنها تعني ما فهمه ، أم أن عقله من يوهمه
كلا هكذا هي ياسمين حين تخاطبه تشعره أنه فقط محور الكون لديها
لكن هل هذا يعني أنها تشعر به ، هل يعني أنها تبادله الحب
تربيتة من كف شقيقته التي تجلس قربه مبتسمة أعادته الى أرض الواقع
ليعود الى مراقبة معذبة فؤاده وهي تشدو بصوتها العذب ، وكأنها تروي قصتها ، قصة من ماثلها وضعاً ، يخطو نحو تحقيق حلم امتلكه ، فما كبلته إعاقة جسدية ، أو حسيّة ، أمله موجود ، وإصراره موجود ، لذلك طعم النجاح لديه يكون بنكهة مختلفة :

( لاتسأل الورد كيف….بعطري سراً يغني
ويملأ الكون صيفاً…. بقلبه المطمئن
لا يحمل الورد هماً …. يرفع المحب حكماً
وليس يسأل عمن… يدعوه ألا يغني
غنّ
اذاً انت غنّ
و قل لحلمك أني آتٍ
وإن كنت عني بعد السماء بعيد …
لو طال في العمر جرحٌ…. بعد المعاناة صبحٌ
والشمس كالناس تصحو … في كل يوم جديد
غنّ
جاروا كثيراً عليك… وقيدوا معصميك
كن واثقاً لا عليك … اكسر القيد وغنّ
والحلم في القلب صنّه … لاتشغل العين عنه
فنحن بالحب نزهو ...ونحن بالحلم نبني
غنّ)
فايا يونان
……..

noor elhuda likes this.

فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-02-21, 01:54 AM   #3

Soy yo
عضو جديد

? العضوٌ??? » 390429
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 483
?  نُقآطِيْ » Soy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond repute
افتراضي

اهلا وسهلا بالجزء الثالث و يكتبنا المميزة فاتن ....سررت حقا بهذا الجزء و بقصة العاشق الولهان عاصم واو دانا وقعت في حبه من اول جملة في رواية ...سنتابع معك الى اين سيصل في النهاية....الحاجة الوحيدة الي ازعجتني هو التنمر لي حقيقة موجود بكثرة في حياتنا اتجاه الأشخاص لي يكون في نوع من الاختلاف و اذاء مشاعرهم كانهم لايستحقون الحياة ....شكرا لك لتطرقك لمثل هذه المواضيع.

Soy yo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-02-21, 02:01 AM   #4

Soy yo
عضو جديد

? العضوٌ??? » 390429
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 483
?  نُقآطِيْ » Soy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond repute
افتراضي

اعتذر عن الاخطاء لاني بكتب من الهاتف فانا اكتب حاجة هو حاجة تانية🤦‍♀️😅

Soy yo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-02-21, 03:17 PM   #5

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة soy yo مشاهدة المشاركة
اهلا وسهلا بالجزء الثالث و يكتبنا المميزة فاتن ....سررت حقا بهذا الجزء و بقصة العاشق الولهان عاصم واو دانا وقعت في حبه من اول جملة في رواية ...سنتابع معك الى اين سيصل في النهاية....الحاجة الوحيدة الي ازعجتني هو التنمر لي حقيقة موجود بكثرة في حياتنا اتجاه الأشخاص لي يكون في نوع من الاختلاف و اذاء مشاعرهم كانهم لايستحقون الحياة ....شكرا لك لتطرقك لمثل هذه المواضيع.
تسلمي لقلبي لوجودك معاي بكل قصة
التنمر موجود بكل مكان للاسف ولكل الاعمار ودور الاهل هو الاهم بان الطفل يقدر يتصدى للتنمر


فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-03-21, 10:26 PM   #6

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي

اعذروني لتأخري بنشر الفصل
السبب هو قطع الكهرباء عنا طوال اليوم بشكل دائم
وبالتالي قطع النت
اترككم مع الفصل الثاني من النوفيلا
وبانتظار آرائكم
😍😍😍
الفصل الثاني
….

وعيناك داري ودار السلام
وأنت البداية في كل شيء
ومسك الختام
(نزار قباني )
…….
كانت ياسمين تقف على المسرح بكل ثقة ، وكأن عيناها تناظران كل الموجودين
الموسيقا تعلو بنغماتها العذبة
والعازفين من خلفها يبدعون بتسطيرها
وهي تكمل لوحتهم بصوتها الذي ميزها دائماً
كما ميز فرقتهم تلك ، أن كل فرد فيها لديه إعاقة من نوع ما
إعاقة كانت وسام فخر على صدره .. فكلهم اثبتوا أن لا يأس مع الحياة حين تثق بأنك قادر على تجاوز الصعوبات
لاشيئ صعب حين تمتلك الإيمان الكافي بالله ، وأنه وضع فيك نقصاً ما ، ليعوضه في موضع آخر من جسدك
، فتستطيع أن تجد طريقك الخاص نحو تحقيق الأحلام
جميعهم تحدوا الحياة
تحدوا النقص
وانطلقوا مطالبين بحقهم بأن يكونو جزءاً فعالاً فيها
فكانت انطلاقتهم ابداعاً ميزّهم
وسما بمواهبهم نحو الأفق
لا يقيدهم شيء
الجمهور يتابعهم بفخر
بحب وبإعجاب
فكثيرون من وهبهم الله كل شيء ، لكنهم افتقدوا الإيمان
افتقدو العزم و المثابرة
وفشلوا في أول مجابهة لهم مع الحياة
ثم استسلموا
أما هنا فالأمر مختلف
تشاهد المعنى الحقيقي للصبر وللثبات وللعزيمة
تقف بإجلال لثقة تشع من وجوههم
لإيمان ملكته أرواحهم
ولمواهب أزهرت في حياتهم
..
أما هو فنظره كان معلقاً بها وحدها ، وبوقفتها الواثقة تلك
وكأن المسرح خلا إلا منها
وكأنها تناظر وجهه
ترسل كلماتها إليه فقط
فيشعر بقلبه مفعماً بمشاعر كثيرة تخصها وحدها
يسافر مع كلماتها في رحلة خاصة بهما
يرسم أحلاماً تخصها وحدها
يمر بفكره طيفها وهي صغيرة
يحملها بين ذراعيه ويدور بها سعيداً بنجاح حققته في مدرستها
يسألها عما ترغب أن تفعله حين تكبر
فتقص عليه بطريقتها الطفولية
أحلامها التي ترغب بتحقيقها
وأهمها أن تنشر الموسيقا التي تحب في كل مكان
أن تشدو بالألحان فيصل شدوها لكل البقاع
وهاهي اليوم تخطو بخطوات واثقة نحو تحقيق هذا الحلم
لم يستيقظ من شروده بها إلا على تصفيق الجمهور الحار لها وللعازفين من خلفها ولقائد فرقتهم الذي ظهر معها على الخشبة يحيّ الجمهور ، شاكراً إياهم وأفراد فرقته
لا يدري لم لم يستسغ وقفته تلك ولا إمساكه بيد ياسمين حين غادرت خشبة المسرح
ضم قبضتي يده بغضب ، ولكن رجوع الأخير بمفرده للمسرح جعل انتباهه يعود إليه وهو يعلن عن قيام أحد أعضاء الفرقة بتقديم مقطوعة موسيقيا خاصة بالعزف على الناي
ليعلو تصفيق الجمهور مجدداً
….
قبل أن تصل ياسمين لجوري كانت الأخيرة تحادث تيم بصوت خفيض فيما عيناها تنظران حولها بإرتباك وخجل :

_ تيم توقف تكاد تتسبب بفضيحة لنا

قال تيم بمكر وهو يقترب من أذنها هامساً فيما يده تزيد من احتضان خصرها :

_ ما الذي تريدني أن أفعله ، وأنا وأنت هنا لوحدنا ، ثم أنت زوجتي فلم كل هذا الارتباك

ضحكت بخجل ، تبعد نفسها عنه ، تهمس مدعية الغضب :

_لوحدنا ، وكل هؤلاء المتواجدين في كواليس المسرح ، ماذا يكونون أشباح ؟

امسك كف يدها ضاغطاً عليه هامساً برقة ، فيما عيناه تغرقان في ملامح وجهها التي يعشق :

_ لا أرى سواك جويريتي

احتقنت وجنتاها بخجل ،ودوي قلبها يزداد أضعافاً داخل جدران صدرها ، تيم ينثر بأعماقها مشاعراً لم تتوقع أن تحياها في يوم من الأيام ، بعشق تملك فؤادها همست له :
_ أنا أحبك كثيراً
مسح وجهه بكفيه ، ثم عاد يقول بنيرة باكية جلبت لها الابتسامة :
_ وتريدين مني الصبر بعد هذا الاعتراف
ابتعدت عنه فور أن اقتربت شقيقتها منها ،أخذتها شقيقتها في أحضانها قائلة بسعادة :

_مبارك ياسمين ، لقد كنت مذهلة ، كلكم كنتم مذهلين

أمسك تيم بيدها مربتاً عليه بحنو وفخر ، قائلاً:

_ كنت مميزة يا فتاتي ، أحسنتي

ضحكت بسعادة للمديح وللفخر الذي استشعرته بصوتهما ، تشكرهما على وجودهما بجانبها ، ابتعد ميّار عنهم متجهاً نحو المسرح من جديد ، ليصلهم بعد لحظات صوت عزف سند ، توقفوا عن الكلام منصتين بهدوء لألحان الناي الشدية
…….
كانت حلا تجلس قرب كرم تتابع الشاب الذي يعزف على آلة الناي ببراعة يُحسد عليها ، قلبها يطفو فوق غمامة ناعمة رغم الأنغام الشجية التي تصدح عن الآلة
كف يدها مستريح بكف كرم ، ابتسمت لحركته الدائمة التي يضغط بها على كف يدها برقة كل لحظة
حانت منها التفاتة نحو عاصم وسراب الجالسين قربهما على بعد مقعدين فقط ، تذكرت نظراته لياسمين حين كانت تغني منذ دقائق ، نظرات عشق خالصة لايمكن لأحد ألا يلاحظها
نظراته لياسمين وكأنها جوهرته الفريدة تشبه نظرات كرم لها
ابتسمت وهي تختطف نظرة لوجه كرم ، والذي سرعان مابادلها نظرتها تلك بغمزة شقية جلبت اللون الأحمر لوجنتيها
وبداخلها تمنت أن تنال ياسمين حبها الذي تريد ، فهي باتت متأكدة من أن هناك حبّاً كبيراً يحمله أحدهما للآخر
…..
بعد انتهاء العروض الموسيقية ، طلب تيم من جوري ومن ياسمين أن ترافقاه نحو البهو المخصص للمهنئين ، فامتثلتا لطلبه ، وهناك كانت حلا بإنتظارهم رفقة زوجها كرم ، ابتسامتها المتألقة تميزها ، وزوجها يحتضن كف يدها بتملك واضح ، حالما اقتربتا منها ،تركت يده مقتربة من ياسمين تحتضنها بحب وفخر قائلة :

_ مبارك لك ياسمين، كنت رائعة اليوم جداً

بادلتها ياسمين العناق ، تشكرها على وجودها هي وزوجها الذي هنأها أيضاً على الأداء المميز الذي قدمته
اعتذرت ياسمين منهم حين طلب منها ميار أن تنضم لتجمع الفرقة من جديد
وقفت قرب سند والذي حدثها مهنئاً لها
_ كنت رائعة اليوم يا ياسمين
ابتسمت وهي تجيبه :
_ بل أنت من خطفت قلوب الجمهور اليوم بعزفك ، لقد كان عزفاً سحرياً حقاً يا سند
ابتسم ميار وهو يقترب منهما يحدثهما بفخر
_ جميعكم اليوم أبليتم بلاء حسناً ، تستحقون هذا النجاح الذي حققتموه
شكره الجميع ، عادت ياسمين نحو شقيقتها فيما اقترب ميار من سند ليصبح قبالته تماماً ، أمسك كف يده يربت عليها وهو يناظر وجه سند السمح فيما غطى عيناه بنظارة سوداء ، مخاطباً له
_ لا أستطيع أن أخبرك بمدى فخري وسعادتي بك
أجابه سند بصوته الواثق
_ كل ذلك بفضل تدريباتك لنا يا سيد ميار
_ بل بفضل مواهبكم التي حباكم الله بها يا سند

اقترب والدي حسان منه وملامحهما تحمل مزيجاً من السعادة والفخر ، والأمل
انحت والدته لتضمه إليها مقبلة لوجهه وكأنه طفل صغير غير عابئة باحمرار وجنتيه من الخجل ، ثم مالبث أن أبعدها والده عنها قائلاً له فيما يضمه لصدره مربتاً بكف يده على ظهره
_ كنت رائعاً يا ولدي ، لقد أذهلت الجمهور بعزفك الرائع
ابتسم ميار وهو يراقب حسان ووالديه ، لقد تعرف على حسان وسند منذ أكثر من عامين
شابان مثابران كما البقية في فرقته ، حسان الذي يسبق سند بالعمر بسنتين ولكنهما صديقين مقربين
سند الذي يعمل كمدرس للأطفال الصغار ، يعلمهم الموسيقا والعزف على الناي والتي تعلمها طفلاً في المدرسة الابتدائية الخاصة بالمكفوفين ، لتقدم له جدته كل دعم حتى بات من أمهر العازفين على هذه الآلة ، ليقرر الانضمام لهذه الفرقة التي يكون ميار مدربها
مايعجبه في سند هو قوة شخصيته ، معرفته لما يريد بالتحديد ، لم تعد معرفته به مقتصرة على المعهد بل تخطتها لتصبح علاقة صداقة متينة
جمعتهما كذلك بحسان
سند كما ياسمين ، الاثنان لديهما قوة غريبة يشعر بها كهالة تحيط بهما ، بل يكاد يجزم أن جميع أعضاء فرقته يملكون تلك الهالة من الإرادة والتصميم
ابتعد عن حسان وسند متجهاً ليتحدث مع ياسمين
كان عاصم يحاول تخطي الجموع التي احتشدت لمغادرة مقاعدها ،
يده بيد شقيقته سراب ،يريد أن يكون أول من يقدم لها التهنئة على نجاحها اليوم
أذناه تلتقط همهمات الجمهور التي تمدح أداء الفرقة ككل ، فيبتسم وبداخله رغبة لأن يخبرهم أن تلك الفراشة التي زينت المسرح بوجودها ، هي ابنة عمه ، هي نبض قلبه
كان قد وصل لخارج القاعة ومازالت كلمات المديح تصله من كل حدب وصوب ، ليت ياسمين كانت معه لتسمع إشادة الجميع بهم وبما قدموه من عرض مميز لهذا اليوم
اقترب يسأل أحد الحراس أين يمكن أن يجد أعضاء الفرقة ، فقام بإرشاده نحو البهو المخصص لهم ، بينما كان يتجه للمكان الذي دله عليه الحارس تساءل بداخله كيف فاته سؤال جوري عن مكان تواجدهم عقب الحفل مباشرة
حين وصوله للباب المؤدي للبهو المطلوب ، تنهد بمرارة غريبة استشعرها بداخله وعيناه تبحثان عنها فيما سراب تقف بجانبه ويدها مازالت بيده
كم ودّ لو كان أول من استقبلها بعد إنتهاء العرض
كم ود لو يخبرها عن ذلك الشعور الذي راوده وهي تغني
يخبرها كيف رآها كأميرة ، بل كفراشة فضية تضيء الكون بجمالها
سيخبرها عن فخره بها وبما قدمته
وبينما يسبح في أفكاره الخاصة حولها ،توقفت خطواته حين ّ
وقعت عيناه عليها وهي تقف رفقة جوري وخطيبها تيم و حلا صديقة جوري و رجل آخر توقع أن يكون زوج حلا الذي حدثته ياسمين عن زواجهما منذ فترة
أجل هو زوجها فنظراته لا تفارق وجهها ، وهي تتحدث وكأنه ينهل من حروفها رحيقا ً
ابتسم ابتسامة رجل يعلم معنى عشق الرجل لإمراته
ثم خطا مقترباً بعد أن حثته سراب بنظراتها على أن يذهبوا بإتجاههم لم يكد يخطو خطوتين حتى توقف مجدداً ، وهو يلاحظ ذلك السمج من جديد يقترب من ياسمين مهنئاً
تلك الابتسامة التي ارتسمت على وجهها حين سمعت صوته
سعادتها بالكلمات التي يلقيها عليها بدت كبيرة جداً ، يبدو فخوراً بها بينما يمطرها بمديحه ، وتلك النظرة في عينيه نحو ياسمين ، جمدته تماماً
نظرة لا يمكن له أن يخطأها
أصوات ضحكاتهم جعلته يتراجع خطوة للخلف ، ثم بكل جمود خاطب شقيقته آمراً :
_ سنغادر الآن سراب
لم تعترض على طلبه ، فهي تعلم تماما ذلك الصراع الذي يعيشه عاصم بداخله ،
لو كان بإمكانها التدخل لسألت ياسمين عن حقيقة مشاعرها نحوه ، ولكنه أخذ وعداً منها ألا تفعل ، لا تعلم لم طبيعته بهذا الشكل ، غير مقدام في مثل هذا الأمر ، عاصم بكل شيء لايخشى المجازفة إلا بمشاعره نحو ياسمين
يخفيها بشكل كبير ، تتمنى لو أنه كان مقداماً فيذهب إليها الآن ويسرقها من بين الجميع ، لكن عاصم ليس من هذا النوع أبداً

وصلا معاً إلى خارج البناء. الضخم ، حيث نسمات الربيع تحمل معها بعض البرودة ، ممما جعلها تغلق سترتها تجنباً لها ، عيناها تنظران بأسى نحو شقيقها
أما هو فكان يشعر بإختناق في صدره ، يكره تلك الأفكار التي تقيده
يكره تردده في مصارحتها بشعوره
يكره نفسه في كل مرة يقرر فيها أن يتخذ تلك الخطوة التي أجلها كثيراً ليعود ويكتفي بالصمت راضياً بدور ابن العم الذي يدعم ياسمين بكل ما تفعله
وهل تحتاج ياسمين بالأساس لدعمه ، سخر من مسار أفكاره
متهرباً مما يعتمل بداخله ، وهو يدعو شقيقته لتصعد إلى السيارة ، ساعدها على اتخاذ مقعدها
ثم استدار حول السيارة ليصعد إلى مقعده
و قبل أن يدير السيارة امتدت يده إلى جيبه متلمساً الهدية التي أحضرها لها
نظراته تركزت نحو الأمام وهو يتذكر حديث زياد معه في صباح هذا اليوم

(لا تمضي أيامك وأنت تخاف أن تصرح لها ، ليأتي من يختطفها منك دون أن تستطيع منعه )

ضرب المقود بكف يده الثانية غاضباً وهو يظن بأن ما قاله زياد قد تحقق ، مما اجفل سراب وجعلها تشهق بألم لحاله
رق قلبه لمرأى شقيقته بهذه الحال فأمسك كف يدها ، مقبلاّ له وهو يتمتم باعتذار :

_ آسف صغيرتي لأنني أخفتك هكذا

ترك كف يدها ثم اسند رأسه على المقعد مغمضاً عينيه ، وهو يهمس لها ، يبوح بكل ما يعتمل بصدره :

_ أتعلمين أمراً يا سراب ، تلك الفراشة سرقت قلب شقيقك
ابتسمت سراب بدفء له ، فأكمل هو اعترافه :
_ أنا نفسي لا أعلم متى تغلغل حبها الى قلبي ، أحاول في كل مرة أراها بها أن أتذكر متى وكيف حصل ذلك، لكني لا أجد لأسئلتي إجابة شافية
فتح عينيه يناظر وجه شقيقته ، يبادلها ابتسامة صغيرة ، فيما يكمل :
_تلك الصغيرة التي تماثلك عمراً ، قمر البيت كما كان عمي يناديها ، أتعلمين أنني سألته مرةً إن كنت تحب اسم قمر لما اسميتها ياسمين فأجابني ضاحكا :

(لأنها يوم ولدت لم أرها إلا كياسمينة صغيرة ، رقيقة ، ويوماً ما سيأتي من يمتلأ قلبه بعبق شذاها فتسعد روحه برفقتها )

ولكني لم أظن يوماً أنني سأكون هذا الشخص الذي يمتلأ قلبه بحبها

اعتدل في جلسته يناظر الفراغ أمامه ، فيما شعور مؤلم يتسلل إلى قلبه ، يكمل تصريحاته التي سبق وأخبر بها سراب :
_ لم أعلم من تكون ياسمين بالنسبة لعاصم ، إلا وأنا اتلقى اتصال أبي يطلب مني أن أكون معكم عندما تنتهي تلك الرحلة التي أقامتها الجامعة احتفالاً بالخريجين الجدد، لإنها مريضة جداً ويجب أن أتواجد بجانبكم
يومها فقط علمت أن هذه الفتاة ستكون محور حياتي كله، وأنا أهرع إليكم تاركاً كل شئ خلفي،
لأتلقى بعدها ذلك الخبر المفجع

رنين هاتفه أنقذهما من تلاطم أمواج الذكريات المؤلمة تلك
أشارت له سراب أن يجيب فيما مسحت دموعها التي غافلتها وتساقطت من عيناها وذكرى تلك الليلة تعود إليها ، أما هو فنظر لشاشة الهاتف يناظر اسم جوري ببعض الشرود ، حاول أن يجلي صوته قليلا قبل أن يجيبها :

_أهلاً جوري

أتاه صوتها اللائم له لمغادرته دون أن يعرج عليهما :

_ أين أنتما حتى الآن ، تعلم أن ياسمين بانتظارك

نظر نحو سراب نظرة خاطفة ، ثم عاد ينظر للطريق أمامه ، يجيبها فيما يده تدير مفتاح السيارة استعداداً
للمغادرة :
_ سراب متعبة بعض الشيء يا جوري ،فقررت إعادتها للمنزل

شعر بالندم وهو يسمع صوت جوري القلق :

_ هل هي بخير ،هل تود أن آتي أنا وياسمين إليها

ود لو كان أنانيا ليخبرها أن أجل افعلي ،لكنه لم يكن يوماً حاملاً هذه الصفة ، لذلك أجابها :

_ كلا لا داعي ، سترتاح ما إن نصل للمنزل ، مارأيكم أن نجتمع غداً على الغداء إحتفالاً بياسمين ، أخبري تيم بالأمر

أغلق الهاتف بعد أن أبلغته موافقتها ، حاول ألا ينظر بإتجاه سراب فيشاهد نظراتها اللائمة له لتصرفه هذا ، لكنه يحتاج لترتيب أفكاره ، يحتاج لأن يعلم ما عليه فعله

دخل عاصم غرفته عله يستطيع أن ينال قسطاً من الراحة ، توقف أمام مرآة الزينة يناظر وجهه في المرآة ، أخرج علبة الهدايا من جيب سترته ، ثم وضعها على طاولة الزينة أمامه
فتحها بهدوء ، ثم التقط السلسلة منها ، يناظر القلادة التي تحملها
، فراشة من الذهب الأبيض بأجنحة مزينة بفصوص ماسية ، لامس القلادة بإبهامه وهو يتخيل ياسمين ترتديها ، أعاد القلادة لمكانها هرباً من أفكاره ، ثم مشى نحو باب الحمام بعد أن خلع كنزته الصوفية ليرميها في السلة الخاصة بالغسيل
أفكاره تتصارع داخل عقله ،فلا يجد حلاً لها
وقف تحت رذاذ الماء ،علّ أفكاره تهدأ قليلاً ،عليه أن يصفي ذهنه ، ففي الغد لديه اجتماع مهم من أجل الصفقة الأخيرة ،وعليه أن يكون بكامل استعداده لها ، ولكن عقله وقلبه لا يرحمانه على حد سواء
خرج من الحمام وقد ارتدى ملابس بيتية مريحة
ليقترب من مشغل الموسيقا الموضوع في زاوية الغرفة ،مديراً القرص بداخله فتصدح أنغام الأغنية التي يحب
جلس على الأريكة يستمع للأغنية ، فيما يهاجمه خيالها وهي تقف على خشبة المسرح
انسابت كلمات الأغنية لأذنيه وكأنها تعبر عما يحدث معه اليوم

عيني ياعيني عليكي
كل القلوب بدوب حواليكي ياعيني أما أنا
وحدي أنا
بشوفك بس بعيون غير عيون الناس وأحبك بكل مافي القلب من إحساس

……
بعد بعض الوقت طرقت سراب باب غرفته ثم دخلت حاملة معها كوب حليب دافئ
ابتسم لها وهو يأخذه منها مرحباً به
ثم طلب منها أن تجلس قربه على الأريكة لتتابع معه بعض التصميمات التي يجهزها لمشروعه القادم ، عمله بصنع القطع النحاسية يحتاج لمهارة وإتقان عاليين ، وكذلك يحتاج لأن يكون مبتكراً في التصميمات التي يقدمها
هذا مافكرت به سراب وهي و تراقب التصميمات التي جهزها مسبقاً
حانت منها نظرة نحو العلبة الموضوعة على طاولة الزينة ، العلبة التي تحوي الهدية التي انتقاها عاصم لأجل ياسمين ، حين كانا معا في رحلة في الخارج
تنهدت متألمة لأجل شقيقها تتذكر كلماته حين طلبت منه يومها أن يتخذ قراراً بخصوصها إما يخبرها بالأمر أو يبتعد عنها
تعلم أنها أنانية منها ، لكنها لا تريد لعاصم أن يبقى هكذا ،مشتتاً وغير مرتاح البال
عاصم شقيقها ووالدها بعد وفاة والدهما ،كبير العائلة وسندهم جميعاً هي وجوري وياسمين ، يعيش هذه الحيرة وهذا الألم، لا تستطيع تقبل هذا الأمر أبداً
في ذلك اليوم أجابها بنبرته الحنون :

( أجد نفسي معها عالقا في الوسط ، أخاف أن أخطو باتجاهها فأجد غيري قد سبقني إلى قلبها ، وحينها لن أعود عاصم ذاته بالنسبة لها سيصبح هناك شرخ كبير بيننا ،وأخاف أن أبقى على صمتي فأندم لاحقا ، أنا أخاف عليها من سارق للقلوب يسرق قلبها بعيدا عني ، فيترك قلبي ملتاعا مشتاقا يا أختاه ،لكني في ذات الوقت مستعد لأن أعطيها كل حياتي لأرى البسمة تزين وجهها والسعادة تستوطن قلبها ولو كانت مع غيري )

عادت سراب من ذكرياتها ترنو بنظراتها نحوه
أي حب ذاك الذي يحمله عاصم في قلبه
كم هي محظوظة ياسمين به
هل سيحبها أحدهم حبا مماثلا لهذا الحب
صدح رنين هاتفها الذي كان في جيب ثوبها المنزلي ، فأخرجته لتعلم من المتصل بها ، لتجدها ياسمين
أدارت الشاشة نحو عاصم ثم وضعت الهاتف في كف يده وخرجت لتترك له المساحة الكافية للحديث
امسك الهاتف يجيبها وهو يعلم أنها غاضبة منه

_ اهلا ياسمين

لكن خلاف توقعاته وجد صوتها خائفاً قلقاً

_ عاصم هل سراب بخير .. لقد هاتفتك عشرات المرات وهاتفك مغلق ، هل أنت بخير يا عاصم

أجابها بعد أن أغلق شاشة الحاسوب أمامه ، يمسح وجهه بكف يده لاعناً نفسه لمغادرته الحفل دون رؤيتها

_ يبدو أن شحنه قد فرغ دون أن انتبه إليه ، اعذريني يا ياسمين

كاذب أنت يا عاصم أخبر بها نفسه، فهو اغلقه لعلمه أنها ستتصل ، ولم يكن مستعدا لسماع صوتها في تلك اللحظات لأنه كان سيخبرها حينها بكل شيء
عاد يطمئنها وهو يستمع لسؤالها القلق مرة ثانية :

_ إن سراب بخير ،يبدو فقط أنها مرهقة ،آسف لأنني لم أتمكن من رؤيتك بعد الحفل
آتاه صوتها الذي يعشق هامساً :
_لا بأس عاصم المهم أن سراب بخير
لحظات من الصمت بينهما لتكمل همسها له :
_ المهم عندي أنك كنت متواجداً أثناء الحفل ، غدا لدي الكثير لأحكيه لك ، الى اللقاء
همس بتحية الوداع لها ، ليسمع صوت انقطاع الاتصال
نظر للهاتف بيده ، وشيء غريب أدار زر الإنذار بعقله بعد مكالمتها تلك


نظرت لها جوري بعد أن عادت نحو الصالة حيث تجلس برفقة مربيتهم خديجة

_ هل كنت تحدثين عاصم ؟ هل سراب بخير

سألتها جوري وهي تلاحظ أن شقيقتها شاردة بملكوت أفكارها
أجابتها ياسمين وهي مازالت على ذات الشرود

_ أجل إنها بخير

غيرت جوري مقعدها لتصبح بجانب شقيقتها على الاريكة قائلة بقلق

_ اذا ما الأمر ، لم أراك شاردة بهذا الشكل

قالت ياسمين بخفوت وهي تعقد يديها في حجرها :

_ لا أعلم ، عاصم يبدو غريبا منذ فترة ،أحس أن هناك ما يشغله ويجعله بعيدا هكذا ، في الأونة الأخيرة بات بعيداً جداً عنا ، لم تعد علاقتنا كما كانت في السابق ، ألم تلاحظي ذلك ؟

ابتسمت جوري وهي تربت على ساق شقيقتها ، تخبرها بما تعتقده بخصوص عاصم :

_ أنت تعلمين أن الازمة التي مرت بها سراب لم تكن بالأمر الهين عليه ، وهو يجب أن يساندها حتى تقبل بالعودة لعملها ولكل الأشياء التي تحب، وهناك عمله الذي يحتاج منه كل جهد كذلك ، لقد سبق وأخبرنا عن الصعوبات التي يواجهها في عمله

قالت ياسمين بأمل لم تنتبه له جوري

_ اتظنين ذلك يا جوري

قالت جوري مؤكدة

_ أجل هذا هو الأمر ، والآن هيا حان موعد النوم ،فأنا متعبة للغاية

استقامت واقفة بعد أن أعادت لها كلمات شقيقتها بعض الطمأنينة ثم ألقت تحية المساء مغادرة نحو غرفتها
لكن خديجة قالت وهي تجمع أكواب الشاي عن الطاولة تساعدها جوري بأخذ صحون قطع الحلوى

_ لم لا يكون عاصم واقعاً في الحب ، فهو لا بُد يفكر بأمر الزواج الآن وقد تخطى الثلاثين من عمره بسنوات ، ربما انشغل بفتاة تعرف عليها

وأخفت باقي جملتها في قلبها ( وأنا التي كنت أظنه يحمل مشاعراً لياسمين ،لكن يبدو أنني مخطئة )
نظرت لها جوري بإبتسامة وهي تخطو خلفها نحو المطبخ ، وقد غاب عنها مشاعر شقيقتها تجاه عاصم والتي لاحظتها اليوم سابقاً في الحفل :

_ اتظنين حقا أن عاصم واقع في الحب ،أتمنى ذلك فعلا يا دادا ، فهو يستحق أن يستقر بحياته أخيراً

صوت الضحكات من داخل المطبخ وصلها وهي لاتزال واقفة قرب باب غرفتها ، تهمس لنفسها بصوت مسموع :

_عاصم يحب امرأة ما

همست بها ، وشعور حاد غريب عليها يخترق صدرها بقوة
وضعت يدها على صدرها علّ ذلك الألم يختفي ولكنه كان قوياً ، حاداً
لا يرحمها
هوة من السواد المحيط بها جثمت على صدرها وكأنها ستتسبب بخنقها
لطالما كان السواد محيطاً بها
لكنه سواد مختلف عن هذا
لقد كانت تشعر بنفسها تطفو في فضاء واسع
فضاء خاص بها وحدها ، لكنه يعطي لذاتها قوة غريبة وثقة أغرب
أما الآن فهذا الفضاء ضاق بها بشكل مؤلم حتى كاد يزهق روحها
حاولت تلمس طريقها نحو الداخل ،لكن كل شئ بات مجهولاً لها ، صرخت بألم وهي تصطدم بحافة السرير الخشبية ، انحنت نحو الأسفل تمسك بساقها مكان الإصابة
هرعت جوري وخديجة إليها بعد سماعهم لصرختها تلك
ساعدتها جوري على الجلوس على السرير ، وهي تتفقد قدمها مكان الإصابة ، مرددة بخوف شديد :

_ كيف حدث هذا يا حبيبتي ، أنت لم تصدمي نفسك قبلا ،ياسمين هل أنت بخير يا أختي

شهقات ياسمين الباكية ، أجفلت كلا من خديجة وجوري ، لتسارع جوري لضمها إليها هاتفة بها بألم :

_ أين هو الألم أخبريني ، ياسمين أخبريني عما يؤلمك

كانت ياسمين تضم يدها لصدرها بقوة ، حيث مكمن الآلم الحقيقي ، ولكن نبرة جوري جعلتها تحاول التماسك وهي تجيب من بين شهقاتها

_ قدمي فقط يا جوري ، قدمي تؤلمني

ضمتها جوري إليها تهمس لها أن لا بأس ، فيما قالت خديجة

_ يجب أن نعالجها ،سأجلب لك مرهما مسكنا

غادرت خديجة بخطوات مسرعة لإحضار المرهم تاركة ياسمين بين ذراعي جوري التي تهدهدها كطفل صغير وهي تشاركها البكاء بصمت ، وكأن الألم انتقل من قدم ياسمين لقدمها هي

بعد بعض الوقت كانت ياسمين قد غفت فتركتها جوري وغادرت نحو الصالة
سألتها خديجة بصوت حنون :

_ هل نامت أخيرا ؟

اومأت لها جوري بالإيجاب قائلة

_ أجل ، يبدو أن السبب هو إرهاقها طول هذه الفترة ، تصبحين على خير يا دادا فأنا أيضاً بحاجة للراحة

بادلتها خديجة تحية المساء ، وجوري تغادر نحو غرفتها لتنال قسطا من الراحة شاكرة لله أن غدا هو يوم عطلة
استلقت على سريرها تحاول النوم ، لكن أفكارها قادتها لما حصل مع ياسمين اليوم ، توسعت عيناها بصدمة وهي تهمس لنفسها قائلة بتوتر

_ هل يعقل أنها تحمل مشاعر حب لعاصم ، هل سمعت كلامي أنا ودادا عن حب عاصم لامرأة أخرى

استوت جالسة في مكانها وقد اكتسى الذعر ملامحها ، تكمل همسها لنفسها :

_ لكن كيف ذلك ، كلا لا بُد أنني مخطئة ، ثم لو فرضت أن ما أفكر به صحيح ، هل عاصم يبادلها الشعور أم لا ، لا أظن أنه يفعل ، فارق السن بينهما كبير ، ثم لطالما كان بمثابة شقيق لنا

تنهدت بخفوت ثم عادت تستلقي وعيناها تناظران سقف الغرفة بشرود ، لكن مالبثت أن أغمضت عيناها بإرهاق مستسلمة لسلطان النوم فالتعب هذا اليوم قد أخذ منها كل مأخذ
…..
استيقظت جوري على رنين هاتفها الصاخب، امسكت الهاتف الموضوع على الطاولة قربها ، تجيب بصوت ناعس :

_ ما الأمر تيم ؟

أتاها صوته العابث ، وقد علم أنها كانت تغط بالنوم :

_ ويل لقلب تيم من نبرة صوتك الصباحية ، جوريتي

ابتسمت بجذل ، وما زالت عيناها مغمضتان تستمع لكلمات الغزل التي يغدقها بها ، فتشعر بنفسها ملكة متوجة على عرش قلبه
قالت وهي تعتدل في نومها لتصبح مستلقية على ظهرها ، بينما عيناها تنظران للرسومات المنقوشة على سقف غرفتها :

_ اتعلم ما يجعلني مميزة يا تيم ، ذلك الحب الذي ينبض بداخلي لأجلك ، يجعلني أشعر بنفسي أميرة بحق وأميري الغالي هو أنت

أجابها تيم ومشاعره لا تقل عن خاصتها صخباً ، وهياماً بكل ما يخصها :

_ ياقلب تيم وعمره كله ، أنت جوهرتي الثمينة
ثم تحولت همساته لبعض الجد ، وقد انتبه للوقت الذي داهمه بينما يحادثها :
_ قبل أن أغرق في غزلك الصباحي هذا الذي سيفقدني عقلي يا جوري ، دعيني أخبرك لما اتصلت بك في هذا الوقت ؟

تفطنت أنها لم تسأله عن سر اتصاله الصباحي وهو من يقدس يوم العطلة، والإستغراق بالنوم فيه ، لذلك استعاد وجهها بعض الجدية وهي تستوي جالسة في سريرها ، تزيح خصلات شعرها عن وجهها بينما تقول:

_ حقا نسيت أن أسألك لم اتصالك في هذا الصباح سيد تيم ؟

أتاها صوته الضاحك والذي تخللته موجة من السعادة وصلت إليها واضحة :

_ احفظي هذا التاريخ جيداً ، فجر هذا اليوم أنارت أسرتنا المتواضعة زهرة جديدة

قفزت من سريرها بحماس ، تفتح خزانتها لتخرج ملابسها وهي تردد بسعادة بالغة ، تمطره بأسئلتها :

_ حقاً ماتقول ؟ هل أنجبت ورد ؟ كيف حالها ؟ هل هي بخير ؟ والصغيرة ؟ ثم لم لم تهاتفني سيد تيم لأكون بجانبها ؟

أمرها بحزم رقيق :

_ توقفي عن سيل الاسئلة هذه لأتمكن من إجابتك ؟

لكنها أجابته بحزم أكبر وهي تضع ماتريد ارتدائه على حافة السرير :

_ ستجيبني عن أسئلتي كلها عندما أصل إليك ، أرسل لي إسم المستشفى ، دقائق وأكون هناك ، والآن وداعاً

اغلقت الهاتف دون أن تنتظر إجابته ، وقد اخذ منها فرحها بإنجاب ورد لصغيرتها كل تعقلها في هذه اللحظات
جهزت نفسها للخروج بعد أن أخذت حمامها
و قبل أن تغادر عرجت على غرفة شقيقتها لتطمئن عليها
طرقت الباب طرقة واحدة ثم دخلت بوجهها البشوش تلقي تحية الصباح ، فوجدتها ما زالت جالسة في سريرها ، تستمع للموسيقا من المسجل الموضوع على الطاولة الصغيرة بجانب السرير ، قالت ياسمين مبتسمة :

_ صباح الخير جوري، هل تجهزت للخروج في هذا الصباح ؟

جلست جوري قربها على طرف السرير، تهديها قبلة صباحية وهي تقول :

_ أجل ، لدي خبر مفرح لك

اكتسى وجه ياسمين معالم الاستغراب وهي تقول
_ ماهو أخبريني ؟

بصوت يحمل البشرى السعيدة أجابتها جوري :
_لقد أنجبت ورد طفلتها فجر هذا اليوم

صفقت ياسمين بسعادة وهي تهلل وتقول :

_ الحمدلله ،الحمدلله ، إنه أجمل خبر يا جوري
ثم دفعت شقيقتها بكفي يدها لتجبرها على النهوض عن السرير وهي تأمرها :
_ اذهبي بسرعة إليها ، واتصل بي لتخبريني كيف هي صحتها وكيف هي الصغيرة ،هيا اذهبي وأنا سألحق بك بعد بعض الوقت ، بعد أن أهاتف حلا لترافقني

_حسنا سأذهب وسأتصل بك حالما أصل

قالتها جوري وهي تمسك حقيبتها لتضعها على كتفها ، لكنها قبل أن تخرج من غرفة ياسمين ، استدارت لها وهي تقول :

_ اه نسيت يا ياسمين ، بشأن دعوة عاصم لنا اليوم على الغداء

ولذكر اسمه آثر بالغ عليها ، يرفرف قلبها بصخب داخل جنبات صدرها ، لكن العقل يعود ليقيده وهو يذكرها بما سمعته البارحة من جوري ، ورغماً عنها شعرت بذلك الألم مجدداً ، لكنها أخفت كل ذلك ببراعة عن جوري ، التي أكملت كلامها :
_ سوف أتصل به لأخبره أننا غير قادرتين على تلبية دعوته اليوم ، ما رأيك

بخفوت أجابتها ياسمين :

_ أجل ، هذا أفضل

غادرت جوري ، بينما هي عادت تستند على حافة السرير ، و مشاعر كثيرة تتصارع داخل قلبها وعقلها
مدت يدها نحو الدرج العلوي للطاولة الموضوعة بجانب السرير ، حركت يدها بداخله حتى عثرت على غايتها ، أخرجت العلبة النحاسية وأمسكتها بكلتا يديها وهي تعود لتريح جسدها على حافة السرير
أناملها تتحرك ببطء شديد على الأحجار الكريمة التي زُيّنت بها العلبة
تستطيع تخيل شكلها ، علبة كروية الشكل من النحاس الأصفر كما وصفها لها عاصم
مزينة بأحجار ملونة خضراء وحمراء وفضية ، لقد كانت هدية عاصم لها منذ سنوات مضت ، يومها أخبرها أن هذه القطعة هي أول عمل متقن له بهذا الشكل لذلك قدمها لها كهدية لتحتفظ بمجوهراتها أو أشيائها الصغيرة الخاصة بها
عاد الألم ليعبر نحو قلبها وهي تتخيل عاصم رفقة امرأة ما
هل يعقل أن عاصم لايشعر بمشاعرها نحوه ، ابتسمت بتهكم وهي تخبر نفسها
( ربما هو لا يحمل لك إلا مشاعر الأخوة فقط ،مثلك مثل جوري وسراب ، وهل تلومينه لذلك ، لطالما كان تعاملكم مثل الأخوة )
تنهدت بخفوت شديد وهي تضم العلبة لصدرها بينما تعود بذاكرتها لسنوات مضت ، في بداية مراهقتها ، في تلك الاثناء كان عاصم قد تخرج من الجامعة
كان في كل مرة يستطيع ترك العمل مع والديهما ، يأتي ليقلها من المدرسة الخاصة التي وضعت بها لتتمكن من متابعة تعليمها المدرسي دون أن تشعر بوجود عائق قد يسببه لها فقدانها للبصر
كم كانت تغدو سعيدة وهو يخبرها أنه أتى خصيصاً ليقلّها نحو المنزل ، فتخبر صديقاتها بفرحة طفلة أن هذا هو ملاكها عاصم ابن عمها وبمثابة شقيق لها
ولكن مع مرور الوقت ومع تركها لثوب المراهقة وارتدائها لثوب الفتاة الشابة وجدت أن مشاعرها نحوه بدأت تأخذ منحى آخر تماماً
بدأت تشعر به بطريقة مختلفة ، يرفرف قلبها لذكره ، تحتفظ حواسها برائحة عطره ، بنبرة صوته ، وتحتفظ روحها بذكرى ابتسامة قديمة
وغدا أمير أحلامها الذي تغني له في كل مرة ، لتعلم أنها غارقة بحبه ، وأن مشاعرها نحوه لم تعد كما السابق أبداً
وكم حاولت عدم إظهار تلك المشاعر ، إخفاءها بين أضلعها ، مخافة أن تتهمها جوري بأنها صغيرة ولا تعلم كيف تفسر مشاعرها له كما فعلت قبلاً حين حاولت التلميح لها عن مشاعرها التي بدأت تتحرك ناحية ابن عمها
ولكنها في كل مرة يأتي فيها ذكره ،وفي كل مرة تلتقيه تجد نفسها تفقد السيطرة ، فتهفو روحها إليه ، وينده قلبها باسمه
ولكن
وألف لكن الآن بدأت تسكن عقلها
عاصم لا يشعر بها ، عاصم ربما عاشق لأمرأة أخرى
ربما فتاة يحبها منذ سنوات وينتظرها ، وإلا لماذا تأخر بالزواج لهذا السن ، لقد تخطى السادسة والثلاثين ، فلم لم يتزوج حتى الآن
آهة عميقة خرحت منها ، وهي تكبت دموعاً بداخلها
صوت خديجة المنادي لها ، جعلها تستعيد السيطرة على نفسها
أعادت العلبة لمكانها ، ثم غادرت السرير بخطوات متأنية أكثر من السابق ، خاصة مع ألم قدمها الذي لم يخف بعد
…..
فتح عاصم عيناه بصعوبة على رنين الهاتف بجانبه ، تأفف بتعب وهو يشاهد رقم زياد يضيء الشاشة
استوى جالساً في السرير ، ينفض عنه آثار النوم الذي غرق به بعد تعب شديد ، عاد الهاتف لرنينه وكأن زياد يصّر عليه أن يجيب ، ولم يهمل له ذلك ، لأنه يعلم أن زياد لا يتصل يوم العطلة إلا لأمر مهم ، ماإن أجاب حتى بادره زياد قائلاً :
_ هل ما زلت نائماً لهذا الوقت
نظر عاصم للساعة فوجدها قد تجاوزت وقت الظهيرة ، قال وهو يغادر فراشه :
_ لم أنم إلا بعد الفجر بقليل ، ثم إن اليوم عطلة
قال زياد بعجلة :
_ جهز نفسك وتعال إلى المقهى الذي نجتمع به ، انتظرك هناك لأمر مهم
ولم ينتظر زياد الإجابة وإنما أغلق الهاتف مسرعاً ، نظر عاصم للهاتف باستغراب ، ثم رماه على السرير متجهاً نحو الحمام ليزيل عنه آثار النوم
….
وصل عاصم إلى المقهى الذي يجتمع فيه مع زياد ومراد عادة ، ودائما ما يختارون إحدى الطاولات الموضوعة خارج المقهى على الرصيف الحجري ، ومثلما توقع وجد زياد بانتظاره ، ألقى عليه تحية الصباح ثم اتخذ له مقهداً مقابلاً لزياد ، وبعد أن طلب من النادل احضار القهوة له ، نظر نحو زياد يسأله باهتمام وقد ظهر على ملامحه عدم الارتياح :
_ ما الأمر يا زياد ، ملامحك لا تنبيء بخير
انتظر زياد حتى وضع النادل فنجان القهوة وغادر ، ثم قال بتنهيدة متعبة :
_ إنه ذات الأمر الذي نواجهه يا عاصم مع كل طلبية يطلب منّا إنجازها
فهم عاصم ما يرمي إليه زياد ، فقال وقد بدأ عقله يذكره بتداعيات آخر صفقة تم عقدها البارحة وضرورة قيامهم بها :
_ ما المشكلة هذه المرة أخبرني ؟

حرك زياد فنجان القهوة الذي شارف على الانتهاء بيده ، وهو يجيبه :
_ كمية المواد الأولية التي نملكها في المستودع لا تكفي ، والسوق الآن يعاني من شحّ شديد بها
أجابه عاصم بتمهل :
_ لا بأس يا زياد ، نسافر إلى المحافظات المجاورة ونحاول تأمين ما يلزمنا
أومأ له زياد بأجل ، بينما عيناه التقطت اقتراب مراد منهم وهو يسير الهوينى نحوهم بعد أن وضع سيارته مثلهم في الشارع القريب المؤدي للمقهى
ألقى عليهم التحية ، ثم انضم إليهم في جلستهم المعتادة ، طالباً من النادل احضار فناجين قهوة لثلاثتهم ، نظر نحو صديقيه ثم قال بتأكيد :
_ مشكلة جديدة في العمل أليس كذلك ؟
أجابه زياد بنبرة متعبة :
_ أجل ، إن الأمر يزداد صعوبة عن ذي قبل
رشف مراد من فنجان قهوته ثم قال :
_ أتعلمان أفكر أحياناً بإغلاق متجري والبحث عن عمل آخر ، لكن نظرة مني للعمال الذي يعد متجري مصدر رزق لهم ، يجعلني أستبعد تلك الفكرة
نظر عاصم نحو مراد وهو يقول :
_ وأنا مثلك صدقني ، الجميع يظن أننا نجني ثروات بسبب عملنا هذا ، لكنهم لا يعلمون الصعوبة التي نعانيها في تأمين المواد الأولية ، ولا في ايجاد التسويق المناسب لها وقد بات الجميع يتجه نحو المنتجات الصينية التي غزت الأسواق بثمنها القليل
أكمل مراد الحديث عنه :
_ ولا تنس مشكلة الحفاظ على اليد العاملة لدينا ، إن من يعمل بهذه الحرف هم قلّة وعلينا التمسك بوجودهم والحفاظ على حقوقهم ، ولكن حين يخف الطلب على المواد التي ننتجها ، تصبح الأجور قليلة فيضطرون للبحث عن عمل آخر
نظر لهما زياد ثم قال متهكماً من الوضع برمته ، ومحاولاً بذات التخفيف عن صديقيه :
_ هيا توقفا عن هذا الكلام أيها التاجران العريقان ، وأخرجا صناديق الذهب التي تخفيانها ، أليس هذا ما يُقال عن التجار أمثالكما
ضحك الاثنان وشاركهم زياد الضحك كذلك ، لينهي عاصم موجة الضحك تلك قائلاً :
_ مراد
نظر له مراد مستفهماً ، فأكمل حديثه :
_ في اجتماع النقابة علينا أن نتحدث عن كل الصعوبات التي نواجهها ، وعلينا أن نجد طريقةً جديدة للترويج لمنتجاتنا وإلا فإننا سنضطر فعلاً لإغلاق متاجرنا إن بقي الحال على ماهو عليه .


كان ميار جالساً في غرفته يتابع ردود الأفعال في الشبكة العنكبوتية على حفل البارحة
ابتسامته لا تفارق وجهه مع كل تعليق يمدح الحفل و ما قدمته فرقته ، وضع كوب قهوته جانباً وهو يرسل بعض المقالات لبريد حسان ، والبقية الذين يستعملون حسابات الكترونية
يريد لهم أن يعلموا مدى النجاح الذي حققوه
رنين هاتفه جعله يضع حاسبه جانباً ، ملتقطاً هاتفه عن الطاولة جانبه وقد ظن أن المتصل حسان
لكن الرقم الغريب الذي ظهر له جعله يضيق ما بين حاجبيه متسائلاً عن هوية المتصل به ،وطبعاً لم ينتظر طويلاً ، فتح الخط مجيباً المتصل والتي لم تكن سوى امرأة ، عاد ينظر للهاتف ثم أعاده نحو أذنه متسائلاً
_عذراً منك ، لكن من معي ؟
صوتها الهادئ و الواثق في ذات الوقت وصله وهي تجيب سؤاله :
_ أنا الصحفية شمس ، وأود لقاءك لأمر ضروري

noor elhuda likes this.

فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-03-21, 02:21 AM   #7

Soy yo
عضو جديد

? العضوٌ??? » 390429
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 483
?  نُقآطِيْ » Soy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا حبيبتي......فصل جميل كتمهيد للأحداث ...و سوء الفهم الي بين عاصم و ياسمين بسسب عدم بوح و فهم مشاعرهم لبعض....اظن ان الصحفية ستكون باب الخير على الفرقة و سبب في شهرتها اتمنى ذلك...اتمنى لك التوفيق بإذن الله

Soy yo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-03-21, 08:19 PM   #8

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثالث

حسبي وحسبك
أن تظلي دائما
سراً يمزقني
وليس يقال
نزار قباني
……...


عدة أيام قد مرت عليها دون أن تراه أو تسمع صوته وليس من عادته الابتعاد بهذا الشكل
تشعر بشعور غريب وجديد عليها من الوحدة
جوري مشغولة بعملها وكذلك مع ورد والصغيرة ، تكاد لا تراها إلا لماماً في المساء فقط
أما هي فقد أغرقت نفسها أكثر بتدريبات الفرقة
باتت تتدرب لساعات إضافية متناسية كل شيء
بل بالأصح تحاول أن تنسى
تنسى أنه لأول مرة يبتعد كل هذه المدة دون أن يكلمها
بأن هناك أموراً تغيرت منذ فترة بينهما ، ولكنها كانت لا تنتبه لها
هل حقا كما قالت جوري توجد فتاة يحبها لذلك هو مشغول بها الآن
حاولت إبعاد تلك الفكرة عن رأسها فهي تنكر هذا الأمر وبشدة
كلا لايوجد أي فتاة بحياته، وإلا كان أخبرها فهو لطالما كان يخبرها بكل شيء يخصه
تنهدت بتعب وهي تحاول ألا تغرق بكآبة أفكارها أكثر
تنبهت حواسها وهي تنتبه لجلوس أحدهم بقربها في الركن البعيد من صالة التدريبات الذي اختارته لتحظى ببعض الخصوصية
قالت وهي تحاول رسم ابتسامة على وجهها :
_ أهلا شادية ، لقد ظننتك لن تحضري اليوم
أجابتها شادية بصوت خافت حزين :
_ أهلاً ياسمين
تنبهت ياسمين للنبرة المنكسرة التي يحملها صوت صديقتها ، فمدت يدها تربت على كتفها قائلة :
_ ما الأمر ، لم أنت حزينة بهذا الشكل
لم تستطع شادية أن تكبح دموعها التي انهمرت بقوة ، وكم حمدت الله لأن ياسمين اختارت هذا المكان البعيد نسبياً عن أعضاء الفرقة الباقيين ، فهي لا تريد لأحد أن يراها بهذا الوضع ، بكاؤها جعل قلب ياسمين يختض بداخلها خوفاً على صديقتها ، فبحثت بكفي يدها عن وجه الأخيرة ، تمسح بهما دموعها التي تسابقت للهطول وهي تقول :
_ لا تفزعي قلبي عليكي ، و أخبريني ما الذي حصل لتنهار هكذا ؟
لامت شادية نفسها وهي تستمع لنبرة صوت ياسمين المتوترة والخائفة ، فقالت وهي تمسح دموعها :
_ انا فقط اشعر بألم في صدري يا ياسمين ، وأحتاج للحديث

أمسكت ياسمين بكف يدها وهي تربت عليها ، تهمس لها بصوتها الحنون :
_ما الأمر تحدثي ، أخرجي ما في قلبك
اعتدلت شادية بجلستها ، تضع العكازين بجانبها ، شردت للحظات في الفراغ ، ثم قالت ببحة زادتها دموعها التي عادت للتجمع في عينيها انكساراً ، بينما تعقد يديها فوق حجرها تحاول ألا تنهار هنا :
_ إنه نفس الأمر ، نفس النظرات التي أراها في عيون من حولي حين يشاهدونني
وخزات من الألم ضربت قلب ياسمين وهي تعي مقصدها ، فقد سبق وحدثتهم شادية عن مشكلتها في يومها الأول لها معهم في هذه الفرقة
، امسكت بعصاها التي تساعدها أثناء المشي ، وكأنها تطلب منها العون ، بينما أكملت شادية بحرقة :
_ ولكني كنت قد أوهمت نفسي بأني لا اهتم ، لا اكترث
لكن اليوم لم استطع التجاهل أكثر ، لم أستطع إلا أن أشعر بانشطار روحي لقسمين
وانخرطت مجدداً بالبكاء ، ضمتها ياسمين إليها وهي تربت على ظهرها قائلة :
_ لم كل هذا
عادت شادية تبتعد عنها وقد تحول بكائها لشهقات ناعمة ، أغمضت عيناها للحظة وكأنها تهرب من تلك الذكريات ، ثم عادت تقول :
_ اليوم وصلت زوجة خالي وابنتها من السفر ، ابنة خالي كانت صديقتي المقربة في سنوات طفولتنا ، لكننا افترقنا بسبب سفر أهلها للخارج ، اليوم كانت سعادتي كبيرة وأنا اتحضر لاستقبالهم ، أعد ما تحب من أطباق شهية لأشعرها بأنني لم أنساها لحظة واحدة ، لكن صدمتي كانت كبيرة و أنا أرى نظرات النفور منها ومن صديقة احضرتها معها
استنكرت ياسمين ما سمعته ، وشعور بالغضب بدأ يتولد لديها ، بينما شادية تكمل اعترافاتها :
_ لقد سمعتهما يا ياسمين يستهزئون من شكل قدميّ، لم تهتما أنه من الممكن أن أكون قد سمعتهما ، لم يهتما لإيلامي بضحكاتهما تلك ، و أنا أنظر لنفسي لأول مرة و أجد أن هناك نقصاً تناسيته
رفعت رأسها تناظر صديقتها وكأنها تشعر بأن ياسمبن ترى ملامحها الآن ، تكمل بتساؤل مرير :
_هل تناسيته حقاً ، كلا أنا لم أنسى

_ توقفي عن هذا الهذيان
أمرتها ياسمين بحزم ، ثم عادت تمسك كف يدها ، تضغط عليه برفق وهي تقول :
_ أنت بالتأكيد مختلفة عنهما ، لكن الاختلاف بداخلك يا شادية ، هما من تنقصهما الرحمة وينقصهما الضمير ، هما الغافلتان عن الجوهرة التي تكونينها أنت
عندما لامست بحدسها الذي لا يغيب عدم اقتناع شادية بكلماتها ، اكملت بهمس جاد :
_ لو ان الله خلقنا متشابهين يا شادية ، نوع واحد من الزهور بلون واحد فقط في بستان ضخم ، ضخم جداً هل كان هذا ليجعلنا نشعر بتميزنا ، ليجعلنا نشعر بالنعم التي اسبغها الله علينا
نحن ننتمي لبستان ضخم ، لكنه مزدان بأنواع كثيرة جداً من الزهور ، و الملونة بألوان مختلفة ، ولكل زهرة مايجعلها مميزة ، وكذلك هناك الاعشاب الضارة التي تحاول بشتى الطرق أذية هذه الزهور
فلم نسمح لها أن تصل لما تريده
ربما أنت لا تمتلكين قدمين صحيحتين ، و أنا لا أرى لكن صدقيني بأننا نمتلك أشياء أخرى تعوض عن هذا الأمر
والأهم أننا نمتلك قلبا رحيماً يا شادية
ونمتلك صداقتنا ودعمنا لبعضنا ، نمتلك عائلة تحبنا ، نمتلك الكثير صدقيني ، لذلك انفضي عن ذهنك ما حدث منهما ، وعودي صديقتي شادية التي تنشر البهجة حولها بمزاحها الرقيق ومقالبها التي لا تنتهي
ارتسمت ابتسامة ممتنة على وجه شادية وهي تقول :
_ الأهم أني امتلك صديقة مثلك يا ياسمين ، قوية ، وتعطي دعما لا محدود لمن حولها


كان ميار واقفاً بالقرب منهما وقد وصل إليه بعض من كلمات ياسمين ، كم يحب قوتها هذه ، تصرفاتها التي لا تصدر إلا عن انسانة تمتلك شخصية قوية وبذات الوقت رقيقة كزهرة الياسمين كما اسمها
راقب مغادرة شادية بعيداً عنها بعد أن استعاد وجهها لونه الطبيعي ، واستعادت الابتسامة التي تميزها ، أنهى إعطاء تعليماته لحسان بخصوص بعض التدريبات ، ثم عادت عيناه لمراقبتها وهي ما تزال على ذات الجلسة ، ويبدو أنها غارقة بالتفكير بأمر ما يجعلها منفصلة عنهم بهذا الشكل هذا اليوم
يداها تتحركان برتابة على العصا التي تستعملها أثناء المشي
هناك أمر يحزنها ، فهو لم يعتد ملامحها المتجهمة بهذا الشكل ، ولا شرودها أثناء العمل ، يجب عليه معرفة مايشغل بالها بهذا الشكل .
أعطى إشارة للفريق بأن التدريب انتهى ، وعاد لوقفته الأولى وهو يضع يديه في جيبي سرواله الجينز ، يراقب تلك التعابير التي تتابع على صفحة وجهها
يحبها كيف يمكن له أن ينكر أنه يحبها
لأول مرة في حياته يذق مثل هذا الشعور
شعور أن يحب
عندما تغني يشعر بصوتها يسحر قلبه
وعندما تبتسم يشعر بصدى ابتسامتها يرتد داخل قلبه فيزيده سعادة
لذلك لن يدخر جهداً بأن يقترب منها
بأن تكون من نصيبه ، شريكة حياته القادمة
خطا نحوها ثم جلس قربها على مقعد مجاور ، قال وهو يشبك كفي يده ببعضهما ، ويسند مرفقيه إلى ركبتيه محنياً ظهره قليلاً :

_ أراك مشغولة الفكر هذه الأيام يا ياسمين ، ما الأمر أخبريني ؟هل أنت متعبة من التمارين أم ماذا ؟

توقفت عن حركاتها الرتيبة تتنهد محاولة ألا تظهر أي من مشاعرها على وجهها ، فهي لا تريد لأي أحد أن يعلم بما يعتمل بقلبها من حزن وألم وحيرة ، لذلك أجابته قائلة :

_ لاشئ بي ، كل ماهنالك أنني أود أن أكسر هذا الروتين الذي أعيش به

سألها وقد استشعر محاولتها لإخفاء حقيقة مايجول بداخلها :

_ ما الذي تريدين فعله ،أخبريني

قالت فيما عيناها كما العادة دائما تبدوان كما لو أنهما تنظران بثبات نحو نقطة معينة في الفراغ أمامها :

_ لاأعلم ،منذ أشهر وأنا أشعر أنني أمارس ذات الأشياء كل يوم ، أحب الغناء كثيراً ،لكني أرغب أن آخذ استراحة لفعل شيء آخر

استغرب كلامها ، وبذات الوقت شعر بضيق غريب بداخله من كلماتها ، سألها محاولاً أن يخمن سبب رغبتها بالإبتعاد عن أكثر شيء تحبه :

_ هل هناك ما يضايقك هنا ؟

أجابته نفياً وقد أزعجها أن الأمر وصله بهذا الشكل الخاطئ :

_ كلا ، كيف يمكن أن يكون هناك ما يضايقني هنا ، كل مافي الأمر أن اعتدت فعل أشياء كثيرة رفقة جوري لكنها هذه الفترة مشغولة جداً ولا أريد أن أعطلها عن التزاماتها

قال متفهماً لما قصدته ، وقد تسلل شعور بالراحة إليه بعد نفيها لوجود شئ يضايقها يخص وجودها بينهم :

_ مارأيك أن نحاول إيجاد أمر جديد نقوم به جميعاً ، فاعتقد أنك لست الوحيدة التي تعاني بسبب الروتين اليومي

استطاع أن يجذب انتباهها ، وقد ظهر ذلك على ملامح وجهها المارقبة لما سيقوله، فأكمل مبتسما ً

_ سوف نسأل الأنسة مدى ، ونرى ما الذي يمكن لنا أن نفعله من نشاط جماعي

اومأت برأسها إيجابا وقد شعرت ببعض السعادة لأنها ستشغل نفسها بعيداً عن كل هذا التفكير المرهق لها
اقتربت الأنسة مدى المسؤولة معه عن هذا الفرقة وتدريباتها قائلة بضحكة وهي تضييق عيناها وكأنها ضبطتهما يتحدثان عنها :

_ لقد سمعت إسمي يتردد هاهنا ، فأتيت لأعرف ماذا تقولون عني ، هيا اعترفا أنتما الاثنان

ثم جلست قربهما ، هي فتاة تماثل ميار بالعمر وتعمل كمدرسة مثله في هذا المعهد ويتقاسمان مسؤولية هذه الفرقة المميزة
قال ميار بمناكفة لها :

_ لا يمكن لي أن أخبرك ما الذي كنا نقوله عنك ؟ فقد تتسببين لنا بكارثة نحن بغنى عنها

تصنعت مدى الصدمة من حديثه وهي تهتف :
_ أنا سأتسبب بكارثة

نفت ياسمين ضاحكة ، وهي التي تعلم عن مشاكسات هذين الاثنين لبعضهما :

_ كلا لاتصدقي ذلك ، إنه يمازحك فقط

نظر لها بنظرات تحمل بين طياتها عشقاً من نوع خاص ، كم راقه أن الضحكة عادت لتزين وجهها ، كم يود لو يتمكن من إبقائها هكذا بقربه ، تبتسم له هذه الابتسامة ،كم يود أن …
هرب من أفكاره التي ستأخذ منحى خطيراً ،مدعياً الضحك وهو يقول :

_ بهذه السهولة تقرين بالأمر يا ياسمين
ثم رفع يديه علامة الاستسلام مخاطباً مدى :
_حسنا أنا أستسلم كنت أمازحك يا مدى

ثم أكمل بجدية ناظراً لزميلته :

_مدى ، إن ياسمين تطلب أن نقوم بنشاط جديد يحفز الفرقة أكثر، فيبدو أن بعض الملل نتيجة الروتين المتكرر بدأ يتسرب للبعض وهي أولهم

قالت مدى بابتسامة حنونة وهي تناظر أعضاء فرقتها التي تحب :

_لم لا ، جميعا نحتاج لأن نغير من روتين حياتنا بين فترة وأخرى ، ولكن هل وجدتما نشاطاً جديداً نقوم به بعيداً عن تدريبات الفرقة

أجابتها ياسمين برقتها المعهودة :

_ كلا لم نفعل بعد ،قررا أنتما ونحن ننفذ ، والآن أعتذر لعدم إكمالي الحديث معكما فأنا قد تأخرت ولابد أن جوري في طريقها إلي الآن ،انتظر بشوق اقتراحاتكما

واستقامت واقفة ، تمسك بعصاها لتستدل بها على الطريق ، بينما عينا ميار تراقبان خطواتها بعد أن اقتربت إحدى صديقاتها تمسك بيدها لتخرجا معاً
ثم استقام هو الآخر واقفاً يتبع مدى لمساعدة بعض أعضاء الفرقة في توضيب حاجياتهم قبيل المغادرة

وبعد أن غادر الجميع
جلست مدى على المقعد تلملم أشياءها فيما كان ميار يعيد بعض المعدات لأماكنها، قال وهو ينظر للقاعة الخاصة بالتدريب :

_ اتعلمين يا مدى أنني تعلقت بأعضاء هذه الفرقة كثيرا ً

قالت وهي تضع حقيبتها على كتفها استعداداً للرحيل ، بعد أن ربطت خصلات شعرها برباط مطاطي

_ وأنا مثلك تماما تعلقت بكل فرد منهم ، و الآن هيا بنا لقد تأخرنا كثيراً ، و الحافلة ستنطلق خلال لحظاتً

خرجا معا يسيران بجانب بعضهما حتى وصلا الى موقف الحافلات الخاصة بالمدربين ، صعدا الحافلة التي ستقلهما نحو المنزل ،
جلس قربها على المقعد وهو يقول

_ اتمنى أن نجد فعلاً طريقة للترفيه عنهم

أجابته فيما عينيها تراقب الطريق الذي يقطعانه كل يوم في ذهابهما وإيابهما لعملهما في المعهد الموسيقي

_ سأفكر بالأمر لا تقلق

هز رأسه بالإيجاب ثم أغمض عينيه محاولاً أخذ استراحة قبل وصوله لموقف منزلهم
ولكن راحته لم تطل وهاتفه يعلو بالرنين ، قالت مدى بمرح :
_ أجب على الهاتف ، فالجميع في هذه الحافلة يرغبون ببعض الهدوء
نظر لها شزراً ، لكنها حركت له كتفيها بعدم اهتمام وهي تدير وجهها عنه ، أجاب الاتصال قائلاً :
_ أهلاً شمس
نظرت له مدى بطرف عينيها وكأنها تسأله من شمس هذه ، فأغاظها بتحريك حاجبيه ، مما جعلها تزم شفتيها غضباً وتدير وجهها بعيداً عنه مجدداً ، لكن أذناها تلتقطان الحديث بشكل تام ، قال ميار بنبرة خجولة :
_ لقد نسيت اخبارهم بالأمر اعذريني ، غداً سأطلعهم عليه وأخبرك بما يجد من أمور ، حسناً إلى اللقاء
أغلق الهاتف ، ثم عاد يغمض عينيه ، محدثاً مدى بمشاكسة :
_ لن أخبرك بما تريده شمس ، ولا من تكون هي
أتاه صوتها بنبرة مستفزة :
_ وهل سمعتني أسألك عنها ، لوحدك ستأتي وتخبرني يا سيد ميار
_ سنرى
كانت هذه إجابته المستفزة هو الآحر ، قبل أن يشرد كل منهما بأمر يخصه
……
وصل الجميع إلى منزل سند ، ذلك المنزل الذي مازال محافظاً على عراقته رغم التطور العمراني حوله ، منزل بني بطراز قديم ، حيث تتوسط المنزل باحة واسعة زرعت في إحدى جوانبها شجرة ليمون ضخمة ، وعلى جنبات الباحة رصفت أصائص مختلفة الأحجام تحتوي على العديد من النباتات والزهور ، وفي وسطها نافورة ماء تزيد من المشهد جمالاً
بينما توزعت الغرف على جوانب الباحة ، لتطل نوافذها العملاقة على باحة الدار
لقد طلب منهم سند أن يكون منزله محطة لقائهم المنتظر بالصحفية شمس ..
بعد أن حدثهم ميار عن رغبتها بلقائهم .
قابلوها لتخبرهم عن الأمر الذي دار بخلدها عقب حضورها للحفل الذي أقاموه قبل مدة ، وبعد موافقتهم اقترح سند أن يجتمعوا في منزله ، فهو يكره الأماكن المغلقة وخاصة حين يضطر لأن يتحدث عن ذكرياته ، وربما الجميع مثله ،يرغبون بمكان يشعرهم بأنهم أحرار ،غير مقيدين ، لذلك كان اقتراحه هذا الذي وافقه عليه الجميع .
وصلت شمس قبلهم لتجهز أدواتها التي ستستعملها أثناء لقائها بهم ، ثم تبعها البقية رفقة ميار بينما تغيبت مدى عن الحضور.
جدة سند آثرت أن تجلس في غرفتها كي لا تعرقل عملهم الذي حدثها عنه حفيدها .
اتخذ كل فرد منهم مقعده ، وكأنهم في جلسة تعارف يقومون بها للمرة الأولى
ابتدأت شمس الحديث ، وهي تقول :

_ سعيدة بقبولكم إقتراحي ، وإنها لشجاعة منكم و قليل منا من يملكها ، أن تقرروا أن تكونوا دفتراً مفتوحاً أمام من يعاني مثلكم ، أن تخبرونا عن تجربتكم وكيف إستطعتم أن تنهضوا بأنفسكم لتغدوا أفضل من كثير من الناس.

نظرات الاستحسان التي وجدتها في عيونهم جعلها تكمل :
_ أنا شمس ، صحفية في جريدة ...،وأعمل بإخراج البرامج الوثائقية ، مثل هذا البرنامج الذي سنبدأ تصويره بعد لحظات .
سعيدة بتعرفي عليكم وسنبدأ معكم رحلتنا .

ابتدأ حسان الحديث وقد علم مسبقاً بطبيعة البرنامج الذي قبلوا المشاركة به ، وأهميته للكثير من الناس الذين يعانون مثلهم ، بدا وكأنه يبوح بأسراره لأصدقائه ، ولم لا ربما إخراج الألم يساهم في التخفيف منه وإن لم يزله كلياً :

_ أنا أدعى حسان ، الأبن الأوسط لعائلتي ، شقيقي الأكبر طبيب والأصغر معلم في مدرسة ، ولدت طفلاً طبيعياً لكن بحجم صغير بعض الشيء ، ليلاحظ والداي بعد فترة أن طولي لا يزداد كما بقية أترابي ، ومع مرور الوقت علم والداي أنني أعاني من مرض يسبب لي التقزم ، وعدم النمو ، لذلك تجدين ملامح وجهي وشكل جسدي كطفل تجاوز العاشرة بقليل ، حسناً كان الأمر في البداية عادياً ، لم أشعر بأي فارق بيني وبين الآخرين ، كنت طفلاً مرحاً منطلقاً ، لكن مع اقترابي من عتبة المراهقة إختلف الأمر وأنا أرى ذلك التغير الذي بدأ يظهر عليهم ، فهم يتجهون نحو مرحلة الشباب ومن الطبيعي أن تغدو ملامحهم وأشكال أجسادهم أكثر رجولة مما هي في فترة الطفولة .

توقف عن الحديث يناظر الكاميرا التي تصور حديثه على شكل شريط سينمائي سيتم بثه لاحقاً..
ثم أخد نفساً عميقاً يحاول فيه قدر امكانه أن يكون قوياً ، ويقدم تجربته للآخرين الذي يماثلونه في المرض ، فيعطيهم الدافع ليعيشوا بشكل صحيح ، أكمل حديثه قائلاً بإبتسامة ظاهرها المرح وباطنها الألم :

_ حسناً إن البوح بهذه الأمور لهو أمر صعب صدقوني ، ولكن مواجهة الحقائق يساعدنا على تقبلها كما هي ،وهذا ما حاولت فعله ، في البداية كان الأمر صعباً ودخلت في عزلة إختيارية ، لكن عائلتي لم تسمح لي بأن أبقى بعيداً ، كان لهم الدور الأكبر في ذلك الوقت ، والدي الذي كان يتخذني صديقاً له ومازال ، علمني كيف أتقبل شكلي ، وكيف أتحمل مسؤولية نفسي ، ودراستي ، علمني العزف على آلة القانون ليكون لي متنفساً يلامس روحي ، ووالدتي كانت لا تقّل عنه اهتماماً ، تحاول دائماً أن تكون معي بكل شيء وبذات الوقت تمنحني شعوراً أنني بطلها الذي لا يُغلب ..
والدتي علمتني عدة لغات دون كلل أو ملل منها ، شقيقاي كانا معي كذلك حتى أنهيت جامعتي ، ولكن ذلك لم يكن يعني أن العزلة انتهت ، بل بالعكس باتت ملازمة لي بشكل أكبر وأنا أغرق نفسي وسط الكتب ،ابتعد عن تلميحات من كانوا لي يوماً أصدقاء ، وعن همساتهم وسخريتهم التي لا تنتهي ، حتى انضممت لهذه الفرقة ، معهم تعلمت أن كل منا لديه تفرد بأمر ما ، وأننا خلقنا هكذا لحكمة ما ، وأن لدينا رسالة يجب أن نؤديها مهما بلغت صعوبتها ..
وجودي معهم جعلني أصبح منطلقاً في عملي الثاني الذي أمارسه في شركة المحاسبة ، وجودي معهم جعلني لا أخجل من وضعي ، بل بالعكس بت أكثر تقبلاً لما أنا عليه وللنعمة التي أملكها بوجود عائلتي ووجود اصدقائي .

هذا ماختم به حسان حديثه فيما ترافقه نظرات ميار الفخورة ، ونظرات البقية كذلك ، إقتربت منه شمس تشكره على شجاعته ، ليأتي بعدها دور شادية والتي ظهر التوتر جلياً على ملامحها ، فبدا وكأنها تفكر بمغادرة المكان وعدم الحديث ، لكن كلمات شمس المشجعة لها ، ووجود أصدقائها جعلها تبدأ الحديث ، بطريقة حاولت من خلالها أن تتصنع المرح ، لكن عيناها السوداوين كانتا تعكسان ما يعتمل داخل قلبها من ألم :

_ أدعى شادية ، أنا عازفة على آلة التشيللو في هذه الفرقة ،والجميع يسمونني صاحبة المقالب المضحكة ..

ضحك الجميع مؤكداً أنها بالفعل كذلك ، لتكمل هي بابتسامة خفيفة :

_ والدي توفي بعد ولادتي وتكفلت والدتي بتربيتي ، ولدت وأنا أعاني من مشكلة في رجليّ ، فباتت واحدة منهما أطول من الثانية ، مع تشوه بسيط في قدم رجلي القصيرة
ورغم ذلك كنت مندفعة ، شقية ، مرحة ، لم أجعل مشكلتي تمنعني عن عيش طفولة مميزة بكل ما للكلمة من معنى ...

ابتسمت لها شمس بتشجيع وهي تهمس لها :
_ نظراتك وابتسامتك لوحدها يا شادية كفيلة برسم الابتسامة على وجوهنا ، فما بالك بمرحك وشقاوتك.

بادلتها شادية النظرات الممتنة ، لأن البوح بما هو قادم صعب ، صعب جداً وخاصة لأنها لأول مرة ستتحدث بكل صراحة عن نفسها ، عن ألمها، بنبرة خافتة قالت :
_ حين كبرت قليلاً ، أصرت والدتي أن نغير مكان سكننا ، واتخذت لنا شقة في الدور الأرضي في إحدى الأحياء بدل تلك التي كنا نقطنها متحججة أن شقتنا القديمة في الأدوار العليا وسيعتبني صعود الدرج وهبوطه باستخدام العكازين ، فجسدي بات أكبر ولم تعدي رجل واحدة بقادرة على حمله فإضطررت لاستخدام العكاز ، طبعاً أظهرت لوالدتي اقتناعي بحجتها ، وأنا التي أعلم أنها فعلت ذلك لتجنبني تعليقات من حولنا وشفقتهم إمتلكت صديقات مميزات كن لي خير معين في فترة مراهقتي وصباي ، وابتعدت عن أي أحلام تماثل أحلام صديقاتي وبات جُلّ اهتمامي بدراستي وبهوايتي التي امارسها .

سألتها شمس في محاولة منها لتشتيت انتباهها عن ذلك الألم الذي يتخلل صوتها وهي تتحدث :
_ ما هي هواياتك تلك ؟

ضحكت شادية بعذوبة وهي تجيب بفخر :
_ أحفر على الخشب.

نظرت لها شمس بإنبهار ، فهذه الهواية صعبة ، ومن يمارسها عادة هم الذكور ، لذلك طلبت منها أن تحدثها عن هذه الهواية ، فلم ترد شادية طلبها ، وهي تجيبها بنبرة واثقة مغايرة لنبرتها منذ قليل :

_ عزف التشللو علمتني اياه مدرسة الموسيقى في الحي الذي اقطنه ، أما الحفر على الخشب فله قصة عندي ...

اعتدلت في جلستها وكأنها ستدلي بحديث مهم، مما رسم البسمة على وجه من يراقبها :
_ والد صديقتي يمارس هذا الأمر كعمل له ، في كل مرة كنت أزورها بها كنت أقف لدقائق قد تطول وأنا أتأمل ما صنعت يداه من قطع يزين بها منزلهم ، وفي احدى المرات التقيت به ، فعرض عليّ أن يعلمني كيفية القيام بالحفر على الخشب ،مصرحاً لي بأن لا أحد من أولاده راغب بتعلمها ، وهذا ماحدث ، وافقت على الأمر وباتت هذه الهواية شغفاً بالنسبة لي .

ابتسمت شمس وهي تقول :
_ إنها هواية رائعة فعلاً ويسعدني مشاهدة بعض من أعمالك .

أومأت لها شادية موافقة ، ثم عادت تكمل بنبرة ضاحكة:-

_ حسناً الحكاية لم تنتهي بعد ...
أشارت لها شمس أن تفضلي اكملي ، فيما شعرت ياسمين بغصة تستحكم قلبها وهي تعلم أن ما ستبوح به شادية ليس بالأمر الهين عليها :
_ هل انتهت مآساة والدتي ببعدها عن حينا القديم ، قطعاً لم تفعل ، رغم حصولي على شهادة جامعية ، رغم قبولي للعمل كمدرسة لكني من رفضت الأمر ، ورغم هواياتي ورغم كل شيء ، مازال البعض ينظر لي بعين النقص ، جاراتنا اللاتي لا يتركن مناسبة دون أن يرموا بكلماتهم السامة عن وضعي ..

تجمعت الدموع في عينيها فأشارت لها شمس أن تنهي الحديث ، لكن شادية أكملت :

_ يهدمون لأمي أملها بأني فتاة طبيعية ، يحطمن أحلامها بأنني سأكون يوماً كما تتمنى ، وهذا هو الأمر الوحيد الذي يجعلني أتألم ، لكن منذ أيام حدثتني صديقة لي ، بأننا زهور مميزة في حديقة واسعة ، وأننا مثلما قال حسان لدينا رسالة سنؤديها رغماً عمن يسكن العجز تفكيرهم وأنفسهم ، ولذلك وفي كل مرة ألمح بها وجه والدتي ،أشعر بقوة غريبة تسكنني ، بهمة عالية تستوطن داخلي ،لأقدم في كل مجال أعمل به أفضل ما استطيع ، وبأنني لست عاجزة طالما امتلكت الصحة هنا .

منهية حديثها بالإشارة لقلبها ، فما كان من شمس إلا أن اقتربت تضمها بفخر شديد ، وهمس ياسمين يصلها بوضوح :

_ كنت رائعة يا صديقتي
عقب انتهاء شادية من الحديث ، أخذ الجميع استراحة ليستردوا بها أنفاسهم

بعد انتهاء الاستراحة كان دور ياسمين لتتحدث ، ضحكت وهي تحاول تخيل ردة فعل جوري على اشتراكها بهذا البرنامج ، لأول مرة تقدم على خطوة بقرار منها هي لوحدها ، قال شادية بمزاح :
_ ما بالك تضحكين ، هل ستروين حكايتك عن طريق أغنية مثلاً.

ضحكت ياسمين بصخب وهي تجيبها :
_ تبدو فكرة جيدة حقاً ، لكن ليس هذا ما يضحكني .

_ إذاً
سألتها شادية ،لكن ياسمين أجابتها بمشاكسة

_ لن أخبرك
لكزتها شادية بكتفها وهي تقول :

_ حسناً يا صاحبة الأسرار إن شمس تنتظر منك البدء بالحديث ، و سأنتقل أنا للمقعد المجاور.

بدأت ياسمين الحديث عن وضعها مثلها مثل أصدقائها ، تخبرهم بطفولتها وبسنوات مراهقتها كذلك :
_ في البداية كان أمر فقداني للبصر شيئاً سيئاً جداً بالنسبة لي ، وخاصة مع عدم مقدرتي على التحرك بحرية وانطلاق ، لكن والدي وشقيقتي وعمي وزوجته وولديه كانوا نعم العون لي ....
ساعدني والدي بحفظ مكان كل شيء في المنزل عن طريق عدّ خطواتي ،وفي كل مرة كنت أيئس من الأمر ،كان يضمني لصدره ويخبرني بأنني ياسمينة ، زهرته القوية والتي ستتحدى كل الصعوبات لأجل نفسها في المرتبة الأولى ، قبل أن يكون لأجل الآخرين ....
الجميع كان معي ولجانبي ، وبعد فترة شعرت بقدرتي على أن أكون مستقلة وقوية رغم فقداني لنعمة البصر ، كل من حولي كانوا تلك الركيزة التي ساعدتني على المضي قدماً نحو استكمال دراستي ، نحو تحقيق أحلامي ...

دموع غافلتها وسقطت رغماً عنها وهي تكمل :

_ وفاة والدي وعمي وزوجته في حادث سيارة ، جعلني أشعر بانكساري مرة ثانية ، وكدت أعود لقوقعة الإنعزال واليأس ،ولكن هذه المرة كانت جوري تحتاجني قوية ، كان عاصم بجانبي ، وسراب ، ومربيتي خديجة ، وكلمات والدي السحرية ، وجدت نفسي محاطة بكل ماذكرته ، لذلك وجدت نفسي أنهض من كبوتي بقوة ، وأعود ياسمين التي أمامكم الآن ..

مسحت دموعها وهي تنهي حديثها ، فيما اقتربت منها شادية تربت على كف يدها بدعم ، بينما ميار يراقبها بقلب متألم
كم ودّ لو أن بامكانه ضمها الآن إليه ومسح دموعها عن وجنتيها
أخرجه من تأمله لها صوت سند وهو يقول ، محدثاً حسان بمرح :

_ وأخيراً جاء دوري ، جهز لهم المناديل يا صديقي.

ضحك حسان وهو يجيبه :
_ لا تقلق أنا وميار تكفلنا بكل شيء.

ابتسم لهم ميار بشرود ، وعيناه عادت لمراقبتها وهي تحادث شادية ، ذكرها لابن عمها عاصم أزعجه ، وبذات الوقت تمنى لو تتحدث عن علاقتها به بإسهاب أكبر ، علّه يفهم ما طبيعة العلاقة التي تجمعهما ، وهل عاصم هذا متزوج وله أطفال أم مازال عازباً دون زواج
ابعد عينيه قسراً عنها وهو يلتفت نحو سند الذي ابتدأ الحديث عن حياته مثل البقية :

_ ادعى سند ، هل أنا وحيد أم أنتمي لعائلة ..
والدتي توفيت بعد ولادتي ، ووالدي تركني في عهدة جدتي وسافر بعيداً ليبدأ حياة جديدة رفقة زوجة جديدة ، وينجب أطفالاً أصحاء كما سمعت تصريحه مرة ...

بتهكم من الوضع أكمل ، فيما نظارته السوداء تغطي عيناه و التي لا يخلعها أبداً في حال وجود شخص ما برفقته :
_ لم أكن محظوظاً بعائلة تحتوي الطفل الذي ولد عاجزاً ، بل بالعكس والدي هرب عند أول فرصة سنحت له دون أن يفكر بوجود صغير خلفه ، إذاً بصراحة أنا لدي عائلة بمفهومكم ، لكنها غير موجودة ، بمفهومي أنا عائلتي هي جدتي والدة أبي ، من اعتنت بي منذ ولادتي ، من زرعت بداخلي القوة ، والعزيمة والإصرار ، من اهتمت بكل أمر يخصني صغيراً كان أم كبيراً ، رغم سنوات عمرها المتقدمة ، إلا أنها كانت نعم الأم والصديقة لي ، وبفضلها وصلت لما أنا عليه اليوم ، مدرس يعلم الصغار الموسيقا ، وعازف في فرقتنا هذه ، وطبعا بعد جدتي كان الدور الأكبر لاصدقائي ...

حين كنت طفلاً كانت علاقاتي محدودة ، لا أحب الاختلاط ، ولكن مع مرور الوقت تعلمت أن أكون أقوى ، وأن أواجه الواقع الذي خلقت به ، وازداد شعوري بالقوة بعد تعرفي على حسان ..

ابتسم حسان وهو يستمع لصديقه ، يكمل الحديث عنه :

_ حسان أصبح بمثابة عيناي اللتان أرى بهما العالم ، يتحمل طلباتي التي لا تنتهي بأن يصف لي كل شيء ، ويتحمل كذلك ساعات نزقي التي تجتاحني أحياناّ فلا يكلّ ولا يملّ حتى يعيد لي الضحكة ، يشاركه في ذلك مدربنا ميار ، ميار خارج المعهد هو صديق لي ولحسان ، نجتمع مرة كل اسبوع في مقهى للشباب ، نمضي ساعات من الثرثرة والتخطيط للمستقبل ، وجودهما في حياتي يعني لي الكثير ..

أجابه ميار بصدق :
_ بل وجودكم أنتم يعني لي الكثير يا سند.

ابتسمت شمس بسعادة لتلك العلاقة التي تجمع الجميع هنا ، وبقلبها رجاء أن تتمكن عدسة كاميرتها من نقل كل ذلك للمتابعين لها ، علّ ذلك يحدث تغيراً نحو الأفضل في حياتهم ، أكمل البقية من أعضاء الفرقة حديثهم عن أنفسهم ، ليكون الدور في النهاية لحياة ، عازفة الكمان مثلما عرفت عن نفسها ، بصوتها الخجل :

_ أنا حياة ، أعاني من مشاكل في السمع والنطق كما تلاحظون ، استعمل سماعات الأذن لأتمكن من سماع الأصوات حولي ..

وزامنت حديثها مع إدارتها لجانب رأسها نحو الكاميرا ، مشيرة بسبابتها للسماعة الصغيرة الموصولة بأذنها ، ثم عادت تكمل :

_ لاحظ والداي الأمر وأنا بعمر الثالثة ، بأن انتباهي لكلامها بات يقل شيئاً فشيئاً ، فسارعا لعرضي على الأطباء وتم إبلاغهم بأن الأمر متعلق بمرض وراثي ، فشقيقتي الصغرى كذلك ولدت بنفس العلة .

صمتت حياة قليلا عن الكلام وكأنها تأخذ إستراحة ، ثم عادت تكمل بذات الابتسامة التي تزين وجهها الحنطي اللون ، وملامحها الناعمة :

_ حسناً كان والدي متفهمان لطبيعة مرضنا ،وبذلا جهداً أكبر في دمجنا مع المجتمع ، درسنا في مدرسة خاصة للصم والبكم وتعلمنا لغة الإشارة وهذا كان أمراً رائعاً بالنسبة لي ، ومع الوقت وبمساعدة السماعات الطبية وبصبر والديّ على ما مررنا به وبمثابرتهم ، بتنا نستطيع التواصل مع الآخرين بشكل أفضل.

سألتها شمس وإبتسامتها الرقيقة تزين وجهها :

_ كيف تعلمت الموسيقا إذاً.

إبتسمت لها حياة بفخر وهي تقول :
_ عليكي أن تتأكدي أن الأمر كان صعباً للغاية ، ولكنني لم أيأس ولم أستسلم ، حتى تعلمت العزف ...

في البداية تفاجأ والديّ برغبتي ، لكنهما مثلي لا يستسلمان قبل أن يجربا الأمر ، وبذات الوقت يقومان بإفهامي أن فشلي في أمر ما لا يعني فشلي في كل شيء
أومأت لها شمس بأجل وهي تسمعها تكمل :

_ كان المدرس إنساناً يملك صبراً كبيراً ، وكنت أنا له كتحدي عليه الفوز به ، فكان مثابراً في تعليمي ، مرات تفتر همتي وأيأس ومرات أعود بكامل طاقتي ،حتى وصلت لما أنا عليه الآن .

قالت شمس بفخر
_ أنت قدوة مميزة حقاً يا حياة .

انتهى الجميع من الحديث ، وشمس تقوم بتوضيب أشيائها رفقة المصور الذي رافقها لهذا العمل ، سألتها شادية بضحكة :

_ أتعلمين يا شمس أننا قبلنا خوض هذه التجربة معك ، ولم نعلم حتى الآن ما هو إسم البرنامج.

نظرت شمس بصدمة نحو ميار ،هل يعقل أنه نسي إخبارهم بإسم البرنامج ، بينما ميار نظر لها بإحراج ، رافعاً يديه بإستسلام وهو يقول :-

_ ظننت أنك أخبرتهم بإسم البرنامج في لقاءك السابق بهم .

أومأت برأسها بتفهم ، ثم عادت لتجلس قبالتهم ،محدثة إياهم عن البرنامج :

_ إسم برنامجي هو فسحة سماوية .

وصلتها همهماتهم المستغربة للإسم ، فتولت مهمة الشرح :
_ هو فسحة يرى من خلالها ذوو الهمم أملاً يتمسكون به ، وعزماً يمكنهم التحلي به ليواصلوا حياتهم بشكل طبيعي ،دون الالتفات لمن يحاول تثبيط همتهم ، لمن ينظر لهم بعين النقص ، جميعكم مررتم بتجارب صعبة ، لكنكم لم تستسلموا ولم تيأسوا بل كنتم براعم نبتت من تحت الرماد ، تبحث عن الضوء ، فغدت من أجمل الزهور ..

قبولكم بالحديث عن تجربتكم بحد ذاته تحدي لكم وللجميع وهذا ما أشكركم عليه من كل قلبي ..
فسحة سماوية هو رسالة مني لكل من ماثلكم وضعاً أن ها نحن ، تقبلونا مثلما نحن ، وتعلموا منا كيف تكون الحياة ويكون العطاء ...
فسحة سماوية رسالة لكل من إمتلك في قلبه مرض ، وينظر للآخرين نظرة الغرور ، بظنه أنه كامل دون نقص ، أبلغه بها أن النقص بنفسك وقلبك ، تعلم أن تكون رحيماً ، أن تكون سنداً لكل من يحتاج .

مع ختام جملتها صفق الجميع لها فخراً بما قالت ، فيما إقترب منها ميار قائلاً بتقدير لها ولقلبها الذي تحمله :-

_ أنت إنسانة عظيمة يا شمس وتحملين رسالة أعظم كذلك .

همست له بالشكر ، ثم عادت لتودع الجميع وهم يغادرون ، لتقترب في النهاية من سند تشكره على إقتراحه أن يكون التصوير في منزله ، أجابها قائلاً :-

_ نحن من علينا شكرك لأنك قررتي أن يكون برنامجك الأول الذي تشاركين به على محطات التلفزة مخصصاً لنا ولمن ماثلنا وضعاً .

ربتت على كتفه وهي تقول :
_ أنتم نجوم مميزة يا سند .

دون تردد قال سند :
_ وإن إحتجت لمن يسمعك كذلك نحن متواجدون.

نظرت له بصدمة هي وميار الذي عاد ليتفقد سبب تأخرهم بالمغادرة ،ثم مالبثت أن إبتسمت وهي تقول :

_ انتم فعلا تمتلكون أشياء لا نملكها نحن .

شاركها ميار الإبتسام وهو يراقب ملامح وجهها التي إكتست بالحزن ، وهي تقول :-

_ القصة طويلة وسأخبركم يوما ما بتفاصيلها ، لكن اليوم سأخبركما بإختصار أنه كان لدي شقيق يعاني من ضمور فالدماغ ، جعل تواصله مع المحيط صعباً جدا ، ولكن والدتي وأنا لم نستسلم ، كان هو شغلنا الشاغل حتى بات وضعه بالتحسن ، لكن الموت كان أسرع منا فخطفه منذ سنوات .

أغمضت عيناها تمسح دموعاً تجمعت فيهما ، ثم عادت تلك الإبتسامة القوية تزين وجهها وهي تقول :

_ وبرنامجي هو هدية له يا سند .

أومأ سند بتفهم ، لتلفتت شمس نحو ميار هامسة له بالشكر قبل ان تغادر رفقة المصور.
ومالبث أن غادر ميار كذلك ، مودعاً سند على وعد باللقاء مساء.
…...
طرق زياد باب المشغل الخاص بعاصم والذي يقوم به بصنع القطع النحاسية بعيداً عن جميع العاملين الآخرين
فهو يحتاج للتركيز الشديد أثناء عمله لذلك ينفي نفسه في هذا المكان ، يغرق نفسه بالعمل
ألقى زياد التحية فرد عليه عاصم باقتضاب ويداه ما تزالان تعملان بمهارة على قطعة نحاسية صغيرة
يطرق بنعومة بواسطة مطرقة صغيرة على رأس إزميل صغير كذلك ، ليشكل رسومات هندسبة صغيرة دقيقة الشكل
وقف زياد جانباً يدع لصديقه الوقت الكافي لينهي عمله ، ينظر بانبهار للقطع التي أنهاها عاصم خلال هذا الإسبوع ، كلها قطع وإن صغر حجمها إلا أنها تحتاج منه لكل وقت وجهد وتركيز ، وهذا الذي لم يبخل به عاصم أبداً ، فخلال الإسبوع المنصرم كان يقضي كل نهاره هنا ولا يغادر إلا في وقت متأخر من الليل، يعلم زياد كما يعلم الجميع أهمية هذه الصفقة والتي سيقومون فيها ببيع تحف نحاسية لثري عربي يمتلك معرضا ضخماً في دولته ، إن نجاحهم يعني ازدهاراً كبيراً لعملهم وتحسيناً لدخلهم جميعاً ، فعاصم يضع لهم نصيباً من كل صفقة ينجزونها ، وهذا ما يدفعهم للعمل جميعاً كيد واحدة
تنهد عاصم بارتياح وهو ينهي أخيراً عمله
وضع معداته جانباً وهو يتناول منشفة صغيرة من جانبه ، ليمسح بها حبات العرق التي تجمعت فوق جبينه
سأله زياد وهو يناوله قنينة الماء الصغيرة ، فتلقاها عاصم بكل ترحاب :
_ هل هذه آخر قطعة ؟
استقام عاصم واقفاً يحرك جذعه للجانبين ، في محاولة منه لفك تصلب ظهره نتيجة جلوسه الطويل على الكرسي ، ثم أجاب صديقه بوجه مبتسم :
_ أجل ، الحمد لله لقد أنهيتهم جميعاً
ثم رمى المنشفة نحوه فتلقاها زياد بضحكة مشجعة :
_ أنت رائع فعلاً
تخطى عاصم زياد وهو يغادر المشغل نحو مكتبه ، أخذ علاقة مفاتيحه ، فعاد زياد يسأله باستغراب
_ هل ستغادر ؟
نظر له عاصم وقد بان التعب على ملامحه ، ثم قال وهو يشير له بتحية الوداع
_ أنا أنهيت ما يخصني من العمل ، الباقي عليك أنت ، أحتاج لأخذ حمام ساخن والاستراحة ليوم كامل يا زياد ، أسبوعان كاملان ونحن غارقون في تأمين ما نحتاجه وبعدها العمل على انجاز الطلبية في موعدها

أومأله زياد بأجل وهو يراقب تحركه خارج المتجر ، بخطوات متعبة ، يعلم أنه بحاجة للراحة بعد الجهد الذي بذله
ابتسم وهو يعود نحو المشغل ليتفقد القطع التي أنهاها عاصم
من لا يعرف عاصم ، لا يمكن له أن يخمن أن هذا الشاب الأنيق ، صاحب هذا المتجر ، هو نفسه من يمضي ساعات من العمل الشاق في تطويع قطع النحاس
لكنه محق فهو يحتاج للراحة أكثر من البقية ، لقد أمضيا عدة أيام يلهثان بين المحافظات لتأمين المواد الأولية لعملهم ، والتي بات الكثيرون يتحكمون بتواجدها في السوق وبأسعارها ، ثم أخذ عاصم على عاتقه إنجاز عدة قطع صغيرة في الحجم لكنها تلفت النظر إليها بالدقة التي صنعت بها
غادر الغرفة مغلقاً الباب خلفه ، متوجهاً نحو المشغل الذي يضم العمال البقية ليتأكد من أن العمل سينجز في وقته وسيتم تسليم القسم الأول من الطلبية في معادها المقرر ، فصفقة مثل هذه نادراً ما يحصلون عليها ، ولذلك وجب عليهم العمل بكل جهدهم لإنجازها
…..
كان عاصم قد اقترب بسيارته من موقع معهدها الذي تمارس فيه تدريباتها اليومية
أوقف سيارته جانباً ثم أمسك هاتفه يتصل بجوري ،وحين أتاه ردها ألقى التحية عليها قائلاً :
ً
_كيف حالك يا ابنة العم الغالية ؟

أجابته جوري بضحكتها العذبة :

_ بخير يا ابن العم ، ولكن لا تدع تيم يسمعك وأنت تقول غالية هذه

ضحك بصوت عالّ ، مستمتعاً بمشاكسة جوري التي اعتاد عليها ، وهو يقول :

_ وهل أجرؤ ، لازلت أذكر نظراته لي قبل أن يعقد قرانه عليك ، لقد كاد يفتك بي ، ولكن عليه أن يطمئن فقلب جويرية لا يدق إلا لتيمها

استشعر الخجل بصوتها وهي تقول

_ لقد ملك روح جويرية يا ابن العم

لا ينكر سعادته لأجل جوري ، فهي ليست إبنة عمه وحسب ،بل أخته و صديقته ، وتستحق رجلاً يحبها مثل تيم ، أتاه صوتها مجددا
ً
_ أتمنى أن تجد يوماً مثل هذا الحب يا عاصم

ود لو أخبرها أنه وجده ، منذ سنوات ، ولكنه احتفظ بهذا الحب لنفسه ، أجلى صوته متحكماً بمشاعره وهو يقول

_ أنا بالقرب من معهد ياسمينة ، لذلك سأقلها أنا للمنزل ،هل تمانعين ؟

أسعدها إقتراحه ،فربما استطاع أن يجعل ياسمين تحدثه عما يزعجها ويجعلها حزينة بذلك الشكل ، فهو كان دائماً مخزن أسرارها ، لذلك أجابته :

_ كلا، ليس لدي مانع ،سأكون بانتظاركما في المنزل

أغلق الهاتف ، ثم نظر للصورة التي تحتل شاشته ،صورة لها يوم خطبة جوري ،أخذها بعد أن طلب منها أن يلتقط لها صورة
تنهد بإشتياق لها وهو يناظر ملامح وجهها التي يعشق
أكثر من إسبوع مضى ، وهو لم يلتقي بها أو يحادثها هاتفياً ، وكان الأمر رغماً عنه ، فقد غرق بالعمل بمشروعه الجديد ، ليضمن أن كل شيء يسير بشكل جيد
لم يصدق إنهائه لعمله باكراً هذا اليوم فتحجج بأنه سيأخذ فترة راحة ، ليترك العمل لزياد عائداً نحو منزله ، حتى سراب توقعت أنه عاد للراحة ، لكنه بمجرد أن أخذ حمامه وبدل ملابسه ، توجه لمعهدها
شوقه اليوم غلبه ولم يعد بإمكانه الصبر ليوم الغد
ولم يعد بقادر على تجاهل نداء قلبه المطالب برؤيتها
نزل من السيارة ، متجها بخطوات مشتاقة نحو الداخل
عيناه تبحثان عنها بين الوجوه
باشتياق لم يعد قادراً على التحكم به
حتى وجدها

وجدها واقفة مع فتاة تكبرها سناّ بقليل ،يبدو أنها مدربتها ، فمنظرها يوحي أنها تستمع بانتباه لكل كلمة تقولها
كانت تضفر شعرها بضغيرة طويلة تلفها حول رأسها فتبدو كتاج يزينه
و ترتدي ثوباً كنزة صوفية طويلة بلون أسود وأبيض زادها بهاءاً ، بل هي التي زادت ملابسها جمالا ً
تنهد وهو يتأملها كلها ، ولكن التفافتة المدربة جعلته ينتبه لذلك الواقف بمكان ليس ببعيد عنهما ، السمج الذي لا يطيقه ، لا يستطيع تقبل نظراته تلك نحو ياسمين ، يود لو يلكمه في منتصف وجهه صارخاً به ،أن لا تتجرأ وتنظر إليها

ضم قبضة يديه بقوة حتى كاد يسمع طقطقة عظام أصابعه ، وهو يراه يقترب منهما متحدثاً ويبدو أن حديثه جلب السعادة لها
لم عليه كل مرة أن يشاهد هكذا مشهد
هل يعقل أنها معجبة بمدربها ذاك
هل يعقل أنه على مقربة من فقدانها

مازال على وقفته المتشنجة
يحاول طرد ذلك الإحتمال من رأسه
وعيناها تعودان إليها
يود لو كان بإمكانه سرقتها بعيداً عن هنا ، تخبئتها داخل أضلعه
فلا يستطيع أحد الوصول إليها
ولكنه لم يكن يوماً
أنانياً في حبها
تنهد بتعب من كل هذه الحيرة التي يعيش بها

لكن التفاتتها إليه وكأنها رأته ، والعيون التي تعلقت به رغم أنها لا تراه ،جعلت دقات قلبه تقفز متسارعة ، جعلت كل تعبه يختفي بلحظة واحدة ،يوقن تماماً أنها عرفت بوجوده
عينيه تعلقت بوجهها وبشفتيها التي تحركت هامسة بإسمه ، فلم يجد نفسه إلا وهو يقترب منها بخطوات سريعة
وقف قبالتها، عينيه تتأمل ملامحها بشوق ، غير عابيء بأي أحد غيرها

_ أهلا عاصم

قالتها وهي تبتسم له تلك الإبتسامة التي تخصه وحده بها ، أجل هذا مايشعر به ، أن هذه الابتسامة له وحده فقط
رد التحية عليها وهو يحاول أن يسيطر على نبضات قلبه السريعة تلك وهو يلاحظ نظرات مدربتها المستغربة :

_ لقد اخبرت جوري أني سآتي لأقلك للمنزل

ابتسامتها اتسعت أكثر ،فها هو أتى ليقلها ، هذا يعني أنه يفكر بها ، أومأت بأجل وهي تقول :

_ دعني أعرفك أولاً على أساتذتي هنا ، فأنت لم تتعرف عليهم بعد

شعر بالخجل من تصرفه ، فهو حتى لم يلق التحية عليهم ،فقال معتذراً

_ اعتذر منكما ، لعدم إلقائي التحية ،أنا عاصم إبن عم ياسمينة

تضخم قلبها وهي تسمع إسمها الذي يخصها به

(ياسمينة كما كان دوماً يناديها في صغرها ، يبرر لها ،لأنك ستكونين ياسمينتي أنا فقط ،زهرتي التي أحب )

قالت مدى بترحيب :

_ أهلا بك سيد عاصم ،أنا مدى المسؤولة عن الفريق ككل ، وهذا ميار مدرب الفرقة

القى التحية عليه مصافحاً له ،وعيناه رغماً عنه ترسل شرارات الكره لذلك السمج

قال محاولاً إنهاء هذا التجمع بأسرع وقت ممكن ،قبل أن يرتكب جرماً

_سعدت بالتعرف اليكما، و لكن توجب علينا الرحيل الآن

قال ميار وهو يوجه حديثه لياسمين متجاهلاً هذا الضخم الذي يقف أمامه ، بعد أن استشعر بتلك النظرات العدائية التي وجهها له ، كما استشعر نظرات الحب في عينيه لياسمين

_ياسمين كوني جاهزة غداً في العاشرة ، كما اتفقنا

اجابته بأجل ثم استأذنت مغادرة وقلبها يطير سعادة وهي تسير بقربه
فقالت وهي غير قادرة على إخفاء سعادتها به ، متناسية كل أفكارها السوداء حول حبيبته المجهولة

_ أنا سعيدة لأنك أتيت يا عاصم

أمسك نفسه بقوة عن التوقف ، و أخذها بين ذراعيه ،عن إخبارها كم اشتاق لها خلال الفترة الماضية ، ولكنه اكتفى بالقول

_ أنا الأكثر سعادة

فيما كانت نظرات ميار تتبعهما بغضب حتى اختفيا عن أنظاره ، رآها كيف تسير قربه يدها بيده ، وكأنها تنتمي إليه ، وكأن هالة غريبة تحيط بهما
نفض عن رأسه هذا الشعور ، وهو يعود لينشغل بالحديث مع مدى
……
اتمنى يكون الفصل نال اعجابكم 😍😍😍

noor elhuda likes this.

فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 02:10 AM   #9

Soy yo
عضو جديد

? العضوٌ??? » 390429
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 483
?  نُقآطِيْ » Soy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond repute
افتراضي

فصل جميل و رائع .. و مليئ بالمشاعر....و خاصة واننا تعرفنا على قصة كل شخص في الفرقة عن مشاكله مع المتنمرين الفاقدين للإحساس ...اتمنى لعاصم و ياسمين ان يجيدو نقطة تلاقي للبدء في قصة جميلة بينهم...سلمت يمناك..بتوفيق ان شاءالله

Soy yo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-03-21, 02:46 PM   #10

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي

الفصل_الرابع

لا يكفي أن تحب
بل عليك أن تعرف كيف تحب
محمود درويش

….
ساعد عاصم ياسمين على الصعود للسيارة ، ثم جلس خلف المقود يدير محرك السيارة متجهين نحو منزل ياسمين
ابتسم وقلبه يعود للجنون مجدداً ، لا يمكن له أن يصف هذه المشاعر التي تجتاحه في هذه اللحظات و عطرها الناعم يتسلل لأنفاسه ، فيتركها صريعة
لطالما كان هناك شيء خاص يجمعه بياسمين منذ كانت صغيرة ، ليتطور الأمر بعد تخطيها الثامنة عشرة فبدأت نظرته إليها تختلف
كم لام نفسه في البداية لمشاعره تلك ، فهي ابنة عمه التي تربت أمامه ، فميف له أن يشعر اتجاهها بمشاعر حب
لكنه في النهاية استسلم لوجيب قلبه الذي يعشقها ،غارقاً في حبها ، ولكنه كتم كل ذلك بداخله
فأن تكون بجانبه كابنة عم أفضل من أن يخسر وجودها في حال لم تكن تكن له مشاعراً مماثلة
قال محاولاً السيطرة على نبضات قلبه الهادرة والتي تشعره بأنه مراهق عاشق ، ومبعداً كذلك تلك النقطة السوداء التي تحاول أن تعكر عليه سعادة هذه اللحظات :

_كيف هي صديقتي ياسمينة ؟

ابتسمت وهي تجيبه وحالها لا يقل عن حاله ، فقلبها يدوي داخلها بهدير يكاد يصم أذنيها ، ولكنها لطالما كانت قادرة على السيطرة على مشاعرها بوجوده :

_صديقتك بخير ، اشتاقت للحديث مع صديقها وابن عمها الذي يبدو أنه نسي وجودها في الفترة الأخيرة

قالت جملتها الأخيرة بألم وصله جيداً ، فاختطف نظرة إليها ، ليحس بوخز مؤلم في قلبه وهو يلاحظ ما ارتسم على ملامحها من ضيق
أعاد نظراته للطريق ليتأكد من خلوه من السيارات ، ثم عاد يختطف نظرة ثانية لها
كم ود لو بإمكانه مد يده ليزيل بأنامله تلك التقطيبة بين حاجبيها ،و يعيد رسم الابتسامة التي يحب على شفتيها ، قال هامساً بأسف :

_ كيف يمكن أن تقولي هذا ، أنا لايمكن لي أن أنسى وجودك مهما حدث ، أنا ..

أمسك لسانه عن البوح ، هل يخبرها أنها بين القلب ونبضه ، فكيف يمكن له أن ينساها ، هل يخبرها أنها الطيف الزائر لكل أحلامه ،فهل يعقل له أن ينساها ، لكنه احتفظ بكل البوح لنفسه وهو يقول باعتذار بينما يحاول التركيز على القيادة فلا يتسبب بحادث يودي بهما معاً :

_ أنا آسف إن كنت جعلتك تظنين هذا ، كل ما هنالك أنني كنت مشغولاً بالعمل المتراكم و بالصفقة الجديدة ، وأنت لابد كنت مشغولة بتدريباتك للحلفة القادمة

بسبب ألمها من غيابه عنها ، لم تستطع أن تتبين مقصده الحقيقي لما تفوه به ، بل ظنت أنه يلومها هي ويجعل الحق عليها لا معها، لذلك قالت بغضب لم يجد له مبرراً :

_ أجل مشغولة لدرجة كبيرة ، وربما أكثر من انشغالك أنت

نظر لها بعدم فهم ، لم كل هذا الغضب الذي غلف كلماتها لا يفهم ، قال محاولاً إزالة غضبها ، وتغيير الموضوع :

_ أخبريني كيف هي تدريباتك ، وأين سيقام حفلك القادم

في العادة حين يسألها عن تدريباتها ، تجيبه بسعادة مبالغ فيها عن كل ما تقوم به ،لكن هذه المرة اكتفت بأن قالت بهدوء وقد عادت كلمات خديجة حول وجود حبيبة له تدق برأسها دون هوادة ، فتنخر كالسوس داخل عقلها وقلبها على حد سواء:

_ لاشيء مهم ،تدريبات عادية ، هل بإمكانك الإسراع فأنا متعبة وأود الوصول للمنزل

ما كادت تتلفظ بجملتها الأخيرة حتى كان قد أوقف السيارة جانباً ، وقد أخافه رؤية الألم على وجهها، وتصريحها بتعبها ، أما هي فشهقت بمفاجآة من تصرفه ، ويدها تتشبث بمقعدها ، التف لها بكليته قائلاً بنبرة تحمل من القلق الكثير

_ هل أنت بخير ؟ هل يؤلمك شيء

توسعت عيناه بصدمة وهو يشاهد غلالة الدموع التي كللت مقلتيها ، فأمسك كف يدها يضغط عليه باحتواء ، يهمس لها بنبرة يحاول جاهداً ان تكون مطمئنة لها ، فيما يقترب قليلاً من وجهها :

_ أخبريني ما الأمر ، لا تدعي قلبي يتوقف خوفاً عليك ، هل هناك ما يؤلمك ؟

توقفت أنفاسها داخل صدرها ، وهي تسمع صوته بهذا القرب ، وتشعر بأنفاسه قريبة منها بهذا الشكل ، نبرته الخائفة والتي لم يستطع إخفائها عنها ، جعلتها نادمة للقلق الذي سببته له ، لذلك نفت بحركات من رأسها وهي تحرر أنفاسها قائلة بكلمات متتابعة وكأنها تزيل بها توترها من قربه ذاك :

_ أنا بخير ، لا يوجد ما يؤلمني ،متعبة من التمرينات ، فقط أريد الوصول للمنزل .

_ياسمينة

ناداها بخفوت ، وقد صارع رغبته التي تفجرت بداخله، رغبة بأن يضمها لصدره ، ليخبرها من تكون حقيقة له ،لكنها رحمته من عذابه وهي تلتفت برأسها بعيداً عنه، بينما تقول :

_أرجوك عاصم أريد العودة للمنزل ، ستقلق جوري إن تأخرنا أكثر من هذا

لم يستطع فهم ما الذي يحصل لها ،ولم انقلب حالها هكذا
ابتعد عنها مرغماً ، بينما أفكاره تدق كالمطرقة برأسه، عن سبب ألمها ،
أعاد تشغيل السيارة ، ثم توجه نحو المنزل
لم يحاول أي منهما كسر ذلك الصمت الذي لفّهما طوال طريق العودة
هو يشعر بجسده قد تحالف مع كل ما حدث ضده ، إرهاقه جراء عمله طوال الأيام السابقة ازداد بوتيرة شديدة ، وكذلك أفكاره التي لا ترحمه وتزيد من الضغط عليه ، خاصة مع شعوره لأول مرة بأنها بعيدة عنه كل البعد رغم جلوسها بجانبه
بينما هي تشعر بنفسها تعود لتغرق في ذلك الظلام الذي لم تكن تشعر به قبلاً
وحديثها السابق مع شادية يعود لذاكرتها ، فيقتات على روحها دون رحمة ، يتركها فريسة لأفكار مظلمة تزورها لأول مرة ، فتشعر بذلك الألم يعود بقوة إليها ، لكنها لن تكون ياسمين إن أظهرت ضعفها وما ينتابها أمام أحد
رحمهما من عذابهما ، وصولهما إلى المنزل ، ترجل من السيارة بملامح جامدة ، لكنها لم تنتظره ليساعدها
على الهبوط من السيارة و إنما فعلت ذلك بنفسها ومازالت تتخذ الصمت سبيلاً لها ، راقبها وهي تخرج عصاها لتستخدمها في المشي ، ثم رانت نظراته لوجهها الذي يكاد يكون مماثلاً لوجهه بما يحمله من ضيق ومن ألم ، فقال محاولاً جعلها تتحدث معه ، وربما يستطيع حينها أن يعلم ما يحدث معها ، فيجد وسيلة ليعودا كما كانا قبل أشهر ، صديقين لا يخفيان عن بعضهما شيئاً :

_ مارأيك أن نخرج غداً معاً ، جولة في المدينة كما اعتدنا أن نفعل أنا وأنت

صدمته بإجابتها الجافة وهي تخطو مبتعدة عنه :

_غدا لدينا جولة سنقوم بها مع ميار ومدى ، لذلك أنا آسفة

خطا خلفها ليوقفها ، وهو يمسك كف يدها ، ليشعر بارتجافتها اللحظية ، فتسائل بهمس معذب :

_ ياسمين اخبريني ما الأمر ، لم أنت غاضبة مني بهذا الشكل

أمسكت نفسها عن ذرف دموعها ، ودّت لو تسأله ،من هي بالنسبة له ، من تكون ، هل تسكن قلبه كما يفعل هو ، أم أنها بعيدة كل البعد عن أحلامه ، لكنها حتماً لن تفعل ، عادت تحاول السيطرة على مشاعرها وهي تجيبه :

_لست غاضبة منك ، كل ماهنالك أن لدي الكثير من الأشياء التي تشغلني ، لا تشغل نفسك بي عاصم
لتعود وتخطو مبتعدة عنه ، لكنه لم يتركها فعاد يوقفها مجدداً وكأنهما ضمن لعبة سخيفة تستنزف كلاهما دون أن يشعرا ، يسألها بجمود :

_ دعيني فقط أوصلك لباب المنزل ، كي لا تقلق جوري

استسلمت لأمره ، فسارا معاً يقطعان ممر الحديقة ، وكل منهما يشعر بصدع غريب داخله مع كل خطوة يخطوانها
بجانب بعضهما لكنهما أبعد ما يكونا عن بعضهما في هذه اللحظة
أوصلها لباب المنزل وما إن فتحت خديجة الباب حتى اعتذر مستأذناً منهما، يرحل بخطوات سريعة وكأن العفاريت تطارده ، بينما هي ارتمت بحضن خديجة تبكي بقهر غريب عليها ،مما أخاف خديجة التي تساءلت بخوف وهي تسحبها نحو الداخل قبل أن تغلق الباب

_ ابنتي ، ماذا بك ، ما الذي حدث ،هل أنت بخير

لكن ياسمين لم تجب ، فسارعت خديجة لادخالها نحو الصالة وهي تقول
_ سوف أتصل بجوري لتحضر فوراً

فور سماعها لكلام خديجة الأخير ،توقفت عن البكاء تهمس لها محاولة استعادة رباطة جأشها

_ كلا لا تحادثيها يا دادا ، أنا بخير لا تقلقي ،فقط رأسي يؤلمني ،ساعديني لأصل لسريري

امتثلت خديجة لطلبها وقادتها نحو غرفتها
...
كانت خطوات عاصم قد توقفت أمام سيارته التي ركنها قرب الباب الخارجي للمنزل ، رفع رأسه نحو شرفة منزلها ، وعقله يحاول إيجاد تفسير لكلماتها ، لغضبها ،لما حدث بينهما من نفور منذ لحظات
منذ متى كانت علاقته بها بهذا الشكل
بهذا البرود
بهذا الغموض
لطالما كان بئر أسرارها كما كانت هي له
هل يعقل أنه ابتعد عنها لهذه الدرجة التي جعلته يشعر اليوم بأنه غريب عنها تماماً
يقسم أنها كانت على وشك البكاء
فما الأمر
هل يصعد إليها ليعلم ما بها
أم ماذا
هل يهاتف جوري لتترك عملها الذي استجد لديها والذي ابلغته به برسالة بينما هو يقود سيارته عائدا بياسمين للمنزل
ماذا يفعل ليطمئن عليها
ضرب مقدمة السيارة بقبضته ، مفرغاً طاقته الغاضبة
ليتوقف وهو يلهث بتعب ، أغمض عينيه للحظات ثم عاد ينظر نحو شرفة منزلها وكأنه يودعها
ثم بخطى متعبة صعد سيارته و قادها عائداً لمنزله ، وقد عقد العزم على أن يلتقي بها في الغد ليعلم ما الذي حدث لها
…..
استلقت في سريرها تحاول أن تخلد للنوم ، بعد كوب البابونج الذي أصرت عليها خديجة أن تشربه ، علّه يساعدها على النوم
لأول مرة منذ سنوات تنتابها هذه الأفكار السوداء عن وضعها ، عن نظرة الآخرين لها
منذ متى وهي تشعر بهذا السواد يحيط بها ، تشعر به كشرائط تحاول الالتفاف حول التوهج الذي تحيا به ، وهي لا ترغب بالاستسلام
ترغب بالمقاومة ، كما اعتادت ، لن تكون ضعيفة تستسلم لها ، فتمكنها من الظفر بما تريد ، فتحيل حياتها لظلمة لا قرار لها
كلا ، هي ياسمين
قبضت بكف يدها على الغطاء ، وكأنها تستمد منه القوة ، فيما عادت ملامح وجهها لتشع عزماً وقوة كما كانت دائما ً تخاطب نفسها
بأنها ياسمين القوية
التي لا تشعر بنفسها إلا قوية مثابرة معطاءة
وهكذا ستبقى
لن يكون حبها له مصدر ضعفها مهما حدث
سيبقى الحب بداخلها أحد مصادر قوتها ، وإن اضطرت لإخفائه دائماً
…...
عاد عاصم إلى المنزل مرهقاً ، وقد زاد لقاءه بياسمين تعبه
كم يرغب الآن بالنوم ، نوم عميق يسحبه بعيداً عن كل هذه الصراعات التي تدوي بداخله ، عن كل هذا الألم الذي يسكن قلبه
كلا يود أن يستريح فقط ثم بعدها سيعود للقائها علّه يهتدي لما حدث بينهما فجعل الهوة بينهما تتسع بهذا الشكل منذ أشهر
يهتدي للسبب الذي جعلها حزينة بشكل آلمه هو
كان كمن يصارع نفسه ، ملامح وجهه متغضنة بإرهاق شديد
أغلق باب المنزل وخطا نحو الداخل ، فوجد سراب تجلس في الصالة اقترب منها ملقياً التحية عليها وهو يضع مفاتيحه على الطاولة، ثم جلس بجانبها مصدراً أنينا ًخافتاً من التعب الذي وصل لذروته
مما لفت انتباه شقيقته التي ناظرته بحزن ، ثم مالبثت أن استقامت واقفة مشيرة له أنها ستحضر له كوب عصير
أومأ لها بإيجاب وهو يرخي جسده بأريحية أكثر على الأريكة ، لكن قبل أن يغمض عينيه في محاولة لتلمس بعض الراحة ، لفت انتباهه ألبومات الصور التي وضعتها سراب أمامها
اعتدل في جلسته وهو يلتقط إحدى الصور
مناظراً إياها بحنين شديد
كانت صورة تجمعه وشقيقته وابنتي عمه في حديقة المنزل العائد لعمه
لطالما كانوا عائلة واحدة ، وخاصة بعد اهتمام والدته بجوري وياسمين كابنتيها عقب وفاة والدتهما
ابتسم لشقاوة النظرات التي تحملها جوري وسراب على حد سواء ، الاثنتين كانت شقيتين جداً في طفولتهما ورغم فارق السن بينهما إلا أنهما كانتا تتفقان على القيام ببعض المغامرات الشقية ، فيما ياسمين مشغولة بحمل هرتها التي كانت تملكها في ذلك الوقت ، نظراتها معلقة بها بحب ، أما هو يقف خلفهن لأنه الصبي الوحيد بينهم ، فيبدو وكأنه يساند ظهر ثلاثتهم
أجل هكذا هو ، لطالما كان مسؤولا عنهم ثلاثتهم وسندهم الذي لا يغيب
التقط صورة ثانية ، إنها أيضاً صورة تجمعهم في عيد ميلاد ياسمين الحادي عشر ، هو وجوري وسراب يراقصون والدته ، بينما ياسمين كانت ترقص رفقة عمه
وصورة ثالثة تجمعه بوالديه قبيل وفاتهما في حادث السيارة
أغمض عينيه بألم لتلك الذكرى ، لقد أودى الحادث بثلاثة من أفراد أسرته دفعة واحدة ، والده ووالدته وعمه
كم كانت أيام صعبة وقتها ، رغم انكسار روحه عقب سماعه لخبر وفاتهم، لكن كان عليه أن يكون الصامد الوحيد بين الجميع ، فالفتيات تعرضن لانهيار شديد ، وهو من كان عليه حمل مسؤوليتهم ومسؤولية العائلة بعد غياب كبارها ، كان عليه أن يكون الصدر الحاني لشقيقته وبنات عمه والأرض الصلبة التي يرتكزون عليها دائماً
وكم يتمنى أن يصل بهم لبر الأمان ، فيشعر حينها أنه أدى وصية والديه كما أرادا
التقط صورة جديدة ، ليهرب من ذكرياته الأليمة ، فكانت صورة له ولياسمين وهو يشد خصلات شعرها غاضباً لأنها استأثرت بنصيبه من كعكة أعدتها والدته لهم
يومها كم أغاظته جوري بأنها من التقط هذه الصورة لهما
صورة أخرى لياسمين و هي خارجة من بوابة المدرسة رفقة صديقاتها ، ابتسم لتلك الذكرى ، يومها أصرت عليه جوري وسراب أن تذهبا برفقته ليقلوا ياسمين ، ثم يتوجهون لتناول المثلجات
يتذكر كيف أمر جوري و سراب بتسلط أن تبقيا في السيارة ، وخاصة بعد التقاط جوري لهذه الصورة بالكاميرا التي لا تفارقها
لا تزال نبرة صوت ياسمين وهي ترحب به بسعادة تدوي في أذنه ، وخاصة وهي تعرّف عنه لصديقاتها قائلة :
_ إنه عاصم ابن عمي وبمثابة شقيقنا الأكبر أنا وجوري
تبادل السلام مع صديقاتها ثم ساعدها على الوصول للسيارة لتجلس بجانبه كما اعتادت ، بينما احتلت جوري وسراب المقعد الخلفي ، وعند وصولهم لمتجر المثلحات ، هبطت الأخيرتان من السيارة لتشتريا ما ترغبان به ، بينما هو نظر نحو ياسمين بغيظ يحتل قلبه دون أن يعلم له سبباً ،في كل مرة تُعرف عنه على أنه شقيقها ، لكنه يعود ليذكر نفسه بأنها بمثابة شقيقته طبعاً
وضع الصورة فوق سابقاتها وقد اكتفى من هذه الذكريات
لتلفت نظره صورة موضوعة في الألبوم المفتوح ، حمله وهو يناظر الصورة
صورة التقطت منذ عدة سنوات ، في رحلة قاموا بها أربعتهم عقب نجاح ياسمين وسراب في الثانوية العامة
رحلة إلى بلد قريب ، تتميز بسحرها وطبيعتها الخلابة ومنشآتها السياحية
في تلك الرحلة حصلت الصاعقة التي ضربت قلبه
وهو يذهب مع ياسمين في جولة وحدهما نحو مسرح أثري في المدينة التي قصدوها
لتعتلي ياسمين منصة المسرح الخالي ضاحكة وهي تقول له بأنها ستغني له أغنية وليتخيل نفسه في ذلك الزمن الغابر
وقف يراقبها ودقات قلبه تعلن تمردها الأول
ليصله صوتها الذي يحب ، يشدو بكلمات أغنية من التراث
ومع كل كلمة كان يتخيل بأنهما انتقلا لزمن آخر ،هو وهي فقط
كأميرة من أسطورة خيالية ، يناظرها بسحر
حينها وبتلك اللحظة علم أن نظراته لياسمين ومشاعره نحوها لن تشبه
أبداً مشاعره نحو جوري
فالأخيرة يشعرها كسراب تماماً، أما ياسمين فيبدو أن لقلبه رأياً آخر
فالقلب أعلن عشقه لها
والروح أعلنت تمسكها بها
لتبدأ معاناته بعد تلك الرحلة وعودتهم
معاناة جعلته في البداية يجلد نفسه لوماً لتفكيره بابنة عمه كحبيبة ، ثم تحولت المعاناة لمحاولة إخفاء هذا الحب
فهو غير قادر على البوح بمشاعره ، لايستطيع أن يدمر علاقته ببنات عمه في حال قابلته ياسمين بالرفض ، فالخوف من أن لا تبادله المشاعر كحبيب ، تقف له كوحش متربص تهدم أمانيّه كلها ، خاصة مع تذكره لتصريحاتها القديمة بأنه كشقيق لها ، و كذلك فرق السن الكبير بينهما يجعل الهوة تتسع أكثر وأكثر

هو ليس كما تقول سراب متردد ، لكن عليه دائماً أن يضع علاقته بياسمين وجوري كابنتي عم في المرتبة الأولى ، عليه أن يفكر بعقله بمستقبل يجمعهم كعائلة دائماً دون أي جروح قد تؤذي طرفاً منهم

أعاد الألبوم لمكانه عقب عودة سراب وهي تحمل له كوب العصير ، تناوله من يدها شاكراً ، ثم استقام واقفاً وهو يخبرها بأنه سيخلد للنوم
وغادر ترافقه نظراتها الحزينة لأجله
…….
في اليوم التالي اتجهت ياسمين مع مدى وميار وأعضاء الفرقة جميعهم نحو معرض للمنحوتات والرسوم رشحته لهم مدى وبعدها اتفقوا أن يتوجهوا نحو المنتزه في وسط المدينة

كانت ياسمين تتحدث بمرح مع صديقاتها ، وكأنها نسيت كل ما حدث معها بالأمس
لقد نجحت اليوم صباحاً بالتهرب من كل محاولات خديجة لأن تعرف ما ألم بها في اليوم السابق ، كما أنها حمدت الله أن جوري لم تنتبه لكل ذلك
لكزتها شادية التي تجلس بجانبها في الحافلة التي تقلهم نحو وجهتهم ، قائلة :
_ بماذا شردتي ، أخبريني ؟

ضحكت ياسمين ، وهي تقول لها :
_ لن أفعل
تصنعت شادية الغضب ، وهي تقول :
_ لن أحدثك إذا ً
حاولت ياسمين كبت ضحكتها وهي تقول فيما تسحب يد شادية نحوها :
_ كله إلا خصامك لي
أوقف ضحكاتهما توقف الحافلة فعلمتا أنهما وصلتا للمكان المنشود ، لتبدأ مدى محادثتهم عن المكان الذي وصلوا إليه قبيل هبوطهم من الحافلة ، فأنصتتا لها بانتباه حالهم كحال الجميع :

_ إنه معرض لفنانين صغار ، اختبرتهم الحياة كما اختبرتكم ، فكان اختبارهم بمرض يسمونه متلازمة داون ، جميعكم لابد وسمع أو قرأ عن هذا المرض ، وما يميز صغارنا ها هنا أنهم تمكنوا من إيجاد هواياتهم ، والتعبير عما يجول بخواطرهم ، إما عن طريق رسوماتهم أومنحوتاتهم البسيطة
يحملونها أحلامهم وأمانيهم ، كما نفعل نحن مع الموسيقا

كلامها زادهم حماساً لرؤية ما صنعه هؤلاء الأطفال
مال سند على صديقه حسان الجالس بجانبه ، وهو يقول له بضحكة عذبة :
_لن تكون مهمتك سهلة يا صديقي ، سيكون عليك وصف كل ما تراه من منحوتات لي
بادله حسان الضحك وهو يقول
_ لا تقلق عليّ ، إنني مستعدٌ لهذا تماماً

ترجل الجميع من الحافلة ، عقب سماعهم لحديث مدى ، كل شخص رفقة زميله الذي اختاره ، والجميع يحمل رغبة برؤية المنحوتات التي تحدثت عنها المدربة
أعطتهم مدى الإذن ليبدأوا جولتهم داخل المعرض ، ثم وجهت نظراتها نحو ياسمين التي تقف قرب شادية ، بينما الأخيرة سبقتها عيناها لتناظران مدخل القاعة الذي صنع من الخشب المحفور والمطعم بقطع الصدف الصغيرة ، بطريقة حرفية بالغة المهارة ، قالت مدى بهمس لم يصل إلا لياسمين :

_ لست على طبيعتك اليوم يا ياسمين ، أراك مشغولة البال، هل أنت بانتظار أحد ما لمرافقتنا

قالت مدى جملتها الأخيرة بمكر ، ولكن مقصدها لم يصل للواقفة أمامها ، بينما أومأت ياسمين بخجل قائلة :

_ كلا لا أفعل ، كل ما هنالك

قاطع ميار حديثها وهو يقترب منهم قائلاً ، بعد أن لاحظ أنهم الوحيدون الذين لم يدخلو للقاعة لمشاهدة ما فيها :

_هيا بنا ، ألن تبدؤوا جولتكم

أمومأ له الجميع بأجل ،ثم ساروا رفقة بعضهم وعينا شادية مازالتا تناظران البوابة حتى عبروها
قالت شادية بحماس شديد
_ إن البوابة رائعة جداً ،مصنوعة من الخشب المميز يا ياسمين
أومأت لها ياسمين بأجل وهي تحاول أن تنصت للأصوات حولها ،
لأول مرة في حياتها تشعر بتلك الغصة في قلبها ، والسبب أنها لن تتمكن من التفاعل مع هؤلاء الصغار ، الذين تسمع أصواتهم السعيدة
لأول مرة تشعر بهذا العجز ، لطالما كانت تتعامل مع عجزها هذا على أنه اختبار من الله لها ليمتحن صبرها وقوتها ، ولا زالت تفعل
لكن بداخلها أمنية صغيرة ، بأن لا تكسر خاطر طفل منهم وهي لا تستطيع أن تعبر له عن جمال ما صنعت يداه
كانت شادية قد انتبهت لمعالم وجهها الواجمة ، فعلمت بما تفكر صديقتها في هذه اللحظة ، هل تلوم مدى لأنها لم تفكر بوضع ياسمين وعدم قدرتها على رؤية المعرض ، لا لا يجدر بها لومها ، فمدى وميار يتعاملون معهم بشكل يجعلهم يشعرون بتميزهم وبأن لا نقص لديهم بأي شيء
وياسمين لطالما جعلتهم يشعرون بأنها لا تفتقد لحاسة البصر
رانت نظرة منها نحو سند الذي يقف قرب حسان يستمع منه لشرح عن الرسومات ، فعلمت أن مدى لم تخطيء ، فقط ياسمين من تبدو غير طبيعية هذا اليوم ، اقتربت منها تخبرها بصوت محب :
_ ما رأيك أن نشاهد اللوحات معاً ، سأصف لك كل شيء
ابتسمت ياسمين بسعادة لهمس صديقتها ، والتي تشعر بها بشكل كبير ، و دون أن تدري تسربت كلماته المشجعة لعقلها

(( لامسي كل ماتودين معرفته يا ياسمينتي ، وستجدين نفسك وقد استطعت مشاهدته دون الحاجة لأن تبصريه ))

رغم أنها كلمات سمعتها منه منذ سنوات ، إلا أنها مازالت ترّن بعقلها في كل مرة تحتاج فيها لدفعة قوية نحو الأمام
همست بأسمه بينها وبين نفسها ، غافلة عن ذاك الذي اقترب منها بغية مساعدتها في التنقل في القاعة ووصف اللوحات لها
توقفت خطواته وهو يشاهد تلك الابتسامة التي ارتسمت على وجهها
ابتسامة تنبع من قوة ، وهي تهم بإخبار شادية بأمر ما ، انتقلت له الابتسامة بالعدوى فقال :

_ ما رأيك أن أرافقك في هذه الجولة وأقوم بوصف المنحوتات يا ياسمين ؟

هزت رأسها بنفي ، وهي تقول وما زالت الابتسامة ترافقها :

_ كلا سأتعرف إليها بنفسي ، لا تقلقا عليّ ، وحين أحتاج لمساعدتكما بأمر اللوحات ، سأخبركما ّ

نظر لها ميّار متفاجئاً ، بينما شادية ابتسمت بإعجاب شديد بها ،
أراد ميّار الحديث لكنه انتبه لحركتها المفاجئة وكأنها تبحث عن أحدهم
وللمرة الثانية ينتبه لهذا الأمر الذي يحدث معها
همسها باسم عاصم جمده مكانه
ودون أن يدري اتجهت أنظاره نحو باب القاعة ، ليجد عاصم يدخل بخطواته الواثقة ، متجهاً نحوهما
، عاد ينظر لها وهو يشاهد ابتسامتها تتسع قائلة بسعادة طفلة في يوم العيد :

_ لقد حضر عاصم

توقف قلبه عن النبض لثانية بشكل مؤلم ، وهو يلاحظ إشراقة وجهها

_هل أنت من طلبت منه القدوم يا ياسمين ؟

لم يستطع منع نفسه من سؤالها ، فصدمته مجدداً بإجابتها النافية بلا ، بينما شادية تنظر لهما بتفاجؤ من الأمر برمته

_ مرحبا

قالها عاصم وهو يوجه نظرات متحدية لميار دون أن يشعر بالأمر ، والذي بادله الأخير بمثلها كذلك
لكن صوت ياسمين قاطع حرب النظرات ، وهي تقول بسعادة وكأنها نسيت كل ماحدث بينها وبين عاصم البارحة ، فيكفيها أنه استجاب لنداء قلبها وتواجد بجانبها

_ أهلا عاصم ، كيف علمت أننا هنا ؟

قال بابتسامة خصها بها وحدها :

_ الفضل لمعلمتك مدى ، لقد هاتفتها ليلاً بعد أن حصلت على رقمها من مديرة المعهد ، وعلمت منها عنوان المكان الذي يقام فيه المعرض ، وموعد تواجدكم هنا

_ميار أحتاجك قليلاً

كان هذا صوت مدى التي نادته ، بعدما لمحت أنه ينوي الفتك بعاصم إن لزم الأمر
تركهما ميار على مضض متجهاً نحو مدى ، فيما قال عاصم بسعادة وقد راقه رؤية السعادة على وجه ياسمين

_ والآن هيا بنا لنشاهد المعروضات

_ هيا ، لكن قبلاً

نظر لها مستغرباً ، فأزالت استغرابه وهو تشير له للفتاة التي تقف بجانبها :
_ دعني أعرفك على شادية صديقتي
مد يده مصافحاً لها وهو يقول
_ تشرفت بمعرفتك
قالت شادية بحماس لم تستطع إخفاءه
_ أنت ابن عمها الذي يجيد فن النقش على النحاس ، لقد حدثتني ياسمين كثيرا عن مهنتك
ضحك بعذوبة وقلبه يتراقص داخل صدره لرؤيته الخجل على وجه ياسمين ، ثم قال :
_ اظن أنني هو
حاولت ياسمين التهرب من خجلها وهي تقول
_ إن شادية فنانة كذلك في فن الرسم على الخشب
ابتسم بإشراق مما تسبب بتورد وجنتي شادية وهي تسمعه يقول :
_ واو هذا رائع جدا ، أنا واثق بأنك مميزة، طالما تشيد ياسمين بذلك

أحست شادية بالخجل من كلماته ، ولم يفتها كذلك تلك النظرات التي يوجهها عاصم لياسمين ولأول مرة تتمنى لو كان بإمكان صديقتها رؤية تلك النظرات ، أو كان بإمكانها مساعدتها لتعلم أي حب تحمله نظرات ابن عمها لها ، قالت بخجل من الأمر ككل :
_ ساترككما لجولتكما ، و أنا سأذهب لأبدأ جولتي
ثم ابتعدت متحركة بعيدة عنهما باستعمال عكازها
_هيا بنا لنبدأ جولتنا
قالتها ياسمين بسعادة متحركة معه ،وصل صوتها الهامس إلى مسامع ميار وهي تقول لعاصم بمزاح :

_ كن بجانبي كي لا أسقط شيئا ،فتحدث فضيحة نحن بغنى عنها

فيبادلها عاصم هامساً ،وقلبه يتقافز سعادة وقد عادت ياسمين لسابق عهدها :

_ ياسمينتي تعلم مكان خطواتها جيداً

توقف ميار مكانه وبقلبه ألم غريب
هل يعقل ما شاهده على وجهها
هل صحيح ما رآه داخل عينيها
كلا إنه مجرد تعلق بقريبها الذي علم أنه من كان بجانبها دوماً
ولبس حباً كما يهيئ له
_ ميار

كان صوت مدى مجدداً ،التفت لها ووجهه يعلن عن داخله بوضوح ، فقالت بنبرة تشوبها المرارة لحاله

_ لقد تفاجآت باتصاله بي البارحة يسألني عن نوع النشاط الذي سنقوم به ،تفاجأت كثيراً بحديثه و بسؤاله ، وسألته لم يريد الإطلاع على أمر يخصني وأعضاء فرقتي ، فأجابني :
(( لا أعلم ، أشعر بالقلق عليها ، وهذه المرة الأولى التي أشعر أنها ستحتاج وجودي بجانبها))
أتعلم ما يعني أن يشعر رجل بحاجة فتاته إليه دون أن تخبره يا ميار.

تقصدت قول فتاته ، رغم ألمها لرؤية تلك الملامح المنكسرة على وجه ميار ، ولكنها تعلم أنه إن استمر بتعلقه بياسمين سيتألم أكثر ، وخاصة وهي تلاحظ أن ياسمين عاشقة لإبن عمها ، أكملت حديثها قائلة :

_ لذلك أخبرته عن المكان و الزمان ، هل تعلم بما أجابني بعدها ؟

نظر نحوها ميار منتظراً إكمالها لحديثها ، ففعلت ذلك وهي تنظر نحو فريقها الذي توزع داخل القاعة

_ لقد قال : (( ستقف بتوتر هناك ، ستشعر حينها بأنها عاجزة عن التواصل مع الصغار كما ترغب ، ستبحث عن طريقة كي لا تظهر ذلك لكم فتسبب لكم الحزن ، هي من تعلمت منذ وقت طويل ألا تظهر ضعفها لأحد ، أن تكون قويةقق))
أفزعني كلامه وقتها ياميار، كيف لم أفكر بياسمين وسند وبما يمكن أن يشعرا به، هل لأننا نتعامل معهما ونشعر بشكل دائم أنهما طبيعيين و لا يوجد لديهما أي نقص، أم لأنني كنت واثقة بأننا سنكون لجانبهما ونساعدهما لمعرفة كل شيء

نظر ميار نحوها بألم ، فهي محقة بكل كلمة قالتها ، ولكنه تحامل على نفسه هو يقول :
_ لا تلومي نفسك هكذا ، الحقيقة أنهما يتصرفان أفضل مني ومنك ، ويستمتعان بكل ما حولهما ، وأنا وأنت نعلم أي جوهرتين هما ، بل أي جواهر هم أعضاء فريقنا ، فلا تبتأسي بهذا الشكل اتفقنا
أومأت له بأجل ، ثم قالت بأسف :

_ وجدت نفسي أخبره بمكان المعرض، وها هو محق بكل كلمة قالها هل راقبتها عقب دخولنا إلى هنا ، إنه رجل عاشق يا ميار

همس دون أن يزيح نظراته عن ياسمين الواقفة في مكان بعيد قرب إحدى اللوحات رفقة عاصم :

_لكن ربما هي ليست عاشقة له

نظرت له مدى بصدمة من منطقه الغريب ، سرعان ما تحولت لغضب وهي تقول

_ هل تسمع ما تقوله يا ميار ، منذ متى كنت تفكر بهذا الشكل الغبي

قال وهو يعود بأنظاره إليها :

_ ماسمعته يا مدى، أنت أكثر من عليها أن تشعر بي يا صديقتي

وتركها يخطو مبتعداً عنها رفقة عضوة من الفريق التي اقتربت منهما تطلب مساعدة منه في شيء ما
….
كان عاصم واقفاً بجانب ياسمين ، وهي تستمع لشرح الصغير عن منحوتته الفريدة كما يصفها ، والدته تقف خلفه بسعادة تساعدهم بفهم بعض الكلمات التي يصعب على الصغير لفظها
سأله عاصم وهو ينحني ليصبح في مستوى نظره :
_ كم عمرك يا وليد
أجابه وليد بأصابع يده ، بأن عمره ثمانية أعوام
ربت عاصم على رأسه بحب ، يبدو كملاك صغير بابتسامته التي تنفذ للقلب مباشرة
كان هذا همسه لياسمين وهو يعود ليستقيم واقفاً قربها
قالت ياسمين تسأل وليد :

_ هل بإمكاني ملامستها ، لأتمكن من رؤيتها

توقع عاصم ألا يفهم الصغير مقصدها ، لكن توقعه خاب والصغير يجيبها رغم صعوبة لفظه للكلمات :
_ بكل تأكيد
ابتسامتها ملأت وجهها ، وهي تمد كفيها نحو المنحوتة
أمسك عاصم كفيها ليضعهما فوق المنحوتة الصغيرة ، ضحكت وهي تقول بينما يداها تلامسان المنحوتة وكأنها كنز ثمين :

_ أستطيع تخيلها ، إنها تمثل حصاناً صغيراً

ضحك عاصم لسعادتها ، بينما يحيبها الصغير وهو يصفق بيديه :
_ أنت رائعة

ابتعدت عن المنحوتة ثم اقتربت من الصغير ، تضمه إليها بحنو وهي تقول :
_ بل أنت الرائع

ثم ابتعدت رفقة عاصم بعد شكرها الكبير للصغير
أمام اللوحات كان عاصم يشرح لها كل لوحة وما تمثله ، بسعادة أكبر بكثير من سعادتها ،وقد نسي المكان والزمان برفقتها وقد عاد به الزمن سنوات للوراء
اقتربت منهما فتاة تبدو وكأنها قد تجاوزت الخامسة عشر بقليل ، بخطوات هادئة كملامح وجهها وابتسامتها العذبة تزين وجهها الرقيق ، تربط شعرها الأسود الناعم كذيل حصان ، ترتدي ثوباً أبيض اللون يصل لما بعد ركبتيها بقليل ، منهية طلتها التي وجدها عاصم مميزة لفتاة بعمرها بحذاء رياضي أبيض اللون ، ألقت التحية عليهما ، فأدركت ياسمين من خلال سماعها لصوتها أنها كذلك تعاني من متلازمة داون
ردت هي وعاصم التحية ، ثم قال عاصم بنبرة معجبة بشخصية الفتاة التي تبدو قوية وواثقة :
_ هل أنت من رسم هذه اللوحة الجميلة
أجابته بأجل ، ثم انتبهت له كيف يصف اللوحة لياسمين التي اتسعت ابتسامتها وهي تقول :
_ تبدو مذهلة حقاً ، إنك رائعة
أجابتها الفتاة بالشكر ، ثم لاحظ عاصم اقتراب امرأة منهم ، لتضم الصغيرة لصدرها بفخر ، ثم توجه حديثها لعاصم وياسمين قائلة :
_ يبدو أنكما قابلتما ابنتي سارة
أجابها عاصم :
_ بل قولي الفنانة سارة ، إنها موهوبة فعلاً ، وياسمين وجدت لوحتها رائعة رغم أن وصفي لها كان بسيطاً
انتبهت السيدة إلى أن ياسمين لا تبصر ، فشعرت بالحنو والعطف نحوها ، كما تفعل تجاه ابنتها ، ثم خاطبته:
_ حسها المرهف يجعلها تشعر بجمال الأشياء حولها
بينما أخبرته سارة بكلماتها الرقيقة والتي استطاع هو وياسمين فهمها بسهولة أكثر مما فعلا مع الصغير وليد
_ لقد أجدت الوصف لها ، سعيدة أنا بوجودكما هنا
قالتها بصدق لامس قلبهما ، شكرتها ياسمين وهي تضمها لها ، بينما ابتسم لها عاصم كذلك شاكراً، ثم ابتعد رفقة ياسمين لينهوا جولتهم
وما بين هنا وهناك انقضى يومهم ، دون أن يشعروا بمرور الوقت ،
اقترب عاصم من مدى التي تقف قرب والدة الصغير الذي سبق وحدثاه هو وياسمين ، قائلا ً بنظرة تحمل الامتنان والشكر لها لأنها فكرت بمثل هذا الخيار كوجهة للفرقة :
_ لقد كان يوماً مميزا ،شكراً لك سيدة مدى على هذا الاقتراح المميز

أجابته مدى بفخر وهي تراقب تجمع أعضاء فرقتها حولها :

_ لاداعي لشكري يا سيد عاصم ، فأنا أشعر بالفخر والسعادة حين أكون رفقة هؤلاء المميزين

أومأ لها بأجل ، ثم وجه حديثه لأم الطفل بينما نظراته على الصغير المبتسم له بحب :
_ لابد أنك فخورة جداً به يا سيدة ندى ، إنه طفل مميز

قالت ندى بصوت الأم الفخور

_ كثيراً ، وسعادتي كبيرة لأنكم قررتم حضور هذا المعرض البسيط ، ولكن بحضوركم رسم سعادة كبيرة على وجوه هؤلاء الصغار

قالت ياسمين بصوتها العذب

_ كلا ليس بسيطاً ياسيدة ندى ، إنما هو مميز لأنه من نتاج أنامل هؤلاء المميزين ، ملائكة صغار ينشرون البهجة أينما وجدوا صدقيني

فيما أيدتها شادية وقد شعرت بلوم لنفسها لتفكيرها بأنها تعاني من نقص كبير بسبب إعاقة قدمها ، ليأتي هؤلاء الصغار ويعلموها كيف تكون إرادة الحياة الحقيقية :

_ صدقيني يا سيدتي ، نحن نتعلم منهم الكثير ، ونحن من بحاجة لتواجدنا قربهم

أجابتها ندى بحب استشعرته نحوهم :

_ أجل يا أنستي
ثم أكملت وهي تضم الصغير لصدرها ، فيقبل خدها بصوت مرتفع ، جلب الضحكة لهم جميعاً
_ أتعلمون أمراً ، حين علمنا أنا وزوجي أن طفلنا آخر العنقود كما يقال ، سيولد مصاباً بمتلازمة داون ، صدمنا وبكيت يومها كثيراً ، وتسائلت هل أنا على قدر هذه المسؤولية التي ستلقى على كاهلي ، لكني عدت لأخبر نفسي أنه طفلي مهما حدث ولن أتخلى عنه

كانت ياسمين تستمع لها بإنصات شديد وكذلك حال البقية و عاصم الواقف بجانبها ومازالت يده تحتضن يدها والسيدة تكمل حديثها :

_ وزوجي الحمدلله لم يكن أقل مني إيماناً بأن الله لا يمكن أن يخلق مخلوقاً ناقصاً ، فإن أخذ منه شيئاً عوضه بشيء آخر ، بعد بلوغ صغيرنا عامه الخامس لاحظنا حبه للمعجون وتشكيل المجسمات ، فأتجهنا لتقوية هذه الموهبة لديه ، والحمدلله تمكن من الوصول إلى ما هو اليوم ، ومازلنا موقنين بأنه يملك في جعبته الكثير من الأمور التي سيتميز بفعلها

قال عاصم بنبرات فخورة بذلك الصغير ومثابرته :

_ إنه مميز حقاً، جميعهم مميزون ،كما وصفهم الجميع ،ملائكة صغار يحاولون رسم البسمة أينما وجدوا ، صدقيني ياسيدة ندى ،إنه عطية من عطايا الله لكما

اومأت له بأجل ، فنظر عاصم نحو مدى يخبرها :
_ لا بُد أنك سمعتي عن المعرض الخيري الذي يقام في المدينة

أجابته مدى بأجل ، فأكمل عاصم يخبرها وهو يوجه نظراته لها ولميّار الذي اقترب ليقف قربها ، منصتاً لما يقال :

_ إن هذا المعرض يدعم أصحاب المواهب ، ويقدم لهم المجال لعرض منتوجاتهم والمساهمة بجعل مواهبهم معروفة ، وتكون مصدر دخل بسيط كذلك

قال ميّار وهو ينظر لحسان وسند
_ لقد زرناه العام الماضي أنا وحسان وسند ، لقد كان مميزاً بالفعل

أومأ له عاصم بأجل ، ثم أكمل :

_ ما رأيكم أن تشاركوا هذا العام به

سألته مدى باهتمام
_ وهل نستطيع فعل ذلك ، ظننته مقتصراً على المدارس المهنية التي تعنى بهكذا أمور

قال عاصم مجيباً إياها :

_ كلا ليس مقتصراً فقط على المدارس ، يمكن أن نقدم طلباً ونشارك به ، ما رأيكم جميعاً

همهم الجميع بالموافقة ، وخاصة شادية التي قالت وهي تضم كفها لصدرها ووجهها ترتسم عليه ابتسامة حالمة :
_ وأخيراً سأتمكن من إظهار أعمالي الفريدة للعلن
ضحك الجميع ، ووليد الصغير يقلدها بالحركات والكلمات ،قال ميار مخاطباً عاصم
_ سنتواصل معك لنرى ما هي الإجراءات التي يجب علينا القيام بها للمشاركة ، وأتمنى أن نجد فرصة للأطفال كذلك
أجابه عاصم وهو يمد له يده مصافحاً :
_ بكل تأكيد ، أنت حضر لي قائمة بأسماء المشاركين والأعمال التي سيشاركون بها ، وأنا أتكفل بالباقي

بعد اتفاقهم على الأمر ، ابتعد عاصم برفقة ياسمين وشادية التي اصرت ياسمين أن توصلها لمنزلها ، بينما اقتربت مدى من ميار هامسة
_ للحظة ظننتك سترفض اقتراحه

نظر لها بلوم وهو يقول :
_ هل تظنين هذا بي ،مشاعري نحوه أمر ، و قيامه بأمر سوف ينشر البهجة في قلوب من حولي أمر آخر يا مدى
قالت مدى بإحراج وهي تنظر نحوه بنظرات متأسفة :
_ حقك عليّ، لم أقصد ذلك أبداً ، والآن هيا يجب أن نغادر ، فأنا اتضور جوعاً

همهم وهو يسير بجانبها
_ وهل تجيدين غير المطالبة بالطعام
نظرت نحوه وهي تضيق عيناها قائلة
_ هل قلت شيئاً يا ميار

رفع كفي يده علامة الاستسلام وهو يقول
_ كلا لم افعل ، كل ماهنالك أنني جائع ايضا
……..
بعد ايصالهما لشادية الى منزلها، توجه عاصم نحو مطعم للوجبات السريعة ، قالت ياسمين وهي تتناول منه الطبق البلاستيكي الذي يحتوي وجبتها
_ فطائر الجبنة واللحم

قال عاصم وهو يعود ليجلس خلف المقود
_ أجل وجبتك المفضلة

شرعا بتناول وجبتهما ، فيما عاصم يحدثها عن آخر صفقة قاموا بها ، ومدى الصعوبات التي واجهته هو وزياد ليتمكنا من إنجاز أول دفعة منها
لامت نفسها لتفكيرها في الفترة السابقة أنه نسيها ، قالت في محاولة منها لمساعدته :
_ لم لا تقومون بحملات تعريف بمهنتكم ، عبر الشبكة العنكبوتية
أجابها وهو يرتشف بعض العصير
_ نحن نفعل ذلك منذ زمن طويل ، الأمر يا ياسمين أن القطع التي نصنعها غالية الثمن ولا يستطيع الكثيرون اقتنائها ، والأغلبية يتوجهون لشراء المنتجات الأخرى لرخص ثمنها
، قالت ياسمين وهي تمسح فمها بمنديل ابيض:
_ أجل هذا صحيح ، لكن عليكم أن تجدوا طريقة لتلقى هذه المهنة الدعم المطلوب ، التلفاز مثلا ، المعارض
نظر نحوها عاصم بابتسامة وهو يجيبها
_ زياد يعمل على هذا الأمر أكثر مني ، أما أنا فأخطط لأن أدخل بعض التعديلات على القطع التي نصنعها
سألته باهتمام
_ كيف ذلك ؟
شرد في الطريق أمامه للحظات ثم عاد يحيبها :
_ لم أضع خطة متكاملة بعد ، لكن كنت أفكر أن أقوم بصنع قطع تحتوي الزجاج والنحاس معاً ، قطعاً تكون بتصاميم راقية وإبداعية ، وبذات الوقت تكون بثمن مقبول لمن يود اقتنائها
ابتسمت له وهي تقول :
_ تبدو فكرة رائعة جدا ، وأنا متأكدة أنك ستتمكن من تنفيذها ، بل عليك الإسراع بالمحاولة
عيناه التهمت تفاصيلها بتلك اللحظة ، وخاصة ونسمات الهواء التي تصلها من النافذة المفتوحة بجانبها ، تجعل خصلات شعرها التي هربت من حبسها ترفرف حول وجهها ، فتزيد صورتها بقلبه بهاء
ابتسم بعشق خالص لها ، ابتسامة يخصها بها حين لا يتواجد أحد حولهما ، هامساً
_ أعدك أنني سأفعل
وكأنها رأت ابتسامته تلك ، توردت وجنتاها وهي تخفض برأسها تحاول السيطرة على نبضات قلبها المتسارعة بشكل غريب
وكم راقه خجلها ذاك ، وخاصة وهي تحاول التهرب منه بسؤالها بنبرة سريعة :
_ لم لم تخبر مدى وميار أنك المسؤول عن المعرض الخيري منذ سنوات ؟
قال عاصم وهو يتناول الطبق الفارغ منها ليضعه في الكيس البلاستيكي بغية رميه في سلة المهملات
_ لعدة أسباب ، أولها أني لم أشأ أن أظهر بمظهر من يمّن عليهم بهذه الدعوى يا ياسمين ، إن أعمال الصغار تستحق أن تشارك بهذا المعرض ، وأنا متأكد أن أصدقائك كذلك يمتلكون مواهب مميزة
أومأت له بأجل ، وشعورها بالفخر ناحيته يزداد في كل مرة

حين وصلت للمنزل استقبلتها خديجة بابتسامتها الحنونة ، وقد لاحظت اشراقها ، بعكس اليوم السابق ، قالت ياسمين وهي تقبل خد خديجة :

_ ألم تعد جوري بعد ؟

أتاها صوت جوري المرتفع من داخل المطبخ

_ أنا هنا ، تعالي لتروي لي كل ماحدث معك اليوم، و ما السر خلف كل هذه السعادة البادية في نبرة صوتك ؟

قالت ياسمين بإغاظة لها وهي تتجه نحو غرفتها :

_ لن أفعل ، سآخذ حماماً وأنام فأنا متعبة جداً

خرجت جوري من المطبخ وهي تمسح يديها بفوطة نظيفة ، فلم يخب ظنها بإشراقة شقيقتها ، فقالت بتساؤل رغم سعادتها لتلك الفرحة المرتسمة على ملامح شقيقتها :

_ ألن تتناولي الطعام معنا ؟

نفت ياسمين بإشارة من رأسها وهي تقول :

_ تناولت فطائر الجبن واللحم وبعض العصير لذلك لا أشعر بالجوع ، والآن اعذراني سأذهب لاستحم

تركتهما وغادرت نحو غرفتها ، فقالت خديجة بابتسامة حنونة :

_ من يراها البارحة لا يراها اليوم

كانت جوري تراقب شقيقتها حتى دخلت الى غرفتها ، فاستدارت نحو خديجة قائلة

_ هل تظنين أنها واقعة بالحب ، اليوم كانت برفقة ميار ، هل تظنين ما أفكر به صحيحاً ، لقد شاهدت نظرات الإعجاب لها في عينيه ، فهل يمكن أنها تبادله مشاعره

قالت خديجة وهي تخطو مبتعدة نحو المطبخ لتكمل وضع الطعام :

_ لا تتدخلي في شؤون قلبها ياجوري ، ابقي بعيدة عن هذا الأمر

لم تفهم جوري مقصد خديجة ، لكنها عادت للابتسام وهي تتذكر سعادة شقيقتها ، رنين هاتفها جعلها تجري متلهفة للرد وهي تعلم أن المتصل هو ساكن قلبها تيم .
..
في غرفة ياسمين كانت قد أنهت استحمامها واستقرت في فراشها تتنعم بدفئه
استعادت كل أحداث هذا اليوم في عقلها ، صوت عاصم حولها في كل مكان ، لقد كانت سعيدة بشكل يفوق الوصف
لقد أحضر لها الشطائر التي تحب وعاد يحدثها عن عمله كما كان يفعل سابقاً ،يخبرها بالكثير من التفاصيل ، وهي كانت سعيدة بالاستماع إليه ،
تناست كل مايمت لموضوع وجود أخرى بحياته بصلة
أغمضت عينيها وصدى همسه باسمها ببحة صوته المميزة ما زالت ترن في أذنيها
( ياسمينتي )
……
كانت ياسمين تتلقى تعليمات ميّار بخصوص ضبط ايقاع الأغنية التي سوف تقوم بتأديتها ، لتباشر بتنفيذها ، تارة تعلي صوتها وتارة تخفضه تحاول أن تصل بغنائها لأداء مقنع
كانت جوري قد وصلت منذ بعض الوقت ، فقررت أن تشاهدها وهي تتدرب على الحفل القادم
أخذت تراقب نظرات ميار لشقيقتها ، إنه معجب بها وهذا واضح عليه بشدة ولكن ماذا عن ياسمين ،
تتمنى بداخلها أن تبادله شقيقتها مشاعره فتطمئن عليها برفقة شخص تحبه ويحبها
اقتربت منهم مدى وبيدها بطاقة ما ، ناظرها ميّار بتساؤل عما تحتويه هذه الورقة ، طلبت من الجميع الانتباه لها ثم قالت :
_ لقد وصلتنا اليوم بطاقة دعوة

سألها ميّار :
_ لأجل ماذا هذه البطاقة

توسعت ابتسامتها وهي تجيبه :
_ إنها دعوة للمشاركة في فعاليات موسيقية ، يعود ريعها للجمعيات الخيرية التي تتولى معالجة الأطفال المصابين بالسرطان
سألتها شادية باستفهام أكثر حول الأمر :
_ هل تعنين أننا سنتقتضى أجرا وهذا الأجر سوف يذهب لهذه الجمعيات
أجابتها مدى بأجل ، مما رسم الابتسامة على وجوههم جميعاً ، و الحماسة انتشرت بينهم بسرعة كبيرة ، أكملت مدى حديثها قائلة وهي تنظر للتاريخ المحدد في بطاقة الدعوى :
_ إن الحفل في آخر أسبوع من الشهر القادم تقريباً ، أي أننا سنودع الربيع في هذا الحفل يا شباب ، ولذلك علينا الاستعداد جيداً
همهمات أعضاء الفرقة الحماسية تعالت وهم يؤكدون لها أنهم سيكونون كما ترغب وأكثر

بينما تقود جوري السيارة بعد مغادرتها هي وياسمين للمعهد الموسيقي ، قالت تحاول أن تستشف بعضاً من مشاعر ياسمين تجاه ميّار:

_ إن ميّار شاب مميز، أليس كذلك يا ياسمين ؟

قالت ياسمين بصوت خفيض وقد أخذ منها الإنهاك كل مأخذ

_ أجل

أكملت جوري حديثها :

_ لا أدري لما أشعر أنه يحمل مشاعراً معينة تجاهك

ضحكت ياسمين من الأفكار التي تراود شقيقتها، وهي تجيب:

_ من أين يأتيك هذا الشعور ياجوري ؟

أجابتها جوري بجدية ، فيما تحاول أن تبقي تركيزها على الطريق المزدحم في مثل هذا الوقت من النهار :

_ من نظراته لك ،من اهتمامه بك

تنهدت ياسمين وقد باتت تشعر بأنها ليست على مايرام ، ولكنها تحاملت على نفسها كي لا تخيف شقيقتها والتي توقن تماماً أنها تنظر لها على أنها طفلة صغيرة مازالت تحتاج منها لكل عناية
لا تقصد بتفكيرها ذاك كرهاً لما تفعله شقيقتها ، بل بالعكس هي تحب اهتمام جوري بها وإن كان زائداً عن الحد من منظورها هي
ولكنها تود لجوري أن ترتاح من هذا الحمل الذي تحملّه لنفسها
أتاها صوت جوري مجدداً وهي تتساءل :

_ لم تجيبي عليّ يا ياسمين ، هل تفكرين بما قلته ؟

أجابتها بهدوء :

_ كلا لا أفكر به ، إن ميار يهتم بالجميع ولا أظن أنه معجب بي كما تقولين ، ثم حتى وإن كان كذلك فأنا لا أحبه كحبيب ، أحترمه كمدرب ،كصديق لي ،لكني قطعاً لا أحبه

اتخذت جوري المنعطف الذي يصل لمنزلهم ، ثم رانت منها نظرة خاطفة لياسمين وهي تقول :

_ وكيف تجزمين أنك لا تحبينه ، ماذا لو كنت تفعلين ؟

لكن ياسمين لم تجبها ، فهي متعبة ولا تود الدخول بهكذا نقاش معها ، لأن مثل هذا النقاش سيؤدي بها الى الإعتراف بحبها لعاصم ، وهي لا تريد لأحد أن يعرف بما يعتمل في قلبها ، وخاصة وهي ليست متأكدة من مشاعر عاصم لها
لكن يبدو أن جوري مصرة على سماع إجابتها فاكتفت بالقول

_ أنا متعبة ياجوري ولا أستطيع التفكير بأي شيء الآن ، أود الوصول لسريري فقط لو سمحتي
صمتت جوري على مضض وهي تلاحظ اغماض ياسمين لعينيها ، دليل انهاء الحديث بينهما
لكنها لا بُد أن تعرف بما تفكر شقيقتها
……...
في اليوم التالي
اتجهت حلا نحو باب الشقة لتفتح الباب ، بابتسامتها التي تستقبلهم بها دائماً ،حيت جوري ويا سمين ودعتهما للدخول ، قال جوري وهي تعطيها الكيس البلاستيكي الذي يحتوي على بعض المشتريات للصغيرة :
_ رائحة الطعام شهية جداً يا حلا

لكزتها حلا بكتفها وهي تشير لهما للدخول نحو الصالة ، وقد حاولت كبت ضحكاتها كما فعلت ياسمين وهي تقول :
_ من يراها متشوقة للأكل ، يظن أنها لم تأكل من أيام
جلست جوري على الأريكة وهي تضع حقيبتها جانباً ، فيما جاورتها ياسمين ، قالت جوري وهي تضم قبضتي يدها إلى صدرها :
_ إنها شاورما يا ياسمين ، هل تعرفين معنى ذلك ، أكلتي المفضلة وسأتناولها من يدي الشيف المميز كرم
وأنهت كلامها بغمزة شقية ، لتقذفها حلا بالوسادة وهي ما تزال على وقفتها ، فادعت جوري الحزن وهي تقول :
_ ماذا ألست محقة
لم تستطع ياسمين إخفاء ضحكاتها أكثر ، ليأتيهم صوت كرم من داخل المطبخ :
_ أجلوا أي مرح حتى أنتهي من صنع الطعام
قالت حلا موجهة الحديث لجوري :
_ هل سيتأخر تيم بالحضور
فأجابتها جوري أنه سيصل بعد لحظات ، فتركتهم حلا واتجهت نحو المطبخ لتساعد كرم في إعداد الطعام

بعد بعض الوقت كان الجميع مجتمعاً حول مائدة الطعام
رُن هاتف تيم فوضع الطعام من يده ، ليجيب اتصال شقيقته غامزاً جوري ، فهو يعلم تماماً لم تتصل في هذا الوقت تحديداً ، أتاه صوتها الغاضب وكأنها طفلة تركها والديها وذهبا في رحلة بمفردهما :
_ أيها الخائنان تتركانني وحيدة وتذهبان لتناول الشاورما
وصل صوتها للبقية ، فكتم الجميع ضحكاتهم ، بينما حلا تخاطبها رافعةً صوتها لتتمكن من سماعها :
_ لا تقلقي يا أم جوى ، فنصيبك بالحفظ والصون
ضحك تيم وهو يجيب شقيقته :
_ ماذا هل ارتحتي الآن
لتجيبه ورد بشقاوتها التي لا تنتهي :
_ طبعاً ، هل تظن أن هذه وجبة عادية ، إنها وجبة من صنع الشيف كرم ، والآن استمتعوا جميعاً إلى اللقاء
أنهت الاتصال ، فعلقت جوري بمرح على ملامح تيم :
_ ستبقى ورد صغيرتك المدللة لذلك لا تبتأس هكذا
تنهد تيم بقلة حيلة ، وهو يقول بينما يعاود تناول طعامه ، مخاطباً كرم الجالس قبالته :
_ إن شهرتك على التلفاز خلال وقت قصير يا كرم هي السبب
قال كرم وهو يضيف بعض قطع المخلل في طبق زوجته :
_ شقيقتك هي شقيقتي يا تيم ، لذلك لها كل ما تريد
ليعود تيم ويسأله :
_ سلمت يا صديقي ، أخبرني كيف وجدت العمل في البرنامج الخاص بالطبخ
ابتسم كرم وهو ينتبه لنظرات زوجته الفخورة ، والتي ماعادت تتحرج من إظهارها أمام الجميع ، ثم أجاب تيم :
_ إنه تجربة جديدة ومميزة ، في البداية وجدت الأمر صعباً بعض الشيء لكن بعد حلقتين أو ثلاث ، بدأت اعتاد الأمر
أومأ تيم بتفهم ، ليعود الجميع ويكملوا طعامهم وسط أحاديث متنوعة
بعد الغداء تطوعت جوري لتصنع الشاي فيما تساعدت ياسمين وحلا في تنظيف الاطباق ، أما تيم وكرم فقد قررا بدء مباراة في لعبة الشطرنج
قدمت جوري الشاي ، وجلست قرب تيم تتابع اللعبة ، فيما انتحت حلا وياسمين جانباً لتتحدثا
قالت حلا :
_ كيف حال تدريباتك هذه الفترة

وكعادتها ياسمين ، أجابتها بفرح تخبرها عن سير التدريبات وعن أصدقائها ، لتومأ حلا برأسها وهي تجيبها بنبرة صوت فخورة بها ، وبتلك الهالة التي تحيط بها دائماً :
_ إنك محظوظة بتجمعكم وبقيامكم بما تحبون يا ياسمين
أشارت لها ياسمين بأجل ، لا حظت حلا أن ياسمين مشغولة الذهن ، لذلك قالت بغية الانفراد بياسمين قليلاً
_ ما رأيك أن نرى إن كانت زينة قد استيقظت أم لا يا ياسمين
أومأت لها ياسمين بأجل وهي تمسك بكف يدها ، متوجهتان نحو غرفة الصغيرة ، كانت الأخيرة ما تزال تغط في نوم عميق ، قال حلا :
_ ما الأمر يا ياسمين ، أخبريني
تنهدت ياسمين بتعب وهي تقول :
_ إنها جوري يا حلا
قالت حلا بتساؤل :
_ ماذا بها جوري ؟
أخذت ياسمين نفساً عميقاً ثم أخبرتها :
_ إن الحديث يطول ، لكني ما أعرفه أن عليها أن تتخلى عن فكرة أنها ظلي الذي يلازمني ، أنا أريد لها أن تلتفت لحياتها كذلك
فهمت حلا ما ترمي إليه ياسمين ، أمسكتها من كف يدها وهي تقول :
_ اجلسي هنا لنتحدث بمفردنا
امتثلت ياسمين لطلبها ، بينما جلست حلا قبالتها على مقعد صغير تستعمله حلا أثناء اللعب وهي تقول :
_ هيا الآن أخبريني بكل ما يحدث
أومأت لها ياسمين بأجل وهي تريح جسدها على الأريكة ، فيما تحتضن الوسادة الصغيرة لصدرها :
_ الأمر أن جوري ما زالت تراني تلك الطفلة التي وجدت نفسها مسؤولة عنها ،ترفض أن تصدق أنني كبرت واستطيع الاعتماد على نفسي
رغم معرفتها أن ماتفعله جوري خاطيء ، لكن حلا حاولت التبرير لها :
_ لست بحاجة لأخبرك كم تحبك هي ، وربما تصرفاتها نابعة من عاطفتها الأمومية تجاهك
قالت ياسمين بنبرة حزينة ، لأول مرة تسمعها حلا :
_ أعلم ذلك ، لكن الأمر بات يكبلني في الفترة الأخيرة
تسائلت حلا بعدم فهم
_ كيف ذلك ؟
ملامح الحيرة التي اعتلت وجه ياسمين أحزنتها ، وهي تسمعها تجيب تساؤلها :
_ لا أعلم كيف أشرح الأمر يا حلا ، أنا لا أكره اهتمام جوري بي ، فنحن شقيقتان ، بل توأمتا روح ، لكني بت أشعر بنفسي عبئاً عليها وأنا أراها توقف حياتها لأجلي
ربتت حلا على كف يدها هامسة :
_ لا تقولي ذلك
أكملت ياسمين حديثها وهي تضم الوسادة لصدرها أكثر :
_ لقد أوقفت حياتها لسنوات لأجلي حتى ظهر تيم في حياتها ، لن أخبرك عن سعادتي لأنها وجدت الحب أخيراً ، لأنها ستعيش حياتها كما يجب لفتاة في عمرها ، لكنها عادت لذات الأمر بعد عقد قرانهما ،تؤجل فكرة الزواج وأي أمرآخر يخصها بسببي ، وإن لم تخبرني فأنا شقيقتها وأعلم ما تفعله وتفكر به ، أنا لست بذلك الضعف الذي تظنني به ياحلا حتى تصر أن عليها أن تكون حارسي الشخصي في ذهابي وإيابي ، ولست بذلك العجز حتى تحاول أن تقنعني بحب أحدهم
حاولت حلا إخفاء صدمتها من حديثها ،وبداخلها لوم كبير تجاه جوري التي بطريقتها الغبية أوصلت هذا الشعور لشقيقتها ، لكنها حدثت ياسمين بنبرة هادئة :
_ ليست جوري من تنظر لك بهذا الشكل وأنت تعلمين
عادت ياسمين تهز رأسها بأجل وهي تقول :
_ أجل أعلم ذلك ، لكنني حزينة لأجلها ، أود لها أن تمضي قدماً في حياتها
أكملت حلا حديثها بذات النبرة :
_ إنها تفكر كالأم تماماً يا ياسمين ، لذلك لا نستطيع لومها ، لكنك بذات الوقت محقة عليها أن تمضي قدماً في حياتها وأن تتركك كذلك لتختاري حياتك التي ترغبين بها ، لا تقلقي أنا سأحادثها بطريقة غير مباشرة بالأمر
، وأنت ابعدي هذه الافكار عن رأسك هذا
لكزتها بسبابة يدها على رأسها ، مما جلب الضحكة لها وهي تقول :
_ شكرا لتفهمك يا حلا
ضمتها حلا لصدرها وهي تقول :
_ أنت شقيقتي يا فتاة
…..
نظرت حلا نحو جوري وهي تقوم بتوضيب أكواب الشاي بعد أن غسلتها ، ثم قالت بتأكيد :
_ لقد سمعت حديثي أنا وياسمين أليس كذلك
أومأت لها جوري بأجل ، ووجهها تغضنت ملامحه بألم وهي تقول :
_ لم أكن أعلم أن اهتمامي بها سيجعلها تشعر بمثل هذا الشعور يا حلا
ربتت حلا على كتفها وهي تمسك يدها ، تدعوها للجلوس على الكرسي قرب طاولة المطبخ ، بينما تقول :
_ إنها تحتاج لأن تشعر بنفسها حرة يا جوري ، لا تريد أن تشعر بأنها قيد يقيدك
قالت جوري بنفي سريع
_ كيف تقولين هذا يا حلا
ابتسمت حلا بتفهم وهي تجيبها بعد أن جلست قبالتها :
_ تأجيلك لزفافك كل هذه المدة دون سبب حقيقي ، عدم رغبتك بالسفر رفقة تيم ، أليس بسبب خوفك على ياسمين
باستسلام أومأت جوري برأسها بأجل وهي تقول
_ لبس بيدي يا حلا ، خوفي عليها لا استطيع التحكم به
قالت حلا :
_ هذا أمر طبيعي يا جوري ، لكن حاولي أن تثقي بأن ياسمين قوية وتستطيع التصرف دون الرجوع إليك
ابتسمت جوري وهي تقول :
_ أعلم ذلك ، ألم تشاهدي معي ذلك البرنامج الذي صورته رفقة أصدقائها ، لقد شعرت بصدمة حقيقية وهي تخبرني عما قامت به ، ليزاداد فخري بها وأنا استمع لحديثها في ذلك البرنامج
قالت حلا وهي تلكزها في كتفها ممازحة :
_ إذاً توقفي عن خوفك الزائد ودعي للفتاة المساحة التي تحتاج ، ناقشيها في كل الأمور ولا تدعي خوفك عليها يتحكم بتصرفاتك
وعدتها جوري أنها ستفعل ، لكن هل ستستطيع حقاً تجاهل ذلك القلق الذي يساورها دائما تجاه شقيقتها


فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:03 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.