نوفيلا : قلبك حدثني * مكتملة *

[سمية ميتو]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيتم انزال الفصل الثاني خلال ساعات قليلة

[سمية ميتو]

*لايدري كيف استطاع الصمود حتى هذه اللحظة وهذا التأثر البالغ في عينيها يفتنه ... فعاد ليجلس على السرير واجابها بلهفة : أجل ، فحياتك بالنسبة لي أهم من حياتي .
نظرت اليه بذهول فهمس بشغف وهو يقترب منها : لا تتعرضي للاذى مجددا يا قلبي . وامام حيرتها وارتباكها اسند جبينه الى جبينها واغمض عينيه باسى قائلا بصوت مبحوح : _ لا معنى لحياة أعيشها لا تكونين انت محورها ولا معنى لوقت لا أمضيه في انتظار مجيئك كل صيف .
........
أسفة جدتي ، لقد جئت لمساعدتك وها انا ذا اتحول الى عبء .
_ لا تقولي ذلك حبيبتي ، انا طلبتك كي تحضي بوقت جيد وتتخلصي من الاكتآب
الأن ارتاحي و ساعود لتفقدك صباح الغد .
_ تصبحين على خير جدتي .
....
حين غادرت جدتها عادت نرجس بنظراتها نحو النافذة التي قفز منها القروي ما ان سمع خطوات جدتها وهي تقترب .
وشعرت بشيء غريب .... وكأنها تفتقده !
وجملته الأخيرة تدوي في داخلها :
(لا معنى لحياة أعيشها لا تكونين انت محورها ولا معنى لوقت لا أمضيه في انتظار مجيئك كل صيف .)
منذ متى ينتظرها بكل هذا الشغف ؟ احمرت وجنتاها وشعرت باحساس لطيف ، فهناك في هذا العالم شخص يتلهف لرؤيتها ، وان كان شخصا غريبا فلا يهم .
.****.
ما إن ارتفع الشمس من خلف الجبال القريبة وألقت اشعتها على الأرض العشبية الشاسعة وتسللت من بين الستائر لتلمس وجه نرجس برقة حتى استفاقت الاخيرة بنشاط يتنافى والضمادة الملفوفة حول جرحها . كأنها فتاة من عمق الريف دائما ما استيقظت مع اولى خيوط الشمس ونفضت غطائها عنها متجهة نحو المطبخ لتحضر كوبين من حليب البقر وتخبز كعكة تقليدية خفيفة .... ربما تخبا واحدة له أيضا .
بعد تناول الفطور بدأت مجددا في اعمالها المنزلية بين كنس وغسل ونفض للغبار ... وهاهي الآن تقف مترددة امام البئر حاملة الدلو في يدها المرتجفة فهي تحتاج الى الماء ولا حل امامها سوى جلبه بنفسها من البئر لكن ... لا تزال خائفة من السقوط
بعد تفكير طويل قذفت الدلو ووقفت منصوبة القامة وطرف الحبل في يدها قبل ان تتنهد وتبدأبسحبه رويدا رويدا ،
وفي لحظة ما انتابها ذعر شديد ووجدت نفسها تتأرجح تحت تأثير الثقل لدرجة كادت معها ان تسقط مجددا .لولا تلكما الذراعين القويتان اللتان احاطتا بخصرها وسحبتاها نحو الخلف ليلتصق جسدها بجسده ....
هتفت بحرج وهي تحت سطوة جسده _ ماذا تفعل ؟... افلتني .
يداه افلتتا خصرها وأمسكتا يديها القابضتين على الحبل بشدة ودون أن تعرف سببا لثقتها الزائدة به ، ارتخى جسدها المستند عليه وتركت لعضلاته المفتولة مهمة سحب الدلو بسلاسة .
ناولها ما بيده قائلا بخفوت : كوني اكثر حذرا حبيبتي .
هتفت باستنكار : حبيبتك ؟ مند متى ؟
اجاب مع ابتسامة لعوب : منذ ليلة امس .
_ لا تقل هذا بهته النبرة ، سيسيء من يسمعك فهم ما حدث .
مع ابتسامة اكثر خبثا تساءل : ماذا سيفهمون ؟
ومع الاحمرار الذي انتشر على وجنتي نرجس المرتفعين ابتعد القروي مع ابتسامة لطيفة ونظرة عميقة مغمورة بالمحبة . وتمتم وهو يغادر : انتبه لنفسك .
التفتت نرجس حولها بتوجس وحمدت الله ان لا أحد من الجيران كان بالقرب وان جدتها لا تتمكن من الخروج حتى هذه المسافة .... فلو رآها احد في هذه القرية مع رجل غريب فقد يقتلونها أو يجبرونها على الزواج منه ، تنهدت بضيق من هذه الفكرة وحملت دلوها متجهة نجو المنزل .

.*******.
في المساء جلست على جذع شجرة ضخم مقطوع اعلى التل وراحت تراقب بعيون شاردة أولى لحظات الغروب في يدها حبة ذرة مشوية مملحة تقضم منها بين الحين والآخر
وهي تسترجع ذكرياتها واختها لوتس حين كانتا تأتيان للسهر هنا مصحوبتين بحبوب الذرة أو كيس من المكسرات ... تنهدت بحزن
_ اخبرتك ان القلب الحزين يجلب الشياطين .
أجفلت نرجس واطلقت صرخة كتمتها يده .. وابتعد عنها حين هدات ودار حول جذع الشجرة ليجلس بجوارها
راحت تتنفس بعمق محاولة الهدوء ثم قالت بضجر : هل ستلاحقني هكذا طوال اجازة الصيف ؟
اجابها ويده تستل عشبة خضراء : قلبك الآن حدثني أنه ينبض بجنون متأثرا بوجودي ويصرخ احبك ."
تلون وجهها باحمرار شديد لا تدري ان كان سببه الانزعاج او الخجل وهتفت : أنت قروي مخبول
اجابها بهدوء ينافي ثورة غضبها : اخبرتك يوم التقينا اني اعرف الكثير عنك مما لا يعرفه احد
_ لا تستغبيني .
_ اذا كنت لا تصدقينني اسألي اي سؤال وساجيبك .
مطت شفتيها بازدراء وسألت : ما اسمك ؟
فابتسم بود وهمس : ها انت تهتمين أخيرا .
_ لست اهتم لكني احتاج الى اسم اناديك به .
تنهد قائلا : نادني حبيبي سأكون أكثر من سعيد بذلك .
نظرت اليه باشمئزاز فقال : اسالي سؤالا غامضا و سأريك كيف أعرف كل شيء ... اسألي تلك الأسئلة التي تنخر عقلك الآن ... اسالي عن أكثر الاشياء التي تثير حزنك .

نظرت اليه بدهشة وهمست مستسلمة لالحاحه : متى كلمت اختي آخر مرة وماذا كان اخر ما قلته لها .
كان ذلك سؤال اختبار سخيف ، كيف سيعرف ما دار بينها وبين اختها في غرفتهما الخاصة ... حرك قدميه الحافيتين على العشب ونظر الى السماء بضع ثوان ثم قال بصوت متباعد : كان ذلك قبل أربعة أشهر في أواخر فصل الشتاء وبداية الربيع ، كان الجو ماطرا والرعد يقصف بقوة ... تمسكت أختك بيدك وهمست راجفة ( لا أريد ان أموت اليوم ، اريد ان نذهب الى منزل الريف )
قال القروي تلك الجملة وصمت ، صمتا طويلا لم يقطعه سوى نشيج نرجس المتعالي الذي تحول الى بكاء هستيري وهتاف يائس باسم أختها... حينها مد يده ومسح على شعرها بحنان كمن يهدأ طفلا صغيرا ودون مقاومة مالت بجسدها النحيل وروحها المتعبة لتستند براسها على كتفه ، مازال يسمع صوت قلبها يقول : أحببتك ... لكني حزينة حد الموت .
همس بالقرب من أدنها : سأنتظر .
بعد وقت طويل صمتت وهدأت تماما ، ويا للغرابة شعرت بأنها افضل بكثير


كان الليل قد حل تقريبا ، فمسحت ما تبقى من دموع على وجهها بكفها وهي تقف مغادرة : _ لقد تأخر الوقت على الذهاب الى المنزل .
امسك بذراعها قبل ان تبتعد وهمس مشاكسا : الن تعترفي ؟
_بماذا ؟

_ بحبك لي
تلون وجهها بالحمرة ، كانت تعرف انها حمرة الخجل هذه المرة فأشارت برأسها أن " كلا " وسألته بحيرة وهو يقف أيضا : كيف تعرف هذه الاشياء التي لا يعرفها احد .
_ يمكنك القول انها موهبة قراءة القلوب
_ انت عراف اذن ؟
ضحك وحرك رأسه دون معنى : كما تريدين .
وراقب خطواتها المبتعدة عنه بتحسر ثم قال بصوت عال نوعا ما : _ اذا جاء ذلك اليوم الذي لن نلتقي فيه مجددا فاعلمي اني كنت اعشقك ، حينها توقفت خطواتها واستدارت اليه وعيناها تحملان قلقا شديدا وهمست : لن نلتقي مجددا ؟
هز كتفيه بغير مبالاة واجاب : ربما
امتلات عيناها بالدموع وسألته : هل تنبأت لنا بذلك ؟ هل سيحدث لنا شيء سيء؟
( لا تزال تعتقد انه عراف ) ابتسم للفكرة وقال : ليس بالضرورة ان يحدث لنا امر سيء ... نحن سنفترق لأنه ليس مقدرا لنا ان نكون معا فقط .
وقفت هناك صامتة بضع دقائق يحجب ظلام الليل قسمات وجهها عنه ، ثم استدارت مولية اياه ظهرها .
.*****.
بعد ثلاثة ايام
تقف نرجس على ضفة الوادي تروح وتجيئ دون هدف ... مرت ثلاثة ايام كاملة دون ان تراه ... انها تشعر بالغرابة وتشعر بالاشتياق !؟
عند هدا الاستنتاج أحست بالضيق الشديد ورغبة عارمة في البكاء ، انها وحيدة ... وحيدة جدا من دون اختها ومن دونه .....
ركلت حجرا صغيرا وهي تهتف باستياء : اين انت ؟ أيها القروي التافه .
غادرت المكان الذي بحثت فيه عنه لأكثر من خمس مرات هذا اليوم وعادت الى غرفتها في منزل جدتها
هناك حيث قامت بفرو الخزانة بضجر ثم جلست على سريرها وهي تفكر : بقي شهر كامل على انتهاء الصيف ... كيف ستقضي كل هذا الوقت الممل ، ستشيخ ضجرا .
نقر خفيف على النافذة جعلها تستدير ، وراته هناك يقف خارجا وهو يسبتسم لها ... نهضت اليه راكضة قبل أن تستطيع منع نفسها . حين فتحت النافذة سالته بلهفة : اين اختفيت ؟
أجاب ببساطة : كنت اقوم ببعض الاعمال في مكان بعيد ثم سمعت نداء قلبك فأتيت .
اجتاحها الخجل دفعة واحدة ربما من كلماته او ربما لفرط اشتياقها له ،وتخطت اطار النافذة بخطوة واسعة تتنافى وشخصيتها الرصينة لتقفز الى الخارج حيث يقف :
قال مشاكسا وهو يشير الى صدرها : هل ناداني قلبك ؟
هذه المرة اشارت براسها ان نعم وعيناها تتطلعان الى وجهه وقد اتسعت عيناه ببطئ وبؤبؤه الاسود انتشر حتى طغى على لون حدقاته البنية . وهمس مندهشا بسعادة خالصة : _ اعترفت اخيرا ؟
فبتلك الهزة الصغيرة من رأسها عوضته عن كل سنوات الانتظار والحب اليائس الغير متبادل ... هي التي لم تعلم بوجود عاشق حولها حتى !
نظرت حولها بحدر وحين تأكدت من أن لا احد بالجوار ، تقدمت منه وحاوطت جذعه بذراعيها واضعة رأسها على قلبه هامسة بوله : ماذا عن قلبك ؟.... هل يناديني ؟
توترت أنفاسه تأثرا بقربها الحميم وبحركات مرتبكة رفع يديه وحاوط بهما جسدها بقوة ساحبا اياها نحوه ... وبتأثر بالغ اغمض عينيه وانحنى ورغم ذلك كانت ملامحه في منتهى التعاسة ، فهو يعرف جيدا كيف سينتهي هذا الحب الذي يكنه لها منذ سنوات وكم من المرارة سيتجرعها من فراق لابد منه .... لقد حاول الابتعاد كي يعود نفسه على فراقها ، لكنه لم يقدر ، ثلاثة ايام كانت كالجحيم وكادت ان تزهق روحه المهووسة بها شوقا ، ابعدها عنه قليلا وطالع اشراقة وجهها ثم همس بخفوت : _
احدهم قادم الى هنا ... فالنلتقي لاحقا عند الوادي سأنتظرك .
شعرت بالخيبة من ابتعاده عنها وتسلل البرد عميقا ينخر عظمها . وبعد أكثر من ساعتين وهو بانتظارها على ضفة الوادي مفكرا في الطريقة الاقل ايلاما والملائمة لإخبارها حقيقته ، الطريقة التي لن تسبب لها صدمة عمرها ، ماذا لو خسرها بشكل نهائي ؟

من بعيد داهمته رائحة عطرها التي نافسة رائحة زهور المرج القريب وتغلغلت في حواسه ، فاستدار نحوها وابتسم
مع كل تلك الأناقة همس مشاكسا : اهذا ثوب تخرجين به في مزرعة ؟
حدقت في ثوبها الأزرق السماوي المنسدل باناقة و الذي يلامس حدود ركبتيها ، رفعت رأسها واتجهت نحوه قائلة : تانقت لأجلك .
حين وصلت اليه ولم يعد يفصل بينهما سوى خطوتين اختصر هو تلك المسافة في رمشة عين لتجد نرجس نفسها محاطة بذراعيه القويتين .... في عناق شديد ، عناق رجل قلق متوتر واكثر من كل ذلك كان رجلا عاشق ،يمكنها الشعور بحبه في كل حركة من حركاته وفي كل نفس يتنفسه بالقرب من وجهها .
بعد لحظات
جلس على العشب ومد يده اليها كي تجلس قربه ، يلون وجهها الخجل ... كانت فتاة بيضاء كالثلج ، يدرك من يراها انها لا تنتمي لهذا الريف وانها كائن خرافي ولد وترعرع في القطن .... كانت كبقعة بيضاء في رقعة ملونة .
قالت بعد صمت : قلت انك تحبني بجنون ومنذ وقت طويل . وها أنا امنحك قلبي ؟ فماذا بعد ؟
تساءل أيضا : ماذا بعد ؟
قطبت حاجبيها بانزعاج وسألت بجرأة : متى ستطلب يدي للزواج ؟
انقطعت انفاسه فجاة وبدا مصدوما وحائرا
_ ما بال هذه النظرة ؟
_ لا يمكننا الزواج
وقفت فجأة وهتفت بشراسة : كنت اعرف انه لا يمكنني انتظار شيء من قروي متخلف .
امسكها من يدها وسحبها بقوة عادت معها للجلوس : نرجس استمعي الي
_ لن أسمع شيئا ... أنت كأي رجل منحرف . فكرت اني فتاة سهلة لاني ابنة المدينة المتحررة ... قلت في نفسك لما لا العب معها حتى ينتهي موسم الحصاد ، اليس كذلك ؟
_ لا ليس كذلك ، انا اعشقك حد الهوس واريد أن نعيش معا الى الابد ، لكن هذا مستحيل ، انت حين تعلمين حقيقتي لن ترغبي برؤيتي مجددا .
_ اخبرني حقيقتك وانا ساحكم بنفسي .
_ لا لست مستعدة بعد لسماع ما ساقوله .
هتفت بصوت عال : اذا لم تخبرني الىن فاعلم اني لن ارغب بسماع عذرك أبدا ما حييت وسيكون هذا آخر صيف اقضيه هنا .
فتح فمه وهم بقول شيء ما وهي تناظره بعيون حزينة تهدد بالبكاء .
فجأة سمعا معا صوت امرأة تهتف : نرجس ؟
اتسعت عينا نرجس بذهول وهي ترى أمها تقف أمامها مباشرة فيما يدها لاتزال في قبضة القروي
تمتمت : امي .. انا فقط ... انا كنت .......
قاطعتها والدتها بقلق وهي تلامس وجهها : ابنتي ، لقد اتصلوا بي واخبروني أنك سقطت في البئر ؟ هل اصابك مكروه ؟
اصابع الغريب تتشابك واصابع يديها أمام امها ، التفتت اليه بحيرة من جراته ثم عادت تنظر الى امها التي لم تعلق على الموقف بكلمة ، عاودت النظر اليه وهمست بشراسة : اترك يدي .
جاءها صوت امها قلقا : مع من تتحدثين يا ابنتي ؟
اجابت نرجس وهي تشير اليه بحيرة : معه .
اطلت امها من فوق كتفها وقالت باستغراب : من ؟ أنا لا ارى احدا ؟
التفتت اليه نرجس بذهول وعيناها تحملان السؤال بوضوح
وأجابها هو بحركة من رأسه ان *نعم *
قاومت يده المتشبثة بكفها بضراوة قبل ان ترفع صوتها بصرخة مذهولة وتقع ارضا مغشيا عليها .

_ لا احد يراه سواي ... لقد جننت، لقد اصابني الجنون ....

[سمية ميتو]

انتهى الفصل الثاني والاخير
انتظروا الخاتمة خلال اسبوع
اتمنى لكم قراءة ممتعة

[سمية ميتو]

خاتمة
لا أحد سراه سواي... لقد جننت ، لقد اصابني الجنون
هذا ما كانت تهذي به وهي محمومة بشدة يرتجف جسدها بردا فيما يتصبب وجهها عرقا .
منذ أسبوع كامل لم يفلح الدواء و لا الأطباء في اخراجها من هذه الحالة .... لاحقا اجتمع افراد الاسرة حولها وخالتها تعانق امها محاولة تهدئة دموعها فيما تتمتم الأخرى بصوت باك وهي تنعي لوتس التي ماتت مند فترة قريبة وهتفت بلوعة : اذا ماتت فلذة كبدي نرجس ايضا ساموت كمدا على بناتي ، رحمتك يا ربي
_ استغفري ربك يا اختي ، ان الشيه وزوجته معها الآن لابد ابنتك أضرها الجن بعد ان سقطت في البئر الراكد ... ما كان على اهل القرية تركها هكذا دون علاج
تلقي أم نرجس بجسدها على أول مقعد وهي تقول بحسرة : سأخسرها ... هكذا خسرت اختها تماما ... لوتس انزلقت في الحمام و فقدت وعيها ثم لم تستيقظ وأصابتها حمى شديدة ابقتها طريحة الفراش حتى الموت



منتصف الليل
رفرفت نرجس برموشها قبل ان تفتح عينيها بتعب ليفاجئها وجهه قريبا من وجهها ، تحمل نظراته الحزت والتأثر العميق
شهقت بذعر وهمت بالصراخ الا انه همس بتوسل : ارجوك اهدئي ... اسمعيني اولا
انسكبت الدموع من عينيها وهي تقول : هل انا مجنونة ؟ هل انت موجود فعلا ام هل انت نسج من خيالي المريض ؟
وضع اصبعه على شفتيها يسكتها و همس : ماذا يقول قلبك ؟ استمعي الى حديثه
صمتت قليلا و بقيت تطالع وجهه الرجولي قبل ان تسأل : من انت ؟
اجاب بكلمة واحدة جعلت دموع الرهبة والخوف تندفع من عينيها : ( جن)
تمتمت من بين دموعها : لهذا تعرف كل شيء عني ؟
اومأ براسه : كنت موجودت عندما لفظت اختك انفاسها الأخيرة ، كنت موجودا دائما حولك منذ كنت طفلة
_ لكني لم ارك قبلا
_ لانك كنت حصينة القلب والروح ، لكن بعد وفاة اختك صار قلبك حزينا وكئيبا جاذبا للجن والشياطين
_ هكذا تمكنت من رؤيتك ؟
_ اجل هذا سبب من السببين
_ وما السبب الثاني اذن ؟
انت مصابة بسحر أسود ينخر صحتك وجسدك
ويقتلك ببطء مثلما فعل مع اختك

اغلقت جفنيها لتنسكب دمعة جديدة : كيف ؟ ولما ؟ ومن ؟
_ كيف ؟... سأخبرك ان ما بداخلك سحر ماكول ، اما لما فهو سحر قطيعة ، هناك شخص ما ضحى بك كي يحصل على المال والسعادة .... الحظ ، الزواج . أما "من؟" فلن اعطيك اسما و سأكتفي بالقول أنها امرأة من اقربائك تريد السعادة لابنتها .
قالت مصدومة وهي تجلس بوهن فيما انسكب شعرها البني القصير والتصقت اطرافه المتعرقة بجانبي وجهها
_ اختي ماتت بسبب السحر ؟ ألهذا لم يعرف احد علتها ؟
_ حقيرة ... هتفت نرجس باستياء فابتسم
عاد ليقول بعد صمت : دعيني اتلبسك لبعض الوقت ، سأحاول تخليصك من الأذى .

هزت برأسها أن نعم
فدفع كتفيها بلطف لتستلقي على فراشها ثم جلس على السرير و أشرف على جسدها
فنظرت اليه بحرج ونبضات قلبها تتسارع وهمست : هذا يخيفني .

مال عليها وهو يقول : لا تقلقي اليوم بشأن أن يرانا اي احد
همست بارتباك : انت قريب جدا
فابتسم وهو يلامس اطراف شعرها ويبعدها عن وجهها .
اغمضت عينيها وقالت بانزعاج مصطنع : هيا تلبس جسدي وخلصني . كانت غافلة تماما عن ذلك التعبير الحزين الذي على وجهه قبل أن يتحول الى غيمة من ضباب أسود اقتحمت جسدها وجعلتها تصرخ بألم قبل ان تغيب عن الوعي لثلاث ايام اخرى .
.***.



جاسة على فراشها تتمطى بكسل بعد نوم طويل ... انتهت اجازة الصيف تقريبا ولم يعد هناك الكثير من الوقت في لقضاءه في هذه القرية
وقفت أمام النافذة تراب اللون الأخضر المصفر للأرض الشاسعة وهي تشعر براحة غريبة ... منذ أيام استيقظت صباحا وهي في كامل صحتها الأمر الذي أدهشها .
وأخبرتها أمها أنه وأثناء غيبوبتها جلب شيخ راقي ، واثناء الرقية نطق جني من خلالها بصوت خشن واخبر الراقي عن كونها مسحورة .
حسنا هي *نرجس* كفتاة من المدينة جامعية ومثقفة لا تصدق بأشياء كهذه رغم تصديقها بوجود الجن والسحر ، لكن ان ينطق من خلالها وكل تلك الخزعبلات لن تصدقها ابدا .
ربما والدتها وخالتها يبالغان كالعادة .


لكن ومع هذا ومع الراحة الشديدة التي تعتريها الا ان قلبها يخبرها أن هناك شيئا ناقصا ، رفعت يدها تلتمس مكان ذلك الخافق الذي يحاول جاهدا قول شيء ما وينبض بجنون رغبة في رؤية شخص ما ... لكنها لم تفهمه ، وهناك في نفس الغرفة كان يقف خلفها يتلقى خصلات شعرها القصير المتطاير خلفها بفعل هواء الخريف القادم وتلامس وجهه القريب منها
فتزيده عشقا ويده تلتمس كفها الموضوعة فوق قلبها بشوق لكنها لا تشعر بوجوده ... سالت دمعة عذاب من عينهوهو يدرك أنه لن يصل اليها ابدا ... كل ذلك الحب الذي كتمه في قلبه لسنوات لتلك الطفلة الشقية ذات الظفيرتين العسليتين وهي تقفز في الوادي وتسحب اختها الصغيرة لتتعاركا داخل الماء ... حيث يقطن هو .
جني مائي من سكان الوادي يراقب شقاوتها التي تؤنس وحدته ويترقب قدومها عاما بعد آخر واذ بها كل سنة تتحول من طفلة شقية الى مراهقة طائشة ثم امرأة ... امرأة فاتنة ذهبت بعقله وجعلته يخترق قوانين الطبيعة ويتقمص شكلا آدميا لا يراه سواها رغم انه يعلم ومنذ البداية ان حبه لها ضرب من المستحيل
التفتت نرجس فجأة وطالعت الغرفة الفارغة بعيون حائرة وكأنها استشعرت وجوده ، وكأن مشاعره العارمة قد وصلتها بطريقة ما ... فارتفعت يدها لتحط على قلبها مجددا وتساءلت بهمس خفيض :

_ من ذا الذي تناديه ايها الخافق ؟

..........النهاية

[الكنور]

رواية مشوقة جميلة رائعة
أبدعت سمية
دام قلمك .........😊❤