08-09-20, 12:29 PM
| #1 | ||||
 
|  هواء 💨 في ساعات الليل الأولى تصبح الأشياء مكفهرَّة و تصير الأجواء رهيبة مهيبة تبدو و كأنَّها في استعداد لشيء ما شيء سبق و أن وقع تدقُّ الساعة بثبات ، تهبُّ الرياح بانتظام ، تُغلق الأبواب بهدوء و صريرها يصمُّ الآذان ، و يصبح طعام العشاء حاجة فائضة جدًا ، الكثير من الماء يمرُّ في البلعوم المليء بالقروح ، تلتهب الجروح ثم تتقلَّص بطريقة مؤلمة ما إن يطهِّرها الماء . سعال خشن معدة تتلوَّى هدير بلا مصدر تمسك بأذنيك فتشعر بهما تتسلَّلان من قبضة كفِّك تغمض عينيك فتتفجَّر الصور خلف أجفانك تكاد تصرخ و لكن الرهبة تمنعك تسقط في غيِّ الخريف المعسول بألوانه البديعة و سقوطه على قلبك تسقط و تدفنك الأوراق القديمة تغيب . 1:00صباحًا لكن الليل طويل و لا يبرح مكانه قبل أن يأتي بك مشلولًا . لا تقدر على نفض ما سقط فوقك ، متيبِّس من هول اليَبَس الذي غمرك ، تنظر بعيون زائغة ، و تسمع بخلفية صمت مفجع سوى من هدير الذاكرة ، و تبغي انقاذ نفسك ، و تأبى الكلمات اسعافك ، يخيَّل إليك أنَّك قد ابتلَعتَ لسانك ، و ما الحقيقة سوى أنَّك غصصتَ بحنظلة الذكرى ، و تشنَّجت حبالك الصوتية من خوف الشمس القادمة ، يصدر فحيح حارق من داخلك ، تشبه أفعى مسمومة في وجه الحاضر الأخضر . وحدك هنا من يحمل السمَّ بداخله وحدك ترى مصيبة الشروقِ المُقبل وحدك المستظل من شمسٍ لم تشرقْ بعد أنتَ فقط الخالي من مواعيد . تفتِّش دفتر مهامك بلهفة تقلِّب أوراق المُستَقبَل الفارِغة لا تجِد أي موعد و أوراق الخريف تتربَّص بك و تتباهى بمواعيدها المُستهلكة تغضُّ بصرك و ترنُو إلى الشجرة متوسِّلا وقفُ دِفق الذكريات الشجرة متخشِّبة الشجرة بداخلك تتساقط أنتَ المدفون في مقبرتها الحُلوة الفاتِنة . 6:00صباحًا تدسُّ رأسك في الوسائد ، و تغمض عينيك بكل ما تملك ، تحاول جهدك أن تسترخي ، و بشدَّة رغبتك تنسى أن تسترخي ، يتلاشى ظلام الأحلام ، تشعر بشعاع الشمس المُتسلِّل من النافذة يحرقك ، تصرُّ على تثبيت نفسك في الفراش ، تتسمَّر ، و شعاع الشمس يزداد حدَّة فوقك ، تشعر برغبة مجنونة في التقلُّب ، و استقبال الشعاع داخل بطنك ، لكنَّ الشعاع يعفيك عن تحقيقها . يخترق ظهرك يُلهب أحشاء بطنك ينفذ إليك و يشعل حرائق بداخلك يعبث بك و أنتَ تواصل مشهدك في التخشُّب حابسًا أنفاسك لئلا تنفذ ريح الصبا إلى رئتك ذراعيك تشدَّان بطنك بقوة وجهك يتلوَّى متألِّمًا الأكسجين ينفد من داخلك تشعر بحدقتيك تكادان تنفرطان من محجريهما شفتيك تنفرجان ببطء أذنيك لا تسمعان سوى صرير حاد تفلت أفكارك تشهق تبرد عينيك تنغلق شفتيك تذوب أذنيك تدمع تحترق رئتيك تشتعل رأسك تتلوَّى أمعاؤك معدتك تطحن اللا شيء و تطحنك يُصاب جسدك بضريب قاهر تفتح عينيك إطارهما متحجِّر تسمع هواء الصباح الهادئ يقشِّر صممك بعنف شفتيك تنطبقان على سيل نحيب لا تملكه ستستفرغ تقوم بسرعة تترنَّح تمشي مترنِّحًا تَسْودُّ المساحة أمامك و لا زلتَ تمشي مترنِّحًا تدخل و تغلق الباب خلفك تستند على الحوض مستسلمًا للظلام الذي يسحبك تنفرج شفتيك تتقيَّأ اللا شيء يصيب الدفء عينيك و تعود الأشياء للتلوُّن بوقاحة ترفع كفُّك المرتجفة تضعها على وجهك محاولًا خلع ملامحك لا شيء يستجيب لبادرتك تتجمَّع شفتيك تنطق بكلمة وحيدة بصوت أبح تقول : تبًا . و لما تعود ، لتلقي نفسك إلى الفراش الساخر منك ، على بطنك ، تحاول إسكات جنون داخلها ، تمدُّ ذراعك بوهن ، تلتقط دفتر مغلَّف بخيط الخيش الخشن كجسدك ، تسحب قلم شارد في علبة أقلامك ، يُجفل . و تسحب مؤونتك الثمينة ، تفتح المطاط الذي يضمُّ الدفتر ، تفكِّر بأنه مطَّاط أبله ، و ترى بأن صانعه من أغبى ما قد ترى ، فكيف لمطاط كهذا أن يلملمك ؟ أوراق كثيرة مستهلكة تواصل التقليب حتى تصل لفراغك فتنقسم مجدَّدًا لأن الكتابة فعل انقسام ، كلَّما كثرت انقساماتك كلما كانت فرصة النسيان أكبر . و أنت تعرف أن نون النسيان الأولى وهمية و أنها الدليل على أن النسيان سيَّان مع التذكُّر كلاهما مؤلم و تعلم كم هي أسنان السين حادة و تعرف أن الياء ضحيَّتها و أن الألف فعل الشهقة الأخيرة قبل النسيان الأكيد و أنتَ موقن بأن نون النسيان الأخيرة و النائية عن باقي الحروف هي ذلك العالم الصغير جدًا الذي بوسعه أن يختزلك داخل أحضانه بشرط أن تقلِّص نفسك و لن تستطيع أن تتقلَّص إلا بالكتابة ، حيثُ يمكنك أن تمارس الانقسام باستمرار جاهدًا الوصول للحجم الذي يسمح لك بالانزواء في حضنها ، النون الأخيرة ، أنتَ تعرف بأن النقطة المعلَّقة فوقها ، مشنقة من قبلك ، من انقسموا مرارًا و تكرارًا ، حتى ينزووا بالداخل ، و لكنك لا تعرف أبدًا ، هل استطاعوا الانزواء بداخلها حقًا ؟ ، و هل اختزلتهم أم أنها خافت على وسع حِجرها أن يمتلئ بهم فشنقتهم و مضت ؟ أنتَ لا تعرف ، و لكنَّك ستستمر في التقلُّص ، و ستمارس الكتابة بنظام ، منقسمًا في كل مرَّة ، تاركًا حيزًا من الفراغ في كل بقعة تحل بها ، و لأن الانقسام لا يكون إلا في الأشياء اللزجة ، ها أنتَ تنقسم ببساطة ، لأنَّك كتلة الفراغ المتصلِّبة في وجه كل الأشياء حولك . 1:00 مساءً بارد كالثلج ساقطًا في فوهة الشمس الحارقة لا غيوم سوى في داخلك سوداء مكفهرَّة و تتظاهر بأنَّك جبل بليد أو أرض مفرودة تحت هذا الجو الغائم تنظر بشيء من البرود و تعِد باللمعان أكثر ، من ناحية أخرى ، بينما أنتَ تلمع ستفوح تفاصيلك و ستختنق بحقيقتها ، ستتظاهر بالطبيعية بينما أنتَ تعرف أنك من أبعد ما يكون عنها ، و ستحذر من التنهد كي لا تفضح نفسك أمام نفسك ، و ستتجنَّب أي بلل مشاعري و حسي حتى ، تعرف أنَّك مهدَّد بالهطول ، و تعرف أنَّ الهرب فرصة ضائعة منذ وقت طويل ، حان وقتُ المواجهة . تنهض متسحِّبًا تؤكِّد لنفسك أنك لستَ قلقًا و لأي شيء ستقلق ؟! و ستحاول إطالة المسافة و اختراع المزيد من التفاصيل ستنظر بعمق إلى نملة مهرولة و ستصغي السمع إلى ضجيج الآخرين حولك ستحاول أن تقضي وقتًا أكثر مع زيفك بينما تمشي إلى حتفك أقصد حتف زيفك . و ستقرِّر أن تحضِّر كوبًا من القهوة ، و ستتمعَّن في حركة النار المشتعلة في الموقد ، ستستنشق رائحة البن الدافئة ، و ستجرِّب لمس الإبريق الساخن بطريقة متمهِّلة ، غارقة في التفكير بفرص أكثر للعبث ، ستجد أن كوب القهوة جاهز بشكل مبكِّر ، و ستوقعك رائحته في قبضة الحتمية ، حتمية أن ترى كتابة الصباح التي لا تذكر منها شيئًا ، حقيقتك على أوقح صورها . 00:00 بيد مرتعشة و قلب متصلِّب و شفتين كحافَّة شلال محتبس و عينين من غشاوة بغيضة تمزِّق الحقيقة . من قال أنها حقيقة أصلًا ، الكتابة تعني انقسام ، و الانقسام هذا لا يعنيك بالضرورة ، تفكِّر بهذا و أنتَ تعرف بأنَّك كذَّاب كبير ، و مخادع أبله ، تقترب من كوب القهوة ، تشعر بأنَّه هو السبب ، لولا رائحته لما تحتَّم عليك رؤية حقيقتك المزرية هذه ، تقول هذا و أنتَ تعرف بأنَّك لا زلتَ تهرب ، من حقيقتك إلى حقيقتك ، تنظر للكلمات القليلة و تقرأها قبل أن تغمسها بغلٍّ ، في كوب القهوة و شريك جريمة إيقاعك في حقيقتك : ( أكرهك بقدر ما أحتاجك ، أكرهك لأني أحتاجك ) هواء حار من نفحات الظهيرة المكفهرَّة ، يمزِّق غشاء عينيك الأبله ، يمرُّ و يضفي إلى ملامحك تجعُّد ألم ، هواء دافئ ينفذ إلى رئتك ، يحرقك ، و يتلو تراتيل الجفاء على غزارة داخلك ، و يخرج زفيرًا أريحيًا و كأنَّه لم يشعلك ، تنطفئ . ورقة مغموسة بكوب قهوة حار خطُّ الحبر الأسود وُشِمَ بداخلك الحبر يسيل في القهوة القهوة تندمج مع الحبر رائحة الحبر تفوح عبق القهوة يطغى رائحتك هواء أنتَ هواء أنتَ وحدك في الخارج تفتقد الوجوه الرطبة و الملامح الناعسة و تغمض عينيك بهدوء تنظر لوحشة داخلك عن قرب تفكِّر بمرارة : هواء أطاح بك ، هواء ! | ||||
|  |
|
09-09-20, 09:40 AM
| #2 | ||||||||||
| مشرفة الأدبي،المجلة الشبابيةوعالمي خيالي وشاعرة ،نبضٌ متألّق ومميز وحي الكلمة ومحررة ورئيسة الجريدة، كاتبة،قاصة ،مدققة وساحرة واحة الأسمر بقلوب أحلام ،راوي القلوب،ملهمة كلاكيت  
|   | ||||||||||
|
| |
|
14-04-21, 06:38 PM
| #3 | ||||||||
| نجم روايتي ونبض متألق بالقسم الأدبي وبطلة اتقابلنا فين  
| اشتقتُ لما يخطّه قلمك من إبداع و جمال عزيزتي آس.. راق لي هذا التّشتّت الذي سطرتي لقد التهمت روحي الحروف التهاماً و تشرّبت عيناي هذا الألم حتّى رأته ماثلاً أمامها يتحرّك. سلمت يداك على هذه اللّوحة التي رسمتها أناملك الذّهبيّة هنا, إنّها من أبدع ما قرأت. لروحك السّلام رمضان كريم. | ||||||||
|
| |
 |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
.png)
.png)
العرض العادي
