آخر 10 مشاركات
سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          294 - لماذا تهربين؟ - كارول مورتيمر (الكاتـب : بلا عنوان - )           »          ثمن الكبرياء (107) للكاتبة: Michelle Reid...... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          1041 - ميراث خطر - ستيفاني هوارد - د.ن (الكاتـب : سنو وايت - )           »          البجعة الورقية (129) للكاتبة: Leylah Attar *كاملة & تم إضافة الرابط* (الكاتـب : Andalus - )           »          زهرة النار -قلوب أحلام زائرة- لدرة القلم: زهرة سوداء (سوسن رضوان) *كاملة* (الكاتـب : زهرة سوداء - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          317 – صدى الذكريات - فانيسا جرانت - روايات أحلامي (الكاتـب : Just Faith - )           »          مذكرات مقاتلة شرسة -[فصحى ] الكاتبة //إيمان حسن-مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree4093Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-06-21, 03:24 AM   #311

شيرى رفعت

? العضوٌ??? » 482388
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 90
?  نُقآطِيْ » شيرى رفعت is on a distinguished road
افتراضي


الفصل اكتر من روعة👏👏
نعمه لسانها المتبرى منها زى الافعى بيبخ سم🐍🐍
عنان وحاله نكران للواقع بس بإذن الرحيم هتفوق
معتصم💔💔
وجع قلبى جدا عليه المواجهه بينه وبين يمنة رهيبة😥😥


شيرى رفعت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-06-21, 05:11 AM   #312

Megd

? العضوٌ??? » 463024
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 52
?  نُقآطِيْ » Megd is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الخامس جميل يا هبه و اجمل ما فيه اسم جنه طبعا
ربنا يوفقك و نشوفك عن قريب من اعلام معرض الكتاب


Megd غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-06-21, 06:13 PM   #313

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,499
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيتم تنزيل الفصلين السادس والسابع تباعا

Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-06-21, 06:16 PM   #314

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,499
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس



بعد عودتها من زيارتها الأخيرة لبيت عمتها يمنة تركت الجميع يشرفون على وضع كل المنقولات في شقة عمرو ابن عمها زكريا لأنها الشقة الوحيدة الفارغة في البيت ودلفت هي إلى شقة والدها ومنها إلى غرفتها وأغلقتها خلفها

نزعت الوشاح عن رأسها وخلعت عنها عباءتها السوداء الأنيقة وألقتها على الفراش بإهمال ووقفت أمام مرآتها بملابسها الداخلية تنظر إلى نفسها بضياع

جميلة هي وكانت دائما الأجمل بين بنات العائلة ولكنها الآن ترى نفسها المرأة الأقبح على وجه الأرض ،المرأة التي استغفلها زوجها وتزوج دون علمها وأنجب الولد الذي كانت تتمناه هي ...أنجبه من غيرها

تنظر إلى ملامحها في المرآة وهي تشعر بالغربة عن نفسها وعن العالم من حولها ...أغمضت عينيها وهي تتذكر لقاءها بغريمتها ،لقاءها الذي خططت له ونفذته

دلفت عنان إلى الغرفة وأغلقت الباب خلفها واستندت بظهرها عليه ورفعت عينيها الزيتونيتين الغائمتين بالغضب فنظرت إليها نسرين و بالفعل راودها الخوف من هيئتها

كانت تعرف عنها من رماح أنها جريئة ولا تخاف شىء ولديها ثقة كبيرة في نفسها تستمدها من جمالها وتعليمها ونسبها

لم تتحرك عنان قيد أنملة وكان بينها وبين نسرين عدة خطوات وكل منهما ملامحها واضحة أمام الأخرى فقطعت عنان الصمت قائلة باقتضاب:" من أين عرفك رماح ومنذ متى؟..."

تلجلجت نسرين للحظة ولم ترد وهي تنقل بصرها بين ابنها النائم في الفراش وبين عنان التي تقف أمامها تستجوبها ببرود ثم أردفت في النهاية بهدوء زائف تماما كما كان برود عنان زائفا:" عرفني من مكان كنت أعمل فيه في مركز المحافظة ومتى منذ أكثر من عامين.." ....

ظلت عنان على وقفتها وجمودها وأردفت بعينين لا تحيدان عن نسرين:" وهل تزوجك فقط من أجل الانجاب؟ أم هناك أسباب أخرى؟.."

قالت نسرين وهي تمط شفتيها وتعقد ذراعيها فوق صدرها:"بالتأكيد أعجبته في البداية لذلك قرر الزواج مني للانجاب..."

إن كانت النظرة تحرق لحرقتها وجعلتها رمادا منثورا.... نظرت إليها عنان بعينين تشعان غضبا وغيرة ثم قالت وصدرها يعلو ويهبط انفعالا:"هل كان الزواج عرفيا أم رسميا ؟..."

أسبلت نسرين أهدابها ثم فتحت عينيها على اتساعهما مرة أخرى قائلة بصوتِ أعلى من نبرتها السابقة وأكثر ثقة:" لم أكن أرضى بغير الزواج الرسمي... ثم خطت نحو الخزانة وفتحتها وأخرجت منها ورقة وتقدمت نحو عنان وأشهرتها أمام وجهها قائلة :انظري بنفسك حتى تتأكدي ... ثم زفرت قائلة: أعرف أن أحيانا نحن كنساء لا نستطع التصديق حتى نرى بأعيننا... انظري بنفسك..."
لأول مرة منذ دخولها يبدو في عينيها التردد ،هل تمد يدها

هل ترى الدليل بعينيها؟

هل تراه حتى تصدق تصديقا تاما وتدرك أنها ليست في حلم ؟...

وإن صدقت وأيقنت هل ستسامحه و تكمل حياتها من بعده و تدعو له بالرحمة لأنه في دار الحق ولا تجوز عليه سوى الرحمة أم ستلعنه أينما كان طوال العمر؟

عقلها كان في هذه اللحظة كجهاز حاسوب تعطيه عدة أوامر في وقت واحد وفجأة توقف عن العمل... لم تعرف حقيقة مشاعرها في هذه اللحظة ولكنها مدت يد مرتعشة نحو نسرين ومسكت الورقة وفتحتها لتجدها بالفعل عقد زواج رسمي موثق بين رماح ونسرين وللعجب كانت هذه هي الطعنة الحقيقية لها وكأن كل الكلام الذي له اسبوعين يدور حولها لم يكن حقيقي....كأنه كان حلم

وكأن هذه الورقة هي الاثبات الفعلي الموثق الأول......

عضت على شفتها السفلى حتى لا تخونها دموعها أمام نسرين ولكن أنقذها من حرج الموقف بكاء خافت يأتي من جهة الفراش فابتعدت قليلا عن الباب الذي تستند عليه واقتربت ببطء من فراش الصغير الذي ارتفع صوت بكاؤه وأخذ يحرك ساقيه وذراعيه وما أن اقتربت منه وأشرفت عليه من أعلى حتى اتسعت عيني نسرين خوفا من أن تؤذي صغيرها ولكنها ما أن رأت في عيني عنان غلالة من الدموع حتى وقفت بجوارها تتابعها فمدت عنان ذراعيها وتناولت الصغير الذي هدأ بكاؤه ما أن حملته

من بين غلالة الدموع رأت ملامحه الصغيرة...

ما زال صغيرا جدا ولكنه ربما يحمل ملامح رماح ولون عينيه فغمغمت بصوت واهن وهي تنظر في عيني الطفل :"لا أصدق..."

مدت نسرين يديها وأخذت منها الصغير فهي لا تضمن رد فعلها وقالت لها بهدوء وهي تهدهد ابنها:" أعرف طبعا أن الأمر صعب ولكن إن لم يكن تحليل إثبات النسب و عقد الزواج قد أقنعاكِ فهناك شىء أخير وهو هاتف رماح رحمه الله أين هو؟ به ستجدين الكثير ... ثم أردفت بجدية: أنا بالطبع لا أقول لكِ ذلك لأبرهن على شىء... الجميع هنا اعترف بي وبإبني ... مطت شفتيها ثم أردفت:أنا أقول هذا من أجلك لأني امرأة مثلك وأشعر بحيرتك واريدك أن تصدقي لتتجاوزي هذه المرحلة..."

رفعت عنان عينيها إلى نسرين....

كانت تبدو أكبر منها بعدة أعوام ،متوسطة الجمال، تتحدث بثبات وثقة ،لم تجد عنان أي كلمات تقال... هي بلا شك في موقف ضعف وهي التي اعتادت دائما أن تكون في موقف قوة

هي خاسرة بلا شك وهي التي كانت طوال عمرها رابحة في كل شىء....

في هذه اللحظة على وجه التحديد كانت تشعر بالحقد على رماح والغضب منه ولكن رغما عنها شعرت بحنين للولد الذي هو قطعة منه

لم تجد داعٍ لوجودها فها هي رأت الولد وأم الولد ورأت ورقة الزواج ماذا ستفعل هل تلوم على نسرين أو تفرغ طاقة غضبها فيها ؟

لا... وما ذنبها هل أرغمته على الزواج منها؟

هو من كان يفتقد معها شيئا ووجده عند أخرى... فما ذنب الأخرى؟

كانت تريد أن تسمع حكاية هذه المرأة مع رماح وقصة تعارفهما وكيف التقيا وعلى ماذا كانا ينويان ما أن يٌعرف أمرهما ولكنها الآن لا تريد شىء سوى الخروج من هذه الغرفة

تشعر بالاختناق... وبلا كلام خرجت بالفعل من الغرفة برأس مرفوع بإباء كاذب وما أن خرجت وأغلقت باب الغرفة خلفها حتى رنت في أذنيها كلمة نسرين عن هاتف رماح فاتسعت عينيها فجأة وهي تفكر أين يمكن أن يكون؟... فبعد وفاة رماح مباشرة طلبه منها عمها راشد وأعطته له ومن يومها لم تراه

كان الجميع منشغل في نقل الاثاث ولم ينتبه لها أحد فدلفت هي بلا تفكير إلى المندرة من بابها المفتوح على باحة المنزل ومنها على غرفة مكتب راشد التي كانت لحسن حظها خاوية وأخذت تفتح أدراج مكتبه واحدا تلو الآخر إلى أن وجدت هاتف رماح في الدرج الأخير فدق قلبها دقة عنيفة ثم أخذته ووضعته في حقيبتها وخرجت من الغرفة بسرعه



فتحت عينيها وهي تتذكر الهاتف فتناولت حقيبتها التي وضعت فيها الهاتف وأخرجته وحاولت فتحه ولكنه يبدو أن بطاريته فارغة، وضعته على الشاحن المجاور لسريرها وما أن وضعته حتى وجدت باب الغرفة يُفتح ويظهر من خلفه وجه والدتها التي ما أن لاحظت اختفاء صغيرتها حتى جاءت لتطمئن عليها،أغلقت حليمة الباب خلفها وجلست بجوار عنان على الفراش قائلة بحنان:" لا تحزني حبيبتي أنتِ ما زلتِ صغيرة والعمر كله أمامك وغدا تتزوجين وتنجبين و..."

قاطعتها عنان وهي تُلقي نفسها بين ذراعيها قائلة بقوة مصطنعة:" لا أريد أن أتزوج...ثم تحولت نبرتها إلى الضعف قائلة: لا أريد أن أرى وجه رجل لمدى الحياة كرهت جميع الرجال..."

ضمتها إليها حليمة بقوة فدفنت عنان وجهها في حضن أمها قائلة وهي تغمض عينيها بقوة:" أريد أن أظل ما تبقى من عمري في هذا البيت ،سأدعو الله أن أبقى طوال عمري هنا اختبىء في حضنك أمي وخلف ظهر أبي، لقد أدركت مؤخرا أن العالم خارج مُحيطكما كاذب وظالم ومخيف ،انتفض قلبها بين ضلوعها بقوة وأكملت:مخيف إلى أقصى درجة...."

***********

وقفت نعمة في وسط شقة ابنها عمرو الواسعة التي وٌضِع فيها كل قائمة منقولات عنان وبعد أن نزل الجميع وقفت هي تنظر حولها إلى الاثاث الراقي الذي تزيده السنوات قيمة ومشاعرها مختلطة ،حزينة بالطبع على وفاة ابن أخيها ولكن قضاء الله نفذ ولا راد لقضاؤه وعنان رفضت رفضا قاطعا أن تتزوج تمام فهل إن باحت بما في نفسها يوافقها أحد؟

قالت بصوت مسموع حانق" لو لم يكن بها هذا العيب لكان الأمر أسهل لم ننتهي من عقدة يسر مع يحيى سأورط ابني الآخر في عقدة مشابهة؟..."

كان بداخلها صوتين يتحدثان كل منهما يتحدث بعكس الآخر فأردفت بحيرة "ولكن ليس شرطا فطوال عمرنا نتزوج من بعضنا وننجب أطفالا كالقرود حالة يحيى هي الأولى في عائلتنا وفي بلدتنا كلها...."

أخذت تجوب أركان الشقة التي كانت بالفعل مجهزة حديثا بأحدث الديكورات العصرية وزادتها منقولات عنان جمالا ثم حسمت أمرها وأخرجت هاتفها المحمول من جيب جلبابها و اتصلت بعمرو الذي كان هذا موعد استراحته في غرفة الأطباء في المستشفى التي يعمل بها بأحد بلدان شبه الجزيرة العربية وما أن رأى اسم والدته وصورتها حتى اعتدل في فراشه ورد عليها قائلا بابتسامة واسعة:" نعومي القمر اشتقت اليكِ حبيبتي.."

قالت نعمة بتوبيخ :"لا تضحك علي بلسانك المعسول هذا لك كم يوم لم تحدثني؟..."

قال عمرو وهو يستند برأسه على ظهر فراشه:" صدقيني أمي العمل لايرحم.."

قالت له يغيظ وهي تجلس في غرفة الاستقبال على أحد كراسي الصالون المريح:" ومالذي رماك على المر قال لك أبوك أنه سيفتح لك مستوصف في البلدة ولم يعجبك.."

زفر عمرو قائلاً:" كما قلت لكِ كثيرا أمي في بلدتنا الاعداد محدودة كم حالة ستأتيني في اليوم عشرون ثلاثون ستون أما هنا فأرى مئات الحالات يوميا وهذا طبعا يزيدني خبرة في بداية حياتي العملية..."

قالت له بنفاذ صبر:" أعرف أنني لن آخذ معك حق ولا باطل ثم أردفت بنبرة من يريد إفشاء سر :هل علمت ماذا حدث اليوم؟...."

قال لها بابتسامة عابثة وهو يستمتع بأسلوبها الدرامي في الحكي :"لا نعومي لم تحدثني أي من وكالات الانباء العالمية اليوم غيرك.."

قالت باستنكار:" تتهكم على أمك يادكتور حسنا لن أقول..."

قهقه ضاحكا وقال لها:" أمزح حبيبتي هيا كلي آذان صاغية..."

قصت عليه ما حدث اليوم في منزل خاله راشد حتى جاءت المنقولات إلى شقته

فزفر قائلا بحزن:" رحم الله رماح وأنزل الصبر على قلب عنان الوضع كله مؤلم و إن كنت ألوم على رماح اخفاؤه لزواجه كان من المفترض أن يواجهها ويخيرها..."

قالت بعدم اكتراث:" بالطبع كان سيقول وهل كان سيخفي؟.. القدر فقط لم يمهله الوقت... ثم قالت له باهتمام :عمرو ألم أقل لك من قبل حالة عنان وقلت لي أن حالتها ليست صعبة للدرجة ويوجد لها علاج أو عملية بالخارج ؟.."

قال بجدية :"نعم أمي الطب تقدم كثيرا وسمعت هنا عن عمليات كثيرة تٌجرى لمن في مثل حالتها وتنجح ..."

قالت له بارتياح :" ألن أفرح بك بني لقد قاربت السادسة والعشرون حبيبي أريدك أن تستقر..."

رفع حاجبا متعجبا فأصبح شديد الشبه بأخيه يحيى وقال لها بشك :"مالذي نقل الحوار في هذه الضفة؟..."

قالت له بلا مواربة:" ما دامت حالة عنان لها علاج في البلد التي أنت فيها لما لا تتزوجها وتأخذها معك وتعالجها هناك؟..."

اتسعت عينيه دهشة مع ارتفاع في الحاجبين فلم يتصور أن تطلب منه هذا الطلب وأبعد الهاتف عن اذنه لثانية ثم أعاده وما أن وجد صوته حتى أردف بصوت ألي:" هذا الرقم وصاحبه غير متاحين حاليا من فضلك اطلب في وقت لاحق.. ثم أردف بغيظ :يريدونني في الطوارىء أمي سلام..." ثم أغلق الخط بسرعة

استقام عمرو من فراشه بعد أن جافاه النوم ووقف خلف النافذة يحك ذقنه بأظافره بضيق وهو ينظر من الزجاج الشفاف إلى المدينة الهادئة أمامه والى مبانيها الراقية

مازال أمه وابوه يفكران نفس التفكير

رغم ماحدث مع يحيى ويسر وعدم اكتمال حمل لهما بسبب زواج الاقارب

ورغم ما حدث مع عنان ورماح والذي تتحمل تبعاته عنان الآن

ورغم المشكلات التي تحدث كل فترة بين يوسف ومريم ويتأثر البيت كله بها نظرا لتشابك العلاقات بين الجميع

رغم كل ذلك وأمه تريده أن يخوض تجربة الزواج من ابنة عمه وكأن ما يحدث حوله لا يجعله يتعلم من أخطاء غيره، ليس ذلك فقط بل تريده أن يتزوج بأرملة ابن خاله وتوغر صدر خاله منهم جميعا

زفر زفرة غاضبة وأغمض عينيه قليلا فقطع عليه أفكاره صوت طرقة على باب الغرفة أعقبها دخول صديقه بهاء الذي أغلق الباب خلفه ووقف أمام صاحبه قائلا بشك:" ماذا بك هل هناك شىء ؟..."

قال عمرو:" لا شىء أفكر فقط في مكالمة جائتني من البلد..."

وقف معه بهاء قليلا يثرثران في أحوال المستشفى ،هو صديقه الصدوق الذي تعرف عليه ما أن وصل إلى البلد و كان هو الآخر للتو أتى من بلده العربي الشقيق ... توطدت علاقتهما معا و أصبح كل منهما الونس للآخر في غربته

قطع حديثهما صوت طرقات رقيقة كنقر الفراشات فقال بهاء بصوتِ عالٍ وكان قد تكهن بهوية الطارق:" تفضل.."

فتحت رهف زميلتهما في العمل الباب وطلت بوجهها الرقيق الذي يشبه اسمها وقالت بصوت لا يفرق عن وجهها أو اسمها شيئا بلهجة أهل البلد الأصليين لا الوافدين:" كيف حالك عمرو؟.."

ابتسم عمرو ابتسامة خبيثة قائلا:" أنا بخير..."

فقالت لبهاء :"كيف حالك بهاء لم أراك اليوم ..."

ابتسم الأخير ابتسامة واسعة من قلبه فطالت عينيه قائلاً:"بخير ولكن كان لدي عملا كثيرا ثم أردف بنظرة آسرة :هل لديكِ وقتا نشرب فيه شىء في الكافيتريا ؟.."

قالت بخجل وهي لا تزال تقف عند باب الحجرة تمسك المقبض بيدها:" نعم لدي تقريباً نصف ساعة..."

ابتسم قائلا:" سآتي خلفك مباشر...."


استأذنت منهما وسبقته وما أن عزم على اللحاق بها حتى جذبه عمرو من ياقة قميصه قائلا وهو يمسكه كالمجرمين:" هل أنا شوال أرز هنا ؟.."

خلص بهاء نفسه منه قائلا بتأفف:" ماذا تريد أنت الان؟..."

قال عمرو بابتسامة متسلية:" أريد أن أحب أنا الآخر..."

قال له بهاء بابتسامة سمجة:" أمثالك ليس لهم في الحب أمثالك لهم فقط في التسكع..."

ثم تركه ليلحق برهف فابتسم عمرو ابتسامة صافية قائلا لنفسه بصوتِ مسموع "حتى التسكع لم يعد يمتعني أنا أريد حبا من نوع خاص ثم أردف ساخرا :ولكن من أين وأمي تريد أن تدخلني في متاهات العائلة؟..."

***********

بعد مرور عدة أيام.. عصرا في شركة آل عمران للتصدير

كان صالح يجلس في مكتبه في انتظار أحد العملاء الجدد مع الشركة حيث سيوقعان عقدا لاستيراد الخضروات المجمدة والفواكه من مصنعهم ومعه يوسف الذي بدأ يشعر بالتململ فالرجل تأخر عن موعده أكثر من ربع ساعة... فنظر يوسف في ساعة يده قائلا:"تأخر الرجل يا حاج صالح وأنا لدي مواعيد هامة في المساء ..."

قال صالح بنبرته الهادئة وهو يطالع الأوراق التي في يده:"لم يتأخر سوى ربع ساعة والغائب حجته معه...."

استقام يوسف واقفا وأردف بجدية:"الغائب شخص غير منضبط أبي ولا يحترم مواعيده لذلك لا يجب أن نعطيه فرصة أخرى ..."

قال صالح:"انتظرقليلا مادام لم يعتذر فسيأتي.."

زفر يوسف بضيق وهو ينظر في ساعته فأردف صالح بتساؤل:"ماذا بك لما لا تجلس وما هو الموعد الذي لديك في المساء؟.."

"موعد مع أصدقائي..."

"يوسف هل أنت لم تكبر و تنضج حتى الآن حتى تكون كل أفعالك صبيانية هكذا؟..."

قالها صالح بغلظة فأردف يوسف ببرود وهو يضع يديه في جيبي بنطاله:"أي أفعال صبيانية أبي؟... ألا ترى أنك تبخسني حقي؟ أنا أعمل في الشركة تماما كما يعمل حاتم في المصنع وأنت بنفسك تقسم وقتك ما بين هنا وهناك وتعرف كيف نتعب.."

"أنا لا أتحدث عن العمل بل أتحدث عن شلة أصدقائك التي تتمسك بها وتشعرني أنك في السابعة عشرة لا رجل تجاوزت الثلاثين...." قالها صالح بتوبيخ

ضيق يوسف عينيه قائلا :"ربما لأنني لم أفعلها وأنا في السابعة عشرة أفعلها الان،ثم أردف بابتسامة ساخرة:لقد حملتنا المسئولية صغارا أبي وتحملناها ولم نشتكي وفي المقابل ضاعت منا أجمل سنوات عمرنا..."

قال صالح باستنكار:"وكان هذا من أجلي أم من أجل أن تصبحوا رجالا وتعرفون كيف تديرون أموالكم من بعدي...."

قال يوسف مقارعا:"لا... من أجل أن نصبح رجالا ونعرف كيف ندير أموالنا وها نحن قد أصبحنا رجالا وندير شركة ومصنعا ليس هناك مثلهم في المحافظة ومع ذلك تستنكر علينا أن نعيش ما لم نعشه في صغرنا...."

استقام صالح واقفا وقال بصدمة:"أنا أفعل هذا يوسف؟..."

قال يوسف بلا مواربة وعلت ملامحه الجدية:"نعم أبي تفعل هذا وتستمع إلى مريم حين تشتكي من خروجي وسهري رغم أنك تعلم أنني لا أفعل شيئا خاطئا وتلومني أمامها حتى أصبحت تشعر أنها صاحبة حق...."

قال صالح وقد تفاجأ من هجوم ابنه:"كل هذا بداخلك يا يوسف؟؟..."

زفر يوسف قائلا:"أنا ليس بداخلي شىء أبي أنا أقول لك هذا دائما وأنت من تشعرني أنني لا زلت صغيرا..."

الولد الصغير كبر والسياج الذي كان يحيطه به خوفا عليه ورغبة في أن يصبح طوعه نزعه يوسف بنفسه ... لم يجد صالح ما يقوله أمام عِناد ابنه فصمت فأردف يوسف :"حسنا ما دام صاحبك لن يأتي ومادام لدي موعدا مساءا فبالكاد أذهب إلى المنزل لأتناول الغداء وأرتاح قليلا ....ألن تأتي معي؟..."

"لا لن آتي..."

قالها صالح باقتضاب فشعر يوسف أنه زادها مع والده فقال ملطفا الأجواء بمزاح رائق:"هل ستبقى هنا أم ستذهب إلى بيتك الثاني؟..."

قال صالح بابتسامة صغيرة:"لا سأذهب للثالث..."

قهقه يوسف ضاحكا ثم مال على رأس والده مقبلا وأردف :"أراك في البيت يا حاج صالح....."

وما أن خرج يوسف وأغلق باب المكتب خلفه حتى وجد رجل تقريبا في منتصف الخمسينات يدخل إلى المكتب يقول لعزة السكرتيرة الجالسة خلف مكتبها :"السلام عليكم انستي لدي موعد مع الحاج صالح...."

قالت عزة بابتسامة مجاملة:"السيد عبدالمنعم؟..."

أردف الرجل بابتسامة ودودة :"نعم انه أنا.."

ولكن يوسف لم يكن يركز معه بل كان يركز في الفتاة الساحرة التي كانت تتبعه ،فتاة ربما في النصف الثاني من العشرينات خمرية البشرة بوجنتين حمراوين وشعر أحمر ناري تتناثر خصلاته على جانبي وجهها وعلى منتصف رأسها وشاح صغير، وهي ما أن رأته يصوب نظراته المتفحصة نحوها حتى ابتسمت ابتسامة صغيرة خجولة فتنحنح هو قائلا:"أهلا أستاذ عبدالمنعم انتظرناك كثيرا حتى أنني ظننتك لن تأتي..."

نظر إليه عبدالمنعم ومن لقاؤه بصالح خمن من الشبه أنه ابنه فأردف :"أنت يوسف أم حاتم؟."

ابتسم يوسف ابتسامة جذابة قائلاً:"يوسف.."

صافحه الرجل وأردف :"أعتذر عن التأخير ولكن سندس ابنتي كانت آتية من العاصمة والقطار تأخر بها وبالطبع لم أكن سآتي دونها فهي إلى جانب أنها ابنتي فهي من تدير الفرع في العاصمة معي ..."

ابتسم يوسف لهما قائلاً :"أهلا بكما في أي وقت..."

ثم بسط ذراعه يدعوهما للدخول وما أن دخلا مكتب صالح ثانية حتى استقام الأخير وصافح الرجل ورحب بابنته ونظر إلى يوسف نظرة متسائلة تعني(ألم تكن متذمرا منذ قليل وتريد الرحيل لما عدت؟)

فتنحنح يوسف قائلا لأبيه وهو يجلس أمام السيد عبدالمنعم:"كما قلت أبي الغائب حجته معه القطار تعطل بالانسة..."

"سندس اسمي سندس..." قالتها سندس برقة وهي تجلس بجوار والدها مباشرة

فأردف يوسف بابتسامة صغيرة:"أهلا وسهلا..."

وكانت عيني صالح عليه تتابعانه بتركيز فصالح خبير بكل خفايا ابناؤه ويحفظ سكناتهم وحركاتهم عن ظهر قلب

**********

في المساء

بعد أن عاد يحيى من عمله وأخذ حماما منعشا جلس في غرفة المعيشة يفتح التلفاز أمامه يشاهد المباراة و أمامه على المنضدة الصغيرة صينية الطعام ،كان يأكل بنهم فهو ظل طوال اليوم يتنقل بين الأراضي الزراعية لمتابعة العمل بها خاصة وقد حدثه يوسف وأخبره بأن هناك تعاقدا جديدا مع سلسلة محلات للمواد الغذائية في العاصمة لتصدير الخضروات والفاكهة وهذا يعني أن عليه توريد كمية أكبر للمصنع في الأيام القادمة

أما يسر فكانت تجلس بجواره تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي على هاتفها فقال لها :"لما لا تأكلي معي؟..."

قالت له بابتسامة محرجة:"لقد تأخرت يحيى وشعرت بالجوع وماما غالية لم يكن أحد معها اليوم فأكلت معها..."

قال لها:"حسنا حبيبي ولكن المرة القادمة تأكلين قدرا بسيطا حتى تأكلين معي أيضا ثم أردف وفمه مملؤ بالطعام:تعرفين لا أستطيع أن آكل بدونك.."

قهقهت ضاحكة ضحكة من قلبها وهي تنظر إلى فمه المملؤ بالطعام وأردفت:"واضح يحيى انك لا تستطيع الأكل بدوني..."

ابتسم ابتسامة رائقة وأردف:"اتحدث بجدية أنا ..."

قالت له وهي تحتضن ذراعه بذراعيها:" حسنا حبيبي..."

غمز لها بعينه قائلاً:"بالنسبة للبدلة السوداء اللامعة التي دفعت فيها مبلغا وقدره متى ستحني علي وترتدينها؟..."

عضت على شفتها السفلى قائلة بحرج:"أنت تعلم الأيام السابقة كيف مرت على عنان وأنا كنت معها فلم يكن من اللائق فعل ما تريد..."

قال لها ساخرا:"وهل سأنتظر كثيرا أنتِ تعرفين أن عنان خزان أحزان وحزنها هذا سيطول..."

قالت بأسف:"حبيبتي ..أنا أرى فعلا أنها لا تهدأ بل يزداد حزنها..."

غمغم يحيى قائلا بجدية :"يسر... ستأخذ وقتها وتنسى وتعيش وتتزوج لا تحملين الهم هكذا ثم ضرب على سطح المنضدة التي أمامه قائلا بجدية مصطنعة:المهم متى سترتدين البدلة السوداء اللامعة التي دفعت فيها مبلغا وقدره...."

قهقهت بصوت عالٍ من تحوله هكذا وقالت بحنان:"حسنا حسنا لقد أشفقت عليك انهي طعامك فقط وأنا سأعد لك أجمل مفاجأة.."

صفق بيديه فكان أكثر شبها في هذه اللحظة بطفلٍ صغير وأردف بحماس :"استعنا على الشقا بالله..."

وما أن همت يسر بالقيام حتى رن جرس الباب فنظر كل منهما إلى صاحبه وأردف يحيى :"لا تفتحي ليس لدي استعداد لأي تأجيل..."

ابتسمت ابتسامة مشاكسة قائلة:"أضواء الشقة مضاءة وصوت التلفاز عالٍ فأين سنكون.."

ثم تركته واستقامت وفتحت الباب فوجدت أمامها حماتها فابتسمت لها قائلة:"أهلا عمتي تفضلي.."

دلفت نعمة للداخل وقالت ليسر:"لم أرى يحيى حين أتى أين هو؟..."

فقالت لها يسر وهي تغلق الباب :"بالداخل.."

دخلت نعمة إلى غرفة المعيشة فقال لها يحيى وهو يشير للطعام :"حماتك تحبك يا أمي.."

فأردفت نعمة وهي تجلس بجواره بلهجتها الساخرة دائما:"وأنا أحبها وأحب ابنها ولكني أكلت....ثم أردفت بتساؤل وفضول لم تستطع كبته أكثر من ذلك:لكما عدة أيام منذ زيارة الطبيب وكلما سألتك ماذا قال تتهرب من الاجابة كل مرة بحجة شكل "

توقف يحيى عن الطعام وتجهم وجه يسر الذي كان متوهجا منذ ثواني فقال يحيى:"ماذا تريدين أن تعرفي أمي؟... "

قالت بجدية:"أريد معرفة ماذا قال؟..."

زفر يحيى قائلا وقد أصبحت ملامحه هذه اللحظة شديدة الشبه بملامح يسر :"قال أن نحاول ثانية بعد فترة وهناك أدوية معينة نلتزم بها قبل الحمل وبعده باذن الله..."

ضيقت نعمة عينيها قائلة:"وقال أيضا أن السبب هو كونكما أقارب؟..."

صمت يحيى ولم يرد لثانية فأردفت يسر بجدية لا تخلو من بعض الحدة:"نعم عمتي قال هذا...."

ناظرتها نعمة قائلة :"وقال متى تستطيعان المحاولة ثانية؟.."

قالت يسر بمنتهى الصراحة وكأنها تريد لنعمة أن تأخذ الجرعة كاملة وترحمها من الأسئلة ماتبقى من العمر:"ليس قبل عام...."

ظهرت الصدمة على ملامح نعمة فأردفت كمن تكلم نفسها:"عام كامل؟.ثم سألتها بتوجس :وبعد هذا العام هل الأدوية التي تقولون عليها هذه تضمن أن يتم الأمر بلا مشاكل؟..."

قالت يسر وكأنها تلقي في وجه نعمة الحقيقة كاملة حتى ترتاح من عبء كانت تحمله فوق كاهلها:"لا... لا توجد ضمانة لأي شىء وارد تكرار نفس المشكلة ووارد أن نتجاوزها.."

نظرت نعمة إلى يحيى بصدمة ولم تنطق ... وهو أيضا لم ينطق

عمت فترة من الصمت على الجميع وكأن على رؤوسهم الطير فاستقامت نعمة بلا كلام وتركتهما ودلفت إلى شقتها وهي تحدث نفسها بما يشبه الهذيان:"عام آخر ينتظرانه وبعده إما جاء الولد وإما لا..."

كانت هاجر قد خرجت من الحمام للتو فوجدت أمها تكلم نفسها هكذا فأردفت بشك:"ماذا بكِ هل تحدثين نفسك؟.."

رفعت نعمة وجهها إلى صغيرتها التي قلما تتحدث هكذا معها وتؤثر العزلة وغمغمت :"وهل ما يحدث حولنا لا يجعل المرء يحدث نفسه؟.."

أما يسر ويحيى فمنذ أن تركتهما نعمة وهما كتمثالين متجمدين كلاهما لا ينطق فقطعت يسر الصمت قائلة باقتضاب :"ألن تكمل طعامك؟.."

قال لها بخفوت:"شبعت الحمد لله..."

فاستقامت لتحمل صينية الطعام وقبل أن تستدير بها لتغادر الحجرة قال لها :"سأنتظرك حتى نكمل خطتنا.."

"اعذرني يحيى لن أستطيع أصابني صداع شديد وأريد النوم...."

أومأ لها برأسه ايجابا وهو يتمتم بصوت غير مسموع:"قلت لكِ لا تفتحي..."

يعرفها حين تحزن تلجأ للنوم للهروب من واقعها

وتعرفه حين يحزن يلجأ للمزاح مدعيا عدم الاهتمام....

كثيرا ما نكون على تمام المعرفة بعيوبنا ونواقصنا ونظن أننا مختبئين خلف جدار صنعناه بأنفسنا ولكن ما أن ينكأ أحدهم موضع ضعفنا حتى نشعر أننا نتعرى أمامه وأمام أنفسنا وهذا ما تفعله نعمة دائما....

تجعلها تشعر أنها امرأة غير كاملة ينقصها أطفال يقفزون من حولها وإن كانت أحيانا لا تستنكر عليها هذا الحق...

بعد قليل كانت يسر قد خلدت إلى فراشها تغمض عينيها مدعية النوم وهي من داخلها تشعر أن جهود الأيام الماضية التي بذلتها لتقبل كلام الطبيب راحت أدراج الرياح بنظرة واحدة فقط من عيني نعمة اللائمتين... المستنكرتين... المشتاقتين إلى حفيد

شعرت بيحيى يندس خلفها فكانت تعطيه ظهرها وادعت أنها نامت بالفعل أما هو فاكتفى بأن ضمها بذراع واحدة حتى ألصق ظهرها فوق صدره ودفن وجهه بين خصلات شعرها السوداء العطرة ولم يعرف كم أمدها هذا الحضن وغمرها بهالة من السكينة والدفء وهذا ما كانت تحتاجه في هذه اللحظة... ثوان قليلة أدركت فيهم أنها تحتاجه الآن بشدة كما يبدو أنه أيضا يحتاجها فاستدارت حتى واجهته و لم يحتاج أي منهما إلى كلمات فقط نظرة واحدة يثبر فيها الآخر أغوار صاحبه فمشاعرهما دائما هي من تجذبهما لبعضهما البعض ومشاعرهما وحدها هي القادرة على اذابة أي حزن أو ضيق أو ألم ليتحول إلى طاقة من فرح و نور ووهج

*************


Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-06-21, 06:19 PM   #315

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,499
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

نزلت نعمة من شقتها وهي تشعر أن صبرها على هذا الامر قد نفذ ...
لم تجد أحدا بالأسفل رغم التلفاز المفتوح أمامها فدلفت إلى غرفة حماتها فوجدتها تجلس في فراشها تفتح مصحفها وكان يبدو الكلام جليا في عيني نعمة فوضعت غالية المصحف ونزعت نظارة القراءة قائلة:"تعالي نعمة مالأمر؟...."
بلا مواربة قالت نعمة وهي تجلس على الكرسي المقابل لفراش غالية:"قلبي يؤلمني من أجل يحيى أشعر بحزنه على عدم انجابه حتى الآن وأشعر بحاجته في عينيه رغم صمته..."
زفرت غالية زفرة حارة قائلة:"كله نصيب ومكتوب يا ابنتي أدعو لهما في كل صلاة أن يرزقهما بالولد الصالح..."
قالت نعمة بتساؤل:"وإن لم يحدث ياعمتي ماذا سنفعل؟.. العمر يمر.."
قالت غالية وهي تضيق عينيها:"قولي ماعندك مباشرة يا نعمة...."
قالت نعمة بكل صراحة:"إن كان ابن من أبناءك زوجته لم تنجب له لما يزيد عن ستة أعوام ماذا كنتِ فاعلة ياعمة؟..."
استغفرت غالية بصوتٍ مسموع ثم أردفت:"مازالا صغيرين يا نعمة والعمر أمامهما وسيراضيهما الله من وسعه.."
"أريد ردا على سؤالي ياعمة ماذا كنتِ ستفعلي؟.."
سألتها نعمة بإصرار فأردفت غالية بحدة :"أنتِ ماذا تريدين يا نعمة تريدين أن يتزوج الولد؟..."
"ولما لا شرع الله يا عمة ومن يقدر أن يحرمه والكثيرات في البلدة حدث معهن ذلك وتزوج زوجها وأنجب... وقتها إن أراد الله لهما الانجاب في أي وقت خير وبركة لم يرد وقتها يكون عمر الولد لم يضع هباءا..."
قالت لها غالية :"وهل يسر ستوافق على هذا؟ بل هل يحيى سيوافق؟..."
قالت نعمة باصرار :"يحيى ما زال صغيرا ولا يعرف مصلحته ولابد أن نوجهه وهي إن تحدث معها الجميع بما فيهم أنتِ ووالديها وعرفتوها الصواب من الخطأ ستقتنع أنتم فقط تدللونها ولا تدركون أنها كبرت ولها ستة أعوام زوجة ومن مثلها أبناءها دخلوا المدارس..."
شعرت غالية بنغزة في قلبها فأردفت:"بنات اليوم غير نساء الأمس يا نعمة يسر لن توافق ولا صالح وليلة سيوافقان..."
استقامت نعمة واقفة وقالت بغيظ:"وإن كانت مريم هي التي لم تنجب هل كان صالح وليلة سيمنعان يوسف عن الزواج أم كانا سيشجعانه يا عمة؟..."
"لا أعرف يا نعمة ماذا كانا سيفعلان ..."
قالت نعمة وقد أدركت أن غالية لن تقف معها ضد حفيدتها
رغم أن كلاهما حفيدها ولكنها تتحيز لصالح وأبناؤه وهذا غير عادل
:"حسنا ياعمة كنت أظن الجميع أحفادك وستحرصين على مصلحتهم..."
"جميعهم أحفادي يا نعمة ولمصلحة الجميع وأولهم ابنتك مريم التي في بيت صالح أقول لكِ اصبري ولا تتسرعي...."
قالتها غالية وهي تشدد على حروف كلماتها
زفرت نعمة زفرة حارة قائلة وهي تندفع للخارج:"تصبحين على خير يا أم صالح..."
استندت غالية على ظهر فراشها وهي تشعر بالحزن على حال أحفادها
تعترف بينها وبين نفسها أن نعمة لديها كل الحق فمن في بلادهم يتحمل أن يبقى دون عزوة لسنوات؟
ولكنها رغم ذلك لا تستطع الاعتراف بذلك مجاهرة من اجل حفيدتها... انها قطعة من صالح وبالتالي قطعة منها فكيف تفعلها؟
أحيانا تجبرنا الحياة على أن نكون غير عادلين حين يتعلق الأمر بالمشاعر....
أحيانا تجبرنا على المراوغة في قول الحق حين يتعلق الأمر بأعز الناس.....
************
بعد أن أنهى صالح زيارة صديق له مريض في المشفى كان يمر من أمام قسم الشرطة فتذكر أنه حين حدث أمه اليوم قالت له أن معتصم لديه مناوبة فقرر أن يمر عليه وبالفعل صف سيارته على الجهة الأخرى وتناول هاتفه ليتصل به وما أن رد عليه حتى قال له :"أهلا معتصم كيف حالك.."
"بخير حال يا خال كيف حالك أنت؟..."
"أقف أمام القسم هل أنت بالداخل؟.."
استقام معتصم من خلف مكتبه قائلاً بسرعة:"نعم ادخل حالا.."
تحرك صالح بعد أن أغلق سيارته ودلف إلى داخل القسم فوجد معتصم يقف على باب حجرة مكتبه بابتسامته الواسعة قائلا وهو يمد يده له مصافحا:"أنرت القسم كله يا خال..."
قهقه صالح ضاحكا وأردف وهو يدخل معه للداخل:"القسم ليس مكانا مناسبا للقاء على الاطلاق يا معتصم ولكنك كلما دعوتك في البيت لا تحضر.."
قال معتصم بمودة وهما يجلسان متقابلين أمام المكتب:" مقر عملي يا خال ماذا أفعل؟ وصدقني أمي غالية لا تعطيني فرصة للذهاب في مكان من محاصرتها لي ..."
قال صالح بابتسامة رائقة:"بارك الله لنا فيها..."
بعد أن أمن على جملته الأخيرة رفع معتصم سماعة هاتفه قائلاً لعامل البوفيه:"احضر لنا يابُني اثنين شاي ثقيل سكر كثير...."
قال له صالح:"ليس هناك داعٍ كنت أطمئن عليك لا أكثر..."
قال له معتصم بنظرة بها الكثير من الامتنان:"بارك الله فيك يا خال..."
قال له صالح بشىء من الخجل :"الرجل الذي كلفته بالبحث منذ فترة في تلك البلد لم يتوصل إلى شىء.."
قال معتصم ولم يتفاجأ من الحديث:"ومالجديد؟.. لنا سنوات وسنوات نبحث ولا أثر له"
قال صالح بأسف:"أنا أخبرك حتى لا تظن أنني نسيت الأمر.."
قال معتصم بزفرة حارة :"أعلم أنك تبحث وأنا أيضا أبحث ولا أستطيع الوصول إلى خيط واحد..."
قال صالح مهونا عليه :"قضاؤه كله رحمة بني أراد أن يختفي أبوك ليكون لك أكثر من أب... جميعنا آبائك..."
ابتسم معتصم قائلاً بحزن:"بالتأكيد يا خال ... جميعكم لم تقصروا ولكنك تعلم كل شخص يحتاج إلى أبيه ثم أردف وهو يشرد في البعيد :هل تعلم قديما حينما كان يقول لي أحد هذه الجملة (كلنا آبائك) كنت أقول لنفسي ما حاجتي لقبيلة من الرجال ليس بينهم أبي ولكن الآن فقط أدركت أنني من دونكم ومن دون أبي عمران كنت ضعت ..."
قال صالح بصدق:"أنت ابننا يا معتصم رأيناك قبل أن نرى أبناءنا..."
مط معتصم شفتيه وأردف بتعجب:"الغريب أن الله وضع حبي في قلوبكم جميعا إلا هي...."
قال صالح بعتاب:"لا تقل هذا بُني أنت تعرف كم تحبك... ضيق عينيه وهو ينظر إليه قائلاً: وبصراحة هذا هو سبب مجيئي اليوم أمك تفتقدك وتريدك أن تودها...."
قهقه معتصم ضاحكاً (فرأه صالح في هذه اللحظة شديد الشبه بأبيه محمود ) وأردف بسخرية:"الآن تريدني أن أودها ؟ بعد أن أصبحت لا أحتاجها! أين كانت حين كنت أحتاجها؟.."
أغمض صالح عينيه لا يعرف ماذا يقول... ماهذه المهمة الصعبة؟
يمنة تطلب منه أن يُلين قلب ابنها
وابنها قلبه كحجرِ تجاهها
جاء عامل البوفيه بالشاي فأراد معتصم أن يغير الموضوع فقال لصالح :"ما رأيك أن أهرب نصف ساعة ونجلس على المقهى المجاور لأغلبك في الضٌومنة؟.."
قهقه صالح ضاحكا ثم أردف بيأس:"ما زال رأسك يابس لم تغيرك السنوات يا ابن الرحماني..."
قال معتصم بحنين وهو يميل بجسده كله تجاه خاله الجالس أمامه وهو يعتصر بين يديه كوب الشاي الساخن:"احك لي عنه يا خال احك لي عن أبي.."
نظر صالح إلى نظرة الحنين في عينيه التي لم تختلف منذ سنوت طويلة حتى الآن وهو يتعجب كيف يتعلق هكذا برجل لم يعرفه لمجرد أنه أبوه في شهادة الميلاد؟..وكيف يبدو هكذا كطفل في السادسة لا كرجل تجاوز الثلاثون!
ثم بدأ يقص عليه قصة قصيرة حزينة حفظها كلاهما عن ظهر قلب ورغم ذلك لا يسأمها معتصم....
قصة زواج غير متكافىء أعقبه طلاق تلاه سفر بتذكرة ذهاب بلا عودة ونتج عن هذه التجربة طفل صغير بلا أب ولا أم
*************
في الصباح
وقفت خلف الواجهة الزجاجية التي تعكس صورة من بداخلها تنظر إلى صغيرتها بكل الحب ... لقد تمكنت من تدبر مصاريف جلسات التخاطب التي لا مفر منها في مثل حالة صغيرتها
كانت تبدو بملابس بسيطة جدا وهيئة بسيطة مقارنة بهيئة وملابس صغيرتها فحين تكون الموارد محدودة فالاولى صغيرتها ،الأولى أن ترتدي الصغيرة كل جميل وأن تأكل ما تشتهيه وأن تتحدث مثلما يتحدث الصغار في سنها و فاطمة لن تتوانى عن تقديم كل شىء لصغيرتها حتى تحقق حلمها فيها
...
أحلم هو حقا أم تراه معجزة؟ احتضنت بذراعيها جسدها وهي تقف خلف الزجاج تتابع أخصائي التخاطب وهو يقوم معها بأول جلسة في هذا المركز الجديد بعد أن اضطرت لترك المركز القديم الذي لم تحقق فيه الصغيرة أي تقدم ملحوظ
ورغما عنها شردت بذهنها لسنوات للخلف
هل لتقتل الوقت الباقي على انتهاء الجلسة
أم لأن هذه الذكريات تملأ قلبها وتقفز للسطح ما أن تحظى هي بدقائق بمفردها فهي تقتل نفسها في العمل وفي رعاية ابنتها وأمها حتى تنسى خيبتها ولكن ما أن تختلي بنفسها لدقائق معدودة حتى يعود الشريط من البداية أمام عينيها
منذ أربع أعوام...
كانت تجلس في البيت مع حماتها بينما كان سعد يجلس على المقهى مع أصدقاؤه كحاله منذ فترة طويلة ... منذ أن رفضت أن تجهض الفتاة وهو لا يتحدث معها ، يقاطعها عله يؤثر عليها وتنصاع له
...
كانت منذ يومين وهي تشعر بآلام خفيفة أما اليوم فالالم يزداد فاستقامت من فراشها وخرجت للصالة الصغيرة فوجدت حماتها تجلس في النافذة الصغيرة المطلة على الشارع فقالت لها بصوت واهن:" الألم يزداد خالتي..."
اعتدلت ام سعد في جلستها وقالت لها باهتمام :"بماذا تشعرين بالضبط يا ابنتي ؟..."
وضعت فاطمة يدها على بطنها المتحجرة وأردفت بصوت باكي :"ألم شديد في بطني وظهري..."
قالت لها أم سعد وهي تقترب منها :"هل الالم يأتي بشكل منتظم أم على فترات متباعدة؟..."
قالت فاطمة وهي تجز على أسنانها من شدة الالم :"أصبح منتظماً في الساعة الأخيرة تقريبا...."
وضعت المرأة وشاحها على رأسها وفتحت الشرفة على آخرها وما أن وجدت طفلا صغيرا من أطفال الشارع يلعب حتى قالت له بتوتر:" ولد يا حمادة نادي على عمك سعد من المقهى قل له أمك تريدك حالا ...."
بينما تمالكت فاطمة نفسها وجلست على طرف الأريكة وهي تتلوى ألما واتصلت بوالدتها من الهاتف الأرضي حتى تأتيها فأغلب الظن أنها تلد
بعد ساعتين
كانت فاطمة تستفيق من أثر التخدير وهي في حجرتها في المشفى ... كانت تنظر حولها بعينين زائغتين والرؤية حولها مشوشة ولكنها ترى خيال أمها و خيال أم سعد...
تضع يديها على بطنها فتجدها خاوية و قد انخفضت وزال عنها تحجرها وحل محله ألم آخر يعتصر أحشاءها
وما أن استطاعت أن تٌخرِج صوتها حتى تمتمت بضعف:" أين هي، أين ابنتي؟ "
قالت أمها بحنان وهي تقترب منها بالصغيرة و لا تزال الرؤية أمام عينيها ضبابية :"هذه هي حبيبتي ..."
رأت فاطمة ملامح ابنتها عن قرب ورغم أن الرؤية مشوشة إلا أنها استطاعت أن تميز ملامحها الجميلة وبشرتها البيضاء الصافية فابتسمت بحنان دافق وهي ترفع يدها فتلامس بأناملها بشرة الصغيرة التي تحملها جدتها بينما قالت أم سعد بصوت حنون :"مبارك عليكِ فاطمة ماذا ستسمينها يا ابنتي ؟"
قالت فاطمة بصوت مٌنهك:" فرح... سأسميها فرح ..."
"فرح! أي فرح ؟أنا لا أرى في الأفق أي أفراح منذ اليوم...."
هتف بها سعد بسخرية وهو يقف بجوار باب الحجرة حيث كان يقف من البداية و لم تلحظه فاطمة
فأردفت أمه بنظرة زاجرة :"اصمت يا سعد ليس له داعٍ هذا الكلام الان ... "
قال بحنق وهو يتقدم ليقف على بعد عدة خطوات من فراش زوجته:" نعم ليس له داعٍ الان... لي أشهر أقوله وهي لا تسمعه ثم وجه كلامه لفاطمة قائلا: هل ارتحتي الان ؟ انجبتي طفلة مريضة ستدورين بها عند الأطباء ولن تجدي لمرضها علاج ..."
قالت بجزع وهي تمد ذراعيها فتأخذ صغيرتها من أمها :"ماذا بها هل هي مريضة هل بها شىء؟"
قال هو بغيظ ونبرة صوت أعلى وهو يشيح بذراعه كله أمامها :"هل أنتِ ساذجة أم تدعين السذاجة أنتِ تعرفين ما بها منذ شهور طويلة.."
قالت وهي تضم الصغيرة ذات العينين المفتوحتين الواسعتين:" ما في ابنتي ليس مرض هو حالة خاصة ستعيش بها وعلينا فقط أن نتأقلم معها ونتعلم كيفية التعامل معها.... مافي ابنتي ليس مرض يا سعد ابنتي ليست مريضة..."
قالتها بدفاع عن صغيرة ليس لها في الحياة سواها
فجز هو على أسنانه قائلاً بغيظ:" حسنا اشبعي بها تأقلمي وتعلمي وتعاملي..."
رفعت وجهها إليه وقد زال عنها تشوش الرؤية وأردفت وهي تضم الصغيرة إليها بقوة
:"وأنت؟...."
قال لها بنظرة خاوية و صوت ميت :"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها...."
ثم تركها وخرج من الغرفة ومن المشفى كلها تاركا زوجته وابنته مع حماته وأمه التي كانت تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها مما فعله ابنها
أما أم فاطمة فقد اختلج قلبها بقوة وقد أدركت أن الأيام القادمة مع ابنتها وسعد لن تكن على ما يرام
وبالفعل فقد رأت فاطمة من سعد بعد ولادة الصغيرة مالم تراه معه من قبل ....
أم تراها لم تكن تعرفه بالقدر الكافي ؟
لم يكن يطيق النظر في وجه الفتاة...
لم يحملها يوما ولم يتحمل صوت بكاءها ...
كان يخرج من البيت في الصباح ولا يأتيه إلا مساءا على النوم فقط...
كان ينام في الصالة الصغيرة فلم تطأ قدمه غرفة فاطمة إلا ليأخذ ملابسه فقط
لم يكن يحب إنجاب الإناث من الأساس فكيف وقد أتته فتاة ليست طبيعية لم يكن ليتقبلها
ظلت فاطمة صابرة متماسكة من أجل بيتها ومن أجل ابنتها على أمل أن ينصلح حاله وحتى لو كانت تريد التمرد على وضعها فمن لها سوى أمها الضعيفة ...
لا أب ولا اخ
ظلت على هذا الحال تصبر على جفاؤه إلى أن أتاها ذات مساء خبر هز كيانها ودمر حياتها كلها
"فرح سعد...."
انتفضت فاطمة في مكانها على صوت المرأة التي تنادي عليها بصوتِ أجفلها ...
كان أخصائي التخاطب يريدها ليشرح لها ماتم في الجلسة والمهام المطلوبة منها في المنزل فنادت عليها المرأة المساعدة له
ويالسخرية القدر فقد نطقت الجملة التي توقف عندها سيل ذكريات فاطمة في هذه اللحظة فقد توقفت بذكرياتها عند الليلة الفاصلة في حياتها يوم "فرح سعد"
************


يوم الجمعة
اجتمع جميع أبناء غالية حول مائدة طعام الغداء بعد صلاة الجمعة عدا هارون وأبناؤه ولكن الجميع لم يكونوا بحالتهم الطبيعية
فيونس وزوجته وبناته متأثرين بحزن عنان وانطفائها.....
وزكريا وزوجته متأثرين من أجل حالة يحيى وزوجته التي لا تقدم فيها...
وصالح وزوجته يلاحظان حزن يسر الذي أصبح دائما في عينيها وليس هناك أصعب من أن تعجز عن محو الحزن من عيني قطعة منك
والشباب الصغار كل منهم يشرد في حاله فاشترك الجميع في انعدام الشهية للطعام وبدأوا ينفضوا من حول طاولة الطعام واحدا تلو الآخر فقالت غالية بضيق وهي تنظر إلى الطعام:" لما لم تأكلوا... الطعام كما هو ؟...."
فقالت لها ليلة بابتسامة صغيرة:" اكلنا عمتي والطعام موجود من يجوع سيأكل لا تحملي همنا..."
تنهدت غالية وقالت بحسرة:" منذ رحيل عمران وهو أخذ الخير والسعادة معه...."
قالت حليمة بنبرة حزينة :"عندك حق عمتي السنوات الأخيرة كانت صعبة على الجميع..."
فأردفت غالية وهي تنظر إلى أبناءها وأحفادها الذين تفرقوا كل واحد منهم في جهة:"
هون الله عليكم جميعا يا ابنتي... ثم صاحت بصوتِ عالٍ لصالح الذي ينوي الصعود لشقته وزكريا الذي يصعد خلفه: سأرتاح في غرفتي وسأنتظركم بعد العصر لنشرب الشاي في الحديقة...."
************

بعد العصر كانت غالية تجلس في حديقة الفواكه الموجودة داخل البيت الكبير وحولها أبناءها وزوجاتهم يشربون الشاي والبنات يجلسن في ركن وحدهن أسفل شجرة الجوافة المفترض أنهن يتسامرن ولكن كل واحدة منهن كانت بوادِ غير الأخرى
والشباب يتحلقن حول جدتهم فغمز معتصم ليوسف ويحيى وأشار بعينيه للأعلى ففهم كلاهما ما يقصد و قاموا خلف بعضهم فقالت غالية:" إلى أين؟؟."
فقال معتصم:" إلى السطح أمي..."
أومأت له برأسها
أما هم فما أن صعدوا إلى السطح وفتحوا بابه حتى شعر كل منهم أنه انحل قيده وهم يرون السماء فوقهم بلا حواجز وبرج الحمام أمامهم والحمائم تطير حوله بانطلاق والهواء يضرب بوجوههم جميعا
فاشتركوا جميعا في ابتسامة صبيانية وهم يرون المنظر الأروع على الاطلاق ...
لطالما عشقوا جميعا هذا السطح المطل على النهر مباشرة وخلفه الجبال الشاهقة التي تتميز بها قرى الجنوب في لوحة من أجمل ما يكون
وقف ثلاثتهم يستندون على السور وينظرون إلى النهر فأردف معتصم بحنين:" اشتقت الى جلوسنا معا جميعا هنا وخاصة مع الاندال..."
قال يوسف ساخرا:" الندل الاول رفض المجىء معنا من الأساس...."
وقال يحيى:" والآخر يطوف سواح في بلاد الله ..."
قال معتصم وهو يخرج هاتفه:" تعالوا نتصل بهما..." وأجرى مكالمة ثلاثية بينه وبين حاتم الذي يقبع على بعد مئات الامتار منهم وعمرو الذي يبعد عنهم آلاف الكيلومترات وما أن رد الطرفان حتى فتح السماعة الخارجية قائلا بمشاكسة"
أما آن للطيور المهاجرة العودة إلى أعشاشها "
قهقه عمرو ضاحكا وهو يجلس في المقهى الذي يجتمع فيه مع أصدقاؤه أخر الأسبوع وأردف :"سنعود يا حضرة الضابط باذن الله بعد أن نكون أنفسنا..."
أردف حاتم ساخرا وهو يكمل ارتداء ملابسه استعدادا للخروج :"أشفقت عليك بعد جملة تكوين النفس هذه وكأنك لست ابن زكريا عمران..."
قهقهوا جميعا ضاحكين وأخذوا يمزحون جميعا مزاحا صبيانيا أرجعهم لسنوات طويلة للخلف
أغلق عمرو معهم وقد تبدل مزاجه تماما وعلت الابتسامة وجهه ... اشتاق إلى بلده وأهله بالتأكيد ولكن لا يعرف لما بٌني بينه وبينهم حاجز نفسي يقاوم حتى يهدمه
منذ ماحدث مع أخته هاجر وعدم استماع أبويه لكلامه وما أعقب ذلك ،ومع إصرار جدته وجده من قبلها على تزويج كل بنات العائلة من شبابها والسبب معروف...
عادات موروثة ما أنزل الله بها من سلطان لم يتقبلها عقله منذ صغره وبعدما خرج للحياة والدراسة واحتك بفئات مختلفة شعر أنه لن يتقبلها والدليل على صدق إحساسه ما يحدث بين أخيه وزوجته وما حدث بين عنان ورماح
حتى مريم رغم أنها لا تشتكي الا أنه يشعر بها ويشعر أن علاقتها بيوسف ليست بالممتازة وفي النهاية يتأكد أن سبب كل الزيجات حتى لا يذهب إرث جده عمران لشخص غريب
كان بهاء صديقه يجلس بجواره ولاحظ شروده فأردف:" أين ذهبت ؟..."
قال له عمرو:" أنا موجود أنت من شردت مني منذ قليل..."
زفر بهاء قائلا :"أنا شارد دائما..."
قال عمرو باهتمام :"هل نفس موضوعك أنت ورهف؟...."
قال باستياء:" وهل يوجد غيره؟...."
قال عمرو:" ألم تقل أن لها زوج عمة حكيم تعهد بمحاولة إقناع جدها و أعمامها ؟..."
قال بهاء بنظرة حائرة :"انها محاولة وإما تنجح وإما تفشل هذه طباعهم التي توارثوها على مر الاجيال ولن يغيروها بسهولة..."
ابتسم عمرو ابتسامة ساخرة وهو يسند رأسه للخلف
الأعراف والتقاليد تطارده من بلدته حتى هنا
كاذب من يقول أن الأعراف والتقاليد ترتبط بمكان دون غيره أو ببلد دون غيرها...
مخطىء من يظن ذلك
فهاهو بهاء وقع في حب رهف زميلتهم ولأنها ليست من العاصمة بل من إحدى القرى التى تتمسك بعادات منها زواج البنت من نفس القبيلة قوبل طلبه بالرفض
ولا هو يستطيع الابتعاد عنها ولا هي تستطيع ليقفا معا في منتصف الطريق
**********
إن الله يقذف الحب في قلوبنا فلا تلوم على مٌحبِ وتسأله لماذا أحب
أغمضت عينيها وهي تجلس مع بنات عمها مرغمة فوالديها لم يتركاها تجلس في شقتهم بمفردها ،منذ ما حدث والجميع يحاول أن يخرجها من حالة العزلة التي تحيط نفسها بها
ولكنها تكون معهم بجسدها وعقلها وروحها في واد آخر
تستطيع أن تحيط من حولك بسياج من المحبة ولكن إن كانت العزلة بداخله فلن يستطع أحد كسرها
منذ اليوم الذي ذهبت فيه وقابلت نسرين وأخذت الهاتف وكأنها فتحت على نفسها أبواب الجحيم،لم تكن من نوعية النساء التي لديها داء الشك أو ربما كانت ثقتها في نفسها أكثر من اللازم
لم تهتم يوما بمعرفة كلمة مرور هاتفه أو أي حساب من حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة به
لم تحاول ولو محاولة أن تبحث خلفه فقد كانت ثقتها في نفسها وفيه كفيلة بأن تجعلها دائما مطمئنة وما أن مسكت الهاتف بيدها المرتعشة بعد أن شحن منذ عدة أيام حتى قررت أن تدخل إلى عالمه الذي كان يعيشه بمعزل عنها
في البداية حاولت تخمين رمز المرور وضغطت تاريخ زواجهما فكانت المحاولة فاشلة
ثم ضغطت تاريخ ميلادها وتاريخ ميلاده فكانت المحاولتان فاشلتين
ثم انتبهت إلى أنها ما زالت تظن نفسها بالأهمية التي أوهمها بها وتظن أن رمز المرور هو رقم يخصها هي أو يخصهما معا...
ففكرت قليلاً ثم ضغطت اسم رماح تبعته بسنة مولده فانفتح الهاتف أمامها على صورته فتجاوزتها بعد أن ألقت على عينيه نظرة غاضبة ومنه دخلت إلى تطبيق الواتساب وبعد محاولات قليلة وجدت رقما مسجلا باسم (نسر) ففتحت الرسائل ومع فتحها لها انفتح جرح لن يندمل طوال العمر
رسائل كثيرة بتواريخ قديمة بينه وبينها
رسائل حب وغرام
رسائل أدمت قلبها
كلمات كانت تُقال لها رأتها مسطورة لغيرها
الكلمة التي كانت تقرأها كانت بمثابة طعنة
عرفت من الرسائل الكثير عن علاقتهما
الغريب أن الرسائل كلها كانت موجودة
لم يفكر أن يمسح منها شىء...
أتراه كان واثقا من عدم بحثها خلفه؟...
أم لم تكن معرفتها ذات أهمية؟؟؟
ربما كان ينوي بالفعل أن يصارحها...
أو ربما عمى الله عقله عن التفكير في مسحها لتكون دليلا أمامها في مثل هذا اليوم
كلها أفكار كانت تنهش في رأسها في وقت واحد لتجذبها في دوامة عميقة لا خروج منها
كانت تغمض عينيها تغوص في عالمها حين هزتها مريم قائلة:"أين ذهبتِ نقول لكِ هيا بنا...."
فتحت عينيها قائلة بتساؤل وبوجه متجهم :"إلى أين؟.."
قالت يسر:"ألم تسمعينا ونحن نتحدث مع يحيى ويوسف في الهاتف عن رغبتنا في الجلوس معهم على السطح؟..."
قالت عنان ببرود:"ومنذ متى نصعد إلى السطح نحن كبنات ؟ لنا سنوات لم نراه..."
قالت مريم وهي تستقيم واقفة وتجذبها من يدها :"قلنا لهم سنجلس معهم قليلا ووافقوا ..."
زفرت عنان قائلة بفتور:"لن أصعد ....كل منكما لها زوج بالأعلى ستجلس معه ..مع من سأجلس أنا وما أهمية وجودي..."
قالت يسر بصوت حنون:"حبيبتي هاهي وصال و هاجر ومودة سيصعدن فمالمشكلة أن تكوني معنا..."
وقالت مريم بتصميم :"لن أصعد حتى تأتي معنا..."
قامت معهن على مضض بعد الحاحهن فانسحبن جميعا من جلسة الكبار التي يتناقشون فيها في أحوال العمل وأحوال القرية
وأمام بنات العم كان يسبقهن زياد وجنة إلى الأعلى
وما أن صعدوا للأعلى حتى اندفع الصغار للداخل بعد أن فتحا باب السطح وجرى كل منهما نحو والدهما الذي يجلس أرضا فضمهما بقوة وقبلهما رغم أنهما لم يغيبان عنه سوى القليل
وفي هذه اللحظة على وجه التحديد شعر يحيى بنغزة اشتياق تنغز قلبه المشتاق إلى طفل من صلبه ولكن سرعان ما هدأت النغزة حين اقتربت منه جنة وجلست في حجره دون استئذان وتعلقت في رقبته فاحتضنها بقوة وقبل رأسه بحنان دافق قائلاً:"حبيبة خالو أنتِ..."
أما مريم ويسر ووصال ومودة وهاجر فدخلن خلف بعضهن مبتسمات بسعادة فهذا السطح هو موطن لعبهما حين كانوا صغارا ولكن منذ أن بنى جدهم عمران شقة معتصم وكبروا جميعا حتى أتت الأوامر أنه من العيب الصعود وهن فتيات كبار ومعتصم ليس بالصغير
وكما حدث للشباب استقبلتهم رفرفة الحمائم ونسمات الهواء المنعشة المحيطة ورائحة ماء النهر الجاري فقال يوسف :"اجلسن جميعا أرضا حتى لا يراكن أحد من المارة..."
وفي أثناء جلوسهن كان خروج معتصم من باب شقته المؤدي للسطح وهو يحمل صينية المشروبات التي أعدها لهم وكان أيضا دخول عنان التي كانت تصعد خلف البنات بتلكؤ لأنها لم تكن تريد الصعود من الأساس وما أن رأها معتصم تدخل من باب السطح حتى تسمر بصينية المشروبات وعينيه البنيتين الداكنتين تلتقيان بعينيها الزيتونيتين العاصفتين
نظر إليها وصمت فلم تعرف ماذا يريد أو ما سر نظرته المندهشة هذه فقالت باقتضاب عله يدعها تمر:"أهلا معتصم...."
"روح معتصم التي غابت عن جسده منذ أن رحلتي عن هذا البيت ولم تعد إلا بعودتك...."
هتف بها قلبه العاصف باشتياق جارف... اشتياق وظمأ لم ترويه هي بنظرة أو كلمة ولو مرة واحدة طوال عمرها...
كلما قالت له باقتضاب أو بعدم اهتمام (أهلا معتصم) رد قلبه تلقائيا ب(روح معتصم)
ولكن عينيه الأبية أبدا لا تصرحان، وشفتاه اللتان لا تنطقان بما يمس كرامة صاحبهما لا تقل دائما إلا كما قالت الآن بعدم اكتراث:"أهلا عنان.."
نهاية الفصل
يتبع بالفصل السابع في المشاركة التالية مباشرة


Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-06-21, 06:21 PM   #316

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,499
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السابع


(ومابين رجل اعتاد على الكتمان وامرأة لا تنظر حولها كثيرا يخبو وهج الحب من العيون..)
هو لا يعرف متى على وجه التحديد غٌرِست في قلبه بذرة حبها حتى نمت وتشعبت وأصبح حبها يسكن شغاف قلبه ولكنه عرف منذ زمن أن هذا الحب مستحيلا من جهتها لأنها ببساطة شديدة لا تراه... لأنها بكل أسف تحب غيره ...
وهو ببساطة أشد أبداً لن يفرض نفسه على امرأة مهما كانت حتى لو كان في بعادها عنه موته


جلس جميع أبناء العم أرضا فكانت السماء فوقهم بلا حجاب والشمس تبدأ رحلتها للرحيل فتظلل السماء بمزيج من اللون الأحمر والأصفر والبرتقالي والهواء المٌحمل برائحة مياه النهر يضرب الوجوه برقة والحمائم البيضاء لا تزال تمارس هوايتها في الطيران والتحليق حول برج الحمام والجميع يتناولون عصير العناب المثلج الذي أحضره معتصم وأبناء يوسف ومريم يجرون خلف الحمائم ويضحكون ببراءة ما أن يمسا طرف جناح واحدة
أما الكبار فكانوا يتذكرون أيام طفولتهم باشتياق وحنين وكيف كانوا جميعا لا يصعدون إلى شقق آبائهم ويقيمون اقامة كاملة في بيت أجدادهم حتى شبوا فأردف يحيى قائلاً بنظرة مٌتأملة :"تصوروا لأول مرة أفكر أن جميعنا لم يؤثر فينا أحد آباءنا في تربيتنا... جميعنا تربيتنا واحدة وكأننا اخوة لا أبناء عم ..."
أردف معتصم وهو يجاهد حتى يبعد عينيه عن عينيها الغائمتين:"لأن ببساطة أمي غالية هي من ربتنا جميعا والتربية في المراحل المبكرة من أعمارنا هي التي تؤثر فينا طوال العمر..."
قال يوسف بسخرية مٌمازحا معتصم :"أمي غالية ربتنا جميعا إلا أنت لم تربيك مثلنا كانت تدللك أكثر من الجميع لذلك أخلاقك ليست بجودة أخلاقنا..."
قهقه معتصم ضاحكا هو والجميع وخاصة مودة التي تعشق الجلوس مع أبناء عمومتها وتعشق مزاحهم معا فكانت السعادة تعلو وجهها وقال معتصم بسخرية وهو ينظر إلى يحيى:"انظر من الذي يتكلم عن الأخلاق ثم أردف بابتسامة صافية :عامة غالية فعلا كانت تدللني لتعوضني عن أي نقص لذلك أخلاقي أقل جودة من أخلاقكم جميعا..."
فقالت مودة بابتسامة مشاكسة:"لا تقل هذا يا حضرة الضابط لو ترى البنات في كليتي وهن حتى الآن يتحدثن عنك وعن طلتك يوم أوصلتني لما قلت هذا...."
ابتسم معتصم ابتسامة في ظاهرها الانبساط من اطراءها وفي باطنها المرارة وقلبه يقول (كنت فقط أحتاج إلى اعجاب واحدة.. واحدة فقط دون بنات الكون )
قال يحيى وهو ينظر إلى يسر مبتسماً:"هل تتذكرين يسر حين كنا صغارا حين كنا نلعب معا وكنتِ تأتينني خائفة من معتصم لأنه كان يتقمص دور الضابط ويرهبك ؟.."
اتسعت ابتسامتها حتى ملئت وجهها وأردفت وهي تنظر إلى معتصم :"حقا يا معتصم لما كنت تتقن الدور منذ صغرك هكذا؟..."
قال معتصم وهو يرفع حاجبا واحدا:"لا أبدا أنتِ التي كنتِ مدللة وكلما لمسك أحد شكوتي...."
رغم بركان غضبها الداخلي الذي لا يهدأ ورغم جمودها إلا أن الحديث جذبها لمرحلة تتمنى الآن فقط لو كانت توقفت عندها فأردفت عنان ببرود وهي تمط شفتيها الجميلتين:"لا معتصم لديهم حق كان لعبك عنيف حين كنا صغارا حتى أنني كرهت اللعب معك لأنك كلما لعبنا كنت تتقمص دور الضابط وتمسكني من مؤخرة قميصي كالمجرمين ولا تتركني إلا حين أصرخ بأعلى صوتي ..."
رفع إليها عينين تطلقان شررا ورفع حاجبا واحدا قائلاً بغيظ مكبوت:"كل ما في الأمر أنكِ كنتِ تميلين إلى ألعاب أخرى...ثم تمتم من بين شفتيه بصوت غير مسموع وهو يشيح بوجهه جهة يوسف :كنتِ تحبين لعبة العريس والعروس التي كان يفضلها ابن راشد..."
لم يتبين يوسف بالضبط ماغمغم به معتصم ولكنه من حركة شفتيه فهم مضمونه فلكزه بمرفقه في بطنه ...فناظره معتصم بنفس النظرة المغتاظة وقطع حوارهم رنين هاتف يحيى الذي كان يتصل به والده وما أن رد عليه حتى أردف زكريا:"انزل إلى المندرة فهناك جلسة صلح سنعقدها بين أبناء غازي وأبناء رضوان ..."


أغلق معه يحيى ورغم أنه لم يقل له أن يحضر معه يوسف أو معتصم إلا أنه قال لهما:"أبي يريدنا في المندرة هناك جلسة صلح...."
فاستقام ثلاثتهم ونظر معتصم إلى البنات الجالسات أرضا نظرة متسائلة فأردفت مريم برجاء:"انزلوا أنتم واتركونا لنا زمن نشتاق إلى الجلوس معا هنا...."
نظر إليها معتصم بتردد ثم حول نظره إلى يحيى الذي قال له:"اتركهن يجلسن وهيا نحن..."
فقال معتصم بلهجة مُحذرة:"ولكن لا تلعب احداكن في أي شىء المكان أنظمه بنفسي..."
قالت مودة بابتسامتها الحلوة :"لا تقلق ياحضرة الضابط..."
وأردف يوسف للجميع:"ولا تقفن جهة السور ابقين جالسات أرضا كما أنتن فهذا موعد عودة المزارعين من الحقول ..."
فأومأن له جميعا برؤوسهن وانصرف الشباب إلى الأسفل
***********
بعد أن أنهى حاتم مكالمته الجماعية مع أخيه وأبناء عمه أكمل ارتداء ملابسه وتأنق كعادته ووقف أمام المرآة يٌلقي نظرة مُقيمة على نفسه ،يشبه يوسف ويسر كثيرا ،ثلاثتهم ملامحهم شرقية بجدارة يشبهون صالح وعمران ولا يشبه أحدهم ليلة ذات البشرة البيضاء والجسد الذي يميل إلى الامتلاء
ورغم تشابه ملامحه مع ملامح إخوته إلا أن أفكاره مختلفة عنهم كليا ،منذ صغره وهو لايميل إلى البلدة وأجوائها ...
ربما لأنه تربى في المدينة فلم يتطبع بطباع البلدة كيوسف الذي كان يقضي وقته كله مع جده عمران وجدته غالية،،حتى تقاليدهم لم يقتنع بها...
أشياء كثيرة كان يعارضها ولم يقتنع بها عقله لذلك ما أن شب وطلبت منه جدته غاليه بصراحة أن يتزوج وصال ابنة عمه يونس حتى رفض وحين ظنت أن اعتراضه على وصال شخصيا خيرته بين أختها مودة و هاجر ابنة عمه زكريا حتى رفض باصرار فهو له مواصفات خاصة في شريكة حياته المستقبلية ورغم أن هذه المواصفات لم يجدها في فتاة حتى اليوم إلا أن هذا لا يجبره على الزواج من أي من بنات عمه لا لشىء سوى أن يحفظوا أموال العائلة من الخروج إلى غريب


خرج حاتم من بوابة البناية قاصدا سيارته وما أن انطلق بها حتى رن هاتفه فوجده مينا صديقه فرد عليه قائلاً:"انا عشر دقائق بالضبط وسأكون عندكم..."
قال له مينا وهو يتنحنح:"حاتم اعذرني أهل زوجتي أتوا دون موعد لن أستطع النزول الآن لو تنتظر ساعتين فقط ونلتقي بعدها..."
مط حاتم شفتيه قائلاً:"حسنا سألتقي بحسن وأنت ما أن تنتهي حتى تأتينا..."
غمغم مينا باحراج داراه بمزاحه:"حسن أيضا حدثني للتو سيذهب بابنته إلى الطبيب وسيتأخر أيضا ثم أردف ضاحكا:هذه ضريبة من يكن أعزبا بين أصدقاء متزوجون.."
زفر حاتم قائلاً:"أنا خرجت بالفعل من البيت وأكاد أموت جوعا لأن الجميع في البلدة اليوم ... سأذهب إلى أي مكان أتناول فيه الطعام إلى أن تقررا ستأتون أم لا ..."
أغلق مع صاحبه وهو يشعر بصحة مقولة مينا (هذه ضريبة من يكن أعزبا بين أصدقاء متزوجون...)
يشعر كثيرا بافتقاد نصف آخر مكملا له...وحين يرى أبناء يوسف يقفزون حوله يشع قلبه بالسعادة ويتمنى أن يكون له أطفالا مثلهم ويتسائل أين هي أم أطفاله الان وماذا تفعل ولما تأخر اللقاء؟
صف سيارته أمام مجموعة من المطاعم القريبة من الجامعة والمدينة الجامعية والتي يقصدها الطلبة باستمرار ونزل يبحث بعينيه بين أسماء المطاعم ليقرر أيهم سيدخله إلى أن ارتطم به جسد امرأة قصيرة وما أن رفعت وجهها إليه حتى اتسعت عينيه وعينيها و تداخلت حروف كلماتهم حين قالت هي بذهول :"حاتم!!!..."
وقال هو بدهشة:"رحاب!!!..."
رحاب صديقة يسر من أيام الدراسة ..كانت تأتي كثيرا بيتهم لزيارة يسر وكان هو بنفسه يوصل يسر إلى بيتها حين تود زيارتها... من البنات التي تستطيع أن تقول عنها أنها بنت بمائة رجل ... قوية مكافحة جدعة مثابرة حتى ملامحها لا يوجد عليها سوى الطيبة والوضوح
قال لها حاتم بابتسامة واسعة:"كيف حالك رحاب و أين أنتِ لم أراكِ منذ سنوات؟.."
قالت له بابتسامتها الحلوة:"في الدنيا المهم كيف حالك أنت ويسر كيف حالها ؟.."
"بخير والحمد لله ...."
"وما الذي أتى بك إلى هنا..."
قال مجاملا :"الصدفة السعيدة حتى أراكِ ..."
كانت بالفعل صدفة أن يتوقف أمام منطقة المطاعم هذه حيث يذهب هو دائما إلى أماكن بمستوى أعلى قليلاً
قالت له و هي تشير إلى واجهة أحد المطاعم :"هذا المطعم يخصني.."
اتسعت عينيه قائلاً بفخر:"حقا؟.. أصبح لديكِ مطعما دون أن ندري؟.."
قالت له وهي تقف أمامه مباشرة والمارة حولهما:"يسر في الفترة الأخيرة انشغلت كثيرا و أصبحت قليلة الاتصالات لذلك حتى هي لم تعلم ثم نظرت إلى المطعم قائلة:المكان نفسه كان محل الخردوات خاصة أبي رحمه الله وحين توفى فكرت أنا ومجموعة من أصدقائي أن نتشارك ونحوله إلى مطعم وها نحن نعمل منذ فترة ولله الحمد المكان يثبت نفسه يوما بعد يوم...."
قال لها حاتم وهو يحترم فيها كفاحها واصرارها:"أنا فخور جدا بما فعلتيه رحاب وللمصادفة أنا كنت أبحث عن مطعم لأتناول طعامي.."
أضاء وجهها وقالت له وهي تبسط ذراعها أمامه :"يشرفني وجودك حاتم تفضل..."
دخل معها إلى المطعم الذي لم تكن مساحته بالكبيرة ولكنه كان أنيقا ومٌصمما بأقل الامكانيات ولم يجد في المطعم سوى شاب واحد يجلس خلف مكتب صغير لدفع الحساب ألقى عليه حاتم السلام ثم أشارت له إلى منضدة صغيرة بجوار الواجهة الزجاجية المطلة على الشارع الواسع الذي يضج بالبشر وقالت له بابتسامة حلوة:"نحن هنا لا نسير كباقي المطاعم بمعنى أن لدينا كل يوم قائمة طعام غير اليوم السابق ..."
ضيق عينيه قائلاً:"بمعنى أنني لن أختار من قائمة طعام ما أريده؟...."
قالت له ضاحكة:"ستختار ولكن من بين عدة أصناف هي التي طهوناها اليوم وفي الغد ستجد أصنافا أخرى وهكذا...."
قال لها مُسلِما وقد بدأ الجوع يقرص بطنه:"رحاب أنا أتضور جوعا ما رأيك لو تأتيني من كل الأصناف الموجودة لديكم اليوم؟....."
قالت له بابتسامتها الحلوة:"حسنا أنت ضيفي اليوم وسأجعلهم يضعون لك من كل الأصناف...."
تركته واتجهت إلى المطبخ وبقى هو ينظر إلى الشارع أمامه تارة ويتصفح مواقع التواصل الاجتماعي على هاتفه تارة أخرى وكان المطعم خاليا إلا منه


بعد قليل سمع صوت قرع كعب حذاء عالي و خطوات تقترب من خلفه... وسمع صوتا انثويا يعلو بعبارة ترحيب ،رفع وجهه ليرد التحية وما أن وقعت عينيه في عينيها حتى تجمدت نظرته لثوانٍ ...
لم يكن يعرفها... لم يكن وجهها من ضمن الوجوه التي رأها من قبل...
كانت ملامحها وهيئتها غير مألوفة لعينيه ولكنها للعجب مألوفة للقلب ...
هناك ملامح نراها عادية وهناك ملامح نراها مألوفة وهناك ملامح نراها منفرة وأخرى نراها محببة فلا تستطع رفع وجهك عنها وهذا ما حدث معه ما أن وقعت عينيه على ملامحها الجميلة وتدقيقه هذا أصابها بالارتباك فتنحنحت قائلة بعد فترة صمت وهي تضع الأطباق أمامه:"تفضل...."
تنحنح حاتم وغمغم قائلاً وهو يشعر أن جسده تعرق أكثر من اللازم:"هل أنتِ تعملين مع رحاب هنا؟...."
قالت له وهي لا تزال تضع الأطباق:"نعم...."
وبعد أن أنهت عملها احتضنت الصينية بين ذراعيها وأردفت:"إن احتجت أي شىء آخر أخبرني .."
وما أن همت بالاستدارة عنه حتى أردف بسرعة وهو يشير إلى أحد الاطباق:"ما هذا الصنف لا أعرفه...."
كاذب.....
كان يعرف ولكنها كانت محاولة منه للاطالة معها في الكلام وتأمل ملامح وجهها الملائكية التي لم يرى مثلها من قبل...
قالت له بابتسامة صغيرة وهي تشير إلى الطبق :" لازانيا ثم أشارت إلى باقي الأطباق قائلة وهذا ورق عنب وستيك مشوي.....
لم يكن ينظر إلى الأطباق التي تشير إليها بل كان ينظر إلى وجهها الصبوح إلى أن عادت رحاب إليه مرة أخرى قائلة له وهي تقف بجوار صديقتها:" هذه زهراء صديقتي وهي التي تقوم بطهو كل هذه الأصناف لأنها ماهرة جدا كما سترى وأنا فقط أساعدها..."

قال حاتم وهو يشعر أن جوعه تضاعف :"أتذوق أولا ثم أحكم .."

ابتسمت كلتاهما له ثم استأذنتا ليتركا له بعض الخصوصية



وفي المطبخ قالت زهراء بابتسامة يبدو بها الاعجاب :"شقيق صديقتك هذا يذكرني بنجوم السينما يلمع من كل الجهات ...ماشاء الله لا توجد به غلطة...."

ابتسمت رحاب قائلة بمزاح:"هل لاحظتِ كل هذا من الثواني القليلة التي وضعتي فيها الطلبات له؟.."

ابتسمت زهراء وهي تجلس أمام المنضدة الموضوعة في وسط المطبخ وأردفت بابتسامة عذبة:"وهل يحتاج الأمر لأكثر من ثواني لتكوني انطباع مبدأي عن هيئة شخص؟..."

قهقهت رحاب ضاحكة وأردفت وهي تجلس بجوار صاحبتها :"انطباعك صحيح هو طوال عمره هكذا وفي المقابل هو من نوعية الرجل الثقيل الذي لايلتفت لأي فتاة ثم تمتمت وهي تميل نحوها:سمعت من يسر أخته الكثير من مغامراته..."

هزت زهراء رأسها ولم ترد وشردت بعينيها بعيدا عن عيني صديقتها



بعد فترة عادت زهراء إليه لتطمئن إن كان ينقصه شىء فأردفت بابتسامة أنيقة :"هل تحتاج إلى أي شىء؟..."

رفع وجهه يتأمل ملامحها قائلا بهدوء لا يشي بما داخله:" اشكرك...."

"هل أعجبك الطعام؟..."

قالتها بتساؤل فأخفض بصره للأطباق الفارغة جميعا أمامه قائلاً بابتسامة جذابة:" ألا يجيب هذا المنظر عن السؤال؟"

وضعت أناملها فوق فمها كاتمة ضحكة كانت تريد أن تشق طريقها على شفتيها وأردفت بتحفظ:" بالهناء على قلبك...."

ابتسم وهو لا يزال يتأمل ملامحها الجميلة التي لا تشبه أي ملامح لأي امرأة رأها من قبل ،كان جمالها من نوع خاص ملامحها هادئة وفي نفس الوقت يرى بها جموحا وقوة ،عيناها اللتان ينعكس عليهما شعاع شمس المغيب تضويان بلون بني فاتح ....

ونظرة عينيها رغم تحفظها إلا أنها نظرة نفاذة شعر أنها اخترقته من الداخل....

من النساء اللاتي تترك أثرا وانطباعا بداخلك من الوهلة الأولى وتشعر أنها حركت بداخلك شىء...

حين وجدته ينظر لها بلا هدف بدأت في جمع الأطباق الفارغة من أمامه بينما استمر هو في نظراته المستكشفة لها بلا خجل

وما أن انتهت من جمع الأطباق وانصرفت من أمامه حتى أتت رحاب وجلست على المقعد المقابل له بعد أن وضعت كوبا من الشاي أمامه قائلة :"هل أعجبك الطعام عندنا؟..."



"من هذه ؟ "

قالها حاتم متجاهلا سؤالها وهو ينظر في أثر زهراء التي اختفت داخل المطبخ ولم يخفى على رحاب نظرته هذه مع نبرة الفضول في صوته فأردفت برزانة:" هذه زهراء صديقتي وشريكتي في هذا المشروع هي و محمد الذي يجلس على ماكينة الكاشير... ثم رفعت حاجبا واحدا قائلة بنبرة خاصة :وهي ليست كأي فتاة عرفتها أنت من قبل يا حاتم...."

رفع حاجبيه قائلا باستنكار:" ماذا تقصدين يا رحاب ؟..."

قالت له بضحكة عفوية :"بالتأكيد لن أنسى مغامراتك التي عشت سنوات طويلة أسمع عنها من يسر ورأيت بعضها بعيني..."

ابتسم ابتسامة جذابة وأردف قائلاً:" لا تقلقي هداني الله كثيراً...."

"الحمد لله"

قالتها رحاب وهي تهم بالقيام ثم أردفت بمودة:" أنرتنا اليوم يا حاتم وأتمنى أن تكرر الزيارة وهذه الوجبة هدية مني حتى تعود إلينا مرة أخرى وترشح مطعمنا لزملاءك"

غمغم حاتم بصوت منخفض:" لا من هذه الجهة اطمئني سأكون لاجئا عندكم...."

وبعد أن شرب الشاي وجلس قليلا وقد بدأ المكان يدخله آخرون حتى قرر الرحيل بعد أن دفع حساب طعامه كاملا شاكرا دعوة رحاب بمنتهى التهذيب

خارج المطعم وقف قليلا أمام سيارته لا يعرف لماذا ...

وكان الليل قد حل وألقى بظلاله حين وجد زهراء تخرج من المطعم وما أن رأته أمامها حتى أخفضت عينيها أرضا وهي تمر من جواره ورغم بساطة ملابسها إلا أنها كان بها سحر غريب وأناقة تشبه أناقة ملابس نساء القرن الماضي فابتسم هو ابتسامة تلقائية قائلا ما أن مرت بجواره:" هل انتهى دوامك ؟"

توقفت أمامه ورفعت عينيها اليه قائلة :"نعم أنا لا أتأخر في المطعم أكثر من ذلك"

قال لها وهو ينظر حوله إلى الشارع الذي سكنت الحركة فيه كثيرا :"أستطيع أن أقلك في طريقى أفضل من أن تمشي بمفردك في ظلام الليل "

العينين الساكنتين تحولتا إلى كتلتين من جليد واليدين المتوترتين انعقدتا في عقدة أعلى صدرها وزمت شفتيها بصرامة فعرف أنه تجاوز فقالت هي بنظرة نارية اخترقته:" أنا لا أركب سيارات أحد ولا أسير في ظلام الليل وحدي أنا يومياً إما أخي وإما أبي أحدهما يمر علي ليقلني للمنزل...."

قال لها ببراءة مصطنعة:" أنا لم أقصد أي شىء سوى المساعدة..."

قالت له بصرامة:" ليست كل النساء تحتاج إلى المساعدة أو تقبلها من غريب.."

تنحنح قائلا وهو يحاول أن يلطف الأجواء معها:" أنتِ لا تتفاهمين أبدا يا زهراء حسنا اعتذر ثم أردف وهو ينظر حوله يريد أن يتحدث في أي شىء: إذن لك أخ كبير أم صغير؟.."

قالت ببرود:" كبير... لي أخ كبير ولي أخت تصغرني..."

قال لها بابتسامة دافئة:" وأنا أيضا لي أخ وأخت ثم أردف وهو لا يستطيع منع عبثه بالكلمات عنها :و أختك تشبهك هكذا ؟..."

قالت له وهي تضيق عينيها بعدم فهم:" نعم لماذا؟..."

تمتم بصوت منخفض ولكنه مسموع:"ما شاء الله..."

اتسعت عينيها وقالت له بلهجة محذرة :"ثوانٍ معدودة ويكون أخي أمامي فأنا أرى أن تنصرف أفضل..."



عرف حاتم أنه تمادى وأن عليه التوقف عند هذا الحد فأردف قائلاً بجدية حقيقية هذه المرة:" حسنا زهراء لم أرد فقط لكِ أن تقفي وحدك ولكن مادام اقترب أتركك في رعاية الله.."

ولم ينتظر منها ردا واستقل سيارته وانطلق بها

أما هي فما أن انطلق بسيارته حتى ابتسم ثغرها الجميل أخيرا وهي تتابعه بعينيها الضاحكتين

تعترف له بخفة الدم ووسامة الشكل

يبدو أمامها من الرجال الذين يطلقون عليهم أبناء الناس من ملابسه الأنيقة الغالية و نظارته الشمسية التي تبدو من النوع الثمين مرورا بكل تفاصيله الصغيرة التي لاحظتها ... حذاءه اللامع، شعره المصفف بعناية، رائحة عطره التي تعترف أنها لم تشم في حياتها مثلها...

أغمضت عينيها قليلا وهي تستنشق رائحة عطره التي لا تزال تعبأ المكان من حولها وجابت بعينيها حولها وهي تعترف لنفسها أنها منذ زمن لم ترى رجل من هذا الطراز العالي .... وعلى ثقة انها لن ترى فمثله قليلون جدا أو ربما منعدمون

**********

يمر العمر على بعضنا دون أن يخفق قلبه ولو لمرة

وقليلون من تخفق قلوبهم في نفس اللحظة لبعضهما البعض

ولكن هل خفقات القلب هي الضمانة التي تجعلنا نجزم أن هذا هو الحب الحقيقي في حياتنا؟؟؟

وإن كان حقا هو حبا حقيقيا فهل هي كفيلة بأن تجعله ينمو ويزهر أم أن للقدر أحيانا كلمة أخرى ؟؟



قاد حاتم سيارته واتجه مباشرة للبلدة فأصدقاءه غالبا انشغل كل منهما بما لديه ولا يعرف لماذا شعر بالحاجة للجلوس مع أبناء عمه وخاصة يحيى فرغم أنهم جميعا متقاربون إلا أن الأقرب له هو يحيى .... فيحيى له كيوسف لمعتصم

ورغم تركيزه الظاهري في الطريق أمامه إلا أن صورة زهراء لم تفارق ذهنه كما لم تفارق الابتسامة شفتيه وهو يتذكر رقتها وشراستها في آن واحد

وصل حاتم إلى البلدة ووجد باب المندرة مفتوحا من الخارج فدلف ليجد جمعا كبيرا من أهل البلدة وبعد أن ألقى السلام عليهم وصافح الجميع جلس بجوار يحيى الذي كان يجلس بدوره بجوار يوسف ومعتصم على أريكة واحدة فكان مظهرهم يشرح القلب وهم مصطفون بجوار بعضهم هكذا
ناظره يحيى بنظرة متسائلة تعني (ألم تقل لن تأتي؟ )
فابتسم له بسماجة وهو يرفع له حاجبيه معا في حركة طفولية
فابتسم يحيى ثم عاد للمشاركة في جلسة الصلح بين العائلتين
أما على سطح المنزل فكانت البنات لا يزلن يجلسن بعد أن حل الليل وعم الظلام إلا من اضاءات خافتة في الأركان ولكن جلوسهن معا والهواء الذي ينعشهن جميعا جعلهن يعدن بذكريات طفولتهم وبالأخص مريم ويسر ومودة الصغيرة التي تخطو للتو خطواتها الأولى نحو المستقبل أما هاجر فكانت تنظر إلى مودة التي تتحدث والإبتسامة تملأ وجهها والأجمل فيها ثقتها بنفسها ،ليتها هي تملك نصف ثقة مودة بنفسها التي اكتسبتها من تربية والدها الحانية ومن ثقتها في إمكانياتها ومن الكلية المرموقة التي دخلتها بينما هي تجلس في المنزل بعد رفض والدها القاطع لأن تكمل تعليمها
أما عنان واختها وصال فكانت كل منهما بها مايكفيها ويغنيها عن المزاح واجترار ذكريات قديمة ... ولكن عنان كانت تنظر إلى المكان حولها بافتتان فالسطح حاليا ليس كالسابق بأي شكل من الأشكال
بعد أن انفضت الجلسة في المندرة وخلت إلا من ساكني البيت حتى مال صالح على ولديه قائلا لهما :"لدينا أعمال هامة في الصباح سنغادر البلدة بعد الفجر مباشرة باذن الله.."
قال له يوسف :"حسنا أبي ..."
بينما أومأ له حاتم برأسه وهو لا يزال مأخوذا باللقاء العابر الذي كان منذ ساعات


بعد أن انسحب الآباء واحدا تلو الآخر بقى الأربعة في المندرة بعد أن أغلقوا الأبواب و الانوار العالية لتبقى الاضاءات الخافتة حولهم واستلقى كل منهم على أريكة منفصلة ينظرون إلى السماء الداكنة فوقهم ففتح حاتم هاتفه على أغنية قديمة هادئة فقال له يحيى الذي يرقد على الأريكة المقابلة له :"خير إن شاء الله ما سر هذا الهدوء والسكون اليوم أين أغانيك الصاخبة ؟.."
مط حاتم شفتيه قائلا :"تغيير ليس أكثر ..."
فقال يوسف وهو ينظر إلى عينيه الشاردتين بشك:" لولا أنك ليس لك في الحب وخلافه لقلت انك تحب.."
قال له حاتم ساخرا وملامحهما تتشابه جدا في هذه اللحظة:" ومن أدراك أنني ليس لي في الحب وخلافه؟..."
قهقه يوسف ضاحكا وأردف:" من تاريخك المشرف الذي أحفظه عن ظهر قلب "
فرد حاتم على أخيه متهكما :"وهل اقتصر الحب وخلافه عليك وحدك ؟ ثم أردف وهو يمط شفتيه :عامة اهدأوا جميعا لا حب ..... ولا خلافه..."
"كاااااذب..."
قالها معتصم بهدوء شديد وهو يتسطح على الأريكة ويمدد ساقيه ويرفع وجهه للسماء الداكنة
فقهقه يحيى ضاحكا بصوتِ عالٍ وقال :"جاءك من لن تستطع أن تكذب أمامه أبدا"
فقال حاتم بامتعاض:" لا تمارس علي مهام وظيفتك يا معتصم بالله عليك..."
ابتسم معتصم قائلا بخبث :"لا أمارس عليك مهام وظيفتي ولكنك كاذب وأنت تعلم أنك كاذب ..."
انتفض حاتم جالسا وأردف بغيظ :"نعم كاذب ولكن من أدرك أنت ؟..."
قهقوا جميعا ضاحكين ضحكات عالية أثارت فضول البنات فوقفن يستندن على سور السطح دون أن ينتبه لهن أحد فظلام القرية في المساء يكون دامسا إلى جانب انخفاض الإضاءة على السطح وفي المندرة ومع سكون القرية حولهم كان صوتهم مسموعا للبنات بالأعلى
فقال يحيى لحاتم :"ها أنت قد اعترفت قبل أول قلم يا حتوم أكمل اعترافك حبيبي ألم نعترف ونقر جميعا من قبل...."
قال حاتم بغيظ وهو يناظر معتصم الذي كشفه دون جهد:" إلا هو ... الوحيد الذي لم يقر من قبل هو معتصم وأنا أثق أنه كان يحب في يوم من الأيام ..."
غمغمت عنان بصوت منخفض مستنكر :"وهل معتصم يعرف الحب ؟.."
قالت مودة باستنكار أشد:" ولما لا؟ ثم قالت بابتسامة حلوة: معتصم كقطعة سكر"
قالت وصال وهي تنظر إليها نظرة زاجرة:" احترمي نفسك ماذا إن سمعك أحد ماذا سيقول ..."
فقالت مودة وهي تمط شفتيها باستياء :"ماذا سيقول معتصم كأخي الكبير... أخي الذي لم تنجبه أمي" ...
أما في الأسفل فقال يوسف لحاتم بتهكم :"اجلس حبيبي واحك لنا بهدوء كل شىء... أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة..."
حك حاتم شعره بأنامله وأردف وقد علم أنه وقع بين فكي الكماشة:"كل ما في الأمر رأيت فتاة غير تقليدية صدفة عابرة وعلى الأرجح لن تتكرر..."
قال يحيى بتساؤل:"ولما لا تتكرر ما دامت أعجبتك إلى هذه الدرجة؟.."
قال حاتم بشرود:"لا تشبهنا ....أشعر أنها من عالم أخر غير عالمنا"
أخذ كل من يوسف ويحيى يحاولان أخذ معلومات أكثر عن فتاته هذه أما معتصم فكان في عالم آخر وهو يستلقي على ظهره وينظر للأعلى في ظلام الليل إلى ظلها الذي ميزه عن باقي الظلال بلا أدنى مجهود
***********



التعديل الأخير تم بواسطة Heba aly g ; 21-06-21 الساعة 06:37 PM
Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-06-21, 06:23 PM   #317

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,499
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

يمشي على قدميه لكنه لا يشعر بهما كأنه مٌحلقا في السماء ... روحه خفيفة وصوت القرأن الذي يخرج من شغاف قلب قارئه الذي لايراه لكنه يسمعه بكل حواسه يجعله سارحا في ملكوت الله وهو يخطو بقدميه على السجاد الأحمر لهذا المسجد العتيق ورائحة نسيم الصباح تخترق صدره فتنعشه و....
"الله أكبر الله أكبر... الله أكبر الله أكبر ... أشهد أن لا إله إلا الله"
فتح معتصم عينيه فجأة وصوت آذان الفجر يخترق أذنيه ليجد نفسه في شقته على فراشه فيوقن أن كل ما كان حوله ما هو إلا حٌلم من أحلامه ...
تنهد وهو يردد خلف المؤذن وما زال جسده مغمورا بهالة النور التي كانت تحيطه في حلمه وتسائل لوهلة هل ما يراه على فترات متقاربة هذا يسمى أحلام أم لها تسمية أخرى ؟...
وما مغزى هذه الأحلام؟...
لم يجد اجابة لأسئلته كالعادة فنفض عنه الغطاء ليصلي الفجر ويستعد للذهاب إلى وجهته


بعد صلاة الفجر مباشرة أخذ صالح زوجته وابنيه وزوجة ابنه والصغيران وانطلق إلى بيته فلديه أعمال كثيرة اليوم هو وولديه
بعد أن رحلوا استأذنت يسر من جدتها وصعدت إلى شقتها أما عنان التي كانت تصلي الفجر مع جدتها وعرفت منها قبلا أن اليوم هو يوم زيارتها لجدها عمران حتى ظلت معها لحاجة في نفسها
نزل معتصم من شقته وهو يرتدي جلبابا أنيقا مهندما بلون أسود وفوقه عباءة مفتوحة من الأمام بالكامل تستقر فوق كتفيه بنفس لون جلبابه فوجد عنان تجلس مع غالية فأغمض عينيه لثانية ثم فتحهما مرة أخرى وقد ارتدى قناع البرود واكتست عينيه بنظرة لا تعني أي شىء رغم أنها تعني كل شىء
قال لغالية بصوت هادىء خشن:"هيا أمي حتى نأتي قبل شروق الشمس...."
قالت غالية وهي تشير إلى عنان:"عنان ستأتي معنا..."
مط شفتيه قائلاً بتساؤل:"لماذا؟.."
رفعت عنان وجهها إليه قائلة ببرودها الذي اكتسبته في الفترة الماضية لمداراة شرخ روحها وجرح قلبها:"أريد زيارة جدي.... أم أن الزيارة حكرا عليك فقط ..."
ضيق عينيه وقد علم من نظرة عينيها مبتغاها من الزيارة وأردف ببرود يفوق برودها:"لا إذا كان على زيارة جدك فلن يمنعك أحد المهم استأذنتي خالي يونس؟.."
"بالطبع..."
قالتها بملل فتوجه هو بنظره إلى غالية قائلاً:"هيا أمي..."
**********
"السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون.."
ما أن دخل ثلاثتهم إلى الأرض الفضاء الواسعة التي تضم قبور من رحلوا حتى ألقوا السلام بوجل ورهبة ووقفوا على قبر فقيدهم يقرأون له الفاتحة ويدعون له بالرحمة ..لم تنقطع غالية عن زيارة زوجها طوال السنوات الماضية ،كانت تذهب إليه كل فترة تزوره وتقص عليه ما يحدث مع أبناءهما وكان معتصم هو رفيقها الدائم في هذه الزيارات


كانت حدة ظلام الليل قد كسرها قبس من نور الصباح بدأ يلون سواد الليل باللون الأبيض ورويدا رويدا بدأ الظلام ينقشع لتصبح السماء في بياض الثلج وما زالت الألسن تلهج بالدعاء لمن رحل بجسده و روحه باقية إلى أن قالت عنان وهي تنظر إلى نقطة خلفها:"ماما أنا هناك لن أبتعد...."
وكان هذا الهناك هو قبر رماح الذي يبعد عدة خطوات عن قبر جدها عمران
لم تكن غالية غافلة عن انفعالات ابن قلبها حتى مع نظرته الجليدية وتخشب جسده ....و إن لم تشعر به هي فمن سيشعر؟...
قالت له وهي تنظر خلفها إلى عنان التي تقف أمام قبر زوجها الراحل:"ستأخذ وقتها في الحزن ولن يستمر طويلا فلا فرح يدوم ولا حزن يدوم..."
نظر أرضا إلى الرمال من تحت قدميه قائلاً بقنوط:"حتى إن زال الحزن فقد تهشمت روحها فهل بعد أن يتفتت المصباح إلى شظايا تستطيعين جمعه أمي؟..."
شعرت بالحزن يتسلل مع كلماته فأردفت :"لا أحد يعلم ما يخفيه لنا الغد يا ولدي...."
أومأ برأسه بصمت ثم عاد لينظر حوله إلى الأرض الواسعة ونسمات هواء الصباح تضرب في وجهه ورائحة الراحة والسكينة تحاوطه فأردف قائلاً لغالية وقد شعر بأن جزأ مما يحتجزه في قلبه يريد أن يبوح به فأردف قائلاً:"رغم اشتياقي إلى رؤية أبي إلا أنني كنت أتمنى في بعض الأحيان أن يكون قد مات وله قبر أعرفه وقتها كنت سأرتاح أكثر ...."
تنهدت غالية قائلة:"الله وحده يا ولدي من يعلم إن كان حي أم من سكان القبور..."
مط شفتيه قائلاً:"حتى سكان القبور أحسدهم أحيانا لأن مصيرهم معلوم نترحم عليهم ونحن موقنين أن رحماتنا ستصلهم أما من لا نعرف له وجهة أو عنوان فهذا ما يجعل العقول تشت من التفكير أمي..."
"هونها على نفسك حبيبي ..."
قالتها بشفقة وهي تربت على كتفه


"لماذا؟..."
قالتها عنان بصوت هامس حانق وهي تجز على أسنانها
فكان الصمت هو الرد على سؤالها فأردفت وهي تقف بشموخ وتنظر للأسفل :"لا أسألك لماذا تزوجت لأني أعرف السبب ولكني أسألك لماذا أخفيت عني؟؟؟.لماذا خدعتني وقلت أنك لن تفعلها أبدا؟... لماذا قلت لي مرارا أنك تحبني وتكتفي بي عن نساء العالمين؟.."
كتمت صرخة كانت تريد أن تشق طريقها فتنفجر في قلب الصحراء الشاسعة بدوي عالي وخانتها عينيها وسال منهما خيطين من الدموع وأردفت:"تعرف مالذي يؤثر بي؟.. إنني عندما رأيت ابنك حن له قلبي ...ثم ضربت على قلبها قائلة بقهر:لم أستطع كرهه بعد مافعلته بي...أنا لم أستطع أما أنت فاستطعت خداعي لسنوات ولا أعرف هل سأتجاوز ما فعلته بي أم لا ولا أعرف هل سأستطع في يوم من الأيام أن أدعو لك بالرحمة من قلبي أم لا...."
شعرت بالحقد عليه أكثر و الغيظ أنه ليس أمامها لتنهش وجهه بأظافرها عل قلبها يرتاح فقالت بغل وحنق:"لا دخل لي بك بعد الآن فهذه هي أخر زيارة لك ،جئت فقط لأخبرك أن كذبتك كُشِفت وأنني عرفت كل شىء وأن الولد جاءك من غيري ورحلت أنت... ثم أردفت بمرارة: أي حظ هذا الذي يجعل الولد يأتيك بعد رحيلك؟؟؟ضربت الأرض بحذائها وقالت بصوتِ عالٍ خرج دون ارادتها:"ليس لي دخل بك بعد الآن ولن أشغل نفسي إن كانت تغمرك رحمة ربي أم تكن في قاع الجحيم......"


حين على صوتها وحاوطها الغبار الذي أثارته بقدميها فصنع حولها دائرة أشبه بفجوة تكاد أن تبتلعها هرع إليها مُعتصم دون تفكير وكان بينه وبينها خطوات ليست بالقليلة لا يعرف كيف قطعهم في خطوات معدودة وحين وجد وجهها مخضبا باللون الأحمر وعينيها متقدتين قال لها وهو يبسط كفه أمامها:"هيا عنان سنرحل ..."
رفعت إليه عينيها الداميتين المتوهجتين بالغضب وهي تشعر بالخجل أن رأها أحد بهذا الحال فزمت شفتيها وحاولت التماسك وسارت معه خطوتين ثم نظرت خلفها نظرة واحدة
نظرة حملت من الغضب والكره واللوم الكثير وما أن وصلت حيث تجلس غالية حتى نزع معتصم عبائته عن كتفه وهو ينظر إلى عباءتها السوداء التي تغبرت وجسدها الذي ينتفض وقال وهو يخفض عينيه عن مستوى عينيها :"ضعي هذه عليكِ يبدو أنكِ تشعرين بالبرد..."
كانت بالفعل تشعر بجسدها كله ينتفض لذلك لم تجادل وأخذتها منه ودثرت نفسها بها رغم أن الجو لم يكن باردا ولكن البرودة كانت تنبعث من داخل قلبها


بعد قليل كان معتصم يقود سيارته متجها إلي البيت وفي المقعد الخلفي كانت عنان تستند برأسها على كتف غالية تستمد من قربها دفئا تفتقده روحه ورغما عنها يسترجع عقلها كل كلمة قرأتها على هاتفه لنسرين وكل رسالة صوتية سمعته فيها يهمس بكلمات حميمة مع امرأة أخرى غيرها فتشتعل نيران قلبها من جديد
*********
في مصنع آل عمران لتصنيع المواد الغذائية
وقف يوسف مع سندس يشرح لها بحماس كيفية العمل وكفاءة المعدات في المصنع وخطوات التصنيع وهي تسير بجواره تتأمل ما حولها باعجاب فهي المرة الاولى التي تتعامل فيها عن قرب مع أحد المصانع التي يتعاقدون معها
دلف حاتم فوجد يوسف يسير بين المعدات برفقة سندس فاقترب منهما ووقف بجوار يوسف قائلاً:"أهلا بكِ أنرتِ المصنع.."
ابتسمت له ابتسامة أنيقة قائلة:"أشكرك..."
فمال على أذن أخيه قائلاً بصوت هامس:"مالذي تفعله هنا أليس مكانك في الشركة لتوقيع العقود ؟..."
ابتسم يوسف ابتسامة أنيقة في وجهها دون أن ينظر إلى أخيه وأردف بهمس هو الآخر:"كانت تريد رؤية خطوات التصنيع فهل أقول لها لا؟..."
كانت هي قد ابتعدت قليلا ما أن رأتهما يتهامسان منشغلة بالنظر إلى العمال وهم يعملون حولها
فأردف حاتم بسماجة:"وهل مريم تعرف بخطوات التصنيع هذه؟.."
قال يوسف باستخفاف:"دعك من مريم الآن وركز مع فتاة المطعم خاصتك..."
قال حاتم بجدية :"كفاك سخافة لم تكن كلمة قلتها..."
رفع يوسف حاجبا واحدا وأردف:"أمزح معك منذ متى تأخذ الأمور بحساسية هكذا؟..."
تنحنح حاتم قائلاً:"لا عليك انسى الأمر ..ثم أردف بلهجة محذرة وهو يشير إلى سندس:ولكن احترس لأنني أرى في عينيها شىء غير مريح .... ضيق عينيه قائلاً:هل تعرف أنك متزوج؟.."
قال يوسف بلهجته المستخفة :"من أول مرة رأيتها فيها رأيت في عينيها شىء غير مريح؟..ثم قال وهو يغمز له بعينه:لم تأتي مناسبة أن أخبرها بأنني متزوجا ..."
ثم تركه واتجه نحوها أما حاتم فلم يشعر بالارتياح لا لسندس ولا لأخيه فتركهما حتى يكمل عمله وفجأة شعر بقرصة الجوع وشعر برائحة اللازانيا تفوح من حوله رغم أن المصنع للخضروات والفاكهة فقط
**********
بعد أن انتهى الصغيران من تدريبهما في النادي أخذتهما مريم إلى منطقة الألعاب فوضع زياد يده الصغيرة على بطنه قائلاً ببؤس:"لقد جعت ماما..."
قالت جنة :"وأنا أيضا أيضا...."
رفعت مريم حاجبيها قائلة:"ألم تتناولا الطعام في البيت؟.."
قال لها زياد بضجر:"تناولته وجعت مرة أخرى..."
فرددت جنة قائلة:"وأنا أيضا..."
ابتسمت مريم وقالت بحنان :"حسنا اجلسا هنا وأنا سأحضر لكما أي شىء من الكافيتيريا..."
جلس الصغيران وأخذت هي حقيبتها فأردفت جنة:"ألن يأتي بابا للجلوس معنا قبل أن نعود إلى البيت؟..."
قالت مريم باستسلام تام :"لا حبيبتي بابا لديه عمل هام وغير مٌتفرغ اليوم..."
"أبي ليس متفرغا كل يوم...."
قالها زياد ببراءة وبساطة فتنهدت مريم ثم تركتهما واتجت نحو الكافيتيريا التي لا تبعد عن منطقة الألعاب سوى بخطوات معدودة
وقفت تنظر إلى قائمة الطعام وطلبت سادويتشات سريعة فوقف الشاب يجهزهم لها بسرعة وحرفية في الوقت الذي سمعت فيه صوتاً مألوفاً يقول :"أريد أن أسخن هذا الطبق يا سعيد...."
رفعت وجهها نحو مصدر الصوت فوجدته كابتن شادي يدخل من باب الكافيتيريا بينما تقف هي في الخارج فالتقت عينيه بعينيها وابتسم لها بينما أردف سعيد :"تفضل يا كابتن ...."
ولم تمر سوى دقيقة كانت استلمت فيها طعام الصغار وكان شادي قد سخن طبق البسبوسة خاصته وما أن سارت خطوتين حتى كان خلفها ورائحة البسبوسة بعد أن تم تسخينها كانت نفاذة ومغرية للغاية فأردف هو ببساطة :"تفضلي معي ..."
نظرت إليه وهو يسير بمحاذاتها وأردفت:"أشكرك...."
قال لها بجدية:"صدقيني لا أعزم عليكِ لابد أن تتذوقي بسبوسة أمي..."
ضيقت عينيها وأردفت:"وما الذي أتى ببسبوسة السيدة الوالدة هنا؟..."
قهقه ضاحكا وملأت الضحكة وجهه وأردف وهو يتطلع باعجاب في ملامح وجهها الحلوة :"لا تسخري مني ولكن أمي من النوع الذي توقف بها الزمن معي عند العاشرة ولا زالت حتى الآن تضع لي الطعام في حقيبتي والحقيقة أنني لم أعد اعترف بطعام سوى طعامها..."
قالت له وقد وصلت بالفعل إلى منضدة أبناءها:"بارك الله لك في عمرها..."
أخذ منها الصغار الطعام وبدأ كل منهما في تناوله وشادي لايزال واقفا يعرض عليها أن تتذوق وهي ترفض بأدب إلى أن يأس فقال لها :"حسنا ربما لا تحبينها ثم أردف للصغار بلهجة حماسية:تناولوا طعامكما جيدا أريدكما أقوياء دائما..."
قال زياد وفمه مملؤ بالطعام:"حسنا كابتن...."
استأذن منها شادي بابتسامة حلوة وجلس على منضدته التي كانت قريبة منهم أما هي فأعطته ظهرها وابتسمت ابتسامة صغيرة فهو لطيف في كلامه وابتسامته دائما على وجهه ربما لأنه لا يزال شابا ولا يحمل للدنيا هما ورغم أنها ليس لها في أي طرق ملتوية إلا أن ابتسامته مع نظرته المعجبة دائما تجعلها تشعر بأنها لا زالت أنثى ...رغما عنها مع مسئولية الأولاد التي تحملها وحدها ومع انشغال يوسف المستمر هناك جزء منها يتوق للشعور بأنها أنثى...


بعد ساعتين وبعد أن أكل الصغار ولعبا رن هاتفها فالتقطته بضيق وردت على يوسف قائلة بحنق:"أين أنت حتى الآن ولما لا ترد وتغلق الخط كلما اتصلت؟.."
قال لها وهو ينهي بعض الأوراق بعد أن عاد إلى الشركة :"كنت مشغولا في المصنع مريم ماذا حدث؟.."
قالت له بفتور:"لم يحدث شىء كيف سنعود إلى البيت؟.."
قال لها :"حاتم سيمر عليكم بعد قليل.."
"وأنت متى ستأتي؟.."
"حين أنهى ما في يدي...."
"حسنا سلام...ثم استطردت بسرعة:يوسف "
"نعم..."
"أشتهي البسبوسة أحضرها لي عند عودتك..."
قال لها بسرعة:"حسنا سلام...."


في المساء
عاد يوسف من العمل وجلس بالأسفل لتناول طعامه بعد أن أعدته له مريم وبعد تناول الطعام شعر بالثقل فقال لوالده الذي كان يجلس أمام التلفاز يتابع أهم الأخبار:"تصبح على خير أبي.."
قال له صالح :"وأنت بخير حبيبي...."
قال يوسف للصغار :"هيا...."
فقال زياد وهو يتمسك بجده ويحتضنه:"أريد أن أبيت مع جدي...."
وقالت جنة وهي تنام على كتف جدتها:"وأنا أيضا..."
فقالت ليلة لولدها:"اتركهما يوسف واصعد أنت وزوجتك..."
قال يوسف لمريم متهكما:"أنا أرى أن تنجبي مرة أخرى وتستعوضي الله فيهما .."
ابتسمت ابتسامة شاردة ولم ترد
وفي الأعلى دلف كل منهما إلى الحمام واغتسل وبدلا ملابسهما وما أن وضع يوسف رأسه على الوسادة حتى أغمض عينيه فقالت له وهي تستند بمرفقها على الفراش وتميل نحوه:"هل ستنام؟.."
قال بارهاق وبعينين مغلقتين:"تعبت جدا اليوم مريم ما بين الشركة والمصنع..."
مطت شفتيها باستياء قائلة :"وأنا أيضا تعبت ما بين البيت والأولاد والنادي..."
فأردف بصوت ناعس:"نامي إذن ما دمتِ متعبة...."
قالت له وهي تتأمل ملامحه الوسيمة الهادئة وهو مسترخي هكذا:"لم لم تحضر لي البسبوسة؟..."
قال لها بصوت ذهب بالفعل في أول مراحل النوم:"نسيت..."
استلقت بجواره وقد راح بالفعل في نومه وأردفت بفتور:"حسنا يا يوسف...لا عليك ليس صحيا من الأساس أكل البسبوسة...."
**********
في الصباح

دلف معتصم إلى القسم بخطوات سريعة وملامح وجه جادة وما أن دلف إلى الداخل حتى وجد من تسرع خلفه قائلة بنبرة عملية وبصوت عالٍ قليلاً :"صباح الخير سيادة الرائد...."
رفع حاجبيه ونزع نظارته الشمسية قائلاً وهو يكمل خطواته:" صباح الخير أستاذة هند مالذي أتى بكِ في الصباح الباكر هكذا؟ هل حدثت جريمة جديدة وأنا لا أعرف؟..."

مطت الصحفية الشابة شفتيها قائلة وهي تلهث خلفه:" لا سيادة الرائد بل قديمة...."

كان قد وصل إلى مكتبه فألقى التحية على الصول الواقف أمام المكتب ثم دلف للداخل فدلفت خلفه فأردف بخبث:" هل حدثت قضية قديمة وأنا لا أعلم بها ؟"

شعرت بالغيظ منه لمماطلته لها فقالت بهدوء مصطنع :"بل جريمة القتل التي حدثت منذ عدة أيام ما أخر المستجدات بها؟..."

سحب سيجارة من علبة سجائره وأشعلها ببطء وهو يستند على ظهر مقعده وأردف وهو ينفث دخانها :"كما قلتِ منذ عدة أيام لم يجد جديد بعد..."

ازداد غيظها منه فهي تعلمه لا تخرج الكلمة منه وأستاذ في فن المماطلة فقالت بصوت لين قليلاً :"انا أريد أن يكون السبق لجريدتنا ككل قضية فإذا كان هناك ولو معلومة صغيرة للنشر أكون شاكرة...."

فأردف بعينين عابثتين وهو يضيق حاجبيه

:"وهل إذا كانت هناك معلومات سنسربها للصحافة بهذه البساطة قبل أن نقبض على الجاني؟..."

حركت عينيها يمينا ويسارا ولم ترد فأردف :"حين يجد جديد سنصرح باذن الله"

ابتسمت له ابتسامه صغيرة وأردفت: "وأنا في الانتظار"



استأذنت منه بعد أن فشلت في نزع أي معلومة صغيرة منه وما أن خرجت حتى فلتت من بين شفتيها ابتسامة وقلبها يردد:" لو لم تكن بهذه الوسامة و الجاذبية والشخصية الآسرة لما تحملت برودك وصلفك لثانية واحدة...."

بعد قليل وبينما يعمل هو على أوراق القضية التي معه حتى جاءه اتصال باجتماع عاجل يعقده السيد "هشام الجندي" مأمور القسم ورئيسهم المباشر مع وحدة البحث الجنائي فترك ما معه و ما أن خرج من باب مكتبه حتى وجد معظم زملاؤه في طريقهم إلى الاجتماع فساروا خلف بعضهم كخلية نحل

أما بالداخل فجلس السيد هشام على رأس طاولة الاجتماعات و جميع الشباب حوله وبعد أن ألقى عليهم جميعا السلام أردف قائلا لمعتصم :"ما أخبار قضية مقتل الأستاذ الجماعي القضية تحولت إلى قضية رأي عام وليس من مصلحتنا التأخير في اكتشاف الجاني أكثر من ذلك...."

قال معتصم بثقة وهو يثبت عينيه في عيني الرجل:" يعمل الفريق كله على كشف غموض الحادث أعدك أنه قريبا جدا سنصل إلى الجاني..."

قال الرجل وهو يشدد على حروف كلماته:" بأقصى سرعة يا معتصم ثم نظر إلى الفريق الذي يعمل مع معتصم والمكون من سامح و معتز و سيف قائلا: الهمة يا شباب حتى تنالوا ترقيتكم بأقصى سرعة..."

همهموا جميعا في صوت واحد بوعود بالعمل الجاد فألقى الرجل نظره على خالد الجالس بجوار معتصم وهو صديقه ودفعته وأردف :"وأنت خالد ما أخبار القضية التي معك ؟..." فأخذ خالد يعرض عليه أخر مستجدات القضية هو وفريق العمل خاصته

************

بعد أن انتهى الاجتماع ذهب كل منهم إلى وجهته فمنهم من ذهب إلى مكتبه ومنهم من خرج في مهمة بحث خارج القسم أما معتصم فكان يجلس خلف مكتبه يدرس أوراق القضية التي معه بتركيز حين طرق سامح باب مكتبه ودلف قائلاً له:" كيف حالك يا باشا؟..."

رفع معتصم عينيه عن الأوراق قائلا:" للتو كنا معا لم تفتقدني بعد ...ادلي بدلوك أجد على لسانك كلمات تريد أن تقولها..."

ابتسم سامح وهو يجلس على المقعد المواجه للمكتب قائلا:" دائما تقرأ الكلمات على لساني يا سيادة الرائد قبل أن أقولها...."

ابتسم معتصم فأردف سامح بتوجس:" هل كان يقصد هشام باشا أنه إن لم نحل غموض الحادث واكتشاف الجاني فلا توجد ترقية؟.."

مط معتصم شفتيه قائلاً وهو يدور بمقعده الدوار يمينا ويسارا:" هل أنت تعمل في القضية أو في المباحث بشكل خاص فقط للحصول على الترقية؟..."

قال له مصححا:" لا أقصد أنا أقصد...

قاطعه معتصم قائلاً وهو يثبت عينيه في عينيه :" أعرف ما تقصده وأريدك أن يكون نصب عينيك فقط تحقيق العدالة حتى تستطيع أن تعمل بجدية، إن وضعت نصب عينيك أنك تعمل فقط لتحصل على الترقية ..أشار إلى رأسه قائلاً: ذهنك هذا لن يصل إلى أي نتيجة في عملية بحثك عن الحقيقة..."

تنهد سامح قائلاً:" عندك حق يا باشا أنت تعرف فقط حماس البدايات والرغبة في أخذ الترقيات العادية والاستثنائية وما إلى ذلك..."

ابتسم معتصم له كأنه أخيه الأصغر وأردف:" أعرف... وأعرف مدى كفاءتك لذلك أنصحك..."

تنهد سامح قائلاً:" سأذهب إلى مشوار هام الان ربما يساعدنا كثيراً ثم أردف وهو يرفع حاجبيه: القضية ليست سهلة كما تصورت لا يوجد دليل واحد يوصل إلى الجاني ...ثم استقام قائلاً: عامة سأذهب إلى مشواري وأسأل الله التوفيق..."

أومأ له معتصم برأسه وعاد بعينيه إلى أوراق القضية التي أمامه وأعطاه سامح ظهره وما أن وصل إلى باب الغرفة المغلق حتى أردف معتصم دون أن يرفع عينيه عن الأوراق :"سامح ...."

التفت إليه سامح في لحظتها فأكمل معتصم وهو على وضعه:" فتش عن المرأة.... انهن أساس ثلاثة أرباع الشرور على هذا الكوكب بشكل مباشر والربع الأخر هن أيضا أساسه ولكن بشكل غير مباشر....."

كانت نصيحة قدمها له بناءا على خبرته العملية وعلى بحثه لأوراق القضية

فضيق سامح عينيه باستنكار فهو لا زال يخطو أولى خطواته في اثبات نفسه عمليا و أردف:" جميع النساء يا باشا ؟..."

قال له معتصم دون أن يحيد عن أوراقه:" جميعهن إلا أمي و أمك...."

وبالطبع كان يقصد أمه غالية

***********

في نهاية اليوم وبعد أن استبد التعب الذهني والجسدي بمعتصم مدد جسده على الأريكة في زاوية حجرة مكتبه وهو مغمض العينين وصور عنان تترائى أمامه في شريط متسلسل



حزين على حالها وحزين أكثر على حاله

فليس هناك أصعب من أن تحب ولا تجد ممن تحبه سوى التجاهل وهو رغم أنه اعتاد على ذلك منذ زمن إلا أنه يشعر بالقنوط هذه الأيام

عاد بذاكرته إلى سنوات طويلة للخلف حين كان في كليته وينزل اجازات فيجد تعلقها برماح يزداد يوما بعد يوم ،كان يتمنى لو يلمح نظرة حب في عينيها له ولكنها بكل بساطة كان قلبها مع أخر وكلما اقتربت هي ورماح من بعضهما كلما كان يزداد نقمة ويكره تواجده في المنزل لذلك كان هاربا دائما بسببها

رن هاتفه فقطع سيل أفكاره فرد على محدثه قائلاً:" أهلا مجدي كيف حالك؟"



أردف مجدي زميله الذي يعمل في أمن المطارات :"معتصم اسمعني بسرعة أنا لست في العمل أنا في إجازة مع أسرتي في العاصمة ولكن حدثوني للتو من المطار بأن هناك رجل بالاسم الذي تبحث عنه منذ فترة اسمه محمود الرحماني وصل إلى مطار (..... )على متن الطائرة القادمة من( .....) و طلبت منهم احتجازه حتى أخبرك...



انتفض معتصم واقفا ما أن سمع كلمات صديقه واتسعت عينيه عن آخرهما وشعر بقلبه يضرب في صدره بعنف حتى شعر أن قلبه سيتوقف فازدرد لعابه قائلاً بصوتٍ خشن متهدج:" هل تتحدث بجدية يا مجدي؟..."

"وهل هذا الحديث به مزاح!..."

"حسنا اغلق وأمرهم ألا يتركوه حتى أذهب إليهم أنا مسافة السكة وأكن هناك..."

أغلق مع صاحبه وهو يندفع خارجا من غرفته ولا يرى أمامه ويصطدم بكل من يقابله والجميع ينظر إلى حالته الغريبة بتعجب....

لم يكن يمشي على الأرض بل كان طائرا وكل ذرة في جسده تصرخ قلقا وانفعالا

،أدار محرك سيارته وانطلق بها بأعلى سرعة وقلبه يصرخ هل حقا والده قد عاد ؟ ولما لم يعد مباشرة إلى هنا لما عاد على محافظة أخرى؟

فرد عقله ربما لم يجد حجزا على هنا فحجز على هناك

ماذا سيفعل معه.. هو لايعرف من الأساس أن له ابنا كيف سيتقبله؟...

"لا بأس يا معتصم اهدأ المهم أن تجده وبعدها كل شىء أمره هين..."

قالها لنفسه ليٌطمئن قلبه الخافق في صدره

له سنوات يشتاق إلى هذه اللحظة

له سنوات يشتاق لأب كل العلاقة بينهما هو اسم في شهادة الميلاد

يقولون أن الله قد يجمع الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا

فهل يجتمعان؟؟؟؟

نهاية الفصل
أتمنى الفصلين يكونوا لاقوا عندكم قبول حسن وهنتظر آراؤكم وانطباعاتكم بإذن الله



التعديل الأخير تم بواسطة Heba aly g ; 21-06-21 الساعة 07:08 PM
Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-06-21, 07:09 PM   #318

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,499
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 138 ( الأعضاء 25 والزوار 113) ‏Heba aly g, ‏هداية ايمان, ‏سعاد انور, ‏ماي سليم, ‏remokoko, ‏سوهي (زهور الربيع), ‏s2020, ‏lana maythn, ‏عبير سعد ام احمد, ‏Solly m, ‏أمل سند, ‏منى م محمد, ‏امال رضا, ‏فديت الشامة, ‏Abcabc, ‏Hayette Bjd, ‏هدهد الجناين, ‏Shadwa.Dy, ‏wafaa hk, ‏شوق سلام, ‏samah soliman, ‏الذيذ ميمو, ‏لبنى9, ‏عبير دندل, ‏ميمونة meryem

Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-06-21, 08:15 PM   #319

لامار جودت

? العضوٌ??? » 290879
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,601
?  نُقآطِيْ » لامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond repute
افتراضي

ألف شكر حبيبتي فصلين مرة واحدة الله يجبر بخاطرك هقراهم وارجع لك

لامار جودت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-06-21, 08:48 PM   #320

أمل سند

? العضوٌ??? » 479314
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 34
?  نُقآطِيْ » أمل سند is on a distinguished road
افتراضي

الفصلين تحفة ياهوبة معتصم صعبان عليا جدا مش عارف يلحقها من عنان البردة ولا غياب ابوه معتصم بطب الفصل بلا منازع

أمل سند غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:26 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.