آخر 10 مشاركات
أسيرتي في قفص من ذهب (2) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          2 -عصفورة النار - مارغريت بارغيتر -كنوز أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          كيف لو كنت في البحر ! (الكاتـب : كَيــدْ ! - )           »          إيحــــاء الفضــــة (3) *مميزة ومكتملة *.. سلسلة حـ(ر)ـب (الكاتـب : moshtaqa - )           »          [تحميل]ليالي.. الوجه الآخر للعاشق / للكاتبة رحاب ابراهيم ، مصرية ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          رَقـصــــة سَـــــمـا (2) .. *مميزة و مكتملة* سلسلة حـــ"ر"ــــب (الكاتـب : moshtaqa - )           »          عيون لا تعرف النوم (1) *مميزة & مكتمله * .. سلسلة مغتربون في الحب (الكاتـب : bambolina - )           »          عشق وكبرياء(6)-ج1 من سلسلة أسرار خلف أسوار القصور-بقلم:noor1984* (الكاتـب : noor1984 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree4093Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-05-21, 01:35 PM   #61

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,499
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هدهد الجناين مشاهدة المشاركة
الله يابيبا الاقتباس مشوق جدا ❤️❤️
موفقه دائما يارب 😘
حبيبتي يا هدهد ربنا يكرمك ويسعد قلبك يارب 💖


Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-21, 08:24 PM   #62

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,499
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته بإذن الله غدا في تمام الخامسة مساءا هيكون موعدنا مع المقدمة والفصل الاول من رواية غريب الروح دعواتكم بالتوفيق والسداد 💖💖

Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-21, 05:25 PM   #63

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,499
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... أضع بين أيديكم اليوم المقدمة والفصل الأول من روايتي الثانية (غريب الروح) وأتمنى من الله عز وجل أن يجعل لها نصيبا من النجاح والقبول


المقدمة


فتح باب الحجرة وهو يغرز أصابعه في خصلات شعرها الأسود الطويل ودفعها تحت قدمي أمها التي كانت تجلس على مقعدها تقرأ القرأن في صمت وخوف وحزن شديد وخزي أشد
وما أن سقطت تحت قدمي أمها حتى استل السكين الذي كان في جيب جلبابه وأشهره أمام وجهها فاستندت بظهرها تلقائيا على ساقي أمها المرتعشتين تنظر إليه وإلى نصل السكين اللامع بعينين متسعتين ذعرا وخوفا ولسانها قد عٌقد....
فماذا رأت هي من الدنيا حتى يكون الموت في استقبالها عوضا عن الحياة؟
ولكنها لم تنطق ،لم تنطق وقد انعقد لسانها عن الكلام وكل ماعليها أن تهز رأسها يميناً ويساراً وهي تدرك أنه لا فرار من قضاء الله
كانت عيناه تلمعان بوحشية متأصلة في طبعه ولكنها ازدادت أضعافا مضاعفة بعد ماحدث
أما أمها فقالت له بلوعة أم وبصوت مٌتحشرج:"حلفتك بالغالي ألا تقربها ..."
وكأنه لم يسمعها أو سمعها ولم يٌعير لكلماتها اهتماما
فخر جالسا على ركبتيه أمامها وأحكم قبضته على مقدمة جلبابها
ووضع السكين على رقبتها تماما كما يضعه على رقبة الشاة صبيحة يوم العيد فالتقت نظرته القاسية المتحجرة بنظرتها المذعورة المتألمة المترجية
وبين نظرته ونظرتها انطلقت أخيراً صرخة أم مٌلتاعة على فلذة كبدها....
**************





التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 20-05-21 الساعة 10:59 PM
Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-21, 05:31 PM   #64

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,499
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي





الفصل الأول

وقفت خلف نافذة حجرتها بالطابق الأرضي بعد أن صلت صلاة الفجر،ترتدي جلبابها الأسود الأنيق وتضع وشاحا أسودا يُغطي رأسها ،تنظر إلى الفضاء الواسع أمامها وضوء النهار قد غطى على قتامة الليل وملأ البلدة نورا فتنظر إلى الأراضي الزراعية التي تمتد أمامها مد بصرها ولا تصل إلى نهاية
اللون الأخضر الزاهي أمامها يشرح صدرها وصوت شقشقة العصافير يُطرب أذنيها ورائحة الخبز الطازج تتسلل إلى أنفها فتجعل هرمون السعادة يُفرز في جسدها تلقائيا....
هكذا هم البشر لكل منهم شىء خاص يسعده وغالية أكثر مايسعدها اجتماع أبنائها حولها فتطعمهم كأنهم عادوا صغاراً فتشعر بالسكينة والدفء يغمر بيتها ،بيتها الذي بنته بكدها وتعبها حتى تجاوزت الستين من عمرها
قطع تأملاتها الصباحية اليومية في بديع خلق الله صوت زوجها الذي اعتدل في فراشه بعد أن أغلق المصحف حيث كان يقرأ الورد اليومي بعد أن صلى صلاة الفجر مع غالية قائلاً:"هل حضر جميع أبناءك ياغالية ؟.."
التفتت إليه قائلة بعينين مبتسمتين ابتسامة حلوة ملأت وجهها الذي يشع بالطيبة:"ومنذ متى لايأتون ليقضوا العيد معنا ؟.. بإذن الله ستجد في خلال ساعة وقد وصل صالح و أبناؤه والدكتور هارون و أبناؤه..."
قال لها بصوت مٌنخفض تعبا :"يأتون بسلامة الله .. ثم أردف وهو ينظر لها نظرة خاصة:كيف حال أحفادك معا ياغالية؟.."
قالت له وهي تضيق عينيها وتتقدم منه فتجلس أمامه مباشرة فوق الفراش:"عن ماذا بالضبط تسأل؟.."
قال لها وهو يشرد بنظره جهة النافذة حيث كانت تقف:"أريد أن أفرح بهم عن قريب...ثم اكتست نظرته بالجدية والترقب قائلاً بوهن :ربما لا يكتب الله لي عمراً لأكمل معهم المشوار ...أنتِ مكاني ياغالية لا تسأمي من ترديد ما كنت أردده لهم ،ذكريهم دائما أن الأرض غالية ..أن الأرض هي العرض.. هي الشرف وكما ترين أن أحفادنا الإناث ليسوا قليلات فإن ترك الولد ابنة عمه لغريب يستحوذ عليها وعلى ارثها الذي سترثه بعد عمر طويل لآبائهن فسيضيع تعبي ،أنتِ كنتِ شريكتي في الرحلة ورأيتِ ماذا تحملت حتى أبني هذا الصرح..."
قال كلماته الأخيرة وهو يشير بيده إلى الأراضي الزراعية الممتدة أمامه
ربتت على كفه السمراء الخشنة التي تبرز عروقها بشدة بفعل الخمس وسبعون عاما الذي قضى منهم مايزيد عن الخمسون عاما يكد ويكدح ليصل إلى ماوصل له...
ثم قالت له مُطمئنة اياه :"لا تقلق يا حاج عمران المال الحلال لن يضيع أبداً وسيحافظ عليه أبناءك وأحفادك و بإذن الله ما تريده سيكون ... ثم أردفت :سأخرج لأتفقد ماذا تفعل النساء بالخارج فأنا أشم رائحة الخبيز ..."
قال عمران وهو يتسطح فوق فراشه الوثير:"وأنا سأنام قليلاً حتى يأتي صالح وهارون"
وضعت الغطاء فوقه وغادرت الحجرة فخرجت إلى بهو البيت الكبير المفروش بالكامل بأرائك عربية وأبسطة وستائر بنفس اللون تجعل من يراهم يدرك جيداً أنه بداخل بيت من بيوت الجنوب العريقة ،كان أثاث البيت يوحي بالفخامة ولكن فخامة أهل الجنوب التي تجمع مابين الأصالة والرقي والبساطة ...
دلفت غالية إلى المطبخ فوجدته كخلية نحل فاليوم وقفة عيد الفطر المبارك فكانت نعمة زوجة زكريا الابن الثاني لغالية تجلس على مقعد خشبي صغير تعجن وبجوارها حليمة زوجة ابنها يونس الذي يلي زكريا في الترتيب تشكل الكعك وتضعه في الصواني وتساعدهما أم أيمن التي تساعد غالية في أعمال المنزل الكبير
قالت غالية بوجه مشرق:"صباح الخير...." ردت عليها جميع النساء الصباح وقالت لها أم أيمن بوجه بشوش:"أسعد الله صباحك يا أم صالح..."
جلست غالية على مقعد عالي في مطبخها الواسع تشاهد زوجتى ابنها وهما تعدان لكعك العيد وبعد دقائق قليلة وجدت أمامها الدكتورة ايمان زوجة الدكتور هارون ابنها تدخل إلى المطبخ قائلة ببشاشة:"السلام عليكم جميعا ..كيف حالك ماما الحاجة كل عام وحضرتك بخير..."
ثم مالت عليها مٌقبلة اياها فاحتضنتها غالية وربتت على ظهرها قائلة بحب:"وأنتِ بخير يازوجة الغالي...أين هارون والأولاد؟..."
أردفت ايمان طبيبة الأطفال والاستاذة الجامعية الثلاثينية وهي تنظر إلى سلفتيها الجالستين أرضا :"قابل الحاج زكريا والحاج يونس وجلسوا جميعا في المندرة ..."
ابتسمت نعمة وهي ترفع عينيها إلى ايمان قائلة:"لن نستطيع المصافحة... ثم أشارت بعينيها ليديها الملطختين بالعجين وأكملت بنظرة مشاكسة غير بريئة :هل ستنضمين إلينا للمساعدة يا دكتورة؟.."
اعتادت ايمان على سلائفها وخاصة نعمة ابنة عم زوجها وزوجة أخيه الاكبر منه زكريا فنعمة من الشخصيات التي يبدو الدهاء في عينيها جليا... لا تستطع اخفاؤه وللحق هي من الاساس لاتحاول ولا تنكر تواجده إن سٌئِلت....
قالت لها ايمان التي تصغرها بأكثر من عشرة أعوام بابتسامة حلوة :"بالطبع سأشارك اعطني فقط عشر دقائق أبدل فيهم ملابسي ...."
ثم تركتهم وخرجت من المطبخ وصعدت السلم الذي يتوسط البيت الكبير حيث توجد شقتها المغلقة في الطابق قبل الأخير والتي تظل مغلقة إلى أن تأتي هي وهارون كل عدة أشهر من العاصمة
*************
في الطريق المؤدي إلى القرية الأم ... مسقط رأس العائلة الجنوبية العريقة منذ سنوات وسنوات كان صالح الابن الكبير لعمران وغالية يقود سيارته الكبيرة العالية التي تناسب البلدة وطرقها الوعرة ...آتيا من منزله الذي يقع في مركز المحافظة التي تبعد ساعة واحدة عن القرية
على مشارف الخمسين ...ملأ الشيب شعره ... بشرته السمراء التي تسقط عليها أشعة شمس الصباح الذهبية الهادئة تحكي عن رحلته في الحياة ألف حكاية وحكاية فالجنوبيون غالبا بشرتهم تميل للسمار ولكن عملهم تحت أشعة الشمس الحارقة يجعلها تزداد سمارا بجاذبية خاصة وعلى النقيض كانت بشرة زوجته ليلة التي تجاوره في المقعد ... رفيقة دربه منذ مايقارب الربع قرن، كانت تستند بظهرها على ظهر مقعدها تحاول أن تنام ولو نصف ساعة فهي تعلم أنها ما أن تدخل بيت الحاج عمران فلن ترتاح لدقيقة واحدة
أما في الأريكة الخلفية فكان هناك زوج من الثيران يجلس كل منهما بجوار نافذة من النوافذ بينما تنحشر بينهما عصفورة صغيرة هشة العظام نحيفة الجسد...
انتفضت يسر ذات الثامنة عشرة عاما الابنة الصغرى لصالح وليلة ومدللتهم الغالية فانتبه حاتم شقيقها الاكبر منها ذو الثانية والعشرون عاما قائلا بتأفف :"ماذا هناك لماذا تنطحين هكذا كالبقرة؟.."
اتسعت عينيها قائلة باستنكار:"بقرة؟ أنا تشبهني بالبقرة؟..." كان صالح يسمع مشاكستهما بصمت وابتسامة صغيرة تزين ثغره بينما ليلة كانت بالفعل ذهبت في النوم ....فرد على يسر شقيقها الكبير يوسف الذي تجاوز الثالثة والعشرون ويشبه والده كثيراً قائلا بنبرة مشاكسة وهو ينظر إلى حاتم:"اعذريه فهو لم يكن يريد أن يأتي معنا..."
نظر اليه حاتم قائلاً بتأفف:"لا أعرف لما نذهب اليوم إلى البلدة لننام من العشاء كالكتاكيت كنت أريد أن أسهر مع أصدقائي ليلة العيد وكنا حضرنا البلدة غدا أو بعد غد..."
قالت يسر وابتسامة حلوة تزين ثغرها:"وهل يكون العيد عيدا بعيدا عن جدك وجدتك؟.."
ضربها حاتم على مؤخرة رأسها قائلاً:"لا تصطادين في الماء العكر لم أقل ذلك قلت أن نأتي في الغد أو بعد غد..."
قال يوسف بجدية وهو الأدرى بعاداتهم :"لا يصح ألا يأتي والدك ونحن معه لجدي وجدتي يا حاتم أنت تعلم جدتك غالية لا تمرر الأمر..."
أردفت يسر بعينين تمتلئان بالتسلية:"اعذره يا يوسف فليس له مايدفعه للذهاب دائما إلى البلدة مثلك..."
كانت الضربة على رأسها هذه المرة من يوسف نفسه الذي قال لها وهو يكتم ضحكته:"لما لا تركزين في نفسك ياصغيرة...."
تأوهت بصوتِ عالٍ فقال صالح وهو يتدخل في حوارهم للمرة الأولى:"كفاكم مزاح ولا أحد فيكم يلمس ابنتي...." ناظرها الشابان بنظرات مغتاظة فحين يقول صالح جملته هذه فلا أحد فعلاً يستطيع لمسها....رفعت يسر كتفيها بزهو واستندت بظهرها للخلف وهي تنظر لأخويها وتخرج لسانها لهما وإن جاءت للحق فليس يوسف فقط هو الذي يميل للذهاب دائما إلى بيت جده ولكنها هي الأخرى يكاد قلبها يطير إلى هناك....
وصل صالح وأسرته إلى البلدة وبعد أن صف السيارة بجوار البيت الكبير الذي تزين واجهته لافتة منقوش عليها بالخط العربي (دار الحاج عمران الحسيني) دخل هو وأسرته من البوابة الكبيرة وما أن دخلوا حتى سمع صوت اخوته يأتي من المندرة التي يقع بابها أول باب على يسار باحة البيت الخارجية
أما يمينا فيوجد باب آخر وهو باب مزرعة المواشي والتي يقع خلفها أيضا الحديقة الخاصة بالبيت وفي منتصف الباحة هناك عدة درجات يؤدون إلى الباب الداخلي لبيت العائلة المكون من طابق أرضي كبير يسكنه والديه وفوقه عدة طوابق له ولأخوته فقال صالح لولديه:"أعمامكم يبدو أنهم في المندرة ..."
فقالت ليلة وهي تجذب يسر من يدها :"حسنا هيا يا يسر ندخل عند جدتك..." فدلفت ليلة مع ابنتها للمنزل و دخل صالح إلى المندرة وخلفه ولديه وما أن دخل ووجد اخوته حتى ابتسم وجهه تلقائيا لهم
استقاموا جميعا ليصافحوه وكانوا للمصادفة يجلسون متجاورين الأكبر فالأصغر فصافحه أولا زكريا الأصغر من صالح بعامين فقط ولكن لايبدو هذا الفرق فزكريا بشخصيته القيادية المسيطرة يبدو للجميع كأنه الابن الاكبر لعمران تلاه يونس وهو يصافح شقيقه بمودة قائلا:"اشتقنا اليك يا أبا يوسف..." فربت صالح على كتفه قائلا:"وأنت أيضا ...."
واخرهم هارون الذي فتح ذراعيه لشقيقه الأكبر الذي لم يراه منذ عدة أشهر فهارون هو الوحيد الذي يسكن بعيدا عن بلدتهم حيث يعمل في العاصمة ويقيم فيها ...
عانق صالح هارون بمحبة وهو يربت على كتفه قائلا:"اشتقنا اليك يادكتور اشتقنا كثيرا...." صافح يوسف وحاتم بدورهما أعمامهما ثم جلس الاخوة يتسامرون معا حول أحوالهم وأحوال البلدة وأهلها


بعد قليل
كان جميع أبناء عمران يجلسون حوله في حجرته فكان هو يجلس في منتصف فراشه وعلى يمينه صالح وعلى يساره هارون وعلى الأريكة الوثيرة المقابلة للفراش تجلس غالية و بجوارها يونس أما زكريا فكان يجلس منفردا على مقعد مجاور لفراش والده
أما الشباب يوسف وحاتم ابناء صالح ويحيى ابن زكريا فكانوا يقفون بجوار النافذة يتسامرون وهم ينظرون إلى المساحة الخضراء الشاسعة أمامهم ،نظر إليهم عمران بنظرة حانية وهو يراهم هكذا أمامه شباب كالورد ثم حول نظره إلى أبناؤه بابتسامة عذبة وعينين تقطران حبا فليس هناك أغلى عنده من جمعتهم حوله بعد أن شق كل منهم طريقه.. وليس هناك أغلى من أن يرى صغار الأمس الذين كانوا يجرون حوله وقد أصبحوا رجالا اشداء ويجد ابناؤهم وقد أضحوا شبابا يملؤن العين ...
حتى وإن وهنت صحته فيكفيه نظرته لهم فالنظر لهم شفاءا من كل داء فقال موجها حديثه لصالح وهو يرفع عينيه إليه:"كيف حال العمل في المصنع والشركة؟.." قال صالح وهو يربت على كفه :"بخير حال يا حاج لا تقلق..."
فنظر عمران جهة زكريا قائلاً:"و المزارع هنا و المناحل يا زكريا كيف حالهم؟.." قال زكريا مٌطمئنا والده:"كل شيء بخير ياحاج اهتم أنت فقط بصحتك..."
نظر عمران بعينيه الضيقتين تجاه الشباب قائلاً:"لما تقفون بعيداً يا أولاد لما لا تأتون وتجلسون بجوار جدكم العجوز؟..." فابتسم ثلاثتهم وهم يتقدمون منه ليجلسوا بجواره يتسامرون معه كما يحب دائما...
**************
كان المطبخ يعج بالنساء اللاتي يقمن بتشكيل الكعك والبسكويت من نساء ابناء غالية بما فيهم الدكتورة والاستاذة الجامعية ومعهن الجيل الثالث بنات عمران كما تطلق عليهم جدتهم فهي ترفض أن يقال عن أحفادها بأسماء آبائهم تقول أنهم جميعا ابناء عمران...
كانت يسر تجلس بجوار والدتها أرضا تشكل الكعك بسعادة تجاورها مريم ابنة عمها زكريا التي تكبرها بعامين فقط بجوارها عنان ابنة عمهم يونس و التي من سن يسر ... بنات في عمر الزهور كوردات متفتحات بينما باقي البنات والأولاد الصغار يلعبون في باحة البيت وهم يغلقون البوابة الخارجية جيدا
وكأن الجلسة كانت لاتروق لنعمة زوجة زكريا أو كان يشوبها الملل فأرادت أن تجعل هناك جوا من المرح فأردفت تغني بصوت هادىء ذي نغمة موسيقية وهي تجهز عجينة البيتيفور ولا تنظر لأحد .... كأنها لا تقصد أحد


لما قالوا ده ولد
اتشد ظهري واتسند
لما قالوا ده غلام
اتشد ظهري واستقام
واما قالوا بنية......
حيطة وقعت عليا
وجابولي البيض بقشره
وبدال السمنة ميا
لمعت عيون الثلاث فتيات بالتسلية حين تمتمت نعمة بكلماتها هذه وأخذن ينظرن إلى بعضهن يكتمن ضحكاتهن ....
أما ايمان فقد نظرت إلى نعمة لا تعرف مقصدها من كلماتها هذه فهي على كل حال ليست منهن ولا تفهم لهجتهن الجنوبية جيدا ، أما ليلة فكانت تفهم إلى ماذا ترمي نعمة ،أما حليمة زوجة يونس فقد نظرت إلى نعمة المنهمكة فيما تفعل ورغم أن حليمة ليست هجومية على الاطلاق إلا أنها لا تتورع كل فترة عن الرد على نعمة سلفتها التي تجلس معها في بيت واحد وتعلم أن هذا الكلام موجها لها هي بما أنها الوحيدة التي لم تنجب ذكور وانما أعطاها الله ثلاث بنات اكبرهن هي عنان التي تجلس بجوار بنات عمها تضحك على كلمات زوجة عمها
وكيف لا تضحك و والدها لم يشعرهن يوما أنه ينقصه هذا الولد بل اكتفى بهن وحمد الله...
ابتسمت حليمة وهي تشكل الكعك بالمنقاش بهدوء قائلة بنفس النبرة التي كانت تغني بها نعمة


متفرحيش يا ام الولد
بنت تكبر تاخده
تسكن بيه شرق البلد
ماتشوفي غير دخانتة
وكأن حليمة قد قصفت جبهة نعمة فظهر الامتعاض على ملامح الأخيرة
أما البنات فانفجرن في الضحك مقهقهات بينما قالت ايمان وهي تنظر إلى ليلة نظرة متسائلة:"ماذا يعني هذا يا أم يوسف؟..."
فقالت ليلة مبتسمة وبشرتها البيضاء تتوهج بفعل حرارة الموقد المجاور لها :"الكلام يفسر نفسه يا ابنة البندر..." فما كان من أم أيمن سوى أن تبرعت تشرح للدكتورة ايمان معنى الاغنية التي كانت تتناطح بها سلفتيها
أما يسر فقد رن هاتفها في جيب فستانها الأنيق فمسحت يديها بسرعة وتناولته وما أن فتحته ورأت الرسالة المرسلة على الواتساب حتى تسللت بخفوت من بين الجميع ولم يلحظها أحد من الكبار فقد كن مندمجات مع شرح أم أيمن للأغنية الجنوبية العتيقة ...
أما مريم وعنان فلاحظاها ونظرت كل منهما للأخرى نظرة متسلية
خرجت يسر إلى بهو البيت ثم دلفت إلى الرواق الذي به الغرف والمُعلق في منتصفه مرآة كبيرة و أخذت تعدل وشاحها فوق رأسها ورغم أنه كانت هناك بضع خصلات هاربة من مقدمة وشاحها تٌظهر شعرها الاسود المتفحم إلا أنها تركتهم عمدا ، كانت قمحية البشرة بعينين بنيتين فاتحتين بلون الشوكولاتة الذائبة وفم رقيق لاهو بالمكتنز ولا هو بالرقيق ولكن بَين بَين ،أنفها مستقيم، وجهها بيضاوي بوجنتين مرتفعتين قليلاً يعطيها جاذبية وفتنة من نوع خاص، نحيفة الجسد بلا هزال متوسطة القامة وإن كانت تميل للطول ....
تأكدت من أن مظهرها ملائم فخرجت من باب البيت على الساحة الواسعة فكان على يمينها المندرة وبابها مغلق وصوت الأطفال يأتي منها وعلى يسارها بوابة مغلقة اتجهت نحوها وفتحتها بهدوء و دلفت داخلها إلى الحظيرة الممتلئة بالطيور على جهة والمواشي على الجهة الأخرى وهذه المزرعة خاصة ببيت عمران فهم يرعون المواشي والطيور التي يأكلونها كما يزرعون الخضروات والفواكه التي يأكلونها أيضا ومن الحظيرة عبرت يسر من باب آخر فكانت داخل جنة أحفاد عمران...
حديقة الفواكه والخضروات الخاصة ببيتهم
كانت أشعة الشمس قد ملأت المكان فغمرت الحديقة بنورها ودفئها ...
نظرت يسر إلى الحديقة الواسعة أمامها وإلى الأشجار حولها...
كانت هذه الحديقة هي دائما الأحب اليها والأقرب ....
سارت بين الأشجار التي كانت بالفعل ثمارها ناضجة تدعو العابرين إلى قطفها فرفعت يدها ولامست ثمرة جوافة ناضجة وهمت بقطفها
" ألستِ صائمة مثلنا ياست البنات؟.."
انتفضت في مكانها واستدارت دون أن تقطفها وما أن رأته حتى أغمضت عينيها لثانية ثم فتحتهما قائلة :"ألن تكف عن عادتك هذه في افزاعي؟..."
اقترب منها يحيى الابن الأكبر لعمها زكريا وشقيق مريم صديقتها المقربة و الذي يكبرها بخمس أعوام وقال لها بابتسامة عابثة:"لم تردي على سؤالي ألستِ صائمة مثلنا؟..."
تضرج وجهها كله باللون الأحمر خجلاً وقالت له وهي تجول بعينيها بعيداً:"صائمة ولله الحمد الثمرة فقط كانت مغرية للقطف.."
"تماما كشفتيكِ المغريتين الان للقطف..."
قالها يحيى في نفسه ولم ينطقها لسانه فهما في نهار رمضان ولايريد أن يخسر اليوم بسببها..نعم يحبها..يذوب فيها عشقا ولكنه لايريد أن يخسر اليوم فقال لها وهو ينظر في عمق عينيها بعينين حانيتين :"اشتقت لكِ يويو.."
التقت أخيرا عيونهما في عناق طويل ...
ليست الأجساد فقط من تتعانق ولكن العيون أيضا حين تلتقي بعد غياب يكون بينهم سلام وكلام .... تأملت قسمات وجهه المليحة وسمرته الهادئة وملامحه المتناسقة مع بعضها ... وجهه كله به جاذبية لم تراها في أي رجل غيره... وجدت أنها تطيل النظر اليه وهو يخترقها بنظراته فغمغمت بخفوت:"استغفر الله العظيم اللهم إني صائمة.."
فأردف يحيى قائلاً وهو يضيق عينيه :"ماذا تقولين؟..."
قالت له بدلال وهي ترفع عينين جذابتين تشعان بالحياة وهي تستند بظهرها على جذع شجرة الجوافة التي تقف بجوارها:"أقول لماذا أرسلت إلي لتقابلني هل تريد شىء ؟."
مط شفتيه الغليظتين قائلا:"ربما أكون اشتقت اليكِ ...ثم تحولت نبرته إلى الجدية الحانية ونظرة عينيه تفضح شوقه الحقيقي قائلاً: ألم تشتاقي ؟ ..."
لم تكد تفتح فمها لترد عليه إلا وكانت البوابة الفاصلة بين الحديقة وحظيرة المواشي تُفتح وبلمحة واحدة لمحت يسر يوسف شقيقها الأكبر فارتفع حاجبيها تلقائياً واتسعت عينيها رعبا وفي رد فعل طبيعي منها هبطت بجسدها كله أرضا خلف الشجرة فدلف يوسف ليتفاجأ بيحيى أمامه بجوار شجرة الجوافة....
الحقيقة أن كلاهما تفاجأ بالآخر أما المفاجأة الأكبر فكانت من نصيب مريم شقيقة يحيى التي دلفت مباشرة خلف يوسف حيث كانا على موعد معا هما أيضا تماما كما كانت يسر على موعد مع يحيى فوقف يوسف أمام يحيى وخلف كل منهما شقيقة الآخر الاختلاف الوحيد كان أن يسر مختبئة أسفل الشجرة لايراها أحد تكاد تموت رعبا إن كشف يوسف أمرها
لم يستطع يوسف أن يتقدم خطوة واحدة للأمام فتسمر مكانه وخلفه مريم ينظران إلى يحيى بقلق أن يسألهما عن سر دخولهما خلف بعضهما إلى هنا فمهما كان يعلم أنهما في حكم المخطوبين إلا أنه لن يقبل أن يتقابلا في مكان نائي كهذا ...
في نفس الوقت الذي كان ينظر إليهما يحيى بأضعاف قلقهما خوفا من أن يٌكشف أمر يسر ويراها شقيقها بهذا الشكل فقطع يحيى الصمت قائلاً وهو يتقدم من يوسف وينظر إلى مريم خلفه بضيق:"لما جئتِ إلى هنا مريم؟.."
كان حلقها جافا من أثر الصيام والتوتر معا فأردفت:"جئت لأقطف ليمون نحتاجه في الطبخ..."
أما يوسف فقال وهو يُجلي صوته:"وأنا كنت أبحث عنك كنت أريدك..."
فأردف يحيى وهو يقطع الخطوات القليلة بينه وبين يحيى قائلاً:"وأنا أيضا أريدك ثم وضع يده على ذراعه يجذبه لخارج الحديقة مُكملاً:أريدك أن ترى بنفسك جودة الخضروات التي تدعي أنها تصلكم المصنع بجودة ليست عالية...."
استجاب له يوسف وخرج معه حامدا الله أن يحيى لم ينتبه لأمر دخول مريم معه
في نفس الوقت الذي كان فيه يحيى يحمد الله أن يسر لم يٌكشف أمرها وأغلق الباب تاركا مريم التي كانت بالفعل تتقدم من شجرة الليمون المجاورة لشجرة الجوافة أما يسر فما أن سمعت صوت اغلاق الباب حتى استقامت واقفة وما أن رأتها مريم حتى اطلقت شهقة مكتومة وهي تضع يدها على صدرها قائلة:"بسم الله الرحمن الرحيم..." فأطلقت يسر ضحكة بصوت عالٍ قائلة:"ألم يحلو لكما اللقاء إلا هنا؟..."
اقتربت منها مريم قائلة بغيظ وهي تلكزها في كتفها :"هذا كله حدث من خبثك كنت أجلس بجوارك وتسللتي كالقطة ولم تقولي أنكما ستتقابلان هنا..."
قالت يسر وهي تعقد ذراعيها فوق صدرها ضاحكة :"ومن أدراني أنكما ستتقابلان في نفس الوقت ونفس المكان؟..."
فأردفت مريم ببؤس طفولي وهي تستند بظهرها على جذع الشجرة تماما كما تستند ابنة عمها :"حظي هكذا أنا أعرف حظي..."
قالت لها يسر وهي تغمز بعينها :"احمدي الله أن يحيى لم يراكما كما رأيتكما أنا المرة السابقة أو عمي زكريا رأكما مثلا كان قطع رقبتك..."
رفعت لها مريم حاجبا واحدا قائلة:"تشعريني أنكِ رأيتيني في وضع خادش للحياء ثم أردفت مبتسمة للذكرى :كل مافي الأمر أنه كان يمسك يدي لا أكثر ثم أردفت بنظرة خبيثة:ثم هل رأيتكِ أنا الان على سجادة الصلاة مثلا لقد كنتِ تختبئين أسفل الشجرة يا فتاة وما خفي كان أعظم..."
ابتسمت لها يسر بسماجة قائلة:"وماذا سيخفى في نهار رمضان ياخفيفة.... "
قهقهت مريم ضاحكة وقالت :"وإن لم نكن في نهار رمضان كان سيحدث؟..."
قالت لها يسر وهي تشمخ بأنفها :"لا بالطبع فلم يحدث بيني وبين شقيقك أكثر مما حدث بينكِ وبين شقيقي هي لمسة يد فقط...."
فقهقهت مريم ضاحكة وقالت:"بسم الله ما شاء الله بنات عمران لايوجد في أدبهن لمسة يد فقط ...."
فقالت يسر متصنعة الجدية:"بالضبط المسألة مسألة مبدأ وأنا لا أمزح في المبادئ أبدااا.... تماما كأخي حاتم " ثم انفجرت ضاحكة هي وابنة عمها ثم خرجتا معا من الحديقة دون أن تقطفان ثمار الليمون أو الجوافة
*****************




التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 20-05-21 الساعة 11:00 PM
Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-21, 05:35 PM   #65

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,499
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي





عنان .....
الابنة الكبرى ليونس ... رزقه الله بثلاث زهرات حمد الله عليهن بين مجتمع لا يعترف الا بإنجاب الذكور ورضاه بهن وهذا مايجعلهن وردات متفتحات لا يشعرن بالنقص وهذا ينطبع على عنان بشكل ملحوظ
تقف خلف النافذة المُغلقة بزجاج شفاف وفوقه ستائر شديدة الثقل تحجب ماخلفها ولا تكشف منه شيء
تنظر من خلف الستائر إلى النهر الممتد أمامها فهو يمتد بطول محافظات الجنوب، تُلقي الشمس أشعتها الذهبية عليه فتضفي سحرا وجاذبية على المكان حوله أما عنان فلم تكن تقل سحرا وجاذبية عنه فهي أجمل بنات عمران
ببشرتها البيضاء الصافية التي لا تخلو من حمرة طبيعية، عينيها واسعتين بلون زيتوني وأهدابها طويلة شديدة السواد كشعرها الطويل الناعم، قدها ممشوق بلا امتلاء فكانت دائما رمزا للجمال بين بنات عائلة أبيها وعائلة أمها
رن هاتفها الذي بيدها وكانت تعرف هوية المتصل قبل أن تراها ففتحت الخط مٌباشرة وقالت بصوت هامس رقيق :"السلام عليكم....."
لم يكن بيته بعيداً عن بيتها فقريته مجاورة لقريتها فيجعل هذا حبال الود موصولة باستمرار
"أهلا عنان كيف حالك؟"
"أهلا رماح كيف حالك؟..."
قالتها عنان بابتسامة حلوة زينت ثغرها الجميل
"كل عام وأنتِ بخير حبيبتي"
قالها رماح وعينيه تلمعان بتسلية ،يستطيع أي شخص من العائلة أن يرى في عينيه الدهاء الذي ورثه عن والده بسهولة إلا هي من لا ترى ذلك فعيون المحب عمياء لا ترى وإن كان أمام عينيها واضحا وضوح الشمس
عضت عنان على شفتها وابتسامتها قد ملأت وجهها المشرق وقالت له:" وأنت بخير رماح.."
ضيق عينيه قائلاً :" لما أشعر أن المكالمة جافة أقول حبيبتي وتقولين رماح هكذا دون أي تدليل؟.."
قهقهت ضاحكة وقالت له وهي تنظر نحو باب غرفتها:" أولا... لأننا في نهار رمضان فلن تسمع ماتريده .. ثانيا... اترك شىء لنا بعد الزواج لما تريد أن تسمع كل شىء قبل الزواج ؟.."
رفع حاجبا واحدا قائلاً :"وهل كل أفكارك عما بعد الزواج أنكِ ستقولين لي حبيبي؟.. لا اسمحيلي عزيزتي فأنتِ أفكارك هكذا مغلوطة تماما عن الزواج..."...
لمعت عينيها بالتسلية وتجاهلت تلميحاته قائلة بدلال وكأنها لم تسمعه وهي تستدير وتنظر إلى النهر الجاري أمام ناظريها :"سأنتظرك في الغد لتعطيني عيديتي..."
"حسنا يا مدللة قلبي ..."
قالها بتنهيدة حارة فأردفت بسرعة وكأنها لم تسمعه :"كيف حال عمتي؟.."
قالتها لتشتت تركيزه عن كلمات الغزل فهي كفتاة جميلة بالطبع تحب كلمات الغزل ولكنها تستطيع بحكمة تٌحسد عليها أن تميز متى تحتاجها ومتى لا تحتاجها ومتى تصح ومتى لا تصح ....
هي تستطيع التحكم في انفعالاتها ومشاعرها.... ملكة ورثتها عن جدتها غالية
رد قائلاً:" عمتكِ بخير... بإذن الله سنأتي جميعا في الغد وإن لم أستطع أن أنفرد بكِ سأرسل عيديتك مع عمتكِ..."
ارتسمت ابتسامة مشاكسة على وجهها قائلة:"وهل مع كل العدد الذي يتواجد يوم العيد تتصور أنك ستنفرد بي؟.. أنت تحلم .... أنت بالكاد ستراني فقط...."
مط شفتيه وهو يتلاعب بسلسلة مفاتيحه بين أصابعه وأشعة الشمس تسقط على وجهه الوسيم فيبدو المكر جليا في عينيه قائلاً "تدللي ياست البنات فالدلال خٌلِق لكِ وإن لم تتدللي أنتِ فمن ستتدلل؟.."
اتسعت ابتسامتها فملأت وجهها كله فبدت كقمر ليلة تمامه وأغلقت معه فأخذ نفسا عميقا ودلف إلى بهو البيت الواسع يقصد المندرة حيث يجلس والده فمر على "يمنة" عمة عنان وزوجة والده التي تزوجها بعد وفاة والدة رماح حين كانت تضع مولودها الثاني فماتت هي ووليدها
قال لها دون أن ينظر في عينيها وكأنه يسألها فقط حتى لا يكون قد مر بجوارها و تجاهلها:" ماذا سنأكل اليوم خالة يمنة؟..."
رفعت يمنة وجهها الذي يشبه وجه أمها الغالية غالية إليه قائلة بابتسامة حلوة :"جميع ماتحبه ياقلب خالتك..."
تركها رماح دون رد ودلف إلى المندرة من الباب الداخلي للمنزل فوجد والده جالساً على الأريكة يشاهد التلفاز يرتدي جلبابه الجنوبي البسيط... أربعيني بينه وبين الخمسين القليل يملأ المكان بحضور و هيبة
رفع راشد وجهه إلى ولده وربت على الأريكة بجواره بحب لأكبر أبناؤه فجلس رماح بجواره
يشبه أبيه كثيرا وخاصة في نظرة الخبث التي تلمع في عينيهما فأردف راشد وهو يضيق عينيه "كيف حال عروس ابني المستقبلية؟..."
غمز له رماح بعينه قائلاً :"بخير أبي..."
قال راشد متسائلاً وهو يضيق عينيه:" هل تملأ يدك منها حقا يارماح ؟ هل أملأ يدي؟...."
ابتسم رماح ابتسامة واثقة قائلاً وهو يرفع حاجبا واحدا:" كالخاتم في اصبعي أبي.."
قال راشد بنظرة مليئة بالجشع:" إن تمت زيجتك بابنة يونس فاعلم أن ثلث ميراث يونس من جدك عمران بعد عمر قصير إن شاء الله سيكون بين يديك..."
ربت رماح على يد والده قائلاً:" اطمئن أبي اطمئن قلت لك كالخاتم في اصبعي ..." ولمعت عيونهما معا بلمعة مماثلة
***********
يوم العيد بعد الظهيرة
يجلس عمران أرضا على إحدى الوسائد المُريحة في بهو البيت وبجواره تجلس غالية وعلى الجانبين جميع أبناؤهما الذكور و أحفادهما الذكور و أمامهم عدة طاولات قصيرة للطعام تُسمى "طبلية" بالطبع لن تكفي هذا العدد واحدة ولا اثنتين فكانت هناك عدة طبالي يجلسون حولهم وكأنهم يجلسون على طاولة طعام كبيرة كالتي تكون في المناسبات
ورغم أن عادتهم أن يأكل الرجال وحدهم والنساء وحدهم مادام هذا العدد الكبير موجودا إلا أن عمران أصر هذا العيد أن يجلس الجميع معا على طاولة طعام واحدة فجلست زوجات أبناؤه وابنته يمنة وحفيداته على الطرف الآخر من المائدة الكبيرة
كان من ينظر إلى هذه المائدة العامرة بهذا العدد يظن أن هناك عرسا أو مناسبة وليس مجرد غداءا للعائلة في أول أيام العيد
كان الجميع مندمج في الطعام الشهي أما عمران فكان ينظر إلى هذا الجمع بسعادة وشجن في آن واحد
فمن يكون أمامه ذرية بهذا العدد ولا يشعر بالسعادة؟
ومن يكون تجاوز السبعين ووهنت صحته ويشعر بأن أيامه في الدنيا معدودة ولا يشعر بالحزن؟....
ومن يكون أمامه ثمرة تَعِبَ عمره كله وهو يزرعها ويختار أن يتركها بعد أن أثمرت ؟
رائحة الطعام التي تملأ البيت
ومشهد أبناؤه وأحفاده أمامه مشهد اعتاد عليه ولكنه لايعرف لما اليوم على وجه التحديد يريد أن يشبع من الجميع
"لما لا تأكل يا حاج عمران ؟"
قالتها غالية بلهجة أهل الجنوب الأصيلة وهي تربت على كفه التي انتفخت عروقها الزرقاء وبرزت بشدة ...
ابتسم لها ابتسامة صافية شقت طريقها بين تجاعيد وجهه التي كانت تبدو كأرض جافة لم تروى لها زمن وتشققت وتحتاج الماء ليعيد لها الحياة
وقال بصوت خفيض :"سآكل ياغالية سآكل...."
أخذ كسرة خبز وقسمها بينه وبين صالح الذي كان يجلس على يمينه قائلاً له:"متى سنفرح بالأولاد ؟ أريد أن أفرح بهم وأحمل أبناؤهم وأٌسميهم كما أسميت آباؤهم...."
التفت إليه يحيى ابن زكريا الذي يجلس بجوار والده الجالس بجوار صالح قائلاً بحماس:"احك لنا يا جدي لما أسميتنا جميعا بهذه الاسماء.."
قال له جده وعيناه تلمعان تأثرا وذاكرة من حديد تعمل لم يؤثر عليها مرور السنين :" يوم ولادتك كنت نائماً ولا أعلم أن أمك تلدك ..اكتسى صوته برهبة وأردف:فهمس صوت في أٌذني بصوت جميل...( يازكريا إنّا نُبَشِرُك بغُلام اسمه يحيى)..واستيقظت بعدها لأجد جدتك ....ثم نظر إلى غالية وأردف :تقول لي أنجبت زوجة زكريا صبي فقلت في نفس الوقت يحيى...."
التفت جميع الأحفاد إلى جدهم بنظرة وجلة رغم أنهم سمعوا هذه القصة أكثر من مرة ولا يدرون أي سحر في روايات الأجداد يجعلهم يستمتعون وهم يسمعوا حكايات أجدادهم مرارا وتكرارا بلا ملل بل يستمعون لكل حكاية وكأنها لأول مرة تُحكى فأردف يوسف ابن صالح قائلاً بعينين لامعتين:"وأنا ياجدي احكي لي لما أسميتني يوسف؟..."
ابتسم عمران ابتسامة حب قائلاً:"حين كانت جدتك حامل في عمتك يمنة وبما أنها كل مرة كانت تنجب صبي ظننت أن مافي بطنها صبي وأسميته يوسف وحين جائت عمتك قلت في نفسي أن أول حفيد صبي لي سأسميه يوسف ومرت السنوات إلى أن جاء قرة عيني وأكبر أحفادي يوسف...."
ابتسم يوسف بمودة لجده وبادلته مريم نظرة خاطفة فأردفت عنان قائلة بابتسامة جذابة تميزها كما يميزها الكثير والكثير:"وأنا ياجدي لما هذا الاسم الغريب حتى الآن لا أعرف ..."
ضيق عينيه مفكرا ثم أردف:"أحببت الاسم فقط ....."
"وأنا لما أطلقت عليّ هذا الاسم ياحاج عمران "
التفت الجميع إلى باب البيت و إلى مصدر الصوت الذي لايٌخطئه أحدهم ورفعت غالية عينيها إليه ترى الغالي يقف أمامها بطوله وعرضه وابتسامته الحلوة وعينيه المشاغبتين وهمست من بين شفتيها "معتصم" وما أن رأى حركة شفتيها وقرأ اسمه عليهما حتى وضع حقيبته أرضا واندفع نحوها ليجلس على ركبتيه أرضا أمامها ويحتضنها بشوق لتحتضنه هي بشوق أكبر وعينيها تدمعان تأثرا فله أشهر غائب عنها في عمله
رفعت وجهه الذي تحتضنه بكفيها ونظرت إلى عينيه قائلة بعتاب :"طالت الغيبة هذه المرة ياولدي واشتقت لك ..."
قبل يديها ثم أردف بحنين:"وأنا اشتقت لكِ أكثر ياغالية ولكنه العمل ماذا أفعل؟..."
ضربته في كتفه بخفة قائلة ودموعها لا زالت تلمع في عينيها:"ألن تكف عن مناداتي باسمي ؟.."
أردف قائلاً بعينين حانيتين:"تعرفين أن هذا ليس اسمك وإنما لقبك ....."
ثم ابتعد عنها قليلاً ليقترب من عمران وهو لازال يجثو على ركبتيه ففتح له عمران ذراعيه واحتضنه وهو يربت على كتفه قائلاً بحنان لايقل عن حنان غالية:"اشتقت إليك بُني...."
أردف معتصم وهو يبتسم لفيض المشاعر التي كان يفتقدها :"وأنت أكثر ياحاج عمران..."
استقامت يمنة وتقدمت من معتصم ووضعت يدها على كتفه قائلة :"حمدا لله على سلامتك يامعتصم ..."
نظر إليها معتصم وهولايزال جالسا ولم يتنازل للقيام والسلام عليها قائلاً:"سلمك الله ياعمة .... لا سلام على طعام أكملي طعامك..."
بينما صاح الشباب جميعهم يحيونه وكل منهم يتناول طعامه وأردف يوسف وهو الأقرب له من الجميع لتقاربهما سنا قائلاً:"معك حق لا سلام على طعام حين ننتهي نصافحك كما نريد...."
شعرت يمنة بالخجل وعادت ببطء لتجلس ثانية بجوار زوجها بينما أفسحت غالية لمعتصم المكان بجوارها قائلة:"اجلس حبيبي لك أشهر لم تتذوق طعامنا..." فوضعت أمامه زوج من الحمام المحشو و طاجن من الأرز المعمر و طاجن من الويكا فشمر كميه قائلاً بحماس:"فعلا أجوب جميع البلاد ولا أجد في مذاق طعام بلادنا..."
وبدأ يأكل معهم والشباب لايكفون عن الحديث معه وسؤاله عن أخر أخبار العمل..
كان الجميع يتحدثون معه وينظرون إليه وهم يأكلون ولكن هناك عين محبة كعين عمران وغالية وهناك عيون كانت تتبادل النظرات معا بشكل لا يقرأه غيرهما
كان زكريا ينظر إلى نعمة زوجته وتبادله هي نفس النظرة وكل منهما يوزع نظره بين الحلة الرسمية للضباط التي يرتديها معتصم وبين النظر لصاحبه وعيونهما تقول أليس من المفترض أن يكون يحيى مكان معتصم ؟
ألم يكن يحيى أحق؟
جز زكريا على أسنانه وهو يتذكر غباء ابنه حين رفض دخول كلية الشرطة كما دخلها معتصم بحجة أنه يحب الزراعة
نعم تفوق في مجاله وأصبح مُهندساً زراعيا يُضرب به المثل
ولكنه كان يتمناه ضابطا كمعتصم الذي لا يفرق بينهما سوى أقل من عامين
أخرجه من شروده صوت الحاج عمران قائلاً لكل أولاده الذين يجلسون حوله
:"لم نكمل حديثنا بشأن زيجة الأولاد مارأيكم في عقد قران يحيى ويسر ويوسف ومريم و رماح وعنان في يوم واحد؟..."
شعرت البنات بالخجل وأطرقت كل واحدة بوجهها أرضا أما الشباب فارتفعت وجوههم وزينت البسمة أعينهم
فأردف راشد زوج يمنة بسرعة والذي كان قد أعاد طلب عنان من جدها للمرة الثانية منذ قليل حين كان ينفرد بيونس وعمران "الذي تراه ياحاج عمران أطال الله في عمرك حتى ترى أبناؤهم ..."
وأردف صالح :"وقت أن تحدد ياحاج هم أبناؤك ولك فيهم أكثر مما لنا.."
وأردف زكريا :"خير البر عاجله ...."
و لم ينتبه أحد لمعتصم الذي وقف الطعام في حلقه ما أن سمع بذلك
و لم ينتبه أحد لتجهم وجهه المفاجيء وهو يرفع نظره إليها لا يصدق أن أحدا سيأخذ روحه منه دون أن يملك حق الدفاع عنها ...
وكيف يفعل وهو يرى عينيها متعلقة بعينيه وابتسامة سعيدة تملأ وجهها الذي يٌضيء كخيوط من نور ولم يكن هناك أقسى عليه من أن يٌضىء لغيره
يتمنى من كل قلبه أن تفشل الزيجة ... يتمنى ذلك من قلبه بمنتهى الأنانية
ومنذ متى كان العاشق كريما معطاءا يتمنى الخير لغريمه؟....
***********
في اليوم التالي
استيقظ مُعتصم صباحاً بعد أن قضى نهار العيد كله مع شباب العائلة...
جلس في فراشه في غرفته المجاورة لغرفة غالية ينظر لسقف الحجرة بضياع...
ظل على هذه الحالة فترة طويلة لا يفعل شىء سوى الشرود
إلى أن غمغم بصوت مسموع يائس:"وكأنها كانت لك أو كنت تتوقع أن تكون لك وتفاجأت بخبر زواجها ... هي لم تكن لك من البداية... ولم تشعر بك ولو للحظة واحدة ... هز رأسه أسفا وغمغم بصوت خفيض ضائع يشبه نظرة عينيه :هي لم تراك طوال عمرها ... منذ أن أشرقت شمسها في هذا البيت وأنت بالنسبة لها لا شىء..."
مسح على وجهه كله براحة يده وزفر زفرة حارة ثم استقام واقفا يقاوم حزنه ويأسه واحباطه
خرج إلى بهو البيت الواسع ليجد غالية تجلس على أريكتها المفضلة أمام التلفاز وتستمع إلى الأخبار كعادتها ترتدي عباءتها السوداء المنزلية الأنيقة وتربط رأسها بوشاح مزركش باللونين الأبيض والأسود ولكنه يغلب عليه اللون الأسود الذي تعتبره هي رمزا للوقار فاقترب منها ودون كلام وضع رأسه في حجرها وتمدد على الأريكة...
احتضنت وجهه بكفيها فوضع كفيه على كفيها في صمت ولم يتحدث ...
نظرت إليه وشعرت بالشفقة عليه...شاب على مشارف الخامسة والعشرين
في ريعان الشباب....تعرف مافي قلبه حتى وإن لم يَبُح به
ومن غيرها سيشعر به وهو ابن قلبها الذي لم يحمله رحمها...
ولكن ماذا ستقول ؟.. أحيانا يكون الصمت أبلغ من الكلام
فهي ترى البنت من صغرها تميل لغيره
وبما أن غيره من أبناء العائلة فلم يحدث عليه خلاف... ورغم ذلك تشعر به وبمشاعره التي لايملك منها شيء..
رأت أنه لا يريد الكلام فصمتت هي الأخرى تكتفي بالتربيت على وجهه الخمري المليح وتحسس قسماته بيديها الدافئتين وتمسح بيديها على شعره الأسود الغزير
وكأن يديها بهما سحرا فتبثان دفئا عجيباً وكان هو في أمس الحاجة لسحر لمساتها فاستسلم للنوم
يجتمع أبناءها وزوجاتهم وأبناؤهم عندها ولكنهم يبيتون في شققهم التي تعلوها مباشرة بسلم في منتصف بيتها ولكن معتصم هو الذي يظل معها لأنه ببساطة لايوجد له غيرها
ظل نائماً في حجرها إلى أن استيقظ بعد فترة من تلقاء نفسه
فاستقام جالسا وقال لها ووجهه يبتسم ابتسامة ليست من قلبه
:"دائما لا أجد نفسي ما أن أضع رأسي في حجرك غاليتي.."
ابتسمت قائلة :" طوال عمرك لا ترتاح إلا في حضني..."
ضيق عينيه وكأنه تذكر شىء فأردف قائلاً :"أمي نسيت أن أقول لكِ شيء .."
"قل حبيبي"
"هل سمعتي عن حادث الثأر في بلدة(.....)
قالت بامتعاض وملامح وجهها قد تغضنت:"سمعت يابني شباب كالورد ضاع فيها.."
أردف قائلاً:"القوة الموجودة هناك بهم الكثير من أصدقائي هل من الممكن أن أدعوهم على الغداء غدا؟..."
قالت له بتلقائية:"طبعا بٌني وهل تسأل؟ البيت بيتك تدعو فيه من تشاء حسنا فعلت أنك قلت من اليوم حتى نجهز مايليق بك ياحضرة الضابط...."
قبل مٌعتصم يديها قائلاً بابتسامة حلوة ملأت وجهه فأضاء شعاع نور في قلبها من ابتسامته فأردف وهو يستقيم خارجاً للمندرة ليكلم زملاؤه يؤكد عليهم الموعد :"بارك الله فيكِ حبيبتي..."
************
في اليوم التالي
دلفت مريم إلى حظيرة المواشي وهي تنظر خلفها خوفاً من أن يراها يحيى كالمرة السابقة
فوجدت من يجذبها من ذراعها فشهقت بصوت عالٍ فوضع يوسف كفه الحر على فمها وجذبها بكفه الآخر إلى داخل الحظيرة بالقرب من المواشي التي ترتع في الأرض وتأكل مُصدرة أصواتا مألوفة بالنسبة لهما
قالت له بامتعاض ما أن نزع يده عن فمها :"بالله عليك هل هذا مكان تواعدني للقاء فيه؟..."
ظهر شبح ابتسامة على وجهه فهو غالبا لا يبتسم كثيرا فهو من الشباب الذين لا يٌظهرون مشاعرهم بوضوح... ثقيل وهي تحبه بكل صفاته
أردف يوسف وهو ينظر إلى عينيها العسليتين من هذا القرب :"هذا هو المتاح عزيزتي ثم أردف وهو يغمز لها بعينه:هل نسيتي أول أمس حين دخلنا الحديقة وكان أخوكِ هناك...."
قالت له بخجل :"لا لم أنسى ثم أردفت بمشاكسة:ومن أدراك أنه لن تحدث صدفة ويجدنا هنا أيضا..."
أردف وهو يبعد يده أخيرا عن ذراعها :"الجميع منشغلون في المندرة مع ضيوف معتصم.."
قالت وهي تنظر بقلق نحو باب الحظيرة :"لماذا كنت تريدني يوسف ؟..."
قال لها بجدية وهو يقف متخصراً:"أنا أريد أن نتزوج مباشرة لا أجد داعي للانتظار لآخر العام كما قال جدي أنا أعرف هو قال هذا لأن يسر وعنان أمامهما عدة أعوام في الجامعة أما أنتِ فلا يتبقى لكِ سوى عام واحد تكمليه معي والجامعة ستكون قريبة جدا من بيتنا لما ننتظر نحن لأخر العام؟ ثم أردف باستنكار: فقط ليكون الجميع في يوم واحد؟..."
كان يتكلم بحماسة ويبدو أنه عزم بالفعل على مايريد ولم تكن هي رغبتها في القرب منه أقل من رغبته فأردفت بلهفة :"أنا أوافق... أنا أيضا أريد ذلك..."
ابتسمت عينيه للهفتها التي قفزت من عينيها العسليتين فشعرت هي بالخجل من اندفاعها ولاذت بالصمت وهي تفرك كفيها معا فأردف وهو يجذب كفها ليحيطها بكفيه بتملك:"أنا فقط كنت أريد أن أعرف موافقتك هذه حتى حين أتكلم أمام الجميع أتكلم بثقة...."
ذابت أناملها بين يديه فشعرت أن دفاعتها جميعا ستنهار في ثانية واحدة فلملمت مشاعرها وجذبت يدها من يديه خاصة وهي حريصة منذ مصارحته لها بحبه منذ سنوات قليلة على وضع حدود لعلاقتهما لسببين
أولهما خوفها من الله
ثانيها خوفها من والدها
فهو شديد معها ولا يُمرر لها غلطة... تنحنحت قائلة وقد انفجرت الدماء في وجهها كله :"يجب أن أذهب الآن..."
كانت الحظيرة مليئة بالبط والأوز والدجاج إلى جانب بقرتين كبيرتين مربوطتين بإحكام وحولهما صغارهما فكان هناك صراعا يدور بين بطتين لم تنتبه له مريم إلا بعدما قفزت بطة كانت تقف بجوار مريم على صديقتها ونقرتها بمنقارها لترد لها الأخرى الهجوم ولكن الأولى فرت لتندفع الثانية على ساق مريم و نقرتها فقفزت من مكانها لتتعلق بكفيها بكتفي يوسف الذي راق له شجار البطتين الذي أدى إلى هذا التقارب الذي يُعتبر لأول مرة يكون بهذا القرب الذي جعله يشم رائحة شعرها العطر فأحاط بذراعيه خصرها النحيل ورفعها ليبعدها قليلاً عن الشجار الذي دخلت فيه دون ارادتها وما أن وضعها على الأرض حتى انتبهت
هل حملها بالفعل؟
لم تشعر سوى بأن قدميها لا تلامسان الأرض ثم فجأة وجدت نفسها لامست الأرض مرة أخرى
فرت من أمامه ما أن أدركت أن زمام الأمور ربما يفلت منهما فأسرعت للخارج تحمل قلبها بين كفيها وهو يضحك عليها وفي نفس الوقت يشعر بتسارع دقات قلبه من أثر قربها الشديد منه منذ لحظات ... صغيرته هي التي رباها على يديه ليدرك ما أن شب أنه يهيم بها عشقا
دلفت مريم إلى شقة والدها لتلحق ببنات عمها اللاتي يجتمعن في غرفتها وكانت هي معهن وما أن أرسل لها يوسف الرسالة حتى تركتهن وتحججت بحاجتها للذهاب إلى الحمام
فتحت باب غرفتها بهدوء لتجدهن جميعا يقفن خلف النافذة يفتحن فتحة صغيرة جداً وينظرن إلى المندرة فضيوف معتصم كانوا يجلسون مع رجال وشباب العائلة وكانت نافذة حجرة مريم هي الوحيدة في الشقة التي تطل على المندرة فسارت على أطراف أصابعها ووقفت خلفهن بهدوء لتنظر إلى ماينظرن إليه ...
البنات في بلادهن لا يخرجن من البيت إلا لحاجة ويكون معهن رجل من العائلة
ولا يصح أن يدخل ضيف غريب البيت الذي يوجد به بنات لذلك جميع ضيوف العائلة من الرجال يتم استقبالهم في المندرة
والبنات من هذه النافذة الصغيرة يشاهدن العالم الذي لا يعرفن عنه إلا القليل
وما أن شعرت عنان بأنفاس بجوارها حتى انتفضت وشهقت لتشعر بقية البنات بها فوضعت عنان يدها على صدرها قائلة :"سامحك الله لقد ارتعبت وظننت أن عمي زكريا هو من أتى.."
قهقهت مريم ضاحكة وقالت لها:" هل إلى هذه الدرجة أبي يشكل لكن رعبا ؟."
قالت يسر وهي ترفع عينيها إليها وتمط شفتيها:"صراحة نعم يامريم كان الله في عونك فوالدك صعب .."
ابتسمت مريم ابتسامة صغيرة ولمعت عينيها بالتسلية قائلة:" بل كان الله في عونك أنتِ فبعد أشهر قليلة سأنتقل أنا إلى بيتكم وتأتين أنتِ إلى بيتنا..."
قالت يسر وهي تجز على أسنانها:" أنتِ تتعمدين مضايقتي..."
قهقهت مريم ضاحكة ثم أردفت بجدية وقلبها مازال يحلق حولها :"لاتقلقي يحيى يحبك ولن يسمح لأي شخص بتجاوز حدوده معكِ "
كانت عنان تقف بجوار أختها الصغرى في النافذة حين على صوت راشد زوج عمتها يمنة وهو يدخل ليصافح رجال الشرطة فاستقمن جميعا لمصافحته إلا معتصم الذي لم يتحرك من مكانه مدعيا انشغاله بهاتفه ومن خلف راشد كان رماح أكبر أبناؤه يليه تمام وكامل ومالك
وما أن رأت عنان رماح حتى ابتسم ثغرها تلقائياً ابتسامة تخصه هو فقط فناظرتها يسر ونظرت إلى رماح قائلة باستنكار :"لا أعرف لماذا تحبيه؟..."
قالت لها عنان بهدوء:"لنفس السبب الذي تحبين من أجله يحيى ثم نظرت إلى مريم قائلة:ولنفس السبب الذي تحبين من أجله يوسف..."
قالت يسر باستنكار أكبر:"وهل رماح كيوسف ويحيى؟..."

احتدت ملامح عنان وهي تردف:"نعم مثلهم ماذا ينقصه عنهم أليس ابن عمتنا؟.."
أردفت مريم:"لاااا ليس ابن عمتنا ولكنه ابن زوج عمتنا تفرق..."
قالت عنان بجدية :"في ماذا تفرق؟..."
كانت يسر تريد أن تنبهها ولكن هل لعين الحبيب أن ترى في المحبوب من نقصان؟
كانت هي تراه السماء بشمسها وقمرها ونجومها
وكان الجميع يرى فيه الشاب الطامع الذي يشبه والده ولكن الجميع يرى شىء والمحب يرى شىء آخر خاصة حين يكون المحبوب ذو لسان معسول وعينين آسرتين وله سطوة على القلب
وجدت يسر ومريم أن الكلام مع عنان لن يفلح فقالت مريم وهي تعاود النظر إلى الأسفل :"حسنا دعنا من رماح الآن ماشاء الله الضباط مظهرهم له رهبة خاصة ثم نظرت إلى يسر قائلة وهي تمط شفتيها:لما لم يدخل يوسف ويحيى الشرطة كمعتصم؟..."
فأردفت يسر بهيام وهي تنظر إلى يحيى من خلف النافذة :"أنا أحبه هكذا هل كنتِ تريدينه أن يدخل الشرطة وأراه كل عدة أسابيع يومين ؟...."
قطع عليهن الحديث شعورهن بأنفاس خلفهن فأردفت عنان بتسلية دون أن تنظر خلفها وقد فطنت أنها وصال أختها التي قالت لها انها ستنهي صلاتها وتأتي خلفها:"تعالي وصال أنتِ تحبين الضباط وحلة الضباط وكل ماله علاقة بالضباط.."
وبينما هي تمد ذراعها خلفها لتجذب وصال اصطدمت يدها بعمامة فالتفتت بسرعة لتجد عمها زكريا يقف خلفهن مباشرة عينيه تتقدان وقد رأى من جلسته في المندرة ظلال خلف النافذة فصعد ليرى من بالأعلى
اتسعت عيني عنان عن أخرهما وقالت بصوت منخفض لا يخلو من الخجل والخوف ومزيج من الانفعالات التي لا تحدث مع والدها ولكن تحدث مع زكريا لما له من سطوة يفرضها على الجميع سواء أبناؤه أو أبناء اخوته :"عمي زكريا!!!..."
اتسعت عيني يسر ومريم ونظرت كل منهما للأخرى ثم التفتتا ببطء لتجدانه يقف خلفهن مباشرة ينظر إليهن شزراً قائلا:"ماذا تفعلن يابنات عمران؟..."
لم ترد أي منهن على سؤاله المباشر وكانت عنان أول من تحركت قائلة وهي تجذب اختها الصغرى خلفها قائلة بسرعة:"أمي تريدني..."
وما أن خرجت من الغرفة حتى وقفت يسر ومريم تنظر كل منهما للأخرى إلى أن قالت يسر بلجلجة:"كنا ننظف الحجرة مع مريم وكانت النافذة ممتلئة بالتراب.."
ثم تسللت من جواره بخفة ومريم تمسك في يدها فلم يعترض طريقهما وهو ينظر إليهما بغيظ مهمهما وهو يغلق النافذة بعنف :"هذا ما نأخذه من خلفة البنات ...وما أن أغلق النافذة حتى أردف وهو يجزعلى أسنانه :كان لديهم حق حين كانوا يؤدونهن قديما.."
بينما كانت البنات يهبطن الدرجات بسرعة حتى وصلن لجدتهن غالية التي كانت تجلس في بهو البيت فالتففن يجلسن حولها كل واحدة من ناحية والثالثة دفنت رأسها في حجرها كأنهن قطط صغيرات تندس في حضن والدتهن لا إناث بالغات ستحمل كل منهن مسئولية بيت وأسرة عن قريب....
************

soha, samahss, najla1982 and 8 others like this.


التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 02-06-21 الساعة 11:36 PM
Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-21, 05:41 PM   #66

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,499
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي





بعد مرور ثلاثة أشهر
في كل بيت مصباحين مضيئين كقنديلين .. كقمرين ... كمنارة تهتدي بها سفن الأبناء والأحفاد
عمودان قويان يقوم عليهما أي بيت ،تُرى إن سقط أحدهما هل يستطيع الآخر أن يحمل البناء وحده؟
في حياتنا يمضي بنا العُمر كأنه لحظة حتى إذا أتى الأجل بغير استئذان نتسائل لما دنا فجأة ونحن لم نلبث فيها سوى يوما أو بعض يوم !!!!
كانت غالية تجلس في فراشها وحيدة ...تنظر إلى أعمدة حجرتها وهي تشعر أن العمود الذي كان يسند هذا البيت قد سقط فجأة
هل حقا سقط فجأة؟ لقد تجاوز السبعين بسنوات....
أغمضت عينيها ولسان حالها يقول وماذا إن بلغ الانسان الستون والسبعون ؟..
قديما حين كانت صغيرة كانت عندما تسمع أن رجل أو امرأة مات في الستين كانت تشهق وتقول هل عاش كل هذا؟
واليوم وهي قد تجاوزت الستين لا ترى الأعوام سوى أرقام تٌضاف إلى رصيدنا دون أن تؤثر عليه بشىء، فهاهي قلبها كقلب طفلة، وهاهي أحلامها كأحلام طفلة
رغم أنها هي الأم الحنون والمرسى للجميع في هذ البيت ولكن احساسها الذي يسكن صدرها أنها تريد من الحياة المزيد ... تريد أن ترى أبناءها وأحفادها سعداء
ترقرقت الدموع من عينيها وهي تهمس بصوت مسموع:"لما رحلت مبكرا ياعمران وقسمت ظهري ؟ لما رحلت يارفيق الدرب؟.."

شهر كامل مر منذ رحيله المفاجىء....لا لم يكن مفاجئا ...كان يسبقه وهن..ومرض..و زهد في الحياة...كان يسبقه رغبة منه في أن يترك ذكرى حلوة في قلوب من حوله
قطع سيل ذكرياتها صوت طرقات على باب الحجرة أعقبه دخول صالح الذي بدى على وجهه علامات الزمن وشعيراته البيضاء المتناثرة بين طيات شعره الاسود تنبىء والدته بأنه حقا مر العمر
تقدم منها صالح قائلاً :"عمي رأفت في حجرة المكتب هيا أمي لابد أن تحضري فتح الوصية...."
مد صالح يده لأمه فوضعت يدها بين يديه واستقامت وسارت معه بخطوات بطيئة وهي حقا لا تعرف ماتحويه وصية عمران فهو لم يقل لها من الأساس أنه قد كتب وصية...
تفاجأت كأبناءها بعد وفاته برأفت ابن عمتها والذي كان المحامي الخاص بعمران يطلعهم أن هناك وصية لعمران
وبما أن الحزن كان كبيراً في الأيام الأولى فلم يستطع أحد فتح هذه الوصية التي كانت في مكتب رأفت إلا بعد أن استعادوا اتزانهم مرة أخرى
فتح صالح باب حجرة مكتب والده الذي يقع في وسط البيت فاستقام جميع أبناء عمران احتراما لوالدتهم واستقام الأستاذ رأفت المحامي قائلاً بتقدير :"كيف حالك ياحاجة؟..."
قالت بابتسامة ودودة شقت طريقها بصعوبة بين الخطوط المحفورة على وجهها :"بخير يا ابن عمتي...."
جلس رأفت على مقعد وعلى يمينه جلست غالية تتوسط ولديها صالح وهارون على الأريكة بينما كان على الأريكة المقابلة زكريا ويونس وبجوار يونس تجلس يمنة
بدأ في فتح المظروف قائلاً :"بسم الله..." التفتت جميع الأعين نحوه فبدأ في القراءة قائلاً والجميع يسمعه باهتمام
بسم الله الرحمن الرحيم
"زوجتي ورفيقة دربي الغالية غالية... أبنائي الأحباء وقرة عيني في هذه الدنيا وكنزي العظيم ...حين تقرأون رسالتي هذه أكون أنا قد غادرت هذه الحياة الدنيا التي ماهى إلا متاع الغرور ...نعم أبنائي لا تجعلون هذه الحياة تغركم...
ترقرقت دموع رقيقة من عيني غالية ويمنة بينما ارتجفت أجساد الرجال ليكمل رأفت
الذي تركته لكم من مال ليس بقليل بل كثير وكثير جداً فلتحافظوا أنتم وأبناؤكم عليه ولكن إن كان ما تركته لكم هو المال فقط فهكذا أنا لم أترك شيئا ....ابحثوا داخلكم إن وجدتم إنني تركت لكم رجولة وعزة ونخوة وكرامة فهكذا أكون حقا تركت،
اعلموا أبنائي ان الحياة مهما طالت قصيرة فاعتصموا بحبل الله وكونوا يد واحدة واجعلوا كتاب الله مرجعكم وأدوا الأمانات إلى أصحابها....أما عن وصيتي فيما تركت من مال... في البداية لكل واحد منكم في بيتي هذا شقته التي يعيش فيها ومعها شقة لكل ولد من أحفادي فكما أخذ زكريا شقتين لأبناؤه الذكور فأوصي بقطعة الأرض الشرقية المجاورة للمنزل تكون لأبناء صالح وأبناء هارون لكي يتساوى جميع أحفادي ....أما شقة الطابق الأخير في البيت فأنا وثقتها رسميا باسم معتصم هبة مني له في حياتي....
اشتعلت عيني زكريا غضبا فأردف الأستاذ رأفت "وهذا شىء أهبه لمعتصم يا زكريا لإني أعرف أنك أول المعترضين .... نظر زكريا إلى رأفت قائلاً بامتعاض:"هل قال ذلك؟ هل قال يا زكريا؟.."
بسط الرجل الورقة على طول ذراعه قائلاً:"انظر بنفسك هل سأدعي.."
زفر زكريا زفرة حارة ثم أردف بضيق مكبوت:"أكمل...."
عاد الرجل لأوراقه مرة أخرى مكملاً "و حديقة الفواكه الغربيه أيضا وهبتها في حياتي لمعتصم....
لمعت الدموع في عيني غالية ويمنة بينما اتقدت عيني زكريا بغضب أسود ليكمل الرجل: وخزينتي الشخصية ستجدون بها مبلغا من المال مبلغا ليس كبيراً ستعطون معتصم منه (.....) والباقي تصدقوا به على روحي ....أما المصنع والشركة وجميع الأراضي والمناحل ورصيدي في المصرف وكل ما أملك وتعرفونه يوزع بشكل شرعي عليكم جميعا ولا تنسون يمنة أختكم ولا تبخسوها حقها لأنكم ستُسألون عنها يوم تلقون وجه كريم..."
انتهت الوصية فاستقام زكريا قائلاً باعتراض:"ماذا يعني كل هذا لمعتصم؟.."
استقام صالح ليقف أمامه قائلاً:"ما كل هذا هل تستكثر عليه شقة ليعيش فيها بيننا كما أخذ كل أولادنا وأولهم أولادك؟ أما عن الحديقة فكلنا يعلم معزتها عند معتصم ويوجد غيرها الكثير...وبالنسبة للمال فلا يساوي شىء بالمقارنة بما سنرث نحن.."
نظر زكريا لهارون ويونس قائلاً بغيظ:"وأنتما توافقان على هذا؟؟."
أردف هارون برزانة:"مادام أبي أوصى بذلك فأوافق وكما قال صالح لايساوي شىء مما سنرث...."
وأردف يونس:"ماذا يفرق معتصم عن باقي أبنائنا يا زكريا أنا أعرف تفكير أبي رحمه الله هو أدرك أن الولد لن يرث بطريقة طبيعية فوهبه ما وهبه والولد ابننا وتربى على أيدينا منذ وٌلد ...."
وجد زكريا أن الجميع لا يعارض فأردف قائلاً بحدة:"ولكني لا أوافق أن يدخل راشد بيننا ويكون شريكا لنا؟؟."
قالت يمنة بصوت منخفض فهي لا تستطيع رفع صوتها في حضور زكريا:"وما دخل راشد أنا من سأرث لا هو.."
قال لها بتوبيخ:"وهل تملكين أي شخصية أمامه هو من يتحكم في كل شىء تملكينه...ثم أردف مدعيا الهدوء وهو ينظر إلى اخوته :ما رأيكم لو تأخذ حقها في المصنع والشركة أموالا لأني أعرف أن راشد لن يتنازل عن حشر نفسه وولده داخلهما بحجة أنه يحمي أموال زوجته.."
أردف صالح وهو يعرف أن زكريا في هذه النقطة على وجه الخصوص لديه حق:"إذا كانت يمنة توافق فلا مانع.."
نظر إليها زكريا نظرة نارية جعلتها تنكمش في مكانها قائلاً:"هل توافقين؟."
كانت تعرف أن زكريا لديه حق وأن زوجها سيفعل مايخاف اخوتها منه فآثرت عدم حدوث مشاكل وقالت له :"حسنا..."
فأردف بسرعة للأستاذ رأفت:"اكتب أوراق تنازلها يا أستاذ حتى تسجلها بعد انتهاء اجراءات اعلام الوراثة ...."
استقام صالح وهو يطلب من والدته أرقام الخزينة التي بها الأموال التي أوصى والدهم بها بينما يجلس المحامي يكتب أوراق تنازل يمنة حتى تكون جاهزة عنده
وما أن فتح الخزينة حتى تفاجأ بأنها فارغة ليس بها إلا أوراق ملكية الأراضي فقط فقال لإخوته بتعجب وهو يفتح الخزينة على آخرها:"لا يوجد مال..."
استقام هارون ويونس ليرون معه بملامح متجهمة
أما زكريا فظل كما هو وقال وهو ينظر إلى أمه بتعجب:"حقا ....ربما صرفهم أبي بعد أن كتب الوصية لايوجد لها تفسير آخر فلا يعرف أحد أرقام الخزينة سوى أبي وأمي..."
صدرت همهمات ما بين صالح ويونس وهارون بينما اكتفت غالية بالنظر إلى وجه زكريا الهادىء قائلة بصوتٍ خاوي:"ربما...."
************
بعد اسبوع
دلف راشد إلى غرفته خلف زوجته وأغلق الباب قائلاً لها وهي تعطيه ظهرها والشرر يتطاير من عينيه :"كيف لم تقولي لي على اتفاقك مع اخوتك من قبل؟...ثم جذبها من ذراعها بعنفٍ حتى أصبحت تواجهه فلمح الكثير من الخوف والجٌبن في عينيها فشدد من قبضته على ذراعها قائلاً:تتفقين معهم وأنا كالمغفل لا أعرف شىء ؟ثم أردف بقهر :لا ليس اتفاقاً بالطبع أرغموكِ.."
أفلتت ذراعها من بين أنامله في بادرة للدفاع عن نفسها وهي تقول مُدعية الهدوء:"مالذي يضايقك أنت ألم آخذ حقي أموال إلى جانب الأرض التي استلمتها بالفعل...."
جز على أسنانه بغيظ وغل قائلاً وهو يقرب وجهه من وجهها :"ياغبية ياغبية ثم رفع وجهه للسماء مغمغما من بين أسنانه:لقد تزوجت غبية ...ثم أردف بحسرة:الأموال التي أخذتيها هذه لا تساوي شىء من ثمن المصنع والشركة إلى جانب أن الأسعار تزداد يوما بعد يوم فالبائع خاسر في مثل حالتك هذه ثم أردف مؤنبا :ثم ألم تفكري في رماح واخوته ألم يكن من الأفضل أن يعملوا مع ابناء اخوتك في الشركة والمصنع وقتها كانت مكانتهم ستعلو أكثر..."
ناظرته بصمت لا تعرف ماذا تقول ولكنها حسمت أمرها في النهاية قائلة وهي تجلس على طرف فراشها :"اخوتي لا أحد يعرفهم أكثر مني لا يحبون أن يتدخل أحد في عملهم ونصيبي بالطبع أقل من أنصبتهم جميعا فلم يكن أحد منهم سيسمح بدخول أحد معهم أنا فقط بموافقتي قصرت الشر ثم أردفت بنبرة مستكينة:ألا تعرف المثل الذي يقول إن كان لك حبيب لا تعامله ولا تناسبه أنا أتبع هذا المثل ولا أريد تداخل مع اخوتي فى شىء ثم أردفت وهي تستقيم لتضع يدها على صدره قائلة بنبرة متوسلة:مررها يا راشد وصدقني هذا هو الأفضل والأرض كما قلت لك موجودة ..."
أردف قائلاً وهو يوقن بالفعل أن التداخل مع اخوتها لن يكن بالسهولة التي كان يحلم بها ولكن الأمل في أن يصل لما وصلوا له هو الذي جعله يتشبث في أمل أن يكون لها إرث في المصنع والشركة في مركز المحافظة:"حسنا من الغد تقومين بعمل توكيل لي للتصرف في شئون الأرض فبالتأكيد لن تنزلي أنتِ بنفسك لمباشرة أعمالها..."
أسبلت جفنيها باستسلام قائلة :"حسنا يا أبا رماح حسنا..."
كانت حدة غضبه قد هدأت قليلاً فنظر إليها وهي تسبل أهدابها وبشرتها كلها مشربة بحمرة خفيفة وملامح وجهها تزداد جمالا رغم سنوات عمرها التي تجاوزت الاربعين فمرر أصابعه على وجهها كله بنظرة تفهمها هي
ربما هذه هي طريقته الوحيدة ليراضيها بعد أن يغضبها أو حين ينجح في سلبها حقا من حقوقها
*************
جلست غالية في بهو البيت أسفل النافذة التي تطل على أرضها التي بلا حدود أمامها ترى جانب النهر فقط من هذه النافذة في الوقت الذي جاءتها فيه عنان ومريم تجلسان بجوارها فبعد وفاة جدهم وهي أصبحت قليلة الكلام والجميع يخاف عليها
وضعت مريم بجوار جدتها على المنضدة الصغيرة كوب الشاي الثقيل الذي أعدته لها وقالت عنان لتستدرجها في الكلام وهي تمارس عليها دلالها المعهود :"منذ متى لم تمشطي لي شعري ماما ..."
ابتسمت غالية وهي تنظر إلى ملامح صغيرتها الجميلة التي تشبه ملامح أمها وقالت لها:"تعالي يا قلب أمك ..."
نزعت عنان وشاحها ذو الألوان الربيعية من على شعرها لينسدل ناعما بلون الليل فوق ظهرها ليصل إلى منتصفه و أردفت بضيق :"لم يطول منذ قصصتيه لي آخر مرة ..."
أخذت غالية تمشطه لها بأصابعها وتتخلل خصلاته ثم أشارت لمريم قائلة :"أحضري لي الفرشاة والجاز من على الطاولة في حجرتي..."
اتقدت عيني مريم بالتسلية وهي تنظر إلى عنان التي اتسعت عينيها فزعا قائلة:"لا ماما لن أضع الجاز ثانية...."
قالت لها بمهادنة:"كان يطول حين كنت أضعه لكِ وها أنتِ تقولين منذ فترة لم يستطيل وأراهنك لم تكوني تضعيه .."
كانت مريم قد وصلت بالفرشاة وزجاجة الجاز الصغيرة وهي تٌلَعِب حاجبيها لعنان بينما أخذتهم منها غالية وبدأت في وضع القليل من الجاز على شعرها وتصفيفه جيداً ثم جدلته لها في ضفيرة طويلة وسط تذمر عنان المستمر وسخرية مريم إلى أن انتهت لتشير غالية إلى مريم قائلة:"هيا ياذات الشعر البني حتى أصفف شعرك أنتِ الأخرى...."
وضعت مريم يديها على رأسها قائلة بتوسل طفولي:"لا ماما لا أريد لا أطيق رائحة الجاز...."
فجذبتها عنان من يديها وكانت أكثر منها قوة بدنية لتجلس أمام جدتها التي بدأت في ازالة وشاحها من على رأسها وقد جعلتها هذه الدقائق القليلة مع حفيداتها أكثر مرحا من ذي قبل ثم أردفت وهي تدهن لها شعرها :"حتى حين يحين موعد زواجكما تكن صحة شعركما أفضل ..."
أردفت عنان وهي تجلس بجوارهما على الأريكة :"هل سيتم الزفاف في موعده ياماما؟.."
قالت غالية بشرود وهي تجدل لمريم شعرها:"أخر العام بإذن الله كما قال جدكم هو أوصاني قبل وفاته أن يتم كل شىء في موعده ..."
**************
بعد مرور سبعة أعوام
السنوات...
جميعنا ننتظر مرور السنوات لتحقيق المعجزات،نظن أنه بمرور السنوات البعيد سيقترب،الحلم سيتحقق،المريض سيشفى،الغائب سيعود،والمفقود سيكون ملك اليد
ولكن لا تسير الأقدار على أهواءنا
في البيت الذي حلمت أن تعيش به بقية حياتها كانت تجلس على الفراش الذي يحمل لها معه أجمل ذكرياتها،وجهها المتورد فقد تورده وفقدت هي شغفها بالحياة ...شعرها الأسود الناعم استطال وهاهو يتناثر حول وجهها وهي تجلس وجميع صورها معه مبعثرة فوق الفراش ،صوره التي لم يتبقى لها إلا هي بعد أن رحل عن الحياة منذ بضعة أشهر،أغمضت عينيها ربما يكون ماهي فيه مجرد كابوسا وستجده يطرق الباب أو يفتحه بعد قليل ولكن طال انتظارها فمنذ متى يعود الموتى إلى الحياة !
يعودون فقط في الأحلام لذلك أغلب وقتها تقضيه في النوم ربما يمر عليها طيفه فيروي ظمأ روحها إلى لقياه
عنان التي كانت تصل أحلامها عنان السماء أصبحت أعظم أحلامها أن تنام لترى طيف رِماح في المنام
وضعت رأسها فوق الوسادة تهرب من صخب أفكارها تتمنى النوم طواعية فإن لم يطاوعها النوم تلجأ للمنومات
************
وعلى الجانب الآخر من النهر في بيت عمران كانت يُسر تجلس في فراشها تبكي قهراً وهي تضع يدها المرتعشة فوق بطنها الممتلئة والتي أخبرتها الطبيبة منذ ساعات أن حملها لن يكتمل
ستة أعوام هو عمر زواجها لم يثبت لها حملا رغم حملها لمرات فقدت هي عدها
أردف يحيى وهو يجلس بجوارها يحيط كتفيها بذراعه :"لا تبكي حبيبتي ليس لنا فيه نصيب...."
أردفت وهي تبكي قهراً وألما :"ولكني كنت أريده بشدة...كنت أتمناه يا يحيى كما كنت تتمناه أيضا ..."
نظر إلى ملامحها الجميلة التي لم تزدها الأيام إلا جمالا فوق جمالها
كانت بشرتها القمحية الساحرة تلمع تحت الضوء الجانبي الأصفر الضعيف المجاور للفراش.... شعر بالشفقة عليها ... كان يتمنى أن يراضيه الله بطفل فقط من أجلها هي....
أغمض عينيه وهو يصارح نفسه....
ومن أجل والده ووالدته اللذان لا يسأمان من الحديث في هذا الأمر ليل نهار
زفر زفرة حارة وهو يضمها إليه بشدة فأخذ يمسد على ظهرها لاحتواء اهتزاز جسدها إلى أن هدأت قليلاً فأردف قائلاً بجوار أٌذنيها بصوت منخفض:"كل ما يهمني أن تقومي أنتِ بسلامة الله وبعدها يفعل الله مايريد...."
ومن داخله يعرف أن هذه المرة لن تمر على خير من جهة والدته ووالده اللذان يلحان عليه بوجود حفيد كأنه باستطاعته أن يأتي به ولم يفعل
************
في مركز المحافظة حيث الحياة الصاخبة والمدينة التي لا تنام تماما وخاصة صيفا كما الحال في العاصمة وبعد أن انتصف الليل فتح يوسف باب منزل والده ببطء شديد خوفا من أن يسمعه أحد
وما أن وجد الصالة الكبيرة ضوءها مغلق حتى اطمئن قليلاً فوضع المفتاح في الباب من الداخل وأداره وأغلق الباب دون أن يصدر صوتا وبعدها أغلقه بالمفتاح عدة مرات تماما كما كان مغلقا
نظر إلى أعلى وصعد السلالم ببطء حتى لا يوقظ أحد وما أن وصل للطابق الثاني حيث شقته حتى فتح الباب بهدوء كما فتح باب البيت ودلف داخل شقته وما أن رأى الضوء مغلق حتى حمد الله في سره أن مريم قد نامت هي والصغار حتى لا تبدأ في وصلتها اليومية معه
أخذ يدندن بصوت منخفض بكلمات الأغنية التي كان يسمعها مع أصدقاؤه في سهرتهم وهو يسير ببطء في الصالة المظلمة
لم يكد يكمل جملته حتى وجد ضوء الصالة قد فٌتِح فأغمض عينيه ثم فتحهما ببطء ليجدها تقف أمامه تعقد ذراعيها فوق صدرها وشعرها البني المموج يتناثر حول وجهها في هالة فوضوية فأردف قائلاً:"سلامُ قولاً من ربّ رحيم....."
"هل رأيت عفريتة؟..."
قالتها مريم بغيظ ليردف وهو يربت على وجنتها كأنه يهادن طفلة صغيرة :"لا مريم معاذ الله ..."
ثم تركها متجها إلى غرفته مكملاً أغنيته وكأنه لم يعترضه شىء
كان قد دلف إلى حجرة نومهما فدخلت خلفه قائلة بغضبها المكبوت:"إلى متى سنظل على هذا الحال ؟ تعمل طوال اليوم في الشركة وتسهر طوال الليل مع أصدقاؤك ....اهتز صوتها ودمعت عينيها قائلة:ألا تدرك أنني أيضا لي عليك حق..."
مط شفتيه وهو يستدير لها فرأى الدموع المتجمعة في عينيها فغمغم بصوت غير مسموع :"أنا أعرف... هي الليلة التي أكن منشكح فيها لابد أن تسمم بدني هكذا كأنها تعلم متى بالضبط تكدرني....ثم اقترب منها قائلاً بابتسامة مغوية كانت تميزه طوال عمره ولا تزال :حقوقك محفوظة يا ابنة العم ثم غمز بعينه قائلاً:خاصة أن دراستي هي الحقوق..." ثم جذبها من ذراعها جهة الفراش
كادت أن تستجيب له وقد أضناها شوقها إليه وكل ذرة في جسدها تشتاقه أكثر من الأخرى
ولكن ذرة تعقل ...ذرة تعقل واحدة هي من اوقفتها
أولم تطالب هي بحقها فيه لايسأل هو ولا يُطالب؟
ألا يوجد لديها كرامة لتطلبها هي كل مرة ليمنحها وكأنه يمن عليها؟
لما هذا البرود وهو سليم مُعافى كشاب في بداية الثلاثينات في أوج صحته؟
إلى أن قفزت في ذهنها نفس الفكرة التي زارتها مرارا
هل لديه مصادر أخرى لتلبية حاجاته سواها لذلك لا تفرق هي معه؟
عند هذه النقطة اشتعلت عينيها بالغضب ودفعته بعيدا عنها بعد أن نزع قميصه ودنا كثيرا منها قائلة بعنف وهي تصارع لتبدي عكس مافي قلبها :"لا ...لا أريد .... ثم استقامت قائلة بكرامة مجروحة:وهل إن لم ألفت انتباهك أنت لا تنتبه؟ أنا لا أريد منك شىء... فقط راعي كرامتي كما يُراعي أخي كرامة أختك وكما يُراعي عمي كرامة والدتك..."
ثم تركته وهي تٌغلق الباب بعنف وتذهب إلى غرفة أبناءها ودموعها تسيل على وجهها قهراً
**********
بعد أن نامت يُسر قليلاً بين ذراعي زوجها استيقظت ....
لم تغفو سوى نصف ساعة لتصحو بعدها ولا تزال دموعها على وجهها
لم يجد يحيى حلا سوى أن ينزل إلى جدته ليقول لها فوالدته أبعد من أن تواسي يسر في هذا الوقت وبالفعل استفاقت غالية من نومها وما أن سمعت منه ماحدث حتى وضعت يدها في يده قائلة بعزم:"خذني إليها بٌني...."
دلفت غالية إلى غرفة يسر التي كانت لا تزال غارقة في دموعها فجلست بجوارها وضمتها إليها بحب
وكأن حضن غالية هو ماكانت تحتاجه يسر في هذا الوقت على وجه التحديد فما أن وضعت وجنتها فوق صدرها وشمت رائحتها التي كانت كأن بها مسكنا للآلام حتى استكانت قليلاً ثم قالت بحسرة:"ولد يا ماما أحمل في بطنى الولد ولن أفرح به سليما معافى هل هذا عدلاً؟....."
ربتت غالية على وجهها قائلة بصوتها الدافىء:"الله عدل يا ابنتي ولا يبخس عبد من عباده حقه أبدا ربما يعطينا أشياء ويأخذ منا أشياء في المقابل لما لا تلتفتي إلى نعمه عليكِ؟
ألم يعطيكِ زوج محب .... وبيت مستقر.... وأب وأم يحبانك ويدللانك ....
ثم أردفت بصوت متهدج: وجدة عجوز تتمنى أن ترى السعادة في عينيكِ...
ثم أردفت بعد تنهيدة قصيرة :هم أربع وعشرون قيراطا قسمهم الملك عز وجل على عباده بالتساوي فهناك من أعطاها الأولاد وأخذ منها راحة البال مع زوج محب ... وهناك من أعطاها الزوج المحب ولم يأذن لها بعد بالأطفال... وهناك من أخذ منها الزوج حتى دون أن يعطيها منه الولد... "
تذكرت يسر وأنفاسها تهدأ فوق صدر غالية مريم وعنان
هي تقتنع بما تقوله جدتها ولكن ماذا تفعل في نفسها التي تتوق للأطفال
أردفت غالية في أذن صغيرتها التي أنهكتها الحياة :"هي دار نقص يا ابنتي فلا تنتظري منها الكمال...."


نهاية الفصل
اتمنى تكون قراءة ممتعة وهستنى آراؤكم




التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 20-05-21 الساعة 11:07 PM
Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-21, 07:14 PM   #67

عبير دندل

? العضوٌ??? » 457466
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 168
?  نُقآطِيْ » عبير دندل is on a distinguished road
افتراضي

فصل رائع مبهر🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳🥳☹

عبير دندل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-21, 07:51 PM   #68

ام حيان

? العضوٌ??? » 441852
?  التسِجيلٌ » Mar 2019
? مشَارَ?اتْي » 34
?  نُقآطِيْ » ام حيان is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كل عام وانت بخير


ام حيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-21, 07:55 PM   #69

Maryoma zahra

? العضوٌ??? » 403302
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 135
?  نُقآطِيْ » Maryoma zahra is on a distinguished road
افتراضي

رائع جدا بجد المقدمة و الفصل الأول
أول مرة أقرأ لحضرتك و ان شاء الله مش آخر مرة
أسلوبك جميل جدا و مشوق
و القصص ال بتعرضيها متنوعة و واقعية
و البنات صعبوا عليا أوي بجد سواء عنان ال زوجها اتوفي أو يسر ال لسه مش بتخلف و مريم ال زوجها يوسف مش بيعطيها اهتمام و معدش بيقدرها
تسلم ايدك و منتظرة باقي الفصول بإذن الله❤️❤️


Maryoma zahra غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-21, 08:29 PM   #70

خلود إبراهيم

? العضوٌ??? » 481832
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 98
?  نُقآطِيْ » خلود إبراهيم is on a distinguished road
افتراضي

بداية رائعة 😍😍😍😍😍😍

خلود إبراهيم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:13 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.