زوكيربيرغ في الملاجىء

[امير مراد]

الحزق ..الملاجىء
تتعامد الشمس على تعاضدية الخدمات الفلاحية ..يفتح الحارس الصغير باب مصنع العلف الحديدي بسرعة وبنسحب بعيدا ..تتدافع العربات الخشبية التي تجرها الأحمرة والبغال ،يقودها نسوة وكهول وعجائز ..الغلبة دائما للدواب السريعة وصغار السن المتهورين ،يصيح شاب بأعلى صوته ،عشرة أكياس يبدأ بتصريفها بسرعة ومهارة فوق العربة ،بدأ الحمار في الانحناء لكن الشاب يستمر في اثقال كاهله بالأكياس ثم يخرج من جيبه ورقة وقلما يدون فيها ما سيحمله الحمار ..يمسك الرسغ ويديره بعنف في اتجاه الباب ،ترك البقية له المجال متمتمين ثم اندفعوا في فوضى عارمة نحو أكوام العلف خوفا من نفاذ الكمية ، الأبقار تنتظر والخرفان والدجاجات ،يجلس شيخ سبعيني القرفصاء ملتصقا بحائط المعمل يراقب في سكون جحافل العربات وهي تغادر يضطرب كلما مرت عربة تمتطيها فتاة أو سيدة ،يطول عنقه قليلا ثم يسبل عينيه بعد أن يخرج سيجارة من علبة الكريستال ،غير بعيد عن المعمل يفتح معلم شباك الفصل تتطاير ذرات الغبار خارج النافذة وهو يمسحها بكمه ...يمسح كرسيه وطاولته ،الأسفنجة أضاعها التلاميذ كالعادة يوشك الشهر على النفاذ ولم يكن مستعدا لشراء اسفنحة جديدة ،انتهت الماهية ولم يتبق سوى بعض النقود للطوارىء والخبز والحليب والقهوة ، يندفع التلاميذ الى الداخل قبل أن يهدأ ضجيجهم فاجأته تلميذة بوردة حمراء ،وضعتها فوق الطاولة وانسحبت في خجل لمقعدها ،ابتسم لها ممتنا ثم أمر تلميذا بجلب قهوة من المقهى المجاور
اكسبراس ساري ،قال المعلم أو قل له سيدي يريد قهوة سيعطيك ما طلبته ،يهرول التلميذ في سعادة ظاهرة وهو ينظر لأقرانه الذين يتمنون أن يكونوا مكانه ،حين بدأ الدرس طرقت ولية تلميذ الباب برفق مرفوقة بالمدير الذي بدا غاضبا
ترفع صوتها كعادة نساء القرية وهي تردد ،ابني أضاع اقلامه وكراسته للمرة الخامسة
ماذا تقصدين ؟؟
الأمر ليس صدفة ،أنا متأكدة أنها سرقة
يدخل المدير الى الفصل ،يجمع حقائب التلاميذ ويبدأ في تفتيشها بحثا عن الكراسة والاقلام ،مذعورين ينكمش التلاميذ في مقاعدهم لم يجد المدير ضالته لكنه وجد أشياء أخرى صادرها ،كجات والعاب نارية ومسدس بلاستيكي ورسائل غرام
وهاتف جوال لتلميذ ميسور ،طفق المسكين يبكي ،أمره المدير بالالتحاق به بعد انتهاء الدرس وهو ينظر بانبهار للهاتف المتطور
يمزق السكون المخيم نهيق حمار مسكين أنهكه الثقل ثم صوت ارتطام أكياس على الأرض ..
سقط الحمار فيم يحاول صاحبه بعنف جره للوقوف بلا فائدة ،أسرع إليه بعض الشباب ، أفرغوا بقية الأكياس وفصلوا العربة عن الحمار الذي وقف أخيرا ثم عاد لجثو على ركبتيه الأماميتين حين بدأ صاحبه لضربه دون هوادة

[امير مراد]

كان الشاب غاضبا ،لسبب ما كان كذلك ،انسجم مع الهراوة أثناء الضرب ،لم يكتف بذلك وبدأ بالصراخ ثم بدأ بنزع قميصه المبقع بزيوت الهاتس
وأدوية الطماطم ،لم يتدخل الشباب في المقهى المجاور ،تركوه يكمل حفلة التعذيب ثم ساعدوه في تعبئة الأكياس على عربة أخرى يجرها بغل هذه المرة ،أما الحمار فظل مشدودا بسلك حديدي لعمود كهرباء ،على خطوات من مكتب المدير الذي أخذ يقلب الهاتف الجوال المتطور منذ مغادرته الفصل

[امير مراد]

سلم المدير الهاتف للتلميذ بعد الحصة .. قلب الهاتف قبلها وقلب الأفكار والاحتمالات في عقله ،التلميذ من عائلة مرموقة في القرية والأب عصبي والأم طويلة اللسان والجد فضولي ونمام يتحرك ومعه الأخبار والفضائح والنكت البذيئة ،يجتهد الناس في اخفاء رياحهم لكنها تزكم أنف الجد مصادفة ،يلفها في ذاكرته ويبوبها ،يستعملها للمتعة أو للابتزاز ويختار الوقت المناسب لنشرها ، ولأنه يسكن في بيت طيني على تخوم حقول الدرع والذرة ،كانت أخبار العشاق الذين اختاروا زوايا الحقول المظلمة تجوب القرية مع بعض التوابل ،تفيق القرية كل يوم على قصة جديدة لعشق ممنوع ،من وراء كوة كان الجد يراقب الأحداث ،يعرف كل شباب القرية وشاباتها وبعض شباب القرية المجاورة ،بعينين حادتين وانف بارز يحشرة بين قضبان حديد النافذة كان الشيخ يراقب ويدون ..

[ebti]

مساء الخير ... هل مشاركتك هي رواية؟...

[امير مراد]

خاف المدير ،نسي مركزه ،المراكز في القرية لا قيمة لها امام الشرف ،لديه بنات كثيرات بعضهن في الجامعة ،ماذا لو ألف الشيخ حكاية من تلك الحكايات التي يحرص بنفسه على الاستماع إليها قبل النوم تحكيها زوجته بطريقة درامية ،كما لو أنها صفعات تخترق الجلد للقلب ،ماذا لو ، ضرب رأسه على المكتب وهو يتخيل نظرات الأعيان والأولياء والأصدقاء في القرية ،حديثهم عن ابنة المدير وشاب من القرية أو من قرية مجاورة ،يغرق الان في واد من العرق ،نهض بصعوبة والتفت للتلميذ مبتسما قال له إنه لم يصادر الهاتف بل رغب في معرفة النوع ليشتري مثله ،أخرج بعض الحلوى من درج المكتب ،تناولها التلميذ مندهشا ثم غادر المكتب ،تحلق حوله التلاميذ ،كان يخبرهم عن لطف المدير وكرمه العظيم ثم وزع عليهم الحلوى ، قرب المقهى المجاور بقي الحمار مشدودا لسلك حديدي دون أن يلتفت إليه أحد ،عند خروج التلاميذ من المدرسة أكملوا الحفلة ،بصبر أيوب تلقى المسكين ضربا مبرحا ،التلاميذ الذين عوقبوا هذا اليوم من قبل المعلم كانوا الأكثر حماسا ،ضربوه بعصي السعف والحجارة والأرجل ولولا مجيء صاحب الحمار لمات تحت رفسات الأطفال ،تفرقوا جميعا بعضهم تعثر وهو يهرب وسقط تحت حقيبة ظهره والبعض الإخر اختفى في الأنحاء . ..تلك هي القرية في ذلك الزمن تسير بهدوء وبطء نحو خريف ينتظره الفلاحون بشوق وهم ينظرون للسماء متضرعين ..