مقدمة المحاربون _ سلسلة العصور

[MooNy87]

مقدمة (المحاربون) العدد الأول من سلسلة العصور للدكتور سيد زهران
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
كل الأشياء بدت مُمِلة مؤخرًا ، نفس الإيقاع الرتيب للحياة ، نفس الكتب الدراسية .. الوجوه .. الكلِمات .. الأخبار .. الطعام .. حتى الأكاذيب ، كل شيء باقٍ هنـــا منذ الأزل لا يريد التغير .
لم يعد هناك ما يجعل الحياة أكثر احتمالا ، سوى السهر في بدروم المنزل الواسع الممتلئ بالكراكيب والكتب والحشرات الأليفة .
إنه الشيء الوحيد الباقي دون تلوث .. والذي لم يَنالوا منه بعد ، فهنـــــا كان يفعل (هادى) ـ طالب الصف الثالث الإعدادي ـ كل ما يريده دون محاسبة .
يتأمل (هادى) للمرة الألف تلال الكتب التي تملأ المكان .. ومثلما يفعل كل ليلة ، أخذ يبحث عن شيء مناسب يقرؤه .
المشكلة أنه لم يعد هناك جديد ، لكن فجأة لمحت عيناه ذلك الصندوق الضخم .. والذى يبدو أنه ظهر من العدم !
غريبة ! كيف لم ينتبه له من قبل ؟
دون تردد .. اتجه إليه وبدأ يعالج القفل حتى استجاب له .. فتحه بحذر ..
-" ما هذا ؟ "
كان مُجلدا ضخما يرقد في القاع .. التقطه وأزال عنه التراب ليبدو العنوان ..
-" العصور .. "
فتح الغلاف السميك ببطء .. وأخذ يقرأ تلك السطور الباهتة السيئة :
-" الحاضر يجعلني متوترا .. المستقبل يصيبني بالرعب .. أما الماضي فهو الأكثر أمانا ؛ وأشعر معه بالارتياح .. "
اتسعت عينا (هادى) بتأثر .. وهو يُقلب تلك الصفحات الكبيرة ، إنها عشرات الروايات المكتوبة بخط اليد ..!
أصابه الحماس .. ونقل المُجلد الضخم بصعوبة لمكتب مُتهالك .. وأخذ يُكمل قراءة تلك العبارات الافتتاحية للكتاب بِنَهم :
-" لست أدرى حقا ما فائدة كتابة كل تلك الأحداث !.. والتي لن يقرأها أحد يومًا !.. رغم ذلك لم أقوَ على مقاومة الفكرة .. "
-" كان لابد من ترك شيء ما يروي القصة ؟!.. واللعنة التي أصابتنا جميعا بعد تلك التجربة ، أضف أن الكتابة - نفسها - صارت هي التسلية الوحيدة ، وسط ذلك الضياع اللانهائي الذي أشعر به هنا .. "
اقتحم صوت الأم السكون فجأة .. يردد :
-" العشاء جاهز .. "
(هادى) :
-" حاضر .. حاضر .. "
الأم بإلحاح :
-" ماذا تفعل عندك ؟.. "
اعتاد (هادى) على المُماطلة :
-" خمس دقائق أخرى .. وسوف أصعد .. "
صمتت الأم .. قبل أن يعود لاستكمال القراءة بإثارة شديدة تملكته :
الأبطال هذه المرة يشبهونك تماما .. وستشعر معهم بالألفة المُبكرة ..
" (أحمد) .. بطل رياضي صامت يبحث عن نفسه باستمرار .. "
" (عارف) .. مشروع عالم صغير في مجتمع لا يعترف بالعلماء .. "
" (فادية) .. قلب رقيق وسط فراغ هائل يحيط بها من كل اتجاه .. "
شخصيات عادية لم يجمعها - يوما - سوى الإحباط .. ومحاولة إثبات الذات !
تُرى من أين تحب أن نبدأ سَرد تلك الرحلة الطويلة ؟.. والتي لم تنتهى حتى لحظة كتابة تلك السطور !
قيصر (روما) .. كهنة آمون .. أم تفضل العصور المظلمة ؟
لم تُصِب الحيرة (هادى) طويلا .. فقد وجد نفسه يتوقف عند أول صفحات المجلد .. ويقرأ ذلك العنوان :
-" العصر الذهبي ل(أثينا) .. "
ابتسم بشغف !؟.. فهو طالما ما أحب تلك الفترة ..
مَرت عيناه سريعا على الأسماء والأحداث .. (أسبرطة) .. (بركليز) .. (إسبازيا) .. حرب (البلوبونيز) الأخيرة ..
الصقيع بدأ يدب في البدروم .. والذي اشترك مع صوت أمواج البحر القريب من المنزل .. وفراغ الشوارع من المارة ، في رسم أجواء القراءة التي مازال يفضلها البعض .. فهيا للهرب قليلا من قبح ذلك الواقع !