آخر 10 مشاركات
غيوم البعاد (2)__ سلسلة إشراقة الفؤاد (الكاتـب : سما صافية - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          الفرصة الأخيرة (95) للكاتبة: ميشيل كوندر ...كاملة... (الكاتـب : سما مصر - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          أميرها الفاتن (20) للكاتبة: Julia James *كاملة+روابط* (الكاتـب : ميقات - )           »          دموع على خد القمر (124) للكاتبة: Helen Bianchin (الجزء 2 من سلسلة عواطف متقلبة) كاملة (الكاتـب : salmanlina - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          إلى مغتصبي...بعد التحية! *مميزة ومكتملة *(2) .. سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          و آن أوان قطافك * مميزة **مكتملة* (الكاتـب : ahlem ahlem - )           »          وشمتِ اسمكِ بين أنفاسي (1) سلسلة قلوب موشومة (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

Like Tree1233Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-07-21, 07:01 AM   #1

وجد الــ
 
الصورة الرمزية وجد الــ

? العضوٌ??? » 490179
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 130
?  نُقآطِيْ » وجد الــ is on a distinguished road
افتراضي كذبة أيار


نحن أيضا لنا صرخة في الهبوط إلى حافة
الأرض، لكننا لا نخزن أصواتنا
في الجرار العتيقة، لا نشنق الوعل
فوق الجدار، ولا ندعي ملكوت الغبار،
وأحلامنا لا تطل على عنب الآخرين،
ولا تكسر القاعدة!


— محمود درويش



الرواية حصرية لمنتدى روايتي



لديهِ ما يكفي من الحروب والصراعات الداخلية والخارجية التي عليه أن يخوضها كل يوم، صباح مساء.
منذ صغره لم يعرف للراحة معنى، وللسعادة طريق.
لذا أقسم على نفسه بأنه ما إن يكبر ويصبح مستقلا بذاته، سيحرر نفسه.. من كل شيء.
من جميع القيود التي وضعها حوله الآخرون، أو وضعها هو بنفسه.
إلا انه لم يفكر يوما أو يتوقع.. أن المزيد من الحروب كانت بانتظاره، وأنه ليس هناك مجالا ليحرر نفسه.. ترك كل شيء جانبا، تجاهل جميع الصراعات، وركزّ على حرب واحدة فقط.. أرادها أن تكون الأخيرة.
إما يخرج منها منتصرا كفارس له باع طويل في الحروب وخبرة في القتال مع شتى أنواع الأعداء، أو يخرج مهزوما مستسلما غير نادم.. كمحارب شريف يتقبل ذلك ممن يماثله أو يفوقه دهاء وذكاء وقوة.
كانت تلك حربه مع ( أيار ) ابنة السلطان!
من تجرأت وأفسدت جميع خططه، ولمست شيئا لم يكن عليها لمسه قط حتى توقظ جميع شياطينه، فيواجهها بجميع الطرق الممكنة منها والمستحيلة.
يعلم جيدا أنها ليست عادية، وأنها ليست خصما يسهل إسقاطه، أنه سيعاني كثيرا قبل أن يتمكن منها.. ولكن، عليها فعل ذلك.
كذبتها ( كذبة أيار ) دمّرت حياته، وسيقبل عليها هو بكل ما يملك ليدمّرها أيضا.

_______











روابط الفصول

المقدمة .. اعلاه
الفصل 1 .. بالاسفل

الفصول 2, 3, 4 نفس الصفحة
الفصل 5
الفصل 6
الفصل 7
الفصل 8
الفصل 9
الفصل 10
الفصل 11, 12 ج1 نفس الصفحة
الفصل 12 ج2
الفصل 13













التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 16-09-22 الساعة 11:46 PM
وجد الــ غير متواجد حالياً  
قديم 20-07-21, 07:04 AM   #2

وجد الــ
 
الصورة الرمزية وجد الــ

? العضوٌ??? » 490179
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 130
?  نُقآطِيْ » وجد الــ is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الخير، عيد أضحى مبارك
وكل عام وانتم بخير، أعضاء وزوار منتدى روايتي

__

وضعتُ اليوم بين أيديكم.. مقدمة أولى رواياتي.. آملة أن تحوز على إعجابكم ورضاكم.
وبما انها أول تجربة لي، سأسعد بقراءة ملاحظاتكم.
قراءة ممتعة ❤


وجد الــ غير متواجد حالياً  
قديم 20-07-21, 11:16 AM   #3

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي




اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...


للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html


في حال وجود اغلفة او تواقيع مصممة من قبل الكتاب والكاتبات نرجو الاخذ في الاعتبار ان المقاس المطلوب هو 610 × 790



هل الرواية حصرية لشبكة روايتي الثقافية ام هي غير حصرية؟ الرجاء الإجابة بحصرية او غير حصرية دون اضافات....






واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا الغوازي, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء




قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

قديم 20-07-21, 06:41 PM   #4

وجد الــ
 
الصورة الرمزية وجد الــ

? العضوٌ??? » 490179
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 130
?  نُقآطِيْ » وجد الــ is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قصص من وحي الاعضاء مشاهدة المشاركة





هل الرواية حصرية لشبكة روايتي الثقافية ام هي غير حصرية؟ الرجاء الإجابة بحصرية او غير حصرية دون اضافات....



اشراف وحي الاعضاء[/CENTER]



حصرية ...........



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 02-07-22 الساعة 10:58 PM
وجد الــ غير متواجد حالياً  
قديم 20-07-21, 06:41 PM   #5

وجد الــ
 
الصورة الرمزية وجد الــ

? العضوٌ??? » 490179
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 130
?  نُقآطِيْ » وجد الــ is on a distinguished road
افتراضي

( مقدمة)

* تنويه: فقط المقدمة بصيغة المتكلم، باقي أحداث الرواية تُروى على لسان الكاتبة.


_______


لحظة صمت، لحظة سكوت على روحي.. لحظة تأمل، لحظة سكون وهدوء.. واستشعار للحرية.
( الحرية ) تلك الكلمة الصغيرة التي لم أعرف معناها، ولم أهتدِ لها سبيلا قبل أن تطأ قدماي أرض هذا الصرح الذي أقف أمامه.
الحرية التي سعيتُ لنيلها كثير من أجل من يلجأ إليّ طالبا مني معاونته ومساعدته في حلّ أزمته، لكل من أتى إليّ طالبا الحماية مني أنا، المحامية ( أيار ).
سعيت لوضع غريم أو عدو كلّ من دفع لي بسخاء خلف القضبان، حتى أحرمه مما يُسمى بالحرية.
حتى أنني في أحيان كثيرة كنتُ أتجاهل الحقائق، أتجاهل الدلائل الحيّة الواضحة أمام عيناي.. وأَخلقُ أدلة أخرى كاذبة، بكل خبث ودناءة.. حتى لا أخسر في المحكمة، وتندرج تحت اسمي قضايا لم أَفُز بها.
وفي كثير من الأحيان أيضا، حين لجأت إليّ فئة وضيعة من البشر ( ظالمة ) لا ( مظلومة ).. ودفعت لي الكثير مقابل دفاعي عنهم باستماتة.. واثبات براءتهم وان كانوا عكس ذلك!
نعم أحببت المال كثيرا، اعماني حبي له.. أضلّني عن الطريق حتى وقعتُ في شرّ أعمالي!
فأنا التي لم أرضى يوما بأن يصل إسمي إلى الحضيض أو حتى يلامس الأرض، ولم أرضى أن يكتب بجانب قضية ما.. أنني لم أفُز، وأنني لم أنتصر ولم أكسب القضية!

كرهتُ أن يرتبط ( أيار ) بالخسارة.
لذا ليس هنا للتعجب مكان، لو صليتُ على روحي وبكيت.. لأنني متُّ فعلا، حين اضطررتُ للتفكر مليّا فيما يُدعى بالحرية، وتصبح بعيدة المنال طوال ستة أشهر!

____

الثالث من يونيو.
السابعة والنصف صباحا.
الوقت الذي تشير إليه عــــقــارب ساعة معصمي، بعد أن رفعت عن عيناي نظارتي الشمسية الرائعة حتى أتأكد من الوقت.
كان المكان خاليا إلا من سيارات الشرطة، لا أرى أي سيارة تخص شخصا أعرفه من قريب أو من بعيد.
أذكر أنني أبلغت المقربين مني بموعد خروجي، موعد اطلاق سراحي، إذا لمَ لمْ يأتِ أحدٌ ليقلّني ويوصلني إلى المنزل؟
رفعت عيناي وحاجباي بملل.
كتفت ذراعاي وأنا أسند ظهري على إحدى السيارات القريبة من الشارع.. والشمس الحارقة كانت كما لو أنها قريبة مني للغاية، تلمس رأسي فتحرق شعري وتسكب بعضا من النيران بداخل هذه الدائرة! وتجعلني أتعرق بشدة حتى شعرت بالاشمئزاز من نفسي.
فتحت حقيبة يدي متوسطة الحجم، الفاخرة جدا.. والتي تلقيتها من أحد عملائي كهدية لنجاحي في اثبات براءته!
بحثت فيها ما أستطيع تهوية نفسي به، إلا انها كانت خالية سوى من بعض المكياج.. وبعض الفواتير.
تأففت وأنا أزفر أنفاسي الحارقة من جوفي الجاف بشدة بفعل الحرارة.
شعرت بالغضب يعتريني، وضغط دمي يرتفع.. ما الذي أخرهم إلى هذا الحد؟ أم أنهم نسوا الأمر برمته، ونسوني أنا بدوري؟
أخرجتُ هاتفي من الحقيبة، وضعتهُ على أذني وانا اشعر بوجهي يحمرّ ويحتقن من الغيظ.
غضبتُ أكثر وأنا استمع إلى رنين الهاتف المتواصل دون أن يصلني أي رد، حتى اللحظة الأخيرة حين أوشك الاتصال على الانقطاع، وصلني صوته بنبرته المصدومة للغاية: ( آيار؟ هذي انتِ صدق؟ )
رفعت حاجبي وأنا أجيبه بتهكم: ( لا والله؟ ومصدوم؟ معناته نسيت انه اليوم يوم خروجي، صح ولا أنا غلطانة!)
بدا لي أنه ارتبك بشدة وشعر بالورطة، حين ضحك بارتباك وهو يقول: ( لا صدقيني ما نسيت بس...... )
هذا ما كان ينقصني!
دائما وأبدا، السكوت بعد ( لكن، بس ) يرعبني بشدة.. ينبئني بأن تكملة العبارة لن تعجبني، ستغضبني بشدة، ستفقدني أعصابي حتما!
اغمضت عيناي أحاول كظم غيظي وأصر على أسناني أحثهُ على الإكمال، لينتهي الأمر:! ( بس وشو؟ اصدمني ).
ردّ بعد سكوت آخر كدتُ أفقد به وعيي من الغضب ( احنا مسافرين، مو موجودين في الرياض ).
صمتت، أطبقتُ فمي لبعض الوقت دون أن أتفوه بشيء.
كان هو في تلك اللحظة يبدأ بالعد التنازلي، من الرقم خمسة حتى واحد، قبل أن يغمض عيناه استعدادا لسماع صرختي التي ربما فجّرت طبلة أذنه ( يا حـمار يا كـ** يا ****، مسافرين؟ طبعا مسافرين بدوني هذا أحسن وقت تاخذون فيه راحتكم وأنا مو موجودة، تسرحون وتمرحون تصرفون الفلوس على اللي يسوى واللي ما يسوى ).
ضحك بارتباك وهو يقول ( أيار وش فيك معصبة ماحنا بعيدين ما خرجنا برة السعودية، في الصباح راح نكون في البيت ).
مطّيت شفتاي ببرود ولا مبالاة، وكأنني لستُ تلك الفتاة التي صرخت للتو بأعلى صوتها ( انسى، وين أمي وأبوي؟ ).
قُصي ( أكيد في البيت، أيان كمان ما جات معانا مشغولة بالدوام ).
زفرتُ أنفاسي الحارقة وأنا أنوي إغلاق الهاتف، كأنني بذلك أعطيته فرصة الاعتذار على نسيان هذا الأمر المهم، حمدا لله أنه فهمني على الفور واستغلّ تلك الفرصة ( آسف آيار والله مو قصدي، على بالي الموعد الأسبوع الجاي مو اليوم ).
رفعت عيناي إلى السماء وأنا استمع إليه بنفاذ صبر، قبل أن أغلق الخط دون أن اجيبه.. وأنا أشعر ببعض الوجع في صدري، والذي كتمته بكامل رغبتي.
أعدتُ الهاتف بداخل الحقيبة، قبل أن أرفع رأسي وتسقط عيناي على شخص ما، يختبيء بجانب البوابة الكبيرة الخاصة بمركز الاحتجاز، يرفع كاميرته المعلقة على عنقه يوجهها نحوي.. يحاول تصويري!
لا أنكرُ انني انصدمت كثيرا، وساورني بعض الخوف والقلق.
بالرغم من ذلك تجاهلت هذا الشعور، واعتدلتُ بوقفتي وأنا أنظر يمنة ويسرة، قبل أن أرفع يدي وأعدّل حجابي، ثم أوجه أنظاري نحو الكاميرا وأرفع يدي بحركة الأصبعين، بعد أن رسمت على وجهي أجمل ابتسامة قد أهديها لأحدهم على الإطلاق.
ثوانِ عديدة.. العدّ التنازلي الخاص بي، من الرقم ٥ إلى ١، قبل أن أطلق ساقاي للريح وأسرع نحوه في لحظة خاطفة.
أظنه علم بنيتي حين ابتعد هو عن الآخر عن المكان راكضا بأقصى سرعته.

يا له من أحمق، هل ظن أنني سهلة؟ وأنني ربما سأمرر له فعلته؟
هيهات.. لم يعرفُ بعد من هي المحامية، ابن السلطان ( أيار ).
طاردته بكل ما أوتيتُ من قوة، أصبحتُ أركض خلفه دون أن آبه بشيء.. نظرات الناس المستنكرة من حولي، ضحكات البعض على منظر فتاة ثلاثينية تطارد شابا في العشرينات من عمره! وفي مثل هذا الجو الحارق؟
لا بأس.. سمعتي في مجالي وصورتي بأعين الناس على مواقع التواصل أهم من نظرة الناس العابرة.
كنتُ أستنشق الغبار الذي يخلفه بجريه السريع، وأثير بنفسي الغبار من خلفي.
لذا أوشكتُ على الهلاك تقريبا، وأوشكتُ على الاستسلام!
خاصة أنني ابتعدتُ كثيرا عن مركز الاحتجاز، وأنني طوال الوقت كنتُ أصرخ وأشتم ذلك المجهول ليتوقف عن الركض ولا يُتعبني أكثر.
حينها اتسعت عيناي بصدمة ورعب، لمّا وصلنا عند مفترق طرق.. وتوقفت سيارة ما فجأة.. فاصطدم هو بها بينما كان ينظر إلى الخلف وهو مستمر بالركض.. ويضحك مني بعد أن توقفت وصرتُ ألهث من شدة التعب.
لم تطول لحظات رعبي وقلقي، وأنا أرى صاحبة السيارة التي ترجلت واقتربت من الشخص المجهول بعد أن نظرت إليّ وغمزت لي بعينها.
فهمت مقصدها على الفور، فاختبأت خلف أقرب شجرة وأنا أغطي فمي بكفي وأحاول كتم ضحكتي.
استرقتُ النظر إليهم، فإذ بها تنحني وتمسك بتلابيبه.. وعيناها على الكاميرا التي أمسك بها جيدا وتمكن من حمايتها.

أجلسته بقوة.. وعمّ صمت مهيب، قبل أن يلتفت ذلك الرجل حيث كنتُ أقف، ثم ينظر إلى من تمسك به.. فيطلق صرخة مدوية تعبر عن خوفه الشديد وفزعه، ثم يسقط على الأرض مغشيا عليه!

__________


الساعة الثانية ظهرا.
كنتُ بداخل قدر كبير كأنما النار أوقدَت من تحته ومن فوقه بينما كنت خارجه، أعني في المستشفى.
حين رنّ هاتفي منبها بوقت خروجها، وقت إطلاق سراح ( أيار ).
تركتُ كل ما بيدي، أبعدتُ طعام الغداء عني بالرغم من أنني أكادُ أموت من شدة الجوع بسبب عملية جراحية كنت أساعد كبير الأطباء بها، استغرقت الكثير من الوقت.
خرجتُ من هناك وأنا اترنح من شدة التعب والإرهاق، حسنا.. الموت بين يديها أهون من الموت جوعا أو تعبا.
ألقيتُ بنفسي بداخل القدر، أعني.. سيارتي التي ربما أحرقتها الشمس، ونحنُ في بداية الصيف، في وسط العاصمة ( الرياض)!
شغّلت برنامج التوجيه وأدخلت عنوان مركز الإحتجاز، لأنطلق من فوري متجهة إلى هناك.. لأقلها بالطبع، قبل أن تنفجر وتهلكنا أجمعين.
وصلتُ خلال عشرون دقيقة، نعم تأخرت بالفعل.. لكنني بذلتُ ما بوسعي.
ما إن اقتربت حتى لمحت عاصفة هوجاء، تلحق برجل مسكين ضعيف.. ربما صحفي مضطر، أو مسكين مخبول.. موظف ليس بيده حيلة سوى اتباع أوامر رئيسه، مراهق محب للتصوير في مثل هذا الجو! نحيل الجسم أشعث الشعر، ينتعل حذاء غريب اللون تحت ثوبه الأبيض.. صحيح، دعوني أخبركم معلومة عني، لديّ ذاكرة تصويرية رائعة للغاية، وذكاء بصري تساعدني على رؤية أدق التفاصيل.
هززتُ رأسي بشفقة على ذلك المسكين الذي أتى باحثا عن لقمة عيشه في هذا الحر، فتطارده امرأة تبدو مجنونة ومخبولة تماما.
حجابها بالكاد يغطي شعرها.. والذي بالتأكيد تزحلق عن شعرها الأشقر الناعم وهي تجري كالمخبولة، وعبائتها السوداء باتت بيضاء بسبب اثارتها للنقع.
ضغطت على المكابح فجأة وارتددت إلى الأمام حين أبصرتُ حقيبة تلك المجنونة، وعرفتُ هويتها على الفور.
المرأة المخبولة التي كشرت عن أنيابها بنية إفقاد هذا الرجل مهنته الوحيدة، وحياته المثيرة للشفقة حين وقع في طريقها، لم تكن سواها، ( أيار ).
أحكمتُ عقلي سريعا وحركت سيارتي، خرجت كما دخلت.. وقدتُ سيارتي حيث يركضان هذان الاثنان مسببان كل هذه الفوضى خلفهم، فيقتلان الحشرات البريئة بالغبار، ويسببون المتاعب للمارة.. يصيبان للبعض نوبة ضحك لن تتوقف قريبا بسبب منظرهما المثير للضحك الهستيري فعلا.
ليس لي طبعا، أعلم أنني ان ضحكت سأكون في عداد الموتى.
أوقفت سيارتي أمام الرجل الغريب، حتى تحقق مرادي واصطدم بجانب سيارتي الفارهة.. أووه، يا للمسكين!
ترجلتُ من سيارتي وغمزتُ بعيني لأيار، ففهمت مقصدي واختبأت خلف الشجرة.

كنتُ يائسة بالفعل وخائفة، تأخرت.. ورجل ما أغضبها، لن أكون بخير.. عليّ أن أنقذ نفسي بأي طريقة!
عليّ أن أضحكها على الأقل.
ما إن أمسكت بياقة ثوب الرجل، وسقطت عيناه عليّ.. اتسعتا من الدهشة والذهول، ليلتفت باحثا عن أيار.. ثم يعيد أنظاره إليّ، قبل أن يصرخ ويفقد الوعي!
شعرتُ ببعض الصدمة والخوف، إلا إنني لم أتمكن من كتم ضحكتي.. فسقطت جالسة بمكاني وأنا أضع يدي على بطني وأضحك.
وصلني صوت قهقهاتها هي الأخرى..
حين ظهرت من خلف الشجره واتجهت إلينا وهي تسأل ( لا يكون مات؟ ).
وضعتُ اصبعي على عنقه أتحسس نبضة، ثم تنهدتُ براحة قائلة ( لا الحمدلله لا زال حيّ، إن شاء الله ما يكون فقد عقله بس ).
نهضتُ وفتحت ذراعاي استقبلها في حضني بكل شوق وحب، لتُقبل وتضمني بقوة ( يوووه من متى ما شفنا بعض؟ ما اعتقد اني قد اشتقت لك لهالدرجة من قبل، كيف كنتِ؟ ).
أجبتها وأنا اربت على ظهرها، عيناي تتسعان بخوف وقلق وأنا أرى بعض التجمهر البعيد عنا بعدة خطوات.. وأخذ يقترب منا شيئا فشيئا، وأعينهم على الجسد الملقى على الأرض ( أيار نتكلم بعدين، تصرفي مع هالرجال ).
زمت شفتيها وهي تنظر إلى الرجل، ثم ترفع رأسها ملتفتة إليهم ضاحكة، تغطي نصف وجهها ( لا تخافون هذا أخوي، أخوي المجنون.. اضطرينا نعطيه مخدر عشان يهدأ.. ممكن تساعدونا وتدخلونه السيارة؟ ).
لم أكن متعجبة من سرعة بديهتها، لطالما كانت كذلك.. لكنني انصدمت وانا اسمعها تطلب ذلك الطلب الغريب منهم ( شنو؟ أيار انجنيتِ وش تبين منه؟).




التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 03-07-22 الساعة 12:29 AM
وجد الــ غير متواجد حالياً  
قديم 20-07-21, 06:41 PM   #6

وجد الــ
 
الصورة الرمزية وجد الــ

? العضوٌ??? » 490179
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 130
?  نُقآطِيْ » وجد الــ is on a distinguished road
افتراضي



أشارت بعينها إلى الكاميرا ففهمت مقصدها على الفور.
اقترب بعض الشباب منا، وأمسكوا بالرجل وأدخلوه إلى السيارة.. صدقوها على الفور.
لأنه من قد يركض وراء رجل ما في مثل هذا الجو الحار ولمسافة طويلة سوى إمرأة خائفة على حياة شقيقها المجنون؟
شكرناهم أنا وأيار حتى ابتعدوا.
حينها فقط.. تنهدت أيار براحة ثم استقلت مقعد الراكب بجانبي، وركبتُ أنا بدوري مكان السائق.
التفتت أنظر إليها بشوق، وبرغبة بالإطمئنان عليها.
إلا انني آثرت الصمت حين رأيتها تغمض عيناها بتعب، ثم تستغرق في النوم على الفور!

_________


بعد مضي بعض الوقت.
كانت سيارة ( أيان ) تقف أسفل إحدى البنايات المهجورة، انتبهت من نومي فور إيقافها للسيارة.
لتنظر إليّ ثم تشير إلى الخلف برأسها.
زفرت أنفاسي بملل وقلة صبر ( هذا اللي كان ناقصني والله ).
سألتني أيان بفضول وهي تعدّل حجابها بعد أن ارتدت الكمامة وغطت نصف وجهها بها، والنصف الآخر بنظارتها الشمسية الكبير ( ما قلتِ لي وش مسوي؟ ).
نظرت إليه باشمئزاز من منظره المقرف بسبب لباسه المتسخ اثر سقوطه ( ايش تعتقدين؟ صورني وانا واقفة قدام المركز أنتظر أحد يجيني، عاد مصيبة لو صورني وأنا خارجة ).
صمتت للحظة وأنا أرفع حاجباي باستغراب ( ايش دراه اني كنت هناك واني بخرج اليوم؟ ماحد يدري بالسالفة غيركم انتوا ).
نظرت إليّ بغضب من خلف تلك النظارات الداكنة ( لا قولي اني احنا اللي علمناه ونشرنا الخبر للعالم! ).
هززت كتفاي دون أن أنظر إليها وأنا أمطّ شفتاي ( يجوز! ولا وش دراه؟ )

صرخت فجأة بغضب ( أيار يا زفت! ).
سكتت لثواني حين تحرك الشاب بالخلف لتشير إليه بغيظ ( اسأليه ).
كتفت ذراعاي حول صدري وأنا ألتف إليه بكامل جسدي حين رأيته يعود إليه وعيه شيئا فشيئا وبدأ يفتح عينيه ببطء.
قفز في مكانه جالسا حين تحدثت بصوت منخفض مخيف ( قوم يلا علمني مين أرسلك! ).
قهقهت أيان بصوت عالي ( ما شاء الله على اللي تحسب نفسها انجلينا جولي لدرجة أحد يرسل شخص يصورها بالدّس ).
ضيقت عيناي أنظر إليها بغيظ، ولم يترك لي الشاب فرصة الرد عليها حين سأل بريبة وهو ينظر إليّ تارة، وإلى أيان تارة ( مين انتوا؟ وين جبتوني؟ إيش سويتوا فيني؟ ).
تلفتت حولي أبحث عن أي شيء بداخل السيارة، قبل أن افتح الدرج الأمامي.. حتى وجدت سلك شاحن، رفعته ولوحت به للشاب الذي اتسعت عيناه بتعجب ( لو ما كنت تدري مين احنا ما جيت تصورني، علمني مين انت ووش دراك اني بكون هناك؟ عشان لا نسوي فيك شيء ).
ظلّ ينظر إلينا بريبة لبعض الوقت حتى تشجع وسأل ( قولي لي قبل مين هذي؟ وكيف صرتِ قدامي فجأة بعد ما كنت وراي؟ ).
أجبته بحدة ( ما لك شغل فيها، أما عن كيف صرت قدامك.. ما أقدر أعلمك هالسر، تكلم يلا جاوب على أسئلتي ).
أغمض عيناه بورطة وهو يرفع يده ويشد شعره، قبل أن يقول وهو يخرج بطاقة من جيبه ( أنا مالي شغل كنت قاعد أنفذ أوامر المدير بس، هو اللي علمني بالموعد وأعطاني العنوان ).
أخذتُ البطاقة أقلبها في يدي قبل أن ترتفع ضحكتي الساخرة، والتي جعلت أيان تسحبها مني ( ههههههههههههههههه آه من جدهم! هذي الصحيفة الحقيرة على مواقع التواصل تتجرأ ترسل موظفين تصور لهم؟ ما أصدق ).
وضعت أيان البطاقة جانبا قائلة ( خلاص ما دام الموضوع كذا خليه يحذف الصور ويمشي، بمووت من الحر ).
نظرت إليها وأنا اصغّر عيناي ( بس؟ الموضوع كذا بسيط؟ تتوقعين بخليه يطلع من هنا قطعة وحدة؟ إذا خايفة اطلعي من السيارة واتركيني لوحدي معاه ).
تأففت أيان وهي تضرب جبينها بينما الشاب في الخلف شهق بذعر واقترب من الباب محاولا فتحه للهروب.
تحدثت أيان وهي تتذمر ( أيار تكفين مانا ناقصين مشاكل، اتركيه وخلينا نرجع البيت، ولا ودك ترجعين للـ.... ).
صمتت تتأفف مجددا وهي تنظر للخلف.
لأتكتف وأقول بنبرة جادة ( بتركك تطلع من هنا وانت طيب وما فيك شيء بشرط واحد ).
عاد يجلس في المنتصف، يدخل رأسه بين مقعدينا بلهفة ( وشوو؟ بسوي أي شيء بس تكفين لا تأذيني، أنا عبد مأمور في الأخير ما بيدي شيء أسويه غير اني اطيع أوامر رئيسي ).
أخذت هاتف أيان ودفعت به رأسه بقوة حتى عاد إلى الخلف ( ويوم انك خايف مني لهالدرجة وشوو له تشتغل لمثل هالصحيفة؟ ).
ردّ بضعف ( لقمة العيش صعبة ).
كتمت ضحكتي من تعابير وجهه وقد أشفقت عليه، بدا لي أنه في بداية العشرينات أو ربما في منتصفها، ولكنه يصغرني كثيرا على ما أظن ( عطني رقم مديرك أو مشرفك أو أيا كان هذا اللي أرسلك، وهات الكاميرا ).
اتسعت عيناه بصدمة كأنه لم يكن متوقعا هذا الطلب على الإطلاق ( بس.. أنا خايف انه...... ).
مطيت شفتي وأنا انظر إليه عبر المرآة الأمامية وأقاطعه ( تفقد وظيفتك؟ ما عليك بدبر لك وظيفة أحسن منها، ولا حاب انت بعد ارفع عليك قضية تجسس وتصوير بدون اذن؟ لا تنسى اني محامية.. مو أي محامية، اقدر أوديك ورى الشمس وانت عارف إيش أقصد، هيا لا تضيع وقتي أكثر ).
ظهر التردد عليه مليا، وهو يرفع عيناه إلى المرآة تارة.. وإلى الهاتف بيده تارة.. بينما أيان تتذمر وتشتمني بداخلها دون صوت وتتأفف كل ثانية وأختها، حتى تحدث أخيرا وهو يملي عليّ رقما ما، سجلته بهاتفي فورا باسم ( رئيس السخيفة ).
مددت يدي إليه دون أن التفت، فوضع الكاميرا بها.. فتحتها فإذ بي أجد أكثر من صورة لي.
ظننت ان التصوير سيكون كارثيا في تلك الأجواء وتحت الشمس، في حالتي هذه، مع وجهي المتعرق، إلا انني اصبت بالدهشة والذهول.
كانت الصور رائعة للغاية، خاصة الأخيرة.. تلك التي ابتسمت لها وأشرت بيدي.
( حسافة الصور تجنن ).
حذفتها دون تردد وأعدت الكاميرا إليه، قبل ان تضغط أيان زر فتح الباب ( توكل الحين، إياك تصور الناس بدون علمهم، هذي المرة عديتها لك، لكن....... ).
قاطعتني أيان بضحكتها العالية الصادرة من أعماق قلبها، حين فتح الشاب الباب وفرّ هاربا قبل أن أكمل حديثي.
نظرت حيث كان يركض بغيظ وأنا أتوعده بداخلي، قبل ان التفت إلى أيان وأضربها على يدها بقوة، فتأوهت وهي غير قادرة على إيقاف ضحكها.


_______

الخامسة عصرا..

تقف سيارة أيان مجددا أمام إحدى المباني القديمة نوعا، المبنى الذي به شقة عائلتهما.
تترجل أيان أولا، تتبعها أيار.
كلتاهما منهكتان تماما، لا تقويان على الحركة أو السير.
لذا رفعتا رأسيهما بأسى، تنظران إلى أعلى المبنى.. حيث شقة العائلة!
ثم تتنهدان معا بتعب وتهزان رأسيهما سويا.
تقدمتا ناحية المدخل الرئيسي، قبل ان يوقفهما صوت أحدهم وهو يصرخ من بعيد باسم أيار ( أيار، وأخيرا رجعتِ من السفر؟ ).
أدارت عينيها بملل قبل أن ترسم على شفاهها ابتسامة مزيفة وهي تلتفت وتنظر إلى عمها حين اقترب ( إيه رجعت الحمد لله على سلامتي ).
اقترب منها وضمها بقوة، يكاد يعصرها بينما يشد عليها، لتبتعد بقوة وهي مشمئزة بعد أن أخبرها أنه مشتاق إليها بشدة، لتتذمر قائلة ( عمي! من جدك؟ أنا جاية ميتة تعب تجي انت تزود عليّ؟ تحضنني وانت بتغرق من العرق؟ ).
اقتربت منها أيان وقبّصت خاصرتها بقوة وهي تهمس ( تأدبي أيار ).
تأوهت أيار بوجع وهي تنظر إليها بغضب ( ليش؟).
عادت تنظر إلى عمها المنزعج من تصرفها ( عموما عمي، بطلع الحين ارتاح أحس جسمي متكسر، قول لجدتي إني بنزل لها أول ما أصحى من النوم، ماني مستعدة اسمع منها محاضرة طويلة عريضة ).
التفتت عنه بعد أن رمقته بحدة كما لو أنه أذنب بحقها، ثم صعدت السلم الطويل متجهة إلى منزلهم حيث الطابق الخامس.
ابتسمت أيان بإحراج وهي تقترب من العم ( معليش عمي، تعرف مزاجها لما تكون..... ).
قاطعها وهو يدخل إلى المبنى ( لا تشدين حيلك أعرفها أكثر منك، اطلعي ارتاحي انتِ بعد واضح بتطيحين من طولك من التعب ).
ابتسمت له بحب، لتسرع نحوه وتأخذ منه ما يحمل بيده ( هاتها أنا بطلعها لجدتي ).

________

( شام.. شام.. شاااااام ).
فزعت من نومها وجلست معتدلة على الأريكة على الفور.
اختفى الصوت، وعادت هي تستلقي بتعب بعد أن تمكن منها النوم مجددا.
ثانتين فقط، صرخت بعدها بألم حين شعرت بيد قوية تلسع ساق رجلها اليُمنى بسبب الضربة التي تلقتها ( آآخ يبه خلني أنام، في هالبيت الواحد ما يقدر يرتاح حتى بنومته؟).
قذف عليها حُسام مخدة صغيرة تلقفتها بمهارة بينما لا تزال مغمضة عينيها، لتغطي بها وجهها ( نوم بهالوقت يالظالمة؟ ما تدرين انه صلاة العصر فاتتك؟ ).
أبعدت المخدة عن وجهها واعتدلت جالسة من جديد ( يا ربي شفيني هالأيام بس أنام ).
هزّ رأسه بأسى حين ابتعدت متجهة إلى غرفتها، تحكّ شعرها القصير وظهرها، ليرفع صوته قائلا ( بعد الصلاة انزلي تحت نظفي المكان بسرعة قبل لا أفتحه ).
فتحت الباب بقوة لترفع صوتها معترضة ( ماني شغالتك، روح دور لك موظف ينظفه لك كل يوم ).
خرج من المنزل واقفل الباب خلفه وهو يضحك، متأكد تماما أنه حديث فارغ واعتراض لا فائدة منه.. لن يعود من المسجد قبل أن تنزل وتنظف المكان.

بعد نصف ساعة..
كانت تتذمر وتتحدث إلى نفسها، إلى كل ما حولها بغضب.. وهي تنظف المكان جيدا.
لا تعلم حتى متى سيظل والدها يعاملها بهذه الطريقة، ولا تعلم أيضا حتى متى ستظل عالة عليه كما يدّعي هو، بالرغم من انها تجني قوت يومها بالفعل وإن كان مرتبها شحيح للغاية.
ولكن ما تعرفه جيدا، انّ والدها لن يتركها حتى تصبح موظفة، بعقد.. ودوام كامل، وليس جزئيا، أو متدربة كما الآن.
فبنظره أن عليها دفع ثمن بقاءها في منزله حتى الآن، عليها دفع إيجار غرفتها، طعامها، ملابسها.. حتى النزهات القصيرة في الأحيان القليلة جدا.
إن لم تتمكن من إعطاءه المال، عليها دفع الأجر بجهدها وتعبها على الأقل.
استلقت بتعب وإنهاك على حلبة المصارعة، وهي تلهث وتمسح العرق عن جبينها.
رفعت معصمها لتنظر إلى الساعة، كانت تشير إلى الخامسة إلا ربعا.
جلست من فورها لتفتح قارورة الماء وتشرب ما بها دفعة واحدة.
ثم تخرج من هناك.. وتصعد إلى الطابق الأعلى، فالمكان سيمتليء بعد قليل، بالرياضيين الذين يتدربون لدى والدها، وبعض المراهقين الذين يعلمهم والدها أيضا، فنون الدفاع عن النفس.

السادسة مساء..
تقف أمام المرآة، تنظر إلى نفسها برضى.
بعد أن استحمت بماء بارد، ثم جففت شعرها القصير الذي لا يتعدى اذنها.. وارتدت لباسها.
بنطال واسع من الجينز، قميص واسع من الكاروهات.
لا يختلف عما ارتدته بالأمس، وقبله، وقبله...
ارتدت عبائتها أخيرا، لتأخذ حقيبتها ثم تنتعل حذاءها الرياضي وتخرج.
اتجهت إلى الصالة الرياضية ووقفت أمامها، تتصل بأبيها.. مرارا وتكرارا، حتى سئمت وتعبت من تجاهله.
اغمضت عيناها وعضّت شفتها بعجز وقلة حيلة وهي تفتح الباب الخارجي بتردد، تمر عبر الرواق الصغير، حتى تصل إلى الصالة الرئيسة.
كان والدها فوق الحلبة، يصارع أحدهم بكل تركيز، غائب عما حوله تماما.
مررت أنظارها أنحاء المكان ووجهها يحمرّ من الخجل والخوف، من أن يمسك بها أحد.
هذه الساعة هي وقت الذروة، حيث يحضر جميع من لديه حصص تدريبية، سواء مع والدها او المدربان الأخران اللذان يعملان لديه.
كانوا جميعهم منشغلين بتدربياتهم، نصفهم عراة الصدر.. ما جعلها تندم على دخولها بعد كل ذلك التردد والخوف، وتستدير لتعود حيث أتت منه.
لا بأس.. ستستقل سيارة أجرة.
كان ذلك خطؤها، انها لم تتذكر الأمر، ولم تأخذ المفتاح من والدها باكرا.
ما ان التفتت تنوي الهروب من المكان، حتى اصطدم رأسها بجسد قوي.. جعلها تنسى مكانها وتتأوه وهي تضع كلتا كفيها على رأسها، قبل أن ترفعه غاضبة، موبخة من أمامها: ( أعمى انت ما تشوف؟)
شهقت وهي تغطي فمها بكفيها حين استوعبت الوضع، وتذكرت أينها وما ذا يحصل.. لمّا سقطت عيناها على صدره العاري.
ردّ الآخر بحدة: ( والله الظاهر انتِ العميا مو أنا، مكتوب في اللوحة انه الصالة لتدريب الرجال وش جابك؟)
كانت عيناها متسعة وهي لا تزال تنظر إلى جسده، حتى احمرّ وجهه دونها وشعر بالإحراج.
و لعلّ عقلها تأخر مجددا في استيعاب الأمر، لتبعده عن طريقه وهي تدفعه بقوة ناحية الحائط، ثم تسرع خطواتها إلى الخارج وهي في غاية الإحراج والخجل!
















التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 03-07-22 الساعة 12:41 AM
وجد الــ غير متواجد حالياً  
قديم 20-07-21, 06:41 PM   #7

وجد الــ
 
الصورة الرمزية وجد الــ

? العضوٌ??? » 490179
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 130
?  نُقآطِيْ » وجد الــ is on a distinguished road
افتراضي




عادت إلى المبنى من المدخل المؤدي إلى الطابق الأعلى، وجلست على أول درج وهي تضرب جبينها، تشتم نفسها على الموقف الذي وضعت نفسها به.
أجفلت من رنين هاتفها الصاخب، أخرجته من حقيبتها وشهقت مجددا: ( الله ياخذك شام الله ياخذك).
تنحنحت تعدل صوتها ثم تبتسم تخفي ارتباكها، تدّعي البراءة قبل أن تضع الهاتف على اذنها، باستعداد تام لسماع صراخ مشرفتها في العمل: ( مرحبا ).
كزّت على اسنانها بارتباك من صمتها القصير، والذي علمت وجزمت انه الهدوء ما قبل العاصفة، لتغمض عينيها وهي تسمع صراخها بالفعل ( مرحبا! مرحبا بهالوقت وانتِ ما شرفتِ ولا جيتِ الشغل إلى الآن؟ مرحبا؟ ).
شام بصوت منخفض ( آسفة أيار والله اني خرجت من البيت بس ما عندي سيارة أجي فيها على طول، مضطرة امشي للشارع العام وآخذ تاكسي، ما راح أطول ).
الآن.. ستسمع الصوت الهاديء، الرزين.. الأنثوي، ستتحدث بنبرة رائعة للغاية كأنها لم تغضب ولم تصرخ منذ قليل ( تمام انتظرك لا تطولين، ورانا شغل كثير.. وعندنا شخص نبي نصيده بأسرع وقت، تعالي البيت لا تروحين للمكتب ).
ابتسمت وهي تتنهد براحة ( أبشري، حابة أجيب لك شيء في طريقي؟ ).
( لو سألتيني من بدري كنت طلبت منك تطبخين لي شيء صحي بس الحين ما في وقت، بقفل ).
اقفلت بالفعل دون ان تنتظر ردها.
لتقف شام وتزفر أنفاسها ثم ترتب نفسها، قبل أن تخرج وتتجه إلى الشارع العام، متجهة إلى الحيّ القريب، حيث تقطن ( أيار ).

__________


تستيقظ على لمسات ناعمة، تدغدغها وتجعلها تبتسم دون أن تفتح عيناها، بل ترغب في النوم أكثر.
خاصة وأن رائحة اللافندر تملأ المكان، والضوء البنفسجي الخافت يجعلها تسترخي ولا تحرم نفسها من هذا النعيم.. بعد هذا اليوم الطويل والمتعب.
لكن ذلك الكائن لم يترك لها أي خيار، حين صار يضرب بيده الصغيرة ذراعها الممتدة إلى خارج الأريكة حيث تستلقي، كأنه يرجوها ان تستيقظ وتحمله، وهو يتمتم بكلمات لطيفة غير مفهومة، لم تفهم شيء من هذه الهمهمات سوى كلمة ( ماما ) و ( بابا ).. لتفتح عينيها ببطء ثم تجذبه حتى صار بحضنها.
ضمته بقوة وهي تقبل رأسه بحب وحنان، تتنهد من أعماق قلبها، ممتنة لهذه النعمة العظيمة التي جملت حياتها منذ سنتين ونصف.. النعمة التي إن شكرت الله عليها طوال حياتها لن توفيه حق الشكر عليها، النعمة التي تحدثت مجددا، ناطقة ( ماما ).
خففت من ضمتها القوية لطفلها الصغير وهي تقبل وجنته ( يا عيون الماما، بابا راح؟ ).
رفعت راسها فزعة تجاه باب غرفة النوم حين سمعت صوته، يجيبها دون ابنها ( بابا ما راح ).
ابعدت انظارها عنه بغيظ وهي تجلس، وتُجلس ( تيم )،في حجرها تقبله وتداعبه متجاهلة وجوده.
ليهز رأسه باستياء وهو يفتح أنوار الصالة، ثم يقف أمام المرآة يعدّل شماغه، سائلا اياها موجها انظاره نحوها عبر المرآة ( متى بتبطلين هالحركات الطفولية أيان؟ كل ما زعلتِ مني حتى لو الموضوع تافه نمتِ بالصالة! افرضي أمك دخلت الشقة فجأة وصار هالشيء كثير، إيش راح تقول او كيف بتفسر الموقف؟ ).

رفعت انظارها إليه سائلة بحدة ( قصدك أمي فظة وما تحترم اهل البيت؟ ).
استدار ينظر إليها بغير تصديق ( ليش تفسرين كلامي على كيفك؟ مو كأني معترض او عندي مشكلة معاها، بالعكس البيت بيتها حياها الله بأي وقت، بس ما ودي انها تفهم الوضع غلط ).
( ما عليك أنا أعرف اتصرف، واذا فعلا خايف لا تفهم الوضع غلط بطّل تسوي الحركات اللي تزعجني وتزعلني ).
اقترب منها بعد ان انتهى مما كان يفعل، لينحني ويقبل مقدمة انفها ( تمام يا سيدتي الحسناء توبة ازعلك مرة ثانية، يلا بروح لا يفصلوني عن الشغل هالمرة كمان، انتبهي لنفسك وللولد ).
قبّل وجنة تيم وداعبه قليلا ثم خرج مسرعا، وانظارها تلاحقه حتى خرج من الشقة مغلقا الباب خلفه.
لتمط شفتيها بعدم رضى ( مو كأني قلت له يقعد يهتم بتيم وما يداوم من بدري ).
وقفت تحمل تيم وهي تتذمر ( إيش يحسب نفسه يوم يخرج بدون ما يعتذر؟ لا يكون يحسب انه هالبوسة السخيفة على خشمي ترضيني! ).
تنهدت تزفر أنفاسها ثم ترفع تيم عاليا وهي تضحك له ( يلا تيم حبيبي نروح نتروش عشان نحتفل مع خالة؟ ).

دخلت إلى دورة المياه، بدأت تحمم طفلها بكل عناية وحب.. وهي تسترجع الذكرى القريبة جدا.
فور صعودها برفقة أيار بعد العصر، ودخولها إلى المنزل خلفها.. تفاجأت برؤية ذلك المنظر.
كانت والدتها غاضبة بشدة، وجهها محمر من شدة الغيظ، تضرب ( أيار ) على ظهرها بكل ما أوتيت من قوة وهي تصرخ بها ( يا العاصية، يا العاقة، أنا ربيتك كذا؟ هذا اللي علمتك إياه؟ هذا اللي دفعنا عشانه آلاف الريالات؟ كذبتِ علينا وقلتِ إنك مسافرة ثم نكتشف انك مسجونة بتهمة الاحتيال؟ هذي نتيجة تربيتنا وتعبنا عليك؟ ).
كانت أيار صامتة تماما، كما تفعل كل مرة حين تتعرض لمثل هذه المواقف.
ركضت هي نحوهما، وأبعدت والدتها عن شقيقتها بقوة، لتقول بعد ان تمكنت أخيرا من ابعادها عن ايار، وبصوت خفيض ( يمه استهدي بالله وتعوذي من الشيطان، ليش تسوين فيها كذا؟ عرفتِ انها كانت في السجن المفروض انك تعامليها بشكل أحسن ).
غضبت الأم أكثر، لترفع صوتها وهي تشير إلى أيار ( هذي؟ هذي تستحق نعاملها ونستقبلها بشكل أحسن؟ ).
كانت تحاول ان تفلت من بين يديها وتضرب أيار مجددا، لترفع عينيها إلى والدها الواقف بصمت برجاء ( يبه تصرف ).
تحدثت ايار بصوت بالكاد يُسمع ( ما في داعي، بروح أنام ).
التقطت حقيبتها الملقاة على الأرض واتجهت إلى حجرتها، دخلت وأقفلت الباب بالمفتاح.
لتنظر هي إلى والدتها بعتاب ( من بين كل الناس كانت تنتظر منك تطبطبي عليها شوي، لو انتظرتِ لليل على الأقل؟ ).
عضّت شفتها بقلة حيلة وهي ترى والدتها تسقط على الأرض جالسة بضعف، بينما عيناها تدمعان، وتبكي بصمت.
جلست هي بجانبها وضمتها إلى صدرها، عيناها على باب حجرة أيار.. كانت حزينة ومتضايقة لأجلها كثيرا، ولكن والدتها أيضا لا تُلام.
ايار ابنتها الكبرى، المحبوبة جدا.. إن مسّها أي سوء يمسها أضعافه، لذا لم تتحمل فكرة بقاء ابنتها خلف القضبان.

كانت ترغب في الذهاب والاطمئنان عليها، ولكنها كانت تعلم جيدا ان أيار ستحب البقاء بمفردها.. لذا تركتها وعادت إلى شقتها في الطابق السفلي للمبنى.

الآن..
ألبست طفلها أجمل ما لديه، وارتدت هي أيضا شيئا بسيطا وجميلا بذات الوقت.
خرجت تحمل بيدها طبق كعك طلبته من أحد التطبيقات، تمسك بيد طفلها باليد الأخرى.
استدارت بعد أن اغلقت الباب بالمفتاح، لتتفاجأ وهي ترى الشابة التي صعدت للتو وهي تلهث:
- شام!
اقتربت منها شام رافعة ذراعيها ( أيان وحشتيني ).
ضمتها ثم ابتعدت عنها بحذر حتى لا يسقط ما بيدها، ثم انحنت تحمل تيم وترميه عاليا ثم تلتقطه مجددا وتضمه بكل حب ( هذا الكائن أكثر شيء وحشني طول الفترة الماضية).
رمقتها أيان بطرف عينها ( ايه واضح الشوق، مقاطعتنا ٦ شهور بس لأن أيار ما كانت موجودة؟ ).
ضحكت شام بارتباك وهي تسير خلف ايان ( تعرفين أبوي، مستحيل يسمح لي أخرج إلا للشغل، الله يستر لو رجعت البيت إيش راح يسوي، خرجت بدون ما أعلمه ).
استدارت أيان تنظر إليها بفضول ( صحيح وش جابك اليوم؟ لا تقولين انها نادتك عشان شغل؟ ).
هزّت شام كتفيها ورفعت كتفيها دلالة على الاستسلام بخصوص أيار.
اكملت طريقها إلى منزل والدها وهي تهز رأسها بأسى ( صدقيني هذي ما راح ترتاح إلا في قبرها ).
ضحكت شام وهي تتبعها، ايان محقة.. أيار من ذلك النوع من الأشخاص الذين لا يستسلمون أبدا حتى يصلون إلى قمة القمة.
هي وأيان أكثر من يعرفانها حق المعرفة، لا أحد سواهما!
نزعت حجابها بعد ان اخبرتها أيان أن شقيقها غير موجود، وكذلك والدها الذي يكون خارج المنزل في هذا الوقت من المساء.
دخلتا إلى المنزل بعد أن طرقت أيان الباب وفتحته والدتها، التي سلمت عليها شام بحرارة.. ثم اتجهتا نحو حجرة أيار.
أتاهما صوت أيار ( مفتوح ).
نهضت من مكانها على الفور واقتربت من شام لهفة بعد أن دخلتا، لتأخذ منها الطفل وتضمه بقوة ( حبيبي اللي وحشني ).
أيان وهي تدّعي الغيظ ( الظاهر اشتقتِ له أكثر من أمه )
أيار وهي تضحك وتقترب من شام لتسلم عليها بحرارة هي الأخرى ( ما نتصرف كذا فجأة أيان، بعدين شفتِ كيف كان الوضع وكيف لقيتيني، شخبارك شام؟ ايش فيك نحفانة لهالدرجة حتى عظام خدك برز ).
ضحكت شام بخجل وهي تنزع عباءتها وتعلقها على المشجب ( ظنيت اني راح أسمن في غيابك لو قلّ الشغل، ما دريت انه أبوي راح يكرفني لهالدرجة ).
رمقتها أيار بحدة ( ايش قصدك يا ستي؟ يعني أنا كنت أكرفك؟ ).
اخذت منها شام الطفل مجددا وهي تقول ( لا مو انتِ، الظاهر أيان ).
ضحكت أيان واكتفت أيار بابتسامة واسعة، لتتسع عينيها باستغراب حين رأت أيان تُخرج قالب كعك ( وش ذا ليش جايبته؟ لا تكوني سخيفة وتحتفلي بخروجي من السجن! ).
أيان ( صحيح، بمناسبة خروجك من السجن.. وبمناسبة ميلادنا ).
كادت عينا آيار تخرج من مكانهما وهي تحاول استيعاب ما سمعت للتو، ضحكت شام وأيان من ردة فعلها، خاصة حين اقتربت من المرآة الطويلة ووقفت أمامها، تشير إلى نفسها من رأسها حتى قدميها ( يوم ميلادنا؟ أيان من جدك؟ بيوم ميلادي خرجت من السجن؟ ).
جلست أيان على أحد المقاعد ( شفتِ كيف؟ قبل ٣٣ سنة خرجتِ من بطن أمي للحياة، واليوم من السجن ).
جلست أيار بجانبها بإحباط ( مو كأنها مناسبة سعيدة ).
التفتت الأختين إلى شام حين شهقت شهقة عالية، جعلتهما تظنان أنها ربما على وشك الموت.
لتسألها أيار ( إيش فيه؟ ).
رفعت شام الهاتف ووجهته نحوهما، لتتسع أعينهما على أقصاها مما رأوه.
سحبت أيار الهاتف منها وهي تنتفض من القهر، ويتحول لون بشرتها إلى الأحمر القاني.
وهي تبصر صورتها المتصدرة على مواقع التواصل الإجتماعي، وعنوان مشمئز بجانب تلك الصور!

____




أتاني الكرى ليلاً بشخصٍ أحبُّه؛ أضاءت له الآفاق، والليل مُظلمُ. فكلمني في النَّوم غير مغاضبٍ، وعهدي به يقظان لا يتكلمُ!



— المؤمل بن أميل المحاربي



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 03-07-22 الساعة 12:50 AM
وجد الــ غير متواجد حالياً  
قديم 22-07-21, 06:27 PM   #8

وجد الــ
 
الصورة الرمزية وجد الــ

? العضوٌ??? » 490179
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 130
?  نُقآطِيْ » وجد الــ is on a distinguished road
افتراضي

( 1 )



___

“فالحب قد اعتق لساني فتكلمت،
ومزق أجفاني فبكيت،
وفتح حنجرتي فتنهدت وشكوت”



— جبران خليل جبران
___


في غرفته المظلمة بداخل منزله الواسع..
يجلس أمام شاشة جهازه الحاسب، تلمع عيناه المنعكسة عليه صورتها، وعلى شفاهه ابتسامة خبيثة، ربما لم تعرف البشرية ابتسامة أخبثُ منها قط.
قبل أن يقهقه فجأة وترتفع ضحكته الساخرة اللئيمة، وهو يشعر بالانتصار وشيء من نشوة الانتقام.
لم يتخيل أبدا قبل ذلك أن يوما كهذا سيأتي بالفعل!
بالرغم من أن ما حصل وما فعله بها كان هيّنا وبسيطا للغاية.
إلا انه ترك به شعورا جميلا، وكأنما صدره حديقة خضراء غنّاء، وقد تزاحمت بها بعض الفراشات الملوّنة.
اتسعت ابتسامته أكثر عندما رنّ هاتفه الجوال منيرا برقم غريب، علِمَ على الفور أنه يخصها!
شخّص أبصاره على الشاشة دون أن يأخذ الهاتف.
حتى حين ظلّ يرن بشكل متواصل، بدا وكأنه يستمتع بتلك النغمات للغاية.

مرّ بعض الوقت..
حين وقف أمام المرآة، ينظر إلى نفسه نظرة أخيرة بعد أن لبس
وتأنق.
ليغادر المنزل إلى مقر عمله، شركته.. مؤسسته الصغيرة.
ركب سيارته الفارهة، اتجه بها إلى المقر.
ليترجل منها، ثم يصعد إلى الطابق العلوي للمبنى، والذي اتخذه مقرا لإدارة عمله.
كان يمشي بكل ثقة وغرور، واثقا بجماله وهيبته.. مغترا بكل ما لديه، من أموال وجاه ومنصب.
حتى وصل إلى غرفة الاجتماعات التي اجتمع بها كل موظفيه.
قبل أن يدخل، ومن خلال الباب الزجاجي الشفاف.. ألقى نظرة على جميع الموجودين، ليعرف من تعابيرهم أنهم غاضبين بحق، يودون لو يستطيعون ضربه بالرصاص.. نعم، يعلم ذلك جيدا.
الأمر الذي يشعره بالنشوة والفرح!
فتح الباب بعنفوان، واتجه إلى مقعده على الفور.. يأخذ جهازه ( الآيباد ) من فوق الطاولة ثم يرفع رأسه سائلا، وكأنه لا يعلم عن شيء ( ايش عندكم؟ ليش طلبتوا مني احضر هالاجتماع ).
التزموا الصمت، لم يجرؤ أحد على التحدث.. بالرغم من انهم غاضبين للغاية، ولديهم الكثير مما يرغبون بقوله لهذا المخلوق المتعجرف الكريه، إلا ان لا أحد منهم تجرأ على الكلام وهو أمامهم، بينما يتحدثون من خلفه بكل راحة!
قرر أكثرهم جرأة ان يتحدث وينهي هذا الاجتماع السخيف الذي لا داعي له ( انت عارف ليش استاذ عُدي، مع ذلك تأخرت وخليتنا ننتظر ظ£ ساعات بالضبط، وهذا خرق لقواعد العمل والعمّال، ما يجوز كل مرة تسوي فينا كذا، لو عندك أدنى اهتمام بالعمل والصحيفة ).
نظر إليه نظرة باردة وهو يعبث بقلمه على الطاولة، يصدر صوتا مزعجا ومربكا للموظفين ( أنا المدير هنا وأنا المسؤول، أجي واروح متى ما بغيت، مين انت عشان تتجرأ وتحاضرني بخصوص وقت حضوري؟).
أغمض الآخر عنه يحاول كظم غيظه ( مو هذا اللي أقصده، بس انت فعلا لازم تعدل اسلوبك من هالناحية، لو سمحت! احنا نحضر الصباح من بدري، ورانا بيت وعيال.. ما نقدر نشتغل أكثر من ثمان ساعات ).
ضحك فجأة بطريقة اثارت بهم الخوف، ليسأل بهدوء ( أجل ليش ما رجعتوا لبيوتكم وأهاليكم؟ مو كأني اجبرتكم تنتظروني؟ ).
أجاب شخص آخر دون أن يرفع أنظاره إليه ( نعرف كيف تتصرف لو تركنا الاجتماع ومشينا، ماحنا مستعدين نخسر وظايفنا ).
ارتفع صوته الغاضب فجأة، مما جعلهم ينتفضون بخوف ( عارفين أجل، لكن مصرين ترفعون ضغطي وتشتكون بكل مرة أجي فيها لاجتماعاتكم؟ واللي ما منها أي فايدة؟ ).
صمت قليلا وهو يغمض عيناه ثم يتنهد ( ايش عندكم اليوم؟ ).
حارث من الفريق القانوني، تحدث بهدوء وأدب، حتى لا يثير غضب رئيسه مجددا ( بخصوص الخبر عن المحامية أيار السلطان، وردتنا الكثير من الشكاوى، وهي شخصيا رفعت علينا قضية تشهير، وقضية تصوير بدون اذن ).
أراح عُدي ظهره على المقعد ثم بسط كفيه ( كلها قضايا بسيطة، تعاملنا مع مثلها وأكبر منها قبل كذا، والفضل لك بعد الله حارث.. ليش كل هالقلق والخوف الحين؟).
تنهد الحارث بضيق ( انت تعرف المحامية أيار، تعرف قد إيش مهتمة بعملائها.. كل همها انها تفوز في قضاياها، كيف لو كانت القضية نفسها متعلقة فيها؟ ما راح تتركنا إلا بعد ما تمحي صحيفتنا من الوجود).
( متأكد انه هذا كل همها؟ الفوز؟ ).
نظر إليه حارث رافعا احد حاجبيه متسائلا، ليغير عدي الموضوع وهو يمرر أنظاره على باقي الموظفين ( حارث الوحيد اللي عنده كلام معي، انتوا ليش ظليتوا هنا للآن دامكم متأخرين على أهاليكم؟ ).
تحدث أحد المصورين ( ودنا نعرف الشخص اللي صورها وسبب كل هالفوضى، أو المصدر على الأقل ).
أبعد عُدي أنظاره عنهم ( هوية المصور أو المصدر مو شغلكم، سووا اللي عليكم بس.. تقدروا تتفضلوا الحين، حارث خلك ).
أحد الموظفين بغضب ( كيف مو شغلنا؟ شكلك ما تدري عن شيء بس احنا دايم مضطرين ننظف وراك أو ورى أي شخص يسبب مقل هالمشاكل، المحامية أيار ماهي انسانة عادية، واحنا مو مستعدين نخسر شغلنا عشان تهور شخص مجهول ما ندري من هو ).
قطب جبينه ناظرا إليهم بحدة ( طيب هذا شغلكم، تسوون الأمور وتنظفون الفوضى، ولا ايش تقترحون؟ إيش تبغون أسوي بالضبط لو ما في شيء من اللي ذكرته من شغلكم؟).
( اقترح نحط المسؤولية كلها على الشخص اللي صور، ونقول انه كان تصرف شخصي.. ثم نحذف كل المنشورات من مواقع التواصل.. وقتها نقدر نتفادى مواجهة المحامية).
نظر إليه وإلى من يؤيده بعدم تصديق، قبل أن يسألهم بصوت مخنفض وحاد بذات الوقت ( مين اللي خايف من مواجهة أيار؟ يطلع من شركتي ويقدم استقالته).
ضرب الطاولة بيده بقوة صارخا بغضب ( حالا )!
نظروا إليه بخوف وارتباك، ثم إلى بعضهم بعدم رضى، قبل أن يتحدث عُدي بهدوء ( اطلعوا، روحوا من قدامي ).
خرجوا مضطرين، والغيظ والقهر يملأ نفوسهم أجمعين.
سوى الحارث الذي نهض من مقعده بعد خروجهم وجلس على أقرب مقعد لعُدي الذي بدا عليه الانزعاج الشديد، ابتسم وتحدث بهدوء حتى يخفف من غضبه ( ما عليك عُدي، هم بس خايفين لأنها المرة الأولى اللي ننشر شيء حصري ويثير كل هالضجة في الوسط الإعلامي ).
ردّ عُدي بابتسامة ساخرة ( بس مو أول مرة يتصرفون بهالطريقة، مو كأنهم ما يعرفون طبيعة هالعمل، ولا يعرفون انهم كل بعد فترة راح يتعرضون لمثل هالأشياء! تعدوا حدودهم كثير ).
( صحيح كلامك عُدي، بس اسمح لي.. هالمرة أتفق معهم، أيار مو الشخص المناسب، انا معك بأي شيء تسويه ولأي شخص، إلا أيار ).
نظر إليه عُدي بتعجب وهو يضحك ( أيار؟ أيار حاف كأنك تعرفها وتعرفك؟ بعدين ليش خايف منها لهالدرجة؟).
ضحك الحارث بارتباك ( لا ماني خايف مين قال، بس أعرف شغلها كويس.. صدقني راح نخسر، لازم نتصرف بأي طريقة، حتى لو نحط المسؤولية على المصور يا عُدي، لا نلعب ونتورط معاها، أرجوك ).
هزّ عُدي رأسه بلا مبالاة ( لا تحاول تقنعني، من زمان ما حسيت بهالإثارة والحماس يا حارث، انا اليوم أسعد انسان على وجه الأرض، ما عكّر مزاجي إلا اجتماعكم اللي ما استفدت منه شيء ).
تنهد الحارث بضيق ( بس يا عُدي هالشيء لمصلحتك، قلت انها رافعة علينا قضية).
( ما عندي مشكلة، اتركني الحين.. ما ابي أتكلم أكثر عن هالموضوع ويختفي حماسي!).
نظر إليه الحارث نظرة أخيرة، مليئة بالأسى والاستياء والاستسلام. قبل أن يخرج تاركا المكان، الشركة برمتها.
في اللحظة التي أظلمت عينا عُدي، وتحولت كأنها تعود إلى شخص آخر عداه هو!
لينهض من مكانه على الفور، متجها إلى أزرار التحكم بالكهرباء.
أغلق معظم الأنوار، لم يُبقِ منها سوى القليل.. ليخرج بعد ذلك مغادرا الشركة.

_____

في اللحظة التي دخلت بها أيار إلى المقر.
بخطوات تنبىء أن اعصار ما اقترب من هناك، ووجه غاضب.. ينبيء انه يخفي وراءه انفعالا سيؤدي إلى تهلكة من ستواجهه.
حتى وصلت أخيرا أمام مكتب تلك الصحيفة القذرة.
وهي تنتفض من شدة القهر.
اندفعت ناحية الباب ودفعته بأقوى ما لديها، لتتسع عيناها وهي تسمع صرخة شاب وقع للتو أمامها حين دفعت الباب بتلك الطريقة.
حينها فقط خفّ غضبها قليلا وهي تغطي فمها بصدمة، ثم تنحني سائلا إياه بقلق ( انت بخير؟ يمه مو قصدي ما دريت انه في أحد عند الباب).
رفع الآخر كفه يشير لها ويأمرها أن تبتعد ثم ينهض ببطء، يجيب دون أن يرفع رأسه ( ما عليك ما فيني شيء ).
تنهدت براحة ( الحمد لله ).
سألت باستنكار وهي تحاول رؤية شيء في هذا الظلام ( ايش صاير هنا ليش الأنوار مقفلة؟ وين الموظفين؟ وين المدير؟ ).
أجاب الآخر بارتباك وهو يتلعثم، ولا زال مخفضا رأسه ( المدير توه طلع، والموظفين بعد.. انتهى وقت العمل، إذا تبغين شيء راجعينا بكرة الصباح ).
وضعت يدها على خاصرتها وهي تتأفف، قبل أن تشعر بالريبة من تصرفات الشاب، رأسه الذي لم يرفعه فلم ترى ملامحه أبدا.. خاصة وأن المكان مظلم نسبيا، ارتباكه الزائد، توتره الظاهر من خلال يديه.. والتي يفركهما ببعضهما بقوة، صوته المرتجف، لتسأل باستغراب ( ايش فيك تتصرف كذا؟ كأنك مسوي جريمة؟).
ازدرد الشاب ريقه بصعوبة قبل أن يقول ( لو سمحتِ يا أختي اخرجي بسرعة لازم اقفل الحين، ولا بسمع تقريع من المدير ).
ابتسمت بغير تصديق ثم هزّت رأسها بشفقة، قبل أن تتسع عيناها وتختفي ابتسامتها وهي تميز صوته، ثم تشهق ( هذا انت؟ صحيح انت؟ انت اللي صورتني اليوم!).
اتسعت عينا الشاب بخوف ورفع رأسه مصدوما، لتتأكد أيار من هويته.
اغمض الشاب عيناه كأنه يواجه الموت ( صدقيني ما كان فيه أي صورة بكاميرتي، واللهِ العظيم.. أقسم لك بالله انه ما كان في أي صورة من صورك، انتِ حذفتِ كل شيء بنفسك، ما اعرف كيف صار اللي صار ).
التزمت آيار الصمت لبضع ثواني وعيناها تحمران شيئان فشيئا، قبل أن تصرخ بغضب ( لو حذفتها شلون انتشرت بكل مكان؟ كيف الناس درت اني كنت بالسجن؟).
ارتجف جسد الشاب وانتفض بشكل غريب وهو يهزّ رأسه ( ما اعرف أنا ما أعرف، اكيد المدير عنده شخص شاطر بهالأمور وقدر يرجع الصور بأي طريقة ).
صاحت به مجددا ( بس هذي مو نفس الصور اللي كانت بالكاميرا، هذي صور ثانية تصورت عن طريق الجوال ).
رفع الشاب عيناه إليها بوجه شاحب كالأموات.
وقبل أن تفعل أيار أي شيء.. صدمته بحركته السريعة وهو يخرج من المكان، ويقفل الباب من الخارج بالمفتاح!

لم تصدق أيار ما حصل أمامها للتو، لم تستوعب.. بل ليست قادرة على الاستيعاب!
حين بدأ عقلها يعود إلى العمل بعد هذه الصدمة، اقتربت من الباب وصارت تضربه بكل ما أوتيت من قوة ( يا حيوان يا ابن الـ ***** يا كـ *****، تعال.. تعال هنا الحين، فكّ الباب يا اللي ما تستحي، ما تخاف ربك.. مين هذي اللي تتصرف معاها كذا؟ مين اللي تجرأت تسوي فيها كذا؟ تعاااااال).

بعد عشرون دقيقة..
سقطت على الأرض جالسة باستسلام.
يداها تؤلمانها للغاية، وكذلك حلقها.. لا بدّ أنه تورم جراء صرخاتها المتتالية!
ما بال هذا المجنون؟ لمَ فعل بها هذا الشيء الغريب؟
رفعت عيناها إلى الباب بإحباط، قبل ان تهزّ رأسها نفيا، تبعد فكرة كسر الباب حتى لا يقاضيها صاحب المكان بتهمة إتلاف الممتلكات الخاصة.
يبدو أنها صارت تملك مناعة قوية ضد أي شيء مخالف بعد دخولها إلى السجن!
كما أنها أبعدت فكرة الاتصال بالشرطة!
فهي الآن حديث الساعة، ومحط انظار الجميع.. ان اتصلت بهم وأتوا لمساعدتها ربما لن تتمكن من الهروب من هذا المكان بسرعة.
نهضت وعيناها تطلقان الشرر.
ثم سارت عبر الرواق الصغير، تمرر أنظارها على أنحاء المكان.. حتى وصلت أخيرا أمام غرفة، علمت من خلال لافتة صغيرة انها تخص المدير.
اقتربت من الباب وأخذت تحاول فتحه، غضبت للغاية حين فشلت، لتصرخ وهي تضرب الأرض برجلها.
قبل أن تجلس على أقرب مقعد موجود في ذلك الرواق ثم تجلس، تغمض عيناها وتزفر أنفاسها ببطء.. تحاول تهدئة نفسها.
لتخرج هاتفها بعد ذلك، وتطلب رقم ذلك ( الوغد ).
لا تدري كم مرّ من الوقت، وكم مرة اتصلت.. وحتى متى عليها الانتظار!
حتى أجاب الوغد أخيرا، بصوت بارد كالجليد ( مين معي؟).
تحدثت أيار وصدرها يعلو ويهبط من شدة الانفعال ( حلوة هذي مين معك بعد ألف مرة اتصلت فيها، ليش ما ترد؟).
ضحك بنفس الصوت البارد ( وليش أرد على رقم غريب؟).
أيار بغضب ( لو هالرقم الغريب ظلّ يتصل فيك مليون مرة معناته يمكن في مصيبة صايرة!)
ابتسم عُدي بكل استمتاع ( ووش هالمصيبة اللي انتِ فيها حالياً حتى تحاولي تطلبي مساعدة شخص غريب عنك؟ ).
تصاعد غضبها أكثر فأكثر، إلا انها تجاهلت ذلك وتحدثت بهدوء ( جيت أقابل حضرتك في مقر الشركة، لكن اللي صار انه في موظف مجنون عندك، نفس اللي صورني وانا خارجة من مركز الاحتجاز، حبسني وهرب من ساعة تقريبا ).
تظاهر عُدي بالمفاجأة قائلا ( أوووه أجل معي المحامية القديرة أيار؟ آسف اني ما تعرفت عليك ).
صرّت على أسنانها بقلة صبر ( مو وقت هالكلام الحين، تعال بسرعة افتح لي الباب ولا والله اني ببلغ عليكم الشرطة، بسرعة ).
بدا وكأنه تفاجأ هذه المرة بالفعل ( لحظة، انتِ قصدك انه موظفي اللي صورك وانتِ خارجة من السجن حبسك فعلا؟ ).
( إيه، عندك ربع ساعة.. لو ما جيت خلالها وفتحت لي الباب صدقني راح تندم ).

أغلقت منه على الفور ودون أن تنتظر رده.
وأخذت تسير في ذلك المكان ذهابا وإيابا، وعيناها لا تبرحان ساعة معصمها.. حتى سمعت صوت المفتاح، حينها أسرعت ناحيته تحمل حقيبتها في يد، والهاتف في يد أخرى.
وهي متخفزة تماما وغاضبة، مستعدة للهجوم عليه وعلى الفور.
إلا انها نسيت كل غضبها حين أبصرت شخصا مختلفا، مألوفا.. يستحيل أن يكون هو وراء هذه الصحيفة، شخصا تعرفه جيدا، والذي لم يكن سوى ( حارث؟ وش تسوي هنا؟ ).
ابتسم الحارث مرتبكا ( في النهاية انحطيتِ بهالموقف أجل؟ اخرجي لا تموتين).
خرجت أيار دون أن تحرك عيناها من عليه، لتسأل والتعجب يملؤها بينما كان هو يقفل الباب مجددا ( وش تسوي هنا؟ اذكر اني كلمت المدير).
شهقت وهي تكمل ( لا تقول انك تشتغل هنا!).
هزّ كتفيه يعبر عن قلة حيلته، متجها إلى المصعد ( المدير كلمني وقال لي أجي اخرجك، لأنه مشغول حاليا، أهم شيء انتِ بخير الحين؟).
وقفت أيار خلفه على المصعد تزفر أنفاسها بإحباط ( بخير، بس ماني بخير اكيد عارف ايش أقصد.. حارث إياك تعتقد إني راح أكون هينة عشانك بس!).
ضحك وهو يلتفت إليها ( لا أبد، مين المجنون اللي راح يفكر انك ممكن تكونين هينة؟ بالمقابل انتِ بعد كوني مستعدة، حتى أنا ما راح أدخر أي جهد، بسوي كل شيء أقدر عليه عشان أهزمك هالمرة).
ابتسمت أيار ابتسامك واسعة قبل أن تضحك وهي توميء برأسها ( تمام، بعطيك فرصة.. بخليك تنال شرف المحاولة على الأقل ).
سألت باستغراب ( بس لحظة حارث، مين هذا الشخص المجنون اللي صورني؟ ثم حبسني هنا من شوي؟ تعرف شيء).
الحارث ( ما أدري والله مو متأكد، ما فادني المدير بشيء حتى لما سألته.. اوصفي لي شكله ولا لبسه يمكن أقدر أتعرف عليه؟).
( والله ما اعرف المكان كان شبه مظلم، تقدر ترجع لكاميرات المراقبة وتشوف بنفسك ).
هزّ الحارث رأسه نفيا ( ما في ).
( وش اللي ما في؟ ).
( ما عندنا كاميرات مراقبة بشركتنا، ولا حتى في نفس الطابق).
أيار بتعجب شديد ( تمزح! ليش طيب؟).
( برضوا ما أعرف السبب الحقيقي، بس المدير منع).
أيار وهي تنظر إليه بنصف عين ( حارث انتبه، وين قاعد تشتغل انت؟ ما عندك معلومات أكيدة وكل ما سألتك عن شيء قلت ما تعرف، لا تكون هذي شركة مشبوهة وأنا ما أدري!).
ضحك الحارث بصخب ( هههههههههههههههههههه مو لهالدرجة، أوصلك دامنا بنروح بنفس الطريق؟ أدري انه كايد أخذ سيارتك وراح ).
أخرجت أيار مفتاح السيارة ولوحت به ( ما في داعي سرقت سيارة أيان، مع السلامة ).

تفرقا بجانب الباب الرئيسي للمبنى، بعد أن غطت أيار وجهها جيدا واتجهت إلى السيارة.. وظلّ الحارث واقفا بمكانه يتأملها للحظات، وفي قلبه حسرة.. يبدو أنها لن تزول منه قريبا!
رفع صوته مناديا إياها ( لحظة ).
استدارت إليه بتساؤل ووقفت تنتظره حتى أتاها بخطوات سريعة....

______


الرابع من يونيو..
الخامسة والنصف صباحا.

تدخل إلى المنزل بخطوات بطيئة، تسير على أطراف أصابعها.. حتى تتمكن من التسلل إلى داخل حجرتها بكل هدوء، دون أن تقابل أيار.
إلا انها ما ان اقتربت من باب حجرتها سمعت صوت أنين خافت، آتيا من جهة المطبخ.. المطفأة أنواره!
اتجهت إليه عاقدة حاجبيه بتعجب، من قد يكون مستيقظا في مثل هذا الوقت الباكر؟
وضعت حقيبتها وباقي أغراضها جانبا ثم اتجهت إلى المطبخ بنفس الخطوات البطيئة، حتى وقفت بجانب الباب.. حينها أبصرت ظهرها الذي يهتز متفاعلا مع بكاءها الصامت.
وأمامها مختلف أنواع الطعام.
ازدردت ريقها بارتباك، قبل أن تخطو خطواتها نحوها بكل تردد.
تعلم أنها إن رأتها لن تدع هذا الصباح يمرّ بسلام، لن يهدأ لها بال حتى توقظ جميع من بالمبنى، بل بالحيّ كله.. وهي تصرخ بها غاضبة.
تقدم رجلا وتؤخر الأخرى ورغباتها تتصارع بداخل نفسها.. ما بين قلق عليها وخوف منها.
حتى استسلمت لرغبتها الثانية أخيرا، واقتربت منها حتى جلست على المقعد بجانبها ( أيار؟ عسى ما شر وش فيك؟ ليش تبكين؟ ).
مسحت أيار دموعها بباطن كفيها واستدارت تنظر إليه بأنف محمر وعينان متورمان ( أمي وأبوي سافروا، راحوا للديرة عند جدي ).
رفعت كتفيها باستغراب ( شيء طبيعي يسافرون اليوم، هذا شيء معروف وتعودنا عليه من صغرنا، ليش مصدومة وزعلانة؟ لا تقولين إنك متأثرة من جد؟ ).
هزّت رأسها نفيا وهي تشير إلى الطعام أمامها ( أمي أمس قالت لي إنها مو راضية عني، وإنها راح تظل غاضبة ليوم الدين بسبب اللي سويته، بس ليش... ).
اختنقت وعادت دموعها تنزل مجددا ( ليش سوت لي كل هذا؟ مين قال لها تسوي لي الفطور؟ المنطق والمعقول انها طالما كانت زعلانة مني ومعصبة تتجاهلني، تخليني أموت من الجوع ما تظل صاحية طول الليل تسوي لي الأكل اللي أحبه، كأنها قاعدة تستقبلني بعد خروجي من السجن ).
لانت ملامحها بحزن على أيار، التي إن بكت ربما ستتمكن من إذابة الصخر ( أكيد ما كانت تقصد اللي قالته، إنتِ تعرفين أمي.. إذا كانت زعلانة وقلقانة علينا تقول كل أنواع الكلام بس بعمرها ما كانت تقصد ).
وضعت أيار رأسها على كتف أختها وأمسكت بذراعها بقوة كأنها بتلك الحركة تحاول أن تستمد بعض القوة ( بس يعور يا رجاء يعور، لو تشوفين كيف استقبلتني أمس وأنا جاية ميتة شوق لها ولأبوي، بالنهاية ضربتني وخاصمتني وطول اليوم وهي صادة عني وزعلانة، حتى بعد ما صار اللي صار وانتشر الخبر ما جات كلمتني أبد، والحين تسوي لي الفطور؟ تسوي لي كل شيء أحبه؟ مين سمح لها؟ ).
ضحكت رجاء وهي تربت على كتفها ( يمه يالدلع، كل هذا عشان ما استقبلتك بالأحضان؟ ).

عمّ الصمت أرجاء المكان.. حين توقفت أيار عن البكاء، واستشعرت رجاء بل شعرت بالخطر، أخذت عيناها تتسعان وهي تبتسم بارتباك، خاصة حين قالت أيار بنبرة هادئة للغاية ( دلع؟ قلتِ دلع؟ ).
ودون سابق انذار، نهضت رجاء من مقعدها سريعا بعد أن دفعت أيار بعيدا عنها بقوة، حتى سقطت الأخرى عن مقعدها وصرخت بألم.
لتركض رجاء متجهة إلى غرفتها.
ولكن الصدمة أن الباب كان مقفلا بالمفتاح، حينها رفعت كفها تغطي فمها تحاول استيعاب حجم المصيبة التي هي بها الآن.
استدرات ببطء وهي تضحك بغباء، حين سمعت صوت خطوات أيار، والتي وقفت بعيدا عنها وأسندت كتفها على الحائط وهي تتكتف، ثم ترفع مفتاحا بيدها ( تدورين على هذا؟ ).
اتسعت ابتسامة رجاء المرتبكة، وضمّت كفيها سريعا ( استهدي بالله أيار، تعرفي إني ما أقصد ).
أيار أيضا بابتسامة واسعة ( وانتِ عارفة إني مو جاية أحاسبك على هالكلام السخيف، وين كنتوا؟ ومين سمح لكم تسافرون وتخلوني؟ مين سمح لكم تاخذون سيارتي بدون اذن؟ ).
ضحكت رجاء ( أيار ايش فيك؟ ما رحنا بعيد تعرفين هالأيام حر، بس تمشينا كم يوم في الجنوب، صدقيني ما كنا ندري انه موعد خروجك أمس ولا ما كنا قعدنا كثير ).
أيار وهي تلعب بالمفتح بيدها ( بس؟ بس رحتوا الجنوب مو مكان بعيد، خوش والله.. ومن كثر انشغالكم ما شاء الله من مواعيدكم المزدحمة حتى ما تتذكرون هالموعد اليتيم! ).
صمتت قليلا ثم سألت بغضب ( وين الـ **** الثانية ؟ ).
أجابت رجاء وهي تضحك ( كايد راح يصلي، وليال.... ) صمتت بارتباك وهي تخفض عيناها.
لتفزع من صوت أيار العالي والغاضب ( وين ليال؟ ).
رجاء بصوت منخفض وهي تشير ناحية الباب ( دخلت تنام عند جدتي، قالت انها ما تبغى تشوفك ).
رفعت أيار حاجبيها باستغراب، إلا ان حديثها أحزنها بشكل غريب، لترمي المفتاح جانبا وتندفع ناحية رجاء ( أجل تعالي انتِ ).
صرخت رجاء برعب وهي تخلع عبائتها سريعا وترميها أرضا وكأنها تستعد لخوض المعركة، قبل أن تبدأ بالركض بسرعة.
ركضت منها هاربة، تمرّ على كل أرجاء المنزل، وأيار تركض خلفها بإصرار وكأنها لا زالت طفلة.
حتى تعبت رجاء ورفعت يديها باستسلام، ثم ما لبثت أن استلقت على أرضية المطبخ بتعب وهي تلهث ( خلاص أستسلم والله أستسلم، سوي اللي تبغيه فيني.. بس خليني أتروش قبل وأتجهز للنوم، عشان أنام وأنا أبكي ).
تكتفت أيار وهي تقف فوق رأسها وتشرف عليها من علوّ، تلهث هي الأخرى بتعب ( بالله؟ تمام أجل قومي ).
التفتت ناحية الباب حين سمعت صوته وهو يُفتح ( جيت؟ تعال ).
ابتسم لها كايد بارتباك وضحك، قبل أن يسرع ناحية حجرته.. وواجه ما واجهت رجاء حين وجد الباب مقفلا، ليلتفت برعب ينظر اتجاه المطبخ.
نهضت رجاء مسرعة، وأمسكت بكف اختها ( لا تعصبين علينا، عندي حلّ ).
( وشو؟ ).
( راح نسليك أنا وكايد، بنرقص لين يأذن الظهر ).
لم تترك رجاء أي فرصة لأيار، وهي تسحبها معها حتى دخلتا إلى غرفتها.. وكايد ينظر إليهما بتعجب ودون فهم.
انتبه واستوعب اللأمر حين أخرجت رجاء رأسها من الباب ( تعال بسرعة، بتسامحنا على سرقتنا لسيارتها.. يلا ).
لم يمشي بتلك السرعة في حياته قط قبل ذلك، حين دخل إلى غرفة أيار بلمح البصر.
وأخذ يرقص برفقة رجاء ويغني بصوته العالي الناشز.
في محاولة جاهدة لإضحاك أيار وتغيير حالتها النفسية إلى الأفضل.. حتى ضحكت الأخرى أخيرا، حينها فقط شعر بالسلام!

______

تفتح باب غرفتها بحذر، تُخرج رأسها أولا.. تنظر يمنة ويسرة، قبل أن تخرج رجلها اليُمنى، ثم اليسرى.. حتى أصبحت جسدا كاملا يتوسط صالة المنزل الصغيرة.
تنهدت براحة لمّا علمت أن والدها ليس بالمنزل، بما أن الهدوء يعمّ به.
دخلت إلى المطبخ وبدأت تعدّ الطعام لنفسها، تتحدث إلى نفسها عمّا يخص أيار..وما حصل بالأمس.
قبل أن تصرخ بفزع وهي ترى رأسا يخرج من خلف إحدى الخزانات الخاصة بالطعام، تحدثت وهي تضع يدها على صدرها وبنفس منقطع من شدة الخوف ( يبه وش تسوي هناك؟ ).
خرج حُسام وهو ينفض ملابسه ( كنت أصلح الدولاب من ورى ).
غسّل يديه جيدا ثم التفت ينظر إليها وهي تبعد أنظارها عنه وكأنها ترغب بالهروب، ليتحدث بنبرة جادة ( كأنه في بنت خرجت أمس من البيت من ورى أبوها؟ بدون علمه؟ ).
وضعت شام ما بيدها على الطاولة ثم التفتت إليه تحاول اخفاء ارتباكها ( كأنه في عجوز تجاهلني وتجاهل اتصالاتي؟ ولا رد عليّ حتى بعد ما دقيت مليون مرة؟ ).
( تعرفين إني أكون مشغول بعد المغرب وما أكون حول الجوال، مع ذلك خرجتِ وما انتظرتيني؟ وين رحتِ؟ ).
اقتربت منه تحاول استعطافه، تعرف جيدا أنه يتصرف معها بتلك الطريقة من خوفه عليها.. ولن يمرر الأمر بسهولة ( يبه والله كنت بنتظرك بس خفت أتأخر، أيار رجعت من السفر وطلبتني، كان الموضوع عاجل وضروري ما قدرت أأجل ).
حسام بغضب ( بس برضوا كيف تمشين لوحدك والدنيا ظلام؟ افرضي طلع لك شخص غريب ولا آذاك أحد ).
ضحكت شام وهي تمسك بكفه ( أفاا يا حُسام، أنا بنتكك يا أقوى واحد بالحيّ، أعرف كيف أدافع عن نفسي لو طلع لي شخص غريب، لا تقلق ولا تشيل هم، سامحني هالمرة، هااه؟ ).
زفر حُسام أنفاسه بضيق ولم يعرف ماذا يقول أمام هذه الملامح البريئة والنبرة اللطيفة، ليتنحنح ويقول ( بس آخر مرة، لو تكرر الموضوع مرة ثانية ما راح يحصل خير يا شام وأنا نبهتك ).
ابتسمت شام ابتسامة واسعة حتى بانت كل أسنانها، قبل أن تقف على أطراف أصابعها وتقبل جبينه ( يسلم لي حسام الحلو، دريت انك ما راح تعصب قد كذا ).
حُسام وهو يحاول أن يبدو صارما ( مرة ثانية لو طلبتك بوقت متأخر خليها تجي تاخذك بنفسها لو كنت أنا مشغول ولا قدرت أوصلك ).
( مو كأنها من جد راح تجي تاخذني وأنا مجرد موظفة تدفع لي راتب شغلي ).
وبحنق أكملت ( لو ما طلبت مني إيجار غرفتي ما اضطريت أشتغل ولا اضطريت أخرج بأي وقت ).
نظرت إليه بطرف عينها تحاول معرفة إن لان قلبه أم لا، ولكن دون جدوى ( ما في أب بالدنيا يطالب بنته بإيجار غرفتها في بيته ).
تجاهل حُسام حديثها وجلس على الكرسي بجانب الطاولة، بينما عادت شام تكمل إعداد إفطارها.
بدا عليه التردد والارتباك، قبل أن يتحدث بهدوء قائلا ( شفتيه أمس ).
استدارت إليه متسائلة ( مين هو؟ ).
حُسام بعد صمت قصير ( ضياء ).
توقفت يديها عن العمل، واتسعت عيناها بصدمة من سماعها هذا الإسم بعد فترة طويلة، طويلة للغاية.
ابتلعت ريقها بتوتر ثم ادّعت اللامبالاة وسألت ( وين؟ ما أذكر إني شفته ).
( متأكدة؟ بس هو قال لي انه شاف بنت عند مدخل الصالة، وما في أي بنت غيرك ممكن تدخل لمكان مليان رجال ).
تركت ما بيدها بقلة صبر ( إيش قصدك يبه؟ أولا أنا ما دخلت هناك أبدا، ثانيا حتى لو دخلت ليش يشوفني إيش جابه هنا أصلا؟ ).
حُسام وهو يتأمل تعابير وجهها ( شافك عند المدخل يا شام، قال انه في بنت دخلت ودفته وطلعت.. وما كانت بنت عادية لدرجة انه صدم بالجدار بقوة وتأذى، وين في بنت قوية غيرك بالمنطقة؟ سهى بنت الجيران الطفلة مثلا؟ ).
أصدرت شام شهقة عالية قبل أن تغطي فمها المفتوح بكفها وهي تتذكر ذلك الشاب، لتقترب من والدها وتسأل ( تمزح صح؟ مستحيل.. كيف يكون هالشخص ضياء، والله أحسك تمزح مستحيل ).
حُسام بهدوء ( قلتِ إنك ما دخلتِ ).
ارتبكت شام بشدة ورفعت شعرها بيد مرتجفة.
وقف حُسام وربت على كتفها ( ما دامه رجع الحين معناته موضوع زواجكم راح ينفتح من جديد يا شام، فكري زين وخليك مستعدة ).
ابتعد حُسام وخرج من الباب، لتصرخ شام باعتراض ( ما راح أفكر، قلت مليون مرة قبل كذا وبرجع أقول.. مستحيل أتزوجه، ما لكم حق تجبروني عليه وعذركم الوحيد والسخيف انه مسمية له من وأنا طفلة ).
استدار حُسام ينظر إليها بحزن، قائلا ( هذي كانت رغبة أمك شام، وصيتها قبل لا تموت ).
أدمعت عيناها بقهر، وجلست على الكرسي حين اختفى والدها وسمعت صوت الباب الخارجي وهو يقفل.
شدت على قبضتيها بقوة تحاول السيطرة على رجفتها.
تحدثت بصوت متقطع ونبرة مهتزة ( ما راح أوافق، تحلم تلمس ظفر مني يا ضياء.. مستحيل تكون هذي وصية أمي.. مستحيل ).
ولكن كيف لذلك الشخص أن يكون ضياء؟
وإن كان هو فعلا.. لمَ أصبح هكذا؟ لمَ تغير إلى هذا الحد؟
كيف تحول من انسان إلى إنسان آخر لم تتمكن من التعرف عليه على الإطلاق؟

_________

( انطردت ).
أجابها بصوت خفيض، وبالكاد تمكنت من سماع تلك الإجابة القصيرة بعد أن سألته عن عدم خروجه اليوم.
لتغمض هي عينيها بقلة صبر، تحاول كظم غيظها والتحكم بأعصابها.
لتسأله بهدوء وهي تجلس في الكرسي المقابل له ( والسبب؟ ).
سعيد، ودون أن يرفع عيناه وينظر إليها ( تعرفين السبب، تأخرت أمس على الدوام ).
( بس ما في شركة أو مؤسسة ممكن تطرد أحد موظفيها لأنه تأخر مرة وحدة يا سعيد ).
تذمر سعيد، وتظاهر بالغضب ( مرة وحدة؟ انتِ دايم تتأخرين على البيت وأضطر أنا أهتم بتيم، يمكن تأخرت حول العشر مرات بهالشهر ).
أيان وهي تكمل تناول طعامها ببرود ( هذا مجرد عذر سعيد، أمي تكفلت برعاية تيم طول ما أنا مشغولة، ما في داعي انت تقعد معاه، أبدا ).
ارتبك سعيد ( حتى لو، أكره ازعج الناس وأخليهم يهتمون بطفلنا بدالنا ).
أيان بذات الهدوء ( قد سمعت أمي تشتكي؟ عشان تقول ازعاج؟ ).
سعيد بانزعاج حين لم يجد أي ردّ مناسب ( أيان إنتِ ليش كذا؟ ليش كل ما تكلمنا عن شيء تحشرين أمك في السالفة وتربكيني؟ ).
رفعت عيناها تنظر إليه ببرود ( إيش بتسوي الحين؟ بتدور وظيفة جديدة ولا؟ ).
تنهد بضيق وإحراج ( إلا أكيد ).
تكتفت ( متى؟ ).
( من بكرة أكيد )؟
نظرت أيان إلى ساعتها، ثم عادت تكمل تناول طعامها ( الوقت لسه بدري ).
نظر إليها سعيد بغيظ، وبغير تصديق.
أبهرته بهدوء وبرودها، إلا انه شعر بالانزعاج الشديد.. لا يستطيع تحملها على الإطلاق حين تتصرف بهذه الطريقة الراقية والمهذبة.
حتى حين حلّ هذا الصمت المرتبك لم تنظر إليه ولم ترفع رأسها، بل استمرت بتناول الطعام.
لينهض مرغما وهو يزفر أنفاسه بصوت مسموع.. قبل أن يخرج ويقفل الباب خلفه بقوة، حتى أصدر صوتا عاليا ومزعجا للغاية.

حينها فقط.. رمَت أيان الملعقة جانبا ورفعت شعرها عن وجهها المحمر، وهي غاضبة.. غاضبة جدا!
كيف يجيب عليها بذلك البرود ويخبرها أنه طُرِد؟
كم مرة حصل هذا الشيء؟ كم مرة طُرِد؟ كم شركة خرج منها مذلولا مخذولا؟
ألا يملك أدنى شعور بتأنيب الضمير ناحيتها هي زوجته؟ التي تضطر لدفع جميع مصاريف المنزل والأشياء الأخرى من جيبها؟ دون جيبه هو؟
ألا يملك أي حسّ بالمسؤولية تجاه عائلته الصغيرة؟ زوجته وابنه الصغير؟
ألا يَخجل وهو يستمر بالاعتماد عليها منذ بداية زواجهما؟
سئمت منه فعليا، إلا انها لا تملك أي حيلة، لا تملك شيئا لفعله.. للأسف!
شربت كوب من الماء البارد، علّه يساعد على تخفيف غضبها في هذا الوقت.
لتنهض بعد ذلك وتنظف الطاولة والمطبخ.

خرجت من شقتها بعد ربع ساعة وهي تحمل الطفل، لتصعد إلى اخوتها.
ولم تحسب حساب رؤيته!
وهو أيضا.. يبدو أنه لم يتوقع رؤيتها على الإطلاق، بالرغم من ذلك.. ابتسم لها بشوق.
ارتبكت هي وازدردت ريقها بتوتر، أغمضت عيناها من ذلك الشعور، من شعورها بالندم!
وصوت بداخلها ينطق بحسرة ( ليته كان هو ).
انتبهت من شرودها القصير علي ذراعيه اللذين مدّهما نحوها، لتتسع عيناها بصدمة، إلا انها فهمته سريعا.. ومدّت إليه الطفل.
راقبته بحزن وهو يضمّ الطفل إليه بقوة ثم يقبل خده بلطف بالغ ( اشتقنا لك يا تيم، اشتقنا حيل ).
آلمها قلبها وارتبكت، احمرّ وجهها خجلا وهي تفهم مقصده.. خاصة حين نظر إليها بطرف عينه.
قبل أن يسألها بهدوء ( كنتِ بخير؟ ).
هزّت رأسها إيجابا ( إيه الحمد لله، وانت؟ ).
اكتفى الآخر بابتسامة تعبّر عن ألمه، ونظرات حزن وأسى على ابنها، لينطق بخفوت ( تيم، المفروض انه اسم ولدي ).
شتتت أيان أنظارها على أنحاء المكان، وازدردت ريقها بصعوبة.. مرارا وتكرارا.
ثم مدت ذراعيها تطلب طفلها، لتأخذه بقوة ثم تبتعد بخطوات سريعة.
تهرب منه، ومن نفسها هي حين تكون أمامه.. كما هربت سابقا، هربت من الحارث.

___




مازال في قلبي رحيقُ لقائنا..
من ذاق طعمَ الحب.. لا ينساهُ
ماعاد يحملني حنيني للهوى
لكنني أحيا..على ذكراهُ
قلبي يعود إلي الطريق ولا يرى
في العمر شيئاً..غيرطيف صبانا
أيام كان الدربُ مثل قلوبنا..
نمضى عليه..فلا يملُ خطانا

— فاروق جويدة،


وجد الــ غير متواجد حالياً  
قديم 23-07-21, 02:35 AM   #9

حمدة بنت عثمان
 
الصورة الرمزية حمدة بنت عثمان

? العضوٌ??? » 489609
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 224
?  نُقآطِيْ » حمدة بنت عثمان is on a distinguished road
افتراضي

بداية موفقة 👏ياختي 😍

حمدة بنت عثمان غير متواجد حالياً  
قديم 23-07-21, 05:29 PM   #10

Mona2020

? العضوٌ??? » 463837
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 216
?  نُقآطِيْ » Mona2020 is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وجد الــ مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الخير، عيد أضحى مبارك
وكل عام وانتم بخير، أعضاء وزوار منتدى روايتي

__

وضعتُ اليوم بين أيديكم.. مقدمة أولى رواياتي.. آملة أن تحوز على إعجابكم ورضاكم.
وبما انها أول تجربة لي، سأسعد بقراءة ملاحظاتكم.
قراءة ممتعة ❤
بداية جميلة ....استمري وموفقه


Mona2020 غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:16 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.