آخر 10 مشاركات
لا تتركيني للأوزار (الكاتـب : تثريب - )           »          354 - نشوة الانتقام - مادلين كير - روايات احلامى (الكاتـب : samahss - )           »          إشارة ممنوع الحب(57) للكاتبة jemmy *متميزة* كاملة (الكاتـب : Jamila Omar - )           »          نساء من هذا الزمان / للكاتبة سهر الليالي 84 ، مكتمله (الكاتـب : أناناسة - )           »          مذكرات مغتربات "متميزة ومكتملة " (الكاتـب : maroska - )           »          بريّة أنتِ (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          41 - شفاه لا تعتذر - سوزان نابير (الكاتـب : سماالياقوت - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree247Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-08-21, 01:14 PM   #11

AbuHossam

? العضوٌ??? » 430102
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 97
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » AbuHossam has a reputation beyond reputeAbuHossam has a reputation beyond reputeAbuHossam has a reputation beyond reputeAbuHossam has a reputation beyond reputeAbuHossam has a reputation beyond reputeAbuHossam has a reputation beyond reputeAbuHossam has a reputation beyond reputeAbuHossam has a reputation beyond reputeAbuHossam has a reputation beyond reputeAbuHossam has a reputation beyond reputeAbuHossam has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك NGA
¬» اشجع ahli
افتراضي


عجبًا للجمال؛ هذه حروف لامست شغاف الروح

AbuHossam غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-08-21, 02:39 PM   #12

الريم ناصر

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 408952
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,321
?  نُقآطِيْ » الريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا فيك " يالكادّي"
واهلاً فيك بمنتدى روايتي . . ❤
واهلاً " بسلطنة عمان" الشقيقة ❤
،
بداية الرواية مشّوقة وفيها اشياء كثيرة مبهمة
مثلا " مُرشدّ" .. وين راح ؟ وليش راح وترك عياله ؟
و" قايد" وعلاقته بـ" زينه "
ووش المّاضي اللي تاب منه " قايد ؟"
شخصية "زينة" القوية والشامخة جداً رائعة .. لكن تخفي ورى هالقوة وّجع كبير
وعندي فضّول هل " قايد" و" زينة " بيكونون ثنائي؟
،
عبدالرحمن .. والطموح التي هوّى على قاع صلبة وتكسّر الطموح ومافيها قلبّه !
مؤلم صراحة . . وهو ابو الشهادات العالية مالقى وظيفة !
والجدّ عزام . . وّالجدة عزيزة . . الحضري والبدوية . . علاقتهم جميلة
جداً متشوقة للأحداث الجاية
وّالأسم مُلف .. والأسلوب وطريقة السّرد جذّاب ..

سجليني مُتابعة لك بإذن الله
،
الريم ❤


الريم ناصر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-08-21, 01:14 AM   #13

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

سعيدة بهذا المرور , شكرًا لك

الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-08-21, 01:21 AM   #14

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الريم ناصر مشاهدة المشاركة
مرحبا فيك " يالكادّي"
واهلاً فيك بمنتدى روايتي . . ❤
واهلاً " بسلطنة عمان" الشقيقة ❤
،
بداية الرواية مشّوقة وفيها اشياء كثيرة مبهمة
مثلا " مُرشدّ" .. وين راح ؟ وليش راح وترك عياله ؟
و" قايد" وعلاقته بـ" زينه "
ووش المّاضي اللي تاب منه " قايد ؟"
شخصية "زينة" القوية والشامخة جداً رائعة .. لكن تخفي ورى هالقوة وّجع كبير
وعندي فضّول هل " قايد" و" زينة " بيكونون ثنائي؟
،
عبدالرحمن .. والطموح التي هوّى على قاع صلبة وتكسّر الطموح ومافيها قلبّه !
مؤلم صراحة . . وهو ابو الشهادات العالية مالقى وظيفة !
والجدّ عزام . . وّالجدة عزيزة . . الحضري والبدوية . . علاقتهم جميلة
جداً متشوقة للأحداث الجاية
وّالأسم مُلف .. والأسلوب وطريقة السّرد جذّاب ..

سجليني مُتابعة لك بإذن الله
،
الريم ❤

أهلًا بالريم , سعيدة بهذا الترحيب الدافيء يا جمال قلبك
اكيد راح أسجلك متابعة شغوفة ونهمة ولبقة في ذات الوقت ❤
-
جميع تساؤلاتك إن شاء الله جايه في الفصول القادمة
أتمنى لك غرق دافيء


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-08-21, 01:56 AM   #15

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

صباح / مساء الخميس الونيس وبهجته الجميلة ❤
بيصير هذا اليوم جميل لإرتباطه بمنتدى روايتي , وبتنزيل الفصل الجديد من روايتي
-
أولًا سعيدة جدًا بردود الأفعال اللي تلقيتها , أيقنوا إني أقرأها والفرحة مش سايعاني
ثانيًا اعذروني إذا ما رديت أصير فجأة خايفة أسوي شيء خطأ أثناء الرد لذلك أحيانا يكون اللايك وسيلتي الوحيدة
-
اليوم إن شاء الله الفصل الثاني من فصول رواية الغافة ❤
وحاولت قدر المستطاع أخليه طويل .. وأتمناه فعلًا طويل
بس بغيت أنبه " عادة رواياتي تكون غامضة في البداية وتبدأ تنجلي الأسرار شوي شوي "
لذلك صبركم علي وكل شيء راح ينكشف على رواق بإذن الله
-
-
استلموا الجزء الجديد

ملاحظة : مهنة حاتم هي " مهندس نفط وغاز " وليس " مهندس معماري " خطأ قبل التعديل

-
-
لا تلهيكم الرواية عن الصلاة
-
-
-
الفصل الثـاني





-
صباحًا ، في إحدى الأيام الباردة جدًا !
ينعم منزل سيف بهدوء ودفء بسبب صوت سورة الكهف المُشتغلة من إحدى القنوات القُرانية ، أمام التِلفاز
هُناك حيث يجلس حاتم وكُل ملامحه تشيء بأن الحالة المزاجية لليوم متعكرة جدًا
تُنبئ بعدم الإقتراب ، لأن الإقتراب وحدة سيقلع الأشجار من جذوعها
زفرّ بصوت سمعته والدته ، أردفت تنظر إليه بقلق :
وش فيك اليوم ؟ حتى ما تريقت زين
عقد حاجبيه بضيق ، مسح على ساعده الأيمن مُرورًا بكتفه :
يدي اليوم تعورني شوي !
وقفت بقلق نهش قلبها ، هذه اليدّ العصيّة التي ما انكفأ وجعها عن الإرتحال ، تتزايد يومًا بعد يوم حين يُهمل علاجه الطبيعي والدوائي
اتجهت نحو دولاب طويل بجانب التلفاز ، به من الأدوية ما يكفي لعِلاج شتّى الأمراض !
الدولاب البُني الزُجاجي الذي من المفترض أن يكون مملوء بالتُحف والتذكارات ها هو يمتلئ أدوية بسبب وجع الأبناء
أخرجت علبة زيت سوداء أقرب للأخضر ، اتجّهت نحوه ثم انحنت :
خليني أدهنك زيت مقراي عليه ، بتخفّ عليك واجد
أبعد يدها بذات الضيق :
يا أمي الله يخليس أي زيت
عوقها ووجعها من سنين ما خفّ ، أيخففه الزيت ؟
عقدت حاجبيها بعدم رضا :
الزيت إن ما نفع ، ما ضرّ
خليني أدهنك ما يضرّك شيء بإذن الله
هزّ رأسه بالنفي نفيًا قاطعًا لا رجعة فيه ، أردف بعناد :
متسبّح ووراي صلاة جمعة ماقدر أتسبّح مرة ثانية وتروح عليّ الخطبة ، الله ...
-سكت عندما نزل حامد من الأعلى بسرعة متجاهلًا إياهم -
أمف عليه ذا الرجال داخل طالع بلا سلام ، كأنه عايش مع يهود
التفت أم حاتم تنظر إلى طيف حامد المُرتدي لبدلته العسكرية ، يمشي بخطواته المُستعجلة دون أن يُجيب على نداءاتها القلقة
حتى صدح هاتف حاتم برسالة صوتيّة ، استمع إليها وهو يعقد حاجبيه ، رويدًا رويدا حتى رمى الهاتف على الأرض
ووقف بغضبه العارم ، وقف بجانب السُلم الأسود
على عتبة الدرج الأول ! يُزمجر بصوته العالي جدًا :
أُمييييم ، يا أُمييييم
-
-
قبل ذلك بدقايق :
يقف أمام مرآة التسريحة المُصطف فيها مُختلف العطور
يُسرح شعره المُبلل ، يُغلق زرّ لِباسه العسكري ، يضع القليل من العُود المعتّق خلف أذنيه وأكتافه و يتمعّن في وجهه الأسمر وشُعيراته الكثيفة
شيء صغير وضئيل ودقيق جدًا غيّر من ملامحه وجهه ومنظوره للحياة
لمحة بسيطة مرّت عليه مُنذ زمن ، رسمت صورة رماديّة جعلت منه رجلًا مُتذبذب
رجلًا يذوي خوفًا ويرتجف حين يمرّ أمام ناظريه خيالٌ صغير
نقل نظراته نحو البُرواز الواقف على طرف الطاولة .
صورة تحمل طفل صغير على أعتاب عامه الثالث .
مسكها من الأعلى واضعًا إياها بإتجاه مُخالف ، ليُبعد الصورة عن وجهه
تنّهد وهو يلتفت ، جلس على طرف السرير بالقُرب منها .
هزّ كتفها المختبي خلف غِطاء السرير ، همس:
عليا ، عليا قومي .
زفره خرجت من أسفل الغِطاء استطاعت إختراقه وإختراق أُذنه .
عقد حاجبيه حين عدم استجابتها :
قومي أعرف إنش ناهضة .
أزاحت الغِطاء بصورة سريعة تحرّكت معها شُعيراتها الناعمة .
أزاحتها بخفّة وهي تنظر له بصورة باردة
جاهد على الابتسام رُغم عبوسها في وجهه .
أخرج عُملات نقدية واضعًا إياها على الكمدينة :
قومي يكفيش نوم ، صحصحي وجلسي مع أمي وأُميم
-أشرّ برأسه على النقود -
إن شاء الله تكفيش ، أنا عندي إستلام هذه اليومين .
خميس وجُمعة . ليلة السبت راجع
نظرت له بجمود :
تهرب ؟
بادلها بذات النظرة الجامدة :
أهرب ؟ صارت إستلاماتي هُروب الحين؟
جلست واتكأت على ظهر السرير ، تنظر له بعبوس :
وين إجازتك السنوية اللي قلت بتاخذها ؟
ما قلت لك قبل يومين إني أبغى أروح عند أهلي ؟
زفرّ وهو يدعك يديه ببعضها :
ماقدر أخذ إجازتي الحين ، صبري على الأقل شهر
وقفت بغضب ، وهي حانقة عليه ، بوّدها لو أن تُشعله في مكانه لتنظر لإشتعاله ببُطء وبرود :
قبل شهر قلت صبري شهر ، وذا الشهر مرة صبري شهر .
شهر يجرّ شهر لين تكمّل السنّة وأنا ما شفت أهلي بسبب إلتزاماتك الغريبة
وقف حامد مُقابلًا لها ، ينظر إليها بجمود وحدة .
ما بالها أصبحت كالعُشب ، مرّ بفصوله الأربعة حتى استقرّ في خريفه .
يابس وباهت وشاحب ، لا تعرف للحياة معنى .
وهذا الشعور هو ما جعله ينتقل إليه :
عليا ، إذا أنتِ ما قدّرتي شُغلي وإلتزامي من بيقدّره ؟
قلت لش صبري ، وفالش طيّب .
رفعت شعرها بيديها للأعلى بحركة متوترة :
أبغى أروح عند أهلي ، أبغى أروح .. أنت عارف إن أخوي ما يقدر يجيني ، مايقدر المكان بعيد عنّه
مشى للكُرسي ، انحنى يرتدي حذاءه العسكري ، يُردف بهدوء :
وأنا قلت بوديش
-رفع عينه نحوها -
بدل الغلقة اللي أنتِ فيها ، وبدل الشوق الغريب هذا شغلي نفسش .
مارسي هواياتش ، جربي طبخات منّوعة
جلسي مع أمي ، روحي معها تزوري الجارات .
أتكأت على التسريحة تنظر له بسخرية:
عشان مجرد ما أجلس في الجلسة يبدأ الكلام يدور حولي .
هذه المُهملة ، هذه اللي ما تصلح لا زوجة ولا أم .
هذه وهذه وهذه ، وأنا أبلع القهر وأسكت
اقترب منها بجدية :
وأنتِ وش عليش من كلامهن ، سوالف حريم تافهة طنشيها
أعطته ظهرها ليُصبح ناظرها أمام المرآة ، أنزلت عيناها بوجع:
وليش أكذب على نفسي ؟ الكلام ينقل هنا وهناك ويعورني
يعورني والله يا حامد واصبر ، عشان أمك ما عشان حد غيره
وضع يداه على كتفيها بهمس:
تعرفي ليش ؟ لأنش ما وقفتيهن عند حدهن ، لأنش من البداية سمحتي لهن يتكلمن فيش
رفعت نظرها بهدوء ، سقطت عيناها على البرواز الملّتف للخلف ، أمسكته وأعادته لمكانه لتُهمس بُبكاء:
ليش لفيته للصوب الثاني. ليش تبغى تشيل صورته من المكان .
لا تحرّك شيء من أغراضه ، لا تحرّك ما سمحت لك أنا
تنّهد بداخله بعُمق وهو يتراجع دون ردة فعل حول بُكاءها
وقف بالقُرب من الباب ليُردف بجدية:
أنا ساكت لش لأني مراعنش ، ولا أغراضه كنت شايلنهن من زمان وما مخلّي له حتى قطعة قماش .
محد نكّس نفسيتش غير وقفتش على الأطلال
-وبجمود أكمل - نزلي عند أمي
أغلق الباب وراءه ، مسحت على وجهها حتى لا يهطل دمعها
هي كغيرها تشتهي وتُريد مسرّة ، ولكنّ وجيع الرُوح لا تكفيه فرحة
توّقف الوقت عندها مُنذ زمن ، أصبحت سوداوية بعد ما كانت مُفعمة بالحياة
نظرت لصورة ابنها بقهر:
محاولات أبوك في إنه ينسيني إياك ما زالت مستمرة
يا ترى كم بصبر ؟
تراجعت وهي تدخل للدورة المياة ، اغتسلت لتخرج
استخرجت جلابية زرقاء حريرية وشيلة بيت بلون أفتح
خرجت من غُرفتها واتجهّت نحو غرفة أُميم وضحى .
طرقت الباب ودخلت دون إذن :
أُميم ؟
تفاجأت أميمة بدخولها بشكل سريع .
اعتدلت في سريرها بعد أن كانت شبه متكئة تقرأ في كتابها الأدبي :
وش فيش ؟
أردفت بتسرّع وتمردّ :
قومي خلينا نطلع بسيارتش ، نتمشى شوي ونتسوّق
وقفت مكانها بدهشة :
مجنونة ؟ تبغينا نمسك خطّ لين العاصمة !
زفرّت بضيق ، أكملت بغضب:
ما شرط ، نروح أي مكان المهم اطلّع هذه الحرة اللي فيني لا أحرق أخوش وأحرق وراه الغُرفة
عقدت حاجبيها وهي تسحبها من يدها :
قصري حسّش ، وش مسوي فيش حامد هالمرة ؟
ولا كالعادة ما لقيتِ سبب قمتي تضايقينه على أي شيء؟
سحبت يدها بصدمة من كلامها ، أشرّت على نفسها :
الحين أنا اللي قمت أضايقه ؟ صرت أنا اللي أدور الأسباب ؟ وش هالكلام أُميم ؟
تنّهدت أميمة وهي تتراجع للخلف . جلست على سريرها :
ماقصدي عليا ، بس كل ما أشوف مُحاولات حامد المُستمية في إنه يرضيك أتضايق عليه
أنتِ ما لاحظتي وجهه كل ما طلع من الغُرفة اللي ساكنة ومعشعشة فيها ؟
تنّهدت عليّا بيأس ، دون أن ترد على سؤالها وهي تُلاحظ
تُلاحظ ذاك الألم الذي ما ينكفئ عن الهُروب ومُغادرة وجهه .
ولكنّها أيضًا تتألم . الألم أصبح منها . الألم أصبح هي :
ماعلينا من هالكلام ، نطلع ؟ أبغى أطلع افهميني
أغمضت عينيها بقلّ صبر ، تعرف عاقبة خُروجها
بل عاقبة تمرّدها على القوانين التي وُضعت وكبلتّها
كانت ستردّ لولا الصوت الذي جاء من الأسفل ينده بصوت غاضب :
أُمييييم ، يا أُميييم
فتحت عيناها بصدمة ، نظرت إلى عليا بالتفاتة سريعة لتعقد حاجبيها
ارتدت شيلتها بسرعة وخرجت
نزلت من الأعلى تليها عليا
وقفت أمامه ، تفصلهم ٤ دَرجات ، رفع حاجبه بتقصّي لملامحها
يستّشف منها مبدئيًا إن كانت صادقة أم كاذبة :
مفتاح سيارتش ، هاتيه
ارتجفت من صوته الحاد الذي صمّ اذانيها ، همست بقلق:
ما أعرفه وين
زمجر غاضبًا ، حاميًا ويشتغل نارًا :
لا تماطلي بكلامش وحركاتش ، بسرعة هاتي مفتاح السيّارة
-صرخ بغضب-
ولا عاجبش كذا ؟ عاجبش يجيني بلاغ على سيارتش بسبب سواتش ؟
تصدمي الرجال وتمشي بدون حتى إعتذار ، وليتش بلغتيني
من أمس ساكتة لا حس ولا خبر
شهقت أُميمة في مكانها برُعب ، همست بينها وبين نفسها
" حسبي الله عليش يا ضحى كله منش " ، لم تستطع قول هذا وتفضية الساحة لها لتُرمي الطعم نحو ساحة أُختها .
فأمام غضب أخيها لن يبقى شيء حيًّا
تدخلت عليا لتقول بحدة ، تطفئ بها غضب حاتم الصارخ:
الرجّال بيعذرنا ، وبيعذر أُميم لأنها ما تنلّام
أمس أخذتني للمستشفى لأني كنت تعبانة ومن ربكتها صدمته وطلعت بدون لا تحسّ
تراجع حينها حاتم بإحترام وسط صدمة أم حاتم وإندهاش أُميمة من كذبتها:
ولو يا أم سيف ولو ، كان المفروض تبلغوني .
لو ما تلّقيت البلاغ والإستدعاء ولو ما انتبهت على الخدش في السيارة كان الشرطة بتقبض عليها بسبب التطنيش
ما زالت على نفس نظراتها ووقفتها خلف أميمة .
تركت مكانها صاعدة للأعلى من جديد ، نزلت بعد دقيقة كاملة
مدّت المفتاح لأميمة التي بدورها مدّته لحاتم .
أردفت بجدية:
هذا مفتاح السيارة ، والملكيّة بداخلها ، وأبشر بالتعويض .
عقد حاجبيه وهو يلتفت نازلًا السلّم الأول :
سيارة أختي ما عاجز عنها ، مشكورة .
زفرّت أميمة براحة حين خرج حاتم من باب الصالة ويغلقه بقوة على حين غرّة .
وهمس عليّا الجامد من خلفها :
ما يتعدّل أبدًا ذا الرجال
التفت لها أم حاتم لتقول بقلق :
وش فيش يا بنتي ؟ من ويش تعبانة ؟
ابتسمت عليا بهدوء وهي تأشر بعيناها لأميمة حتى تصعد للأعلى :
مافيني شي خالة ، أمس تعبت شوي وخبرت أميم تاخذني المركز الصحي لأن حامد ما كان موجود
سحبت يد أميمة بعد كلامها ، دخلا لغرفتها حينها التفتت لها أميمة بدهشة :
الكذبة جاهزة عندش أعوذ بالله ، من متى استويتِ كذاك ؟
رفعت حاجبيها :
إلا قولي لي أنتِ والوضيحى وش مسويات ؟
زفرّت أميمة ، تقف أمام نافذة غُرفتها الكبيرة
تركزّ نظراتها على أخيها حاتم الذي أخذ سيارتها وخرج من مواقف المنزل:
أمس ضحى زنّت وحنّت فوق رأسي
عشان أوديها كافية جديد مفتوح في مركز الولاية
لما جيت ارجع من الموقف صدمت بسيارة ومشيت من الخوف بدون لا أتفاهم معه
-أكملت بخوف- اماه جالسة أتخيل حاتم يكشف كذبش
لو قالّه الرجال عن مكان الحادث
أنزلت عليا نظراتها نحو المنشور الموضوع على الكمدينة
ابتسمت بسخرية ، انحنت ممسكة بها لتُرميها على السرير :
وفرّي خيالش ، الكافيه أصلًا جنب المستشفى وهذا إعلانهم قدامش
خففي من خوفش من حاتم ، لا تحسسيه إنش مجرمة تنتظريه يقبض عليش بالجُرم المشهود
-همّت بالخروج من الغُرفة لتقول بسخرية-
عليش عزيمة على عملية الإنقاذ هذه
جلست على طرف سريرها ، وتنهيدة عميقة خرجت من جوفها
وتلك الذاكرة اللعينة تأخذها لما قبل الأُلفة .
لما قبل الحُب من حاتم
ارتجف داخلها ، بزعمها أن أيامها السيئة مضت .
ليأتي الأسوء ، والأسوء بالنسبة لها .

-
-

في غُرفة قايد المُظلمة ظلام دامس في وضح النهار بسبب الستائر المخملية الثقيلة المُنسدلة من أعلى السقف
هُناك يجلس على مكتبه البُنيّ المعتّق ، والذي اتخذّه مكانًا للقراءة وإنجاز القليل من الأعمال
يقرأ في كتاب تفسير القُران العظيم للقرطبي
سابقًا عندما كان طائشًا ، كان يقرأ السور في صلاته بسرعة دون الوقوف عندها دون إستشعار المعاني المُتجليّة خلفها اليوم وبعد مدة من إعلان توبته
أصبحت مكتبته المتوسطة الحجم ممتلئة بكتب التفسير لشيوخ عدّة
يقفّ عند الآيات وتفسيرها ، يرتبّها في عقله ، يضعها في نقطة سليمة
وحشته الروحية عرف سببها عندما كان خاويًا من كل شيء إلا الذنوب
تنّهد وهو يرفع عينه ويدعكها بشكل قوي من شدّة إنهماكه في القراءة
ولقلة وجود إنارة إلا من إنارته المكتبية
رفع يده لساعة يده ، زفّر حين رأها تجاوزت الثانية ظُهرًا
اليوم لديه مُوعد مهم كان يُأجله كثيرًا ، واليوم لا مجال للتأجيل أكثر
عقد حاجبيه بغضب حين دخلت الإنارة العالية من الباب الذي يُفتح بخفّة ، يظهر منه ظلًا ليس بطويل
مدّ يده لعلبة المناديل بالقُرب منه ليُسددها بحركة إحترافية نحوه
لكنّه لم يحزر أن الهدف أصبح اليوم خصمًا أشد إحترافية من تسديداته
شهقة ثم ضحكة مجلجلة تبعتها حين خرج صوت ( ليال ) والتي بدأت تتضح ملامحها لعينا قايد :
خلاص غيّر الحركة ، أنت تسدد من صوب وأنا أتصدّى من صوب
زفرّ قايد وهو يُحاول تمالك أعصابه :
ما تعرفي تدّقي الباب ؟ لازم تدخلي مثل ما الحرامية تدخل ؟
يدش متعودة على التسلل
شهقت بطريقة درامية وهي تُأشر على نفسها :
نعم ؟
وش ذا الإتهام الصريح يا أخ قايد .. تراني دقيت الباب
بس واضح إنك في خبر خييييير
وقف من مكانه ، مد يده للأعلى في طريقة لتحريك دمه التي كاد أن ينجلّط من كثرة جُلوسه على الكُرسي :
وش عندش ؟
تراجعت وهي تنوي الخروج :
تغدينا وخلصنا وغداك عقيّناه ( رميناه ) حال السنانير
روح لّقط لك ولا أكل معهن
-شهقت وهي تلتصق بالباب حين شعرت به يتقدم بسرعة -
أمززززح أمااااه أمزح
أمي تقولك أنزل تغدى تراها ما تغدت تنتظرك جالسة
هتف بغضب مُصطنع :
طلعي من غُرفتي طلعي ، وريني مقفاش يالله
عبست في وجهه ، تُردف بتدلل :
قايد .. صح أنا أختك الوحيدة ؟
كتّف يده مُنتظرًا نهاية كلامها :
هيه صح .. وليت فوقش عشرة عشان أفتك من ذا الدلع الماصخ ، وش عندش ؟
كتفت يداها بالمثل مجاريةً له :
لو سمحت يعني شوية ذوق ، بس شوية شوية
تقدّم وهو يُغلق الباب وراءه بعد أن طردها من غُرفته
يُأشر بسبّابته نحو غُرفة أخيه سعد :
ما عندش خبر إنش خلصتي الذوق علينا ؟
ما شاء الله يعني من كثر ما أنتِ ذويقة ما خليتي لنا مجال
-وبجدية أردف-
سعيّد وش مسوي مع آخر اختبار ؟
مشت بجانبه ، ترفع كتفيها بعدم دراية :
يقول زين ، وسهل مثل شربة الماي
عاد أنت تعرف وش وراء ذا الكلام
هزّ رأسه بعدم إعجاب ، يعلم أنه مقصرّ بحق أخيه ومُتابعة دراسته :
دواه عندي لو شفت درجات تسوّد الوجه
ما غير يهيت كل يوم عصر في الملاعب وبالسياكل
أمالت فمها ، وقفت على حافة الدرج :
العُنف ما حل ، تبغى تأدبه أدبه بالكلام
شاب مُراهق العُنف يخليه يعاند

-
-

أمام سجن الولاية ، يجلس قايد في سيارته بإنتظار موعد الزيارة ، وكلّ ما به يرتجف لا خوفًا إنما رهبةً من اللقاء المُنتظر بينهم بعد أكثر من ٧ سنوات
بداخل هذا المبنى المُصمت هُناك الآلاف ممن يتمنون أن يصبحوا طيورًا ، يُحلّقوا في سماء الحريّة
أعني بالآلاف أولئك الذي سُجنوا ظُلمًا ، هو ذاته المظلوم الذي قدم اليوم لملاقاته
تنّهد وهو يفتح باب سيّارته : يارب !
يارب ، في أصعب أوقاته النفسيّة ضيًقا
يارب في أضيق الإبر تنّفسًا
يارب في أأسى أيامه تعبً
تقدّم حين فُتح باب السجن ، جلس في ساحة اللقاء
بإنتظار شخص واحد من بين عشرات المساجين الخروج من خلف أكوام الحديد المُكبّل
دقائق لا تُحسب في عدّاده حين خرج السجيّن برفقة حارس أمن
لوهلة ، توقف مكانه مُتفاجئًا ، ليُجاريه قايد في وقوفه
الدهشة التي أصابت وجه السجين .. أصابت قايد كذلك
كيف كان وكيف أصبح ، يالله !
قبل ٧ سنين فقط كان جسمه يُقتدى به عند شباب القرية من شدة فتوله
قبل ٧ سنين كان يتباهي بحمل طفل في الخامسة ذا وزن نسبي بيدٍ واحد في دوراتٍ عدة
الذي أمامه اليوم لا يُشبه سوى الهيكل العظمّي .. وأي هيكل ؟ هيكل أُكل ونُهش في حرب الحياة
ابتسم السجّين ابتسامة واسعة ( صادقة )
ليجلس أمامه على الكُرسي:
هلا والله بصديق العُمر والأيام
عساك جاي تبشرنّي بموت واحد منكم ؟

-
-

خرج من منزله بعد تلقيه إتصال حاتم ، توقف على طرف الباب الرئيسي بسبب دخول تلك الفتاة التي ترتدي عباءتها بشكلٍ ساتر
يبتسم في وجهها بإحترام :
صبّحش الله بخير بنت الخالة
تراجعت للخلف وعيناها على الأرض ، تُبادله الابتسام بهدوء:
بالنور والسرور يا زيد ، أخبارك ؟
هزّ رأسه وهو يتنّحى جانبًا تاركًا لها المجال للمرور :
بخير يسّرش الحال ، تفضلي الوالدة داخل بالإنتظار .
واسمحيلي يمكن الليلة بتأخر شوي .
أهم شيء لا تنسي أدويتها كل شيء جاهز ومكتوب وقته
ابتسمت وهي تتجاوزه :
توكل على الله يابو عبدالله ، خالتي في أيدي أمينة .
زفرّ بإبتسامة وهو يُسابق الريح بخطواته ، بعد أن اطمئن على والدته التي يتركها كُل خميس بصحبة ابنة خالته .
وقدميه تُلاحق الإطمئنان أيضًا على حاتم الذي لم يرتاح من نبرة صوته .
وضع قدمه خارج الباب الحديدي ، ليتفاجأ بالمشهد الذي أمامه
حاتم مُتكئ بظهره على سيارته ، يُمسكه من ياقة ثوبه زوج خالته المُمتلئ بالشر .
اقترب منهم بعجلة حين باغته صوته مُردفًا بشرر :
أنت كفو تحط عينك على محارمي ؟
توسعت عينا زيد بدهشة ، يبدو أنه سمع بشكل خاطئ .
فليس حاتم الذي يضع عينه على النساء ويتجاوز ما أمره الله به .
ملامح البرود التي اعترت وجه حاتم
كانت كفيلة بشرح صدقه وعدم تجاوزه للمُحرمات
اقترب زيد ، وقف حائلًا بينهما ، وهو يعلم أنه قد يُردى قتيلًا بسبب زوج خالته المتجبّر ، يُردف بقلق:
تعوذّ من إبليس يا عمّ ونزّل يدينك
تلك النظرة الحارقة التي كانت موجهة لحاتم
توجهت في هذه اللحظة لزيد المتوتر بوقفته ، ليقول بحدة :
أبعد ياولد المغضوب عليه .
لا أعلمك الدرس اللي ما تعلّمته طول ذي السنين
ضحكة صغيرة ساخرة خرجت من فاه حاتم
الضحكة التي اشعلت ما تبقى من حطب الغضب في وجه الرجل المجنون :
درس ؟ والله ما قصرت علّمته دروس ليتك علمّتهن نفسك
يا عمّ ابعد يدينك واحشم إني جالس أناديك لين تو عمّ
ضغط على ياقته بقوة وهو يصرخ بغضب :
عينك ذي لا ترفعها مرة ثانية على بنتي ولا اقسم بالله أقلعها من عُروقها ، سامعني ؟
انتهت آخر ذرة صبر عند حاتم
رفع يديه وهو يُمسك بيديه ليُبعدها بحركة واحدة :
تخسي ، ما حاتم اللي يرفع عينه على بنات الناس
من سواياك الرديّة قمت تشكّ بكل الناس وأولهم بنتك
فتح ( حاكم ) عينه على وسعها ، صرخ بصوت مُرعب :
أنا تخسيني يا ولد الـ** . أنا ؟
- سكت قليلًا ليُردف بسخرية - ربع ومصاحبين بعض
كلكم نفس الطينة ما نرجى من وراكم خير .
تفو عليك هيه والله تفوو
وقف زيد بين حاكم وحاتم ، يفصل بينهم حتى لا تشتعل حرقة حاتم ويتجبّر حاكم أكثر .
وضع يده على أكتافه مهدئًا إياه :
يا عمّ حاكم اهدئ ، الأمور ما تنحلّ كذا
ابتسم بسخرية :
هاه يا ولد المُنافق ، هاه كيف تنحلّ الأمور ؟
اطربني يا سفيه ، اطربني ياولد عبدالله والخيبة في عبدالله
تجرّع زيد ريقه بالألم ، داعيًا الله أن يمدّه بالعون والصبر على هذه الشتائم التي تُوجّه لوالده المرحوم
ليس بالأمر الجديد
فحاكم كلّما رأه بدأ بسكب ناره على أذنه .
غير مُبالي بحشمة الأموات .. ولا الأحياء :
أبوي الله يرحمه ؛ خلّي رحمة ربك تنزل عليك وعليه
وارحم نفسك من الجور والطغوة ! تبا تسبنّي وتضربني أنا ؟
اضربني هذا أنا قدامك واقف .. لكنّ كفّ لسانك عن أبوي
عضّ على لسانه بقوة
ينقل نظراته بين حاتم الصامت بجمود وغير الراضي عن تصرّف زيد
وبين زيد الذي يخشى الآن الإنهيار من شدة ألمه
تراجع للخلف حين رنّ هاتفه
أشرّ بإصبعه الممتلئ نحو باب منزل زيد :
إن قفيّت شبر واحد لذا البيت وبنتي فيه نحرتك وخلّيت النحرة قدام أمك .
لا بارك الله فيكم من عيال اليوم
لا بارك الله بلسانكم الطويل القذر
نظرا له وهو يركب سيّارته وتلك السباب ما انكفأت عن التملّص من فاهه
مُتناسيًا أن عن يمينه وشماله ملكيين يسجلّان ما يقول
مُتناسيًا أن هُناك لوح محفوظ يُكتب فيه كلّ ما ينطق به
سواد قلبه جعل لسانه قذرًا بعيدًا عن اللين والطيبة
فظاظته جعلت الناس تبتعد عنه وتبتعد عن مُعاشرته
فكيف يكون مُحبوبًا والله تعالى قال ( ولو كنت فظًا غليظ القلب لأنفضّوا من حولكم )
وصوله لهذا العمر وهو لم يحظى بالأصدقاء
ولا العائلة المُستقرة
ولا يعرف طريقًا للكلمة الطيبّة
تفاجأ زيد بيدي حاتم تدفعانه حتى كاد أن يسقط على الأرض
التفت له بشكل مفاجيء مدهوش
أردف بحدة وصوتٍ غاضب :
كم مرّة قايل لك لا تورّيه خضوعك ؟
خضوعك هو هذا اللي يغذي جبروته
هو اللي يسمح له يتمادى بدون حسيب ورقيب
تنهد زيد بقل حيلة :
حسيبه ورقيبه الله ، وحسبي الله ونعم الوكيل فيه
عضّ شفتيه بغضب حانق
يكره أن يرى زيد بهذا الخضوع والإنكسار
يكره أنه يحاول دومًا زرع الثقة والعلو في نفسه لكن بطيبته وسذاجته التي يراها حاتم يتراجع دون اعتبار لجهوده :
يوم من الأيام بيدعس عليك ولا يبالي ، حاشمنه لأنه زوج خالته أو لأنه ولد عم أبوك؟
زفرّ ببرود وكأن الموضوع لا يعنيه :
الاثنين
حاشمنه لأن في منزلتين مهمات
ما مستعد افتح جدال في عيلتنا وأكون شرارته
أبعد عن شره وجوره أحسن
مسح على عينه بقلّ صبر ، يعلم أن زيد يخفي في صدره ما يخفيه ظلام الكهوف
ولن يعرف ما به حتى يُنيره بعقلانيته
فهذا التهور لن يُجدي نفعًا في حضرة عصبيته المُقيتة:
أمشي تأخرنا ، بيجي يوم وتعرف إني على حق
وإن هذا الرجال وراه شيء أكبر من كره
خطى خطوة واحدة نحو سيارته المركونة بجانب سيارة زيد
لكنه تفاجأ بيد زيد تُمسك به ، التفت له بإستغراب
ينظر إلى الحرج الذي يكسو وجهه
غريب ! ما الذي قد يستدعي كل هذا الحرج والخجل .
حينها أردف بهدوء :
قبل عن نمشي ، خذ هذا الظرف وسلّمه قايد
عارف لو أنا سلّمته إياه بيعصب
ووش بيفكنّي بعدين من عصبية قايد
أنزل نظراته نحو الظرف المُمتلئ ، وقد تيقّن ما يحويه مُباشرةً
أردف بذات الهدوء :
بس أنت عارف رأي قايد في ذا المرضوع ، وأنا كنت الشاهد عليكم
يا حكيم الدين اللي بينكم اعتبره منتهي
عقد حاجبيه بضيق :
لا تحرجوني معكم يا حاتم ، أنا وعدت قايد أرد له الدين بس يتّوفر وهو وافق
وضع الظّرف على راحة كفه ، ضغط على يده بحيث أصبحا يعصران الظرف بين كفيّهما العريضين :
أنت اللي لا تحرجه وتبخل عليه ، اعتبرها كفّارة لذنوبه
وقايد لو ما مقتدر وأموره ماشية ما أقرضك من الأول
والمبلغ هيّن .. والله هيّن وفدوه لرأس أمك
وضع عينه في عين حاتم
وهو الوحيد الذي يفهم خوالجه وما يدور في بحرها البُنيّ
هو الذي دومًا يستوعب حجم الحيرة بها ، وعُمق التردد الكبير
لا ذنب له مثلما لا ذنب للقارب والبحر
لا ذنب له سوى حِمل قلبه الذي اضطّر أن يحمله مُنذ أن كان مُراهق يطرق أبواب الدُنيا
بحثًا عن الصمود والثبات ، بحثًا عن من ينتشله من الغرق حتى لا تصبح حمولته سببًا في موته ، همس بوجع :
نص الدين على الأقل .. نصه حتى يرتاح قلبي
تراجع حاتم وهو يتنّهد مُنهيًا النقاش في هذا الأمر :
عيل حطّ الظرف في يدّ قايد مثلما سلّمك إياه
أنا يا عيال العزم مو حمل مراسيل وثقل الأمانة
تنّهد زيد وهو يُدخل الظرف في جيب ثوبه الواسع من عناد حاتم الشديد حتى في أبسط الأمور ، ركب السيّارة لينطلقا لمشوارهما البعيد

-
-

جلس قايد وهو يتجرّع ريقه بصعوبة بالغة
جلس شابكًا يديه ببعضها البعض دون ردّ على سؤاله
أكمل ( معتصم ) بذات الابتسامة :
حيّ من شافك وجابك ، وين ودّتك ( أخذتك ) الأيام؟
بالله عليك كيف حال سيلجا وشبابها ؟
-تغيّرت نبرة صوته للحدة -
كيف حال هلال ومحمد وحاتم ؟
والأهم كيف حال قايد الجبّار ؟
وش سوت فيهم الحياة ؟ وين وصلوا بعد ٧ سنين
حققوا طموحاتهم ؟
دخل هلال المُنتخب الوطني لكرة القدم ؟
دخل محمد الطبّ وصار دكتور ؟ أكيد يمديه تخرّج وطبّق
بشّرني تسلّم حاتم المشروع النفطي الضخم
وصار من أقوى مُهندسي البترول في البلاد ؟
-وقف من مكانه يُمسك بياقة قايد وبصراخ-
وش جابك اليوم يا قايد .. وش جابك غير الشمّاتة
ظنّيت تجيني وتبشّرني بسوء أخباركم
بتبّشرني بموت واحد منكم
بإخفاق هلال وتفنيش محمد وخسارة حاتم
بس وجهك ما يقول كذا
وجهك مرسوم فيه الراحة اللي فقدتها في سجون الولاية
وش جابك ؟
تقدّم حارس الأمن لإبعاد معتصم عن قايد وهو يقول بحدة :
جلس زين لا أرجعك الزنزانة
لكنّ إشارة قايد المُستسلم تمامًا أوقفته
حين همس بأسى :
آسف لأني ما زرتك ذي السنين كلها
ارتخت يد مُعتصم من على رقبته ، تراجع شيئًا فشيئا
رمى بثُقله على الكُرسي وضحكة مدهوشة تخرج منه :
تعتذر لأنك ما زرتني ؟
هزّ قايد رأسه بإيجاب دون أن يتجرأ على أن يُعيد كلامه عليه
ليُكمل معتصم بحدة ممزوجة ببحته :
أسفك هذا لا تسلّمني إياه .. أسفك خذه للمحكمة خلّهم يستقبلوه أحسن إستقبال
مسح قايد على وجهه الذي بدأ يتعرّق .. سنين خشى المواجهة
والمواجهة اليوم أصعب بكثير ، واجهته بالجِراح والخدوش :
معتصم .. عدم زيارتي لك كانت بسبب الخوف
الخوف إني أشوفك في مكان ما يليق فيك
تراجع على كرسيه وهو يتكتف بإبتسامة ساخرة:
كيف شفت حالي ؟
عقد حاجبيه بضيق من سُخريته :
ما يسرّ لا عدّوك ولا صديقك
سكت معتصم قليلًا ، يُرتب بداخله أنواع العِتاب بجميع طبقات الصوت التي عرفها في السجن
يرتب الحُروف والجمل ويضع عليها النُقاط
ما عساه أنا يقول له .. تُرى كم من ظلام صكّ قلبه
كم من هوانٍ وذلٍ طفى على عينه
كم من أسى ، وبُكاء ، وخوف امتلى به جسده
ناجى قايد بالذات كثيرًا ، سطّر الأعذار لمحمد وحاتم وهلال
ولكن لم يستطع صفّ عذرٌ واحد لهذا المتجبّر أمامه
تحلّف وعدًا أن يُذيقه بعضًا من شراب كأس
تحلّف أن لا يترك القدر يأخذ مجراه ، بل سيقتصّ هو منه
اجتذبت عيناه نحو يد قايد الملفوفة بالشاش الأبيض
أشر برأسه نحوها بهدوء غريب :
وش مستوي في يدك ؟
احتضنها قايد بيده الآخرى وبذات الهدوء :
حرق بسيط !
ابتسم مُعتصم بشماتة ، وحقد :
أكيد ما هي أول القطرات من السيّل الغزير
لكنّ نوائب الدهر جالسة تدور عليك شوي شوي يا قايد
وأنت من بينهم كلهم
أنت يالشيطان الأخرس .
صدقني أول ما اطلع ، أنت بتكون عدوّي
بحرص تمام الحرص إني أفوز عليك
المعركة توها ما بدت ، الأيام توها ما انتهت
لكن بس تنتهي .. أنا بكون في وجهك
ضرب بيده على الطاولة حين لمس مُعتصم وتره الحسّاس ، أردف بغضب :
أنا ما شفت شيء ، ما شفت شيء كم مرة لازم أقولك
كم مرة لازم تعذبني وتزورني في أحلامي
كم مرة لازم أعتذرلك وأعتذر للمكان الاخير اللي جمعنا
ضحك بضحكة مجلجلة عميقة كارهة :
قلتها مرة وحدة قبل ٧ سنين يوم صارت الشُرطة قدامي وقدامك
يوم شفتني أنجر وبيديني هذه السلاسل
متى قلتها وشرحتها مرة ثانية ؟
همس قايد بضيق احتلّ صدره :
كيف أساعدك ؟
وقف معتصم بجمود حاد حين أشرّ له الحارس بإنتهاء الوقت المسموح لهم به:
إنك تمشي للمحكمة .. تعترف
وترّجع لي سنين عُمري الضايعة
-ابتسم بشرّ -
ولا توريني وجهك مرة ثانية إلا وأنت زاف لي خبر الموت
خرج مُعتصم بصحبة الحارس ، بينما بقي قايد في مكانه
لدقائق طويلة ينظر بجمود نحو الطاولة الخشنة
روحه تذوب في الذنب ، ومُعتصم لا يُصدقه
طوال سنين ظلّ يتقصّى خفيّة عمنّ أراد بالشرّ والضياع لهم
لصُحبتهم الأسطورية
دون جدوى ودون فائدة يقف اليوم حائرًا بعد سنوات
لو أن واحدًا منهم حلّ محلّ مُعتصم
لو أن حاتم أو محمد وهلال هُنا ما كان ليفعل!
وقف من مكانه وهو يتعوذّ بالله ، فـ( لو ) هذه تفتح عمل الشيطان الرجيم
خرج وركب سيّارته ، رفع عينه نحو بوابة السجن :
راجع يا مُعتصم .. والله راجع لين تصدقني

-
-

بات المنزل يضيق عليه
يطبُق على أنفاسه كـ يدّ ضخمة وكبيرة تتوعدّ بإقتلاع بلعومه .. تلك هي الحكاية دومًا
لا نعلم كيف نحيا ، ولا نعلم إن كان الموت يسعنا
الفارغون .. لا يجدون متسّعًا من الوقت لكي يتعلّمون
تخيّل أن تكون فارغ ولكن شعورك مُزدحم بالأماني والأحلام
الأيام تدفعك إلى ساحة المعركة لتُجاهد في سبيل العِلم والمعرفة
لكنّ في نهاية مطافك ترى أن المعركة قد انتصرت
المعركة بأكملها من جيوشها وخيولها وسيوفها وحدة صُراخها .
جلس أمام منزلهم من الخارج
لا يُوجد سوى إنارة الشارع الصفراء التي جار عليها زمان لتُحوّلها إلى اللون البرتقالي
شرب علبة الماء التي بيده ، كاملة دون توقفّ
البرد يزداد حدة بمرور الأيام .. والعيش في الجبال والقُرى أصبح لا يُطاق
لو أن يفرّ بقدميه هاربًا نحو البحر ورُطوبته
لو أنه يلجأ لموطن والدته الساحليّة
أن يستنشق البحر أن يمتلئ به
سمع صوت بجانبه ، ليلتفت بسُرعة :
إذا جلست زيادة في ذا البرد من دون جاكيت بتتجمد صدقني
وقف من مكانه بدهشة من وجوده :
سامر !
ابتسم سامر وهو يجلس بجانبه على خطوة واحدة :
هيه نعم .
أمال عبدالرحمن فمه بإستغراب :
وش جابك ؟ لا تقول إنك نازل من الجبل في هالوقت
صدرت ضحكة مجلجلة من سامر المُرتاح :
صحيح ، وش أفضل من ذا الوقت للمشي والناس نِيام والجو هادئ تمامًا ؟
رفع حاجبيه بذات الاستغرب :
أنت غريب على فكرة
ابتسم سامر ، مسك غُصن خشبي صغير كان أمامه :
وكيف حكمت عليّ إني غريب ؟
حكّ عبدالرحمن طرف شاربه بإصبعه :
الإنطباع الأول اللي تعطيه لغيرك له دور في معرفة شخصيتك وطبايعها
من أول يوم شفتك فيه ، في وقت متأخر جدًا
بطريقة شوي مُريبة ..
فرضت نفسك ، سولفت عن حياتك
عطيت نصيحة ، وما أشوفك إلا مُبتسم وكأنك ملكت الدنيا كلها
ابتسم سامر ، أخذ يمرر الغصن على الأرض التُرابية :
وليش ما تقول إني طبيعي جدًا ؟
تصدّق .. الناس صارت تستنكر أي فعل طبيعي يصدر من غيرها
صارت تندهش وتقدر تقول تخاف من اللي يتصرف على سجيته وكأنه مُجرم
هذه وحدة من مساوئ التطور الحديث
بالعكس أنا أشوف تصرفي معك سليم وعادي
وعلى ماسمعت .. أنتو يا أهل القرية قلوبكم على بعض
عقد عبدالرحمن حاجبيه بإنزعاج :
هذاك أول ، الحين أعوذ بالله منها ومن شرّها
أمال سامر فمه بذات الابتسامة :
غريبة
أردف عبدالرحمن وهو يأشر عليه بسبابته بتحذير:
شوف ، ولاد الوكيل وولاد المسعود أبعد عنهم وعن مجالسهم
ولا يا بيجيك بلاء بتمّ طول عمرك تدفع جزاه
-كشّر عن أنيابه -
وما يحتاج تعرفهم ، لو شفت واحد متفرعن ونافش كشته عرفه إنه من ولاد المسعود
أما لو شفت واحد الشر يقطر من عيونه خذ أنت طريق وهو طريق
لأنه ما بيكون غير من ولاد الوكيل
تنّهد سامر بهمّ ، وكأن هذا ما كان ينقصه :
ليش ترسم صورة سيئة عنهم ؟ كان خليتني اكتشف القرية وأهلها بنفسي
وقف عبدالرحمن ببتسامة ساخرة ، ينفض قميص النوم الذي يرتديه :
هذه نصيحة من مُحب ، إذا تبغى تعيش في ذي القرية بسلام
-رفع رأسه ويده بالسلام -
ولد حمود كيف حالك ؟
ركزّ بنظراته على حمود الذي مرّ أمامه بسرعة وربكة وهو يختلس إليه النظرات دون أن يلتفت ، تخطّاه بعجلة ليختفى عن أنظارهم
أردف عبدالرحمن بعقدة حاجبيه ، ليقول بإنزعاج :
وش فيه ذا ؟ لا يكون شارب شيء
رفع سامر رأسه له وهو يقول بتبرير :
يمكن مستغرب مني لأنه أول مرة يشوفني
هزّ عبدالرحمن كتفيه بلا مُبالاة ، وهو فعلًا لا يعنيه كثيرًا أمر شباب هذه القريّة التي يودّ لو أن يخرج منها عاجلًا غير آجلًا :
هذيك الدرب
-نظر لسامر بهدوء -
اسمحلي .. مثل ما تشوف الوقت متأخر وماقدر أضيفك
وقف سامر وهو يُزفر بقوة ، ابتسم في وجهها ورمى الغُصن على الأرض بعد أن قطّعه لأنصاص صغيرة :
واصلة يالحبيب ، تصبح على خير

-
-


انتــهى , أمطروا قلبي بتوقعاتكم ❤


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-08-21, 03:39 AM   #16

الريم ناصر

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 408952
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,321
?  نُقآطِيْ » الريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحباً الكادي
مو مفروض ينزل الفصّل أمس ؟
دخلنا على الجمعة وكنت متحمسة جداً للفصل
عسا المانع خيّر
وبخصوص تعليقي للفصل السابق .. بيكون مع الفصل القادم لأني حسيت هالفصل قصير شوية ، وما أشبع فضّولي ..☺❤


الريم ناصر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-08-21, 10:47 PM   #17

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الريم ناصر مشاهدة المشاركة
مرحباً الكادي
مو مفروض ينزل الفصّل أمس ؟
دخلنا على الجمعة وكنت متحمسة جداً للفصل
عسا المانع خيّر
وبخصوص تعليقي للفصل السابق .. بيكون مع الفصل القادم لأني حسيت هالفصل قصير شوية ، وما أشبع فضّولي ..☺❤

يا أهلًا بالريم
صحيح المفروض ينزل بالخميس بعد . مب بالجمعة
ولكن سبحان الله هالأسبوع انغمست في المشاوير والاجتماعات العائلية
كان المفروض أحط عندكم علم بس ما أسعفني وقتي للدخول للمنتدى
اليوم إن شاء الله الفصل الجديد .. وأتمنى يكون أطول عن سابقه ❤


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-08-21, 11:26 PM   #18

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم يا حبايب ❤
أعتذر جدًا جدًا عن تأخيري يوم الخميس .. فعلًا كنت مشغولة وماقدرت أدخل المنتدى
جزء اليوم كسابقه حاولت أخليييه طويل " وأنا أحداثي طويلة أساسًا "
لكن أضطر أوقف أحيانًا عند جزء معيّن عشان " القفلة "
الفصل الجديد يحمل أسرار واجدة . أتمنى تنتبهوا معها
ويلا استلــموه



لا تلهيكم الرواية عن الصلاة







الفصــــل الثالـــــث








يجلس حاتم بجانب والدته على الأرض
وبقُربه دلة القهوة الذي ظلّ يرتشفها مُنذ أن جلس على الطعام
هُتاف والدته الغاضب جعله يبتسم بحُب :
بس بس خلّي القهوة من الصُبح وأنت تبلع فيها
وهاك خذ هذه القروص ( المصابيب ) مسوتنها عشانك
بالسمن والعسل العُماني
أعرفك تحب تاكلها صبيح كل سبت
ابتسم حاتم وهو يأخذ حفنة من ( القُروص )
التي يشعر أن طعم سمنها المُنّقى وعسلها الصافي
قد اخترق شُعيراته الأنفية متخطيًا جيوبه ليستقر في قلبه لا رأسه :
أسميش يا أمي محد يضبطني بهذه القروص الزينة غيرش
ولا أخييه على بناتش اللي ما يتعلّمن
ولا يفلحن في حاجة
أردفت أم حاتم بحدة :
حاتم بناتي من خيرة البنات
ماشي مايعرفن يسوونه علمتهن من يوم صغار
أنت خلي عنك المناقر بس
أردف وهو يلتهم ما أدخله في فمه بإستمتاع من لذّة طعمها:
عيل اليوم على العشى نبغى خُبز عماني من يدين وضيحى
هذيك من خلصت اختباراتها وهي نايمة
خاست من النوم
ابتسمت فجأة :
ياربي منّك يالعيّار
أنت تعرف أن ضحى خصيمها وخصيم الخَبَاز تسويه يابس كما كشتها
إن كان خاطرك فيه خلّه علي
أمال فمه بعدم إعجاب :
ولا تتعبي عمرش يا أم حاتم خلّي بناتش اللي كلّ وحدة منهن كبر الباب يتنفنن في العشى
تنّهدت أم حاتم وقلبها يمتلئ صبرًا واصطبارا
لو أنها تستطيع تغيير موقف واحد في حياة حاتم
لو أن ذاكرته المعطوبة حُذف منها هذا المشهد
لكانوا اليوم يعيشون في خير وسلام
يؤسفها أن ترى أبناءها يُعاملون بناتها كالمُتلبسين في الجُرم المشهود
يؤسفها أن خطواتها المتفانية في إصلاح وترميم ما هُدم سابقًا تبوء بالفشل
وكلّ حيلتها أن تقف كالحاجز بين غضبهم وخوفهنّ
أردفت عندما رأت وقوف حاتم :
انتظر أُميم بتروح معك بيت الجبل بس جالسة تجهّز حاجة
حاتم بكلمة واحدة حادة :
لا !
وقفت والدته لتُجارب طوله :
مالك بدّ من الرفض يا حويتم أختك بتروح عشان تساعد زينة بنت عمّك
أردف بنفس الحدة :
وزينة تساعدها الشغّالة
ما يحتاج تروح الشباب كلهم هناك
اتجّهت للمطبخ
عازمة اليوم على كسر كلامه الذي يصرّ على فرضه كل سبت من كل اسبوع
تكسر خوفه بل شُكوكه أمام ناظريه حتى لا يُصبح طُعمًا لغضب والده حين يرى أفعاله
اعتلى صوتها :
أُميم أخوش بيطلع يالله حرّكي
-التفتت له لتقول بحدة -
كلمة ولا أثنيها ، أختك بتروح يعني بتروح
بنت عمّك كل سبت تكرف لخاطر سواد عيونكم
وما تبغى حد يساعدها
أمال فمه بعدم إقتناع :
أمي ترا هناك عموه ( عمة ) فاطمة ويمكن بنتها
الموضوع ما يستدعي نجمّع العالم
زفرّت أم حاتم وهي تُردف بغضب حاد :
حاتم !!
لقط مُفتاح سيارته وهي يتنّهد بصوت مُتنرفز وضائق
خطى بخطواته نحو الخارج مُلتزمًا بتعليمات والدته التي لو أمرته أن يرمي نفسه في الخطر من أجلها لأرخص روحه
هو كحاتم ، لا يتميّز في أي شيء
لا يختلف عن أي شخص بالعالم
ما زال يحتفظ بالطفولة في روحه
في حين أن جسده سقط مُبكرًا في الشيخوخة !
ما زال يملك خوف طفل ، ورغبة طفل ، وبُكاء طفل
لكنّ جسده البالي يجبره على طمس تلك الهوية
ليجاري بها زمانه
لم يكن ارتكابه للغلطة عن رغبة ، لكن تلك الغلطة اغتالته اغتالته من غير سبب
جعلته هشًّا رقيقًا ، بالي القوام ضعيف البُنية
والحديد المُلتحم مع لحمه .. هو بصمة تلك الغلطة




.
.



أخرجت زينة صُحون المعدن التي ستُقدم بها الغداء كعادة جدّها المُحببة
وهي تستمع بابتسامة لمُحادثة أُميمة والحارث الذي جاء ليُساعدهم في التقديم
يقبعان في المطبخ الصغير جدًا الذي بالكاد اتسّع لثلاثة أشخاص ، رابعهم العاملة :
ايوه حارث ، وش علومك ؟
ابتسم الحارث ردًّا على ابتسامة أُميمة البشوشة دومًا :
بخير بخير يا عمتي ، شوفي أناديش عمتي من إحترامي لش أهم شيء لا تنفخي عمرش مثل الشيخة اللي وراش
تعالت ضحكة زينة وسط هزّة رأسها :
ما تبا رأسي ينتفخ وأنت كل يوم تناديني بالشيخة ؟
إلا والله يا خسارته لو ما انتفخّ بعد ذا المدح
فتحت أُميم الثلاجة ، أخرجت الشطّة ، واللبن المخلوط بالخيار
والسلطة الحمراء والخضراء المفضّلة لدى كل العائلة
وهي تبتسم :
والله من قدّش يا زوزو وحارث يدلعش
-التفت له بإستفسار -
هاه كيف التجهيزات للفصل الثاني ؟
ترا باقي لك سنة وتتخرج شدّ حيلك
قلّب عينيه للأعلى دلالة على إمتعاضة من ذِكر هذه السيرة وسط إجازته التي بدأت للتو :
هش يا اُميم هش
أمس مأجز لا تحرّي قلبي خليني مستانس
ما صدقت على الله أرتاح من ضغط الاختبارات
ابتسمت وهي تُغسل الملاعق وتضعها فوق السلطة والزبادي:
استانس يا عمّي وعيش الإجازة ، وين ناوي تقضيها ؟
اتكأ على الفُرن ، مكتفًّا يديه نحو صدره :
عند خوالي إن شاء الله
نقزت أُميمة من مكانها برُعب حين وضعت زينة الصحون على المنضدة الاسمنتيّة بقوة أصدرت صوتًا عاليًا ، التفت عليه بدهشة :
نعم ؟
ومن دون لا تشاورني ؟
عقد حاجبيه بإندهاش :
وش أشاورش فيه يا أختي ؟ رايح أزور أمي وخوالي ترا ، وبشوف حسّون الشهور هذه ما شفته بسبب المدرسة
عضّت شفتيها بقهر ، وخوف :
مستحيل ، :
ما أخليك تروح ! أنسى يا الحارث أنسى
اعتدّل في وقفته ، غاضب من تسلّط أخته المُعتاد:
زينة ما على كيفش تمنعيني أروح أشوف أمي ، أمي هذه أمي
زينة بقهر عارم :
اتصل فيها ، ولا لاقيها في مكان غير بيت خالي
-وبصوت عالي باكٍ - غبي أنت ؟ كيف تفكّر مجرد تفكير أصلًا أنك تدخل بيت خالك ؟
تقدّم الحارث خطوة واحدة وهو يهتف بصوت عال غاضب :
زينة ترا الخوف الغريب هذا مقيدّني ، خانقني ، ويتعبني
ما تبغيني أزور أمي ، وأمش اللي ربتّش ! ولا فكّرت رجولش تخطي صوبها تسألي عن أحوالها
بالله عليش أنتِ راضية بحالتش ذي ؟
هتف أُميمة بهدوء :
يا جماعة اهدوا وصلّوا على النبي
أشرّت زينة لنفسها بصدمة ، ودهشة ، وعِتاب مُبطن :
الحين خوفي حانقنك ؟
- أكملت بغضب -
خليه يخنقك وتموت به عشان تحسّ بخوفي عليك
مجنون أنت ولا عاقل ؟ ما عاقل لا
لأن هذا ما كلام واحد ترّبى تحت آل عزم !
ما كلام واحد عنده عيون يشوف الصح والخطأ
تراجع وهو يقول بحدة :
صحيح إني ما وصلت للسن القانوني اللي يأهلني أخذ قرارات وأنفذها ولا أحسب لرفضش حساب ، لكنّ رميت سنواتي الباقية على جدّي ، هو ينوي عني وهو يأمر عني
أنا ما قررت من نفسي ، أنا اقترحت لجدي ، وجدّي وافق
همست وعيناها تغرق بالدموع :
مُستحيل ! جدي أكثر واحد يعرف اللي عانيناه طول هالسنين
مستحيل يرميك مثل الطُعم لشبكة خالي
حمل صحون السلطة بيد وبيده الأخرى صحون اللبن حتى لا يعود مرة أخرى ويشتبك معها :
الموضوع عند جدّي منتهي ، عندش كلام ثاني خبريه
إلا أن زينة كان لها رأي آخر في إعلان الرفّض ورفع راياته عاليًا في وجه أخيها ، خرجت قبل أن يخرج من المطبخ ، اصطدمت بكتفه حتى كادت تُسقط جميع ما يحمله ، تجاوزته والدموع تفرّ من عينيها الحارقتين
حين يبكي الإنسان لا يبكي بقدر الخيبات والحسرات التي يتلّقاها ، بل بقدر السكوت ، والوجوم ، والسُكون حين لا يجد ما يُفسّر وما يشرح ، حين تفرّ الكلمات والمعاني جميعها
مرت من أمام جلسة الشباب برفقة الجدّ عزّام ، دون أن ينتبه لها أحد سوى خالد وقايد وسعد ، أغلقت الباب بقوة عارمة جعلت جميعهم يلتفتون برعب نحوها .
عقد الجدّ عزام حاجبيه بإنزعاج من الصوت العالي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، هذه ما زينة ؟ وش فيها
جلس الحارث على كلام جدّه بجانب قايد ، وهو يقول بلامُبالاة نحو ما حدث قبل قليل :
وهذااا الغداء وصل !
رفع قايد حاجبه بشكّ للحظة من تطنيش الحارث لسؤال جده الذي كان يعنيه بصريح العِبارة ، تجاهل للحظة ، لكن تجاهله لم يدم طويلًا ، وضع يده على عُنقه من الخلف ، يضغط عليه بحدة وسط ابتسامة مخلوطة الشر :
هيييه الحارث ، كيف الحال ؟
انزعج الحارث من قوة الضغط على رقبته ، أردف بضيق :
بخير بخير يا قايد
بس شلّ يدك عن رقبتي تراني استويت رجال
أردف قايد بذات الابتسامة المكتومة
يزيد من ضغطه على عُنقه حتى احمرّت ملامح وجهه :
والرجال يزّعل أخته ؟
-ضربه من الخلف بأقوى ماعنده بصراخ-
أقصّ لسانك الطايلة ذي لو سمعتها تلعلع في وجه أختك سامع ؟
مدّ الجدّ عزام عصاته
ضرب قايد على يده القريبة منه بغضب :
ذبحت الولد ، قصفت رقبته
خلّيه وش تبغى فيه
التفت قايد لجده متوجعًا من ضربته :
جدي الله يخليك المرة الجاية
استعمل لسانك بدل عصاتك عشان تنازعني
حرقت يدي اليمين والحين تبا تكسر اليسار ؟
نظر له الجد عزّام بنظرة حادة ، وجهّ نظراته نحو الحارث التي احمّرت ملامحه حتى أوشكت على البُكاء من وجع الضربة القاضية التي تلّقاها
يعلم عنفوان قايد وعدم تحكّمه بيده ، يعلم أنه حين يغضب قد يصل الأمر إلى الذبح :
دواهن الكسر عشان ما تمسّ يدينك بني آدم
أمس عليّ واليوم ناوي على الحارث ؟
تأفف قايد على هذه السيرة التي ما تنكفئ أن تُقفل
حتى تُعاود النهوض مرة أخرى
يبدو أن فضيحة مجلجلة ستنتشر على طول قرية سيلجا بسبب إصرار جدّه بتذكيره كل مرة
أكمل الجدّ عزام بحدة :
يدينك يوم من الأيام بتوديك في داهية
تحكم فيهن وفي نفسك الجايرة لا بكرة أكسر العصا على رأسك
تنّهد سيف ( أبو حاتم ) وهو يُحاول تهدئة الوضع :
هدّي يا أبوي هدّي الموضوع ما يسوى
والحارث أخو قايد الصغير ما فيها شيء لو علّمه الصح من الخطأ
الجد عزّام بنرفزة :
علّموه ، ما رادنّكم عن تعلموه المرجلة وسلومها
لكن لا تمدّوا يدينكم على بعضكم !
-أشرّ على أبناءه - شوفوا أباءكم .. وصلوا لذا العُمر
ويدي ما مديتها عليّهم أبدًا
ضحك خالد بضحكة مكبوتة :
الله يخلّي جدتي ما كانت مقصّرة فيهم .. قايمة بدورك وزود
إلا أن نظرات والده سعيد أخرست نُكتته السخيفة .. تنّهد الجد العزام بقلّ صبر على هؤلاء الأحفاد ، الذي يدعو الله أن يمدّهم بالعقل
أردف حاتم بلامُبالاة مما حصل قبل قليل:
الغداء يا جماعة ، بَرَد علينا
تعالى استغفار الجد عزّام ، سمّى بالله الرحمن ومدّ يده حتى يعطي الإشارة الخضراء للبدء ، لا يتجرأ واحدًا منهم على تقديم نفسه عن والده / جدّه ، فهو المُبدّا وهو الأول .
عُقب دقيقة واحدة تراجع الحارث للخلف بملامح معفوسة وهو للتو يُدخل لُقمته في فمه
صرخ بصوت مُتقرّف :
قااااااااشع !
تعالت الضحكات من حوله حين علموا أن الحارث لا يُحب أكل القاشع ( السردين المجفف ) والمخلوط مع الأرز
ضحك قايد بشماتة في وجهه :
تستاهل هذه حوبة أختك ، وإن شاء الله كل يوم تطيح فيها
وقف وهو يتجّه نحو حوض الماء القريب منهم ، تمضمض بالماء في محاولة منه لإزالة طعمه
-
-
-
احتضنت أميمة يديّ زينة الباردتين بيديها الدافئتين ، على نقيضها
لعلّها الآن تحتاج تيّارًا يُوصل لها الدفء الذي تجمّدت به يداها ، وقلبها
لعلّ الدفء يُذيب صمتها ويجعلها تتكلم وتُفرغ ما بداخلها
همست أميمة :
زينة ، كلميني !
زينة المائلة برأسها للأسفل عقدت حاجبيها وسط صورة متألمة ، لا تُريد التحدث لم يُضفى التحدث شيئًا إلى روحها بل زادها ألمًا فوق ألم
تنّهدت أميمة بهدوء :
ترا جزء من كلام الحارث صحيح ، خففي من الضغط عليه مسكين
لا أنتِ اللي شرحتي له الوضع ، ولا أنتِ اللي خليتيه يعيش التجربة
ضحكت ضحكة صغيرة ساخرة :
يعيش التجربة ؟ ليش لا يكون داخل الملاهي هو عشان يعيشها
شوفي آثار التجربة عليّ يا أميم ، لين يومش وأنا أعاني منها
خسرت حسن ! ما مستعدة اخسر الحارث بسبب أم ما تقول لا لأخوها
زفرّت أميمة بضيق :
تبقى أمش ، وأمه
خليه يزورها ويشبع من شوفتها
خليه بيستوي رجال وبعدين بيجي يحاسبش على كل شيء وأنتِ ما حِمل محاسبة
سكتت زينة دون ردّ ، دون إضافة !
الأمر تخطّى المصارحة والفضفضة !
بات الأمر يشكّل صريرًا قاسيًا على صدرها حين تفكّر مجرد تفكيرٍ به
وقفت من مكانها ، تقدمت نحو دُولاب ملابسها :
روحي قرّبي الغداء لعمّوه فاطمة وجدوه ، أنا بتسبّح وأجيكم
خرجت أميمة حين رأت عدم رغبة زين في إكمال الموضوع
آخذه في عين الاعتبار تكوينة الشخصية لديها والتي تنص قولًا وفعلًا على عدم الإفصاح
أبدلت زينة ملابسها بسرعة ، تُحاول مداراة دمعتها التي ما شهد عليها سوى أرضية غُرفتها
تلك الدموع التي شاركت في بناء أرضها الجرداء
لفّت شيلة البيت عليها والتي يصل طولها لأسفل ظهرها وصدرها في صورة محتشمة لوجود أبناء عمومتها
أغلقت باب غُرفتها لتتفاجأ بصوت أُصدر من جانبها والتي عرفته جيدًا :
زينة ؟
تأففت بداخلها ، ردّت دون أن تلتفت إليه :
حلّ عن سماي قايد
وقف بعد أن كان جالسًا على كُرسي جده الأبيض ، رفع نظراته للأعلى :
خيبة ، السماء فوقش سوداء ومغيمة
عاد الأرصاد قايلة اليوم النهار بيقلب ليل قبل غايته ( وقته )
تأففت هذه المرة بصوت مسموع ، التفتت له بضيق :
خلاص يا سخيف ، نكتتك صارت مستهلكة حاول تغيّرها
ابتسم فجأة في وجهها ، عازمًا عن إخراجها من منطقتها المظلمة :
اليوم بنروح نشتري ثور للعيد ! تروحي معنا ؟
قلّبت عيناها ، أمالت فمها بإمتعاض :
تراك ما جالس تكلم زينة بنت الـ ١٥ سنة
وش اللي أروح معكم للمزارع ؟
كتّف يداه بذات الابتسامة ، كمن أُغدق عليه بمعلّقة مدح :
عادي في السيارة ، بيروح عمي سيف
لو قلتي له بروح معكم ما بيقول لا
صرّت نظراتها الثاقبة نحوه وحركاته اليوم لا تُعجبه ، في حقيقة الأمر هو دائمًا ما يُحاول الولوج إلى مفاتيح روحها المُغلقة لكنّ في كل مرة تبوء محاولاته بالفشل الذريع
أردفت :
ليش اليوم واجد فرحان ؟
أعاد يديه للخلف . تنّهد :
الحارث أخونا ، نرّبيه ونوجهه وننصحه وقت ما نبغى
أنتِ ما مجبورة تعيشي دور الأم والأب في وقت واحد
ما تتكلمي ولا تقولي لا لنا ولا لجدي يوم يغلط عليش ويعلّي صوته !
لكنّ نكسّر رأسه في الوقت اللي يغدي فيه حمار
عقدت حاجبيها بعدم إعجاب :
قايد وأنت مصرّ تخليني أعيد كلامي ؟
الحارث مترّبي على يد جدي يوم أبوي توفى وهو باقي صغيّر
طبيعي يمرّ بتغيرات بسبب فترة المراهقة
ألف مرة قلت لك شل يدينك عنه ، ما ملزوم فيه
عقد حاجبيه :
امف من ذي النفسية الخايسة
الحارث في منزلة سعد أخوي
عجبش عجبش ، ما عجبش دقي رأسش في الجدار
والله .. هذا قاصر بعد
عضّت لسانها بغيض من هذا الرجل المريض الذي أمامها
بل دائمًا ما تستشيط غضبًا عند رؤية وجهه
ولّته ظهرها دون رد ، توقفت في مكانها لبُرهة حين رأت وجه حاتم أمامها على بُعد قليل
أعادت نظراتها نحو قايد الذي ظلّ ينظر لحاتم !
تأففت بداخلها .. هؤلاء الاثنين لم يستحوذوا على إعجابها مطلقًا
تشعر أنهم متلبسين في الجُرم
وراء صمتهم هُناك جيش من الاعترافات الصاخبة
التي لا تعرف الهدوء والتروي
يومًا ما .. ستشهد على إنهيار سدّهم العميق !
السد الذي سيخلّف وراءه طوفان من الندم والكثير الكثير من التأوه
تقدم حاتم نحو قايد ، أردف بنبرة مستشيطة غضبًا :
حمار ، غبي
عمرك ما راح تتعدل ! عينك معمايه معمايه
عضّ شفته بقهر :
انطم حويتم انطم ، ما ناقص مواعظك ومحاضراتك
مسكه من كتفه ، سحبه نحوه وعيناه تشرح مايقول :
أنت عمي شووه ؟
البنت يططفح من عينها الكره والبُغض وأنت تركض وراها
خلك رجال ولو مرة وحدة قدامها
ابعد يده بهدوء تام ، وهذه الكلمات تشكل شرخًا لا يبرأ بقلبه:
تكرهني لأني عارف عوقها
ودواها عندي .. عندي بس
ابتعد خطوة عنه ، أشرّ بسبابته نحو وجهه :
مشاعرك هذه بتندم عليها يوم من الأيام
وقول حاتم ما قال
تأفف قايد متراجعًا من المكان الذي كان يقف فيه
لطالما نصحه حاتم ، ولطالما كانت أُذنيه لا تسمع ما يقول
هو ليش بطفل . بل رجل بلغ ثلاثينياته
بلغها مبكرًا حين شهد إنكسارها قبل سنوات !
يشعر بأنه هو المخوّل الوحيد لإنتشالها من بئرها الذي وقعت به
ويشعر أنه أهلُّ لهذه المسؤولية التي أغدقها على نفسها



.
.


التفت نحو زيد الذي يحرك غصن خشبي صغير
بداخل النار المُشتعلة بضراوة أمامهم
يجلسون في ( السيح ) الخالي من معالم التمدّن
خلفهم الجبال الشامخة ، وأمامهم على المد البصر جبال آخرى
لطالما أحاطتهم الجبال
لطالما استمدّوا الشموخ ، والقوة ، والعزم منها
كيف لا وهم أبناء الجبال ، كيف لا وهم أقوى من حجرها
كيف لا وهم جابهوا عوامل التعريّة دومًا من خلالها
فلم يتغيّروا ، ولم يتبدلوا . ولم يكونوا جبّارين
ابتسم في محاولة منه لإستدراج مزاج زيد المتعكر :
تتذكر اللي اتذكره ؟
ابتسم زيد دون أن يلتفت :
كم سنة مرت ؟
ظلّ حاتم يلتهم زيد بنظراته :
١٥ ؟ يمكن ٢٠ ؟
تنّهد زيد وهو يرمي ما تبقى من الغُصن بعد اشتعاله :
عشرين سنة .. يوم كنا عيال الطعش
-فتح باطن كفّه الأيسر وابتسم -
يوم عيال الحرام حرقوني بالجمرة ، يازعم إنهم يمزحوا
تكتّف حاتم بهدوء وذات الابتسامة :
ويوم جيتهم وفلعت روسهم بالحصى وطيّحت الدمان منهم
ضحكوا حين عادوا بذاكرتهم لطفولتهم الصاخبة
يومها .. ليس زيد من أُخذ للمستشفى لمداواة حرقه
بل حاتم كذلك .. بعد أن رمى الأولاد بالحصى محدثًا شروخًا عميقة في جباههم
ونال هو نصيبه منهم كذلك
حين خروجوا جميعًا من مركز الشرطة بعد تنازل من الطرفين
ابتسم حاتم حتى ظهرت صفّة أسنانه :
لين يومك يكرهونا .. شفت واحد منهم في المسجد قبل يومين
سلّمت عليه وطنشني !
أطفال .. أطفال مستحيل يكبروا على تصرفاتهم
ابتسم زيد :
وين الشباب ؟ ما صارت رمسة ترا
صوت حاتم الحاني دخل لأقصى أعماق زيد حين ناداه :
زيد ؟
همهم زيد بصورة خافتة في إجابة منه
ليُكمل حاتم بذات النبرة :
كم سنة من توفى الوالد عبدالله رحمة الله عليه ؟
ارتجف داخله واقشعر حين ذُكرت سيرة موت والده الحنون
مستغربًا سؤال حاتم لأول مرة ، همس :
واحد وعشرين سنة ، ليش ؟
التفت له بجسده كله ، بجدية عارمة :
واحد وعشرين سنة وأنت ما فتحت وصيته
يجوز عند رب العالمين ؟
وش اللي رادّك عن فتحها ؟
أنا أعرف الوالد عبدالله كان متواضع جدًا في ماله وحلاله
ويمكن ورثه ما بالشيء الكبير
لكن بعد .. هذه وصيّة ميت !
قلنا وقتها كنت ولد الثنعشر سنة ، وقلنا وقتها كانت مشاكل كثيرة
بس هذا ما عذر ، ما عذر يا زيد
عقد حاجبيه ، وقد احتّل الضيق ملامحه :
عذري أمي ..
أمي اللي كل ما جيت أفاتحها بالموضوع صاحت وناحت
كل ما ذكرت الوصية والله يا حاتم تصيح لين يغمى عليها
أنا صرت خايف ..
قسم بالله خايف يكون وراء الوصية شيء يضرني ولا يضرها
الأملاك اللي عند أبوي ، عند محامي جدي عزام
محامي العايلة يعني ..
سلّمني اللي لي واللي عليَ ، لكن كوصية ورقية بخط يده ماقدر
والله ماقدر الأمر فوق طاقتي
سكوت واجم أُعقب بعد تصريح زيد وقَسَمه المؤلم
يرى حاتم أن خوفه ليس مُبرر ، بينما يرى زيد
أن تلك الوصية تحمل وحشًا مستعدًا للإنقضاض عليه هو
يشعر أن بمجرد فتحه إياها ، سيُفنى ، سيُهجر ويُعاقب
الأمر يفوق طاقته مثلما قال ! لكن طال الزمن أو قصر فستُفتح تلك الوصية
التفتا حين سمعا صوت سيّارة وإنارتها العالية تمشي في طريقها إليهما
جُزعا من السُرعة العالية التي يمشي بها ، والغبار يلّتف حول السيارة
خرج قايد بغضب عارم ، اتجّه نحو حاتم مُباشرة
رفعه من على الأرض مُمسكًا إياه من ياقته ، صرخ بغضب :
طلعت أنت ياحقير ، أنت اللي غدرت فيني
غدرت بولد عمك يا زفت !
-هزّ بقوة لا يعلم كيف أتت -
كيف تغدر فيني وتخليني طول ذي السنين مشتبه فيه
كيف تقول للإدعاء أن ولد عمي الشاهد على جرايم ومصايب ربيعه - صرخ بصوت أعلى - واللي يكون ربيعك ، كييف ؟
اقترب زيد منهم بذهول :
استغفر ربك قايد ، وش ذا الكلام اللي تقوله ؟
ابعد يد زيد بعنف عن كتفه ، صرخ بذات الحدة والغضب :
أنت وش تعرف أصلًا وش تعرف ؟
تتهموني ظلم ، تتهموني زور وبُهتان
أنا ما كنت موجود يوم طبت الشرطة على معتصم
ما كنت موجود ولا شفت شيء ولا أعرف شيء
وضع حاتم يداه على صدر قايد ، أبعده بحدة حتى تراجع
٣ خطوات وأكثر كاد يتعثر بسببها
صرخ فيه بإنفعال :
ما كنت داري من السمّ اللي شاربنه !
توقفت أقدام قايد فجأة ، تيبست وانتصبت على الأرض الجرداء
أكمل حاتم بذات الإنفعال :
تكذب على من أنت ؟ كنت موجود لكنك على طرف
موجود وبيدك غرشة ياللي ما تخاف ربك
ما كنت صاحي ، ما كنت واعي باللي حولك
كنت تشوف على معتصم وتضحك من السكر اللي أنت فيه
لو ما كنت أنا موجود تعرف أنك بتكون محلّ معتصم الحين؟
والله يا قايد كنت بتخيس في السجن طول حياتك
بلع قايد ريقه ، ذكريات لا تُذكر في تلك الليلة
آخر عهده كان تدخينه بشراهة ، هو ومعتصم
كيف وصلت يده إلى الشُرب ، لا يدري
همس وهو ينحني للأسفل بوجع :
ما غلطت ، أنا ما غلطت
اغتاض حاتم ، اقترب منه ليرفعه من كتفه ، صرخ :
شربك ذيك الليلة أكبر غلط .
ياما قلتلك ونصحتك ووعيتّك ! لا تحتك في معتصم واجد
ربيعنا ، ما قلنا شيء على العين والرأس
لكنّ كانت غلطاته وذنوبه واجدة .
لين وصلت لك .. وأنت ما حاس
رفع قايد يده ، مسددًا صفعة على وجه حاتم الذي ارتدّ عن يمينه مما جعل زيد يتراجع بصدمة عارمة من هيجانهم
أردف بصُراخ عالي :
تتكلم من وراء ربيعك ياقليل الخاتمة ؟
لو فيك خير كان وقفت معه ، وزرته في السجن
وسعيت وراء الحقيقة !
ما مخلنّي أنا وحدي أركض وراها . وتسموا نفسكم ربع
وش تعرف أنت ؟
ارجع مصر وكمل علاجك اللي ما فلحت فيه
التفت زيد حينها بقوة نحو قايد .. اندهش
كيف يعلم بعلاج حاتم النفسي في مصر . بل ما أخر علمه بما حصل
اندهش أكثر من ابتسامة حاتم الساخرة ، وكلام قايد :
جبان ، وخوّاف
ما فلحت في شيء غير إنك تغدر بولد عمك وربيعك
خايف لا توصل لك أيادي القانون ويضيع عُمرك
نظر له ، لدواخل عينيه البنيّة اللامعة في عُتمة الليل
بسخرية شديدة وقاسية :
من خاف سلم ، وأنا سلمت من واجد أشياء لولا رحمة ربي
ما تهورت مثل تهورك
:ما ضربت بمبادئي ، وأخلاقي عرض الحيط
ويوم من الأيام بتبين قدامك الحقيقة
لكن ساعتها .. لا أشوفك تطلب مساعدتي
اجترع قايد ريقه الجاف ، نظر له ولملامحه المتصلبة
كم يكره نفسه حين يستسلم بسرعة لعصبيته
ولسانه يتحول حينها لأقذر لسان .. صُدم أن حاتم لم يُعاتبه
لعلمه بعلاجه النفسي .. صُدم أنه لم يبرر له حتى
خسر معتصم .. ويخشى الآن أن يخسر حاتم بسبب استعجاله
أغمض عينه بقوة حين أقفى حاتم بظهره
راكبًا سيارته ، ضاربًا بابها بقوة شديدة
حتى اختفى عن أنظارهم المتتبعة
وذاكرته تأخذه لقبل ساعة من الآن .
( يقف بالقُرب من جدار بيت سلوان القصير ، ينظر لهيئته البدينة
يرمى قطع اللوز في فمه بإنتظار إحدى أصدقاءه آتيًا بسيارته:
بسك شرب في ذا البيبسي يالدب القطبي
شوف كيف مستوي بسبب السكر !
نظر له سلوان من طرف عينه :
مالك خص ! بطني ولا بطنك ؟
فتح قايد عينه على وسعهما
أخرج لسانه في صورة ممتعضة :
سوسو حبيبي ، حشر لسانك لا أحشرها داخل بطنك الطمبل
نزل سلوان من الجدار القصير نحو الأرض الممتلئة بالحصى
دون أن يُعير قايد أي اهتمام
حينها قال قايد بدهشة مصطنعة :
اهتزت الأرض ، تزلزلت أعوذ بالله
-ابتسم فجأة -
أبوك هين داير ؟ كم يوم ما شفته
التفت له سلوان بعدم اهتمام :
صباح الخير ، أبوي مسافر باكستان من كم يوم
وينك انتتته عن الدنيا !!
-ابتسم بخبث-
على طاري باكستان ، اليوم شفت شيء يمكن يهمك
نظر له قايد برفعة حاجب ، حينها أخرج سلوان من جيب دشداشته الرثّة اسوارة من الخيط والمعدن تحمل شعار مميز:
قبل كم يوم انظف الغرفة الصغيرة اللي في بيتنا
وشفت ذي السويرة
سويرة قديمة واجد واضح من التاريخ المحفور
تناولها قايد عاقدًا حاجبيها بإستغراب
نظر لداخله وهو يرى التاريخ المنقوش
تعود لشهر 10 من عام 2014
وحرف الـ h باللغة الإنجليزية بالقُرب منه
أكمل سلوان وهو يدوس على علبة البيبسي بقدمه :
عطيتها أبوي ، شلّها عني وسمعته يهاذي فيها
يقول عيال العزم دومهم بغمان ( أغبياء ) وأيودوني بداهية
ما يكفي معتصم ، جاء الدور على حاتم اللي سحب قايد في وقته
شكله كان بيعقها قبل يسافر بس طاحت عليه ، وجبتها لك
أمعن قايد النظر فيها بنظرات حادة
ولو كانت نظراته نارًا لأصهرت ذاك المعدن المتوسط
يعرف هذه الاسوارة جيدًا ، تعود لحاتم
استشاط غضبًا حين وصل تفكيره لما آل إليه
لم يعتب باب منزل والد سلوان منذ أن حدثت به الحادثة المشؤومة
مُنذ أن قبضت الشرطة على معتصم بداخله وسجنته مع تُهم كثيرة إحداها إمتلاك الكحول )
فتح عينه على صوت زيد العاقد لحاجبيه :
خاف ربك يا قايد
الدنيا بتدور عليك يوم من الأيام خاف ربك
تناول ( جيك الماء ) ليُطفي به النار وينتشر الظلام فجأة
إلا من نور القمر الساطع !
أخذ زيد سيّارته ، تاركًا قايد وسط عتمة كئيبة بدأت بالإنتشار بداخله



.
.


يجلس في سيارته أمام إحدى محلات التسّوق الصغيرة
المنتشرة على مسافات واسعة من الخط السريع
خيار جيّد للسواح والمسافرين على طريق طويل
للتّوقف وأخذ إحتياجاتهم اللازمة قبل الإنطلاق
المحّل الذي أمامه قريبٌ من منزله ، لا يبعُد سوى 10 دقائق
وها هو يجلس مُنذ نصف ساعة دون حِراك
يرى العامل ذو الجنسية الهندية يخرج ويدخل
يحمل كراتين الفواكة والخُضار وعلب المياة والعصائر
من الشاحنة المجاورة وحتى داخل المحل
زفّر بخفوت ، فتح باب السيارة بعد أن أطفأ مُحركها
توجه نحو الباب ، ليُوقفه ذات العامل فاردًا كف يده أمامه
أشرّ له بالإبتعاد وبلهجة عربية مكسّرة :
رووه ، مافي أدخل
عقد حاجبيه بإستغراب ، لما يمنعه من الدخول
بأي حق :
ايش فيه صديق ؟
ضرب بطرف اصبعه على الباب الزُجاجي للمحل
المُمتلئ بالملصقات
زفّر عبدالرحمن وقلّب عينيه حين رأى اللافتة
( الرجاء ارتداء الكمامات قبل الدخول )
لمس وجهه ، قد نسي الكمامة في سيارته قبل نزوله من شدّة تفكيره
أعاد أدراجه ليرتدي الكمامة ويُعاود الدخول
توقف عند طاولة المُحاسبة
قلّب عينيه نحو المكان ، بإنتظار أي أحد من الجنسية العُمانية
التفت بجانبه بسرعة حين سمع صوت ما يُناديه بـ :
حيّاك أخوي تفضل !
أقدر أخدمك بحاجة ؟
رجل مُلتحي قصير البُنية ، ممتلي الجسم ، ذو وقار وهيبة تتضح بعيناه
تراجع بخطوة فقط :
آءء ..
سكت ، كان سيسأل عن سامر ولما لا يراه في المحل
لكنّه تراجع في اللحظة الأخيرة ، لا يدري لما
أكمل :
قالوا لي محتاجين شخص ينقل لكم البضايع بنكّال
العرض ما زال قايم ولا خلاص ؟
ابتسم الرجل الذي أمامه :
ما زال قايم لكن ..
ما توقعت يجي عماني ويطلب الوظيفة !
أنت مستعد لها ؟
اجترع ريقه بخفّة ، لا يعلم !
قدِمَ اليوم دون تفكير أو تخطيط .. أراد من جسده أن يُسيّره
لعله يلقى ما يسدّ فراغه الموحش والذي بدأ بأكله :
ويش شروطكم ؟
تقّدم الرجل ، يحمل بيده علبة ( صلصة الطماطم )
واضعًا إياها على إحدى الرفوف ، ثم انتقل خلف طاولة المحاسبة :
والله يا أخي ماعندنا شرط غير يكون عندك ليسن ( رخصة )
وإنك تكون متوفر ٢٤ ساعة
ابتسم بُسخرية ، مُنذ سنين وهو فارغ اليوم بأكمله
أكمل الرجل بذات الوتيرة :
شاحنات التنزيل تجي اسبوعيًا ، لكن نقل البضاعة يصير يوميًا كل مرة مكان
لازم تكون جاهز إنك تطلع الجبال ، وتقطع الوديان
عشان توصلّ البضاعة للقُرى النائية
أعاد يديه خلف ظهره ، وهو يسأل :
والراتب ؟
وضع الرجل دفتر المُحاسبة وابتسم ابتسامة واسعة
اتضحت من عيناه :
ما بظلمك فيه ، لكنّ أنت عارف إن الاقتصاد تعبان هالأيام
والتجارة كاسدة ! وأغلب المحلات مديونياتها للسقف
ما أخفيك كنت أتمنى واحد وافد فقير يترزق
لأنه ممكن يرضى بأي مبلغ
لكن خلينا نتّفق على 20 ريال اسبوعيًا
قلّب عبدالرحمن عيناه نحو السقف ، يعدّ ويضرب ويحسب
20 ريالًا اسبوعيًا ، أي 80 ريال شهريًا
أجر زهيد جدًا مقابل هذا العمل المُجهد
فأن تصعد الجبال وتقطع الأودية ، أمرٌ خطير وفيه مجاهدة
أكمل الرجل حين رأى صمته :
راتب بسيط عارف ، بس ممكن يزيد بزيادة المحلات اللي تطلب البضاعة
ممكن بعد أشهر يكون 100 ريال
وأحيانًا يتعدى حاجز الـ150 ريال.
المهم عندي ما أظلمك وأعطيك على قد شُغلك
تنّهد عبدالرحمن ، هو بحاجة ماسّة لأي مبلغ قد يُخرجه من عرق جبينه
لا بأس إن كان ريالًا أو 100 ، المُهم هو أن لا يمدّ يده
طالبًا مصروفه من والده ، كطالب في صفوفه المدرسية
أصبح رجلًا ويشعر أنه من العار عليه طلب المال من أهله
هزّ رأسه بإيجاب :
موافق ، متى أقدر أبدأ ؟
ابتسم الرجل هازًّا رأسه بهدوء :
بكرة ، بس روح أي عيادة وجيب لي تأمين صحي
وبعدها نوقّع العقد اللي بيننا عشان نضمن حقوق الطرفين
ولا تحاتي ، النكّال بتكون دايم معبّاية بترول
ابتسم عبدالرحمن ابتسامة صغيرة بالكاد اتسّعت :
على خير ، يعطيك العافية
خرج وبخروجه نزع الكمامة راميًّا إياها في سلة المُهملات القريبة
ركب سيارته وعاد أدراجه نحو المنزل ، بتفكير عميق
شتم نفسه لعدم أخذه رقم سامر حتى يُخبره ما قام به
ولوهلة توقف ، عضّ شفتيه :
خير يا عبدالرحمن
صاير سامر أبوك ولا ويش ؟



.
.


مدّت لها فنجان القهوة بابتسامة دافئة
وهي مُدركة تمامًا لعلامات الضيق البادية على ملامحها
حتى وإن لم تنطق بعدها .
تعرفها جيدًا ، وأكثر من الجيدّ
هي صديقتها .. وأُختها الروحية ، مسكن بيدي بعضهن البعض
على مرّ مراحل حياتهنّ
غمزت لها أميمة بخفّة :
هيييه يا أختي ، خبريني وش الأكو والماكو ؟
تركت الآخرى فنجان القهوة على الأرض ، بابتسامة مجارية :
كم لنا ما شفنا بعض يالظالمة ؟
يوم إني اتصل فيش الاسبوع الماضي وقلتي لي بجي صوبكم
كأنش فص ملح وذاب من يومها
لا حسّ ولا خبر .. خوفتيني وجيت أركض اتطمن عليش
تنّهدت أميمة بخفوت :
وش أسوي أسوم ؟ أنتِ عارفة قرارتي بيد من
اليوم موافق وبكرة رافض من رأسه وعلى مزاجه
عقدت أسماء حاجبيها بإمتعاض :
للحين ؟
بابتسامة باهتة على نقيض أولها :
والظاهر لين نموت
-ضحكت بخفّة -
المهم أنتِ خبريني ، جيّتش اليوم ما بس عشان الشوق
فيه شيء وراش واضح من وجهش !
انقلبت ملامح أسماء بشكل أخاف أميمة .
تكره ملامحها السمراء حين تنقلب نحو موجة آخرى لا تُحبذها
تذكّرها بأمور شتى تؤلم روحها
تذكرها حين مات أبيها ، حين خسرت وظيفتها بعد وفاته
حين كانت تأتيها باكية بكاء يُدمي القلب
وليس بيدها حيلة لتخفيف مُصابها
اجترعت ريقها ، همست :
أسوم !
رفعت أسماء عيناها لها ، عيناها شرحت معنى الحيرة :
قبل لا تتزوج أروى أختي
كنّا جالسين نرتب أغراضها في الشناط
قالتلي أمي فيه ظرف في المندوس ( صندوق خشبي تراثي ) فيه فلوس روحي جيبيه
-فتحت شنطتها ، أخرجت مطويّة باللون الأخضر -
عيني بالصدفة طاحت على هذه !
نظرت لها أميمة بإستغراب ، أكملت أسماء بحيرة :
تعرفيها ما تخفى عليش ، شهادة ولادة
تخيّلي باسم من ؟
باسم وليد .
أخذت أميمة بيدها تلك الشهادة ، ركزّت بنظراتها عليها
حين أكملت أسماء بذات الدهشة والحيرة :
الولد ولد أمي من الاسم المكتوب في خانة الأم
لكن شوفي خانة الأب
مشطوب عليه بقلم أزرق وأسود ، تشطيبة متعمدة
-بلعت ريقها حين شعرت بالغصّة -
تاريخ الميلاد مكتوب على ١٩٨٨
يعني المفروض يكون عمره في بداية الثلاثينيات
تخيلي يا أميم ، أمي أم البنات اتضّح إن عندها ولد وأكبر عن أروى
رفعت أميمة أنظارها لعينا أسماء الدامعة
أردفت بجدية تامة :
أسوم إياني وإياش ، ترا أشوف بعينش عتاب لأمش !
أمش ما خبرتش إلا والموضوع مؤلم لها
لا تحطيّ أمل !
يمكن الولد متوفي من الولادة أصلًا
عضّت شفتيها بألم :
بس ما لقيت شهادة وفاة
انزين صح أعرف إن أمي متزوجة قبل أبوي الله يرحمه
وزوجها كان مجنون ويعاملها بقسوة
لكنّ هذا ما يعطيها الحقّ إنها تخبّي علينا أمر مثل هذا
نظرت لها أميمة بحدة جادة :
طبعًا يحقّ لها ، وكثر الله خيرها بعد اللي حشمت زوجها وبناتها وما خبرتهم باللي عانتّه
وأرجع أقولش لا تحطيّ أمل ، يمكن أصلًا الولد متوفي
لمعت عيناها بحنّو ودهشة :
ويمكن يكون عايش ، يمكن يكون الحين عندي أخ أنا ماعرف وينه هو
أُميييم - مسكت يداها بقوة - ساعديني
ساعديني أدور عليه ، تقولي مايت وقلبي يقول حيّ وعايش
اتسعّت عينا أميمة بصدمة :
أسوم الله يخليش ! أنتِ مجنونة ولا ويييش ؟
تتوقعي لو الولد عايش كانت أمش بتتخلى عنه
مستحيل .. حدث العاقل بما يُعقل
تراجعت أسماء للخلف ، اتكأت على حافة الكنبة
مسحت دمعها الذي بدأ بالهطول :
أنتِ تعرفي مال أول كيف كانو ، سايبوه ( سايبة )
مستشفيات تعبانة وطاقم تعبان ! يمكن صار شيء يومها
ضحكت أميمة بدهشة :
على فكرة أنتِ واجد متأثرة بالأفلام
ليش لا يكون على بالش مختطفينه ، أو مبدلين بين المواليد
أو حتى مصدور له شهادة وفاة مزيّفة
لا يا أسوم لا ، اللي تقوليه ضرب من الجنون ما يصير
تقدّمت بجلستها ، أردفت :
واحنا ويش بنخسر ، نحاول ما ورانا شيء !
تعرفي حد اشتغل فيه المستشفى بذاك الزمن ؟
أكيد كان يعرف ، ما من كثر الولادات اللي تصير في المستشفيات وقتها
أمالت فمها بإمتعاض وعدم إعجاب :
حتى لو أعرف حد ، الملفات مرّت عليها ٣٠ معرف ٣١ سنة
يعني أقل شيء الممرضات الحين في الخمسينات والستينات من عمرهن
لمعت عينا أسماء بيأس ، وقلبها هذه المرة ينبض
وذاك النبض يؤديها لكلّ الدلائل التي تقول أن هُناك نفسًا
يحمل نفس رائحتها الطفولية
هُناك دماء تجري في عروقه هي ذاته الدماء التي بداخلها
شيء ما يُنبئها ، حدسٌ أنثوي لا يُخطئ أبدًا
حاستّها الفولاذية القوية هذه المرة في أوّج حالاتها
همس بضعف :
بس ما يمنع نحاول ، ونحاول ، ونحاول
إلا ما يودينا الطريق لدليل !
قاطعتها أميمة بجدية :
والدليل ممكن يكون الوفاة ، ووقتها راح تنهاري
تحسبيني ما أعرفش ؟ أعرفش أكثر من نفسش
ما مستعدة أأملش وبعدها تعقّي اللوم عليّ
مسكت يدها بقوة في صورة آملة :
ما بلومش في شيء ، والله ما بلومش
بس ساعديني .. أنتِ علاقاتش أوسع خاصة في المستشفى
تخصصش صحيّ وتطبيقش كان في مستشفى المحافظة
نفس المستشفى اللي أنولد فيه أخوي
تنّهدت أميمة لثواني ، ابتسم بخفة ثم ربتت بيدها :
عشانش بس
والله لو هو غيرش ما استجبت لطلبه المجنون هذا



.
.




دخل قايد لمقر عمله حاملًا بيده كوب قهوة سوداء
يتبختبر في مشيته ، يسلّم على ذاك وذاك
وليس بكأنه المُتأخر عن دوامه
مشى في الممر المؤدي لمكتبه ، ليتراجع بخطواته
حين رأى مكتب إحدى زملائه مفتوح وبداخله اثنين يعرفهم
رفع يده مسلّمًا ثم غمز لإحداهم :
غطيّت علي ؟
اقترب منه ذاك ووجهه شاحب ومُعرّق :
حسبي الله عليك يا قايد كانك أتوديني في داهية
وينك أنت الدنيا مُحتشرة وأنت باردة مبرّدة جاي بقهوتك ؟
رفع قايد حاجبه ، بذات البرود :
ويش صاير ؟
اردف الآخر الجالس على الكُرسي يجمع كومة من الأوراق أمامه بتوتر عميق :
وكيل الوزارة جاي زيارة لفرعنا ، زيارة مفاجئة
والقسم محتشر على الآخر
أمال فمه وهو يستطعم قهوته المرة :
وخير يا طير .. خليّه يجي ! شغلنا والحمدلله على أكمل وجه
ابتسم الذي أمامه بسخرية :
واضح والدليل إنك جاي من وقت ومبّصم حضورك
روح روح مكتبك وجهّز تقاريرك الشفهية والورقية
تجاهله قايد غير مُبالي بما يقول
ليس بالذي يخاف من التقصير ، أعماله دائمًا تؤدي بالوجه المطلوب
وجميع التقارير السنوية تؤخذ منه في وقتها
حتى أنه أخذ لقب الموظف المثالي لشهرين متتالين في إحدى السنوات
قابل في طريقه زميلٌ له يعمل معه في نفس القسم ، مدققين ماليين
سلّم عليه بصوتٍ عالٍ ليتفاجأ بتجاهله
ولم يخفى عليه إرتباكه الذي لمحه في وجهه
امال فمه باستغراب وهو يدخل مكتبه المشترك ، همس :
أعوذ بالله ، كله ذا خوف من الوكيل
والله لو إنه إبليس
-ضحك بخفة وهو يجلس على كُرسيه -
إبليس وأعوانه بعد ما إبليس وحده
رفع رأسه حين وقفت أمامه فتاة شابة تعمل معه بذات القسم :
تقاريرك جاهزة قايد ؟ المدير يقول اجمعوهم بملف واحد
هزّ رأسه وهو يفتح جهازه :
عطيني ربع ساعة بس أشيّك عليهم وبجيبهم وحدي
أمالت رأسها بخفّة ، ولّته ظهرها عائدة أدراجها
حينها بدأ قايد بالعمل على جهازه للتأكد من جاهزيته جميع الأوراق
استغرب قليلًا من التغيير الحاصل في ملفات سطح المكتب
بعض الملفات أُدمجت في ملف واحد
وبعضها تغيّر مكانه وترتيبه ، فهو يُرتب ملفاته على الترتيب الأبجدي
هزّ كتفيه بلا مُبالاة ، ليعود العمل تاركًا الإنشغال بتغيّر الملفات
-





-
يجلس على كُرسيه الدوار ، يدور به مثلما تدور الأفكار في رأسه
وفي كل مرة يعصف به الدوران
تقع حزمة من الأفكار وتنصّب على نفسه اللئيمة
كيف يعود مثلما كان ؟ كيف يا تُرى يستطيع إنتشال نفسه
من النار ، من الطين ، ومن الإنغماس في الأفكار السوداء
قطع عاصفته الذهنية زميله الذي وضع جهازه المحمول على الطاولة ، ابتسم بهدوء :
مُهندس حاتم ، سجلت ؟
نظر له حاتم بعد استيعاب ، ثانية تتبعها ثانية حتى قفز من كُرسيه
ليقف بجانب زميله ، ناظرًا لشاشة جهازه :
فتحوا التسجيل ؟
ابتسم زميله بذات الابتسامة :
فتحوه ، وهذه المرة الشروط أسهل من السنوات الماضية
فُرصتك كبيرة يعني !
اتسعّت ابتسامة حاتم ، يشعر أن هذا الخبر قد جعل قلبه يتبسّم ويتوّرد أيضًا
سنةً تلو السنة مُنذ توظيفه ، وهو يتمنى الإلتحاق
بإحدى المجموعات المُشرفة على أكبر المشاريع البترولية
3 سنوات لم يُحالفه الحظ للإنضمام
بسبب الشروط الصعبة التي تتطلب أحيانًا خبرة تتعدى الـ15 سنة
أكمل زميله باثًّا فيه الحماس :
شكلهم هالمرة بياخذوا مجموعة أكبر عشان كذا الشروط سهلة
أدنى خبرة مطلوبة هي 5 سنين وأنت عندك 7
ثاني شرط هو الإلمام بجميع مشاريع الدُقم ( اسم المنطقة الاقتصادية )
وأنت ما شاء الله من كثر رغبتك بالانضمام حفظتهم صمّ
أنفرجت أساريره ، حتى اتضحّت أسنانه في صورة نادرة
وضع يده على كتفه بقوة :
والله إنك عزيز وغالي ، أنا طول هالشهر أشيّك على الموقع إذا فتحوا باب التسجيل
بس هاليومين عقلي ما معي أبدًا
ضحك زميله لسعادته ، حمله جهازه بين يديه وهمّ بالإنصراف :
زين يا مُهندس أبدأ وسجّل لأن الأعداد بتكون مهوّلة
-أعطاه ظهره لثواني حتى التفت عليه-
هيه صح نسيت أقولك ، أرسل السي ڤي لهم
رُغم إنه موجود في الأتش أر ( الموارد البشرية ) لكن للاحتياط
هزّ حاتم رأسه وهو ما زال محتفظًا بابتسامة
عاود الجلوس على كُرسيه ليفتح موقع التسجيل
هذه المرة لا يجب أن يخسر الفُرصة
هذه المرة يتحتم عليه النضال والمُجاهدة للفوز بها
لن يخسر ، حتمًا لن يخسر
فهو مؤهلٌ تمامًا للحظي بها ، لصفّها ضمن إنجازاته في مجال عمله
أغلق جهازه بعد أن سجّل وهو يتنّفس الصعداء
وقف ، حمل أغراضه حين رأى إنتهاء الدوّام
سلّم في طريقه عليهم واحدًا واحدًا من شدة راحته وسعادته
عتَب الباب الزُجاجي الكبير متجّهًا نحو المواقف المخصصة
إلا أنه توقّف بصدمة وإندهاش حين رأى الذي أمامه
حيًّا يُرزق ، بكامل عافيته وصحته
بذات الملامح ، بذاك الوجه الشقيّ الحنون
عضّ على شفتيه ، ويداه ترتجف لمّا سمع صوته الهادي :
حي الله الشمج ( النسيب )!
ولا أقول جاري القديم وصديقي العزيز ؟



.
.



مدد قايد يديه للأعلى ، حمل هاتفه وبطاقته وهو يخرج من المكتب
فور خروجه ، اندهش من الإزدحام الحاصل أمام القسم
إزدحام هائل ، كيف لم يسمع صداه أو ينتبه له
وقف بجانب إحدى الرجال ، انحنى عليه وهو يقول بدهشة :
ويش صاير ؟
لا يكون يشوفوا الوكيل ؟
ابتلع الذي بجانبه ريقه ، وهو ينظر إليه يهمس :
أي وكيل الله يسلمك ، الوكيل طالع من زمان
الشرطة طبّت علينا مع جهاز الرقابة المالية والإدارية
فتح قايد عيناه على وسعها وهو يُحاول استراق النظر :
شت شت !
الشرطة مع جهاز الرقابة
الله يستر ويش مسوين ذي المرة
انحنى عليه ، بذات النبرة الخائفة :
مقفلين المخارج والمداخل ، الشرطة تفتش فوق وتحت
وتنخر كل مكان تطيح عينها عليه
استعد يا ولد ، الفيران جاية ! احموا نفسكم من الطاعون
كتم قايد ضحكته على هذا الاقتباس
شعر لوهلة أنه سقط فيه مسلسل محظوظة ومبروكة
وفؤادة تهمس بهذه الجُملة وسط المستشفى بصوت مُرعب وخافت
زفرّ للحظة حين علم أنه سيتأخر على موعد خُروجه
وأن الأمر سيطول بما أن المُداهمة حصلت مُسبقًا
توقفت جميع الهمهات حين بدأ المسؤول من جهاز الرقابة بالتحدث بصوتٍ جهوري :
رجعوا لمكاتبكم ! حــالًا .
استجابوا لأمره لما كان يُمليه عليهم وجهه الجاد !
عادوا أدراجهم ليقف كل شخصٍ أمام مكتبه .. بدأت الشُرطة بالتدخل
هذه المرة الأمر جاد وجدًا ، هؤلاء المسؤولين ليسو عاديين
إنما هم من هيئة مُكافحة الفساد التابعة لجهاز الرقابة
الأمر خطير ، هُناك عفن فئران قادم
لا بد أن الطاعون سينتشر لا مُحالة بينهم
وقد يكونوا هُناك ضحايا
بل ومُجرمين متلبّسين بلباس الوفاء والإخلاص
بشكل مُباشر دخل شرطيان لقسم التدقيق المالي .
وبلا كلام توقف أحدهما أمام قايد وهو يضع الأصفاد الحديدة حول يديه
وسط صمته ، ودهشته ، ورُعبه مما يحصل أمام أنظار زُملائه
أردف الشُرطي بصوت جاد :
قايد بن سعيد
أنت رُهن الإعتقال بتهمة مخالفة القوانين والأنظمة
والمساس بالمال العام للدولة



.
.


للحظة تسائل حاتم ، تسائل ما هي الجرأة التي مكنتّه
من الظهور أمامه بعد كلّ هذه السنوات ؟
بعد العقبات والمطبّات التي عاشوها .
يسترخص دمه بظهوره أمامه ، يستودع روحه وحياته
غاضبٌ هو ، لم يتمنى رؤيته في مكانه عمله
تمّنى أن يراه في أبشع الأماكن حتى يأتيه شامتًا
تمنّى أن يلاقيه ليُمحي جيرتهم ، وأخوتّهم ، ونسبهم
الذي ارتصّ بهم غصبًا عنهم .
مسكه من يده ، بقوة عارمة تألم بها .
سحبه نحو سيّارته الواقفة ، ليلتفت إليه حين شعر به ينطق
قائلًا بفحيح هامس :
انطم ، لسلامتك لا غير
سكت ( عبدالمجيد ) فهو رأى تمامًا كيف يتجسّد الغضب
على هيئة إنسان .
وياله من إنسان ..
ركبا سيّارة حاتم ، انطلق بها نحو مكانٍ يبعد عن مقرّ عمله
رُبع ساعة لا غير ..
وقف بجانب إحدى الشواطئ الخاليّة من الزوّار في منتصف الظهيرة
نزل ، ونزل خلفه عبدالمجيد الصامت كصمت القُبور
وقف أمامه فاردًا نفسه ، وفارضًا روحه عليه
ينظر له بنظرات ذات معنى ، بإنتظار تفسيرٍ واحد
تنّهد عبدالمجيد ، يُريد أن يُطفئ غضبه قبل أن يُردى قتيلًا :
خفف من عصبيتك عليّ ..
عشان خاطر العشرة اللي كانت تجمعنا
بصوت واحدٍ حاد :
اختصر ، شوفتك قدامي تطلعني من طوري
والأحسن لك تختصر يا عبدالمجيد .
-وبتساؤله الأول أكمل -
وش من جرأة جابتك عندي وأنت عارف النتايج ؟
ما خفت إني أجرم فيك ؟
ابتسم عبدالمجيد بصورة حزينة :
أنت ما قايد .
أنت حاتم الحنون ، طيّب الأصل
العاقل اللي يحكم حياته بعقله ما قلبه
زمجر حاتم بغضبه حين ذكره :
حلفت بالله قبل سنين وقلتلك لا تشوفك عيني
وبالزور ماسك نفسي لولا خوفي من ربي ومن الشرطة اللي تحوم في الشاطئ
ويش تبغى ؟
رفع عبدالمجيد صوته وسط علّو صوت حاتم :
نبغاكم ، أنا وأختك وأهلي !
فتح حاتم عينه على وسعها ، يا لجرأته الصارخة ،
صرخ في وجهه بحدة وهو بالكاد يُمسك يديه حتى لا يُجرم في حق وجهه :
اخترتوا طريقكم ، اخترتوا حياتكم وطريقتها
كمّلوها ولا عاد تلتفتوا لنا
تراجع عبدالمجيد من غضب حاتم الذي خشى أن يحرقه :
حاتم ، اللي يصير ما يرضى الله ولا رسوله
أنت قاطعنا بإرادتك .. قاطع رحمك
نسيت إن صلة الرحم مرتبطة بعرش الرحمن وقطاعتك لها
يعني قطاعتك لرزقك وبركتك من الله
ابتسم بسخرية وهو يولّي وجهه جهة البحر بأمواجه العاتية
يسخر من حال عبدالمجيد ، ومن حاله وحال أهله
حتى وإن كان قد تعافى من ألم الخيانة ، ونسى كل شيء
إلا أن تلك اللحظة التي أشفق بها على نفسه رُسخت في باله
وستبقى كندبة لا يمكن تجاوز بشاعتها أو الشفاء منها
لحظة رأى فيها أخته تخرج بإرادتها من بيت أبيها
مُعززة ، مدللة ، ومُكرمة
يدًا بيد الوحش الذي تسبب في حُزن عائلتها
وصله همس عبدالجميد المتألم :
معقولة مالنا ولو خاطر صغير عندك ؟
التفت له بقوة وهو يقترب منه حتى أوشك على الإلتصاق
أشرّ بسبابتها نحو أعلى صدره بصوت هامس محترق :
ما عاد لكم خاطر ، إذا ما خذيت حق ولد أخوي
من ولد أخوك
تجرع ريقه وهو يتراجع للخلف ، مُندهش من عدم تناسيه
للحادثة التي زعزعت أمان العائلتين ، للحادثة التي هدمت حُبًا
بالكاد انبنى وارتوى من عبق الإرتباط والحلال :
اللي صار مكتوب ومقدر يا حاتم وش ذا الحقد اللي بقلبك ؟
مكتوب ولد أخوك يموت على يد ولد أخوي
مكتوب له يخرج ويطلع من بيتكم ويصدمه
أنتو بنفسكم تنازلتوا عنه ..
أي حق تتكلم عنه بعد هالسنين ؟
مسكَه من ياقة ثوبه البنّي ، قرّبه منه
همس بصوت مبحوحٍ من ألمه :
تنازلنا لخاطر شيبة أخوك ، تنازلنا لخاطر الشيخ والوالي
اللي دخلتوهم في السالفة وتوّسطوا لكم
تعرف يا عبدالمجيد ..
-شدّ بقبضته كأنه يعصر قلب عبدالمجيد بيديه -
اللي واجعنّي ما موت ولد أخوي
طير من طيور الجنة بإذن الله
اللي واجعنّي أختي .. اللي بدّتك علي وعلى أهلها !
أختي وتؤام حامد ونظر عينه اللي وجايعه منها جاته وذبحته
لا تحاول تنقذ شعور ، ولا تحاول تلمّ شمل
لكن تعلّم كيف تقفي بظهرك .. كيف تاكل ثمرة قراراتك
كيف تسكّر الباب .. وكيف تقول لا
حاتم بنظركم مات ، وحامد ما يقوى يواجهه حنان
لذلك اعتبروه بعد مات .. وتوكلّوا
أخذ حاتم نفسًا بعد هذه المُعاتبة التي لمّ يكن يودّ خوضها
يرى بوضوح الألم البادي على عين عبدالمجيد
يستحقه ، يستحق الألم والحُزن والحسرة
فليعش ما جعلهم يعيشوه حين أخذ بيد أخته وارتحل
تراجع وهو يسمع رنين هاتفه للمرة الثانية
أخرجه من جيبه ، ونظراته ما زالت تتجّه نحو عينا عبدالمجيد :
هلا عمّي
جاءه صوت عمّه سعيد مملوء بالقلق :
حاتم ياعمي ، لحّق على قايد
متصلين فيني يقولوا الشرطة خذته !
ماعرف وش مسوي ذي المرة هالرجال ماعرف
لحقني .. يبغالي ساعة لين أوصل مسقط ..
أردف بصوت مُتمالك بعد المواجهة ، كأن قايد ما كان ينقصه :
إن شاء الله عمي ولا يهمك
سوق على مهلك ولا تسرع أنا تو طالع من دوامي وبسير سيده عنده
أغلق منه وهو يأشر بسبابته نحو عبدالمجيد
بتهديد صريح :
المرة الجاية لو لمحت زولك ، ياويلك مني
ولّاه ظهره عائدًا إلى سيارته المركونة وسط صمت عبدالمجيد
الذي رُغم محاولته اليتيمة اليائسة عزم العودة مجددًا
دون الإكتراث لتهديده ، فلأجل عين حنان ( تكرم ) المدينة القاتمة
توقف فجأة ، التفت له بسخرية :
دور لك تاكسي ترجع معاه ، سيارتي واجده عليك تشلّ أمثالك
عضّ عبدالمجيد لسانه من سُخريته المُوجعة
تغيّر حاتم كثيرًا ، ليس روحه فقط
فقد لاحظ تمامًا تغيّر ملامح وجهه .. بعد أن كان بشوش الملمح
أصبح بوؤس ويأوس وقنوط ، أفزعه التغيّر الحاصل
الذي شهده أمامه قبل قليل .. وإن كان حاتم هكذا وهو وجعه أهون !
فكيف ستكون ملامح حامد .. المُرتبط روحيًا وجسديًا بأخته حنان





انتــهى .. إن شاء الله بكرة بيكون في بارت هدية " إعتذارًا عن تأخري " ❤


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-21, 10:58 PM   #19

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي




السلام عليكم ومساء الخير يا حبايب .. هذا البارت كعربون إعتذار ❤




لا تلهيكم الرواية عن الصلاة




الفصـــل الرابـــــع







نزلت عليا من الأعلى ، بيدها حقيبة متوسطة الحجم
وحقيبة يدها السوداء الصغيرة
تُغلق أزرار عباءتها ، تُعدل حاجبها وتُدخل خصلات شعرها
استقرّت في الطابق الأول
تُنقل نظراتها لعلّها تلمح عمتّها ، أم زوجها المبجل
تفاجأت بها تخرج من الممر المؤدي للمطبخ !
تسمح عن يديها ووجهها الماء بعد أن كانت تُشرف على الغداء
اقتربت منها وهي تنحني ، تقبّل رأسها بهدوء
حين أردفت أم حاتم بإستغراب :
على وين بنتي ؟
اغتصبت عليا تلك الإبتسامة الصغيرة المُجاهدة
تُشتم حامد بداخلها مراتٍ عدة للوضع الذي وضعها فيه
وبذات الوقت تبتسم بخبث ومُكر على الوضع التي ستضعه به:
رايحة عند أهلي كذا يوم عمتي
أخوي جايني .. وينتظرني برا
رفعت حاجبيها بدهشة :
خليتي أخوش يجي من بيتكم لهنا .. وبترجعيه مرة
حرام عليش يابنتي تعبتيه كان انتظرتي حامد
عضّت على لسانها بحمق ، أين حامد منّي ؟:
أخوي كان عنده شغل قريب منا فقلت له يمرّ علي
مافيها تعب عمتي ! وإذا ما تعب أخوي عشاني من بيتعب
لم تُعجبها أم حاتم نبرة صوتها ، وكلامها المُبطن
الذي شعرت أنها توجه رسالة لابنها بحقّ تقصيره التي لا تراه
لذلك أردف بنفس نبرتها :
كل واحد معه عذره ، سلّمي على أمش وخواتش كثير السلام
ولا تطوّلي هناك واجد - بابتسامة صغيرة - حامد بيفقدش
ابتسم بخفوت ، ابتسامة محمولة بالسُخرية والسخط
اكتفت من وعوده المخلفة
اكتفت من كلامه المغلّف بالطمأنينة
وعدها أن يقف بجانبها .. أن يشدّ مصباح الضوء في ظلامها
أن لن يُفلت يدها أبدًا
ومُنذ وفاة ابنهم ، وهو يُعاقب نفسه بالإنخراط في العمل
يقبل كل الدورات ، يُبادل زملاءه في تبديلاتهم
يسترق الوقت المخصص لها كي يبتعد ! يبتعد جدًا
خرجت بعد أن ودّعت عمتها ويؤسفها أنها لم ترى أُميم وضحى
فلا تعلم متى ستعود
ركبت سيّارة أخيها التي كانت بإنتظارها ، سلّمت عليه سلامًا حميميًا مملؤًا بالودّ والإشتياق
التفت لها وهو يتحرّك من مكانه :
كيف حالش ؟
استرخت على الكُرسي ، وذات الابتسامة التي خرجت بها من المنزل ما زالت مُرتسمة على فاهها
كيف حالها .. من يُعنى بحالها ؟
فلنفترض أنها ليست بخير ، من ذا الذي يواسيها
ماذا لو أخبرت أخيها أنها تشعر بالوحدة ..
هل يا تُرى سيقتطع وريدًا من قلبه ويُعطيها إياه
ليضخّ الدماء السعيدة نحو قلبها ؟
تنّهدت بوجع خفي :
أحوالي كلها مشتاقة لكم
وديني بسرعة عند أمي وخواتي فيصل
واجد مشتاقتلهم
ابتسم فيصل بإتسّاع :
حاضرييين ، بس ترا ورانا ساعتين وشوي
تبغينا نوقف في مكان ولا نتّوكل ؟
أردفت بلهفة اللقاء المتأصلة في روحها :
لا أرجوك لا توقف في مكان ، وصلّني بالسلامة لبيتنا بس
هزّ رأسه بإيجاب في اللحظة ذاتها التي مرّت بجانبه
سيّارة حامد ، الذي رفع يده مُلوحًا بشكل مُستغرب
من وجود فيصل في منطقتهم
التفت فيصل نحو المرآة الجانبية وهو ينظر إلى سيارته المقفية :
هذا حامد ، شكل تو راجع من الدوام
ما وقّفت له
التفت له عليا بسرعة وهي تقول بإستعجال :
فييييصل يالله حرّك وش هالسرعة البطيئة ؟
ابتسم فيصل وهو ينظر إليها بهدوء :
زين يا أمي زين ، تراني في قرية لازم أمشي شوية
عن حد يطّش قدامي لا سمح الله
-
بالجانب الآخر ، توقفت سيّارة حامد أمام المنزل
خرج منها وهو ينزع نظارته الشمسّية
ينظر بإستغراب نحو سيّارة فيصل التي اختفت عن أنظاره بعد دقائق
دخل الى المنزل وهو يهمس لنفسه :
هذيك عليا ولا يتهيّا لي ؟
-اتسّعت ابتسامته حين رأى جلوس والدته ليقترب وينحني -
هلا والله بالشيخة ، مالش جالسة وحدش؟
البنات وينهم عنش ؟
ابتسمت أم حاتم ، وهي التي كُلما رأت ابنها مُبتسم أشرقت دُنياها :
أميم بمجلس النساء صديقتها عندها
ضحى فوق عندها بنات عمّها جايين لها ، وعليا تو طلعت مع أخوها
اعتدلت في وقفته بشكل جاد ، إذن كانت عيناه صادقة قبل قليل
أردف بحدة حُشرجت بها حلقه :
راحت مع أخوها ؟
رفعت أم حاتم حاجبها ، تستشف من نبرة ابنها أمرٌ مخفي
أكملت بنبرة حذرة :
تقول أخوها كان عنده شغل قريب من هنا
وقالت له يمر عليها .. عاد أنت روح لها
زفرّ حامد بشكل أثار شكوك أم حاتم ، تراجع خطوة ليُهمس :
ببدل ملابسي وأنزل أتغدى ، ميّت جوع
صعد إلى الأعلى ، وخلال صُعوده كان يتصلّ بعليا
التي تُقابل اتصالات بالتجاهل ! أعاد الإتصال بها عشرًا
حين رمى فجأة هاتفه على السرير والغضب يخرج من عينيه
زمجر بغضب هامس :
زين يا عليا زين ، خبزٍ خبزتيه يالرفلا اكليّه
خلّي عنادش وتمشيّة شورش علي تنفعش !
نزل حذاءه العسكري بذات الغضب ، فتح أزرار قميصه وبنطاله
وهو يتجّه نحو دورة المياة ليأخذ حمامًا دافئًا يُريح به أعصابه
حتى لا يُحطم الغُرفة بما فيها
مؤسفٌ حقًا أن يحدث بينه وبين عليا فجوة كبيرة .
تُقابله به بالصمت ، ويُقابلها هو بها كذلك !
فإن صمتوا ، صمتت أعذارهم
حتى أنتهي الأمر بينهم بشكل بائس وحزين
وما كان من تلك الفجوة إلا أن تأخذ بالإتساع شيئًا فشيئا




.
.



بعد ساعات مطولة هُلك بها حاتم وعمّه سعيد
خرج المحامي المعنيّ بعائلتهم من غُرفة التحقيق
وقف أمامه ، ليقف حاتم بفرج مُسائل
التفت المحامي يمنةً ويُسرة ، كأنه يتأكد من أمرٍ ما
ليهتف بخفوت :
وين العم سعيد ؟
اقترب منه حاتم بلهفة ، وإستفسار :
راح يصلّي المُغرب .. خبرني وش صار ؟
أو بالأصح فهمنّي وش صاير ؟
صارلنا ٤ ساعات هنا ولا عرفنا سبب وجود قايد
اقترب منه المحامي
وضع يده على كتف حاتم ليشدّ من أزره
همس بصوتٍ مُزفر :
الموضوع كبير واجد ، قايد واحد من ١٧ شخص مُشتبه فيهم
متورطين في قضية إختلاسات
-أكمل بسرعة حين رأى صدمة حاتم اللامُتناهية -
للآن ما في شيء واضح ، والمُحققين ما زالوا في طور التحقيق
وإن ثبتت التهمة ، فالتُهمة كبيرة واجد
اجترع حاتم ريقه ، همس بصوتٍ خافت :
كبيرة كيف ؟
جلس المُحامي على الكُرسي وهو يفتح زرّ ثوبه
ليجلس بجانبه حاتم باحثًا عن جواب بين شفاهه :
رؤساء ، مدراء عموم وموظفين عاديين ..
مقبوض عليهم تحت جناية الإشتراك في الاختلاس بالتزوير ، هذا واحد
اثنين .. تزوير المحررات الرسمية واستعمالها
والتزوير المعلوماتي ، بالإضافة إلى غسيل أموال
كل هذا وقايد ما رضى يتكلّم معي ولا مع المحققين بحرف
والمُشكلة إنه في وزارة حسّاسة
الوزارة المالية يا حاتم ، الوزارة اللي تدخل وتطلع منها أموال الدولة
مسح حاتم على جبينه بطرفي أصابعه
وهذه الصدمة كبيرة وقوية وعصيّة عن التصديق
لا يُصدق أن قايدًا قد يكون متورط ضمن سلسلة الإختلاسات اللاخلاقية هذه
على رُغم مساوئه ، ورغم عيوبه
إلا أنه متأكدٌ تمامًا أن قايد لا يُلطخ يديه بمال الحرام
زفرّ بضيق واضح :
وش الحل ؟
التفت له المحامي بجدية تامّة :
مهمتي أثبت براءة موكلي من التهم الموجهة له قبل لا يصعد الأمر نحو الإدعاء العام ثم المحكمة العُليا
الشرطة وجهاز الرقابة ما ألقى القبض عليهم
إلا وعندهم دلائل مُدمغة
فالحل الوحيد أدوّر وراء ممتلكات قايد
من أجهزته الإلكترونية إلى حساباته البنكية
مرورًا بتحويلاته الخارجية
رفع حاتم حاجبه بدهشة :
أنت تتكلم عن قايد ؟ أي مُمتلكات هذه اللي يمتلّكها
إذا سيّارته المستعملة اشتراها بطلعة الروح
أردف المحامي بجدية :
على الرغم من ذلك لازم أبحث حتى أجيب دليل حسّي ملموس
يبرّي قايد من هذه التُهمة
المشكلة إنه ساكت ، من أول ما مسكته الشرطة وهو ساكت
تصاعد الغضب بحاتم من لا مُبالاة قايد المجنون :
بيتكلم غصب عن وجهه
لا يظن توكيلك له عشان سواد عيونه .. لا
عشان نطلّع سمعته اللي هي سمعتنا من القاع
وقف المُحامي حاملًا حقيبته بعجلة :
تأكد إني بسوي كل اللي أقدر عليه عشان أطلعه قبل المُحاكمة
عن أذنك أخوي حاتم ، وياريت تبلّغ العم سعيد بطريقتك
أوقفه حاتم وهو يقول بقلق تسربل من صوته :
حميد لحظة ..
-سكت قليلًا ليُكمل -
لو ، لو مثلًا ثُبتت التُهمة ! كم سنة راح تكون عليه ؟
اعتدل حميد المحامي بوقفته ، أردف بجدية :
لا قدر الله أخوي حاتم .. لكن لو جينا على تساؤلك
فالموضوع بيد المحكمة العُليا
إلا أنه ما راح يكون أقل من ثلاثين سنة !
-ربتّ على كتفه بمؤازرة -
تفائل خير ، وربّك كريم !
إن شاء الله كل اللي يحصل سوء فهم لا غير
رفع عيناه له ، بذات التساؤل :
خليني أساعدك وأبحث معاك ووراك
أنت تقول في مُمتلكات ! انزين مُمتلكات أمثال ايش ؟
تنّهد حميد لثواني معدودة ، صدّ بوجهه عن وجه حاتم المُنتظر
بالطبع لن يجعله يبحث معه ، لكن سيُجاوب عن سؤاله
حتى يُساعده بديهيًا إن كان لقايد ممتلكات معروفة :
xxxxات إستثمارية ، سيّارات ، بنايات تجارية
استراحات ، شقق ومجمعات سكنية ، أراضي وسيّارات
وممكن يكون إستثمارات خارجية في دول صديقة
هزّ حاتم رأسه بإيجاب وهو ينظر إلى رحيل المُحامي من أمامه
كل ما قاله ، لا يملكه قايد
بالكاد يكفيه راتبه لنهاية الشهر ويسدّ به حاجياته
ويأمل أن لا يكون قد خيّب ظنه هذه المرة
جلس على الكُرسي وهو يُهمس بضيق :
إن شاء الله ما تكون ذي المرة متورط بالصح قويّد
انقذتك المرة الأولى وطاحت التُهمة في مُعتصم
وأخاف ما أقدر أنقذك المرة الثانية
شعر بوقوف عمّه بجانبه ، رفع رأسه وهو يرى التساؤلات في عينه
عينه التي تحمل ماءها المُنساب بسبب وجعه ، أيجعلها تنساب مرةً آخرى على ابنه
يسأل بنظراته أين ابني وأول أفراحي بالدُنيا ؟
أين قائدي ومُقتادي ؟
أياترى خطّت قدماه نحو وادي غير ذي زرعٍ
أم يكون حُشر ضمن نار الدنُيا وجحيمها ؟
أخبرني ما هو فاعلٍ بنفسه ، ماذا جنت عليه يداه اليوم ؟
راوغني بالحديث ، اخدعني بالتمنّي وقلّ لي
أن قائدي مثلما تربّت عليه يدا هاجر وسعيد !
أعلمني إن كان الخبر يسرّني أو يُميتني
دعني ألقى الأمل في رحابة وجهك
وقف حاتم بتنهيدة ، مسك كتف عمّه بهدوء وتروي :
إن شاء الله قضيته محلولة عمي
حميد بيأدي شغله وبيثبت براءته ! ما تحاتي
زاغت عيناه من الخوف :
ولد عمك وين يا حاتم ؟ ليش ما شفناه لتو ؟
خالتك تنتظر إتصال مني ، تنتظر تسمع صوت ولدها
شدّ على كتفه بذات الهدوء :
ما نقدر نشوفه عمي
اليوم وبكرة بيكون تحت التحقيق !
فتح زرّ ثوبه الأبيض الذي يرتديه ، جلس على الكُرسي
وهو يلتقط نفسه بصعوبة
شفتاه تزرّق ، عيناه تزيغ ، وألمٍ قلبه يثور
كل الدلائل تُشير إلى إغماءة قادمة
لولا تدارك حاتم لحالته قبل الوقوع فيها




.
.



أبعدت زينة الدلو الملئ بالماء الدافي والملح البحري
من أمام أقدام جدتها المُجهدة
أخذت تُدلكهن بزيت دافئ حتى تنعم بنومٍ هادي
ابتسمت بعُمق على دعوات جدتها
التي ما تنكفئ عن التوقف مُنذ أن بدأت عملها هذا
ربتت على شعرها الأسود القاتم
هامسة بصوتٍ حنون :
بس يا أمي بس
روحي هاتيلي المشط من فوق المندوس
اللي لونه أصفر !
وقفت زينة دون أن تُجادلها ، ملبيّة طلبها فورًا
دون أن تسائل أو تُرادد
كالحِمل الوديع ، في حضرة جدتها التي تُعاملها برقة وحنو
أحضرت ( المشط الأصفر ) مثلما طلبت
مدّته لها بهدوء
إلا أن عزيزة أشرّت لها بالجُلوس أمامها !
شابه زينة الاستغراب ، لكن ما لبث فاهها على الابتسام
حين علمت مقصدها
ضحكت بخفة :
بيتعبش ترا ! بتكرهي حياتش
أشرت لها بنظراتها الصارمة ، لتجلس زينة فورًا
ولّتها ظهرها ، أصبحت مُلتصقة بقدميها كونها تجلس على كُرسي خشبي
بينما احتضنت قدماها لصدرها ، ولّفت يداها حولها
ابتسمت حين تراءى لها كلام جدتها الحامق :
كم مرة أقولش حطيّله من ذاك الحناء الغاوي ، ما تسمعي كلامي
ولا هوء هوء ، أتشوفيه تو كما الحرير
أغمضت زينة عيناها على ذات الابتسامة
حين بدأت جدتها بتفكيك شعرها الأجعد بإنسيابية
وتمشيطه بخفّة يد وخفّة شعور :
عاد وش نسوي حبّوه ( جدوة ) الجينات تلعب دور
أردفت الجدة عزيزة بذات النبرة :
هيه وش يسوابش ، ما طلعتي على حبّوتش
سرتي سيده صوب خوالش !
عبست زينة فورًا ، لم تترك عبوسها يطول حتى لا تزرع الشك
في نفس خولة الجالسة أمامها تُشاهد التلفاز
تنّهدت دون رد ، ردودها أصبحت تؤلمها في هذا الموضوع
سئمت من نثر مُناخها السيء ، ورماديّتها الواضحة
من طقسها المُزعج ورعودها المُخيفة
ما آن أوانها أن تتغيّر أحوالها نحو الصحو والإشراق
ما آن لها أن تتقدم خُطوة واحدة بغيّة النسيان
في حين أن الأمر فاق قُدرة التحمّل لديها
غارقة في الماضي ، في آساه ، في رثاء مُرشد منذ مغادرته
مُنغمسة في جمع الذكريات معه في إيطار واحد
حتى لا يأتي طقسها يومًا محمّلًا بالعواصف
التي قد تذري ذكرياتها جميعًا في مهبّ الريح
انتبهت على صوت خولة الساخر وهي تقول :
الله يعينش أماه كيف قدرتي تسُّفي الشمس الشموسة اللي في رأسها ؟
ركزّت على أن جدتها انتهت من تصفيف شعرها
لتجعله على هيئة ظفيرة طويلة
نظرت لها زينة بذات السُخرية :
غيرانة يا خوخو صح ؟ عارفة شعري شعر الموضة
وياكثرهن اللي يتمنن شعر كيرلي اليوم
عبست في وجهها وهي تمد يدها كـ ( كش ) :
الله والكيرلي عاد ! شمس مُشرقة تصبّح وتمسّي علينا كل يوم
نقرت الجدة عزيزة على كتف زينة التي أمامها
أشرت بيدها أن تبتعد من طريقها ، فإذا انفتحت الحرب الكلامية
بين زينة وخولة ، لن تتوقف ما دامتا حيتّان :
خوزي خوزي من قدامي خلّيني أروح أرقد قبل لا يأذن الفجر
يالله لا تواخذنا سمرنا وغفلنا عن ذكرك
التفت خولة لوالدتها من بداية الصالة الطويلة والضيقّة في آنٍ واحد :
الله يهديش يا أمي أي سمرة ؟ تو الساعة ما جات تسعة
نظرت لها زينة وهي مازالت تجلس على الأرض :
حبّوه وين تلفونش ؟
عقدت الجدة عزيزة حاجبيها باستغراب :
شو تبيله ؟ خليه ينهضني حال صلاة الليل
قفزت زينة من مكانها ، اتجهّت نحو الغُرفة التي تنام بها جدتها
بعيدًا عن جدها الذي ينام في المجلس
عادت بعد ثواني وهي تُمسك به لتقول بتبرير :
أبغى استخدمه شوي تلفوني أنا مبنّد مافيه تشارش
وصلاة الليل أنا أنهضش حالها
أعطتها ظهرها وهي تقول بصرامة :
ما أتواثق فيش ، ترقدي وتنسيني
بس تخلصي منه رجعيه فوق رأسي يا ويلش إذا نسيتي
ابتسمت زينة ، توزع نظراتها بين خولة وظهر جدتها :
إن شاء الله إن شاء الله ما يهمّش
أغلقت الباب خلفها ، في حين شعرت زينة بخولة تسحبها من جلابيّة نومها المنقّشة
شهقت فجأة ، سقطت على الأرض لتتلقاها الوسادة من حُسن حظها
صرخت بوجع وخوف :
الله يصرفش صرفة يا غبية ، باغية تكسّريني وييش؟
اقتربت منها خولة ، انحنت نحو أذنها ، تُهمس لها ونصف الأكل الذي بداخل فمها أوشك على الدخول في أذن زينة
بشكل مُتعمد وقاصد :
ياحيوانة وش وراش ؟ ليش شليتي تلفون أمي ؟
أبعدتها بيدها بقوة ، بشكل مُتقرف من حركتها المُتعمدة :
الله يلوع عليش ، نص تفّالش في أذني
ليش بعد ؟ ما أبغاها تسمع خبر عن قايد ويصيرلها شيء لا سمح الله
تراجعت خولة وهي تعتدل في جلستها :
أوه شت ! شفتِ وش صار ؟
تخيلي إني من كم يوم اقرأ في تويتر عن قضية إختلاس في إحدى الوزارات
لكنّ كل اللي يغرد ما كان عارف أي وزارة
يقولوا جهاز الرقابة متعاون مع الشرطة وهكّروا أجهزة الوزارة
حتى يوصلوا للدلائل !
الله أكبر عليهم الأنذال . الله أكبر على اللي ماكلين البلاد أكل
تنّهدت زينة بضيق ، لتتراجع هي الآخرى :
غامنّي قايد ، واجد غامنّي !
نظرت لها خولة بحدة ، أبت أن تبقى حبيسة صدرها :
قايد ما طايح من عينش عشان تشكّي فيه
كلنا نعرف إنه مجنون ، لكن عُمرها إيده ما أنمدّت على الحرام
ابتسمت زينة بسخرية
صدّت بوجهها بعيدًا عن مرأى خولة المُستاءة
تعلم في قرارة نفسها أن قايد قد يُخطئ
فمن استحلّ الحرام مرة قد يستحّله عشرات المرّات
ربما سوّلت له نفسه هذه المرة أن يمدّ يديه بغير وجه حق
نحو مال الدولة ، ومال مواطنيها !
لا تعلم ، غائمٌ تفكيرها ، ومشُوشة . تودّ أن تصدّق عقلها
وأن تُكفر إحساس قلبها الذي يُدين قايد من تُهمته
أكملت خولة بذات النبرة :
بيطلع برئ وأنا واثقة ، ولو سمحتي المرة الثانية
لا تحسّي ولا تقولي رأيش ! سدّي فمش وقفلّي عليه
تأففت زينة وهي تنظر إليها بإمتعاض :
تراش أوفر مكبرة الموضوع خولوه ! خليني فحالي
رمتها بإحدى الوسائد الطويلة :
عمتش خولة يا بنت ، عمتش عمت عين العدو والكافر
أمالت نفسها حتى لا تُصيبها الوسادة ، بسخرية لادغة :
لعلمش ، تراني أكبر منش بسنة كاملة
الله يخلّف على عقلش بس
عبدالرحمن وين راح ؟
أراحت رأسها على الوسادة ، تنظر لشاشة التلفاز
مُلتحفة بشرشف مخملي ثقيل يُدفيها من سطوة البرد :
بينام في السطح .
-
-
اجتّر كُرسي خشبي مُتهالك كان يجلس عليه
طوال سنواته الدراسيّة في الثانوية
حين كان يُذاكر دروسه في سطح المنزل
مُنعمًا بالهدوء ، والجو الهادي ! وضربة الشمس أحيانًا
ينظر إلى الأفق
يستطيع تبيان الإنارات المُنتشرة في القرية
تحوم حولها الفراشات والحشرات
الظلام قاتم في سطح ( بيت الجبل ) ولأنه اعتاد على الظلام
اصبح الضوء يُعمي عينيه !
نظر إلى القمر ، ساطع ومُنير في الـ١٥ من الشهر
هذا القمر ، يودّ إنتزاعه من السماء وزرعه في قلبه
حتى يُنير عليه ليل صدره المعتم
شعر بحركة طفيفة ، كحفيف الشجر ولا شجر هُناك خلفه
سواء ( سُمرة ) جافة وقاسية بلا أوراق
التفت بسرعة ، وقف من كُرسيه بإستعجال
يلمح ظلٌ يسير فوق جدار الباب العُلوي للمنزل
حتى وقف واستقّر على أرض السطح
بلع ريقه وهمس بصوت شبة عال :
بسم الله الرحمن الرحيم
انقشعت غمامة الظلماء عن عينه حين ظهر سامر
بضحكته الزاهيّة :
أنت كل ما شفتني تسمّي بالله
لا يكون تحسبّني جني ولا شيء ؟
رفع عبدالرحمن حاجبيه ، استاء من الطريقة التى رأه فيها
يتسلل من جدار منزلهم حتى يصل إليه
وهو لا يعلم أن في المنزل هُناك فتيات ، ويعني زينة
ابنة أخيه مُرشد .. التي تنام في غُرفة مُنفصلة عن غُرف المنزل
اقترب منه ، والغضب أخذ منه مأخذ :
من سمح لك تتسلل للبيت وكأنك من أصحابه ؟
ما سمعت بحُرمة البيوت ؟
تراجع سامر بُهدوء :
ما نيتي أتسلل ، شفتك جالس في السطح مسرّح
وقلت أجي أسلم عليك ، جدار بيتكم قصير واجد
عقد حاجبيه بذات النبرة :
كيف شفتني وسط الظلام ؟
رفع سامر عيناه نحو السماء ، ابتسم :
الليلة قمراء !
-أنزل نظراته نحو عبدالرحمن
الذي ما زال غاضبًا وحامقًا -
انزين خلاص مع السلامة ، وآسف على التطّفل
ولّاه ظهره عازمًا على النزول ، وأخذ خطواته نحو منزله
لكنّ أوقفته نبرة عبدالرحمن حين قال :
تعال
-التفت له ، ليُكمل عبدالرحمن بإصرار -
تعال أقولك
وضع كُرسي بلاستيكي صغير بجانب كُرسيه
أشرّ له برأسه أن يجلس بجانبه ، ليتقدم سامر بابتسامته الخافتة
أمال برأسه وهو ينظر له :
كيف حالك ؟
تكتّف عبدالرحمن دون أن ينظر إليه وهو يتنّهد بعُمق :
بخير ، إن شاء الله إني بخير
وذكرني آخذ رقمك لأني كل ما بغيتك ما لقيتك
مدّ سامر قدميه أمامه ، اتضّح بها طوله ، ابتسم :
كل ما بغيتني لقيتني قدامك
بس صفّر ثلاث مرات ، وأشرّ للسماء وبجيك
ضحك عبدالرحمن بإستهزاء ، ياه كيف يستطيع هذا الإنسان الغريب أن يُضحكه :
لا تشوف نفسك ، أنا بس كنت محتاج أتكلم مع أي شخص
-التفت له بإهتمام -
تعرف
قبل ذيك اليوم ، أقصد اليوم اللي شفتك فيها
ما مرّ عليه اسبوع الموقف صحيح
لكنّ كل ما شفتك حسيّت إن بيننا شيء مُتشابه
نظر له سامر بهدوء ، يرمقه بنظرات مُستكنّة تمامًا
يعرف نوعية عبدالرحمن
تلك التي لا تستطيع الشكاية ، ولا التحدث
مما يُسفر عنه إنفجار وإنهيار للمشاعر دون أن تتضح للخارج
يبدو أن عبدالرحمن واجه جُوع في الكلام
وأصبح اليوم عطِشًا للتحدّث لساعات طويلة دون توقف
أكمل عبدالرحمن بهدوء :
كانت تأرقني فكرة إن محد يسمع لي ، محد يهتم لي
إنسان كبير وواعي تخيّل إنه يحتاج حد يسمع له
واجد تمنيّت إن ربي يترك قدامي شخص أقدر أتكلم معه
بدون خوف وبدون إرتباك وبدون ترتيب
أتكلم معه ببساطة ، بخفّة ، بإرتياح
بدون ما يلومني ، بدون ما يقاطعني
بدون ما يطلع عليّ الأحكام والسخافات والألقاب الدنيئة
ابتسم سامر بمؤازرة :
فعلًا ، أنا معك
الإنسان يحتاج آدمي كان أو جماد حتى يسمعه
يحتاج يسمع له ويرمي همومه وبعدها يُمضي وكأنه ما سمع شيء
وتراني موجود ياعبدالرحمن .. اعتبرني أخوك
هزّ رأسه بالنفي ، عاقدًا حاجبيه دون أن ينظر إليه :
ما أبغى اعتبر أخوي .. عندي ٣ ولا واحد منهم نفعوني
خليني اعتبرك عابر سبيل
عابر بيشلّ حمولتي عليه ويرحل !
-التفت له بابتسامة صغيرة -
قدّمت اليوم على الوظيفة اللي قلت لي عنّها
ماعرف كيف تجرأت .. أنا اللي كنت استنقصت أي حد
يشتغل في شغلة ما تناسب مؤهلاته
شلّتني رجولي .. كأنها كانت تسحبني بدون ما أحس
قلت جرّب ياعبدالرحمن
يُمكن هذه الفرصة تفتح لك فُرص كثيرة !
أتعب وأشتغل ، بالحلال
لا تُروح شمالك ويمينك للحرام ! وتكسب ذنب
تنّهد سامر بهدوء ، مشجعًّا إياه على كلامه :
خطوتك سليمة ، لا تندم عليها
ياعبدالرحمن الرسول صلّ الله عليه وسلم قال :
( نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس : الصحة والفراغ )
اشتغل بأي شغلة كانت ، بعيدة عن تخصصك
عشان صحة جسدك وعقلك .. الفراغ يقتل يذبح
نظر له عبدالرحمن بإهتمام بالغ
بعض كلامه يمرّ على عقله ويُخدّره
يجعله يُصدق ويؤمن أن ما يقوله صحيحٌ تمامًا !
تذكرّ نصًا كان قد قرأه ذات مرة كُتب فيه
( إذا استطعت أن تُحسن حياة إنسان واحد ، أو تخفف ألمًا واحدًا أو تُرشد طائرًا إلى عشه ، ما ذهب عُمرك سدى )
لا يدري لما راوده شعور أن سامر شخصٌ له صولات وجولات
في إماطة الأذى عن طُرق المُتعثرين في أرصفة الحياة
الذين أوشكوا على الوصول لحافة الجُنون والتردّي !
لربما كان سيكون واحدًا منهم ، لولا رائحة النار التي جلبته إليه
شعر بوقوف سامر بجانبه
تقّدم نحو سياج الجدار الاسمنتي شبه المُتهالك
اتكأ بظهره عليه وهو ينظر إلى بابتسامة :
تحسبّ إنك بلا ظل ، بلا نور وسراج
بينما لو ركزّت على خطواتك ، وتابعت خلف روحك
بتلّقى إنك إنسان فيه الخير ياعبدالرحمن
-وقف على الجدار ، نظر له بابتسامة مُتحدية -
شوفني قدامك ، ما تعرفني إلا من كم يوم
لكن لو طيّحت نفسي من هالجدار أنا أعرف إنك بتنقذني
وقف عبدالرحمن بقلق لدى رؤيته للجنون الذي يقوم به
اقترب منه بخفة ، حين أكمل سامر :
صدقني أنت ما محتاج حد يسمعك
محتاج تلقى نفسك في الخير عشان تنتشلها من اللي هي فيه
جرّب يا عبدالرحمن ، جرب تنقذني من السقوط
اجترع ريقه بخوف من جنونه :
سامر يا رجال وش تسوي ؟ نزل نزل خلّي عنك الجنون
خلاص فهمت وش باغي تقول وصلتني فكرتك
رفع يديه بمستوى كتفيه ، كأنه على وشك الطيّران
وعبدالرحمن يقترب حتى وقف أمامه مُباشرة :
جرب مرة وحدة تطلع من منطقة الراحة اللي حاوطت نفسك فيها
جرب شيء جديد ، مُغامرة جديدة ، تحدي جديد
جرب عبّر عن عضبك ، حُزنك وكتمانك لمشاعرك
-نظر له بذات التحدي -
جرب تنقذني وتحميني من الموت
برمشة عين رمى سامر نفسه من الأعلى غير مُبالي بروحه التي قد ترتحل
وفي لحظة واحدة مجنونة ، صرخ عبدالرحمن بصدمة
حين ركض مادًّا يديه لإنقاذ سامر من موتٍ مُحقق
لكنّه وبشكل مُرعب .. سقط خلفه هو الآخر من سطح المنزل


.
.


التفت زينة لخولة المُندمجة في المسلسل السوري الذي تتابعه
بلا دارية ما يجري حولها ، فحين تنغمس في المُشاهدة
تنقطع عن العالم أجمع
أردفت بإستغراب :
سمعتي الصوت ؟
التفتت لها خولة وعيناها ما زالت نحو التلفاز :
أي صوت ؟
عقدت حاجبيها :
كأنه شيء طاح ، قومي معي نشوف
تأففت خولة متجاهلةً إياها لتعود نحو مسلسلها المفضّل :
تلقييهن السنانير طيّحن الوعيان اللي جنب الحوض
قفزت زينة من مكانها ، اتجّهت نحو مكتبة التلفاز القديمة
مدّت يدها .. أخرجت ( السلاح ) من خلفها
الصوت أبعد ما يكون عن تساقط كومة من المعادن وتضاربها
في بعضها البعض مُحدثة صوت إرتطام :
الصوت ما صوت معدن طاح ، قومي
أخاف الحصينيات ( الثعالب ) طابّه علينا
وقفت خولة من خوفها حين تراءى لها السلاح الذي تحمله زينة .. يالجنونها ماذا ستفعل إن كانت الثعالب قد دخلت عليهم؟:
يا مجنونة وين رايحة وشاله سلاحش ؟
خليني أنهض أبوي .. لو حصينيات يعرف يطردهن بالمره ( على طول )
أخرستها بكلمة واحدة :
سكتي .
فتحت ستارة النافذة الوحيدة الموجودة في الصالة
مُتأملة أن تنظر من خلالها إن كان الصوت لثعلب ، أو قطة ، أو حتى لّص سوّلت له يديه أن يقتحم بيت الجبل .
سقط السلاح من يدها .. وهي تنظر للجسد المُسجى على الأرض
ابتعلت ريقها بصعوبة بالغة ، الظلام لم يجعلها تخمّن من يكون ذاك الساقط بشكل مُريب
ربما صوت خولة الفزع بجانبها أيقضها
وجعل الغشاة تبتعد عن عينها حين علمت أنه ليس سوى عبدالرحمن
تقدّمتها خولة بجزعها ، تفتح باب الصالة .. تأخذ الدرجات العشر نزولًا للأسفل
تلتها زينة المُندهشة .. من وجود عبدالرحمن بهذه الحالة
وهو الذي اتخذّ السطح ملجأً له
أغمضت عينيها بقوة ، من منظره مؤلم لأبعد حد
عظام يده المُخترقة من جلده الصلب ، جعل خولة تتراجع للخلف ودوار فتّاك زحف نحو رأسها
مسكت رأسها وهي تأنٌ بالبُكاء .. وغثيان فظيع احتّل مُنتصف حنجرتها
بكت بصوتها العالي ، خوفًا وقلقًا
الأمر الذي جعل زينة تتقدم نحوها وتُسكتها ، بجدية حادة
وسط حرارة الموقف :
خولة سكتي ، سكتي لا تصيحي
باب المجلس مفتوح وهناك جدي والحارث نايمين
أشرت بإصبعها المُرتجف بذات النبرة :
أخوي .. أخوي راح ياويلي عليه
شوفيه ما يتحرك .. شوفي الدم اللي يطلع من يده
وقفت زينة وهي تُجترع ريقها حتى تلتف نحوه
آمله أن لا يُِصيبها ما أصاب خولة .. فمنظره لم يكن مؤلمًا فقط
بل مُقرفًا ومقززًا . والدم والعِظام تنتشر حوله
انحنت على عبدالرحمن الساكن ، وضعت اصبعيها نحو عُنقه
مستشعرةً إن كان هُناك نبض
تنفسّت الصعداء .. ما زال حيًّا يُرزق
والمعضلة الآن هي ما العمل
التفتت نحو خولة بتجلّد :
بلبس عباتي وأجيب مفتاح سيارة جدي
شلّي عمرش ومسحي دموعش لا توتريني
مسحت دمعها المالح ، فلم تستطع الوقوف على قدميها
من شدة هول ما ترى:
وش بتسوي ؟
صدّت بظهرها ، أغمضت عيناها في مُحاولة منها للتصبّر :
بشّله المستشفى .. ساعديني نسحبه
مابغى جدي ينهض سامعتني ؟
أخذت خطواتها نحو غُرفتها ، ارتدت عباتها والبُكاء يدنو منها
للتو شعرت مدى أهمية وجود رجلٌ في منزلٍ ليس به سوى
فتاة وكبار سن
للتو استشعرت معنى الحاجة للإتكاء على ظهر متجلّد
ليس لها إلا هذا الحل ، أن تنزع ثياب الفتاة بأنوثتها
وأن ترتدي خشونة الرجل ولباسه الصلب
ولكنّ الشيء الوحيد الذي فهمته في هذه الحياة
مهما اختلفت الأمور .. عليها أن تُصبح أقوى من كلّ إختلاف
حملت مفتاح السيارة المعلّق على طرف بابها
خرجت وهي ترى خولة ما زالت في مكانها
أسرعت للخارج بخُطى سريعة .. فتحت الباب بخفّة سارق
لتتفاجأ بالذي يجلس على الدرج
-
-
-
زفرّ نَفَسه وهو يتدثّر بمعطفه .. البرد يزداد حدّة
ولكنَ كل تلك الأفكار التي تجول بباله ، كالجمرة على قلبه
تجعل جسده يشتعل حرارة .. طاردة كل البرد
رفع هاتفه .. رنّ لرقمٍ مُعين منتظرًا الرد عليه .
أعاد الإتصال مرة ومرتين حتى جاءت الثالثة لجوابه :
نعم زيد ؟
تنّهد بخفة :
وينك ؟ من ربع ساعة تقولي طالع بيت الجبل
ولين تو ما شفتك ولا جيت
رفع حاتم حاجبه بتعّجب :
وش تسوي بيت الجبل ؟
قابله بذات الاستغراب :
أنت قلت إنك هنا وأنا جيت تابعنّك
زفّر حاتم .. يُغلق باب سيارته بيد ويده الآخرى مشغولة بالهاتف :
تعال انزل انتظرك قدام بيتنا ، أنا يوم قلتلك إني هناك
كنت بس رايح أودي أغراض لجدي
تأفف وهو ينزع عصابة رأسه :
الله يهديك .. يالله نازل انتظرني لا تدخل
أغلق الهاتف ليضعه في جيبه .. أعاد ترتيب العصابة على رأسه
ثمّ لفّها نحو عُنقه وفمه ، يحميه من الصقيع الذي لا يرحم
لم يقف .. ظلّ جالسًا ينتظر للسماء
يحسب النجوم التي بها .. النجوم غير الواضحة
أو هذا ما يتراءى له ..
مسكينٌ هو .. مسكينٌ قلبه ، يبحث عن نور
يبحث عنه بالنجوم التي تفتقر هي ذاتها للنور
نورها المستمّد من أشعة الشمس .. تُرى
هل سيجد يومًا شمسًا تُعطيه بعضًا من نورها
أم سيظّل يرتجي عطف الفضاء وشفقتها عليه؟
تفاجأ بالباب خلفه يُفتح .. وقف بشكل مفاجئ
انتبه للظل الأسود المواري خلف الباب .. لكنّه ابتعد بسرعة
حين انتبه لقفايته وبُعده .
همست فجأة :
لحظة !
توقف هو ، بشكل مُستغرب .. لم يلتفت نحوها
أي زينة ، التي عرفها تمامًا من صوتها الغريب
وما الغريب إلا حشرجة البُكاء التي كانت عالقة في مُنتصفها
شتمتها مراتٍ عدة ، شتمت ضعفها
حين رأت زيدًا يجلس على عتبة باب منزلهم
كأن الله ساقه إليها اليوم حتى يُنقذ عبدالرحمن من براثن الموت
اجترعت ريقها ، وطال صمتها
الصمت الذي جبره على الالتفاف
أردفت بذات النبرة الهامسة ، بترّجي :
عبدالرحمن
سكتت ، السكوت الذي اصبحت تكرهه وبشدة
أكمل زيد عنها وهو يقترب خطوة واحدة :
بنت العم .. صاير شيء لا سمح الله ؟
فتحت الباب على مصراعيه ، بفردتيه الاثنتين !
ليس وقت الضعف والبُكاء يا زينة .. ليس وقتًا مناسبًا للإنهيار
هكذا كانت تواسي روحها .. تواسي نفسّها اللوامة
على الإصرار الذي أصرّته حتى تسكن هذا المنزل
مع جدها وجدتها وأخيها المُراهق
أعطته مجال وهي تُأشر بيدها ، بتجلّد :
عبدالرحمن طايح والدم يجري منه ..
ساعدني عشان انقله المستشفى
جدي نايم ومابغيت أنهضه
أنا بشغل السيّارة على بال ما تجيبه .. بس سوّي صوت لأن خولة جنبه
اقترب .. صعد السُلم بخطوة واحدة فقط
عندما اشتمّ جدية الوضع من صوتها الرنّان ..
رمى عليه مُفتاح سيارته .. يقول بجدية :
لا ، خلي السيارة
روحي سيارتي تلقييها عند بيت أبو سلوان
شغليها وطلّعيها هنا على بال ما أجيبه !
-التفت لها بعد أن كانت عيناه بعيدةً عنها -
إصابته ؟
نظرت لها بنظرات محشّوة بالقلق :
شكله طاح من السطح ، كيف ؟ لا تسألني
لكن عظم يده مخترق جلده !
وفي إصابة في رأسه .



.
.



اتكأ على طرف سيارته ، يحتضن نفسه أمام الخواء
ولا خواء أشدٌ قسوة من خِواء روحه .
فقُدانه لنفسه ، لحاتم القديم ، للذاكرة المعُطوبة
لأيام ظنّ أنها الأسعد والأنقى والأفضل .. فقدَ السبيل
وتخيّل حينما تفقدُ السبيل .. تضيع روحك بالتخبّط
هُناك وهُناك .. في صدر الصحراء دون ماءٍ
تنّهد ، لعلّ تنهيدته الليلة تُرجع بقايا أمله بذاكرته
لعلّها تنفض الأعشاش التي بنتها الطيور المُهاجرة رغم أنفه
بلا حيلة .. مُقيدًّ مكبّلٌ لا مفرّ من مجابهة النسِيان
رفع ساعة يده .. وعيناه على الطريق
تأخر زيد من النزول كثيرًا .. لا يستدعي النزول من الأعلى كلّ هذا الوقت
رفع هاتفًا عازمًا على الإتصال به ، لولا الصوت
الذي أوقفه مكانه وجعله يبحث بعينيه عن مصدره
تقدّم .. طرّف رأسه بجانب المنزل
تفاجأ برؤية حامد يجلس مُتكئًا على الجِدار في الأرض
وبيده تلك السيجارة اللعينة التي ينفث دخانها السقيم
مدّ يده ، نزعها من بين أصابعه بقسوة :
تدخن ومنْدّس ( متخبي ) في أنصاص الليالي؟
لو فيك خير دخنت داخل وقدام أبوي
عشان يعطيك كم كف يعلّمك معنى التدخين
زفّر حامد .. رفع عيناه المُحمّرة نحو حاتم الذي تفاجأ
ماهذا ؟ هل ذاك الإحمرار الزاحف لعينه بسبب الدموع
أم بسبب كتمة الدُخان ؟
أتنزع حامد السيجارة من يد حاتم ، حشرها في فمه
نفث دُخانه أمامه دون أن يعطيه إهتمام :
مالك دخل ياخي ، وش تبغى أنت ؟
اشمأز حاتم ، زمجر بغضب :
حامد !!!
ضحكة مُجلجلة خرجت منه .. جُنّ تمامًا ، لا شكّ أنه جُنّ
أمرٌ مخيف حقًا ، كيف تنكسر القُلوب دون صوت
كيف تصب الدموع صبيبًا دون نشيج
مُجحفٌ أن يكون لجميع الحوادث صوتٌ
فحوادث السيارة تنتهي بإرتطام مُرعب
السقوط من مكانٍ ما كذلك
حتى القلم حين ينكسر يُحدث صريرًا قاسيًا
إلا صوت القُلوب عندما تنشطر ، وهُناك لا أحد
( حتى القلب نفسه )
قادرٌ على أن يجعل لذاك الخراب المُحدث في يسار الصدّر
صوتًا فازعًا ، متألمًا صارخًا
نزل حاتم من أعلاه ، جالسًا أمامه على أطراف أصابعه
همس بقلة حيلته :
أخوي !
مسح على عينه بحدة غاضبة ، حين سمع هذا النداء اللطيف
لما كان عليه إذراف دموعه أمام أخيه
الذي لا يعترف بها .. ويراها كما يرى أغلب هؤلاء الشرقيين المعتدّين بشرقيتّهم
اجترع ريقه بصعوبة ، همس :
ما عاد باقي لك أخو يا حاتم ، شوي شوي صروف الزمان جالسة تنهشني
وينك يوم إن ليلي أناديك ولا تسمع لي ؟
وينك يوم أتوّجع وأدس وجعي عن أقرب الناس لي .. عن أمي وزوجتي وما تلتفت لي ؟
لذي الدرجة شايفني واحد نكرة .. ما يستاهل تعطيه شوية من وقتك ؟
-رفع عيناه له بسخرية -
ولا أقولك .. لا تجاوب ، نازعني وعاتبني
قول لي إذا اصطلبت أجاوبك وأمد يدي لك
قول لي خلّك رجال ولا تصيح .. الصياح ما عمره كان لنا
ولا عطيني الكف اللي تبا أبوي يعطيني إياه
كبت حاتم عِتابه .. الذي كان سيقوله فعلًا
همس بهدوء :
وش مضايقنك ؟
ابتسم حامد بسخرية :
هه ، اللي مضايقني ؟
-أشرّ بسبابته على البيت الذي أمامه -
اللي مضايقني أن ولدهم الحُر يطلع ويدخل على راحته
وأنا دم ولدي لين اليوم أشمّه في يدي
دمه المنثور في الشارع اللي قدام بيوتنا
متخيّل إني أصبّح وأمسّي على " الجيران " الشهامى ؟
زفرّ حاتم ، وكلام عبدالمجيد يصطّف أمامه :
وحدك تنازلت عن الحق الخاص ، والحق العام خذه وشبع منه من زمان
وقف .. رمى السيجارة ، دعس عليها بكلّ قوته
نظر إليه بحدة أوشك على قتلِه بها :
لا تبدي أنت الثاني .. كلنا نعرف ليش تنازلت عن حقي
أنا يوم تنازلت .. خفت أكون مكانه
خفت أذبحه وأعقّ عمري في السجن طول حياتي
أنا خسرت ولدي .. وخسرت زوجتي الميتة الحية
وكنت على وشك أخسر وظيفتي ومصدر رزقي
-ضرب بقبضته على الجدار وهو يقول بحنق متأزم -
آآخ لو أشوفك قدامي يا عبدالمجيد .. آآخ
والله يا وقته ما يردّني عن ساحة الإعدام غير موتك
لوهلة ارتعب حاتم من وعيد حامد الحارق لنَفَسه
جَزع من أن يظهر عبدالمجيد يومًا أمام حامد
وبعدها يُصبح قاتلًا بحقّ :
عبدالمجيد وش دخله ؟
التفت له بعيناه الحمراء .. صرخ بحدة :
لا تقول وش دخله .. دخله ونص
مجيد غدر فيني ، طعنّي في ظهري !
خذّ مني مرتين .. خذ عيوني الثنتين
حنان وسيف
هو ما خسر شيء ، أنا اللي خسرت .. أختي وولدي
-تعالى صُراخه في وجه أخيه -
تسمع ؟ خسرت أختي وولدي أقولك
رفع حاتم سبابته وسط فمه ، بحدة :
اشش ، اسمعك ما صمّ تراني
أنت تعرف مكان عبدالمجيد ولا لا ؟
تقدّم حامد متجاوزًا حاتم ، اقترب من باب المنزل الرئيسي :
الكلب الحقير مندس زين ما زين
سألته عن وكلّمت ربعي يسألوا عن مكانه
لكن طالع من البلاد لبر ( أبدًا ) ما هنا ولا في مسقط
لو مسافر ظفار ولا مسندم ما استبعدّ عنه
لكن جايبنه جايبنه ، يوم من الأيام بجيبه
ووقتها .. موته هو وحنان على يديني
حاذاه حاتم في التقدم ، مُردفًا بتأكيد :
بذبحها أنا قبلك ، كلامي من سنين هو ما تغيّر
وهي تعرف بذا الشيء
توقفت أقدامهم حين مرّت من الشارع الذي أمامهم سيارة زيد
بسرعة فاقت السُرعة القانونية للقرية
اندهشا من عجلته ، التفت حامد لأخيه :
اللهم اجعله خير ، وش فيه طاير كذاك ؟
نظر له حاتم ، وذات التساؤل دار في خُلده:
علمي علمك .. بتصّل فيه اتطمن وأنت دخل داخل
ايدخلك البرد وبعدين بتطيح علينا مرضان


.
.


صباحًا :
خطّت زينة خطواتها من المطبخ ، بيدها صينية شاي بالحليب
متجهه نحو جدتها التي تتوسط فناء المنزل
انحنت ، وضعت الصينية على الأرض
أردفت الجدة :
جدش ما لفى صوبنا لذا الحين ، هين غدى ؟
زفرّت زينة بخفوت وهي تتربّعت بجانبها :
نزل صوب الفلج يتسبّح هو والحارث
وأفطر من الفجر
أكملت الجدة بذات النبرة :
وخويلة هينها ؟
زينة بملامحها القلقة :
راقدة
شهقت الجدة بصورة ارتاع بها قلب زينة :
يالله لا تسخط علينا ، لذا الوقت راقدة
خاست وعفنّت امف عليها من بنيّة ! فزّي نهضيها
عقدت زينة حواجبها ، مهدئة اضطراب قلبها
الذي ازداد توترًا فوق توترها :
أعوذ بالله ياجده ، كأنها كفرت
ترا توها الساعة ما جات حتى ٨
مسكت عصاها العريقة ، مدّته نحو عضدها بغضب :
قومي قومي بلا مراددة .. نهضيها وإن ما قامت
كبّي عليها جيج ( جيك ) ماي بارد
زينة بإمتعاض :
ما يحتاج جيج ماي ، أتنهض بالمره يوم إنها تسمع صوت عصاتش
عقدت حواجبها :
أقولش قومي لا أقوم عليش وأهابدش
قومي خليها تتوضى وتصلّي ضحاها أهوالها من نومة ذا الوقت
زينة برجاء ، وهي التي لا مزاج لها اليوم من التفكير بعبدالرحمن :
جدة !
نظرت لها الجدة بنظرات حادة
قامت زينة بلا حول منها ولا قوة
مستجيبة لأمر جدتها ، التي إذا قالت فسمعًا وطاعة
صعدت الدرجات المعدودة ، اتجهت مباشرة للغُرفة المقابلة
لباب الصالة الموارب
أغلقت مكيف الجينرال ، فتحت الستائر ثم النوافذ
وهي ترى خولة ملتّفة حول نفسها وغطاها يغطيّها بالكامل :
خولة ، خولوة
:قومي بسرعة الشمس صارت في كبد السماء
قومي قسم بالله جدتي متوعدة فيش وفيني
فتحت خولة الغطاء ، كاشفة عن رأسها فقط
لترتاع زينة من وجهها المُحمّر ، وعيناها الدامعة كالجمر
جاءها صوتها المُضطرب :
ماشي خبر لين تو ؟
اتسعت عينا زينة على وسعها :
لا بالله اللي سرى ليلش وأنتِ تصيحي
بنت .. فال دموعش ما قبلناه
عادت خولة كلامها بذات الإصرار :
ماشي خبر لين تو ؟
تنّهدت زينة ، جلست فوق رأسها ترتّب شعيراتها الطائرة:
ماشي .. ماعرفت بمن أتصل ورقم زيد ماعندي
والله ماكلني قلبي من التفكير فيه .. كيف حاله وكيف يده
ولا رأسه اللي كان ينزف ! فوادي عنده
جلست خولة من تمددها ، تنظر لها بذات الدموع :
دام زيد اللي خذاه ، تلقيي حاتم صار عنده خبر
قولش اتصل عليه وأسأله عنه ؟
هزّت رأسها بتشجيع ، فلا حلّ لديهن :
هيه اتصلي ، لكن سحبي منه الكلام لا تقوليله بشكل مباشر
عقدت حواجبها وهي تُمسك بهاتفها :
ليش ؟
اتكأت زينة بظهرها على الجدار ، تنظر لها بهدوء :
لأن لو ماعنده خبر فالخبر بيوصله ، ثم بيوصل عمي وجدي
وأناكل أحلى منازعة لأننا ما خبرنّاهم
زفّرت خولة ، دون رد مُنتظرة سكوت صفّارة الهاتف
وقدوم صوت ابن أخيها حاتم من الطرف الآخر
الذي وصلها بعد ٤ رنّات متتالية بهدوء :
نعم خولة ؟
خولة بتوتر :
حاتم ، كيف حالك ؟ وكيف أصبحت ؟
رفع حاتم حاجبه ، بتساؤل غريب مرّ على باله لصوتها المتوتر :
عساني أصبحت بخير وعافية ، خير ياعمّة
وش مذكرش فيني على ذا الصبح ؟
ضحكت خولة بتوتر :
ههههههه الله يهديك ياولد أخوي ، يعني ما اتصل فيك إلا لمصالح
ماشي بس حبيت اسأل عنك وعن أحوالك ووش معدّل!
احتفظ حاتم بهدوءه ، دون أن يُراوغ :
بخير بخير ، أحوالي تسرّش
أبدًا ما أشكي باس ، ناهض على خير وبركة ونفسيّة طيبة
عضّت خولة شفتيها ، دون أن تستوعب نبرته :
وأخوي وحرمته عساهم طيبين ؟
وش رأيكم تتغدوا اليوم عندنا في بيت الجبل ؟
زفرّ بنبرة متصبّرة :
أخوش وتعرفي تلفونه ، اتصلي فيه وعزميه
ولو إنه ما يبغى عزام البيت بيته مثل ماهو بيتش
أنا مشغول ومافيني على صعدة الجبل.
حكّت حاجبها بخفة ، وهي تشعر بنظرات زينة الغاضبة نحوها:
يوووه منك حويتم ، جلف جلف ما تعرف للحلاوة طريق
أقولك تعال بسويلك البسكوت اللي تحبه .. وناخذ علومك شوية
مسح على وجهه ، وهو مُستند بكتفه على جدار المستشفى :
ويش الما مفهوم من كلمة أنا مشغول يا خولة ؟
أحوالي وخذيتيها ، العزيمة وقلنا مالنا بها
وثم وش التالي ؟
تنّهدت خولة بصورة واضحة ، لا يترك لها مجالًا للتنصّل
حتى تأخذ خبر عبدالرحمن بصورة غير مُباشرة
تحترق قلقًا هُنا ، هو هُناك يحاول استمالتها نحو طريق آخر :
حاتـ..
قاطعها بحدة اتضحّت بصوته :
:وش التالي يا بنت ؟ كيف حال عبدالرحمن ؟
هذا اللي تراوغي من الصبح عشانه صح ؟
قولي وخلصيني - وبصوت أعلى - بسرعة
فزّت من مكانها بخوف ، من نبرته التي انتقلت
من الإنخفاض للإرتفاع بصورة سريعة لم تستوعبها
اضطرب قلبها رعبًا منه ومن صوته الغاضب
إلا أنها عقدت حاجبيها :
عوذا من مزاجك الزفت ، تراني عمتّك شوية تقدير
رصّ على أسنانه بذات الغضب الجامد :
عمت عينش إن شاء الله
قاطعته خولة بشهقة امتلأت بها الغُرفة :
استغفر ربك يالحقود ، استغفر
أكمل حاتم دون أن يلقي اهتمامًا لما قالته :
خليني أرجع البيت والاقيش أنتِ وبنت أخوش الثانية
يعني متكتّمات على السالفة وولا وحدة منك فكّت فمها
واتصلت فيني وخبرتني اللي صاير
لكن دواش عندي أنتِ وهي
أردفت بعصبية ، لم تستحمل ما يقوله
أن يضع الخطأ أمامهن ، ولا مُخطئ في الساحة أبدًا :
وحنا فينا عقل ذك الساعة نتصل بفلان وعلان ؟
لولا الله ثم وجود زيد قدام بيتنا كان أنا وهي ساحبينه في البيكاب
فتح عينه على وسعها من نيتها المبيتة في نفسها :
بعااااااد ؟! ناويات تطلعن فيه بأنصاص الليالي
بلا حسيب ولا رقيب
حلال من محطّ الخيزران على ظهركن هيه والله
تأففت بصوت مسموع ، متعمدة حتى يسمعها
ليصل إليه ويستوعب غيظها منه :
بدل لا جالس تناقر ومخسّرني رصيد ، كان خبرتني ويش حاله
ترا فوادنا عنده من أمس
اعتدل في وقفته ، وهو يهمّ بإغلاق الهاتف :
خلي فوادش يحترق لين يرمد ، عطيني مقفاش يالله بس
-
أغلق الهاتف في وجهها ، مُزفرًا أنفاسه الغاضبة
ليلتفت خلفه حين وصله صوت زيد القادم ، يُمسك بكأسان ورقيان يمدّه له أحدهما
عقد حاجبيه بإعتراض :
ما تعرف إني ما أشرب الكرك ؟
ابتسم زيد ، اعتاد في السنوات الأخيرة على نفسيات حاتم المُتقلبة بصورة شبة دورية
وكأن هذا الكوب الورقي سيجعله اليوم يصبّ جام غضبه عليه:
شاهي أحمر منعنع ! امسك احترقن يديني
تنّهد حاتم ، أمسك الكأس بيده اليُمنى
جلس على الكُرسي الحديدي في ممر غُرف المُلاحظة
أردف زيد بعد أن جلس بجانبه :
وسّع صدرك ، عبدالرحمن ما عليه شر إن شاء الله
مسح على رأسه صعودًا ونزولا ، بهمّ اجتاح قلبه
يصعب عليه التركيز ، والهُموم تتكالب عليه من كل حدبٍ وصوب
أيفكر بقايد ، أم بعبدالرحمن ، أم بحامد أم بنفسه
أكمل زيد بذات الهدوء :
الدكتور طمّنا عليه ، أشعة رأسه زينة الحمدلله
ويده صحيح فيها كسر مُضاعف بس إلا ما تتعافى
أشرّ حاتم باصبعه نحو غرفة الملاحظة
التي يقبع بها عبدالرحمن
بصورة جادة :
طيّب وبخير الحمد والشكر لله
لكن وش اللي وصله لذي الحالة ؟
إنسان بالغ وعقله في رأسه ليش يرمي نفسه من السطح
ياخوفي تكون محاولة إنتحار
التفت إليه زيد بدهشة مما آل إليه تفكيره :
:تعوذ من الشيطان يا رجال وش ذي الأفكار
ما يسويها عبدالرحمن
صايم ومصلّي ويخاف ربه ، يمكن دهمان ( يمشي بنومه )
ما تقول زينة كان نايم فالسطح ؟
همس بضيق ، ينظر إلى دخان الشاي المُتصاعد :
تقول ..
وبتبرير :
خلاص شفت ، الأكيد إنه دهمان وما كان حاس باللي حوله
غير إن جدار السطح قصير أصله فتلقاه تعثّر وطاح
تنّهد حاتم ، وضع الكُوب الورقي بجانب الكُرسي
همّ واقفًا وهُناك أمور تشغل عقله ولا تنكفئ عن الدوران
التفت نحو زيد ، مربّتًا على كتفه الأيسر :
أنا بطلع ، لازم أمر الدوام ثم من أخلص بمر على قايد
-زفّر من أمر قايد وأكمل -
الله يعين على قايد .. بتصّل في خالد يجي بدالك
ارجع البيت لا تخلّي الوالدة وحدها
رفع زيد حاجبيه معترضًا :
والله ما عنيّت بخالد وخليته يجي ، ليش ما أخوك أنا بعد!
تيسّر لدوامك وطمنّي على قايد بس
هزّ حاتم رأسه وهو يوليّه ظهره ، خارجًا من المُستشفى الكئيب
تاركًا زيد وعبدالرحمن المكسور خلفه.



.
.



(منزل سعيد بن عزّام - غرفة نومه الرئيسية
افترشت سجادتها بعد أن توضأت ، صلّت ضُحاها بشخوع وخشيّة
زفرّت والأسى يخرج من بين فتحاتها ، تُركز في ما تقول
سورة الفاتحة .. ألف المد في كلمة (الضآلين)
يالله لا تجعلنا ممن ضل عن هُداك
لا تجعل دروبنا تضل ونشقى بعدها
بكت في سجودها
بكت ابنها المجنون الحنون
بكت ذنبه وعظمة مآسيه
بكت آلامه وقلّة نومه وشربه
بكت وجوده في الظلام
استقامت من سجودها ، ألقت التحيات
سلّمت عن يمينها وشمالها
رفعت يداها لاجئة إلى الجابر
إلى من لا حول ولا قوة إلا بيداه:
يارب ولدي وأول فرحتي ، يارب عيني الثنتين وقلب أخوانه
لا تفجعني فيه ، لا تفجعني فيه ، لا تفجعني فيه
كررتها بعد الثلاث مراتٍ ، سبع أخريات
خذلتها دموعها مرة آخرى
غُصت بالعِبرة وسدّت مجرى هوائها
تنّفست بصعوبة بالغة ، رأت زوجها على السرير
وحالته بسبب قايد مزرية
أنهت دُعائها ، وقفت ثم طوت سجادة صلاتها
اتَجهت نحوه
جلست بجانبه ودموعها أبت عن التوقف :
قوم وشد حيلك
ولدك من تحقيق لتحقيق وأنت مكتف يدينك
لا تقهرني في ولدي ببرودك يا سعيد
إن ما كنت قادر توقف جنبه وتآزره فأنا أمه ، أنا موجودة
عقد حاجبيه ، دون أن يفتح عينيه
لا تعلم شيئًا عن إغماءته بالأمس
لا تعلم عن قَسَم حاتم ، لمنعه من أن يطئ أرض المركز
همس ونَفَسه يضيق عليه :
حاتم حلف عليّ ما أطب المركز ، هو والمحامي هِناك
مسحت دمعها بنشيج:
حاتم ماله سلطة عليك ، وحلوفته ما تسري على عمه
ويش بيده يسويه لولدي .. وأبوه جالس ومرتاح
فتح عينيه بحدة ، اتكأ على ظهر السرير
أردف بنبرة مبحوحة من تعبه :
وأبوه وش بيده بعد ؟ ما غير نزل عندي الضغط من الخوف
وبدل لا أشد على يده ، أرخيتها من تعبي
تزايد بُكاءها :
ياويلي على ولدي ، ياويلي على عمره اللي بيفني في السجن
من اللي ما يخاف الله وورطه في هالمصيبة
من هذا اللي عق بذنوبه عليه
التفت عن يمينه ، مُتلحفا بالشرشف متجاهلًا سؤالها
همس بخفوت دون أن تسمعه:
يمكن ما جنت عليه غير يديه
آخ يا قايد ، ما بيشلّ روحي من مكانها إلا جنونك
يارب اصلحه وأهديه
كرر الدعاء في سِرّه مرارًا وتكرارًا
كرره من قلبه الشغوف اللهوف
-
-
-
التفت إلى رجاء قايد إلى نداءه ومناشدته:
طلعني من هنا
طلعني قبل لا يودوني السجن وانحبس بغير وجه حق
زفرّ حاتم ، الذي بالكاد استطاع الدخول عند قايد ورؤيته
أخافته حالته
عيناه حالتا لجمرٍ تلمعان دون إنطفاء
البياض زحف إلى شفتيه ، باصمًا نصيبه
يتسائل:هل يبكي لقدره البئيس، أم حان للقدر أن يبكيه
مسح على وجهه:
بطلعك لو ساعدتنا وساعدت نفسك
هذه يومين وما استحملتها يا قايد ، وش لو هي عُمر
ذُعر من تخيل الأمر ، أن يفنى عمره في السجون
أن تدور دائرة القدر وتضغط بقوتها عليه
وتتركه حيث ترك المُعتصم
مسك يده بقوة:
والله العظيم إني برئ
برئ من تهمهم وبرئ من الحرام
اقسم لك بالله يا حاتم يدي ما انمدت يوم على مال الدولة
الدولة اللي أفديها بدمي
نقر حاتم بتوتر على الطاولة:
ماتقدر تثبت براءتك من الحلف
فكر معي يا قايد
فكّر بأي ثغرة بسيطة تطلعك من المصيبة
ضغط على عينيه بضيق ويأس:
أنت تعرفني عزّ المعرفة
رأس مالي راتبي اللي أمشي فيه أموري
ما دخلت في عمل حر إلا وخسرت فيه
تكالبت عليّ الديون وطلعوني منها أبوي وعمي سيف
شريت سيارتي بطلعة الروح
وسيارة وارد لليوم أدفع ثمن حادثها
سفر ما عمري سافرت ولا أعرف شكل الطيارة
ولا فكرت بيوم استثمر في البورصة وغيره
وش لي بالاختلاس ، وش لي بالتزوير
بجدية :
المبلغ كبير يا قايد ، كبير لدرجة العجز العام للدولة وصل للمليارات ونحن في دولة نفطية غنية بالموارد
٣ مليون نسمة ، والباحثين عن عمل يزدادوا كل سنة بالآلاف
المسرحين والمديونين كضّت فيهم السجون
٤٧ مليون ريال اللي تم اختلاسهن من أهم وزارة في الدولة
برأيك هالـ٤٧ مليون كم بيت بتفتح؟
كم لقمة كانت بتسدّ فيها جوع المحتاجين والمتعففين ؟
صرخ بحقد ، بتألم :
وليش أنا اللي أتحمل هالذنب؟
ليش أنا اللي لازم أكون سببه؟
يا كثر الفاسدين اللي بالوزارة
يا كثرهم اللي كانت أشوف فسادهم بعيوني هذه
سكت قايد وهو يتنفس بسرعة من غضبه
واستحالت ملامح حاتم للصمت الذي انخرط في التفكير
طرق الباب
مُنهيًّا الدقائق الممنوحة لحاتم
أردف حاتم بعجلة وهو يرى إحدى المحققين على وشك الدخول:
صح أنا ليش ما فكرت فيها من قبل
-رفع عينيه له -
أنتو في وزارة مختلطة ، مكاتبكم مفتوحة على بعضها
أغلبكم يستخدم كمبيوترات بعض في حالة الخراب
والهيئة كان دليلها الكمبيوتر
هدأت أنفاسه بصعوبة بالغة وهو يحدق به:
وش تقصد؟
حاتم:
يعني إن فيه أحد قاصد يورطك ، قاصدك أنت بالذات
حتى يبعد التهمة عنه ويدّبسها فيك
باستخدامه كمبيوترك ورمز دخولك
اقترب المحقق أردف بجدية:
تفضل ، عطيناك أكثر من وقتك
وقف حاتم
يركز بنظراته نحو قايد الذي انكفأ بالتفكير
يقلبّ في رأسه ما قاله حاتم ، وحاتم ينتظره برجاء
حتى يعطيه خيط أمل مما قاله
شعر بيد المُحقق على عضده:
اطلع يالله
اجترع ريقه ، وصمت قايد يذيب عظام جسده
يأس عندما طال سُكوته ، اقترب نحو الباب
فتح مقبضه ببطء شديد ، عل ظنونه ترحمه هذه المرة
تنهد ولا طائل من الخروج بسبب نظرات المحقق
خط بخطواته خارج الغرفة المعتمة
ليصله صوت قايد بصورة سريعة:
مازن علوي
-صرخ بصوت عال-
مازن علوي يا حاتم .. مازن



انتهـــى ❤


الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-08-21, 05:11 AM   #20

الريم ناصر

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 408952
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,321
?  نُقآطِيْ » الريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond reputeالريم ناصر has a reputation beyond repute
افتراضي

،
،
لا إله إلا الله وش هالفصلين هالدسمين والرررررائعين !
يعطيك العافية الكادي عوضتي الغياب بفصلين ولا أجمل
فيه اشياء وضحّت إن " مُرشد " ميت !
لكن وش سبب عتاب أبوه بإول فصّل ؟
وزينة وقايد .. هل قايد يحبها ؟؟؟
وش الجانب اللي شافه منها ؟ ..
وكان عندي فضّول عن" ام زينة " .. توقعتها ميتة ولا توقعت أنها عند أهلها !
وش السبب ؟ ليش عيالها مو معاها ؟
،
يا الله حامد يعور القلب .. يلقها من " ولده ولا اخته " ولا زوجته !
وش السبب اللي يخلي " حنان" تتزوج " عبدالمجيد" بدون رضى اهلها ؟
وحاتم الشخصية التي كانت طيبة وصارت إلى شرسة! هل هو سبب اخته ؟
او سبب ثاني ؟
أمّا عبدالرحمن وطيحته .. صدمتني
صراحة شاكة إن سامر مبّ انسان" بسم الله علينا 😂💔💔"
والدليل إن سامر اختفى وكأن فّص ملح وذاب !!!
،
زيد لحد الان ما احس وضحت قصته بالنسبة لي
وقايد وتورطه في أمور اكبر منه .. من هو مازن ؟
وكيف بيطلع منها .. واللي صار له حوبة" معتصم" او تدبير من " معتصم "؟
ومشاهد قايد وزينة كثري منها .. تهبل 😂❤
،
لهجتكم يا أهل عمّان تهبل .. تشبه كثير لهجتنا وكثير فيها منّ لهجة " مدينتي " تحديداً وبذات جملة " . حلال من محطّ الخيزران على ظهركن...." كنت أحسب بس أهل " مدينتي " يقولونها 😂❤❤
الغموض شوي شوي بدأ يوضح ،
مدري وش امدح وش اخلي .. السرّد او الشخصيات .. او الاحداث
تسلم يدينك على هالفصلين يا كادي متحمسة للفصل الجاي كثير ❤

،

NON1995 and تايست like this.

الريم ناصر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:13 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.