آخر 10 مشاركات
الرزق على الله .. للكاتبه :هاردلك يا قلب×كامله× (الكاتـب : بحر الندى - )           »          بين الماضي والحب *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : lossil - )           »          ضلع قاصر *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : أنشودة الندى - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          سمراء الغجرى..تكتبها مايا مختار "متميزة" , " مكتملة " (الكاتـب : مايا مختار - )           »          دموع زهرة الأوركيديا للكاتبة raja tortorici(( حصرية لروايتي فقط )) مميزة ... مكتملة (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          ندبات الشيطان- قلوب شرقية(102)-للكاتبة::سارة عاصم*مميزة*كاملة&الرابط (الكاتـب : *سارة عاصم* - )           »          وعاد من جديد "الجزء 1 لـ ندوب من الماضي" -رواية زائرة- للكاتبة: shekinia *مكتملة* (الكاتـب : shekinia - )           »          الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )           »          قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (الكاتـب : الحكم لله - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

Like Tree581Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-10-21, 12:03 AM   #61

فايزة العشري لوزة
 
الصورة الرمزية فايزة العشري لوزة

? العضوٌ??? » 472964
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 393
?  نُقآطِيْ » فايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الثاني عشر


الفصل الثاني عشر
كان ممددًا على فراش وثير، سكن بعضا من آلام ظهره الذي شبت فيه الحرائق، بعد نوبة ضرب جديدة من جلاده، بعدما قال "لا" في وجهه، معاندًا سلطته معلنًا رغبته في الالتحاق بالجامعة، كانت هذه المرة التي لا يعرف كم عددها بعد عدد المرات التي خالف فيها العمدة، ووقف بوجهه، لكن هذه المرة كانت أكثرهم تمردًا وعنادًا، بعد أول مرة سلخ ظهره السوط في أول ليلة تسبق مكوثه بالقصر، حينها كان إصراره على قول اسمه لا إراديا، أما اليوم فإصراره وعناده كان عن عمد !
عندما كان صغيرًا تعلّم أن يقول "نعم"، ولا يعارض أبدًا ولم يكن بيده سوى الطاعة، حينها علم أن والديه قد وافقا على استخراج شهادة وفاة له ل"موسى نصر الدين"مقابل مبلغ مادي، دفعه لهم العمدة صاحب السلطة والطغيان لكي يستولي على ابنهم ويستخرج له شهادة ميلاد أخرى باسمٍ مغايرٍ، ويكون فيها الأب العمدة"علوي صالح"!!
أما هو فلم يكن للعمدة الابن الذي أراده، لم يكن الابن المطيع الذي تمنى أن يكون ذراعه اليمنى، وخليفته في المظالم، بل كان شوكةً في حلقهِ، ولعنة تمرده أشعلت غضب العمدة، فصار دائم السخط عليه. أما هو فقد توقفت رغبته في طاعته، هذا مستقبله الذي يريد أن يحرمه منه، ألا يكفي كل ما قد حرم منه؟ ألا تكفي طفولته التي حرم منها ووالديه، وهويته ، وأصدقائه ألم يكفه كل هذا، حتى يطال جبروته مستقبله أيضا؟
أثناء شروده الباكي، سمع صرير باب حجرته يفتح ببطء فأغمض عينيه كأنه يغط في النوم، لكنه أرهف السمع لتلك الخطوات التي تقدمت نحو فراشه، واقتربت منه جالسه، ثم سمع همسًا رقيقًا يناديه:
- "موسى" … "موسى" استيقظ يا بني.
أبواه تخليا عنه، فصار يتيمًا وهما حيان، وأبوه على الورق أبعد ما يكون عن الرأفة والحنان لكي يأتي إليه فجرًا فيهمس إليه ب"بني" وموقظا إياه، إضافة لذلك لن يناديه أبدًا ب"موسى"، الذي مات فمن يوقظ اﻵن ميتًا، أماتوه بجبروتٍ وهو على قيدِ الحياة؟
أدار رأسه ليرى مناديه على بصيص ضوء انبعث من أنوار حديقة القصر إلى داخل غرفته المظلمة، فوقعت عيناه على ملامح أبيه الحقيقي، ورغم تخليه عنه إلا أنه اشتاق إليه، اشتاق ضمته إلى صدره، وحنوه عليه، منذ سنين افتقد هذا الحنان والاحتواء، وهذا الوجه الحبيب افتقد أن يكون بهذا القرب.
سقطت دموعه على وجهه متتابعة، وسريعة، فما كان من أبيه إلا أن بكى هو اﻵخر وضم رأسه إلى صدره في أسف وألم.
وبعد أن هدأت نوبة البكاء نظر له "موسى" مستفهمًا عن سببِ وجودهِ في حجرتهِ، فمسح أبوه وجهه المتغضّن من آثار الدموع، وهو يقول بهمسٍ ويمدّ يده إليه بلفافةٍ من القماش بداخلها رِزَم من النقود :
- خذ هذه واهرب يا "بني" اهرب وأكمل تعليمك بالمدينة، أنت حصلت على مجموع عالي، أريدك أن تكون طبيبا يا ولدي، هذه الأموال التي دفعها العمدة لنا مقابل تخلّينا عنك، ويقوم هو بأخذك، سامحني يا بني لقد جبنت من الوقوف في وجهه، كان سيشرّدنا أنا وأمك وأختك، وكان سيحصل عليك في النهاية، جبروته ليس له حدود، وأنت تعرف ذلك.
أحنى"موسى" رأسه بأسفٍ وأكمل أبوه، لم نهنأ بمالٍ ولا طعامٍ من بعدِك يا ولدي، سامحني يا حبيبي، هذه الأموال، خذها أنت ستنفعك حتّى تجد عملا وتعتمد على نفسك، اهرب، وكن حريصًا وتخفّى جيدًا.
سأله "موسى" وحلم الحرية والأمل يداعب مخيلته:
- والعمدة ماذا سيفعل؟ وأنت لو سألك ماذا ستقول؟
- سأقول له ابني مات ولا أعرف شيئًا عن ابنه، سامحني يا بني أنا أحاول أن أعوّضك وأساعدك عن تقصيري معك.
قتلته جملة أبيه، ولم يعرف أيسامحه على ما فعله معه، أم يظل ساخطًا عليه.
هو يعرف أن العمدة كان بإمكانه أن يستولي عليه دون مقابل، ويحصل على ما يريد كيفما يريد، ولا يجرؤ أحد على معارضته، أو إبداء حتى مجرد اعتراض، فالكل يخشاه، ويخاف أن يطاله بسيف ظلمه القاطع، ورغم ذلك إلا أنه حاول أن يشتري رضاهم بهذه الأموال، لأنه يعرف مدى غلو مطلبه، فهو يعرف معنى أن يحرم من الولد، وقد حرمه الله نعمة الإنجاب، رغم زواجه المتعدد؛ ولأنه لا يريد أن تذهب أمواله وسلطته لأخيه الوحيد؛ لذا قرر أن يعاند القدر ويكون له الولد، حتى وإن عارضته الحياة.
قرّر أن يربي "موسى" كولده ليكبر مُحِبًا له، لكن اليد التي تمسك بالسوط، والسلاح، لا تعرف كيف تحنو، والقلب الغليظ القاسي، لا يدرك سبل الحنان والرأفة، والعقل الشيطاني الذي دبّر طريقةً لقلب الحق باطلًا، وأخْذ طفل من أبويه، لهو عقل لا يرشد سبيلا لتربية طفل سوى بالقهر والضرب والإيلام خاصة ولو كان طفلا كهذا الذي جلبه على نفسه، ثائرًا، عنيدًا، يقطر كرهه له من عينيه فما كانت الأعوام التي قضاها في قصره، سوى أعوام من القهر والخوف، واﻷلم.
قام من مكانه مسرعًا وارتدى ثيابه على عجلٍ، وكأنّه كان يحتاج من يدفعه ويشجعه على الهربِ، وهو يقول:
- لا أريد المال يا أبي أنا سأهرب فقط، دع الأموال معك ربما تعينك على الحياة .
قام أبوه يمنعه وهو يقول له :
- اهدأ اﻵن، وفكر كيف ستهرب أولا ومتى.
- لا
وخرج مسرعًا من غرفتِهِ، وكأنّه كان ينتظر ذلك المؤشر الذي يدفعه لكي يتخلص من قيده دون تفكير، ودون تخطيط، فقد دفعه اليأس للهرب، جرى متخفيًا بالظلام، ومتسترًا بنخيلِ حديقةِ القصرِ، وما إن اقترب من بوابةِ القصرِ وبدأ في تسلقها حتّى سمعَ من يصرخ فيه:
- قف مكانك، ولا تتحرك .
لكنه لم يستمع للأمر الذي جاءه وأسرع خطواته المتسلقة، وسمع من ورائه زناد قد أطلق، وطلقة طارت فاخترقت ذراعه وأوقعته أرضًا.
شهق مستيقظًا بانزعاجٍ وهو يرفع رأسه من فوقِ ذراعهِ التي أصابتها الرصاصة يوما ما، وقد كان متوسده على مكتبهِ عندما غلبه النعاس، وهو يقرأ في مرجع طبي تركه، وقد حاول أن يجعله أنيسه ليشغله عن كل أفكاره التي تتقاذفه.
لا تفتأ ذكريات ماضيه تطارده في أحلامه، ويقظته، وتنغّص عليه أوقاته الهادئة القليلة، كان لسؤالِ والدة فريدة عن سببِ عيشه في المدينة بعيدًا عن أهلهِ أثرًا في استرجاعِ ذكرياتٍ حاول أن يدفنها في عمقِ الذاكرة، حاول أن ينساها ويشغل نفسه عن التفكير بها، لكن ذكرياته فرضت نفسها وطفت على السطح أول ما سلم عقله للنوم.
قطع انزعاجه ابتهالا لشيخ ذي صوتٍ عذبٍ مغردٍ كتغريدِ بلبلٍ يشدو فوق غصنٍ مياد انساب صوته خفيضًا من مذياعِ المسجدِ المجاورِ لشارعهم، فقام من مكانه ليقوم بتشغيل مذياعه الصغير على إذاعة القرآن الكريم قبل آذان الفجر، فيشدو صوت الشيخ بابتهاله الجميل بوضوح قريب، يريح الصدر من الضيق والكدر والناس حوله مهللين :
-"يا إله العالمين؛
يا إله العالمين حنيني دائم؛
والقلب شاك عليل؛
سال دمعي يا إلهي؛
ولولا غربتي ما كان دمعي يسيل؛
غربتي نجوى ونيرانُ شوق؛
وأسىً باكٍ وليلٌ طويل؛
وإذا ضاقت فنجوى دعائي؛
حسبي الله؛
حسبي الله ونعم الوكيل؛
بالله إيماني وفيه رجائي؛
وإلى علاه ضراعتي وبكائي؛
يا مؤنسي في وحدتي؛
يا منقذي في شدتي؛
يا سامعا لندائي؛
فإذا دجى ليلي وطال ظلامه؛
ناديت يا رب كنت ضيائي؛
سبحانك جلّ جلالك يا الله*


مسح دموعه التي انسابت على وجنتيه بهدوء وخشوع، وتنهّد قائلًا:
- حسبي الله ونعم الوكيل .
رُفع آذان الفجر بأن الله أكبر فوق كلِ ضيقٍ، فوق كلِ سقمٍ، فوق كلِ حزنٍ قد يُهلك الروح والبدن، فأخذ يُردّد وراء المؤذن وهو على يقين مما يردده، ظلّ يعمل لسانه بترديدِ اﻵذان، أثناء وضوئه، ثم أمسك بمنشفةٍ جفّفَ بها وجهه، وساعديه من آثار الوضوء، ثم اتّجه نحو المرآة ليُصفّف شعره العالي المبلل الذي انسابت منه خصلة سوداء على جبينه العريض فبدا وسيمًا، رغم هالات الإرهاق التي تحيط بعينيه بسبب قلة نومه وقلة راحته، فقد أنهك نفسه بالعمل في نوبة ليلية بالمشفى بعد دعوة الغداء التي لبّاها عند فريدة، ليُلهي نفسه عن التفكير بها أو بنفسه، وها هو إنهاكه قد بدا على وجهه.
ذهب لحجرته ليبدّل ثيابه، ويذهب لصلاة الفجر، وعقله يدور في المنغّص الجديد الذي حلّ ضيفًا على عقلهِ، وكأنّه كان ينقصه منغصا إضافيا يكدر عليه ما تبقى له من وقت فراغه، فقد ابتلي قلبه بالميل لهذه ال"فريدة" العنيدة التي تظهر عكس ما تخفي، فتحاول أن تظهر امرأة مستهترة غير مبالية، امرأة قوية جافة الطباع، لكنها على عكس كل ما أظهرت، طفلة متمردة خائفة من الحياة وما فيها، فاقدة للثقة بكل من حولها.
ابتسم ابتسامة جانبية عندما تذكر خوفها الطفولي وتلعثمها عندما تفحّص جرحها وصوتها المرتعش وهي تقول له:
( هو جرح بسيط، لقد زال الألم، لا داعي لذلك)
كم تمنى لو أنه باستطاعته أن يضمّها إلى صدره ويربّت على وجنتها بحنان ويخبرها بما يشبه الهمس، أنه لن يؤلمها ما حيا، ولكن هيهات من وصوله لتلك المكانة منها وهو يكاد لا يعلم عنها أي شيء ذي بال!
لا يمكنه أن يقول، أنه وقع بحبها وهي امرأة متزوجة، لكنها أثارت فضوله واهتمامه، رغم ما أبدته له من فظاظة في التعامل، لكنّه على كل حال سيخمد صوت فضوله ويميت رغبته في فهمها، فليس هذا من حقه، وسيتجاهل السؤال عن حال جرحها اليوم، بل سيتجاهل رغبته في معرفة حالها كل يوم، حتى يقضي الله بينهما، فيفهم ما تخفيه، وقد تبتسم له الحياة معها أو يرحل عن هذا المكان دون فهم فتموت نبضات حبه قبل أن تولد، ويكتب لها الحياة !.
****
مكالمة صباحية أتتها وهي تُبدّل ثيابها على عجل، من ذا الذي سيهاتفها صباحًا هكذا "فريدة" بالطبع ستكون نائمة وتهنأ بنومٍ عميقٍ فمن يا ترى سيكون المتصل؟!
أمسكت هاتفها على عجل لتلقي نظرة على شاشته فيفاجئها مرأى اسم المتصل
"زاهر" يضيء هاتفها باسمه، كما يضيء وجوده أيامها المظلمة !!
خفق قلبها بسرعة، ماذا يريد في هذا الصباح لمَ يتصل؟!
كتمت توترها وحيرتها، ثم حبست شهيقًا في صدرِها أخرجته زفيرًا متقطعًا، فتنفث توتّرها على دفعات وهي تجيب الاتصال قائلة:
- صباح الخير يا أستاذ "زاهر"، خيرًا إن شاء الله هل ألغي موعد الغد؟
أتاها صوته الرصين الواثق الهادئ قائلًا:
- صباح الورد يا "مريم" كيف حالك؟
بدا على وجهها إمارات التعجب، لم يناديها باسمها دون ألقاب؟ وما هذا الصباح الجميل الذي تمناه لها؟!!
سعيدة؟ أجل سعيدة، فكيف يأتيها صباح مُزيّن بالوردِ من سارق قلبها، ولا يكون صباحًا سعيدًا؟!
لكنّها لن تبدي له ذلك؛ لذا قطعت تعجّبها الصامت بنحنحة محرجة وأجابته:
- الحمد لله… أنا بخير ، ثم سكتت عن الكلام المباح فمهما كانت الكلمات تتقاتل على شفتيها لكي تخرج له متغنّجة معلنةً عن نفسها، لكنّها ستحبسها بحنجرتها وتمنعها عن فعل ذلك، فليأتي هو بما عنده، وستصمت لتفسح لكلماته الطريق وللعجب أن أتاها صوته قائلًا:
- دمتِ بخيرٍ .. أردت أن أؤكد عليك موعد الغد، فانتهزت الفرصة لكي أبدأ يومي بسماع صوتك.
تورّدت وجنتيها بحمرةِ الشفقِ، ونضارةِ الزهراتِ على الغصونِ، لكنها تجاهلت تلميحه الصريح لرغبته بسماعِ صوتها، وأجابته بصوتٍ يرجفُ خجلًا:
- نعم .. نعم نتقابل غدا شكرًا لك.
- عفوا آنستي . مع السلامة.
- مع السلامة.
أغلقت الهاتف، وهي في حالةِ ذهولٍ من تلك المكالمة غير المتوقعة، أتكون بحلم ولم تستفق بعد من نومها؟
تردّد صوته المحبب إلى قلبها في ذهنها بقوله: انتهزت الفرصة لكي أبدأ يومي بسماع صوتك
لا، لا هو حلم، حلم السعادة الذي يطاردها، ويغريها بليالٍ ورديةٍ ونهارات مشرقة.
حلم يمسك بيديها، ويسحبها نحو بريقِ الحبِ الخاطفِ خطوةً خطوةً، وكأنّها تتعلم أولى خطواتِ السيرِ على طريقِ الحبِ.
تنهّدت بعمقٍ ونظرت للهاتف، ثم شهقت بفزعٍ واستفاقت من الحلمِ وهي تقول:
- يا الله .. لقد تأخّرت عن العملِ، سامحك الله يا "زاهر"، سامحك الله، خطفت حقيبة يدها بسرعة وجرَتْ تلاحق الزمن ربما تصل بالميعاد!!
*****
نظرت حولها في إرهاقٍ، ولهاثها يعلو، فلا تسمع شيئا سوى صوت أنفاسها، تتلفت في لهفة، وكأنّها تبحث عن عون أو إغاثة من أحدهم، لكنّها لا ترى أحدًا على امتدادِ بصرها! لا ترى شيئًا سوى امتدادٍ شاسعٍ لحقلٍ كبيرٍ يملأهُ عشبًا أصفر خشنًا، ويتوسّطه تلة عشبية صغيرة تحجب ما وراءها.
واقفة هي تلتقط أنفاسها في وسط هذا المكان، ترتدي فستانا يتطاير مع الهواء، كما يطير قلبها تماما من الخوف والضياع، شعرها انسدل على ظهرها، وتطايرت خصلاته هي الأخرى على وجهها، كانت كورقة شجر سقطت من غصنها وتحاول أن تثبت في وجه الريح الذي ازداد مع قرب غروب الشمس، عادت تركض ثانية ولهاثها يعلو أكثر، قدماها حافيتان، وتؤلمانها بشدةٍ، فقد جرحها ذاك العشب الجاف، جرحتها أشواكه وخشونته التي امتلأ طريقها به.
تجري .. تجري .. تجري
تلهث .. تلهث ويعلو صوت أنفاسها
ثوبها يطير، شعرها يطير، وفؤادها من الخوف هواء
تراءى لها من بعيد فرسا تركض نحوها، فحثت الركض نحوها هي الأخرى.
صهلت، وكأنها تناديها أو تعلمها أنها رأتها، وقد أتت إليها، ولكنها لم ترَ صاحب هذه الفرس فكيف لها أن تمتطيها أو أن تركض بها هاربة؟ هاربة من ماذا؟
لا تعرف، إنما هي فقط خائفة وتود الهرب، ورؤيتها لتلك الفرس البيضاء قد طمأنتها، صهيلها القوي اَمن خوفها لكنّها كلما ظنّت أنها تقترب منها، تزداد المسافة بينهما اتساعًا وابتعادًا!! سمعت صوت خشخشة قريبة منها، ربما خلفها من بين العشب الأصفر الجاف، وكأن شيئا يزحف فيتكسر تحته العشب! التفتت وراءها وهي تركض في فزع، لكنها لم تر شيئا، وصوت ضربات قلبها ولهاثها يصمها عن سماع ما يصدر حولها، لكن شعورها بحركة سريعة وراءها زاد من فزعها.
أصبح بينها وبين الفرس خطوات قليلة، لكنها التفتت خلفها؛لتبحث عن مصدر الصوت الذي تسمعه، فتعثرت. صرخت وعلت صرختها عندما ظهر لها من بين العشب الجاف ثعبانا طويلا يخرج لسانه المشقوق فيفح فحيحا مخيفا، ويتقدم منها بثقة.
نزعتها من صرختها ذراعا قوية جاءتها من خلفها تشدها وتنتشلها من سقوطها فترفعها على ظهر الفرس، فهجم الثعبان على صاحب الذراع القوية -الذي لم تستطع تبين ملامحه بعد- ولدغه، فردت الفرس الهجوم بهجوم ، وانقضت على الثعبان تضربه بقوائمها حتى خمدت حركته .
حاوط خصرها بذراعه السليمة حتى لا تقع وبيده المجروحة أمسك لجام الفرس، ونجزها لتسير فاستجابت له .
أدارت رأسها ببطء؛ لتنظر من فوق كتفها فتتبين ملامح ذاك الفارس، وما إن التفتت حتى سمعت من يناديها...

- فريدة… فريدة… استيقظي هيا كفاكِ نوما، أنت احتللتِ فراشي إلى ما بعد الظهيرة .. هيا يا كسولة.
استوت"فريدة" جالسة بسرعة على الفراش، وهي تشهق بصوت مرتفع وكأنها تخرج من تحت الماء، نظرت إلى خصرها وكأنها لازالت تشعر بذراع تحيطها، دارت بعينيها حولها في دهشة لوجودها بحجرة أمها، كيف قضت ليلتها في فراش أمها ؟ لكنها سرعان ما تذكرت أنها كانت تحدثها بالأمس، وهي ممدة إلى جوارها، وربما غفت بجانبها ولم تشأ أمها أن توقظها .
اقتربت منها والدتها وعلامات القلق بادية على وجهها وهي تقول:
- ما بك يا حبيبتي .. أأنت بخير؟
تنهدت "فريدة" وخللت أصابعها خصلات شعرها فأرجعتها للوراء بعيدا عن وجهها ثم ابتسمت لأمها مطمئنة وهي تقول:
- صباح الخير يا شمسي .. أنا بخير يا حبيبتي لا تقلقي
ربتت أمها على كفها وقالت لها :
- حسنا يا حبيبتي هيا .. هيا انهضي للتناولي فطورك؟ ثم تركتها، وغادرت الغرفة.
شردت "فريدة" في ذلك الحلم الذي رأته أو ذاك الكابوس، يجثم خوفها على صدرها مما رأته فأراحت ظهرها إلى وسادتها وهي تتذكر منظر الثعبان المخيف الذي رأته- ثم قطبت - كأنها رأت ثعبانا شبيها له من قبل ... أين رأته؟ متى رأته؟
ظل عقلها يدور في قلق ثم سطع في عقلها مظهرها، وهي تقف على مركب أوشك على الرسو منتظرة سيف .. هي تصيح .. هي تصرخ و تشيح لأمها الجالسة على المرسى .. وثعبان يفح في كأس بجوار أمها .. أمها ترفع الكأس لتحتسيه .. هي تصرخ .. نعم انه نفس الثعبان.. هو نفسه.
ذلك الكابوس الذي رأته عندما كانت محمومة !!
ماذا يعني هذا؟ ومن ذلك الفارس لذي أنقذها، ولدغه الثعبان ؟
وتمنت لو أنها قد استطاعت رؤية وجهه ومعرفة هويته.
دخلت أمها غرفتها مجددا، لتجد ابنتها قد تمددت مرة أخرى على الفراش، فعقدت حاجبيها، وسألتها في ضجر :
- هيا يا "فريدة" أتنوين النوم حتى صلاة العشاء ؟
حاولت أن تصرف عن ذهنها ذلك الحلم الذي يجثم وقعه الثقيل فوق صدرها؛ حتى لا تلفت انتباه أمها لانزعاجها، ثم ابتسمت، وقالت لها بدلال، وهي تتمطى:
- فراشك جميل يا أمي أعتقد أنكِ ستستضيفينني كل ليلة.
- انهضي هيا .. مَن هذه التي ستنام معي كل ليلة؟ لم أستطع أن أنام بجوارك من كثرة حركتك، وتقلبك.
x-قالتها أمها بضحك وهي تعرف أن ابنتها ستغتاظ، وتهب من فراشها -
وبالفعل لم تكذب فريدة حدس أمها، فهبت من فراشها بغيظ فتناثر شعرها على ظهرها، وقصَّتها الغجرية قد انحرفت على جبينها المقطب وتسائلت بضيق، ودهشة:
- مَن يفعل ذلك .. أنا أتحرك كثيرا أثناء نومي يا أمي؟!
أجابتها أمها من بين ضحكاتها:
- لقد انطلت عليكِ الحيلة يا صغيرتي واستطعت أن أجعلك تقفزين من الفراش، مَن هذه التي تتحرك كثيرا في نومها ؟ أنت قطتي المشاكسة التي تتكور على نفسها عند النوم، إن أردتي النوم معي كل ليلة فلك ما شئت، سأتحمل مقاسمتك فراشي أمري لله.
ضحكت فريدة وانشرح قلبها لمشاكسة أمها لها، وهذا يعني أنها قد غفرت لها ما فعلته بأمسها القريب، ثم قالت لها :
- لا حرمني الله من حنانك هذا يا حبيبتي، قولي لي هل تناولتي فطورك؟
ابتسمت أمها وهي تمسد جبينها بأصابعها محاولة إخفاء انزعاجها من الألم
- لا لم أتناوله بعد، سأتناول مسكنا للصداع وأُعِد الإفطار حتى تغسلي وجهك، وتتوضئي وتصلي .
اقتربت منها فريدة متسائلة بقلق:
- صداع.. لم؟ أحقا لم تستطيعي النوم أمس بسبب وجودي ؟

- لا يا حبيبتي استطعت النوم طبعا، هو مجرد صداع سيزول بمفعول المسكن عندما أتناوله، صحيح كيف حال جرحك أتشعرين بتحسن ؟

أجابتها وهي ترفع كفها لا إراديا تجاه وجهها، وكأنها تتأكد من وجود الضمادات حول كفها قائلة:
- أشعر بوخز بسيط من حين ﻵخر.
- لأنك لم تأخذي المسكن الذي كتبه لكِ الطبيب، تناولي فَطورك واذهبي لإحضاره من الصيدلية.
أماءت برأسها موافقة ثم ربتت على ذراع أمها قائلة:
- حسنا سأفعل ذلك، وأنتِ يا حبيبتي استريحي قليلا حتى أعد لنا الإفطار، ثم تتناولين مخفف الألم. لن أتأخر عليكِ.
قالت أمها بضحك:
-لا سأحضره أنا حتى لا تقطعي باقي أصابعك مع الإفطار
ضحكت فريدة بانطلاق،وقالت بنزق ودلال :
-لا مانع أن تفطري بالأصابع اللذيذة لفريدة
تركت "فريدة" أمها لتنهي ما عليها، وقد عزمت في قرارة نفسها أن تفعل أي شيء يرضي أمها، ويجعلهما مستمتعتان باَخر يوم لها بأجازتها، وقررت أن تصرف عن ذهنها التفكير في ذلك الحلم حتى تختلي بنفسها فتحاول أن تبحث له عن تفسير في كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين الرابض بمكتبتها!

xxxxxxxxxxxxxxxx xxxx ****
ثلاثة فناجين من القهوة قد احتساها ولم يستفق بعد، يشعر بين كل لحظة وأخرى أن رأسه ستستقط على صدره من فرط الإجهاد، والرغبة في النوم؛ لذا قام من فوره وقد قرر العودة إلى بيته لينام حتى صباح اليوم التالي.
ضرب جرس استدعاء الممرضة، فطرقت ثم دلفت، فسألها رغم نيته المبيته بالرحيل قائلا:
- هل هناك حالات أخرى بالخارج؟
- لا ولكن هناك حالة قد اتصلت لتسأل عن وجودك وقلت لها أنك متواجد بالعيادة.
قطب جبينه بانزعاج وقال لها:
- لا لا اتصلي بهذه الحالة فورا وقولي لها أني اعتذرت ورحلت، ودعيها تأتي في نوبة المساء
- كما تأمر.

تجاوزها "موسى" متجها إلى ردهة المشفى، لن يستطيع التركيز بشيء وهو خائر القوى منهك الجسد، لابد له من الراحة، قضى طريقه من عمله حتى بيته، غافيا وقد أراح رأسه على نافذة الافلة بإنهاك.
وصل أخيرا أمام بنايته فجر رجليه بتعب نحوها، ووقف أمام المصعد ينتظر نزوله، لم يكن يستطيع الصعود على قدميه رغم أن هذه كانت عادته كنوع من الرياضة، لكن اﻵن غير قادر على فعل ذلك.
طيف امرأة مر من جواره بعدما نزلت من سلم البناية ثم مضت. لم يلتفت نحوها لكنها التفتت!

لقد كانت "فريدة" ذاهبة للتغير على جرحها،لم تكن تتوقع رؤيته،فلم يكن الوقت موافقا لميعاد عودته من المشفى لكنه بدا لها منهكا، فوقفته منتظرا المصعد، مستندا بكفه على الحائط المجاور للمصعد توحي بإنهاكه.
هيئته استجلبت عطفها، وقد تذكرت إحساسها بالندم على فظاظتها معه، ووجدت في نفسها جرأة تدفعها للاعتذار منه، فنادته بعدما وقفت عن التقدم للخروج من البناية، وقبل أن يغلق باب المصعد الذي ركبه قائلة:
- دكتور موسى ..
توقف "موسى" لوهلة عن غلق باب المصعد وقد فاجأه النداء، هذا الصوت يعرفه، لكن كيف؟ ولم؟
ورفع بصره تجاه الصوت ليتأكد له ظنه عن صاحبة الصوت إنها فريدته تقف، وقد خفضت بصرها إلى الأرض بحياء، وحرج كطفل مذنب شعر بذنبه للتو. حدق بدهشة نحوها أهذه "فريدة" أم أنه يهذي لقلة نومه؟ وما هذا الرداء الفضفاض الذي ترتديه بجناحي بذراعين كجناحي فراشة رفرفا على إثر الهواء الذي لفحهما ببرودة منعشة فأطفأ بعضا من لهيبهما معا.
خرج من المصعد وتقدم نحوها في تؤدة، و إحساس بخيالية ما يحدث يراوده وإنما يشعر بأنه قد يستفيق في أي لحظة ليجد نفسه على فراشه قد استيقظ بعد نوم عميق.
سألها بهدوء ظاهري لا يشي بثورة فؤاده قائلا:
- خير يا مدام فريدة أتحتاجين شيئا ؟

صمتت وأخرسها توترها عن الحديث، فتاهت العبارات عن شفتيها، لا تعرف بم تجيبه؟ أتعتذر له فقط عما بدر منها أم تشرح له ما تمر به ؟ ولكن لِم تشرح له، من هو حتى تشرح له ؟ احتارت فيما تقول ولعنت تسرعها الذي جعلها تناديه دون أن ترتب قولا مناسبا تحدثه به.
وعندما وجدها خجلة لا تنطق فأراد أن يفهم لماذا نادته فسألها ليزيل عنها ارتباكها قائلا :
- هل غيرتِ ضمادة جرحك منذ الأمس .
فأجبت ب(لا) بصوت خفيض فأكمل وشعور بالعجب يخالطه من خجلها، ورقتها الظاهرة معه، وكأنها صارت امرأة أخرى غير التي كان بضيافتها بالأمس :
- حسنا هيا إلى الصيدلية لتغيري على جرحك وساَتي معك لأشتري بعض الحاجيات من الصيدلية إذا لا تمانعين .
ابتسمت وأجابته برقة وهي تنظر له:
- لا أمانع
خرج أمامها وتقدمها في المسير بخطوة، والحيرة تأكله عن سبب منادتها له، لذا كان من الطبيعي أن يعرض عليها الذهاب معها للتغيير الجرح رغم عدم رغبته في الذهاب،هو يرغب في النوم فقط ويبدو أنه لن يكتب له النوم ولو حتى ساعات قليلة، لكن لا بأس ربما تنحل عقدة لسانها بالطريق، وتخبره عما تريد! وتفهمه لم نادته؟
لكنها ظلت صامتة أثناء سيرها خلفه بحياء ألهب قلبه الذي أُغرم بها .. كم تبدو فاتنة بردائها الفضفاض ووجهها الطفولي الخجول .. ثم استغفر سرا، عندما وجد نفسه يمعن التفكير بها، تأفف سرا وهو يقول لنفسه:
- سامحك الله يا فريدة فلتنطقي ماذا أردتي مني بدلا من تركي بهذ الحيرة.
أما "فريدة" فقد ظلت تُعد الكلمات التي ستقولها اعتذارا عما بدر منها ، ولكن الكلمات كانت تخذلها ولا تعرف بم تبدأ، وماذا تقول. تعجبت لشعورها بالخجل من وجوده بجوارها، وزاد من خجلها شعورها بالخطأ في حقه، وقد نوت أن تصلح خطأها هذا.
وصلا إلى الصيدلية فسبقها بالدخول وابتدر هو الحديث قائلا :
- أريد أن أغير لها على جرحها بضمادة جديدة .
ثم نظر خلفه وسألها بصوت خفيض : هل أحضرت مخفف الألم الذي كتبته لكِ
فأشارت بالنفي.
فنظر مرة أخرى للصيدلي وأخبره باسم المسكن الذي كان قد كتبه لها .
انصرف الطبيب، ثم عاد بعد قليل بأدواته التي يحتاجها لاستبدال ضمادة يدها المجروحة. بدا على وجه فريدة التوتر والخوف و ندمت أنها نادت على موسى، كانت خجلة من رؤيته لها بهذا الضعف ، لو لم تكن نادته لما تعرضت لهذا الموقف الذي لا تحسد عليه.
نظر لها موسى بطرف عينه فلاحظ خوفها الذي طفا على ملامح وجهها، فقال لها مطمئنا:
-لا تخافي لن تشعري بألم .. ثم وجه حديثه للطبيب قائلا : بدل لها الضمادة برفق من فضلك .
أشار له الصيدلي أنه سيفعل، و اضطرت فريدة لمد يدها المجروحة له وهي مغمضة العينين في خوف جلي، خاصة وأن أصبعها يؤلمها منذ استيقظت، وزاد الألم بعدما أعدت هي الإفطار بدلا من أمها، وتبللت دون قصد ضمادتها. فسبب لها ذلك بعض الالتعاب بالجرح.
كانت تخشى أن تتألم أكثر بما سيفعله ذلك الطبيب، و ما إن وضع الطبيب بعضا من علاج مضاد للالتهاب على أصبعها المجروح الذي ظهر عليه علامات الالتهاب، حتى تأوهت بصوت مكتوم .. مما أثار حفيظة "موسى" الذي وقف إلى جانبها شاعرا بالقلق عليها من خوفها و بالغيرة لإمساك ذلك الطبيب بيدها وكأنه وحده من له الحق بإمساك كفها، أو أنها أحد ممتلكاته الشخصية التي لا يريد لأحد المساس بها، أو أنه يحق له الغيرة من الأساس مما جعله يبعد يد الطبيب عنها بجفاء قائلا :
- بربك ألم أقل لك برفق ... لما تتوجع إذَا ؟
تعجب الطبيب من تصرفه وأجابه:
- أنا أعمل برفق بالفعل، هي فقط……
قاطعه موسى بيده بحركة عصبية وسحب منه الأدوات قائلا وعلى وجهه علامات التوتر والقلق:
- دع عنك ذلك سأضمدها لها أنا.
كانت فريدة قد فتحت عينيها الدامعتين بعد أن سمعت هذا الحوار بين موسى الحانق والطبيب المُحرج المتعجب، لتجد كفها في يد موسى القوية وبدأ يعمل يده بتضميد جرحها بلطف، ورقة فأشعرتها لمسات يده بأنها قد حوت حنان بمئ الأرض و من عليها .. لم يصر على لطفه معها، رغم أنها اَذته في أمسها ؟
أنهى ما قد كان يفعله دون أن تشعر سوى بألم طفيف، ولا تعرف سببا لذلك، ألم تشعر بألم لمهارته؟ أم لأنها شردت بوجهه الذي كان منهمكا منذ قليل بتضميد جرحها فخففت صورته في عينيها بعض الألم؟.
أتى الصيدلي بالدواء المسكن ونقده موسى حسابه وخرج فخرجت وراءه وشعور بالوهن والضعف عاد يتملكها، فتأخرت عنه بعدة خطوات، لذا وقف وسألها :
- هل أنتِ بخير ؟
تماسكت وادعت القوة و أجابته قائلة :
- نعم أنا بخير
فأكمل سيره و أسرعت هي من خطواتها رغم تعبها لتلحق به وما إن فصلت بينهما خطوة واحدة، حتى ترامى إلى سمعه صوتها الرقيق يقول :
- دكتور موسى .. أنا .. أنا أعتذر عن فظاظتي معك بالأمس أتمنى أن تتقبل اعتذاري و تلتمس لي عذرا، أنا اَسفة.
لم يصدق ما سمعه ، وارتفع لديه إحساس أنه في حلم لاشك في ذلك و لما لم يجيبها سمعها تناديه :
- دكتور موسى ... هل تقبلت اعتذاري؟
نظر نحوها و قلبه يرقص طربا لسماع صوتها الرقيق يأتيه معتذرا، لكنه أجابها برصانة تخفي سعادته قائلا بهدوء:
- حصل خيرا يا مدام فريدة .
شعرت أنه لم يتقبل اعتذارها وإنما ذوقه حتم عليه قول ذلك فقط حتى لا يزيد إحراجها؟ لكنه ربما لم يتقبل اعتذارها فقالت لهxوصوتها قد زادت له نبرة الأسف:
- أنا اعتذر حقا .. لك الحق في عدم تقبل اعتذاري، فقد كنت عديمة الذوق معك ،ولأني قد اختبرت سعة صدرك فلي عشم أن تقبل اعتذاري.
تبسم "موسى" لرقتها وصدق حدسه أنها أظهرت له طباعا عكس طباعها، ولمعت بذهنه فكرة تمنى أن تصيب و ينتهز من خلالها فرصة رحابة صدرها المفاجئة تلك لنفسه فيصل لمبتغاه فقال لها باتسامة واسعة:
- حسنا أنا اتقبل اعتذارك .. لم يحدث شيئا، و لتتأكدي من ذلك يسعدني أن أدعوك أنت وزوجك عندما أراه ووالدتك بالطبع على الغداء، ولأني لا أحسن الطبخ سأدعوكم في مطعم يقدم طعاما ممتازا .
تنحنحت فريدة وقالت له :
- أنا مُطلقة منذ عامين أو يزيد قليلا.
صمتت ولم تزد حرفا.
سقطت كلماتها على رأس موسى كحجر صلب، تفاجأ أنها مطلقة، كان يظن زوجها مسافرا أو أنهما على خلاف معا لكنه لم يتوقع أنها مطلقة، ورغم ضيقه لشعوره بالحزن في صوتها، بقدر ما أسعده سماع هذا الخبر وأنه كان موفقا عندما أتى على ذكر زوجها ليعرف أين هو ؟ مما جدد لديه الأمل في عبث حبها بقلبه، بلا قيد ولا مانع.
ورغم سعادته إلا أنه قال لها بحرج :
- اَسف لسماع ذلك .
منحته ابتسامة صافية وقالت لتزيل عنه الحرج :
- لا عليك ... شكرا لتقبلك اعتذاري. بعد إذنك
كانا قد وصلا لمدخل البناية، فسبقته بصعود درجات السلم حتى تقكع عليه الحديث إذا ركبا معا المصعد.
تبعها بنظره وقلبه معلق بخطاها، ثم تنهد ونظر إلى يده فانتبه أنه لازال حاملا دواءها فناداها:
- "فريدة"
تعحب من نفسه أن اسمها قد فلت منه دون ألقاب، واستاء من نفسه لفعل ذلك، مما سيجعلها تصب عليه غضبها من جديد، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث، بل نظرت ورائها لتجده مادا لها يده بالدواء.
فعادت وأخذته منه، ثم شكرته بابتسامة عذبة ممتنة، ولم تقل حرفا أخذت الدواء ثم صعدت درجات السلم متمهلة شاردة بما دار بينهما منذ قليل.
دلفت لشقتها، وأغلقت الباب ثم وقفت مستندة بظهرها عليه،وضعت كفها فوق موضع قلبها، وتساءلت لم يدق في سرعة محببة حيرتها؟ ..لا زالت تشعر بملمس يديه الحنونة .. لا زالت تشعر بوجوده المسيطر الذي أجبرهت على احترامه والنظر له بامتنان .. لم أصابعها ترتجف هكذا ودقات قلبها تعزف لحنا راقصا في انتشاء يا ترى!
*****
تمدد موسى على فراشه في إرهاق شديد، لكن عقله يصر على الاستيقاظ وتذكر تفاصيل مقابلته بفريدة التي لم تكن بحسبانه ، وبعدما كان ينوى الابتعاد عنها لأنها متزوجة، يقضى ربه بأن يفرج واحدا من همومه بلطف منه، وتبتسم له الحياة ولو لمرة وتغريه ببصيص نور قريب سيسطع على حياته، ودفء جميل يذيب برودة أيامه. دفء العائلة هذا ما يتمناه وقلبه مال بشدة لهذه الفريدة، ويحلم بأن يكون كلاهما عوضا لﻵخر عما لاقاه في ماضيه، ورغم أنه يعرف أن أمه ستعارضه عندما تعلم برغبته في الزواج من ثيِّب* إلا أن ذلك لا يقلقه كثيرا، فهو لن يمنحها فرصة الاعتراض، ثم إنها ستعترض على من ابنها "موسى" الذي أماتته، أم على "صالح" الذي هو ليس ابنا لها؟!
هو لا يمن عليها باستمرار وصلها وودها بالخفاء من خلال مكالماته لأخته، لكنه ينصر في نفسه الخير على الشر، ويحاول مسامحتها ونسيان الماضي، لكنه مع ذلك لن يسمح لها اعتراض أو تخريب مستقبله مثلما خرب ماضيه، ثم إن زواجه من "فريدة" لن يكون خطأ يحق لأحد الاعتراض عليه، ثم ابتسم وتسائل في نفسه وهو مغمض العينين:
- أبهذه السرعة أخذت قرارك، ونويت الزواج منها؟ ولكن ماذا عنها هي هل ستقبل أم سترفض بعدما تقذفك بحجر من فظاظتها المتخفية وراء رقتها ؟
ولم يصل لإجابة لسؤاله ﻷنه راح في سبات عميق وطيف "فريدة" الملائكي يداعب حلمه كما يداعب واقعه.

xxxxxxxxxxxxxxxxxxxx x ******
حل المساء سريعا وانتهى اَخر يوم بعطلتها بشكل أسرع وها هي تجلس بمفردها فوق فراشها بعدما تمنت لأمها ليلة طيبة والتي نصحتها بدورها أن تنام مبكرا حتى تستيقظ نشيطة !
ولكن كيف لها أن تنام بعد مهاتفتها التليفونية مع "مريم". تلك المكالمة التي هتكت كل أقنعة التلهي والسعادة الوقتية مع أمها لتطفو مشاعر الضيق والاختتاق على سطح قلبها ومحياها.
كانت سعيدة بتلك الوظيفة التي رشحها "زاهر" لصديقتها، لكنها كانت حزينة أيضا، فهي ولأول مرة ستذهب لعملها، ولن تجد صديقة عمرها معها لتكن بجوارها دائما وتُآزرها في أوقات ضيقها، وهي كذلك لن تكون معها فيتقاسمان فرحتهما وحزنهما كما يتقاسمان قلبيهما،ستُلهي الدنيا كل واحدة عن اﻷخرى بهمومها ومشاغلها، وسيقل بينهما التواصل رويدا رويدا،ربما حتى ينتهي!
ورغم ضيقها المكنون إلا أنها لم تبدِ شيئا منه أمام صديقتها حتى لا تؤثر على قرارها تجاه هذا العمل الجديد بل شجعتها على الذهاب مع "زاهر" ودعمته كثيرا لدى مريم القلقة المتشككة من ناحيته؛ فقد كانت تحترمه وتقدره.
وها هي ستنتظر حتى تهاتفها "مريم" بعد مقابلة العمل تلك لتخبرها عن قرارها تجاه هذا العمل الجديد، الذي تظن أنه سيكون بالمواقفة فهو عرض لا يرفض.
وقبل أن تخلد للنوم قررت قراءة تفسير حلمها، فقامت وأحضرت من مكتبتها الصغيرة متاب تفسير الأحلام ثم عادت إلى فراشها وجلست وقلبها يدق بعنف من الترقب والخوف من هذا الحلم فتحت باب تفسير رؤية الثعبان لتقرأ بخوف وقلبها يخفق برعب ويسقط إلى أخمص قدميها أو يغوص في صدرها مختبئا من قلقه وخوفه:
(يقول ابن سيرين أن الحية أو الثعبان بشكل عام في الحلم تدل على عداوة شديدة على قدر حجمها وقدر سمها، وكلما كان الثعبان كبيرا في الحجم دل على قوته وهذا ينعكس على جبروت العدو
-يقول ابن سيرين أن الشخص إذا شاهد ثعبانا في منامه و كان هذا الثعبان صوته مرتفع ويقترب منه أو يطارده دل ذلك على أن هذا الشخص سوف يتعرض لمكروه بحجم اللدغة التي طالته في المنام .
- يقول ابن سيرين ان .……)
سارت ارتعاشة باَخر عنقها وجف حلقها تماما لما قرأته واعتصرت قبضة باردة قلبها الرقيق ومزقتها التساؤلات الخائفة الحائرة إربََا ... ثعبان يتربص بها (مكروه أو عدو) بل والأكثر رعبا أن سم هذا الثعبان قد طال أمها ..ما هذا ؟ و من الذي انتشلها في الحلم فطاله الثعبان بلدغته وصار معرضا لمكروه كما هي معرضة ؟ مَن ذلك الثعبان؟
واتجه عقلها لا إراديا تجاه موسى أيعقل أن يكون هو من يتربص بهن ولكن لم؟ هو يبدو خلوقا ولكن الكارثة التي تؤرقها أن الجُرم لا يقع إلا ممن نثق بهم و نستبعدهم عن دائرة الاتهام !
ولكن إذا كان "موسى" هو من يتربص بها فمن كان منقذها بالحلم، سيف؟ و ضحكت باستهزاء محركة رأسها يمنة ويسرة قائلة بصوت مسموع :
-لا يمكن ... لا يمكن .
ربما يكون "سيف" هو ذاك الثعبان وسم أيامي .. يارب سلِّم .
نفسها خائفة وجلة كطفل وحيد تخلى عنه محبيه فجلس وحيدا خائفا ينزوي على نفسه، لم تستطع النوم من خوفها فقامت إلى حجرة أمها، فطرقتها ثم دخلت، توجهت نحو فراش أمها ثم نامت إلى جوارها متكورة بخوف داخل حضن أمها هنا ملجأها، هنا ستختبأ من شرور عقلها وأفكارها، وياليتها تستطيع الاختباء في مكان أبعد من ذلك، في رحم أمها لعلها تأمن مما ينتظرها في قادم الأيام
يُتبع…
__________________________________________________ ____
* الابتهال لنصر الدين طوبار ابتهال " يا إله العالمين"
رابط الابتهال:
https://youtu.be/I6tqA_NXWoI

https://youtu.be/guYPmhhIWe8

بانتظار اَرائكم وانتقادتكم البناءة دمتم بود ومحبة💚
-بقلم/فايزة ضياء العشري




فايزة العشري لوزة غير متواجد حالياً  
قديم 08-10-21, 12:13 AM   #62

فايزة العشري لوزة
 
الصورة الرمزية فايزة العشري لوزة

? العضوٌ??? » 472964
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 393
?  نُقآطِيْ » فايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا"جمال وجه...أم قبح نفس".عندما يكون المال هو المعيار الأساسي حتي في تقييم المشاعر والنظرة للبشر فهو رزيلة لن تشترى السعادة لصاحبها ولو ملك جمال الكون كله.
من يملك النفس الطيبة والروح النقية والعطاء ولو باليسير الذى لديه من يمنح الحب بلا مقابل من تشرق الدنيا بشروق حبيبه من لا يبيع من يهوى بكنوز الدنيا من له قلب بصير وليس قلبا يضعه بجيبه قرين دفتر شيكات هذا هو معيار الجمال فالجمال ليس كما تتصوره نورا برياش الحياة والقدرة علي شراء افخم الثياب والمجوهرات وحياكة الخطط لنيل من تريد وتحقير البشر كل هذا هو القبح بعينه.
"أما آن للنفس أن تستريح!."ظروف الحياة عندما تقسو علي الكثيرين تجعلهم يتصادقون ومتاعبهم والأمهم يخشون لحظة يتكئون فيها علي أحدx يستندون علي حائطا يلتقطون أنفاسهم من عناء الجرى الطويل و من الألم .
تعتاد عيونهم علي ضوء الشمعة علي قدر آمالهم خشية أن تعتاد أعينهم الضوء المبهر فلا يبصرون طريقهم اذا ما عادوا إلي ضوء حياتهم الخافت وظلمة أيامهم والي صر اعهم المستمر من أجل البقاء.
مريم رغم بدء تسرب إحساس الافتقاد الي من يسندها ويربت علي رأسها ويحتوى ضعفها الذى تخفيه بادعاء قوة كاذبة إلا انها تعرف حقيقة وضعها في عالم يدهس الضعفاء فلا تذهب بآمالها بعيدا حتي الحلم تئده في مهده وما قبولها لعرض زاهر بالعمل إلا من أجل والدتها حتي يتسني لها الوقت لرعايتها .
أعجب بها جدا فهي لم تستبعد ان زاهر قد تكون له نوايا سيئة فلتكن علي حذر.
:الحب ..ان تغمض عينيك فترى نور الأمان".أما ان تظلم حياتك وتتشوه كل الثوابت عن المعني الحقيقي للمشاعر.
أن تتحول كل الأحلام الجميلة إلي سراب.أن تتحول المراة إلي شبح هزيل لا يفرق الضوء من الظلام..الغث من الثمين ..الامن من الضياع
أن تغيم كل الرؤى وتتصرف إنسانة رقيقة كفريدة تتميز بحسن الخلق بهذا الشكل المذرى سواء في المظهر او السلوك مع أيا كان فتلك الطامة الكبرى التي وصلت اليها بفضل تلك الفترة التي عاشتها مع هذا المهووس فافقرتها توازنها وثباتها.
وتلك الصفعة التى دوت علي وجهها كامت بحاجة اليها لتستفيق
فالكون يدور علي الجميع بخيره بشره بشروق شمسه وغر وبها لا يقف علي احد ولا يأبه لحزنx أحد او لفرحه إذا لم ينهض الإنسان علي قدميه بنفسه ويقيل عثرته سيظل ابد الدهر منبطح ارضا
هي الإرادة فقط من تجعلنا نستمر ونحيا بعالم تموج به كل انواع الشرور أما عن الخير ونسبته فهي ما رحم ربي.
"الشيطان يعود".بئس مالا لم يمنح صاحبه خلقا وأداء حق نعمة الله عليه
بئس رجلا لا يرد تحية سائقه ،بالطبع من كان مثله لم يقرأ قول الله تعالي بسورة النساء"وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان علي كل شئ حسيبا"
وهو أيضا لم يعرف للفضائل قدرها فمن يرغب باستعادة إمراة كزوجة لا يرتكب الكبائر مع غيرها باعتباره تسلية لوقته حتي تبدامباراته القذرة في استعادة ما يظنه من أملاكه.
بل ويعتقد ان ليس هناك من النساء من ترده فهلا تخيل نفسه بغير ماله ليرى من تنظر إليه فالضباع لا تلتف سوى حول الجيف.
الفصل جميل غاليتي بتطور أحداثه والتي ستزداد تشويقا بعودة محور الشر سيف
إلي لقاء دمتي بكل المودة والمحبة


وتستمرين يا سيدة التعليقات الحلوة بإبهاري بقراءتك وتفصيلك للأحداث، أجد لفصولي صدى ومعنى بقراءتك لها ومتابعتك لها، فشكرا لكِ من صميم قلبي🌼💙💚


فايزة العشري لوزة غير متواجد حالياً  
قديم 08-10-21, 12:15 AM   #63

فايزة العشري لوزة
 
الصورة الرمزية فايزة العشري لوزة

? العضوٌ??? » 472964
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 393
?  نُقآطِيْ » فايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا.طابت جمعتك حبيبتي ودمتي بكل الخير
بانتظار ك الاسبوع القادم بإذن الله
ولا بأس عليكي
اصلح الله لك الحال والبال

اللهم اَمين ، شكرا لانتظارك واَسفة لتأخري
أسعد الله قلبك كما تسعدني كلماتك دائما💚


فايزة العشري لوزة غير متواجد حالياً  
قديم 08-10-21, 12:37 AM   #64

فايزة العشري لوزة
 
الصورة الرمزية فايزة العشري لوزة

? العضوٌ??? » 472964
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 393
?  نُقآطِيْ » فايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فايزة العشري -لوزة- مشاهدة المشاركة
الفصل الثاني عشر
كان ممددًا على فراش وثير، سكن بعضا من آلام ظهره الذي شبت فيه الحرائق، بعد نوبة ضرب جديدة من جلاده، بعدما قال "لا" في وجهه، معاندًا سلطته معلنًا رغبته في الالتحاق بالجامعة، كانت هذه المرة التي لا يعرف كم عددها بعد عدد المرات التي خالف فيها العمدة، ووقف بوجهه، لكن هذه المرة كانت أكثرهم تمردًا وعنادًا، بعد أول مرة سلخ ظهره السوط في أول ليلة تسبق مكوثه بالقصر، حينها كان إصراره على قول اسمه لا إراديا، أما اليوم فإصراره وعناده كان عن عمد !
عندما كان صغيرًا تعلّم أن يقول "نعم"، ولا يعارض أبدًا ولم يكن بيده سوى الطاعة، حينها علم أن والديه قد وافقا على استخراج شهادة وفاة له ل"موسى نصر الدين"مقابل مبلغ مادي، دفعه لهم العمدة صاحب السلطة والطغيان لكي يستولي على ابنهم ويستخرج له شهادة ميلاد أخرى باسمٍ مغايرٍ، ويكون فيها الأب العمدة"علوي صالح"!!
أما هو فلم يكن للعمدة الابن الذي أراده، لم يكن الابن المطيع الذي تمنى أن يكون ذراعه اليمنى، وخليفته في المظالم، بل كان شوكةً في حلقهِ، ولعنة تمرده أشعلت غضب العمدة، فصار دائم السخط عليه. أما هو فقد توقفت رغبته في طاعته، هذا مستقبله الذي يريد أن يحرمه منه، ألا يكفي كل ما قد حرم منه؟ ألا تكفي طفولته التي حرم منها ووالديه، وهويته ، وأصدقائه ألم يكفه كل هذا، حتى يطال جبروته مستقبله أيضا؟
أثناء شروده الباكي، سمع صرير باب حجرته يفتح ببطء فأغمض عينيه كأنه يغط في النوم، لكنه أرهف السمع لتلك الخطوات التي تقدمت نحو فراشه، واقتربت منه جالسه، ثم سمع همسًا رقيقًا يناديه:
- "موسى" … "موسى" استيقظ يا بني.
أبواه تخليا عنه، فصار يتيمًا وهما حيان، وأبوه على الورق أبعد ما يكون عن الرأفة والحنان لكي يأتي إليه فجرًا فيهمس إليه ب"بني" وموقظا إياه، إضافة لذلك لن يناديه أبدًا ب"موسى"، الذي مات فمن يوقظ اﻵن ميتًا، أماتوه بجبروتٍ وهو على قيدِ الحياة؟
أدار رأسه ليرى مناديه على بصيص ضوء انبعث من أنوار حديقة القصر إلى داخل غرفته المظلمة، فوقعت عيناه على ملامح أبيه الحقيقي، ورغم تخليه عنه إلا أنه اشتاق إليه، اشتاق ضمته إلى صدره، وحنوه عليه، منذ سنين افتقد هذا الحنان والاحتواء، وهذا الوجه الحبيب افتقد أن يكون بهذا القرب.
سقطت دموعه على وجهه متتابعة، وسريعة، فما كان من أبيه إلا أن بكى هو اﻵخر وضم رأسه إلى صدره في أسف وألم.
وبعد أن هدأت نوبة البكاء نظر له "موسى" مستفهمًا عن سببِ وجودهِ في حجرتهِ، فمسح أبوه وجهه المتغضّن من آثار الدموع، وهو يقول بهمسٍ ويمدّ يده إليه بلفافةٍ من القماش بداخلها رِزَم من النقود :
- خذ هذه واهرب يا "بني" اهرب وأكمل تعليمك بالمدينة، أنت حصلت على مجموع عالي، أريدك أن تكون طبيبا يا ولدي، هذه الأموال التي دفعها العمدة لنا مقابل تخلّينا عنك، ويقوم هو بأخذك، سامحني يا بني لقد جبنت من الوقوف في وجهه، كان سيشرّدنا أنا وأمك وأختك، وكان سيحصل عليك في النهاية، جبروته ليس له حدود، وأنت تعرف ذلك.
أحنى"موسى" رأسه بأسفٍ وأكمل أبوه، لم نهنأ بمالٍ ولا طعامٍ من بعدِك يا ولدي، سامحني يا حبيبي، هذه الأموال، خذها أنت ستنفعك حتّى تجد عملا وتعتمد على نفسك، اهرب، وكن حريصًا وتخفّى جيدًا.
سأله "موسى" وحلم الحرية والأمل يداعب مخيلته:
- والعمدة ماذا سيفعل؟ وأنت لو سألك ماذا ستقول؟
- سأقول له ابني مات ولا أعرف شيئًا عن ابنه، سامحني يا بني أنا أحاول أن أعوّضك وأساعدك عن تقصيري معك.
قتلته جملة أبيه، ولم يعرف أيسامحه على ما فعله معه، أم يظل ساخطًا عليه.
هو يعرف أن العمدة كان بإمكانه أن يستولي عليه دون مقابل، ويحصل على ما يريد كيفما يريد، ولا يجرؤ أحد على معارضته، أو إبداء حتى مجرد اعتراض، فالكل يخشاه، ويخاف أن يطاله بسيف ظلمه القاطع، ورغم ذلك إلا أنه حاول أن يشتري رضاهم بهذه الأموال، لأنه يعرف مدى غلو مطلبه، فهو يعرف معنى أن يحرم من الولد، وقد حرمه الله نعمة الإنجاب، رغم زواجه المتعدد؛ ولأنه لا يريد أن تذهب أمواله وسلطته لأخيه الوحيد؛ لذا قرر أن يعاند القدر ويكون له الولد، حتى وإن عارضته الحياة.
قرّر أن يربي "موسى" كولده ليكبر مُحِبًا له، لكن اليد التي تمسك بالسوط، والسلاح، لا تعرف كيف تحنو، والقلب الغليظ القاسي، لا يدرك سبل الحنان والرأفة، والعقل الشيطاني الذي دبّر طريقةً لقلب الحق باطلًا، وأخْذ طفل من أبويه، لهو عقل لا يرشد سبيلا لتربية طفل سوى بالقهر والضرب والإيلام خاصة ولو كان طفلا كهذا الذي جلبه على نفسه، ثائرًا، عنيدًا، يقطر كرهه له من عينيه فما كانت الأعوام التي قضاها في قصره، سوى أعوام من القهر والخوف، واﻷلم.
قام من مكانه مسرعًا وارتدى ثيابه على عجلٍ، وكأنّه كان يحتاج من يدفعه ويشجعه على الهربِ، وهو يقول:
- لا أريد المال يا أبي أنا سأهرب فقط، دع الأموال معك ربما تعينك على الحياة .
قام أبوه يمنعه وهو يقول له :
- اهدأ اﻵن، وفكر كيف ستهرب أولا ومتى.
- لا
وخرج مسرعًا من غرفتِهِ، وكأنّه كان ينتظر ذلك المؤشر الذي يدفعه لكي يتخلص من قيده دون تفكير، ودون تخطيط، فقد دفعه اليأس للهرب، جرى متخفيًا بالظلام، ومتسترًا بنخيلِ حديقةِ القصرِ، وما إن اقترب من بوابةِ القصرِ وبدأ في تسلقها حتّى سمعَ من يصرخ فيه:
- قف مكانك، ولا تتحرك .
لكنه لم يستمع للأمر الذي جاءه وأسرع خطواته المتسلقة، وسمع من ورائه زناد قد أطلق، وطلقة طارت فاخترقت ذراعه وأوقعته أرضًا.
شهق مستيقظًا بانزعاجٍ وهو يرفع رأسه من فوقِ ذراعهِ التي أصابتها الرصاصة يوما ما، وقد كان متوسده على مكتبهِ عندما غلبه النعاس، وهو يقرأ في مرجع طبي تركه، وقد حاول أن يجعله أنيسه ليشغله عن كل أفكاره التي تتقاذفه.
لا تفتأ ذكريات ماضيه تطارده في أحلامه، ويقظته، وتنغّص عليه أوقاته الهادئة القليلة، كان لسؤالِ والدة فريدة عن سببِ عيشه في المدينة بعيدًا عن أهلهِ أثرًا في استرجاعِ ذكرياتٍ حاول أن يدفنها في عمقِ الذاكرة، حاول أن ينساها ويشغل نفسه عن التفكير بها، لكن ذكرياته فرضت نفسها وطفت على السطح أول ما سلم عقله للنوم.
قطع انزعاجه ابتهالا لشيخ ذي صوتٍ عذبٍ مغردٍ كتغريدِ بلبلٍ يشدو فوق غصنٍ مياد انساب صوته خفيضًا من مذياعِ المسجدِ المجاورِ لشارعهم، فقام من مكانه ليقوم بتشغيل مذياعه الصغير على إذاعة القرآن الكريم قبل آذان الفجر، فيشدو صوت الشيخ بابتهاله الجميل بوضوح قريب، يريح الصدر من الضيق والكدر والناس حوله مهللين :
-"يا إله العالمين؛
يا إله العالمين حنيني دائم؛
والقلب شاك عليل؛
سال دمعي يا إلهي؛
ولولا غربتي ما كان دمعي يسيل؛
غربتي نجوى ونيرانُ شوق؛
وأسىً باكٍ وليلٌ طويل؛
وإذا ضاقت فنجوى دعائي؛
حسبي الله؛
حسبي الله ونعم الوكيل؛
بالله إيماني وفيه رجائي؛
وإلى علاه ضراعتي وبكائي؛
يا مؤنسي في وحدتي؛
يا منقذي في شدتي؛
يا سامعا لندائي؛
فإذا دجى ليلي وطال ظلامه؛
ناديت يا رب كنت ضيائي؛
سبحانك جلّ جلالك يا الله*


مسح دموعه التي انسابت على وجنتيه بهدوء وخشوع، وتنهّد قائلًا:
- حسبي الله ونعم الوكيل .
رُفع آذان الفجر بأن الله أكبر فوق كلِ ضيقٍ، فوق كلِ سقمٍ، فوق كلِ حزنٍ قد يُهلك الروح والبدن، فأخذ يُردّد وراء المؤذن وهو على يقين مما يردده، ظلّ يعمل لسانه بترديدِ اﻵذان، أثناء وضوئه، ثم أمسك بمنشفةٍ جفّفَ بها وجهه، وساعديه من آثار الوضوء، ثم اتّجه نحو المرآة ليُصفّف شعره العالي المبلل الذي انسابت منه خصلة سوداء على جبينه العريض فبدا وسيمًا، رغم هالات الإرهاق التي تحيط بعينيه بسبب قلة نومه وقلة راحته، فقد أنهك نفسه بالعمل في نوبة ليلية بالمشفى بعد دعوة الغداء التي لبّاها عند فريدة، ليُلهي نفسه عن التفكير بها أو بنفسه، وها هو إنهاكه قد بدا على وجهه.
ذهب لحجرته ليبدّل ثيابه، ويذهب لصلاة الفجر، وعقله يدور في المنغّص الجديد الذي حلّ ضيفًا على عقلهِ، وكأنّه كان ينقصه منغصا إضافيا يكدر عليه ما تبقى له من وقت فراغه، فقد ابتلي قلبه بالميل لهذه ال"فريدة" العنيدة التي تظهر عكس ما تخفي، فتحاول أن تظهر امرأة مستهترة غير مبالية، امرأة قوية جافة الطباع، لكنها على عكس كل ما أظهرت، طفلة متمردة خائفة من الحياة وما فيها، فاقدة للثقة بكل من حولها.
ابتسم ابتسامة جانبية عندما تذكر خوفها الطفولي وتلعثمها عندما تفحّص جرحها وصوتها المرتعش وهي تقول له:
( هو جرح بسيط، لقد زال الألم، لا داعي لذلك)
كم تمنى لو أنه باستطاعته أن يضمّها إلى صدره ويربّت على وجنتها بحنان ويخبرها بما يشبه الهمس، أنه لن يؤلمها ما حيا، ولكن هيهات من وصوله لتلك المكانة منها وهو يكاد لا يعلم عنها أي شيء ذي بال!
لا يمكنه أن يقول، أنه وقع بحبها وهي امرأة متزوجة، لكنها أثارت فضوله واهتمامه، رغم ما أبدته له من فظاظة في التعامل، لكنّه على كل حال سيخمد صوت فضوله ويميت رغبته في فهمها، فليس هذا من حقه، وسيتجاهل السؤال عن حال جرحها اليوم، بل سيتجاهل رغبته في معرفة حالها كل يوم، حتى يقضي الله بينهما، فيفهم ما تخفيه، وقد تبتسم له الحياة معها أو يرحل عن هذا المكان دون فهم فتموت نبضات حبه قبل أن تولد، ويكتب لها الحياة !.
****
مكالمة صباحية أتتها وهي تُبدّل ثيابها على عجل، من ذا الذي سيهاتفها صباحًا هكذا "فريدة" بالطبع ستكون نائمة وتهنأ بنومٍ عميقٍ فمن يا ترى سيكون المتصل؟!
أمسكت هاتفها على عجل لتلقي نظرة على شاشته فيفاجئها مرأى اسم المتصل
"زاهر" يضيء هاتفها باسمه، كما يضيء وجوده أيامها المظلمة !!
خفق قلبها بسرعة، ماذا يريد في هذا الصباح لمَ يتصل؟!
كتمت توترها وحيرتها، ثم حبست شهيقًا في صدرِها أخرجته زفيرًا متقطعًا، فتنفث توتّرها على دفعات وهي تجيب الاتصال قائلة:
- صباح الخير يا أستاذ "زاهر"، خيرًا إن شاء الله هل ألغي موعد الغد؟
أتاها صوته الرصين الواثق الهادئ قائلًا:
- صباح الورد يا "مريم" كيف حالك؟
بدا على وجهها إمارات التعجب، لم يناديها باسمها دون ألقاب؟ وما هذا الصباح الجميل الذي تمناه لها؟!!
سعيدة؟ أجل سعيدة، فكيف يأتيها صباح مُزيّن بالوردِ من سارق قلبها، ولا يكون صباحًا سعيدًا؟!
لكنّها لن تبدي له ذلك؛ لذا قطعت تعجّبها الصامت بنحنحة محرجة وأجابته:
- الحمد لله… أنا بخير ، ثم سكتت عن الكلام المباح فمهما كانت الكلمات تتقاتل على شفتيها لكي تخرج له متغنّجة معلنةً عن نفسها، لكنّها ستحبسها بحنجرتها وتمنعها عن فعل ذلك، فليأتي هو بما عنده، وستصمت لتفسح لكلماته الطريق وللعجب أن أتاها صوته قائلًا:
- دمتِ بخيرٍ .. أردت أن أؤكد عليك موعد الغد، فانتهزت الفرصة لكي أبدأ يومي بسماع صوتك.
تورّدت وجنتيها بحمرةِ الشفقِ، ونضارةِ الزهراتِ على الغصونِ، لكنها تجاهلت تلميحه الصريح لرغبته بسماعِ صوتها، وأجابته بصوتٍ يرجفُ خجلًا:
- نعم .. نعم نتقابل غدا شكرًا لك.
- عفوا آنستي . مع السلامة.
- مع السلامة.
أغلقت الهاتف، وهي في حالةِ ذهولٍ من تلك المكالمة غير المتوقعة، أتكون بحلم ولم تستفق بعد من نومها؟
تردّد صوته المحبب إلى قلبها في ذهنها بقوله: انتهزت الفرصة لكي أبدأ يومي بسماع صوتك
لا، لا هو حلم، حلم السعادة الذي يطاردها، ويغريها بليالٍ ورديةٍ ونهارات مشرقة.
حلم يمسك بيديها، ويسحبها نحو بريقِ الحبِ الخاطفِ خطوةً خطوةً، وكأنّها تتعلم أولى خطواتِ السيرِ على طريقِ الحبِ.
تنهّدت بعمقٍ ونظرت للهاتف، ثم شهقت بفزعٍ واستفاقت من الحلمِ وهي تقول:
- يا الله .. لقد تأخّرت عن العملِ، سامحك الله يا "زاهر"، سامحك الله، خطفت حقيبة يدها بسرعة وجرَتْ تلاحق الزمن ربما تصل بالميعاد!!
*****
نظرت حولها في إرهاقٍ، ولهاثها يعلو، فلا تسمع شيئا سوى صوت أنفاسها، تتلفت في لهفة، وكأنّها تبحث عن عون أو إغاثة من أحدهم، لكنّها لا ترى أحدًا على امتدادِ بصرها! لا ترى شيئًا سوى امتدادٍ شاسعٍ لحقلٍ كبيرٍ يملأهُ عشبًا أصفر خشنًا، ويتوسّطه تلة عشبية صغيرة تحجب ما وراءها.
واقفة هي تلتقط أنفاسها في وسط هذا المكان، ترتدي فستانا يتطاير مع الهواء، كما يطير قلبها تماما من الخوف والضياع، شعرها انسدل على ظهرها، وتطايرت خصلاته هي الأخرى على وجهها، كانت كورقة شجر سقطت من غصنها وتحاول أن تثبت في وجه الريح الذي ازداد مع قرب غروب الشمس، عادت تركض ثانية ولهاثها يعلو أكثر، قدماها حافيتان، وتؤلمانها بشدةٍ، فقد جرحها ذاك العشب الجاف، جرحتها أشواكه وخشونته التي امتلأ طريقها به.
تجري .. تجري .. تجري
تلهث .. تلهث ويعلو صوت أنفاسها
ثوبها يطير، شعرها يطير، وفؤادها من الخوف هواء
تراءى لها من بعيد فرسا تركض نحوها، فحثت الركض نحوها هي الأخرى.
صهلت، وكأنها تناديها أو تعلمها أنها رأتها، وقد أتت إليها، ولكنها لم ترَ صاحب هذه الفرس فكيف لها أن تمتطيها أو أن تركض بها هاربة؟ هاربة من ماذا؟
لا تعرف، إنما هي فقط خائفة وتود الهرب، ورؤيتها لتلك الفرس البيضاء قد طمأنتها، صهيلها القوي اَمن خوفها لكنّها كلما ظنّت أنها تقترب منها، تزداد المسافة بينهما اتساعًا وابتعادًا!! سمعت صوت خشخشة قريبة منها، ربما خلفها من بين العشب الأصفر الجاف، وكأن شيئا يزحف فيتكسر تحته العشب! التفتت وراءها وهي تركض في فزع، لكنها لم تر شيئا، وصوت ضربات قلبها ولهاثها يصمها عن سماع ما يصدر حولها، لكن شعورها بحركة سريعة وراءها زاد من فزعها.
أصبح بينها وبين الفرس خطوات قليلة، لكنها التفتت خلفها؛لتبحث عن مصدر الصوت الذي تسمعه، فتعثرت. صرخت وعلت صرختها عندما ظهر لها من بين العشب الجاف ثعبانا طويلا يخرج لسانه المشقوق فيفح فحيحا مخيفا، ويتقدم منها بثقة.
نزعتها من صرختها ذراعا قوية جاءتها من خلفها تشدها وتنتشلها من سقوطها فترفعها على ظهر الفرس، فهجم الثعبان على صاحب الذراع القوية -الذي لم تستطع تبين ملامحه بعد- ولدغه، فردت الفرس الهجوم بهجوم ، وانقضت على الثعبان تضربه بقوائمها حتى خمدت حركته .
حاوط خصرها بذراعه السليمة حتى لا تقع وبيده المجروحة أمسك لجام الفرس، ونجزها لتسير فاستجابت له .
أدارت رأسها ببطء؛ لتنظر من فوق كتفها فتتبين ملامح ذاك الفارس، وما إن التفتت حتى سمعت من يناديها...

- فريدة… فريدة… استيقظي هيا كفاكِ نوما، أنت احتللتِ فراشي إلى ما بعد الظهيرة .. هيا يا كسولة.
استوت"فريدة" جالسة بسرعة على الفراش، وهي تشهق بصوت مرتفع وكأنها تخرج من تحت الماء، نظرت إلى خصرها وكأنها لازالت تشعر بذراع تحيطها، دارت بعينيها حولها في دهشة لوجودها بحجرة أمها، كيف قضت ليلتها في فراش أمها ؟ لكنها سرعان ما تذكرت أنها كانت تحدثها بالأمس، وهي ممدة إلى جوارها، وربما غفت بجانبها ولم تشأ أمها أن توقظها .
اقتربت منها والدتها وعلامات القلق بادية على وجهها وهي تقول:
- ما بك يا حبيبتي .. أأنت بخير؟
تنهدت "فريدة" وخللت أصابعها خصلات شعرها فأرجعتها للوراء بعيدا عن وجهها ثم ابتسمت لأمها مطمئنة وهي تقول:
- صباح الخير يا شمسي .. أنا بخير يا حبيبتي لا تقلقي
ربتت أمها على كفها وقالت لها :
- حسنا يا حبيبتي هيا .. هيا انهضي للتناولي فطورك؟ ثم تركتها، وغادرت الغرفة.
شردت "فريدة" في ذلك الحلم الذي رأته أو ذاك الكابوس، يجثم خوفها على صدرها مما رأته فأراحت ظهرها إلى وسادتها وهي تتذكر منظر الثعبان المخيف الذي رأته- ثم قطبت - كأنها رأت ثعبانا شبيها له من قبل ... أين رأته؟ متى رأته؟
ظل عقلها يدور في قلق ثم سطع في عقلها مظهرها، وهي تقف على مركب أوشك على الرسو منتظرة سيف .. هي تصيح .. هي تصرخ و تشيح لأمها الجالسة على المرسى .. وثعبان يفح في كأس بجوار أمها .. أمها ترفع الكأس لتحتسيه .. هي تصرخ .. نعم انه نفس الثعبان.. هو نفسه.
ذلك الكابوس الذي رأته عندما كانت محمومة !!
ماذا يعني هذا؟ ومن ذلك الفارس لذي أنقذها، ولدغه الثعبان ؟
وتمنت لو أنها قد استطاعت رؤية وجهه ومعرفة هويته.
دخلت أمها غرفتها مجددا، لتجد ابنتها قد تمددت مرة أخرى على الفراش، فعقدت حاجبيها، وسألتها في ضجر :
- هيا يا "فريدة" أتنوين النوم حتى صلاة العشاء ؟
حاولت أن تصرف عن ذهنها ذلك الحلم الذي يجثم وقعه الثقيل فوق صدرها؛ حتى لا تلفت انتباه أمها لانزعاجها، ثم ابتسمت، وقالت لها بدلال، وهي تتمطى:
- فراشك جميل يا أمي أعتقد أنكِ ستستضيفينني كل ليلة.
- انهضي هيا .. مَن هذه التي ستنام معي كل ليلة؟ لم أستطع أن أنام بجوارك من كثرة حركتك، وتقلبك.
X-قالتها أمها بضحك وهي تعرف أن ابنتها ستغتاظ، وتهب من فراشها -
وبالفعل لم تكذب فريدة حدس أمها، فهبت من فراشها بغيظ فتناثر شعرها على ظهرها، وقصَّتها الغجرية قد انحرفت على جبينها المقطب وتسائلت بضيق، ودهشة:
- مَن يفعل ذلك .. أنا أتحرك كثيرا أثناء نومي يا أمي؟!
أجابتها أمها من بين ضحكاتها:
- لقد انطلت عليكِ الحيلة يا صغيرتي واستطعت أن أجعلك تقفزين من الفراش، مَن هذه التي تتحرك كثيرا في نومها ؟ أنت قطتي المشاكسة التي تتكور على نفسها عند النوم، إن أردتي النوم معي كل ليلة فلك ما شئت، سأتحمل مقاسمتك فراشي أمري لله.
ضحكت فريدة وانشرح قلبها لمشاكسة أمها لها، وهذا يعني أنها قد غفرت لها ما فعلته بأمسها القريب، ثم قالت لها :
- لا حرمني الله من حنانك هذا يا حبيبتي، قولي لي هل تناولتي فطورك؟
ابتسمت أمها وهي تمسد جبينها بأصابعها محاولة إخفاء انزعاجها من الألم
- لا لم أتناوله بعد، سأتناول مسكنا للصداع وأُعِد الإفطار حتى تغسلي وجهك، وتتوضئي وتصلي .
اقتربت منها فريدة متسائلة بقلق:
- صداع.. لم؟ أحقا لم تستطيعي النوم أمس بسبب وجودي ؟

- لا يا حبيبتي استطعت النوم طبعا، هو مجرد صداع سيزول بمفعول المسكن عندما أتناوله، صحيح كيف حال جرحك أتشعرين بتحسن ؟

أجابتها وهي ترفع كفها لا إراديا تجاه وجهها، وكأنها تتأكد من وجود الضمادات حول كفها قائلة:
- أشعر بوخز بسيط من حين ﻵخر.
- لأنك لم تأخذي المسكن الذي كتبه لكِ الطبيب، تناولي فَطورك واذهبي لإحضاره من الصيدلية.
أماءت برأسها موافقة ثم ربتت على ذراع أمها قائلة:
- حسنا سأفعل ذلك، وأنتِ يا حبيبتي استريحي قليلا حتى أعد لنا الإفطار، ثم تتناولين مخفف الألم. لن أتأخر عليكِ.
قالت أمها بضحك:
-لا سأحضره أنا حتى لا تقطعي باقي أصابعك مع الإفطار
ضحكت فريدة بانطلاق،وقالت بنزق ودلال :
-لا مانع أن تفطري بالأصابع اللذيذة لفريدة
تركت "فريدة" أمها لتنهي ما عليها، وقد عزمت في قرارة نفسها أن تفعل أي شيء يرضي أمها، ويجعلهما مستمتعتان باَخر يوم لها بأجازتها، وقررت أن تصرف عن ذهنها التفكير في ذلك الحلم حتى تختلي بنفسها فتحاول أن تبحث له عن تفسير في كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين الرابض بمكتبتها!

Xxxxxxxxxxxxxxxx xxxx ****
ثلاثة فناجين من القهوة قد احتساها ولم يستفق بعد، يشعر بين كل لحظة وأخرى أن رأسه ستستقط على صدره من فرط الإجهاد، والرغبة في النوم؛ لذا قام من فوره وقد قرر العودة إلى بيته لينام حتى صباح اليوم التالي.
ضرب جرس استدعاء الممرضة، فطرقت ثم دلفت، فسألها رغم نيته المبيته بالرحيل قائلا:
- هل هناك حالات أخرى بالخارج؟
- لا ولكن هناك حالة قد اتصلت لتسأل عن وجودك وقلت لها أنك متواجد بالعيادة.
قطب جبينه بانزعاج وقال لها:
- لا لا اتصلي بهذه الحالة فورا وقولي لها أني اعتذرت ورحلت، ودعيها تأتي في نوبة المساء
- كما تأمر.

تجاوزها "موسى" متجها إلى ردهة المشفى، لن يستطيع التركيز بشيء وهو خائر القوى منهك الجسد، لابد له من الراحة، قضى طريقه من عمله حتى بيته، غافيا وقد أراح رأسه على نافذة الافلة بإنهاك.
وصل أخيرا أمام بنايته فجر رجليه بتعب نحوها، ووقف أمام المصعد ينتظر نزوله، لم يكن يستطيع الصعود على قدميه رغم أن هذه كانت عادته كنوع من الرياضة، لكن اﻵن غير قادر على فعل ذلك.
طيف امرأة مر من جواره بعدما نزلت من سلم البناية ثم مضت. لم يلتفت نحوها لكنها التفتت!

لقد كانت "فريدة" ذاهبة للتغير على جرحها،لم تكن تتوقع رؤيته،فلم يكن الوقت موافقا لميعاد عودته من المشفى لكنه بدا لها منهكا، فوقفته منتظرا المصعد، مستندا بكفه على الحائط المجاور للمصعد توحي بإنهاكه.
هيئته استجلبت عطفها، وقد تذكرت إحساسها بالندم على فظاظتها معه، ووجدت في نفسها جرأة تدفعها للاعتذار منه، فنادته بعدما وقفت عن التقدم للخروج من البناية، وقبل أن يغلق باب المصعد الذي ركبه قائلة:
- دكتور موسى ..
توقف "موسى" لوهلة عن غلق باب المصعد وقد فاجأه النداء، هذا الصوت يعرفه، لكن كيف؟ ولم؟
ورفع بصره تجاه الصوت ليتأكد له ظنه عن صاحبة الصوت إنها فريدته تقف، وقد خفضت بصرها إلى الأرض بحياء، وحرج كطفل مذنب شعر بذنبه للتو. حدق بدهشة نحوها أهذه "فريدة" أم أنه يهذي لقلة نومه؟ وما هذا الرداء الفضفاض الذي ترتديه بجناحي بذراعين كجناحي فراشة رفرفا على إثر الهواء الذي لفحهما ببرودة منعشة فأطفأ بعضا من لهيبهما معا.
خرج من المصعد وتقدم نحوها في تؤدة، و إحساس بخيالية ما يحدث يراوده وإنما يشعر بأنه قد يستفيق في أي لحظة ليجد نفسه على فراشه قد استيقظ بعد نوم عميق.
سألها بهدوء ظاهري لا يشي بثورة فؤاده قائلا:
- خير يا مدام فريدة أتحتاجين شيئا ؟

صمتت وأخرسها توترها عن الحديث، فتاهت العبارات عن شفتيها، لا تعرف بم تجيبه؟ أتعتذر له فقط عما بدر منها أم تشرح له ما تمر به ؟ ولكن لِم تشرح له، من هو حتى تشرح له ؟ احتارت فيما تقول ولعنت تسرعها الذي جعلها تناديه دون أن ترتب قولا مناسبا تحدثه به.
وعندما وجدها خجلة لا تنطق فأراد أن يفهم لماذا نادته فسألها ليزيل عنها ارتباكها قائلا :
- هل غيرتِ ضمادة جرحك منذ الأمس .
فأجبت ب(لا) بصوت خفيض فأكمل وشعور بالعجب يخالطه من خجلها، ورقتها الظاهرة معه، وكأنها صارت امرأة أخرى غير التي كان بضيافتها بالأمس :
- حسنا هيا إلى الصيدلية لتغيري على جرحك وساَتي معك لأشتري بعض الحاجيات من الصيدلية إذا لا تمانعين .
ابتسمت وأجابته برقة وهي تنظر له:
- لا أمانع
خرج أمامها وتقدمها في المسير بخطوة، والحيرة تأكله عن سبب منادتها له، لذا كان من الطبيعي أن يعرض عليها الذهاب معها للتغيير الجرح رغم عدم رغبته في الذهاب،هو يرغب في النوم فقط ويبدو أنه لن يكتب له النوم ولو حتى ساعات قليلة، لكن لا بأس ربما تنحل عقدة لسانها بالطريق، وتخبره عما تريد! وتفهمه لم نادته؟
لكنها ظلت صامتة أثناء سيرها خلفه بحياء ألهب قلبه الذي أُغرم بها .. كم تبدو فاتنة بردائها الفضفاض ووجهها الطفولي الخجول .. ثم استغفر سرا، عندما وجد نفسه يمعن التفكير بها، تأفف سرا وهو يقول لنفسه:
- سامحك الله يا فريدة فلتنطقي ماذا أردتي مني بدلا من تركي بهذ الحيرة.
أما "فريدة" فقد ظلت تُعد الكلمات التي ستقولها اعتذارا عما بدر منها ، ولكن الكلمات كانت تخذلها ولا تعرف بم تبدأ، وماذا تقول. تعجبت لشعورها بالخجل من وجوده بجوارها، وزاد من خجلها شعورها بالخطأ في حقه، وقد نوت أن تصلح خطأها هذا.
وصلا إلى الصيدلية فسبقها بالدخول وابتدر هو الحديث قائلا :
- أريد أن أغير لها على جرحها بضمادة جديدة .
ثم نظر خلفه وسألها بصوت خفيض : هل أحضرت مخفف الألم الذي كتبته لكِ
فأشارت بالنفي.
فنظر مرة أخرى للصيدلي وأخبره باسم المسكن الذي كان قد كتبه لها .
انصرف الطبيب، ثم عاد بعد قليل بأدواته التي يحتاجها لاستبدال ضمادة يدها المجروحة. بدا على وجه فريدة التوتر والخوف و ندمت أنها نادت على موسى، كانت خجلة من رؤيته لها بهذا الضعف ، لو لم تكن نادته لما تعرضت لهذا الموقف الذي لا تحسد عليه.
نظر لها موسى بطرف عينه فلاحظ خوفها الذي طفا على ملامح وجهها، فقال لها مطمئنا:
-لا تخافي لن تشعري بألم .. ثم وجه حديثه للطبيب قائلا : بدل لها الضمادة برفق من فضلك .
أشار له الصيدلي أنه سيفعل، و اضطرت فريدة لمد يدها المجروحة له وهي مغمضة العينين في خوف جلي، خاصة وأن أصبعها يؤلمها منذ استيقظت، وزاد الألم بعدما أعدت هي الإفطار بدلا من أمها، وتبللت دون قصد ضمادتها. فسبب لها ذلك بعض الالتعاب بالجرح.
كانت تخشى أن تتألم أكثر بما سيفعله ذلك الطبيب، و ما إن وضع الطبيب بعضا من علاج مضاد للالتهاب على أصبعها المجروح الذي ظهر عليه علامات الالتهاب، حتى تأوهت بصوت مكتوم .. مما أثار حفيظة "موسى" الذي وقف إلى جانبها شاعرا بالقلق عليها من خوفها و بالغيرة لإمساك ذلك الطبيب بيدها وكأنه وحده من له الحق بإمساك كفها، أو أنها أحد ممتلكاته الشخصية التي لا يريد لأحد المساس بها، أو أنه يحق له الغيرة من الأساس مما جعله يبعد يد الطبيب عنها بجفاء قائلا :
- بربك ألم أقل لك برفق ... لما تتوجع إذَا ؟
تعجب الطبيب من تصرفه وأجابه:
- أنا أعمل برفق بالفعل، هي فقط……
قاطعه موسى بيده بحركة عصبية وسحب منه الأدوات قائلا وعلى وجهه علامات التوتر والقلق:
- دع عنك ذلك سأضمدها لها أنا.
كانت فريدة قد فتحت عينيها الدامعتين بعد أن سمعت هذا الحوار بين موسى الحانق والطبيب المُحرج المتعجب، لتجد كفها في يد موسى القوية وبدأ يعمل يده بتضميد جرحها بلطف، ورقة فأشعرتها لمسات يده بأنها قد حوت حنان بمئ الأرض و من عليها .. لم يصر على لطفه معها، رغم أنها اَذته في أمسها ؟
أنهى ما قد كان يفعله دون أن تشعر سوى بألم طفيف، ولا تعرف سببا لذلك، ألم تشعر بألم لمهارته؟ أم لأنها شردت بوجهه الذي كان منهمكا منذ قليل بتضميد جرحها فخففت صورته في عينيها بعض الألم؟.
أتى الصيدلي بالدواء المسكن ونقده موسى حسابه وخرج فخرجت وراءه وشعور بالوهن والضعف عاد يتملكها، فتأخرت عنه بعدة خطوات، لذا وقف وسألها :
- هل أنتِ بخير ؟
تماسكت وادعت القوة و أجابته قائلة :
- نعم أنا بخير
فأكمل سيره و أسرعت هي من خطواتها رغم تعبها لتلحق به وما إن فصلت بينهما خطوة واحدة، حتى ترامى إلى سمعه صوتها الرقيق يقول :
- دكتور موسى .. أنا .. أنا أعتذر عن فظاظتي معك بالأمس أتمنى أن تتقبل اعتذاري و تلتمس لي عذرا، أنا اَسفة.
لم يصدق ما سمعه ، وارتفع لديه إحساس أنه في حلم لاشك في ذلك و لما لم يجيبها سمعها تناديه :
- دكتور موسى ... هل تقبلت اعتذاري؟
نظر نحوها و قلبه يرقص طربا لسماع صوتها الرقيق يأتيه معتذرا، لكنه أجابها برصانة تخفي سعادته قائلا بهدوء:
- حصل خيرا يا مدام فريدة .
شعرت أنه لم يتقبل اعتذارها وإنما ذوقه حتم عليه قول ذلك فقط حتى لا يزيد إحراجها؟ لكنه ربما لم يتقبل اعتذارها فقالت لهxوصوتها قد زادت له نبرة الأسف:
- أنا اعتذر حقا .. لك الحق في عدم تقبل اعتذاري، فقد كنت عديمة الذوق معك ،ولأني قد اختبرت سعة صدرك فلي عشم أن تقبل اعتذاري.
تبسم "موسى" لرقتها وصدق حدسه أنها أظهرت له طباعا عكس طباعها، ولمعت بذهنه فكرة تمنى أن تصيب و ينتهز من خلالها فرصة رحابة صدرها المفاجئة تلك لنفسه فيصل لمبتغاه فقال لها باتسامة واسعة:
- حسنا أنا اتقبل اعتذارك .. لم يحدث شيئا، و لتتأكدي من ذلك يسعدني أن أدعوك أنت وزوجك عندما أراه ووالدتك بالطبع على الغداء، ولأني لا أحسن الطبخ سأدعوكم في مطعم يقدم طعاما ممتازا .
تنحنحت فريدة وقالت له :
- أنا مُطلقة منذ عامين أو يزيد قليلا.
صمتت ولم تزد حرفا.
سقطت كلماتها على رأس موسى كحجر صلب، تفاجأ أنها مطلقة، كان يظن زوجها مسافرا أو أنهما على خلاف معا لكنه لم يتوقع أنها مطلقة، ورغم ضيقه لشعوره بالحزن في صوتها، بقدر ما أسعده سماع هذا الخبر وأنه كان موفقا عندما أتى على ذكر زوجها ليعرف أين هو ؟ مما جدد لديه الأمل في عبث حبها بقلبه، بلا قيد ولا مانع.
ورغم سعادته إلا أنه قال لها بحرج :
- اَسف لسماع ذلك .
منحته ابتسامة صافية وقالت لتزيل عنه الحرج :
- لا عليك ... شكرا لتقبلك اعتذاري. بعد إذنك
كانا قد وصلا لمدخل البناية، فسبقته بصعود درجات السلم حتى تقكع عليه الحديث إذا ركبا معا المصعد.
تبعها بنظره وقلبه معلق بخطاها، ثم تنهد ونظر إلى يده فانتبه أنه لازال حاملا دواءها فناداها:
- "فريدة"
تعحب من نفسه أن اسمها قد فلت منه دون ألقاب، واستاء من نفسه لفعل ذلك، مما سيجعلها تصب عليه غضبها من جديد، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث، بل نظرت ورائها لتجده مادا لها يده بالدواء.
فعادت وأخذته منه، ثم شكرته بابتسامة عذبة ممتنة، ولم تقل حرفا أخذت الدواء ثم صعدت درجات السلم متمهلة شاردة بما دار بينهما منذ قليل.
دلفت لشقتها، وأغلقت الباب ثم وقفت مستندة بظهرها عليه،وضعت كفها فوق موضع قلبها، وتساءلت لم يدق في سرعة محببة حيرتها؟ ..لا زالت تشعر بملمس يديه الحنونة .. لا زالت تشعر بوجوده المسيطر الذي أجبرهت على احترامه والنظر له بامتنان .. لم أصابعها ترتجف هكذا ودقات قلبها تعزف لحنا راقصا في انتشاء يا ترى!
*****
تمدد موسى على فراشه في إرهاق شديد، لكن عقله يصر على الاستيقاظ وتذكر تفاصيل مقابلته بفريدة التي لم تكن بحسبانه ، وبعدما كان ينوى الابتعاد عنها لأنها متزوجة، يقضى ربه بأن يفرج واحدا من همومه بلطف منه، وتبتسم له الحياة ولو لمرة وتغريه ببصيص نور قريب سيسطع على حياته، ودفء جميل يذيب برودة أيامه. دفء العائلة هذا ما يتمناه وقلبه مال بشدة لهذه الفريدة، ويحلم بأن يكون كلاهما عوضا لﻵخر عما لاقاه في ماضيه، ورغم أنه يعرف أن أمه ستعارضه عندما تعلم برغبته في الزواج من ثيِّب* إلا أن ذلك لا يقلقه كثيرا، فهو لن يمنحها فرصة الاعتراض، ثم إنها ستعترض على من ابنها "موسى" الذي أماتته، أم على "صالح" الذي هو ليس ابنا لها؟!
هو لا يمن عليها باستمرار وصلها وودها بالخفاء من خلال مكالماته لأخته، لكنه ينصر في نفسه الخير على الشر، ويحاول مسامحتها ونسيان الماضي، لكنه مع ذلك لن يسمح لها اعتراض أو تخريب مستقبله مثلما خرب ماضيه، ثم إن زواجه من "فريدة" لن يكون خطأ يحق لأحد الاعتراض عليه، ثم ابتسم وتسائل في نفسه وهو مغمض العينين:
- أبهذه السرعة أخذت قرارك، ونويت الزواج منها؟ ولكن ماذا عنها هي هل ستقبل أم سترفض بعدما تقذفك بحجر من فظاظتها المتخفية وراء رقتها ؟
ولم يصل لإجابة لسؤاله ﻷنه راح في سبات عميق وطيف "فريدة" الملائكي يداعب حلمه كما يداعب واقعه.

Xxxxxxxxxxxxxxxxxxxx x ******
حل المساء سريعا وانتهى اَخر يوم بعطلتها بشكل أسرع وها هي تجلس بمفردها فوق فراشها بعدما تمنت لأمها ليلة طيبة والتي نصحتها بدورها أن تنام مبكرا حتى تستيقظ نشيطة !
ولكن كيف لها أن تنام بعد مهاتفتها التليفونية مع "مريم". تلك المكالمة التي هتكت كل أقنعة التلهي والسعادة الوقتية مع أمها لتطفو مشاعر الضيق والاختتاق على سطح قلبها ومحياها.
كانت سعيدة بتلك الوظيفة التي رشحها "زاهر" لصديقتها، لكنها كانت حزينة أيضا، فهي ولأول مرة ستذهب لعملها، ولن تجد صديقة عمرها معها لتكن بجوارها دائما وتُآزرها في أوقات ضيقها، وهي كذلك لن تكون معها فيتقاسمان فرحتهما وحزنهما كما يتقاسمان قلبيهما،ستُلهي الدنيا كل واحدة عن اﻷخرى بهمومها ومشاغلها، وسيقل بينهما التواصل رويدا رويدا،ربما حتى ينتهي!
ورغم ضيقها المكنون إلا أنها لم تبدِ شيئا منه أمام صديقتها حتى لا تؤثر على قرارها تجاه هذا العمل الجديد بل شجعتها على الذهاب مع "زاهر" ودعمته كثيرا لدى مريم القلقة المتشككة من ناحيته؛ فقد كانت تحترمه وتقدره.
وها هي ستنتظر حتى تهاتفها "مريم" بعد مقابلة العمل تلك لتخبرها عن قرارها تجاه هذا العمل الجديد، الذي تظن أنه سيكون بالمواقفة فهو عرض لا يرفض.
وقبل أن تخلد للنوم قررت قراءة تفسير حلمها، فقامت وأحضرت من مكتبتها الصغيرة متاب تفسير الأحلام ثم عادت إلى فراشها وجلست وقلبها يدق بعنف من الترقب والخوف من هذا الحلم فتحت باب تفسير رؤية الثعبان لتقرأ بخوف وقلبها يخفق برعب ويسقط إلى أخمص قدميها أو يغوص في صدرها مختبئا من قلقه وخوفه:
(يقول ابن سيرين أن الحية أو الثعبان بشكل عام في الحلم تدل على عداوة شديدة على قدر حجمها وقدر سمها، وكلما كان الثعبان كبيرا في الحجم دل على قوته وهذا ينعكس على جبروت العدو
-يقول ابن سيرين أن الشخص إذا شاهد ثعبانا في منامه و كان هذا الثعبان صوته مرتفع ويقترب منه أو يطارده دل ذلك على أن هذا الشخص سوف يتعرض لمكروه بحجم اللدغة التي طالته في المنام .
- يقول ابن سيرين ان .……)
سارت ارتعاشة باَخر عنقها وجف حلقها تماما لما قرأته واعتصرت قبضة باردة قلبها الرقيق ومزقتها التساؤلات الخائفة الحائرة إربََا ... ثعبان يتربص بها (مكروه أو عدو) بل والأكثر رعبا أن سم هذا الثعبان قد طال أمها ..ما هذا ؟ و من الذي انتشلها في الحلم فطاله الثعبان بلدغته وصار معرضا لمكروه كما هي معرضة ؟ مَن ذلك الثعبان؟
واتجه عقلها لا إراديا تجاه موسى أيعقل أن يكون هو من يتربص بهن ولكن لم؟ هو يبدو خلوقا ولكن الكارثة التي تؤرقها أن الجُرم لا يقع إلا ممن نثق بهم و نستبعدهم عن دائرة الاتهام !
ولكن إذا كان "موسى" هو من يتربص بها فمن كان منقذها بالحلم، سيف؟ و ضحكت باستهزاء محركة رأسها يمنة ويسرة قائلة بصوت مسموع :
-لا يمكن ... لا يمكن .
ربما يكون "سيف" هو ذاك الثعبان وسم أيامي .. يارب سلِّم .
نفسها خائفة وجلة كطفل وحيد تخلى عنه محبيه فجلس وحيدا خائفا ينزوي على نفسه، لم تستطع النوم من خوفها فقامت إلى حجرة أمها، فطرقتها ثم دخلت، توجهت نحو فراش أمها ثم نامت إلى جوارها متكورة بخوف داخل حضن أمها هنا ملجأها، هنا ستختبأ من شرور عقلها وأفكارها، وياليتها تستطيع الاختباء في مكان أبعد من ذلك، في رحم أمها لعلها تأمن مما ينتظرها في قادم الأيام
يُتبع…
__________________________________________________ ____
* الابتهال لنصر الدين طوبار ابتهال " يا إله العالمين"
رابط الابتهال:
https://youtu.be/i6tqa_nxwoi

https://youtu.be/guypmhhiwe8

بانتظار اَرائكم وانتقادتكم البناءة دمتم بود ومحبة💚
-بقلم/فايزة ضياء العشري
* ثيِّب : هي المرأة التي فَقَدَتْ زَوْجَها بِمَوْتٍ أَوْ طَلاقٍ.


فايزة العشري لوزة غير متواجد حالياً  
قديم 08-10-21, 08:58 AM   #65

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,094
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا."الجلاد..والوهم".قصة موسي مؤلمة بالفعل .
إذ أن شياطين الإنس وهم كثر يتصورون أن بمالهم او سلطانهم يستطيعون أن يرسموا أقدارا لهم غير ما شاء الخالق.
فيتوهم العمدة انه يشترى أبوة مزعومة ليحرم بها شقيقه من إرثه وهو من حدود الله ..الرجل ظالم وآثم بكل المقاييس .
ويبدو أن الذكريات المؤلمة اشد ضراوة من الماضي نفسه فهي لا تفتأ تنشب مخالبها الموجعة بنفس الشخص وضميره وكأنها واقع حي ليس له تاريخ صلاحية ينتهي الألم بانتهائه بل الذكريات تزداد تشبثا بعقل المرء متمسكة بالبقاء ولوأقضت مضجع الشخص وافسدت عليه سلامه.
ولا ينقص موسي أيضا نغزات قلب تنبض بانجذاب لامرأة لا يفقه عن ظروفها شيئا تبدى خلاف باطنها فالصواب هو ما قرره بالابتعاد الي أن يقضي الله امرا كان مفعولا.
"ثعبان ليس ببعيد".لو تدرى فريد ان ثعبانها قد أقترب أكثر مما تتخيل بعد أن حطت اقدامه الثقيلة أرض الوطن لتتحول حياتها إلي حقل مقفر ذبلت أوراقه ونبتت أشواكه غير منتبهة لصاحب أخلاق الفرسان والذى سيناله الأذى من شرار الأرض كأنه مصيرا كتب عليه ان يرافقه سوط الجلادين.
فقد إقترب من البقعة المحرم ان تطأها قدم خاصة وقد علم من فريدة أنها مطلقة أى انه لديه الامل من جديد ليحيا ولو شعوره الخاص دون شعور بأى إثم كونها زوجة رجل آخر.
لبس هذا الغريب في الأمر فمشاعر موسي كانت قد وجدت طريقها لتوخز قلبه بسهامها أما فريدة فلم ينبض قلبها هكذا وهي من تتوجس شرا في العالم كله؟.
ربما كما يقولون من القلب للقلب رسول دون إرادة من الشخص او إختيار خاصة اذا كانت المشاعر صادقة.
ومن المفارقات الغريبة ان تبحث فريدة عن تفسير حلمها ويكون أول من يطرأ علي ذهنها انه العدو الذى تمثل في صورة ثعبان هو موسي وأن المنقذ ربما يكون سيف.
ثم تعود لتتفكر انه ربما كان سيف هو هذا الثعبان.
أشفق عليها كثيرا من حسن طويتها أو من غفلتها عن مصدر الأذى القادم وقد حذرها زاهر صراحة وانبأها بنية سيف.
فريدة تحتاج كثيرا لأن تنضج وتزن الامور بعقلها وليس بعاطفتها التي تجعلها تائهة دائماةفي سراديب الماضي .
وبالحاضر حزينة علي احتمال ابتعاد مريم عنها في العمل كأنها طفل صغير ستضل دون صديقتها التي رغم وحدتها وظروفها الاقسي منها إلا انها صامدة وتقف بشموخ حتي أمام مشاعرها.
جميل جدا الابتهال التي اوردتيه بالفصل أشعرني بالفعل بجو الفجر والراحة النفسية لصوت الابتهال والاذان...ابنتي الصغرى اسمها ابتهال وهي كأسمها بالفعل دعوة طيبة لرب العالمين.
سلمت يداك علي الفصل الجميل والصور التعبيرية فيه موحية وصادقة.
الي لقاء دمتي بكل المودة والحب والتقدير.


shezo متواجد حالياً  
قديم 13-10-21, 11:35 PM   #66

فايزة العشري لوزة
 
الصورة الرمزية فايزة العشري لوزة

? العضوٌ??? » 472964
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 393
?  نُقآطِيْ » فايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond repute
افتراضي تنبيه هام

تنبيه
مساء الجوري قرائي الأعزاء💙
بدأت رحلة الدراسة المنهكة ودوامة العمل التي تدور كطحونة تحطنها معها وتشغلنا جميعا؛ لذا كنت أرغب في الاعتذار عن نشر الفصل الثالث عشر غدا ويتم نشره نهاية الأسبوع المقبل احتفالا بالمولد النبوي الشريف💙 -وربما- وليس أكيدا يتم نشر فصلين معََا✌
وما رأيكم في أيام الدراسة والانشغال هذه هل نستمر بنشر أسبوعي أم نشر كل أسبوعين؟ -مع العلم أنه يتم الاعتذار في الظروف الطارئة فقط-
بانتظار اقتراحكم، وإن شاء الله أعمل على تنفيذه💚
دمتم أحبتي قرائي المتفاعلون منكم والصامتون☺
دمتم بود❤

فايزة ضياء العشري


فايزة العشري لوزة غير متواجد حالياً  
قديم 13-10-21, 11:44 PM   #67

فايزة العشري لوزة
 
الصورة الرمزية فايزة العشري لوزة

? العضوٌ??? » 472964
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 393
?  نُقآطِيْ » فايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا."الجلاد..والوهم".قصة موسي مؤلمة بالفعل .
إذ أن شياطين الإنس وهم كثر يتصورون أن بمالهم او سلطانهم يستطيعون أن يرسموا أقدارا لهم غير ما شاء الخالق.
فيتوهم العمدة انه يشترى أبوة مزعومة ليحرم بها شقيقه من إرثه وهو من حدود الله ..الرجل ظالم وآثم بكل المقاييس .
ويبدو أن الذكريات المؤلمة اشد ضراوة من الماضي نفسه فهي لا تفتأ تنشب مخالبها الموجعة بنفس الشخص وضميره وكأنها واقع حي ليس له تاريخ صلاحية ينتهي الألم بانتهائه بل الذكريات تزداد تشبثا بعقل المرء متمسكة بالبقاء ولوأقضت مضجع الشخص وافسدت عليه سلامه.
ولا ينقص موسي أيضا نغزات قلب تنبض بانجذاب لامرأة لا يفقه عن ظروفها شيئا تبدى خلاف باطنها فالصواب هو ما قرره بالابتعاد الي أن يقضي الله امرا كان مفعولا.
"ثعبان ليس ببعيد".لو تدرى فريد ان ثعبانها قد أقترب أكثر مما تتخيل بعد أن حطت اقدامه الثقيلة أرض الوطن لتتحول حياتها إلي حقل مقفر ذبلت أوراقه ونبتت أشواكه غير منتبهة لصاحب أخلاق الفرسان والذى سيناله الأذى من شرار الأرض كأنه مصيرا كتب عليه ان يرافقه سوط الجلادين.
فقد إقترب من البقعة المحرم ان تطأها قدم خاصة وقد علم من فريدة أنها مطلقة أى انه لديه الامل من جديد ليحيا ولو شعوره الخاص دون شعور بأى إثم كونها زوجة رجل آخر.
لبس هذا الغريب في الأمر فمشاعر موسي كانت قد وجدت طريقها لتوخز قلبه بسهامها أما فريدة فلم ينبض قلبها هكذا وهي من تتوجس شرا في العالم كله؟.
ربما كما يقولون من القلب للقلب رسول دون إرادة من الشخص او إختيار خاصة اذا كانت المشاعر صادقة.
ومن المفارقات الغريبة ان تبحث فريدة عن تفسير حلمها ويكون أول من يطرأ علي ذهنها انه العدو الذى تمثل في صورة ثعبان هو موسي وأن المنقذ ربما يكون سيف.
ثم تعود لتتفكر انه ربما كان سيف هو هذا الثعبان.
أشفق عليها كثيرا من حسن طويتها أو من غفلتها عن مصدر الأذى القادم وقد حذرها زاهر صراحة وانبأها بنية سيف.
فريدة تحتاج كثيرا لأن تنضج وتزن الامور بعقلها وليس بعاطفتها التي تجعلها تائهة دائماةفي سراديب الماضي .
وبالحاضر حزينة علي احتمال ابتعاد مريم عنها في العمل كأنها طفل صغير ستضل دون صديقتها التي رغم وحدتها وظروفها الاقسي منها إلا انها صامدة وتقف بشموخ حتي أمام مشاعرها.
جميل جدا الابتهال التي اوردتيه بالفصل أشعرني بالفعل بجو الفجر والراحة النفسية لصوت الابتهال والاذان...ابنتي الصغرى اسمها ابتهال وهي كأسمها بالفعل دعوة طيبة لرب العالمين.
سلمت يداك علي الفصل الجميل والصور التعبيرية فيه موحية وصادقة.
الي لقاء دمتي بكل المودة والحب والتقدير.

محبتي وقبلاتي لصغيرتي الحلوة ابتهال ما أحلى الاسم وأرقه❤ حفظها الله لك عزيزتي هي وأخواتها وأحبتك.
الغافلون هم من لا يرون الجمال في كل ما يحيط بهم ويقتلهم ماضيهم بشكوكهم في العالم أجمع، ومن يخذل ممن وضع كامل ثقته به يظل متخبطا في كل خطوة يخطوها هكذا تكون فريدة
أما "موسى" فاختبر معنى أن يكون الإنسان مخيفا أكثر من الشيطان نفسه مبكرا .
سعدت للغاية بتعليقك وسعدت أن الابتهال والصور التعبيرية أوصلت الشعور الذي كنت أود إيصاله ☺

خالص محبتي لك💙


فايزة العشري لوزة غير متواجد حالياً  
قديم 16-10-21, 10:47 AM   #68

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,094
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فايزة العشري -لوزة- مشاهدة المشاركة
تنبيه
مساء الجوري قرائي الأعزاء💙
بدأت رحلة الدراسة المنهكة ودوامة العمل التي تدور كطحونة تحطنها معها وتشغلنا جميعا؛ لذا كنت أرغب في الاعتذار عن نشر الفصل الثالث عشر غدا ويتم نشره نهاية الأسبوع المقبل احتفالا بالمولد النبوي الشريف💙 -وربما- وليس أكيدا يتم نشر فصلين معََا✌
وما رأيكم في أيام الدراسة والانشغال هذه هل نستمر بنشر أسبوعي أم نشر كل أسبوعين؟ -مع العلم أنه يتم الاعتذار في الظروف الطارئة فقط-
بانتظار اقتراحكم، وإن شاء الله أعمل على تنفيذه💚
دمتم أحبتي قرائي المتفاعلون منكم والصامتون☺
دمتم بود❤

فايزة ضياء العشري
مرحبا.صباح الخير غاليتي.
أعانك الله حبيبتي علي الدراسة والعمل .
طبعا سيستغرق هذا من وقتك وجهدك الكثير
وبالنسبة لمواعيد تنزيل الفصول بالتخيير بين اسبوعيا او كل اسبوعين فأنا ارى ان فترة الاسبوعين طويلة جدا علي القارئ تفقده التواصل مع الكاتبة وتفقده شغفه بالقراءة
كما انها لا تتيح الفرصة لانضمام قراء جدد.
حتي لو جعلتيها كل اسبوع فليس هناك مانع ان تعتذرى اذا لم تسمح ظروفك ويصير الحال اسبوعيا اذا سنحت الظروف وفي بعض الاخيان كل اسبوعبن حتي لا تفقدى التواصل مع القارئات.
طبعا بمقارنة رأى مع الآراء الاخرى تستطيعين الاختيار هو مجرد اقتراح فقط.
اما عن القارئات الصامتات فسيأتي يوما وتسمعي صوتهم بعضهم فقط لم يعتد علي التعبير عن رأيه كتابة والبعض الاخر يعبر بأشكال وصور ايضا تتحدث عنx رأيه فكلهن قارائات متميزات.
الرواية بحق تناقش موضوعات هامة ومنذ بدايتها الاحظ تدرج إيجابي جدا في الاسلوب والمضمون وعلي حسب كل مرحلة .
واظننا وصلنا الي مرحلة جديدة ستشتعل بها الاحداث كثيرا وستتغير الشخصيات ومواقغها وردود افعالها فأنت علي خط السير الصحيح والجذاب
فلا ينتابك اليأس من عدم التفاعل.
يكفيكي موهبتك التي من الله عليك بها فهي فضل من الله.
واقولها ثانية استمرى حبيبتي ولو لم يتابعك سوى قارئx واحد فهى تزكية عن موهبتك وبالأخير الرضي لمن يرضى
وفقك الله حبيبتي في حياتك وادام عليكي موهبتك الجميلة واخلاقك الراقية
بانتظار الفصل القادم أيا كان موعده دمتي في أمان الله


shezo متواجد حالياً  
قديم 17-10-21, 10:12 PM   #69

فايزة العشري لوزة
 
الصورة الرمزية فايزة العشري لوزة

? العضوٌ??? » 472964
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 393
?  نُقآطِيْ » فايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا.صباح الخير غاليتي.
أعانك الله حبيبتي علي الدراسة والعمل .
طبعا سيستغرق هذا من وقتك وجهدك الكثير
وبالنسبة لمواعيد تنزيل الفصول بالتخيير بين اسبوعيا او كل اسبوعين فأنا ارى ان فترة الاسبوعين طويلة جدا علي القارئ تفقده التواصل مع الكاتبة وتفقده شغفه بالقراءة
كما انها لا تتيح الفرصة لانضمام قراء جدد.
حتي لو جعلتيها كل اسبوع فليس هناك مانع ان تعتذرى اذا لم تسمح ظروفك ويصير الحال اسبوعيا اذا سنحت الظروف وفي بعض الاخيان كل اسبوعبن حتي لا تفقدى التواصل مع القارئات.
طبعا بمقارنة رأى مع الآراء الاخرى تستطيعين الاختيار هو مجرد اقتراح فقط.
اما عن القارئات الصامتات فسيأتي يوما وتسمعي صوتهم بعضهم فقط لم يعتد علي التعبير عن رأيه كتابة والبعض الاخر يعبر بأشكال وصور ايضا تتحدث عنx رأيه فكلهن قارائات متميزات.
الرواية بحق تناقش موضوعات هامة ومنذ بدايتها الاحظ تدرج إيجابي جدا في الاسلوب والمضمون وعلي حسب كل مرحلة .
واظننا وصلنا الي مرحلة جديدة ستشتعل بها الاحداث كثيرا وستتغير الشخصيات ومواقغها وردود افعالها فأنت علي خط السير الصحيح والجذاب
فلا ينتابك اليأس من عدم التفاعل.
يكفيكي موهبتك التي من الله عليك بها فهي فضل من الله.
واقولها ثانية استمرى حبيبتي ولو لم يتابعك سوى قارئx واحد فهى تزكية عن موهبتك وبالأخير الرضي لمن يرضى
وفقك الله حبيبتي في حياتك وادام عليكي موهبتك الجميلة واخلاقك الراقية
بانتظار الفصل القادم أيا كان موعده دمتي في أمان الله


إليك عزيزتي الغالية❤
سيتم نشر الفصول كل أسبوع بعون الله أعانني الله على عدم التأخر عنكم 💚💚
خاصة وإن كان هذا رأي قارئة مميزة مثلك فهو رأي لا يستهان به😍
صحيح منتظرة ذاك الذي أسمع فيه صوت كل القراء وحتى وإن استمررت بالكتابة لأجل قارئ واحد مثلك فإنه لشرف كبير لي

شكرا لمتابعتك عزيزتي وكل عام وأنت بخير وقبلاتي للصغيرة ابتهال❤❤

زهرورة and shezo like this.

فايزة العشري لوزة غير متواجد حالياً  
قديم 22-10-21, 01:31 AM   #70

فايزة العشري لوزة
 
الصورة الرمزية فايزة العشري لوزة

? العضوٌ??? » 472964
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 393
?  نُقآطِيْ » فايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond reputeفايزة العشري لوزة has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الثالث عشر

الفصل الثالث عشر

استيقظت في نشاط وقلبها يرسل ضرباته في صدرها في قلق من مقابلتها لزاهر.
صحيح تشعر بسعادة، ولا تزال مكالمة الأمس تعزف لحنا شاعريا على أوتار قلبها المقطعة، إلا أنها تحاول جاهدة ألا تستسلم لهذه المشاعر التي تسيطر عليها، بل وستخفيها بمهارة وراء قناع هادئ لا مبالٍ غير مكترث بأي شيء، لا يجب عليها أن تستسلم حتى لا تفقد نفسها في طرقاته الوعرة، التي تعرف جيدا أنها لن تكون طرقاتها.
أما عن ذاك الإحساس الذي يعبث بقلبها عند رؤيته، فستتركه يتلاعب بدقات قلبها، فهي لا تملك وسيلة لإيقافه، ولا التحكم به، لذا ستدعه يدغدغ قلبها ببراءة الإحساس، وحلاوة الشعور.
وبطريقة لا إرادية وقفت أمام خزانة ملابسها تفكر فيما سترتديه، لتبدو أنيقة وجميلة في هذه المقابلة، ووقع بصرها على فستانها المخصر ذي اللون السماوي، والفراشات الدقيقة الرقيقة المنتشرة على صدره، وذيله، وطرفي أساوره في انتشار بديع قد زادت من حلاوته ورقته.
بدّلت ثيابها سريعا وارتدته، ثم وقفت أمام المراَة تنظر لنفسها وتتحرك يمنة ويسرة بإعجاب، فقد كان وجهها كقمرٍ أخلف موعده ليلا، وتجلّى وسط زرقة سماء صافية تملؤها الفراشات.
لكنها عقدت حاجبيها وهي تسأل نفسها:
-أتتأنقين لأجله؟!
زفرت بضيقٍ وحرّكت وجهها يمنة ويسرة نافية ذلك وهي تجيب سؤال نفسها:
- لا لا إنها مقابلة عمل وعلى كل حال يجب أن أبدو أنيقة، ليس لأجله بالطبع، بل لأجلي لأشعر بالثقة بنفسي أكثر.
ابتسمت عندما اقتنعت بإجابتها، ونفت شعورها الوليد تجاه زاهر في أقصى منطقة بقلبها وحبسته بها، لا يجب أن يطفو هذا الشعور على سطح حياتها، لأنه إذا طفا قد تغرق هي!
بسرعة لملمت شعرها المسترسل، وارتدت حجابها ليكتمل وجهها جمالا وإطلالتها جاذبية.
خرجت من حجرتها لتخبر أمها من دون الخوض في تفاصيل أنها ذاهبة لإجراء مقابلة عمل، لعلها تحظى بفرصة أفضل.
فما كان من أمها إلا أن ألحقتها بسيل من الدعوات راجية من الله لها التوفيق والسداد والسعادة، والرزق الوفير، مما كان له أطيب الأثر في نفسها وهي تخرج من منزلها فتلقي السلام على "عم عامر" فيزفها هو أيضا بدعوة جميلة:
- صباح الفل يا ست البنات، ربنا يستر طريقك.
فابتسمت، وحثت الخطى فرفرفت أطراف فستانها من حولها كجناحي فراشة، لكن سرعان ما تعكر صفو بداية يومها على إثر ذاك الغزل البذيئ، الذي زفها به بعض الشباب الفاسد الذي كان يقف على ناصية حارتها كقطاع طرق. صحيح أن أذاهم لم يطل بنات حيهم بعد، لكنهم يكتفون بتلك الكلمات المتغزلة الرخيصة ليلقوها على مسامعهن منهن من تلتفت وتفسح لهم المجال لتخطي الحدود بنظرة أو ضحكة، ومنهن من تفعلن كما فعلت هي ينطلق كالسهم مبتعدا عنهم لكن هذا لا يمنع أن ضيقا أحاط صدرها، وأفسد صباحها بسبب كلماتهم، حاولت أن تزيله بشهيق عميق وزفير متقطع.
حالفها الحظ ووصلت سريعا إلى المكان الذي حدد "زاهر" لملاقاتها.
عندما دقت الحادية عشر تماما كانت تتقدم خطواتها نحو سيارته التي رأتها بآخر الشارع، يقف مستندا عليها، مراقبََا تقدمها نحوه مما أسعدها، وأربك خطواتها في الوقت نفسه.
وما إن أصبحت أمامه حتى مد يده لمصافحتها وهو ينظر لها بابتسامة جذابة.
لم تكن معتادة على مصافحة الرجال، بل إنها لم تفعلها من قبل، لكن شيئا خفيا حرّك ذراعها نحوه، وجعلها تمد كفها الصغير إلى كفه المبسوطة أمامها، فتسكن به للحظات أشعرتها بالأمان!
غريب أن لمسة الكف وضمته قد تمنح كل هذا الشعور بالطمأنينة والأمن!.
سحبت كفها من يده بخجل عندما انتبهت إلى أنها قد أسقطت مبدءا من مبادئها وصافحت رجلا غريبا!
نعم هو غريب .. غريب بصفاته، وحضوره، ولمعة عينيه التي تتوهج لمرآها، لا يمكنها أن تخطئ فهم تلك اللمعة، لكنها أيضا تخشى تأويلها!
أما هو فقد شرد بجمالها الملائكي الأخاذ، حضورها الطاغي رغم بساطته سلب عقله، ونشر فراشات سعيدة حول قلبه تشبه تلك الفراشات التي انتشرت على فستانها، ماذا لو أنه كان بإمكانه أن يخطفها ويهرب بها بعيدا عن حدود العالم والعقل والتعقل، وحدود الزمان والمكان أيضا؟ تنحنح عندما شعر أنه أطال النظر إليها مما أربكها وزاد من حرجها، فأفاق نفسه من أفكاره عنوة والتف حول السيارة لكي يفتح لها بابها المجاور له، وهو يقول بتعقل يخفي ما يفكر به:
-تفضلي.
لكنها خافت .. خافت من دقات قلبها المتسارعة، خافت من الوقوع بشباكه التي قد تخنقها، خافت أن يفضح ارتباك نظراتها مكنونات قلبها؛ لذا عاندت وقررت الهرب بعيدا عن وجوده؛ لذا لم تتقدم نحو مقعدها المجاور له بالسيارة بل وقفت قليلا وأخذت شهيقا عميقا لتضبط به أنفاسها المتلاحقة وقالت:
- لا ... شكرا يمكنك أن تخبرني بالعنوان وسألحق بك وحدي.
في لحظة اختفت بسمته، وبدا الغيظ يسيطر على ملامحه، لكنه حاول أن يسيطر على أعصابه وهو يسألها بانزعاج مستنكرا مطلبها:
- نعم .؟! أي عنوان هذا الذي تريدين معرفته ؟ وماذا تفعل هذه ؟ ثم أشار إلى سيارته .
خامرها شعور بالقلق من غضبته التي يكتمها لكنها أخفت ذلك وأجابته ببساطة ظاهرة خلاف ما يخفيه صدرها من اضطرابات وتقلبات عاصفة قائلة:
- نعم عنوان الأكاديمية .. أما هذه -مشيرة إلى السيارة مثله-فستذهب بها أنت. هذه فائدتها- قالتها وهي ترفع كتفيها وتخفضهما ببساطة ثم أكملت- واﻵن اعطني العنوان من فضلك، ويكفينا جدالا لأننا، وكما تعرف ملتزمون بموعد لا نريد التأخر عليه.

قبض كفيه بقوة جعلت عروق ظهر كفه تبرز وتتجلى للعيان.
عنيدة هي، وتتفنن في الهرب منه بشتى السبل، ولا يعرف متى ستكف عن تصرفاتها تلك وما السبب الحقيقي وراءها؟! ولولا رغبته في عدم تعكير صفو مزاجها قبل تلك المقابلة، لما كان تركها تذهب بمفردها حتى لو اضطر على إجبارها جبرا للركوب معه، لكنه سيطر على أعصابه، وزفر بقوة وهو ينظر لها بغضب مكتوم، نظرة جعلت قلبها أوجس خيفة من ردة فعله، وحمدت ربها سرا لأنها أقصر منه قامة، وإلا لو كانت قد أحرقتها زفرته المشتعلة غضبا وغيظا.
لم تتوقع بعد صمته القصير أن يذعن لرغبتها في الذهاب وحدها! إلا أنها وجدته يخرج قلما، وورقة من جيب سترته الداخلي ثم كتب عليها عنوانا مفصلا وأعطاه لها قائلا لها باقتضاب:
- تفضلي… ستكون هذه المرة الأخيرة التي سأدعك تفعلين ما يدور برأسك.
أخذت منه الورقة وشكرته، لكنه لم يجبها، وإنما صفق باب سيارته الذي فتحه لها منذ قليل ثم دار للجهة الأخرى، واستقل سيارته وأدار محركها منطلقا إلى مبتغاه.
تبعته هي بنظرة حزينة ولائمة، لأنه تركها هكذا وحدها وذهب قبل أن تذهب هي! لكن ألم تكن هي من طلبت ذلك؟! فلا داع للحزن طالما قد نفذ لها رغبتها التي سعت لها؟! لِمَ لَمْ يعد يرضيها أي تصرف يأتيه؟ فإذا تباسط معها بالحديث تضجر وتهرب، وإذا جفا ونأى بجانبه عنها تهفو إليه روحها، وكأنها تستحلفه بالبقاء لكنها لا تنطق حرفا ولا كلمة ولا تعطيه نظرة تدعوه للبقاء!!
أي الطريقين تريد هي وأي الطريقين تسلك؟! تأففت بضجر وحثت الخطى هي الأخرى لتلحق به عند مكان المقابلة.
*****
مرت ساعة على وصوله أمام الأكاديمية، لكنه لم يرها تنتظره، ولم يصل له منها خبر، مما أشعره بالقلق عليها فهاتفها، استمر الاتصال حتى انقطع الرنين لكنها لم تجب! خبط بيده مقود السيارة بغيظ وهو يعاود الكرة، لكن سرعان ما فتح الخط من الجهة الأخرى فسألها بصوت حاد يكتم في طياته قلق وغضب:
- أين أنتِ؟
فأتاه صوتها مضطرب قائلة :
- لا أعرف يبدو أني ضللت الطريق.
--------

كان يوما شاقا ولكنها سعدت باستقبال أطفالها لها بفرحة بعد غيابها لمرضها مما قلل كثيرا من وطأة إرهاقها.
نظرت لساعة هاتفها فوجدت أنها الثانية عشر والنصف ظهرا، تأففت بضجر، فلم يزل باقيا مدة من الزمن قبل انتهاء اليوم الدراسي الطويل، ولا يزال شعورا بالإنهاك يلازمها، لكن عليها الصبر على كل حال، ورغم أنه كان يوم عمل موفق إلا أنه كان ليكتمل بوجود "مريم" التي تنتظر منها مكالمة تعرف من خلالها ماذا فعلت في مقابلة العمل الخاصة ب"زاهر" وتمنت لها التوفيق والسداد.
فكلاهما بحاجة إلى العمل، كلاهما تحتاج مالا لتنفق به على نفسها، وترفع أعباءها عن كاهل أمها. أسندت ظهرها لمقعدها بإرهاق، وتنهدت بأسف متمنية في نفسها ألا يسامح الله ذاك الذي دعا إلى عمل المرأة وتحررها، فبدعوته احتلت النساء جميع الأعمال وركن الرجال للدعة والخمول، وتخلوا عن دورهم في القوامة والنفقة والإعالة متعللين ببطالتهم وأنهم لم يعد لهم مكانا بالوظائف إلا النذر اليسير، لأن النساء قد احتتلن كل الوظائف الكبيرة منها والصغيرة؛ لذا استسلموا للبطالة، وصارت المرأة تحصد جزاء عملها فتدور في ساقية العمل لأنها استولت على وظائف كثيرة كان أولى بها الرجال، وتدور في ساقية بيتها، لتنهي مهامها كامرأة وتدور في ساقية تربية الأطفال لأن الأم لها الدور الأكبر بالتربية، وتدور، وتدور، وتدور بلا توقف، ولا راحة، ولا وقت للالتقاط الأنفاس ولا خيارات لديها لتقف رافعة راية الاستسلام لتعلن أنها قد تعبت.
أهذا ما جنته المرأة من وراء عملها؟
أجنت تبادل الأدوار؟! و ال…
وقبل أن يستمر سخطها على دعاة عمل المرأة، دلفت زميلة لها لتجلس على مكتبها الخاص بإنهاك وتقول لها:
- المدير يريدك يا فريدة .
تعجبت فريدة، وسألتها رغم علمها المسبق بإجابة سؤالها وأنه بالطبع سيكون بالنفي:
- لا تعرفين بالطبع لم؟
أجابتها وهي تلقي بدفاترها على مكتبها وتجلس بتعب واضح:
- لا أعرف أستاذة ريهام سكرتيرته قابلتني أثناء صعودي إلى هنا وطلبت مني أن أخبرك بذلك .

وجل قلب فريدة و لم تستطع تنبأ لما يريدها مديرها؟ لكنها إن ذهبت إليه اﻵن ستعرف بالتأكيد فيم يريدها؟ لذا شكرت زميلتها وخرجت من مكتبها متجهة نحو مكتب المدير لتجد أستاذة "ريهام" تلك المرأة التي تتفنن في صبغ وجهها بالمساحيق، وسكب زجاجة عطر كل يوم على ملابسها قبل ذهابها للعمل، فتعتقد- مخطئة بذلك- أنها صارت أجمل نساء الكوكب فتزداد غطرسة وتعاليا في الحديث!
كانت تجلس في مكتبها موجهة تركيزها للحاسوب الموضوع أمامها، ولم تلتفت للتحية التي ألقتها "فريدة" عند دخولها، وإنما قالت لها ببرود ودون النظر إليها:
-تفضلي بالدخول، أستاذ "أبو الفضل" خرج من مكتبه منذ دقيقة، وسيعود في الحال، أخبرني أن أدعك تدخلين ما إن تأتي، تفضلي أحد أولياء الأمور ينتظره بالداخل أيضا، وأشارت لها بيدها أن تذهب.
تعجبت "فريدة" من الأمر، أحد أولياء الأمور بالداخل واستدعاها المدير ماذا في الأمر أتكون شكوى موجهة إليها من أحد طلابها؟!
ولا إراديا صار القلق ينتشر بأرجاء قلبها، لكنها حاولت أن تسيطر على وجلها، وتوجهت نحو باب مكتب المدير، مهدئة نفسها أنه سيعود بعد دقائق وتفهم كل شيء.
طرقت الباب، ودلفت فوقع نظرها على ظهر رجل عريض البنية يرتدي حلة سوداء، ذو شعر منمق وعطر فواح عبق الحجرة به، وقبض قلبها من استنشاقه فهو عطر ليس بغريب عليها!
دارت على عقبيها لتغلق الباب ورائها، وهي تحاول أن تستدعي من ذاكرتها أين استنشقت هذا العطر؟! لكنها لم تحتج وقتا طويلا للتذكر، فما إن اعتدلت حتى رأت الضيف واقفا وراء ظهرها يفصله عنها خطوتين، فشهقت في فزع من مفاجئتها به خلفها، وررفعت رأسها لوجهه ليعتلي وجهها الذهول، وتعلن دقاتها طبول الحرب وتلتحم نظراتها المفزوعة بنظراته الصقرية الحادة، وقد ضيق عينيه وهو ينظر إليها من علِِ، وشبح ابتسامة يعلو وجهه، وهو يفتح لها ذراعيه قائلا:
-اشتقت لكِ يا فريدتي .
******
- ضللتي ماذا؟!
صرخ بها "زاهر بغيط وهو يضرب مقود سيارته بغضب، وهو يكمل مقلدا إيّاها بغضب :
- " اعطني العنوان من فضلك، ويكفينا جدالا لأننا، وكما تعرف ملتزمون بموعد لا نريد التأخر عليه" نحن تأخرنا عن موعدنا أكثر من ساعة، وكله بسبب عنادك.
أين أنتِ اﻵن؟ اسألي أي شخص حولك حتى تعرفي أين أنتِ بالضبط ؟
- لا تصرخ بي هكذا، يمكنك أن تنصرف ولن أذهب لهذه المقابلة ومن الأساس .
صمت هنيهة ليسيطر على غضبه وهو يأمرها من بين أسنانه ويضغط على كل كلمة يقولها ببطء،
- قلت اسألي أحد المارة عن مكانك بالضبط يا "مريم"
سمعها تسأل أحد المارة وتنصاع لأمره، وما إن سمع جوابه حتى قال لها :
- لا تتحركي من مكانك فقط نصف ساعة وأكون عندك وأجيبي على الهاتف فورا إذا هاتفتك .
لم يتلقَ جوابا منها ولم ينتظر حتى يأتيه جوابها؛ لأنه كان قد أغلق مكالمته معها، وشعور بوخز الضمير يملؤه نحوها لأنه انفعل عليها، لكنها عنيدة بشكل يصيبه بالجنون، زفر بقوة وهو يدير محرك السيارة لينطلق بقوة ليصل إليها سريعا ولا يدعها تنتظر طويلا وحدها، لو أنها لم سمعت كلامه من البداية لما حدث هذا، ولكنه سيروض عنادها هذا بالتأكيد!.
----
وصل إلى وجهته في وقت أقصر مما توقعه، دار بعينيه عليها ليراها من بعيد تقف أمام أحد واجهات المحلات تبحث بعينيها الواسعتين عن سيارته وعلى وجهها ارتسمت علامات الحزن والقلق، وكأنها اﻵن فتاة أخرى غير تلك العنود التي كانت تحدثه على الهاتف منذ قليل.
رأت سيارته هي الأخرى فانطلقت نحوه كطفلة تاهت عن أبيها وما إن رأته حتى هرعت إليه لتشعر باﻵمان.
زال عبوس وجهه عندما رآها تحث الخطى نحوه، وتبدل العبوس ببسمة؛ لذا قرر ألا يعاتبها بشيء حتى لا تنفجر دموعها المحتقنة في بؤبؤيها؛ ترجّل من سيارته، وفتح لها الباب المجاور لكرسي القيادة دون أن يتفوه بكلمة، وهو ينظر لها بصمت، وقد أخفى بسمته وراء قناع لائم. إلا أنها نظرت له ورفعت رأسها بشموخ، وكأنها تخبره أنه لن يملي عليها أوامره، ثم تحركت، وفتحت الباب الخلفي، وركبت في صمت!
أغمض عينيه بقوة عاصفة، يا لها من فتاة تجمع بين جميع المتناقضات ففي لحظة تأسره برقتها، وفي التالية تحنقه بعنادها! تعصف بقلبه بضعف مظهرها، ثم تثير جنونه بقوة نظراتها الشرسة .
تحيّره هي وتربكه بين الحب أو اللا حب، ففتاة مثلها كم تجمع بداخلها من التناقضات ولا تبديها؟!
عاد إلى كرسيه أمام مقود السيارة وهو يقول ليغيظها كما أغاظته:
- ها أنت رافقتيني بالسيارة في النهاية، لو كنت فعلتيها من البداية، لكنا وفرنا الوقت والجهد الذي أهدرتيه يا عنيدة.
قطبت جبينها بضيق، ولم تجبه، وأدارت وجهها للجهة الأخرى تتابع من النافذة تسارع المحلات والشوارع والبشر كما تتسارع دقات قلبها تماما.
انطلق في طريقه وقد آثر الصمت حتى يدعها تلملم شتات توترها، الذي يلاحظه كلما نظر بالمراَة نحوها، يكفيهما شدا وجذبا إلى اﻵن.
وصلا إلى وجهتهما فترجلا، ودلفا معا إلى مكتب المدير بعد أن أخبرتهما سكرتيرته أنه كان على وشك الانصراف لتأخرهما.
فنظر "زاهر" إلى "مريم" نظرة جانبية لائمة تحملها مسئولية تأخرهما عن الموعد.
دلفا إلى مكتب المدير وما إن رأى "زاهر" الرجل الجالس وراء مكتبه حتى صاح ضاحكا:
- "مراد" باشا اشتقنا للقياك يا رجل .
احتضن الرجلان بعضهما البعض، وهما يضحكان ثم التفت كلاهما لمريم فنظر إليها "مراد" بابتسامة مرحبة وبدأ "زاهر" في تعريفها له:
- أستاذة "مريم" معلمة الموسيقى التي حدثتك عنها، ثم نظر لمريم قائلا:
- "مراد" صديقي وأخي .
ابتسم "مراد" لمريم" مرحبا بها.
كان رجلا أنيقا مقارب لزاهر في العمر أو أكبر منه قليلا، طويل القامة مقبول القسمات، ذو شعر أسود داعبه بعض الشيب فزادته وقارا.
بعكس زاهر الذي حافظ شعره على لونه البني دون شيبات أو ربما هناك بعض الشعرات التي أصابها الشيب وهي لا تراها لأنها تخجل من النظر إليه بتمعن.
مدّ "مراد" يده لمصافحتها، وقبل أن تفكر في مد يدها لمصافحته حتى لا تحرجه، وجدت زاهر قد مد يده وصافحه عوضا عنها وبدأ يلهيه بالحديث حتى يزيل الحرج عنه، أما هي فقد أغاظها تصرفه فهي لم تكن ستصافحه من الأساس، أيكون تصرفه هذا علامة على غيرته؟! عندما راودها هذا الشك تبخر غضبها وبدأت تمنح مديرها كامل تركيزها حتى مواصفات وظيفتها الجديدة.
كان المدير ودودا معها، أو ربما هو كذلك لأن "زاهر" ألحقها بتوصياته. أفهمها أنها ستعمل أربعة أيام بالأسبوع قد يبدأ عملها من الصباح للظهيرة أو يبدأ من الظهيرة لوقت الغروب، وهذا حسب جدول الأكاديمية التعليمي، أما عن الراتب فستحصل على ضعف ما كانت تحصل عليه بالمدرسة، ونصف مما أغراها بأن العرض لا يرفض فما كان منها إلا أن وافقت على العمل، لكنها طلبت منه أن يكون جدولها في الفترة الصباحية، وإن لزم الأمر فيكتفي بيوم واحد في الفترة المسائية، وقد تبادر في ذهنها عند هذا الطلب منظر شباب الحي الفاسد الذين يفقدون عقلهم مساء بعد تناول جرعات مكثفة من المخدرات فيصيرون كالكلاب الجائعة !

حمدت ربها أنه وافق على طلبها وأخبرها بما يحتاجه العمل من أوراق رسمية، وتجاوزا لأجل صديقه "زاهر" يمكنها أن تعمل إن شائت من غدهم وتقوم بتجهيز كافة أوراقها أثناء مداومتها بالأكاديمية، أو يبدأ دوامها من أول الأسبوع الجديد، وتكون قد أنهت استخراج أوراقها. صمتت تفكر قليلا فيما تختاره ثم أجابته بابتسامة لطيفة:
- شكرا لك .. سأداوم من أول الأسبوع حتى يتسنى لي إعداد كل الأوراق المطلوبة .
- حسنا كما تشائين.
نظر له "زاهر" وهو يقول:
- حسنا سننصرف اﻵن، ودع في اعتبارك أننا سنتقابل قريبا لنتحدث بأمور كثيرة
ضحك"مراد" وهو يقول :
- لا مانع لدي المهم أن تصدق بعرضك وألا نراك في المناسبات فقط- ثم وجه حديثه لمريم قائلا- أنا شاكر لك مجيئك فلولاك لما كنت رأيت هذا النذل.
ضحك ثلاثتهم وتبادلوا التحية، ثم انصرف " زاهر" تتبعه "مريم" كان سعيدا لأن الأمور تسير على ما يرام وها هو بدأ يدخلها دائرته رويدا رويدا، ومع الوقت يمكنه تحديد خطوته التالية تجاهها.
أما هي فرغم سعادتها بالوظيفة الجديدة إلا أن التفكير أنهكها في سبب اختيارها تحديدا لهذه الوظيفة، وكيفية معرفته أنها تلائمها.
لذا ما إن وصلا أمام سيارته حتى وقفت والتفتت نحوه تسأله:
- كيف عرفت أن هذه الوظيفة ستناسبني رغم أنك سألتني في البداية عن المادة التي أقوم بتدريسها في المدرسة، لم اخترتني أنا تحديدا؟
فاجأه سؤالها، ولم يكن باستطاعته أن يخبرها بالحيلة التي سلكها مع مدير مدرستها، ليعرف وظيفتها وجد نفسه يقول لها.
- عرفت بالصدفة، وأردت تقديم فرصة أفضل لك، هل أخطأت في ذلك؟
شعرت أنها تسبب له في الإحراج لذا منحته ابتسامة ساحرة وهي تقول:
- بالطبع لا.. شكرا لك .. شكرا من أعماق قلبي.
فاجأه ردها كما فاجأه سؤالها، في لحظة تحولت القطة الشرسة في عينيه إلى عصفور رقيق رفرف بالشكر على عتبات قلبه، وها هو قلبه يفتح بابه إلى هذا العصفور ليسكن حبه في جنباته ويملؤه تغريدا.
ابتسم لها وهو يقول:
- لا تشكريني يا عنيدة.
ابتسمت رغم تقطيب حاجبيها، فندت عنه ضحكة قصيرة وهو يفتح لها باب سيارته بالمقعد الخلفي
لكنها تنحنحت قائلة:
- سأعود بمفردي .
سألها في استنكار مضيقا عينيه ناظرا لها بتحدِِ:
- ماذا قُلتِ؟
ابتلعت ريقها في قلق من رد فعله وأجابته:
- سأعود وح...
قاطعها آمرا أياها بحسم:
- تفضلي بالركوب آنسة مريم
ابتلعت ريقها وقد سقط عنادها أرضا أمام أمره الحاسم، فركبت وهي تتأفف بغضب.
عادت بسمته تحتل وجهه وانفكت عقدة حاجبيه قليلا، وهو يذهب لمقعد القيادة وما إن جلس وبدأ في تدوير محرك السيارة حتى التفت لها بوجهه قائلا لها بابتسامة:
- لا تخافي يا آنسة مريم صدقيني أنا لن آكلك، فلا داع للالتصاق باب السيارة هكذا، وكأنك تستعدين للفرار، أعدك الذئب الذي بداخلي لن يقوم بافتراسك، ولكن إن استمر عنادك فلا أعرف كيف ستكون العواقب؟
قالت بدهشة ممزوجة بالخوف والغضب:
- ماذا؟ انزلني فورا.
قالتها وهي تحاول فتح باب السيارة لكنه أمسك ذراعها يعيدها مكانها وهو يقهقه عاليا ويقول:
- لا تخافي أمزح معك .. اهدأي
جلست وأنفاسها تتلاحق بغضب ووجنتيها المتوردتين بخجلِِ تلفح المكان بحرارتهما.
أدار محرك السيارة، ثم نظر لها بالمرآة وهو يقول ما رأيك أن تسمعي شيئا؟!
نظرت له نظرة جانبية مبتسمة وصمتت فقال:
- السكوت علامة الرضا إذن، أتمنى أن تروقك الخدمة سيدتي
انتقى غنوة محددة، ثم ضغط زر التشغيل وهو يبتسم وينظر لها بالمرآة فانطلقت موسيقى مميزة لغنوة تعرفها لكن عقلها المشوش منعها من تذكر كلماتها، لم ترهق عقلها كثيرا بالتذكر حتى انسابت الكلمات
"كلك على بعضك حلو
والأحلى الخجل الي بعيونك
تزعل أو ترضى حلو
شوكة بعين اللي يحسدونك
وجهك حلو طولك حلو قلبك حلو
أه كلك على بعضك على بعضك
على بعضك حلو ..*

زادت تورد وجنتيها عندما التقت عينيها بعيني "زاهر" في مرآة السيارة، فتلاقيا في حديث قصير يشي بما يعتمل بقلبيهما، فالعيون تفضح المحبين ولا تخفي لهم سرا.
-----------------
اقترب بهدوء منها يضمها بذراعيه فيلصقها بصدره، يشم عطرها الذي يحبه. طبع قبلة طويلة على شعرها الكثيف الغجري وأسند ذقنه على رأسها بينما أمالت هي جبينها فأراحته على صدره باستكانة وهدوء، في حضنه الذي كان لها وطنا.
- صغيرتي الشاردة فيمَ تفكرين؟
تنهدت قائلة:
- أفكر بك أنت .. أنت سيد واقعي خيالي.
- يا الله .. ما كل هذا الرضا؟!
ضحكت بدلال، وهي تنظر لعينيه ذات النظرات الثاقبة التي تخترق فؤادها فيسقط قتيلا في هواه ويكشف له عن كل قصائد حبه وعشقه التى أخبئتها بقلبها المتيم بنظرة عين.
أحاط وجهها بكفيه، وقال لها اَمرا بصوته القوي الرخيم،وهو يحاصر عينيها بسهام عينيه:
- غني لي.
أخذت شهيقا عميقا من نسيم الليل البارد لعله يطفىء خجلها المشتعل، وأغمضت عينيها لتحلم، لتشعر بتلك اللحظة الحلوة بروحها وتراها بقلبها لا بيعينها، وشدت له بصوتها العذب الهادىء :
"
بص في قلبي يا عيون قلبي
شوف كام حاجة بتتمناك
فرحة وشوق وأماني كبيرة
وليالي حب بتستناك
بحبك حب خلاني بخاف من فرحتي جنبك
يشوفها حد يحسدها ويحسدني على حبك
وبحبك حب ياويلي منه مسهرني محيرني وروحي فيه
وبحبك حب ياويلي مدوبني وحبيته واخذت عليه
آه لو تعرف
آه لو تعرف ياحبيب قلبى
وانت معايا باحس بايه
خلي شوية لبكرا يا قلبي
لبكرا يا قلبي الحب ده ما اقدرش عليه*"

صاح بإعجاب:
- الله .. الله يا ست، ولا أنا أقدر على هذا الحب.
ثم مال لينثر قبلاته العاشقة على وجهها كأنه يكافأها على غنائها له ولكن بطريقته الخاصة.
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx x
***
تذكرت سكونها وسكنها بحضنه في أيام مضت عندما رأت ذراعيه المفتوحتين لها في إصرار وكأنه ينتظر أن تلقي بنفسها في حضنه كما كانت تفعل يوما، لكنها التصقت بباب المكتب وعينيها مثبتتين بعينيه الصقريتين، كانت فزعة، خائفة، لم تكن تتوقع أن تراه أمامها هكذا بدون سابق إنذار. لم تكن تتوقع أن يأتي إليها اﻵن والثقة تملأه بأنها ستعود لتسكن ذراعيه! وكأنه لا يدرك أن أحضانه بعدما كانت لها وطنا صارت لها غربة!
أبعدت عينيها عنه، وحاولت أن تخفي خوفها وتلاحق أنفاسها وهي تبتعد عنه لكنه عاجلها بسحبها من ذراعها ليضمها إلى صدره وهو يقول لها بصوت هادئ:
- لا تتدللي علي .. لقد اشتقتك حقا.
شهقت وهي تدفعه بعيدا عنها وتبتعد للجهة الأخرى من المكتب قائلة بصوت مرتعد:
- إياك أن تقترب مني، وإلا صرخت وفضحتك.
ضيق عينيه بدهاء وقد فاجأه رد فعله الذي يخالف طبيعتها المستكينة الضعيفة، لكنها لا تعرف الغافلة أنها بهذا الشكل الشرس صارت تروقه أكثر،وصار يستهويه أكثر اللعب معها قليلا قبل إحكام قبضته عليها لذا صفق ببطء لها وهو يقول:
- أبهرتيني بتغيرك .. لكنك بهذا الشكل صرتي تجذبيني إليك أكثر، ولكن لا بأس من التمنع قليلا ولكن لا تطيلي الأمر، ولا تعافري كثيرا، فأنت لي، أنفاسك .. عطرك .. جسدك .. روحك، كل خيرك .. كل ما فيك ملكي أنا وحدي .. أتفهمين يا فريدتي.
تبعته بنظراتها المذهولة المرتعبةوهو يتجه لكرسيه الذي كان يحتله من قبل وهو يقول :
-سأنتظرك اليوم الساعة الخامسة في مطعم(….) أريد أن أتحدث معك على راحتنا والمكان هنا لا يسمح.
غاظها جبروت حديثه فسألته بغيظ من بين أسنانها:
- ومن أنت لتأمرني هكذا؟!
ابتسم ببرود وهو يضع ساقا على أخرى :
- أنا اَمر فأطاع يا حلوة.

هربت دمعة مقهورة من جفنها تتبعها أخرى ودلف المدير ليقطع عليهما حربهما المحتدة قائلا وهو يلهث بسرعة كخرتيت خرج لتوه من مسابقة للعدو :
- اَسف لتأخري عليكما .. تفضلي يا أستاذة فريدة بالجلوس لم تقفي بعيدة هكذا؟، أعتقد أني لست بحاجة لأعرفك بسيد "سيف" فهو غني عن التعريف خاصة لك - قال ذلك مقهقها وكأنه قال دعابة تستحق الضحك !
غصت بدموعها واستأذنته بالانصراف:
- من فضلك أريد الذهاب اﻵن.
- ولكن يا أستاذة كنت أريدك في …
أعادت رجائها مقاطعة كلامه وهي تقول:
- من فضلك ..
فسمح لها بالانصراف وهو ممتعض،وجلس وهو ينظر لسيف معتذرا منه وهو يكمل حديثه معه أما "سيف" فقد كان منشغلا عن حديثه وقد اتسعت ابتسامته لشعوره بالانتصار عليها بجولته الأولى، وهو لا يتوقع منها تحديه لوقت طويل، والأيام بينهما وستثبت له صدق تنبوئه.

يُتبع…
_______________________________________________

*1الغنوة الأولى لكاظم الساهر كلمات:عزيز الرسام
*2 الغنوة الثانية غناء : نجاة الصغيرة كلمات: حسين السيد
اعتذر لتأخر ساعة النشر لسوء الانترنت، بانتظار اَرائكم وانتقادتكم البناءة دمتم بحب
بقلم/ فايزة ضياء العشري


فايزة العشري لوزة غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
فريدة، زاهر، حب، وجع، سيف، مريم، موسى، أشواك، ندم

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:12 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.