آخر 10 مشاركات
البديلة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hollygogo - )           »          548 - الحب الملتهب - كاتي وليامز - ق.ع.د.ن (الكاتـب : لولا - )           »          راسين في الحلال .. كوميديا رومانسية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : منال سالم - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          تبكيك أوراق الخريف (4) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          176 -البَحث عن وهم ..عبير القديمة ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : Shining Tears - )           »          رواية أحببت فارسة أكاريا (الكاتـب : الفارس الأحمر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree16Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-01-21, 08:53 PM   #1

نونا مجدي

? العضوٌ??? » 473092
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 87
?  نُقآطِيْ » نونا مجدي is on a distinguished road
افتراضي خلف قناع العادات *مكتملة*


السلام عليكم❤❤


اسمي نهلة مجدي هنشر رواية جديدة بعنوان "خلف قناع العادات"
ان شاء الله موعد نزولها الاربعاء من كل اسبوع الساعة ٨ مساءًا❤

غير حصرية
**

تمهيد..

العادات والتقاليد..
ولطالما تحدثوا باسم العادات في مجتمعنا، ودائمًا ما تكون تخص المرأة، كأن مسمى العادات وضع في إطار تحجيم المرأة ورجمها حتى ولو لم تكن مخطئة..
اتسائل دومًا لمَ الانثى دائمًا هي المحملة بالذنب!!
اتذكر حينما كنت صغيرة استمعت ذات يوم لأحد جيراننا يؤنب زوجته على شيء يخص ابنتهما، ولم يلفت نظري سوى جملة واحدة..
"هي المذنبة..لأنها انثى.."





روابط الفصول

المقدمة والفصول 1, 2, 3, 4 .. بالأسفل
الفصل 5, 6 ج(1, 2) نفس الصفحة
الفصول 7, 8, 9 نفس الصفحة
الفصل 10, 11 ج(1, 2) نفس الصفحة
الفصول 12, 13, 14, 15 نفس الصفحة
الفصول 16 ج(1 & 2), 17 نفس الصفحة
الفصل 18, 19, 20, 21, نفس الصفحة
الفصل 22 ج2 الأخير والخاتمة نفس الصفحة




التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 21-10-21 الساعة 12:42 PM
نونا مجدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-01-21, 09:00 PM   #2

نونا مجدي

? العضوٌ??? » 473092
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 87
?  نُقآطِيْ » نونا مجدي is on a distinguished road
افتراضي

المقدمة

x

وقفت أمام باب منزل شبه مفتوح..
تقترب بخطوات مترددة، تؤخر قدم وتقدم الأخرى.
وجيب قلبها يكاد يصل لكل من يقطن بالبناية، وجسدها يرتجف بقوة رغم حرارة الطقس، حبات العرق تترقرق على جبينها، تبتلع ريقها بصعوبة زافرة نفسًا ساخنًا وتنصت لصوتها الوهمي الذي يحدثها مشجعًا أن كل شيء سيكون على ما يرام.
لن يحدث شيء!
فقط خطوة أخرى وينتهي كل شيء!
أغمضت عينيها للحظات ثم فتحتهما لحظة واحدة وكانت بداخل البيت، عيناها ترمق كل شبر في المنزل بحنين جارف واشتياق، محدثة نفسها:
-كم عامًا مروا على وجودي هنا؟
لا أدري لم أعد أذكر.
تتساءل وتجيب على نفسها، حقًا لم تعد تعرف، توقفت عن حساب السنوات منذ فترة.
xلم يتغير البيت، كما هو بجدرانه الحبيبة التي تحمل لها كل ذكرى حلوة، وكل ذكرة ألم!
جدران احتضنت بكائها رضيعة، وضحكاتها طفلة، كما احتضنت دموعها منبوذة ومنتهكة.
هنا كان يكمن أمان العالم، وهنا تسرب من يدها كل شيء.. الأحلام والأماني.. الخطط والطموح.
xهنا تحولت ضحكاتها لآنين ودموع، فقدت أحب الناس لها، فقدت نفسها وروحها، دفنت نفسها قبل أن ترحل.
جدران ضمت ذكريات شتى، منها السعيد والحزين، منها المدمر، ومنها ما زهق الروح واقتلع القلب من بين الضلوع.
جدران ما زالت كما هي لكنها فقدت الدفيء الذي كان يحتويها هي وأخواتها.
لم تشعر بالدموع التي تجري على وجنتيها ولا شفتيها التي ترتعش بشدة مع شحوب وجهها الذي كان أشبه بشحوب الموتى.. عينان متورمتان من كثرة البكاء فاختفى جمال لونهما الذي نافس البندق في توهجه.
- لماذا عدتِ؟
- لا أعرف!
-كيف لا تعرفين؟
- صدقيني لا أعرف
حديث دار بينها وبين نفسها، لا تدري لماذا جاءت، فقط أرادت أن تطمئن..
أرادت أن تراه للمرة الأخيرة كيف أصبح؟
هل ما يتناقلونه عنه صحيح؟
هل فقد احترامه لنفسه كما فقد احترامها له منذ سنوات!
نعم رغم أن المنزل لم يتغير لكنه أصبح أكثر كآبة، وأكثر وحشة وصقيع، صقيع كالذي غلّف روحها وقلبها الذي أرهقته الحياة فلم يعد يعرف معنى الحب أو الشعور.
التقطت عيناها جسده المسجى على الأريكة، شبه غائبًا عن الوعي!

xفوضى!
المكان أشبه بفوضى ضربت كل شيء، بقايا طعام في كل مكان.. سكين ملقى على الاريكة بإهمال.. بعض الفاكهة متناثرة هنا وهناك، حتى جحظت عيناها بارتياع وهي تنظر لزجاجات الخمر تملأ المكان!
البيت الذي كان يضج بصوت القرآن الكريم بصوته أصبح نجسًا بما حرمه الله، وضعت يدها على شفتيها تكتم صرخة كادت تخرج منها، تساقطت دموعها أكثر وهي تفكر بما آل إليه الحال..
-كيف وصل إلى القاع الحضيض بهذه الصورة؟
كيف فعل ذلك بنفسه وبنا؟
همست بها بصوت غير مسموع، تتساءل لو كان تراجع منذ اللحظة الاولى لكانوا الآن مجتمعين في أحضان بعضهم البعض!
xلم تفرقهم الطرق والبلاد!
xلم تنهشهم أشباه البشر ومعدومي الرحمة والضمير.
- ألم يجدر بك التفكير بنا أولى من غدك؟
قالتها لكن لسانها لم يستطع النطق بها، كما كان حالها دائمًا، الصامتة الراضية بكل شيء.
xوقعت عيناها على صورة معلقة على الحائط تضم خمسة أفراد، ضحكاتهم تكاد تسمعها، ترى دمعة العيون والدفء الذي حاوطهم.
xوقفت أمامها، لمستها بأناملها فشعرت بارتجاف قلبها، حنين ظنت أنها خسرته لكنه موجود.
xلازالت تشعر..
xلازال قلبها ينبض..
xأخذتها قدماها لغرفة مجاورة، فتحت بابها برفق لكنها أبت أن تدخل، فقط وقفت تتأمل محتوياتها من الخارج، السرير الصغير الذي ضم جسدها ذات يوم، خزانة الملابس، مكتب المذاكرة، الدب القطني المفضل برائحة الياسمين، النافذة التي تطل على الشارع الرئيسي وما كان يسبب الإزعاج.
نهرت نفسها بقوة وهي تتذكر أن كل ذلك لم يعد لها، لقد انتهى زمن الحنين، همست لنفسها بصوت مرتجف:
-أنسى يا قلب ولا تعد لخفقاتك المجنونة من جديد، لا تستسلم لحنين الماضي..
xأنسى فلم تعد تلك الحياة لنا، لنهرب ونعود لواقعنا البائس ونختبئ في غرفتنا، هيا عودي لمكان ما كنتِ.
ومع الجملة الاخيرة عادت بظهرها للخلف مودعة كل شيء والرؤية تتشوش أمام عينيها من كثرة الدموع لكنها تقاوم.
xسترحل؛ هذا المكان لم يعد لها!
xتلك الحياة ليست لها!
xتعود خطوة خلف خطوة فزلت قدماها بسبب الزجاجات فتسقط محدثة دويًا عاليًا استيقظ على أثره الرجل، جحظت عيناها عندها التقت بعينيه، ابتلعت ريقها برعب وهي تبتعد للخلف في جلوسها، تحرك هو من مكانه بترنح واقترب منها، دقات قلبها تقرع كالطبول، وجسدها يتجمد من الخوف، يسقط بجانبها بفعل سكره ويلمس وجهها بيديه فتشعر بها تحرقها، أنفاسه الساخنة تلفح بشرتها التي تفوح برائحة الخمر ذكرتها برائحة مشابهه فشعرت بغثيان يهاجمها، اتسعت عيناها بصدمة مع همسه الذي بالكاد سمعته:
- من أنتِ؟
يا إلهي لم يعرفني؟
هكذا فكرت لكن صوتها كالعادة كتم بداخلها لم تستطع النطق بشيء، لكنه لم يمهلها فرصة للرد، وأردف قائلًا بصوت منخفض:
- لا يهم من أنتِ المهم أن تفي بالغرض.
لم تفهم ما الذي قصده بحديثه لكن سرعان ما أدركت قصده عندما وجدت يديه تمتد لجسدها بشكل سافر.
xألجمتها الصدمة وهي تراه جاثمًا عليها بجسده ويداه تعبثان بها.
لحظات.. فقط لحظات وخرج صوتها على هيئة صرخة وهي تقاوم بشراسة اكتسبتها مع مرور السنوات، تحاول جاهدة أن تجعله يفيق لكنه لا يستجيب، لا يستوعب من هي ولا ماذا يفعل؟
فالخمر أفقده عقله تمامًا وكل ما يفكر فيه أن ينالها مهما كان الثمن.
xتقاوم مرة تلو الأخرى لكن قوة جسده كانت أقوى منها، صفعها عدة مرات ليضعف مقاومتها، ولم يعِ من هي، تصرخ بعلو صوتها وتبكي، تتوسل له أن يتركها وأن يفيق لكن لا حياة لمن تنادي، جسدها بات منهكًا، صوتها يخفت تدريجيًا وتهاجمها دوامة ظلام أخرى.
اختفت قدرتها على المقاومة وكادت تستسلم فلم تعد لديها أي قدرة على فعل شيء، فجأة هاجمتها عدة صور، صوت صرخاتها يعود ولكن بداخلها، مكان آخر، فراش ناعم ولكن اليد قاسية تجتاح جسدها برعونة.
لا!
أقسمت ألا تستسلم مرة أخرى مهما كلفها الأمر، عادت مقاومتها لشراستها من جديد وهي تحرر أحد زراعيها الذي كبلهما، تدفعه بقوة لكنه لا يستجيب، تيأس من دفعه فامتدت يدها لأول شيء وصلت له وكانت زجاجة كسرتها على رأسه ليسقط من عليها غارقًا في دماءه، اعتدلت بسرعة تحاول تغطية جسدها وسقطت يدها على السكين فلم تشعر بنفسها إلا وهي تطعنه، طعنة تلو الاخرى ودموعها تسقط بغزارة وصوت بكائها يعلو.
xالبكاء تحول لصرخات كأن روحها تتعذب، صرخات كتمت لسنوات فجاء الوقت لتتحرر، كأنها هكذا تحرر روحها من السجن الذي حاوطتها به.
xالذكريات تجتاح عقلها فتزداد قوة الضربات كأنها انفصلت على العالم فلا ترى أمامها إلا صورتها المعذبة وكل ما تعرضت له..
xلا ترى إلا صورة الدم لعلها تشفي جزء مما بداخلها، لم يكن وجهه هو ما تراه، فتشعر بكل طعنة تصيبها هي!
xتتألم.. تصرخ.. تنزف دمًا!
لا تدري إن كانت تطعنه هو أم نفسها!
xلا يهم يكفي أن تنتهي منه للأبد حتى لو فارقت الحياة هي الأخرى، لأنه يستحق، يستحق الموت.. أن يشعر بكل الألم الذي شعرت هي به.
كم مر من الوقت حتى تجمع الجيران على الباب وكسروه على صوت صرخاتها ليروعهم المنظر، تنام بجانب جسده الغارق في دمائه التي لوثتها هي الأخرى، تضم ركبتيها لصدرها كالرضيع مبتسمة.. وجهها متورم من أثر صفعاته لها..
xتغمض عينيها وتفتحها تهزي بكلام غير مفهوم، والناس ينظرون اليها بذهول وصدمة!
لم يستوعبوا أي شيء مما تقوله سوى جملة واحدة:
- سامحني أبي.
****
x

x

الفصل الأول

x

تدور حول نفسها بداخل البستان كفراشة تحلق دون قيود، بفستانها الجميل الذي ناسب قوامها النحيف الأقرب من جسد طفلة مع ظهور بسيط لبداية معالم أنوثتها.
xتداعبها أشعة الشمس الدافئة في أول صباح لفصل الربيع، تستنشق الهواء النقي مغمضة عينيها باستمتاع لتنسج أحلامًا مراهقة وردية، وابتسامة خجولة تزين ثغرها وهي تنظر لأمها التي فتحت ذراعيها لها فألقت نفسها بين أحضانها لتنعم بدفئها، تهمس لها ببعض الكلمات فتتسع ابتسامتها وهي تخفي وجهها وتعانق والدتها بشدة.
حثتها على النظر خلفها لتتسع عيناها بذهول، قصر مهيب يخطف الأنفاس تُفتح بواباته على مصراعيها لتستقبل الأميرة الصغيرة، ممر طويل مزين ببتلات الورد تفوح رائحتها لتسكر كل من يمر بها، يعطيها إحساسًا بالانتعاش..
في نهاية الممر يقف فارسها على حصانه الأبيض، يمد أحد ذراعيه ليستقبلها، اختلجت دقات قلبها وهي تسرع في خطاها لتصل إليه، عيناها تبرقان بسعادة طفلة حصلت على ملابس العيد.
تخطو خطوة خلف أخرى حتى تلقفها بين ذراعيه التي يسكنها أمانًا لن تعرف له مثيل من قبل، يد حانية أخذت تربت على ظهرها للحظات فأغمضت عينيها لتستمتع بذاك الشعور النادر بالسكينة والهدوء بعيدًا عن ضجيج حياتها اليومية، سكنت أصوات الطيور، واختفى ضوء الشمس وحل الظلام، أظلمت الرؤية أمام عينيها، واليد الحانية أصبحت أكثر قسوة وغلظة، تجتاح جسدها بعنف لم تعتده، تنتهكها بتقزز فارتعبت كأن أصابها مسًا.
xحاولت التخلص من القيد الذي كبلها والابتعاد عن مرمى اليد التي تنتهك جسدها بقسوة من لا يعرف الرحمة، ظلت تصرخ وتصرخ حتى بح صوتها، واليد تمتد لتسحق رقبتها تحت الأنامل الخشنة، دقات قلبها تزداد حتى كاد يخرج من بين أضلعها من شدة رعبها.
دقائق مرت عليها حتى ظنت أن الأمر لن ينتهي، لا تدري كيف استطاعت الفكاك بأعجوبة من قيدها لتجد أن كل شيء قد اختفى!
xأمها.. البستان.. الزهور.. القصر.. حتى فارسها تبدلت ملامحه وأصبحت أشبه بمسخ مقرف يزيد لديها رغبتها في التقيؤ، ولا تجد أمامها سوى طريق طويل غير واضح المعالم ويغزوه الضباب.
انقبض قلبها وأخذت تتلفت حولها وتهتف باسم أمها لعلها تجيب، أين اختفى فستانها الجميل؟
xكيف حل محله ذلك القميص الأبيض الذي كان ملطخًا بالدماء؟
xخرجت من بين شفتيها شهقة عالية وهي ترى أن الدماء لم تكن سوى منها، تسمع صوت أشبه بفحيح الأفعى واضحًا بالقرب من أذنها فيدب الخوف في أوصالها، فارتعد جسدها وركضت في ذلك الطريق المبهم دون توقف!
xتركض وتركض حتى تقطعت انفاسها، جاهدت حتى لا تسقط في الحفر التي تظهر لها من العدم لكن الأمنيات لا تصبح حقيقة.. سقطت، وانتفض قلبها معها، ظلت تسقط حتى ظنت أن سقوطها لن ينتهي، تستسلم لتلك الهاوية لعلها تكون المنقذ لها من المصير المظلم، وعندما فكرت في ذلك فما أحلى السقوط!
استسلمت لتبتلعها دوامة من الظلام.
انتفضت من نومتها وصرختها تشق سكون الليل، جسدها بتصبب عرقًا وتنتفض كالمحمومة، أنفاسها مضطربة متقطعة وصدرها يعلو ويهبط كأنها كانت في سباق مع الزمن، ابتلعت ريقها تمسح على وجهها وجسدها بقوة وتفركهم بعنف وأخذت تردد محاولة السيطرة على قلبها الذي يخفق بجنون :
- كابوس.. لم يكن سوى كابوس!
شعرت بالغثيان ككل مرة فنهضت مسرعة وسارت في ذلك الممر القصير الضيق، تتخبط قدماها في كل ما تقابله، تصطدم بالطاولة الصغير فيسقط كل ما عليها محدثًا دويًا عاليًا، لم تبالِ وأكملت حتى وصلت إلى المرحاض في وقت قياسي واستفرغت كل ما في جوفها، كأن روحها تقتلع من جسدها، الدموع تغرق وجنتيها ويعلو صوت بكائها، فسقطت جالسة أمام المرحاض وصوت بكائها يعلو أكثر وأكثر.
احتضنت جسدها بذراعيها وضمت ركبتها لصدرها وهي تضرب رأسها بحركة روتينية في الحائط وعيناها ثابتة على ضوء النهار الذي تسلل من النافذة الصغيرة في الحمام ويهمس لها صوتًا بعيدًا أن الأمر انتهى:
-أهدأي يا "روح" لم يكن سوى كابوس.
*****

لطالما كانت براءة الأطفال تغمرنا بدفيء شعورها، ابتسامتهم الصافية تسحرنا تمدنا بشعاع من الطاقة الإيجابية.
هذا ما فكرت فيه عندما وقفت بجانب سيارتها تراقب الأطفال الوافدين للمدرسة من تحت نظرتها الشمسية ذات الماركة الشهيرة، لم يكونوا أطفالًا فقط بل طلاب في جميع المراحل العمرية لكن لم يلفت نظرها سوى الصغار، أثناء مراقبتها تقع عيناها على طفلة صغيرة تتعلق بعنق والدها رافضة تحرريه حتى لا يذهب، وهو يضمها بحنان فائض يقطر من عينيه، ويهمس في أذنيها بشيء فتقبل وجنته بقوة، يسير بها حتى باب المدرسة ثم ينزلها ويضمها مرة أخرى ويربت على شعرها مودعًا فتلوح له الفتاة بقوة وتركض لمدرستها وابتسامتها تتسع أكثر كأن كلمات والدها كانت سحرًا.
ابتسمت بحنين ودمعت عيناها وتذكرت والدها، تتذكر مشهد مثله وهي صغيرة، تتذكر حنان والدها وابتسامته التي كانت تفتح لها أبواب الجنة، هزت رأسها تنفض تلك الذكريات ومسحت دموعها بأناملها ودعت له بالرحمة ثم أكملت طريقها لتدخل المدرسة.
سارت بخطوات واثقة في الممر المؤدي على مكتبها، تحاول قدر الإمكان ألا تظهر ذلك العرج البسيط الذي سببه لها الحادث، رفعت نظراتها الشمسية فوق شعرها الذي وصل لمنتصف ظهرها على هيئة ذيل حصان ليناسب مكان العمل، أسفل نظراتها ظهر لون عينيها الذي لم يكن مميزًا لكن نظرتها تحوي سحرًا غريبًا، مزيجًا من عبث الطفولة والأنوثة التي تطيح بكل من يراها فكانت تعطيها جمالًا خاصًا مع بياض بشرتها وملامحها الهادئة.

xابتسمت تهز رأسها في تحية ودودة لعاملة النظافة التي كانت تنظف الممر فبادلتها الابتسام باحترام قائلة:
- صباح الخير أستاذة "غزل".
ردت عليها بهدوء ووقفت للحظات تسألها عن حالها وحال أبنائها كما اعتادت، قطع حوارهما صوت طفلة صغيرة التي جاءت مسرعة لتحتضنها فحملتها وضمتها بحنان.

xهذه هي "غزل" كتلة متحركة من الحنان، لطالما اشتاقت لتكون أمًا، تنهدت وهي تنزل الصغيرة أرضًا وهمست لها بحزم أن تعود لفصلها ثم أكملت طريقها حتى وصلت لمكتبها بعد لحظات، وضعت أغراضها واستعدت لتمارس عملها.

في منتصف اليوم وبعدما أنهت حصصها، سارت بدون هدف تتأمل جدران المدرسة التي عملت بها حديثًا منذ عام، رغم تخرجها منذ ثلاث سنوات لكنها لم تفكر في العمل إلا في تلك الفترة بعدما نجت من الحادث الذي كاد أن يودي بحياتها بفضل الله، مرت من أمام مسرح المدرسة فتوقفت وهي ترى الطلاب يتدربون على أغنيات سيعرضونها في حفل منتصف العام الدراسي، ابتسمت بحنين وهي تتذكر جلسة مشابهة لها مع أصدقائها في المدرسة الثانوية، عندما كانوا يجتمعون في غرفة التربية الموسيقية لتعزف على البيانو بينما تغني صديقتها إحدى أغانيها المفضلة.
xليت الأيام تعود بها لتلك الفترة التي كانت تنعم بها بحنان والديها!
xليتها تعود طفلة لا تحمل همًا ولا خوفًا من الغد!
التقت عيناها بزميلها الذي يدرب الطلاب فابتسمت له، بادلها الابتسام وأشار لها أن تنتظر، لحظات واقترب منها مبتسمًا فازداد وسامة.. هكذا فكرت فاتسعت ابتسامتها أكثر وهي تحدث نفسها:
- حالتك أصبحت صعبة جدًا يا غزل!
تتغزلين بشاب يصغرك سنًا.
قاطع تفكيرها قائلًا ببشاشة:
- مرحبًا غزل
- صباح الخير يا "عُدي" أرى أن فرقتك أصبحت أكبر.
ابتسم فظهرت تلك الغمزة على وجنته اليسرى أسفل لحيته وقال:
- الطلاب موهوبون حقًا، لم أكن أتخيل أن أجد الكثير منهم يميل للفن الكلاسيكي القديم!
xألم تغيري رأيك وتقرري الانضمام لنا؟
ضحكت بخفوت قائلة:
- لا لقد اعتزلت العزف منذ زمن.
هز رأسه بيأس ضاحكًا ثم قال بامتنان:
- شكرًا لكِ على مساعدتي في حالة "علا"..
xلولاكِ ما كنت استطعت أن أفعل شيئًا.
- لا عليك يا "عُدي" أنت مثل أخي وهي بمثابة أخت لي.. لا تتردد في لحظة تحتاج فيها لأي مساعدة.
ابتسم لها بامتنان فهي ساعدته في البحث عن طبيب متخصص لحالة شقيقته، فهي من ذوي الاحتياجات الخاصة، بل وكانت تحضر معها جلساتها نظرًا لتعلق "علا" بها وتقبلها لها دونًا عن الآخرين.
xعُدي مدرس التربية الموسيقية، رغم أنه لم يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره لكن مظهره يجعل الناس يظنون أنه أكبر سنًا بسبب لحيته الكثيفة.
استأذنت منه وسارت باتجاه مكتبها، جلست خلفه تتطلع لصورتها مع والدها في الإطار الصغير على المكتب، صورتهما في أول يوم لها بالجامعة، صممت أمها على التقاطها أمام منزلهم لتكون ذكرى لها كما كانت تفعل دائمًا في أي يوم مميز.
xفغزل كانت وحيدتهما، رغم شدة والدتها ألا أنها كانت حنونة وتخشى عليها من الهواء، تنهدت بحزن وهي تفكر..
اليوم ذكرى مولدها، منذ وفاة والديها لم تحتفل به ولم تعد تهتم به على الاطلاق، في النهاية كلها أيام كئيبة تشبه بعضها، تمر بروتين ممل لا يتغير، فقط عمرها يمر دون أي إنجاز يذكر، فليس هناك أقسى على المرء من أن يمر عمره دون يعرف فيما أفناه، فقط يظل مجرد رقم يكبر وتشيب معه الروح..
وأن يحيا وحيدًا فلا يجد رغبة حقيقية في ممارسة الحياة.
فتحت الحاسوب وبدأت تكتب أولى المقالات التي ستنشرها بدأ من الأسبوع القادم، عدة مقالات تتضمن عدة حكايات بسيطة من المجتمع العربي حسب ما قرأته وسمعته من بعض السيدات والفتيات..

ارتدت نظارتها الطبية وبدأت تكتب:-

" العادات والتقاليد..
ولطالما تحدثوا باسم العادات في مجتمعنا، ودائمًا ما تكون تخص المرأة، كأن مسمى العادات وضع في إطار تحجيم المرأة ورجمها حتى ولو لم تكن مخطئة..
أتساءل دومًا لمَ الأنثى دائمًا هي المحملة بالذنب!
أتذكر حينما كنت صغيرة استمعت ذات يوم لأحد جيراننا يؤنب زوجته على شيء يخص ابنتهما، ولم يلفت نظري سوى جملة واحدة..
هي المذنبة.. لأنها أنثى "

سمعت طرقات على باب المكتب فسمحت للطارق بالدخول، دخلت "أمينة " عاملة النظافة بالمدرسة، ابتسمت لها بود فقالت أمينة بتردد:
- صباح الخير أستاذة غزل هل يمكن أن أتحدث معك قليلًا؟
- بالطبع تفضلي.
قالتها بابتسامة مطمئنة تجعل كل من يراها يشعر بطيبتها واحترامها، تشجعت "أمينة " لتخبرها بما تريد.
***
"نسمxعلينا الهوا من مفرق الوادي
يا هوا دخل الهوا خدني على بلادي

يا هوا يا هوا ياللي طاير بالهوا
في منتورة طاقة وصورة
خدني لعندن يا هوا"

وبمكان آخر يجلس "عُدي" على المقعد بالعكس ويستمع لكلمات الأغنية من تلك الطالبة التي لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها لكنها تملك صوتًا بديعًا، يراقب بعينيه كيف يعملون جميعًا بنظام كما علمهم، شرد لدقائق وهو يتطلع إلى "شروق" وهو تغني، تذكره بشقيقته لكن الفرق أن شقيقته لم تكن طبيعية فهي من ذوي الاحتياجات الخاصة، تحب الموسيقى مثله لكنها لا تجد من يشاركها فيما تحب، دائمًا ما تتلقى الرفض مِن مَن حولها، لم تجد من يعاملها برفق سوى "غزل" فهي بطبيعتها حنونة وتميل لمساعدة غيرها، حتى أن "علا" لم تعد تتقبل والديها وإخوتها سواه هو، خاصة منذ تركهم لموطنهم الأصلي منذ فترة.
xانتبه من شروده على صوت أحد طلابه ينبهه أنهم انتهوا، هز رأسه نافضًا أفكاره وقال بجدية:
- أحسنتم، عودوا لصفوفكم الآن ونكمل غدًا.
انصرفوا جميعًا، ولحق بهم متجهًا للغرفة التي تجمعه باثنين من زملائه ويدندن بخفوت:-
"ياهوا دخل الهوا خدني على بلادي"

***
جلست "أمينة" بعد أن عادت من المدرسة تنتظرها حتى تنتهي من عملها لتتحدث معها قليلًا، اما روح فانتهت "روح" من تنظيف سلم الطابق الثاني من البناية التي تقطن بها، عيناها تدمعان بحزن على حالها، فهي قد بحثت عن عمل وسكن كثيرًا ولم تجد سوى هنا، غرفة صغيرة فوق سطح البناية، وافقت صاحبة البناية أن تعيش فيها مقابل مبلغ قليل للغاية وأن تنظف البناية وتساعدها في الأعمال المنزلية.
xهذا ما آل إليه حالها، انتبهت من شرودها وهي تلملم أدوات التنظيف على صوت الشاب الذي يسكن في الطابق الثاني مع أمه وأخته الأصغر منه، لم يكن شابًا بل مجرد مراهق في السابعة عشر من عمره يعني أنها تكبره سنًا، تسمع تعليقاته الفجة على جسدها فترمقه بنظرة حارقة لكنه لا يستسلم بل يزداد وقاحة.
xوقح وسخيف.. هكذا فكرت!
- كيف يحتمل نفسه وهو أشبه ببعوضة تلتصق بكل ما تراه؟
صوت بعيد قالها فهمست:
- لا تهتمي.. نحن لها.
عقد حاجبيه بتعجب وانتفض عندما لكمته أخته بقبضتها على كتفه قائلة بصوت مسموع:
- أخبرتك ألا تتحدث مع تلك المجنونة يا سعد.
- تأدبي يا هاجر ستسمعك.
همس بها بخفوت مؤنبًا شقيقته، لم ينتبها لوالدتهما التي خرجت من الشقة ثم هتفت بصوت حاد:
-تأدبا أنتما الاثنان وهيا إلى الداخل.
شعر سعد بالخجل من أمه فانسحب سريعًا أما هاجر فأخذت تهتف بحنق:
- يا أمي أجعلوها تذهب إنها مجنونة.
- لا يصح هذا القول، مالك بها أنتِ؟
هتفت بها الأم بحدة فأردفت هاجر هامسة لأمها:
- أقسم لكِ أني سمعتها تتحدث مع أحد ليلة أمس، وعندما حاولت أن أرى مع من وجدتها تقف وحدها أمام السور.
رمقتها امها بنظرة عاتبة وهي تدخلها للمنزل وآخر شيء سمعته وهي تقف بين الطابقين تحمل دلو الماء صوت هاجر قائلة:
- أظن أن جنًا قد مسها.
احتدت نظرتها وهي تضغط على عصا المكنسة التي تحملها حتى كادت أن تكسرها نصفين، لديها رغبة عارمة في الصعود وتحطيم رأس تلك الفتاة المدللة، بل لديها رغبة في حرق العالم أجمع لتتخلص من كل من يؤذي غيره، لكن رد والدتها جعلها تهدأ قليلًا وتكظم غيظها، تسخر منها وتظنها تحدث نفسها، غبية!
لا تدري أنها معها من تحدثها فعلًا.
صديقتها ورفيقة دربها التي رافقتها منذ فترة طويلة، صحيح هي لا تراها لكنها معها ولا تتركها، تحتضنها وتعينها على عذاب تلك الأيام البغيضة.
نفضت الأفكار من رأسها وأكملت عملها وبعد فترة كانت قد انتهت من ذلك العمل الشاق فصعدت لغرفتها لعلها ترتاح قليلًا من تعبها الجسدي والنفسي، قابلت السيدة "أمينة" التي تعيش في الغرفة المجاورة لها، ابتسمت لها بإجهاد وقالت:
- كيف حالك خالتي؟
- بخير يا "روح" كيف حالك أنتِ؟ أراكِ شاحبة!
ابتسمت بتعب، لقد كانت بشرتها شاحبة حقًا وتظلل عينيها هالات سوداء تدل على نوم متقطع، جسدها رغم نحافته لكنه محتفظ بأنوثته، عينان بلون بني غامق مثلها مثل أي فتاة عادية، ملامحها جميلة لكنها ليست فاتنة، ردت عليها تضع الادوات جانبًا:
- حمدًا لله على كل شيء.
حلت شعرها من عقدته فكان أكثر ما يميزها حقًا فهو تخطى آخر ظهرها بنعومة فائقة، مررت أناملها بين خصلات شعرها ببطء وهي ترمق نفسها بحزن في المرآة، ربتت "أمينة" على كتفها بحنان قائلة:
- ماذا بكِ يا بنيتي؟
هزت "روح" رأسها ببطء هامسة:
- مرهقة قليلًا فقط لا تقلقي.
ثم ابتسمت وهي تجلس على المقعد القريب وقالت:
- ماذا فعلتِ في أمر العمل الذي أوصيتك عليه؟
اقتربت منها "أمينة" وقالت:
- لقد أخبرت إحدى المعلمات بالمدرسة التي أعمل بها وإن شاء الله ستجد لكِ عملًا أفضل من هذا لا تيأسي، هيا أدخلي ارتاحي قليلًا وسأوقظك لتناول الغداء معًا.
أومأت "روح" موافقة ونهضت ودخلت غرفتها وأغلقت الباب خلفها، تمددت على فراشها لتهاجمها ذكريات عديدة أرادت نسيانها لكنها لا ترحمها.. لدرجة أنها لم تعد تفرق بين الواقع والخيال حتى راحت في سبات عميق.

*****
x

دخلت منزلها مساءً بعد يوم طويل، ما بين العمل وزيارة مركز الرعاية التي تحرص على زيارته في أول أيام الأسبوع، تدفن نفسها بين العمل في المدرسة والزيارات والتطوع في الجمعيات الخيرية حتى تعود آخر اليوم مرهقة فتنام ولا تشعر بشيء، لا تحب أن تترك نفسها فريسة للتفكير والوحدة التي تنهشها، كم تكره وحدتها!
أغمضت "غزل" عينيها بتعب وهي تلقي بنفسها على الأريكة في منتصف الردهة وتلقي الأكياس على الأرض بإهمال، من يراها يظن للحظات أنها نامت لكن في الحقيقية هي تهرب من واقعها لبعض الوقت وبعدها تفتح عينيها لتصطدم بالصورة المعلقة على الحائط لها مع والديها.
xآخر صورة لهما معها قبل وفاتهما بستة أشهر.. تدلك قدمها المصابة وتتأوه، لا تبالي بألم قدمها على قدر ما تؤلمها روحها.
- ثلاث سنوات يا أمي، ثلاث سنوات أعاني فيها وحدتي، ثلاث سنوات لم أسمع فيهم صوتك توبخيني كعادتك.. لم نتشاجر، لم تحتضنيني.
همست بها باختناق تقاوم دموعها، استندت برأسها على ظهر الأريكة وأخذت تحدق في السقف ودموعها تنساب وأردفت قائلة:
- أفتقدتك يا ابي، أفتقد ضمتك لي، ابتسامتك وصوتك، ضحكاتك معي!
xليتني رحلت معكما، ويا ليتكما تعودا.
أطرقت برأسها فاختفى وجهها بين طيات شعرها الكثيف الذي حلته من عقدته فبدت كلوحة جميلة لكنها غامضة.
xلا تعرف كم مر عليها من الوقت وهي جالسة على تلك الحالة..
xالأيام تشبه بعضها، ابتسامة خفيفة تسللت لشفتيها وهي تتذكر أحداث يومها، لقد أنهت عملها وقضت اليوم بين زيارة دار الرعاية والتسوق في إحدى المراكز التجارية، لطالما كانت تهرب من أفكارها في التسوق، تبتاع كل ما يلفت نظرها حتى لو لم تكن ترغب فيه، ملابس، أغراض منزلية، طعام، أي شيء فقط لتلهي نفسها عن التفكير في ما يضايقها.
على الرغم من حزنها لكنها لم تفتقد روحها الحلوة وعبثها.
كان والدها يخبرها دائمًا أنها تملأ أي مكان تدخله بالبهجة، ترى هل فقدت بهجة روحها؟
خفق قلبها بقوة وهي تستعيد اللقاء الذي لم تكن تتوقعه..

xمفاجأة!
xتعترف أنها تفاجئت، لقد ظنت أن كل شيء قد انتهى فلما القلب يعبث معها بخفقاته، يتقفز بين أضلعها كالطفل الذي وجد أمه للتو، كأن الماضي الجميل يتجسد أمام عينيها على هيئة إنسان، ذكريات عدة تتدفق في عقلها تجعلها تبتسم بحنين جارف.
كيف يمكن للقاء الأعين أن يفعل بها هذا؟
xافتقدت ذاك الشعور منذ فترة، شعور أنها مازالت تعرف كيف تحب.. كيف تشتاق؟
xأنّبت نفسها بشدة:
- ماذا بكِ يا غزل هل جننتِ؟! أي حب هذا الذي تفكيرين فيه الآن!
تلتقط ألبوم الصور تقلب فيه بشرود، صور لها مع والديها وأخرى لها وحدها، مع اصدقائها، عيناها تقف عند صورة في فترة الجامعة تضم عدد من الأصدقاء، تتعلق نظراتها بشخص معين وتبتسم لابتسامته، قلبها يخفق بجنون وهي تهمس كأنها تحدثه تسترجع اللقاء:
- تغيرت كثيرًا يا "نديم"
لكنك لم تغادر أضلعي.

***


x

حورية..
كانت أشبه بحورية من حوريات الجنة..
أميرة هربت من حكايات الأساطير..
فستانها الأبيض الناصع يلف جسدها وطرحتها الطويلة كانا يعطينها مظهرًا رائعًا، ابتسامتها الجميلة تزين ثغرها وعيناها يشعان فرحًا وسعادة كالطفلة التي حصلت على ملابس العيد للتو.
xهكذا كانت فرحتها بالزفاف، الناس من حولها يرمقونها بفرحة، صوت الموسيقى والزغاريد العالية تبهجها، المكان مزدحم بالبشر تكاد لا تعرف الوجوه من بعضها البعض..
تقف أمامها تتأملها بعينين دامعتان وتتمنى لها السعادة، بينما تبتسم العروس لها وتحتضن كفيها وتهمس لها بشيء لم تسمعه جيدًا ثم ابتعدت..
ظلت تبتعد وتبتعد حتى أصبحت أشبه بضوء بسيط غير واضح، البشر يختفون والمكان يتغير فتجد نفسها في مكان مظلم.
أشجار عالية تشبه الغابات..
صوت الرعد يصم أذنيها..
xالبرق يضيء السماء فترى الأشجار مثل الأشباح الضخمة فيختض قلبها بين الضلوع..
xصوت الزغاريد تحول لصراخ عالي لفتاة تتألم!
xتجلس على الأرض تضم ركبتيها لصدرها وتتحرك بشكل روتيني للأمام والخلف، جسدها يرتجف بردًا وخوفًا من هذا المكان المبهم، عيناها تحدقان في الفراغ أمامها.
نظرة فارغة لا تحمل شيئًا!
xامتزجت الصرخات بصوت بكاء طفل صغير فتحركت بسرعة لتركض باتجاه الصوت، أخذت تبحث بين الاشجار عن مصدر الصوت، تسير إليه رغمًا عنها كأنه نداءً لها، تبحث هنا وهناك حتى وجدتها..
تجلس على الأرض فستان زفافها الأبيض غطته الدماء والوحل!
xبجانبها لفة صغيرة يصدر منها صوت البكاء.

جثت على ركبتيها أمامها فابتسمت لها بارتعاش مطمئنة، أشارت ناحية الطفلة وهمست بصوت مختنق:
- ابنتي، خذيها يا "روح" لا تتركيها! xإنها أمانتك.
كادت أن ترد لكن الأرض اهتزت من تحتها، نهضت مسرعة وحملت اللفة فوجدت بها طفلة رضيعة، التفتت لترى الفتاة لكنها لم تجدها، بل وجدت مكانها حفرة كبيرة كأن الأرض انشقت وابتلعتها.

xاقتربت بتردد ونظرت بداخلها لكنها لم ترى شيء!

xكانت الحفرة عميقة لا تعرف لها آخر..

xهمست باسم الفتاة لكن لا يوجد رد، فصرخت بصوت عالٍ:
- آسيا..
لا تعرف كيف اختل توازنها لتسقط منها الطفلة داخل الحفرة أيضًا.

x

انتهــــى الفصل


نونا مجدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-01-21, 09:25 PM   #3

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي

اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...


للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html




واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا73, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء



قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

رد مع اقتباس
قديم 27-01-21, 08:53 PM   #4

نونا مجدي

? العضوٌ??? » 473092
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 87
?  نُقآطِيْ » نونا مجدي is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثاني

صوت طرقات على باب غرفتها الصغيرة جعلها تنتفض من نومها مفزوعة، صدرها يعلو ويهبط بسرعة، قطرات العرق ظاهرة بوضوح على جبينها، شفتاها ترتعشان بقوة وصوت الصراخ مازال يصم أذنيها فتضع يديها عليهما تسدهما، لم تنتبه للدموع التي تسقط من عينيها وتهزي بكلمات عدة غير مفهومة ومن بينهم اسم "آسيا".
على صوت الطرقات مرة أخرى فارتعد جسدها وهي تنظر باتجاه الباب، صوت السيدة "أمينة" يعيدها لواقعها، أخذت نفسًا مرتجفًا تفرك جسدها بيديها تلتمس بعض الدفيء تهدئ نفسها:
- أهدأي يا "روح" أنه كابوس.
نهضت بتثاقل، تترنح نحو الباب الخشبي المليء بالشقوق الذي لم يعد يصلح، لم يكن وحده بل الغرفة كلها لا تصلح للحياة الآدمية لولا ترتيبها لها.
غرفة صغيرة تحتوي على فراش صغير ضيق يحتضن جسدها كل ليلة بدلًا من النوم في الشارع، وفي نهايتها موقد صغير للطعام وطاولة عليها بعض الأواني والأطباق، وممر طوله متر يؤدي إلى حمام ضيق يكاد يتسع لفرد.
هذه هي الحياة التي أصبحت تحياها منذ ستة أشهر أو أكثر لكنها راضية.
- لا بأس كل شيء سيكون على ما يرام.
تسمعها بصوتها الوهمي فتجيب على نفسها قائلة بتأكيد:
- نعم ما دمنا معًا، كل شيء سيكون بخير.
فتحت الباب لتواجه السيدة "أمينة" بابتسامتها البشوشة قائلة لها:
- شعرت بالقلق عليكِ هل أنتِ بخير؟
- نعم خالتي أنا بخير لا تقلقي.
همست بصوت مختنق، فلاحظت الأخرى الدموع التي تغرق وجنتيها لكنها لم تعلق، مدت يدها وربتت على كتفها قائلة بحنان:
- حسنًا يا ابنتي بدلي ملابسك وسأنتظرك لتناول الغداء في الخارج.
أومأت بشرود وأغلقت الباب لتبدل ملابسها.
عادت بعد لحظات وقد بدلت ملابسها وارتدت بنطال واسع وسترة خفيفة بأكمام طويلة، وجمعت شعرها في جديلة طويلة على كتفها الأيمن.
بعد أن تناولا الطعام جلستا على مقعد بجانب السور يرون البحر وامواجه تتلاطم، تطلعت إليها أمينة لتجدها شاردة كأنها انفصلت عما حولها..
لقد سئمت كوابيسها!
هكذا فكرت "روح"!
لم تعد تنعم بنوم هنيء منذ زمن، لا في الصباح ولا المساء، كلما غفت قليلًا تهاجمها كوابيس بشعة، منها ذكريات ومنها نسيج من خيالها وفي كلتا الحالات لا يرحمونها، في بعض الأحيان تظن أنها لن تستيقظ من كابوسها، بل ستظل سجينتها حتى تزهق روحها، كلما استيقظت تشهق كمن عاد من الموت..
"من آسيا؟"
انتشلها سؤال أمينة من شرودها، فالتفتت لها وجدتها ترمقها بتساؤل قلق، ظلت للحظات تحدق فيها بوجوم دون رد فندمت الأخرى على سؤالها ولكن ندمها قد تراجع وهي تسمع ردها بخفوت:
- شقيقتي.
أصابتها الدهشة وهتفت بذهول:
- لديكِ عائلة!
ظننتك وحيدة دون أهل.!
- كان.. كان لدي أهل.
همست بها بوجوم فأردفت امينة بتساؤل:
- وأين هم يا فتاة؟
كيف يرضون على أنفسهم أن يتركوا من في مثل عمرك تعيش وحدها؟!
لم ترد!
حُبس صوتها كالعادة كلما أتت سيرة عائلتها.
عجيبة تلك الحياة!
تعاقبنا بفقدان أحبتنا حتى ولو لم نخطئ.
نسير مرغمين في طريق يملأه جمر.. تحترق قدمينا فلا نحتمل مشقته ولا نجد القدرة على الرجوع.
تُرى إلى متى سنظل أسرى الماضي ملطخين بسواده؟!
"فقط أخبريني أين شقيقتك؟"
همست بها أمينة تربت على يدها بحنان فتعلقت عينا "روح" بكفها المستكين في راحتها، اهتزت عينيها بحنين، ابتلعت ريقها وهمست بتردد:
- لقد.. ماتت!!
شهقت ضاربة على صدرها ولسانها يردد:
- لا حول ولا قوة الا بالله، ماتت!
كيف؟
هل كانت صغيرة؟
مسحت بأناملها الدمعة التي تسربت من عينها وأجابت باختناق:
- كانت تلد.. وماتت.
تمتمت أمينة بكلمات متأثرة ودمعت عيناها حزنًا بينما أخذت "روح" نفسًا مرتجفًا وأردفت بنبرة يملأها القهر:
- ونعم كانت صغيرة.. صغيرة جدًا على ما أصابها.
كادت أن ترد لكنها لم تمنحها فرصة ونهضت حتى تقطع عليها سيل الأسئلة وقالت:
- عذرًا يا خالتي أنا ما زلت متعبة وأريد أن أرتاح.
تنهدت ترمقها بنظرة حزينة فلم تعِ إلا وهي تجذبها بقوة حتى أصبحت بين أحضانها، شعرت بارتجاف جسد "روح" بين ذراعيها فزادت من ضمها لها، أما الأخرى اجتاحها شعور خانق بالاشتياق، منذ زمن لم يضمها أحد بهذا الحنان والقوة.
مرت سنوات طويلة لم تذق فيها معنى الرفق.
رغمًا عنها تشبثت بملابسها وارتفع صوت نحيبها كأنها تودع كل ما بداخلها من عذاب.
كل ألم مرت به!
كل لحظة قهر!
كل لحظة ظلم!
صوتها الوهمي ينهرها على ضعفها بعدما تعهدا ألا تستلم لذلك لكنها لا تستجيب له.
- لا بأس، القليل من الضعف لن يضرنا.
تقولها لكن لسانها يستعصى عليه فلا ينطقها، لكنها تشعر أنها تريد ذلك.
في الكثير من الأحيان يحتاج المرء لثواني..
ثواني فقط يخلع فيها أقنعته..
يخرج من الثوب اللامبالي فيزيل عن كاهله بعض الأحمال.
ليتنا نستطيع التحرر من كل أقنعتنا المزيفة ونعترف بضعفنا ونقتله!
لا نخبئه فيصنع بداخلنا هوّة عميقة تكبر معنا بمرور الوقت.
كلما خبئناه كلما ازداد بنا بطشًا وقهرًا.
لا تدري كم مر من الوقت وهي تستكين في حضنها بهذا الشكل وأمينة تمسح على شعرها برفق، لينتهي بها الأمر غافية بين ذراعيها.. بدون كوابيس.


في منزل "غزل"

مضطربة..
أهذا ما يسمونه لهفة اللقاء الاول؟
أن تتقافز خفقات قلبك وتضطرب كعصفور مذعور.
أن ترتجف أطرافك وتشعر بصقيعها، كأنك تركتها في مكان يغطيه الجليد.
تشعر كأنها مراهقة ساذجة تستعد للقاء حبيبها للمرة الأولى.
شعور متناقض ما بين اللهفة والخوف والتردد.
تصفف شعرها بتأني أمام المرآة، ترتسم على شفتيها ابتسامة بلهاء وهي تمرر الفرشاة على شعرها ببطء، وتأخذها ذكرياتها لتلك الصدفة التي جمعتهما منذ أسبوع.
لقاء عيونهما كان أشبه بطائر يحلق في فضاء واسع بحرية، كم مر وهما يحدقان في بعضهما البعض بهذا الشكل؟
لا تدري!
عيناه كانت تبتسمان كما عاهدتهما دائمًا، هل لمحت اشتياقًا في نظرته أم اعتذارًا؟
لا يهم لن تقف تحلل نظراته.
هي متوترة.. مصدومة.. تشعر بشلل في جميع أطرافها، عقلها يحثها على الاستيعاب وهي كمن أنفصل عن العالم، لا تدري متى احتضن كفها في مصافحة طالت دون حديث.
استمر الصمت لفترة لم تعرف تحديدها بالضبط، انتبهت لنفسها وسحبت يدها بحدة رغمًا عنها وعضت على شفتيها بخجل غريب عليها، وصلها صوته دافئًا، قويًا كما اعتادته.. سائلًا عن حالها، مر وقت طويل وهي تنظر إليه صامتة حتى ظن أنها لم ترد لكنها خالفت توقعه وردت:
- بخير..!
كلمة واحدة هي ما حصل عليها منها، لكنها كانت أكثر من كافية لتشجعه على الحديث:
- كل عام وأنتِ بخير.
ابتسامة منقوصة ارتسمت على شفتيها وصوتها يصله ساخرًا:
- ما زلت تتذكر..!
- لم أكن لأنسى.
همسها بتأكيد.. ابتسامتها الحقيقية جعلت فمه يتسع بفرحة، لا تعرف كيف تطور الأمر وتبادلا أرقام الهواتف لتتفاجأ به يتصل بها أمس ويطلب مقابلتها ولم ترفض بل وافقت وبدون إصرار.
لم تدري لماذا لكنها وافقت!
تتذكر لهفة صوته والفرحة التي قرأتها في صوته عندما وافقت.
عادت لواقعها تتأمل انعكاسها في المرآة ونفس الابتسامة البلهاء ترتسم على وجهها، انتهت من تجهيز نفسها وأخذت نفسًا عميقًا، تلتقط حقيبتها ومفاتيح سيارتها وتخرج من منزلها للقائه.
وأمامه كانت تجلس شاردة في أمواج البحر، كثيرًا ما أحبت الحياة في المدينة الساحلية، تشعرها بسكينة وتهدئ ضجيج روحها الثائرة، تداخل صوت "أم كلثوم" مع شرودها ليصنعا مزيجًا خاصًا.
التفتت إليه فوجدته يحدق بها بنظرة غامضة فبادلته النظر بتحدي، لطالما كانت نظرتها قوية أبعد ما تكون عن خجل الفتيات، دائمًا ما كانت تشعره أنها ندًا له، تتحداه ولا تخضع لأي شيء يقوله.. دومًا كانت ثائرة بروح أنثى متمردة.
لهذا أحبها قبلًا، بل وظل يحبها رغم سنوات الفراق.
دام الصمت بينهما طويلًا!
مشاعرها كانت مختلطة، ما بين ترقب وسعادة خَفية حاولت ألّا تظهرها.
بينما هو كانت عيناه تنتقل بين ملامحها باشتياق، يراقب شعرها الذي تركته حرًا يتراقص بدلال حول وجهها بفعل الهواء، وعيناها التي كانت تلمع دومًا بعبث طفولي ممزوج بأنوثتها يراها قد خفتت تلك اللمعة لكنها مازالت موجودة، تنفسها هو الشيء الوحيد الذي أفصح عن توترها، بل وارتجاف أناملها التي بمجرد نظره إليها قبضتها بشدة لتمنع ارتعاشها.
لقد نضجت!
نضجت كثيرًا عن تلك الفترة التي تركها فيها فلم تكن تتجاوز العشرين من عمرها، ورغم ذلك مازالت تسحره بكل ما فيها.
لم يستطع تحديد مشاعره!
لم يصدق عينيه عندما رآها صدفة تتجول في أحد المراكز التجارية فظل يراقبها حتى عرف بيتها، مكان عملها.
منذ أسبوعين وهي لا تغير نظام حياتها، حتى قرر أن يظهر لها في يوم مولدها.
- لم تكن صدفة.
قاطعت تأمله بسؤالها، لا يعرف إن كان سؤالًا أم إقرارًا؟
نبرتها القوية تخبره أنها كالعادة قرأته، هي تعرفه جيدًا، تحفظه كخطوط يدها، فما بينهما لم يكن مجرد حبًا!
ابتسامته الجانبية كانت كافية لتعرف أنها على حق، هكذا كانت الابتسامة تفضح ما يريد أن يخفيه عنها رغمًا عنها ابتسمت هي الأخرى، كتفت ذراعيها وهي مستمرة في النظر إليه دون أن ترمش، يعترف لم يكن يخطط للظهور لها، هو نفسه تفاجأ بقراره عندما وجدها تجوب الأماكن دون تفكير، وجد نفسه يسير إليها مرغمًا، تنهد عائدًا لواقعه وقال:
- ليس بالضبط!
لم أخطط لذلك، فقط أردت رؤيتك من بعيد لكني وجدت قدماي يسيران إليكِ دون رغبة مني.
لم يصله رد منها فصمت هو الآخر، عقله يسترجع أوقاتهما معًا كأنه الأمس، لو لم يفترقا لكانت زوجته الآن.
استمر صمتها لفترة أطول ففقد الأمل بل وشردت عيناها بعيدًا فتأكد أن عقلها أخذها لنفس المكان فأردف وهو يستخرج علبة من القطيفة ووضعها أمامها:
- هديتك.
أفلتت منها ضحكة ساخرة وارتفع حاجبها بتعجب تقول:
- كعادتك لا تنسى أي شيء.
- أخبرتك لم أكن لأنسى.
همسها بدفء.. بحنان وبقوة، دغدغت مشاعرها كالسابق، دومًا كان لديه القدرة أن يمس قلبها كما لم يفعل أحد من قبل، فتح العلبة وهمس بحنو:
- أنظري إليها ستعجبك.
انتقلت نظرتها تلقائيًا لما داخل العلبة فوجدت قلادة رقيقة في نهايتها تتدلى منها شكل حمامة تفتح جناحيها، ابتسمت بحنين وهي تتذكر واحدة مشابهة كان قد أهداها لها في عيد مولدها قبل أن يفترقا، وتتذكر أيضًا كيف تخلصت منها بعدها فلم تزرف عليه دمعة واحدة.
لطالما وصفتها صديقتها بالجبروت!
كيف تحملت الفراق ولم تتحطم.. لم تبكي ولم تكتئب!
ومن أخبرها بذلك!
هي تحطمت من الداخل..
تفتت قلبها وضل طريقه فلم يعد يعي الصواب من الخطأ.
احتضن كفها المفرودة على الطاولة أمامها فتعلقت عيناها به أما هو فهمس برجاء بدى واضحًا في نبرته ونظرته:
- غزل دعينا ننسى ما فات ونبدأ من جديد، أنا ما زلت أحبك.
أرتجف قلبها بين ضلوعها، وارتعشت شفتيها على الرغم من ثبات ملامحها لكنها لا تنكر أن -الكلمة- أثّرت بها كعهدها.
أطرقت برأسها فاختفت ملامحها خلف شعرها، لم يعطيها فرصة لترد وأردف برجاء:
- ما زلت أحبك يا غزل.. حياتي بدونك ليس لها معنى، أنتِ كنتِ كل شيء بالنسبة لي، وحدك استطعتِ أن تفهميني، فعلتِ ما لم تستطع أن تفعله غيرك، عودي إليّ يا غزل وأعدك لن أخذلك أبدًا.
يقولها بدفء نبرته، بقوتها واهتزازها، متناقض.. وعشقته هي بتناقضه.
رغمًا عنها تجتاحها ذكرى مشابهة، وذكرى خذلانه لها يومًا فتسحب يدها من يده بحدة وتهتف دون أن ترفع رأسها:
- أتظن الأمر سهلًا؟
ترحل وتغيب لسنوات ثم تظهر فجأة وتخبرني أنكَ ما زلت تحبني فأركض إليك وأعانقك كأن شيئًا لم يكن!
هزت رأسها ولمعت عيناها بالدموع فبدت كطفلة صغيرة تقاوم البكاء، جاهدت لمنع دموعها من السقوط لكن صوتها فضح رغبتها في البكاء وهي تردف باختناق:
- أخطأت يا نديم، لم أكن يومًا تلك الفتاة الضعيفة التي تنتظر إشارتك لتركض اليك.
تذكر جيدًا، أنا "غزل" من جعلتك يومًا تلهث خلفها فقط تشوقًا لنظرة منها.

كانت تلهث، التقطت أنفاسها بصعوبة وصدرها يعلو ويهبط كمن كان يسابق الريح، تناظره بقوتها المعتادة وأمامها كان يبادلها النظر بندم عما فات، وقلبه يرتجف بين أضلعه خجلًا من قسوته عليها ذات يوم، يتعجب من كونها تتحدث بهذه القوة رغم إدراكه لمَ يجول بداخلها من ألم، ويحسدها على ثبات انفعالها الذي تمنى لو ملك مثله.
الآن فقط تأكد أنها لم تتجاوز مشاعرها له بل ظلت تدور في محورها، مثله تمامًا، لم يستطع أن يتجاوزها، كلما مر عليه يومًا وزادت فترة فراقهما كان قلبه يزداد حبًا، ووجعًا بها ولها.

ألم يجدر به التراجع عندما قرر الرحيل في المرة الأولى!!
أحمق لم يستمع لصوت قلبه الذي كان يتوسل اليه البقاء، فليس كل ما يخبرنا به العقل يسعدنا ويرضينا لكنه كان يؤمن أيضًا أن من الحماقة تصديق القلب وقرارته.
قاطعت أفكاره وهي تكمل قائلة:
- يؤسفني أن أخبرك أنني لم أعد تلك المراهقة الساذجة التي أحبتك بكل طاقتها.. لم أعد تلك التي تحتضن هاتفها ليلًا تنتظر رسالتك التي لن تأتي.
لقد كبرت يا نديم، وأنتَ أيضًا كبرت كثيرًا، ولا يغرنك شباب الوجه فكثرة الآلام جعلتنا نمتلك أرواحًا قد شابت.
أنهت حديثها ونهضت متناولة حقيبتها بكل هدوء ورمقته بحزن وكادت أن تذهب لكنه قبض على معصمها بشدة وهو ينهض، وجذبها إليه حتى كادت أن تصطدم بصدره، لفحت أنفاسه وجهها ونظر في عينيها وهامسًا:
- أذهبي الآن لكن أعلمي شيئًا.
ظهر التساؤل في عينيها فلم يمهلها فرصة وأردف بقوة وصوت "أم كلثوم" يتداخل معه:
- أقسم أنني لن أتخلى عن حبي لكِ مهما حدث.

"بيني وبينك هجر وغدر
وجرح في قلبي داريته
بيني وبينك ليل وفراق
وطريق انت اللي بديته"

***
تعود لمنزلها بعد ذلك اللقاء المرهق، لقد استنفذت الكثير من طاقتها اليوم في الحوار معه، لطالما أرهقها الحديث مع "نديم" كأنها في سباق..
جاهدت كثيرًا حتى لا تنهار.
تتظاهر بالثبات لكن روحها تحترق، تنزف بغزارة، وليس هناك أقسى من نزيف الروح...!
قلبها يتألم يذكرها بنفس الوجع الذي تحملته في بداية فراقهما، لم توهم نفسها يومًا بأنها تجاوزته، لم تكن تلك المشاعر عابرة لتمضي.
لم تكن قصة عادية انتهت نهاية مؤلمة، ما بينهما كان أكبر من حب.. أشبه بالتحام روحيهما معًا، كلٌ منهما يكمل الآخر وإن افتراقا يعيشا بشيء ناقص.
كانت تظن أنها ستموت من البعد ولكن للعجب ما زالت حية.
شعرت بالحيرة من جراءته، كيف يبادر بالمصارحة بمشاعره بهذه السرعة بدون مقدمات، ظنت أنه سيعتذر قبلًا.
وهل سيكفيكِ اعتذارًا؟
هكذا فكرت!
لا لن يكفيها، وهو يعلم ذلك لهذا لم يعتذر.
قررت ألّا تفكر في الأمر الآن ونهضت لتبدل ملابسها وتشاهد أي شيء على التلفاز تشغل به عقلها.
بعد دقائق كانت تعود حاملة كوب من الشاي يتصاعد منه البخار وعبوة "الشوكولاتة" وجلست تشاهد فيلمًا أجنبيًا، تتناول من العبوة بشرود.
لم تتعجب من نفسها عندما شردت من بداية الفيلم فلم تنتبه لأيًا من مشاهده.
زفرت بضجر والتقطت حقيبة يدها لتخرج منها هاتفها تراسل إحدى صديقاتها.
اصطدمت يدها بالهدية التي أهداها لها..
عقدت حاجبيها بتعجب تفكر كيف دخلت العلبة حقيبتها!
هي لم تأخذها، لم تمر دقيقة حتى رن هاتفها برسالة على الواتساب،
فتحتها وهي مازالت عاقدة لحاجبيها ولكن ملامحها لانت تدريجيًا وهي تقرأ رسالته..
"رفضتِ العودة إليّ لكن لا ترفضي هديتي..
أرتديها ولا تخلعيها أبدًا مهما حدث بيننا
وتذكري قسمي لكِ جيدًا..
أقسم أنني لن أتخلى عن حبي لكِ مهما حدث.."
تسمعها بصوته فظلت تتردد في أذنيها لفترة، ابتسامة صغيرة تتسلل لها فتعض على شفتيها، تعيد قراءتها مرة تلو الأخرى وفي كل مرة تزداد ابتسامتها عمقًا، تضرب بقبضتها على صدرها في موضع القلب كأنها تنهره على خفقاته المجنونة.
تناولت العلبة وفتحها لتخرج القلادة، وصلت أمام المرآة ووضعتها حول عنقها فتجسد أمام عينيها مشهد من الماضي..
يقف خلفها ويلبسها واحدة مشابهه لها ويميل يقبل عنقها لكنها تبتعد قبل أن تمسها شفتاه ترمقه بنظرة حارقة فيضحك على احمرار وجهها الذي لا يدري إن كان خجلًا أم غضبًا.
تنهدت بعمق وتنقل بصرها لصورة والدتها وتمرقها بنظرة تائهة وتهمس لها:
- أحتاجك يا أمي، أحتاجك بشدة.
في صباح اليوم التالي
في مكان آخر وبينما كان الطلاب يتوافدون على مدارسهم لبدء يومهم بالتعلم، استيقظت هي مفزوعة على صوت والدتها تصرخ باسمها:
- فرحة
علمت أنها تأخرت في النوم اليوم على غير العادة، مسحت وجهها بكفيها وهي تنهض ترتدي خُفّها المنزلي وركضت للخارج، تعثرت عدة مرات فالرؤية أمامها مازالت مشوشة.
دلفت للمرحاض وغسلت وجهها بسرعة، رفعت عينيها لصورتها في المرآة وتنهدت بضيق وهي تتذكر مثل هذا اليوم في العام الماضي كانت تجهز نفسها لتذهب للمدرسة ولكن الآن كل الأحلام تبخرت بسبب جبروت والدها، نهرت نفسها على تذكيرها بهذا الأمر كل يوم، رفعت يدها لتلمس تلك الكدمة الزرقاء في جانب وجهها بأناملها فتأوهت بخفوت وهي تتذكر السبب التافه الذي عوقبت لأجله، ملامحها كانت عادية لكنها ليست دميمة، وجه مستدير وعينان من ينظر لهما من بعيد يظن لونهما أسود، شعر أسود فاحم لم يتخطَ منتصف ظهرها تجمعه على شكل جديلة، خرجت من الحمام بخطوات متثاقلة فقابلت والدتها وهتفت بحدة:
- مازال الوقت باكرًا.
- أمي.. الساعة لم تتخطى السادسة بعد، هل ارتكبت جرمًا؟
هتفت بها بتأفف رغمًا عنها فهي قد سئمت تذمر والدتها كل يوم.
- فرحة
انتفضت على اثر صوت والدها وارتجفت رغمًا عنها كما يحدث لها دائمًا في حضوره، ابتلعت ريقها بصعوبة وهمست بخفوت:
- نعم يا أبي
- لا تتحدثي مع أمك بهذه الطريقة مرة أخرى وإلا سأقطع لكِ لسانك.
هتف بها بحدة فازداد ارتجاف جسدها تهز رأسها بعلامة الموافقة بسرعة، التفتت لوالدتها التي قالت بصوت منخفض كما اعتادت في وجود زوجها:
- أذهبي وحضري الفطور لوالدك وأخواتك قبل أن يخرجوا هيا.
-حسنًا

بعد رحيلهم على سطح المنزل وقفت رافعة رأسها للسماء، مغمضة العينان، ابتسامة نادرة تولد على شفتيها استمتاعًا بأشعة الشمس التي تكاد تنساها من قلة خروجها.
استغلت فرصة غياب والدها وأخواتها عن المنزل وذهاب أمها لمنزل خالها لتصعد للسطح قليلًا دون علمهم، تلك اللحظات الصغيرة التي تختطفها خطفًا في غيابهم هي الأسعد بالنسبة لها.
لحظات قليلة تشعرها أنها حرة، أنها إنسانة لها حق الحياة، لحظات تقتطفها خارج السجن الذي وضعها والدها فيه منذ مولدها، تستنشق الهواء النقي كالسجين الذي تركوه لدقائق خارج زنزانته ثم يعيدوه مرة أخرى ليتجرع مرارة وحدته من جديد.
هذه هي حياتها، روتين يومي يتكرر كل يوم لا يتغير حتى ملته.. تستيقظ، تحضر الفطور لعائلتها، تنظف المنزل، تعد تجهيزات الغداء مع والدتها وهكذا، لا يوجد جديد!
حياة أشبه بالعدم فلماذا تحياها؟
كثيرًا ما كانت تفكر في إنهاء حياتها خاصة بعدما منعها والدها من أن تكمل تعليمها الثانوي، لكن بقايا الإيمان التي بقيت بداخلها هي ما تمنعها عن ذلك.
لا تنكر أنها أصبحت تمقت حياتها بشدة ولكن ما يصبرها عليها هو وجود "عيسى" شقيقها.
الوحيد الذي لم يرث قسوة والدهم، وجوده أشبه بنسمة تربت على الروح وتشرح القلب، بجمال صفاته ونقاء ابتسامته، حنانه وعطفه الذي لم ترَ مثله، تتساءل دومًا كيف يمكن أن ينبت شخصًا رقيق القلب هكذا وسطهم، لكن سبحان من أنبته كما ينبت الزرع من قلب الصخر!
ليته يظل دائمًا ملاكها الحارس الذي لم يخذلها أبدًا، ما يزعجها حقًا هو سفره المتكرر لأحد المدن الساحلية التي يعمل بها فيتركها هنا لبطشهم خاصة شقيقها الكبير "إسماعيل" الذي يتحين أي فرصة ليكسرها ويهينها، فهي فتاة وحيدة على ثلاث أولاد، كما يخبرها أباها أنها -غلطة وندم عليها- فهو لا يستهويه إنجاب الفتيات.
بعد دقائق قررت أن تعود للمنزل خوفًا من أن تعود والدتها ولا تجدها، دلفت للمنزل ثم إلى غرفتها وأغلقت خلفها الباب بالمفتاح، رفعت مرتبة الفراش وأخرجت الدفتر الصغير الذي تكتب فيه ما يجول بخاطرها وجلست تكتب أحداث يومها التي لا تتغير وبعدها كتبت ما تشعر به:
- الكون من حولي صار باهتًا..
الأيام تعدوا كسابقتها لا أشعر أن لها لونًا أو رائحة..
كل شيء بات كئيبًا أم عيناي هي التي لم تعد ترى إلا السواد؟
أتعجب من كوني أفقد شغفي تجاه كل شيء، اللهو، الطعام!
أم تراني فقدت شغفي في الحياة كلها!

"في نفس التوقيت"

على شاطئ البحر تقف "روح" تراقب أمواج البحر شاردة الذهن، حاجبها الأيسر يتحرك بروتين غريب كمن أصيب بخلل في الأعصاب، تسمع صوت تصادم الأمواج صاخبًا لكن وللعجب يشعرها بالسكينة، شعور نادرًا ما تشعر به، تقف فوق الرمال المبللة دون حذاء، تحرك أصابعها في الرمال فتأتي موجة تجعل المياه تلمس قدميها، تبتسم بطفولية وهي تحرك أصابعها مرة أخرى، لا تهتم بأطراف بنطالها التي ابتلت، تجلس على الأرض غير مهتمة بإتساخ ملابسها.
عيناها تشردان في أشعة الشمس التي تتسلل بخجل في أول ساعات الشروق، ابتسامتها تتسع أكثر وهي ترجع للخلف لتتمدد على الرمال، مشهد الشروق والبحر يذكرها بأمها كيف كانت تجلس معها على الأرض وتنشأ لها بيتًا من الرمل هامسة لها "روح":
- هذا بيت أحلامي يا أمي.
- نعم يا صغيرتي سيكون لكِ بيتًا مثله عندما تكبرين.
فيتدخل والدها قائلًا يجلس بجانبها مربتًا على شعرها:
- لا يا صغيرة، لا تبني لنفسك أحلامًا من الرمال فتهدمها اول موجة وتنهار سريعًا، بل اعتادي دائمًا أن تجعلي أحلامك صلبة لا تهدمها أمواج الحياة.
- لم أفهم يا أبي!
تهتف بها بطفولية عاقدة حاجبيها فيرد عليها بابتسامة حنونة:
- عندما تكبرين ستفهمين معنى أن تواجهي أمواج الحياة دون أن تهتزي بل تقفي لها بشموخ فتمضي دون أن تحركك.
استيقظت من تلك الذكرى تغمض عينيها فتسمح لدموعها بالسقوط وتتذكر آخر جملة قالها لها:
- غدًا تكبرين وتعرفي أن هناك نوعًا من الأمواج لا نستطيع مواجهتها، لكن ننحني لها لتمر أو تغرقنا معها.
تقبض على حفنة من الرمال بقوة وتهتف بصوت مختنق:
- ليتك شرحت لي!
ويا ليتني فهمت!
**

"ليلًا"
تحتضن "فرحة" وسادتها تلتمس الأمان الذي لا تشعر به بين جدران منزلها وقد جفاها، تحدق في الفراغ أمامها فلا ترى من الظلام سوى خيالات سوداء لا تعرف إذا كان حقيقيًا أم لا!
اليوم تعرض والدها لوعكة صحية كادت أن تودي بحياته، لكن العجيب أنها لم تشعر بالذعر عليه كما هو مفترض أن يحدث مع أي فتاة تجاه والدها.
ولكن لمَ العجب؟
منذ متى عاملها كابنة؟
دائمًا ما يشعرها أنه يأويها قهر، وليست ابنته، جزء منه.
فراغ!
هذا ما تشعر به نحوه.
روحها خاوية تكاد لا تشعر بشيء تجاهه.
تكرهه؟
لا تدري.
تحبه؟
أيضًا لا تدري.
كل ما تعرفه ان لكل إنسان رصيد بداخلنا، يُستنفذ كلما أشعرنا بالخذلان.
وهي التي لم تعرف يومًا سوى طعمه!
تجتاحها ذكرى حديثها مع زوجة أخيها "إسماعيل" صباحًا بعدما عادت من بيت والديها بعد أسبوعين من تركها للمنزل بسبب ضربه لها، لن تنسى جملتها التي صدمتها، لن تنساها طوال حياتها:
- لم أصدق أبي عندما أخبرني أن من يستهوى إهانة شقيقته لحمه ودمه لن يتفانى في إهانتي.
ليتني سمعت كلامه!
ضحكت بسخرية خافتة وهي تفكر.. أصبحوا يضربون بكِ المثل في الإهانة يا "فرحة" ماذا ينقصك أيضًا؟
لطالما كان أبوها قاسيًا عليها، وأورث قسوته لأولاده من بعده ما عدا "عيسي"
أحيانًا تشعر أن عبد الله ليس قاسيًا كوالده أو حتى مثل "إسماعيل"، تشعر أنه يخشى أن يبين حبه لها فيكون جزائه السخرية من قبل والده كما يفعل مع "عيسى".
لا يهم فهي تعذرهم..
لكن التي لا تعذرها حقًا هي أمها!
ليس هناك مبرر لقسوتها، كيف تقسى عليها بهذا الشكل وهي صغيرتها، كثيرًا ما أرادت الصراخ بأعلى صوتها تشكو قسوة الحياة عليها لكنها تعود وتصمت.
تخرج صراختها على الورق، لعله يخفف من حدة الألم الذي يسكنها.
هي المنبوذة وسط عائلتها.
هي المحرم عليها كل شيء.
والغريب أنها بدأت تقتنع أنها مجرد "غلطة" كما يخبرها والدها دومًا.
★★★★

وعلى فراش آخر..
يتمدد "نديم" واضعًا ذراعه فوق رأسه، من يراه يظن أنه يتأمل السقف لكن في الحقيقة كان شاردًا.
منذ تركته ورحلت ومظهرها لا يفارق عينيه كأنه احتفظ بملامحها بداخله، نقشت على قلبه فيكاد لا يرى غيرها.
أعوام تمر وها هو يعترف لنفسه أنه لم يستطع نسيانها طول تلك السنوات.
يا ليته لم يفارقها، لكان رحم نفسه ورحمها من العذاب الذي يمزق داخلهما.
لقد ظن أنه يعاقبها بهجره لها، وظنها ستركض خلفه وتحاول مصالحته.
لكن "غزل" لا تتغير، ولا تبدل قواعدها..
لا تعبأ برحيل أحدهم، من يرحل يرحل ومن يبقى يبقى.
يا أحمق كيف تريد منها الركض خلفك وأنتَ اختفيت تمامًا!
حدثه بها عقله فزفر بسخط يفكر أنه أحمق بالفعل.
لقد ظن الكون يدور حوله وسيحصل على ما يريد وما يستعصى عليه.
لا ينكر أنه أحبها بشدة، بل لم يحب غيرها في حياته.
بها شيء مميز يجعله يذوب عشقًا بنظرة منها، لكنه أيضًا لم يكن يومًا ليرضخ لأنثى وهي كانت تستفزه.
تخرج أسوأ ما فيه وتنتظره أن يمررها مرور الكرام:
"لا تناقض نفسك يا "نديم" أنتَ من أخطأت بحقها مرة تلو الأخرى وهي كانت تتجاهل من أجل الحفاظ على ثبات علاقتهما"
حدث نفسه بها معترفًا بخطئه في حقها..
عيناه تشردان في ذكرى لقائهما الأول في الجامعة..
كان يكبرها بست سنوات عندما رآها أول مرة تجلس على الأرض في الجامعة تحدق في كتاب دراسي، تعقد حاجبيها كأنها تحل معادلة صعبة.
كان وقتها قد قرر ان يكمل دراسات عليا بالجامعة، وهي في سنتها الأولى، فوجد نفسه يقترب منها مرغمًا ويلتقط قلم كان قد تدحرج بعيدًا عن عنها فوجدها حجة ليجلس على ركبتيه أمامها قائلًا بنبرة عابثة:
- يبدو أن هناك كوكبًا انحرف عن مساره وابتعد عن الشمس.
رفعت رأسها ورمقته بحدة ترفع إحدى حاجبيها بطريقة مضحكة، كان قريبًا جدًا حتى كاد يلتصق بها فلم يراعِ وجودهما في الحرم الجامعي، تعلق بصره بعينيها فسحرته النظرة الغريبة فيهما.
وصله صوتها ساخرًا وهي تدفعه ليسقط على ظهره:
- ابتعد عنها يا "ظريف" حتى لا تحترق.
ظل لحظات يرمقها بذهول يستند بمعصميه على الأرض وهي تنهض وتلملم أشيائها وترمي شعرها للخلف الذي كان حرًا يتراقص بدلال على ظهرها وترمقه بنظرة أخيرة ساخرة وتمضي في طريقها.

عاد لواقعه يبتسم بشجن لتلك الذكرى التي لم يعرف أنها ستقلب حياته رأسًا على عقب، ليجد نفسه لأول مرة في حياته يلاحق امرأة ويتمنى وصالها.
امرأة استطاعت إخراج الوحش الكامن بداخله وتفجير مشاعر لم يكن يظن أنها موجودة.
انتشله من شروده حركة على الفراش بجانبه، انتقلت عيناه تلقائيًا للجسد الشبه عارٍ المسجى بجانبه، أخذ يتأمل تلك الملامح بشرود ولسان حاله يردد:
- ماذا لو تعرفين..!
هل ستسامحين؟

انتهـــى الفصل


نونا مجدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-01-21, 09:13 PM   #5

*سارة عاصم*
 
الصورة الرمزية *سارة عاصم*

? العضوٌ??? » 439475
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 261
?  نُقآطِيْ » *سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

[quote=نونا مجدي;15321372]
مبروك يا نونة يا قمرز♥♥
من نجاح لنجاح وبإذن الله ربنا يوفقك دايمًا يا روحي .. مبسوطة بانضمامك حقيقي


*سارة عاصم* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-02-21, 09:16 PM   #6

نونا مجدي

? العضوٌ??? » 473092
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 87
?  نُقآطِيْ » نونا مجدي is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثالث

- آسيا أحكي لي عن الحب، هل هو مؤلم؟
أسبلت آسيا أهدابها وارتجفت شفتاها، مسحت على بطنها المنتفخة وهمست باختناق:
- نعم مؤلم، مؤلم جدًا.
- إلى أي حد؟
همست بها "روح" ببراءتها المعتادة رغم ما مرت به وسنوات عمرها التي تجاوزت الخامسة عشر فأجابت مرة أخرى ودمعة ساخنة تنساب على وجنتها:
- مؤلم للغاية يا روح، لدرجة تجعلك تصرخين وجعًا، تحترقين حد الموت.
عقدت "روح" حاجبيها وهي تستمع للهجة شقيقتها الغريبة وارتجف قلبها للتعبير الغريب فاستطردت بقوة تمسح دموعها:
- إياكِ أن تسلمي قلبك لرجل يومًا فكلهم سواء، يستغلون قلبك ويأخذونكِ ليمتصوا كل قطرة حب منكِ ثم يلقون بكِ جثة هامدة على قارعة الطريق محترقة الروح، فتحيين جسدًا فقط تتجرعي مرارة خيبتك ما بقى من عمرك.
صمتت تلتقط أنفاسها وشفتاها ترتعشان، كتفت ذراعيها حول جسدها وأغمضت عينيها قائلة بخفوت:
- إياكِ أن تمنحيهم ثقتك!
سيأتي عليكِ يومًا تتوسلين فيه الخلاص بعدما تُستنفذ سنوات عمرك في اللا شيء.
★★★★★
-"روح أين شردتِ؟
هيا يا ابنتي لقد وصلنا"
انتبهت من شرودها على صوت "أمينة " فنظرت حولها لتجد أنهما قد وصلا أمام المدرسة التي تعمل بها، حيث استطاعت توفير عمل معها في المدرسة.
للحظات شعرت بخطواتها تتجمد أمام الباب بينما "أمينة" تنظر لها بتساؤل، كانت غارقة في أفكارها وبداخلها تساؤلات عدة.
هل يمكنها بدء حياة جديدة هنا؟
هل سيكتب لها الله أقدارًا جميلة في هذا المكان؟
عالم جديد عليها لم تكن تظن أنها ستخطو بداخله يومًا، هذا ما تخشاه حقًا، هؤلاء البشر مختلفون تمامًا عمن تربت بجانبهم، فهي كانت من عائلة متوسطة الحال بل تكاد تكون فقيرة.
هزت رأسها بقوة تنفض تلك الأفكار عنها وخطت نحو المدرسة تمني نفسها بحياة جديدة هادئة، لا تخللها كوابيس، ولا تطاردها فيها صرخات.
ساحرة!
أبسط كلمة يمكن أن تقال عليها، يحدق فيها مذهولًا كأنه لم يرى نساءً من قبل، عيناه تنتقل بتأني، بدءً من ملامحها المرتبكة وارتجافة جسدها الواضحة للعيان، ملابسها البسيطة بل أقل من ذلك، تكاد تكون مهترئة، شعرها طويل وكثيف تخطى خصرها بمسافة، لم يعِ لنفسه وهو يسير إليها مرغمًا، وعيناه تلتمع وابتسامة بلهاء ترتسم على شفتيه وهو يقف أمامها.
أجفلت "روح" من الرجل الذي وقف أمامها فجأة فارتدت للخلف بحركة تلقائية تنتابها دائمًا تجاه الرجال أو الغرباء بشكل عام، عقدت حاجبيها وجسدها يرتجف بخفة، تنظر إليه بتساؤل خائف فيبتسم لها مطمئنًا، ارتخت ملامحها تدريجيًا وصوته يتخلل لها بدفء غريب:
- من أنتِ؟
- روح..
للحظات لم يفهم فعقد حاجبيه بتساؤل فأردفت بتوضيح خجول:
- اسمي "روح"
ابتسامته تزداد اتساعًا لتظهر "غمازة" وجنته ويشعر برقة صوتها تنفذ لقلبه، يقف حائرًا لا يدري ماذا يقول، ولا يعرف ما الذي يفعله بوقوفه هنا مع فتاة لا يعرفها فقط وجد نفسه ينجذب إليها فذهب ليحدثها.
أي أحمق أنت يا عُدي؟!
منذ متى تقف محدقًا في الفتيات هكذا؟
أخذ يعاتب نفسه سرًا لكنه أيضًا لم ينسحب كأن قدميه التصقتا بالأرض وروح تنظر له بتوجس.
- لماذا تقف هكذا يا عُدي؟
أجفل على صوت "غزل" وارتبك، التفت لها يحك ظهر رأسه بيديه وأجاب محاولًا الابتسام:
- لا.. مرحبًا.. ماذا؟
نظرت إليه عاقدة حاجبيها فتنحنح قائلًا:
- كيف حالك؟
- بخير.
أجابته ثم وجهت حديثها إلى "روح" مبتسمة بود:
- المدير وافق على تعينك، يمكنك بدء العمل من اليوم.
ابتسمت لها "روح" بامتنان وهمست بصوت متقطع:
- شكرًا لكِ لا أعرف ما أقول..
ربتت على كتفها بحنان قائلة:
- لا عليكِ.. هيا أذهبي إلى أمينة.
اومأت "روح" وابتعدت عنهما مسرعة بينما التفتت "غزل" إلى "عُدي" الذي كان يحدق فيها وهي تبتعد بنظرة غريبة لم تفهمها، أخرجته من شروده قائلة بنبرة مواربة لكنه فهمها:
- ستعمل هنا عاملة نظافة مع أمينة.
أومأ بشرود وهو يلتفت لها فبادلته النظر بتساؤل فهز رأسه دون معنى وقال:
- سأذهب لأرى عملي.

في منتصف اليوم..
كانت تنظف أحد المكاتب بانهماك، تشعر بالغرابة من المكان لكنه أيضًا متحمسة للعمل هنا، على الأقل عمل ثابت تعيش منه يرحمها من تنظيف سلالم العمارات والتعرض لتحرش السكان بها أو إهانتها.
- لا بأس سنكون بخير.
- معًا سيمضي كل شيء
- تظنين الحياة ستبتسم لنا؟
- بالطبع، من انتشلنا من ظلمة الحياة قادر على جعلها تبتسم لنا.
وقفت "غزل" تحدق فيها بدهشة، كان ذلك الحوار بينها وبين نفسها مما جعلها تتعجب، ما بالها تلك الفتاة تتحدث بهذه الطريقة!!
أصدرت صوتًا خافتًا حتى تنبهها بوجودها، التفت لها "روح" وابتسمت باهتزاز لاحظته جيدًا فبادلتها الابتسام وهي تدلف للغرفة بخطواتها الواثقة مما جعل "روح" تناظرها بانبهار واضح وهي ترى كيف تسير دون أن تهتز رغم ارتداءها لحذاء ذو كعبٍ عالٍ، جلست خلف مكتبها تطلعت إلى روح قائلة:
- شعرك رائع ما شاء الله.
أحمرت وجنتاها بخجل فاتسعت ابتسامة الأخرى وهي تفكر لم ترى فتاة تخجل فتحمر وجنتيها بهذا الشكل من قبل! 
عندما تقع بالحب ستظن أن العالم بأكمله مِلك لك، ولكن عندما ينتابك أول خذلان ستشعر كما لو أنك لاجئ بلا مأوي.

توقعت أن يأتي، لكنها لم تكن تتوقع رؤيته اليوم بالذات فلم يمر على لقائهم سوى يومين فقط!
وأن تراه أيضًا في مكان عملها!
قلبها يرتجف بين أضلعها بمجرد التقاء أعينهما، يهيئ لها أن عينيه قد ابتسمتا عندما رآها، كيف له أن يكون بكل هذه الوسامة!
هكذا تساءلت وهو يبادلها النظر مستندًا على حافة سيارتها مكتفًا ذراعيه أمام صدره، في عينيه نظرة ثقة تعرفها جيدًا..
لم تنتبه ليدها التي ارتفعت تلقائيًا لترتب شعرها المعقود على هيئة ذيل حصان، عيناها التقطت ضحكته الخافتة من بُعد كأنه فهم حركتها التي كانت تفعلها دومًا كلما خرجت لمقابلته، زفرت بضيق وهي تضع نظارتها الشمسية على عينيها وسارت ناحيته بخطوات حاولت جعلها متماسكة قدر الإمكان.
تبًا.. مازال يؤثر بها كالسابق.
تجاهلت ضجيج عقلها المشحون بأفكار عدة وتماسكت وهي تقف أمامه رافعة رأسها بكبرياء، عيناه تمر ببطء شديد على قوامها بنظرة تعرفها جيدًا فكتفت ذراعيها وارتجف جسدها وهي تعقد حاجبيها بضيق، ابتسامة ماكرة تتلاعب على ثغره وهو يتطلع لارتعاشة يديها من ثم تحولت لضحكة خافتة فزفرت بنفاد صبر وهمست بحدة:
- ابتعد.
- لا أنا مرتاح هنا.
همسها بنبرة متلاعبة فأغمضت عينيها تعد من واحد لعشرة وهتفت بضيق:
- نديم أنا لا أمزح وجودك هنا غير لائق.
- وما المشكلة هل تحرشت بكِ؟
قالها وهو يمرر عينيه على جسدها مرة اخرى بنظرة وقحة فشهقت بخجل وهي تضع يدها على شفتيها، لوهلة أرادت أن تصفعه على وقاحته، تعترف كانت قد اعتادتها عندما كانا مرتبطان لكنها كانت توقفه عند حده ويعتذر لها فورًا لكن لم تستطيع أن تسيطر على نظرته، كادت أن تنطق لكنه أوقفها قائلًا بصوت جاد:
- حسنًا أنا لا أريد أن أسبب لكِ أي إحراج فقط أردت التحدث معكِ قليلًا، أتبعيني بسيارتك.
- أنتظر هنا من أخبرك أني أريد الحديث معك؟!
هتفت بها متسعة العينين وهي لا تفهم سر هذه الثقة التي يتحدث بها كأن ذهابها أمرًا مسلم به!!
استطرد "نديم" بصوت هادئ:
- كفي عن أفعال الأطفال تلك واتبعيني.. بيننا حديث لم ينتهِ بعد.
- لن آتي.
تعلقت عيناه بجيدها ولمعت بشدة ومالت شفتيه بابتسامة صغيرة، لاحظت تحديقه بعنقها فوضعت يدها لتتفاجأ بطرف القلادة التي أهداها لها ظاهرًا من أسفل قميصها القطني الأزرق، مر بجانبها وهمس بصوت قوي رغم خفوته:
- ستأتين.
أستقل سيارته وتحرك بها أمام عينيها بينما ظلت تحدق هي في أثره كمن ألجمتها الصدمة..!!


وفي أحد المقاهي على البحر، تجلس أمامه مكتفة ذراعيها، أنفاسها مضطربة وقلبها يتخبط بين ضلوعها بحيرة.
لماذا تبعته؟
لأن قلبها أراد ذلك.
لأول مرة تجد نفسها تسير خلف قلبها دون تفكير..
تتجاهل نداءات عقلها وتحذيراته، تصم أذنيها عما يقوله العقل، وتعمي عينيها عن صورة الماضي، صورته حينما خذلها وتركها دون تبرير.
وأمامها كان يجلس مبتهجًا، قلبه يتقافز في صدره بسعادة، ها هي تحلس أمامه.
تستجيب لندائه كما السابق.. بل وأكثر.
لا تهتم بالتفكير بل تأتي إليه كالمنومة.
لم يعد يستطيع قبول الأمر الواقع.
ليس بعد أن رآها وتأكد من أنه مازال يحبها..
مازالت تسيري في دمه، روحه ترتبط بروحها فليس لأحدهما خلاص إلا بزهق روح الآخر.
هو لن يقبل بالرفض ردًا، ولن يرضى بالفراق حلًا..
تعلقت عيناه بعينيها فرآها تحكي الكثير.
تقول ما لا ينطقه لسانها، وتظهر ما يخفي قلبها..
قرأ الحيرة في عينيها فقرر أن ينتشلها منها قائلًا:
- تذكرين حينما اخبرتني أنكِ "كلما ارتديتِ شيئًا أهديته لكِ سيكون تجديدًا للعهد الذي بيننا"
نجح في تشتيتها، عيناها اتسعت متذكرة ما كان، وقلبها يقرع كالطبول معلنًا الحرب عليها، نعم أخبرته بذلك.
- هل جددتِ عهدنا؟
أم أعتبر ارتداءك لها عقدًا جديدًا نكتبه سويًا؟
ارتجفت شفتيها وأطرقت برأسها بصمت، لم تعرف بماذا تجيب؟
أتخبره ان العقد الذي كان بينهما لم تحله بل هي حافظت عليه حتى بعد فراقهما؟
أتخبره أنها مازالت محاصرة بحبها له؟
أم تخبره أنها كانت تشعر أنها تجاوزته فتتجدد مشاعرها وتزداد قوة كلما نظرت لصورة جمعتهما؟
- لماذا ارتديتها؟
تنهدت "غزل" بضيق تشيح برأسها بعيدًا وتتظاهر بتأمل البحر، قلبها الخائن يرتجف منتظرًا كل كلمة منه.
أهذا ما تعاهدنا عليه؟
تساءلت في عقلها وهي تفكر كيف له أن يجعل قلبها يستجيب بهذه السرعة، بل كيانها كله يتأثر به؟
لم تكن يومًا ضعيفة تتحكم بها مشاعرها، دومًا كان يخبرها أن جفائها وتحكيم عقلها هو ما سيقضي على علاقتهما لكنها كانت تثور مخبرة إياه أن العقل يزن الأمور بشكل أفضل من القلب.
وأين كان العقل حينما وقف يشاهد قلبها المحطم دون أن يعينه على التعافي؟ بل زاد من إيلامها متهمًا بالتقصير!
- أعترف أنني خذلتك ولكنكِ أكثر من يعرفني، تحفظينني كخطوط يدك، تعرفين أنني أحببتك أكثر من أي شيء.
- انا لست شيء تملكه يا نديم، بل امرأة، امرأة تشعر وتتألم، أنت لم تخذلني فقط لكنك دهست كرامتي تحت قدميك ولم تبالِ.
قاطعته هاتفة بقوة أدهشته، الآن تنفجر، تخرج كل ما بداخلها وبعدها يعرف كيف سيرضيها، استطردت قائلة باختناق:
- تتذكر ذاك اليوم يا نديم؟
لقد انتظرتك طويلًا أنت وعائلتك، لكنك لم تأتي، لم تلتفت إلي وقررت أن تعاقبني على شيء تافه بكسرك لي أمام أمي وأبي بعدما تحديت رغبتهما في الارتباط بك.
أخيرًا تحررت دموعها، أوجعت قلبه وهو يراها لأول مرة تزرف دموعًا أمامه.
وهي من كانت تقف بكل إباء تخبره أنه لا يهمها لو انفصلا فلن تحزن.
لحظات مرت عليهما والصمت حليفهما، نظرتها حملت عتابًا لم تفكر فيه، لم تستمر دموعها سوى لحظات ومحتهما بسرعة وهي تحدق فيه بحزن أردفت بهمس يكاد يُسمع:
- خذلتني أمامها، وهي بالأخص لم أكن أريدها أن تشفق عليّ، أخبرتك يومًا يا نديم، إلا أمي، لقد عشت حياتي كلها أتخبط معها لكنني لم أظهر أمامها أبدًا بثوب الفشل إلا عندما أحببتك.
- آسف.
همس بها مقاطعًا حديثها ويداه تحتضن راحتها، عيناه تحكيان ما عجز لسانه عن البوح به، اعتذارًا واشتياقًا وأشياء كثيرة وحدها تدرك معناها، وحدها تستطيع قرأتها، انحنى برأسه ليطبع قبلة طويلة على يدها وشفتاه تهمسان بدفء:
- سامحيني، عاقبيني كما تشائين ولكن عودي إلي، لم تعد لحياتي معنى وأنتِ بعيدة.
- لا أريد.
تقولها بضعف وهي تحاول تحرير كفها منه لكنه يتشبث بها بقوة، حبها قوي لكن ألمها أقوى، لو بيدها لكانت سلمت بسهولة ولكن ليست هي "غزل" التي عاشت عمرها كله مرفوعة الرأس حتى في أكثر أوقاتها حزنًا ويأسًا لم تستسلم لطوفان عاطفته بهذه السرعة.
- كلانا يحتاج الآخر فلمَ العناد؟
دعي كبريائك جانبًا لمرة واحدة ودعيني أصلح ما كان بيننا، دعي قلبك يتنفس لنحافظ على ما بقي منا، أسمحي لنا ننهض من جديد.
قوة حديثه تزلزل كيانها، كأن الارض الصلبة التي تشبثت بها دومًا الآن تهتز تحت قدميها فتخشى الوقوع.
ليت المرء يستطيع تجاوز كل أوجاعه بيُسر ولكن تلك هي الحياة لا أحد يتعافى كليًا، حتى ولو ألتأم الجرح ستظل ندبته في القلب راسخة للأبد.
عندما لم يصله منها ردًا استطرد قائلًا برجاء:
- ألا أستحق منك فرصة أخرى؟
كادت أن تجيب ولكن أوقفها رنين هاتفه فكانت فرصتها للتهرب من الرد، انتقلت عينيه تلقائيًا له وسحبه بسرعة مغلقًا الخط بتوتر لم تلاحظه، انتظر طويلًا حتى تجيب وكالعادة صمتت فاردف:
- لن أثقل عليكِ يا "غزل" عودي صديقتي كالسابق أليس ما كان بيننا يستحق المحاولة؟!
فقط نظرة من عينيها كانت الإجابة، ابتسامته اتسعت بفرحة والأمل يتجدد بداخله، تلك هي بداية والطريق لها لازال طويلًا لكنه أكثر من راضي بتلك النتيجة.
عيناها أظهرت ابتسامة بخلت شفتيها من إظهارها فلاحظها هو جيدًا، ضغطت على كفها بين راحتيه وعيناه حملت الكثير من العشق ولو بحثت لوجدت أكثر من ذلك.
أطرقت رأسها وحررت ابتسامتها وهي تجذب يدها ببطء وتضم قبضتيها معًا في موضع القلب وتضرب عليه مرتين كما تفعل كلما ازدادت خفقاته جنونًا وصوت "أم كلثوم" يتخلل لأذنيها بلحنه الشجي...

"جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح؟"

تضم ركبتيها لصدرها وتنام في وضع الجنين، دموعها تجري على وجنتيها بغزارة وجسدها يرتج ببكاء مكتوم..
حزن يسكن ملامحها، وفيض من الدموع ينساب حارقًا وجنتيها، الألآم تثقل قلبها ولا أحد يهتم..
بداخلها أحاسيس عدة
في قلبها غصة، روحها تختنق بالأحزان، الصراخ مسجونًا في حلقها، يا ليتها تستطيع إخراجه.
وهل هناك أقسى من آلام الروح..!
سجن!!
ما تحياه هنا سجن، تهان كرامتها باستمرار ولا تستطيع المقاومة أو الاعتراض.
كيف يمكن للمرء أن يحيا في خوف طول حياته، يرتعد من صوت المفتاح في الباب!
خوف يسكنها وهي في بيتها وسط أهلها!!
مهما حاولت أن تطمئن نفسها أو أن تعتاد الأمر لا تسعها الأرض بما رحبت.
لماذا يعاقبها الله بوضعها في عائلة لا تريدها؟
عاقبها والدها لأنها أرادت السفر مع أمها لبلدتهم، كيف تعترض على قراراته؟
في عُرف والدها أخطأت بل ارتكبت جرمًا.
لم تدري كيف مرت الساعات عليها وهي على تلك الحالة، تبكي بصمت.. تسمع صوت آذان الفجر فتنهض لتصلي فرضها وتدعو الله أن يخلصها من حياتها..
ثم تقوم بأعمالها كأن شيئًا لم يكن.
..
لم تصدق عينيها وهي تراه يدخل من باب المنزل، لم تنتبه للطبق الذي سقط من يدها وهي تركض وتلقي نفسها على صدره تتعلق بعنقه.
بكت بين ذراعيه كأنها لم تبكِ من قبل، كان يضمها بقوة دون أن يسأل عن السبب فهو أكثر من يعرف والده، ابتعدت عنه تمسح دموعها بطرف كمها فبدت كالطفلة، بل في الحقيقة هي مازالت طفلة لم تتخطَ السادسة عشر من عمرها، ابتسمت بسعادة وهي تفكر " عيسى" عاد.
لا يهم ما سيحدث بعدها، يكفيها عدة أيام تحياهم بهدوء في وجوده، فوحده من يستطيع أن يخرس لسان أمها عنها فلا تتسبب لها في إهانة أخرى من والدها، رغم كل شيء "عيسى" كان المفضل لدى أمها.
عيناها تطوفان على ملامحه باشتياق وهي تهتف بصوت مختنق:
- حمدًا لله على سلامتك يا أخي.
- سلمك الله من كل شر يا صغيرة، أخبريني كيف حالك؟
قالها "عيسى" مبتسمًا بحنان وهو يحتضن كتفيها بذراعه وسار معها ناحية الأريكة فأجابت "فرحة":
- بخير ما دُمت أنتَ هنا.
غلف الاشفاق نظرته وهو يرى الكدمة التي ظهرت واضحة على وجهها، يعرف أنها تفرح بوجوده فهو الوحيد الذي يعاملها برفق وحنان، كم يشعر بالحزن عليها، لا يرى في حياته فتاة في رقة "فرحة"، لكن والدهما يغتال رقتها بقسوته فأصبح البؤس عنوانًا لملامحها حتى وهي تحاول الابتسام.
تنهد بقلة حيلة وقال مربتًا على شعرها:
- اشتقت إليكِ كثيرًا، لهذا سأبقى عشرة أيام هنا.
ابتسامتها تتسع تدريجيًا ويتخللها شعور بالأمان، تكذب لو قالت أن "عيسى" مجرد أخ، بل هو كل شيء، أخ وصديق وأب، ليته لا يرحل أبدًا فيظل معها ذلك الشعور.
- لم تكلف نفسك بالمرور على والدك قبل أن تصعد هنا.
اجفلت على صوت والدها ونهضت بسرعة عائدة للمطبخ بينما نظر له "عيسى" بجمود.
على الرغم من اختلافهما الدائم إلا أنه كان أكثر من يشبه والده، كأنه نسخة مصغرة عنه، من يرى والد فرحة لا يظنه بهذه القسوة حيث إن ملامحه كانت تبدو طيبة، عينان ضيقتان بلون بني فاتح وبشرة سمراء تشبه أغلب أهل الجنوب "محافظات الصعيد" لديه لحية بيضاء تعطيه وقارًا لكنه مازال يبدو أصغر سنًا رغم اقترابه من عمر الستين، عيسى يشبه مع اختلاف بسيط فقد كان أنفه أصغر بقليل من والده وأملس الوجه.
- كيف حالك يا أبي؟
- كما ترى بخير حال، لن اسألك عن حالك فأنت لا تتغير.
قالها "عبدالهادي" بسخريته المعتادة، فهو يرى ابنه مدللًا لا يعرف كيف يحكم النساء لمجرد أنه يعامل أمه واخته برفق.
ابتسم عيسى رغمًا عنه لطالما كان يرى والده متناقضًا، يصلي ويتقرب الى الله لكنه يعترض على كونه أنجب فتاة ولم يفكر للحظة أنها منحة من الله له، دومًا كان يعلم أن الفتاة تكون الأقرب لوالدها لكن معهم اكتشف أن لكل قاعدة شواذ فأباه يكره "فرحة" وهذا واضحًا للعيان، تنهد بضيق وقال بصوتٍ هادئ:
- من الأفضل ألّا أتغير، فمن يتغير عندكم يصبح بلا قلب.
لم يرد والده عليه واستغفر بصوت مسموع ودخل غرفته.
..
تتطلع للكتب التي جلبها لها عيسى بسعادة وهي تضعهم على فراشها، تعودت منه على أن يهديها كتاب كلما عاد من سفره لكن تلك المرة اطال في العمل فأهداها عشرة كتب.
القراءة هي منفسها الوحيد من تلك الحياة التي يضيقها والدها عليها، فتجد نفسها بين صفحات الكتب والروايات، طرقات على الباب تلاها دخول عيسى مبتسمًا لها وقال:
- أعجبتك الكتب؟
- جدًا جدًا يا عيسى، شكرًا لكَ لا حرمني الله من طيبة قلبك.
ربت على شعرها وهو يجلس على الفراش بجانبها وتحدث متسائلًا بصوت منخفض:
- أين هاتفك؟
اسرعت ناحية خزانة ملابسها وأخرجت منها هاتف حديث الطراز بالطبع والدها لا يعرف عنه شيئًا فقد أهداه لها خالها واتفق معهما ألا يعرف "عبدالهادي" حتى لا يأخذه منها، عندما يأتي شقيقها في الإجازات يرسل لها بعض الروايات لتجد ما يشغل وقتها، تلك المرة قرر أن يعلمها كيف تحمل هي الروايات لأن عملها سيتطلب منه التواجد فترة كبيرة دون إجازات، أخذ يعلمها كيف تفتح الإنترنت وأنشأ لها حساب على تطبيق الواتساب ليتحدثا ويطمئن عليها.
بعد خروج عيسى أغلقت الباب بالمفتاح وجلست تجرب ما علمها إياه، وعدها أن يشحن لها الهاتف شهريًا لتستطيع الدخول على الإنترنت.
فجأة تذكرت صديقتها نادين التي قابلتها عدة مرات عندما سمح لها والدها أن تحضر أحد الدروس الخصوصية في مركز تعليمي قبل أن يقرر ألا تذهب للمدرسة.
"نادين" تلك الفتاة التي أحبتها رغم حداثة معرفتهما، ساعدتها يومها في إنشاء حساب على الفيس بوك ليتحدثا ولكن لم تتح لها فرصة حتى تفتح ذلك الحساب.
نهضت وأخرجت دفتر مذكراتها وحملت تطبيق "الفيس بوك" وأدخلت ما كتبته لها صديقتها ليفتح معها، أغلقت كل شيء وقررت أن تحدثها في المساء بعد أن تدخل غرفتها لتنام.
ومساءً حدثت "نادين" التي تذكرتها بسرعة وأخذتا تتحدثان كثيرًا حتى انتصف الليل، وقبل أن تغلق انتبهت لطلب صداقة قد أرسل إليها، فقبلته دون قصد.. وبعد لحظات وصلتها رسالة من صاحب الطلب لكنها تجاهلتها وأغلقت الهاتف وخبئته ونامت.

انتهى الفصل


نونا مجدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-02-21, 12:50 AM   #7

Lautes flower

? العضوٌ??? » 434742
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 480
?  نُقآطِيْ » Lautes flower has a reputation beyond reputeLautes flower has a reputation beyond reputeLautes flower has a reputation beyond reputeLautes flower has a reputation beyond reputeLautes flower has a reputation beyond reputeLautes flower has a reputation beyond reputeLautes flower has a reputation beyond reputeLautes flower has a reputation beyond reputeLautes flower has a reputation beyond reputeLautes flower has a reputation beyond reputeLautes flower has a reputation beyond repute
افتراضي

تسلم ايديك يا نونا روايه رووووووووعه
وبدايه قويه جداااااا بجد شدتني جدا قلت هقرأ المقدمه بس فوجئت بإني خلصت ال 3 فصول
في انتظارك حبيبتي ربنا يوفقك يا قمر


Lautes flower غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-02-21, 08:56 PM   #8

نونا مجدي

? العضوٌ??? » 473092
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 87
?  نُقآطِيْ » نونا مجدي is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الرابع

جالسة على السلم الخلفي للمبنى، نادرًا ما يستخدمه الطلاب فجلست ترتاح بعدما أنهت عملها.
تستهوى العزلة بعيدًا عن الناس، تلتمس منها الأمان وتتسلح بقواها الداخلية لتساعدها على مواجه العالم الخارجي بثبات.
ورغم ذلك ترى نفسها تفشل، هذا التظاهر لم ينجح في إخفاء رجفة جسدها عندما تكون بين جموع الناس، تجد نفسها تسرع في خطواتها لعلها تختبئ منهم، يُهيأ لها أن الجميع يريد أذيتها فيدب الخوف في أوصالها.
مسحت "روح" دمعة انسابت على وجنتها ببطء، تحتضن جسدها بذراعيها وتستند برأسها على الحائط الجانبي تهمس بصوت مسموع:
- أشعر بشيء غريب.
- ما هو؟
تظن أنها سمعت صوتًا يُجيبها، لم تنتبه أنها هي التي تجيب على نفسها:
- أشعر بعتمة في صدري..
أشعر بكل بشيء يدفعني للهلاك.
لم تشعر بزوج العيون التي كانت تراقبها، بينما أظلمت عيناها وتجتاحها ذكرى قديمة تشعر بها تكبلها، واختنق قلبها بغصة لدرجة أنها شعرت بصعوبة في التنفس، أغمضت عينيها بقوة.
وسيل الذكريات يسحبها كأنها تغرق في بحرٍ عميق..

صوت والدها يأتيها واضحًا من الردهة مصحوب بصوت رجل ذو نبرة "خليجية" تعرفه، كانت قد رأته مع والدها مرتين، لم تهتم بهما وأكملت ما كانت تفعله، الأقلام الملونة مبعثرة من حولها تستخدم واحد وتلقي الآخر، وشقيقتها تجلس على الفراش تقلب في كتاب دون تركيز حقيقي، أمها تناديها فتترك ما بيدها وتنهض مسرعة لتلبي النداء.
مرت من أمام والدها وصديقه عندما خرجت لتجلب شيء لأمها فاضطرت لإلقاء التحية بأدب عندما رأوها فابتسم لها والدها بحنو، أما الرجل فاحتضن كفها راسمًا على شفتيه ابتسامة جانبية جعلتها تشعر برعشة تسري لي جسدها ولم تفهم سببها فسحبت يدها بسرعة وذهبت لتعود الى والدتها في المطبخ.
وفي طريقها لغرفتها سمعت الرجل يتحدث مع والدها فشعرت بالفضول لتعرف ما يقولان، أرهفت السمع دون أن تلفت النظر لها من خلف الستارة، سمعت بعض الحديث لم يهمها في شيء فقررت العودة لتكمل رسم ولكن أوقفها صوت الرجل قائلًا:
- أنا أريد الزواج من ابنتك.
عقدت حاجبيها وهي تعاود الوقوف مكانها، لم تشعر بشقيقتها التي لم تتجاوز الثامنة عشر من عمرها خرجت هي الأخرى ووقفت خلفها تسمع ما قاله الرجل، توقعت "آسيا" أنه يطلب يدها فانقبض قلبها، صوت والدها يأتيها واضحًا بتساؤل:
- آسيا؟
- بل روح
شهقت "آسيا" بقوة فانتفضت "روح" وهي تضع يدها على شفتيها، ارتجف قلب الأولى بين ضلوعها وهي تسمع والدها يتكلم بهدوء:
- لكنها مازالت صغيرة!
ولم تعرف ما قيل بعدها حيث أمسكت بها والدتها من ملابسهن وأدخلتهما للغرفة وهتفت بحدة:
- ما الذي تفعلانه بالخارج؟
والدكما لو رأى إحداكن بالخارج سيعاقبها.
وخرجت صافعة الباب خلفها بقوة، فجلست "روح" على الأرض وهي تفكر هل ما يقوله الرجل صحيح أم مجرد مزاح؟
بالطبع يمزح كيف لرجل كبير ناضج أن يتزوج فتاة مثلها؟
أما "آسيا" كانت في عالم آخر، قلبها يخفق بقلق وصدمة.
عقلها يطرح أسئلة عديدة، ما الذي يجذب رجل في مثل عمره تجاوز الخامسة والأربعين لفتاة مثل "روح" لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها؟
تعلم أن "روح" تمتلك ملامح جميلة لكنها ليست مبهرة، لم يكن بها أي شيء مميز سوى شعرها الذي تجاوز أسفل ظهرها ببضع سنتيمترات فيلفت النظر لها في كل مكان!
حتى أن جسدها أقرب لجسد طفلة فملامحه بالكاد تظهر من خلف ملابسها!
في كلتا الأحوال هي مازالت طفلة.
بالطبع والدها لن يوافق على هذا الهراء، ذلك الرجل أما أنه مختلًا عقليًا أو يمزح.

مساءً..
عندما خرجت "آسيا" من غرفتها لتذهب للمرحاض سمعت والديها يتحدثان بصوت منخفض..
تغلب عليها فضولها فوقفت تستمع لما يقولان بانتباه، مرت لحظات صمت وبعدها جاء صوت والدها قائلًا:
- أنه يريد روح بأي ثمن.
لترد عليه والدتها بحدة رغم اختناق صوتها:
- هل ستبيع ابنتك من أجل المال؟
صمت قصير مر ثم هتف والدها بنبرة حزينة:
- أي بيع يا امرأة؟
قال أنه سيساعدنا على سداد ديوننا.. أنتِ تعرفين أن المهلة التي أعطاها لي الرجل اقتربت على النفاد ولم أستطع أن أدبر أي شيء من المبلغ.
- على الأقل يأخذ "آسيا" فهي الكبرى!
تقولها أمها بإصرار فيرد والدها بنفاد صبر:
- لا يريد سوى "روح" بأي ثمن، لمدة شهر واحد.
كانت "آسيا" تستمع لحديثهما ودموعها تسقط، لا تصدق أن الحال وصل بهما لحائط سد لدرجة أن أبوها مستعدًا أن يضحي بشقيقتها بزواج مؤقت من أجل إنقاذ نفسه من السجن!
والدها الذي أخبرهما دومًا أنهما قرتي عينيه الآن يفكر في بيع إحداهما ليخلص نفسه!
لم تستطع الانتظار أكثر، والتفتت لتعود إلى غرفتها فوجدت "روح" تقف على بُعد مسافة قريبة من حجرة والديهما ودموعها تتساقط فعرفت أنها سمعت كل شيء، وجدت نفسها تجذبها لتعانقها بقوة تبكي بصمتٍ.
- لماذا تبكين؟
انتفضت على الصوت القلق الذي يسألها، كان جسدها يرتجف بقوة وتنتحب بصوت مرتفع، رفعت رأسها لتتعلق عينيها بوجه "غزل" القلق وهي تنحني بجسدها عليها، خرجت منها شهقات متعددة وصوتها مختنقًا بفعل البكاء فلا تستطيع الحديث.
لم تشعر بنفسها إلا وغزل تجلس بجانبها وتجذبها لأحضانها بقوة، تشبثت بملابسها وحدة بكائها تزداد، بكت كما لم تبكي من قبل وغزل تزداد من ضمها لها تربت على شعرها برفق، دمعت عيناها رغمًا عنها وهي تراها بهذا الشكل المرعب، لم تظن الأمر صعبًا هكذا عندما جاءها "عُدي" وطلب منها أن تأتي لهنا بسرعة.
مر وقت طويل لم يشعرا به كلتهما، استقرت "روح" بين ذراعيها تتنهد بتقطع، لم تشعر برغبة في الابتعاد، عناق تلك الفتاة يذكرها بعناق أختها عندما كانت تحزن فتظل قابعة بين أحضانها دون حديث، فقط تبكي وشقيقتها تمسح على شعرها بحنان.
كم افتقدت دفء أسرتها، حنان والديها، ابتسامة شقيقها الأصغر، شجارها مع أختها على أشياء تافهة وبعدها يجلسان أمام التلفاز كأن شيئًا لم يكن!
كانت لحظات فارقة في حياتهم قبل أن تفرقهم الهموم فتجد نفسها وحيدة دون سند، حينما ماتت "آسيا" ظنت أن الحياة ستقف عند تلك اللحظة؛ شعرت بروحها هي الأخرى تفارقها وهي تراهم ينثرون التراب على وجهها، كانت تظن أن تلك هي أعظم مصيبة في حياتها لكن الأسوأ دائمًا يأتي دون تخطيط، لتجد نفسها تتصادم في أمواج الحياة وهي لا تعرف السباحة، تغرق مرة تلو الأخرى وفي كل مرة تظن أنها الأخيرة لكن الحظ لا يحالفها..
دومًا تتساءل هل هي محظوظة لتنجو بعد كل ما حدث؟
ام أن نجاتها ليس إلا وسيلة أخرى لتعذيبها والضغط على جراحها بل وظهور جراح بديلة؟
سئمت من كثرة الأوجاع التي علقت بها!
ابتعدت عن ذراعي "غزل" ببطء وهي تنظر اليها قائلة بأسف:
- أعتذر منك سيدتي لم أقصد.
قاطعتها الأخرى تمسح على شعرها بحنان:
- لم يحدث شيء لتعتذري عليه، أخبريني فقط هل ضايقك أحد؟
هزت رأسها نافية وهي تحاول النهوض قائلة باهتزاز:
- لم يحدث شيء.
نهضت "غزل" هي الأخرى وقبضت على معصمها برفق وقالت:
- حقًا؟
أظن أن هناك شيئًا كبيرًا قد حدث.
اهتزت حدقتيها وسحبت ذراعها ببطء واحتضنت جسدها وهمست باختناق:
- صدقيني لم يحدث شيء.. أعتذر يجب أن أذهب لعملي.
أوقفتها مرة أخرى قائلة بابتسامة هادئة:
- حسنًا لن أضغط عليكِ، لكن إذا حدث شيء أو قررتِ الحديث أنتِ تعرفين الطريق لمكتبي.
أومأت "روح" مبتسمة بارتعاش وخطت مسرعة لتخرج، اصطدمت بجسد قوي فكادت أن تسقط لولا أنه قبض على ذراعيها بقوة مانعًا إياها من السقوط.
لثواني أخذت تحدق في وجهه بشرود ثم انتفضت بقوة ترتد للخلف بعيدًا عنه وجسدها يرتجف بقوة، بدا الذعر على ملامحها عندما اقترب منها "عُدي" مهدئًا فابتعدت كأن مسها تيار كهربي فاقتربت منها غزل وربتت على ظهرها برفق وتحدثت بخفوت:
- أهدأي لم يحدث شيء.
لم ترد "روح" عليها وخرجت من المبنى مسرعة تتخبط في سيرها.
ظلت "غزل" تراقبها عاقدة حاجبيها وهي تفكر أن تلك الفتاة خلفها سر كبير تخفيه، بل تجزم أيضًا أنها غير سوية نفسيًا، بدليل اهتزاز حدقتيها وارتجاف جسدها المبالغ فيه كلما اقترب منها أحد بقصد أو بدون!
تنهدت وهي تنقل بصرها إلى "عدي" الذي كان شاردًا، راقبت ملامحه لدقيقة كاملة وهي تشعر بخوف غريب بداخلها، نظراته للفتاة لا تريحها، تخشى أن ما تفكر فيه صحيح!!
أخرجته من شروده وتحدثت وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها:
- اهتمامك بها يُخيفني.
أرتبك، أو هكذا ظنت، اضطربت ملامحه بشكل ملحوظ وهو يلتفت لها راسمًا ابتسامة مرتعشة على شفتيه:
- أي اهتمام؟
أنا لست مهتمًا بها على الإطلاق.
- إذن أخبرني عن السبب الذي جعلك تتبعها إلى هنا ووقوفك طيلة الوقت تراقبها؟
هتفت بها بتساؤل حاد وهي تلقي بشعرها للخلف بإهمال بعدما كان مرتاحًا على كتفيها، ازداد ارتباكه حيث أنه لأول مرة يوضع في موقف مثل هذا فرد بخفوت محاولًا التهرب من نظراتها:
- ليس اهتمام بل أشعر بالشفقة عليها لا أكثر.
- أنت الأعلم بما تخفيه، وتعرف انها ليست شفقة كما تدعي، لكن تذكر جيدًا وأنت تفكر أن روح ليست إلا عاملة نظافة هنا.
قالتها بنبرة هادئة قليلًا فعقد حاجبيه وهو يلتف اليها بجسده كله ويقف قابلتها وهتف بحدة مماثلة للتي كانت تتحدث بها وقد شعر بالغضب من أن تقلل منها بهذا الشكل:
- بغض النظر عن ما تتهميني به لكن لم أكن أظن أبدًا أن تلك هي نظرتك لمن مثلها!
زفرت بضيق وهتفت بجدية:
- أنت تعلم جيدًا أنني لا أنظر لأحد على أنه أقل مني أو دون المستوى، ولا أتهمك بشيء أنا فقط ألفت نظرك للحقيقة وما أنت مقبل عليه دون أن تشعر.
صمتت للحظة فكاد ان يرد لكنها استطردت بقوة:
- الأعمى يلاحظ اهتمامك بها ومحاولتك للفت نظرها خاصةً أن الفتاة لم تكمل شهر في العمل..
أنا لا ألومك على إعجابك بها ولكن فكر جيدًا يا عدي قبل أن تتقدم خطوة، فكر ألف مرة فكسر القلوب ليس بالهين.
كان ينظر اليها بوجوم دون أن يرد، شعر بالتشتت لفترة قليلة لكنه تراجع..
نعم هو معجب بها، بل أكثر من ذلك يكاد يكون مفتون بها، لم يكن في تخيله أن فتاة ببساطتها قد تسحره وتسكن أحلامه كل ليلة لدرجة هجر النوم.
تنهد وهو يحدث نفسه سرًا:
- أترك الأمور تسير وحدها فليس كل ما نخطط له يسير كما نريد.
عندما طال صمته تحدثت غزل مرة أخرى وهي تبتسم برقة:
- أنت تعرف أنك مثل أخي، لا أريدك أن تقبل على شيئًا ثم تندم عليه فيما بعد، إذا قررت أن تمضي في طريقك تذكر جيدًا أن الرجوع ليس سهلًا والانسحاب وقتها سيكلفك الكثير، ليس استنفاذًا لمشاعرك بل أيضًا ستجد نفسك حطمت شخصًا ليس له أي ذنب سوى تهورك، الفتاة طيبة لكنك لا تعرف عنها شيء..
لا تتسرع وتجعلها تدفع ثمن أخطائك.
أومأ موافقًا بغير اقتناع واستأذن منها ليذهب.
أما غزل فعادت لمكتبها بخطوات متثاقلة، ألقت نفسها على مقعدها تستند برأسها على ذراعيها بشرود، لأول مرة تجد عقلها مزدحمًا بأفكار كثيرة..
ما بين قلق بشأن عدي فهو بمثابة أخ لها وقلق آخر على إحدى صديقاتها.
أهمهم علاقتها الحديثة بنديم بعد فراق دام لثلاث سنوات.
تكذب لو قالت أنها ليست سعيدة.
وتكذب أيضًا لو قالت أنها مطمئنة.
تعترف أنه يفعل الكثير ليرضيها، بل أصبح يهتم بها أكثر من السابق، يحدثها باستمرار، يقتطف أوقات من وقت عمله ليقضيها معها تحت مسمى الصداقة.
دائمًا كانت مؤمنة أن المرء يشعر بالامتنان كُلما وجد من يهتم لتفاصيله الصغيرة، تلك التي لا يلاحظها أحد.
وهذا ما يفعله.
لكن هناك شيء داخلي يعكر عليها صفو سعادتها، يجعلها مترددة في أخذ خطوة اخرى، تتساءل كل مرة عندما يلتقيان..
هل يكتب لهما القدر قصة أخرى؟
هل بداخلها قدر كبير من التسامح حتى تنسى ما فات وتفتح معه صفحة أخرى بيضاء بعيدة عن شوائب الماضي وألآمه؟
هل نديم يستحق فرصة ثانية؟
كلما تحدثا يتوسل لها قلبها أن تخبره أنها مازالت تحبه، أن العقد الذي بينهما يزداد توثيقًا.
ولكن تلك هي "غزل" لا تتنازل بسهولة، تحترق اشتياقًا لكنها لا تُظهر.
كل ما يراه منها جمود يأمل أن يتفتت مع الوقت.
تذكرت آخر لقاء بينهما وهما جالسان في مكان هادئ شبه منعزل داخل أحد المطاعم، الموسيقى الكلاسيكية تبعث شعورًا بالسكينة، أمامها يجلس محدقًا فيها بنظرته العابثة التي تزيد لديها الرغبة في الضحك، دائمًا كانت نظراته وقحة، لكنها دافئة، وما يجعلها أكثر تميزًا أنه لا يخص بها امرأة غيرها، حتى ولو عرف من النساء الكثيرات لكن "غزل" تظل في مكانة أخرى، لا تشبه غيرها من النساء.
في نظره دومًا كانت "أنثى استثنائية".
مهما مر عليها الوقت تزداد بهاءً وشموخًا، يزداد حبه لها ولطبيعتها المتمردة، يحترق شوقًا لترويضها ولكن تدريجيًا دون أن يشعرها أنها تنحني، يريدها خاضعة وفي نفس الوقت تظن أنها هي من تملك مفاتيح كل شيء.
الحوار بينهما كان هادئًا، دافئًا، ما بين السؤال عن اليوم وغيره.. وبعد فترة صمت هتف وهو يستند بذراعه على الطاولة:
- ألم تشتاقي لما مضى.
- لا.
كلمة قاطعة، هتفت بها ببرود تحرك أناملها على كوب العصير أمامها بحركات دائرية، بدا على ملامحه الضيق وقال بنبرة حانقة:
- مشكلتك أنكِ لا تتقبلين الخسارة، دومًا تنظرين للأمر على أنه إهانة لكبريائك العظيم فتتسلحين بكل طاقة البرود حتى تنتقمي.
ضحكت، وضحكتها كانت نافذة لقلبه لدرجة أن جسده كله ارتعش، تؤثر به لدرجة كبيرة ويتمنى لو امتلكها الآن، ولكن الصبر الطريق أمامه لا زال طويلًا وليست من تستلم بسهولة.
توقفت عن الضحك فجأة وقالت بصوت بدا ساخرًا رغم مرارته:
- بمجرد أن تدرك بأنك تستحق الأفضل لن تؤثر عليك خسارة أشخاص.. لم أسعَ للانتقام يومًا أو الثأر لكرامتي، بل أصمت وأرى الحياة وهي ترد لي حقي دون أن أتحرك.
انتبهت من تلك الذكرى على صوت رنين هاتفها، تناولته لتجد قد وصلها رسالة على تطبيق "الواتساب" فابتسمت تلقائيًا وهي تفتحها وتقرأها:
- اشتقت لكِ.
ردت بمواربة:
- وماذا بعد؟
- أريد أن أراكِ اليوم.
وصلتها في أقل من الثانية فلم ترد لدقائق، كتب من جديد:
- لم أركِ منذ أسبوع يا غزل.. هذا ليس عدلًا.
- سأراك.
كتبتها فتخيلت كيف تهللت اساريره، فكتبت بسرعة قبل أن يرد:
- لكن ليس اليوم.
كتمت ضحكتها وهي تتخيل وجهه الآن قد احتقن بالدماء وبرزت عروقه من الغضب، وقبضته تتكور ليضرب بها على أي شيء أمامه، وصلها رده غاضبًا:
- هذا ليس عدلًا!
ضحكت بصوت مرتفع وقررت أن ترسل له رسالة صوتية وقالت برقة صوتها التي تستطيع القضاء على غضبه في ثواني:
- اليوم لدي موعد مهم، أعدك غدًا نتقابل.
مر وقت طويل ولم يجيب رغم أنه رأى رسالتها، فتركت الهاتف وهي تفكر أنه بالطبع غضب منها لكنها لن تتراجع، يجب أن يعرف أنها ليست تحت طوعه عندما يريد أن يراها تركض إليه دون تردد.
مرة الوقت وهي تحاول كتابة مقالها الجديد وتفشل، وصلتها رسالة صوتية منه ففتحتها بلهفة وقلبها يقرع كطبول ويدها الممسكة بالهاتف ترتجف مع قلبها وصوته يتخلل لداخل قلبها مداعبًا مشاعرها بجملة قد قرأها حديثًا:
-كأنني لم أجد شيئًا لأقتل به نفسي.. فأحببتك.
ضحكت بصوت مرتفع تظن أن المدرسة كلها قد سمعته، وكانت تلك هي أكثر العبارات حميمية ورومانسية قد سمعتها يومًا.
أظلمت السماء واختفت الشمس خلف أمواج البحر، تراها بوضوح من السطح الذي أعيش فيه، تضم "روح" ركبتيها لصدرها تراقب الأمواج الهادرة من بعيد، المميز في المكان هنا أنها ترى البحر واضحًا فيبعث بها شعورًا بالسكينة حتى ولو كانت توهم نفسها بها، منذ متى لم تشعر بروحها هادئة؟
لا تدري لقد ولى زمن الهدوء.. الآن تحيا في صخب.
رغم ذلك بداخلها أملًا تتمنى ألا يكون كاذبًا أن الحياة قد تبتسم لها.
أن غدًا سيكون أفضل، ستحدث المعجزة وتجد مرساها، سفينتها التي انقلبت يومًا ستواجه البحار من جديد ولكن كيف؟
رغمًا عنها قفزت صورة "عُدي" لعقلها، عقدت حاجبيها وهي تفكر فيما يحدث منذ استلمت عملها في المدرسة.
كاذبة لو أنكرت أنها لا تلاحظ تتبعه لها، خاصةً عندما تنظف الغرفة التي يجلس فيها مع زميل آخر له فتراه يراقبها وهو يقف عند الباب، لا تفهم سر تلك النظرات التي يخصها بها لكنها أبعد ما تكون عن تلك التي ينظر بها "سعد" لها عندما تنظف السلم.
معاملته اللطيفة لها.. رقته في الحديث لها.. صوته يبعث في قلبها شعور غريب لا تستطيع تفسيره، ولا تستطيع تفسير ارتجاف جسدها كلما سمعته يتحدث.
رغمًا عنها أخذ قلبها يرسم أحلامًا وردية تذكرها بأحلام مشابهة في الماضي فتدمع عيناها بقهر.
ماذا لو عرف!!
هل سيظل يعاملها برفق مثلما يفعل؟
أم سيظن بها السوء؟
هل ستفقد معاملته اللطيفة التي اعتادت عليها طوال الشهر التي عملت فيه بالمدرسة؟
وغزل.. ما سيكون رد فعلها لو علمت شيئًا عن ماضيها؟
منذ دخولها للمدرسة وهي تشعر أنها مختلفة عن غيرها من البشر.
لم ترَ شخصًا في رقتها حتى عندما تتحدث بحزم غريب عن طبيعة شخصيتها الرقيقة
-كما استنتجت من فترة عملها-
كم تذكرها بشقيقتها، حتى أنها لبعض الوقت تظن أنها تشبهها في الشكل.
تذكرت آخر جملة قالتها لها قبل أن تعود للمنزل اليوم عندما كانت تنتظر أمينة عند بوابة المدرسة..
أخبرتها أن تأتي إليها وتتحدث وقتما تشاء ثم اختتمت حديثها قائلة بصوت الحازم رغم رقته بدلاله الفطري:
- الكتمان مؤذي جدًا يا روح، مع الوقت يصبح مرضًا ينهش القلب بلا رحمة ولا تستطيعين الخلاص منه فلا تجعليه يتمكن منكِ.
لم تفق من حالتها إلا عندما اقتربت منها "أمينة" وجلست بجانبها مربتة على كتفها برفق، التفتت لها برأسها فلاحظت الدموع التي ظلت عالقة على أهدابها ووجنتيها الرطبتين، تنهدت بقلة حيلة فهمست "روح" بتساؤل قلق:
- ماذا بكِ؟
تنهدت أمينة مرة أخرى وهمست بحزن:
- يضايقني حالك.. تلك الحياة التي تعيشنها ليست حياة، أنتِ تقتلين نفسك ببطء.
أشاحت روح بوجهها مرة اخرى واستندت بذقنها على ركبتيها وهمست:
- أنا حزينة على شقيقتي فقط.
- ليس مبررًا لما تفعلينه بنفسك يا صغيرتي.
ابتسمت روح ابتسامة مريرة وانسابت دمعة أخرى على وجنتها ولم تجيب فأردفت أمينة بحزم أمومي:
- لست أول ولا آخر من فقد شخصًا عزيزًا عليه، أنا أمامك فقدت ابنتي وزوجي لكني صبرت واحتسبتهما شهداء عند الله، وكما يقولون " لا يغلون على من خلقهم".
صمتت قليلًا لكن روح لم ترد عليها بل ظلت نظرتها شاخصة في الفراغ أمامها فاستطردت لتكمل حديثها:
- لم أمت حزنًا رغم افتقادي لهما، أعلمي يا ابنتي أن الحزن لا يقتل احدًا.
- لكنه جعلنا فارغين من الداخل.
همست بها بصوتٍ يكاد يسمع ونبرتها تغلفت بالحزن فتنهدت أمينة تهز رأسها بلا فائدة، تفاجئت بها تهمس بشرود:
- هل سيكتب لي قدرًا معه؟
هل سيتقبلني؟
عقدت أمينة حاجبيها وهتفت بعدم فهم:
- من هو؟
لكن روح كانت كمن انفصلت عن العالم وأردفت كأنها لم تسمعها:
- بالطبع لا.. كيف تريدينه أن يرضى بفتاة لوثتها أيدي قذرة؟
شهقت أمينة وهي تضرب على صدرها وهتفت بجزع:
- يا للفضيحة!
من تلك التي لوثتها أيدي قذرة يا فتاة؟
انتفضت "روح" بفزع وتبدلت ملامحها بوجه شاحب كالموتى ونهضت كالملسوعة تركض إلى غرفتها وصفعت الباب خلفها بقوة وأمنية تراقبها بجزع تحاول فهم ما هزت به!
أما هي فجلست على الأرض تستند بظهرها للباب ودموعها تتساقط بغزارة تضرب بكفيها على وجنتيها بحركات روتينية، شفتيها ترتجفان وجسدها يرتعد بشدة وتهزي بكلمات غير مفهومة، بعد فترة استجمعت نفسها قليلًا وغطت وجهها بكفيها وأخذت تهمس برعب:
- ستعلم.. سيعلمون.. جميعهم سيعرفون ويرحلون ويتركوني من جديد!
لا تتركيني، أنتِ وحدك من تعرفين أنه لم يكن ذنبي.
فردت عليها صورتها المطابقة لها التي هيأ لها أنها تجلس معها:
- لا تخافي لن أتركك أبدًا، لقد تعهدنا.. لا تخافي.
وهكذا نامت مكانها تضم ركبتيها لصدرها على الأرض في وضع الجنين ولم تجف الدموع من على وجنتيها.
★★★★ 
في صباح اليوم التالي
"منزل فرحة"
صعدت "فرحة" السلم المؤدي إلى سطح منزلها بعد خروج عائلتها كلها، والدها واخواتها ذهبوا للعمل وذهب أمها لبيت خالها كالمعتاد، جلست على المقعد المتهالك لا تبالي بإتساخ ملابسها من الغبار، الشمس تعانق صفحة وجهها فتظهر بشرتها الحنطية تحت ضوء الشمس، تعدل من وضع وشاحها ليغطي خصلات شعرها السوداء حتى لا يراها أحد إذا كان من يصعد للسطوح المجاورة مثلها.
أخرجت الهاتف من ملابسها وفتحت تطبيق "الفيس بوك" وتقلب فيه باهتمام، ابتسامة طفولية ترتسم على شفتيها وعيناه تلمع بانبهار، عالم جديد انضمت إليه حديثًا وشعرت أنها تغرق فيه، تتحدث يوميًا مع صديقتها "نادين" التي أصبحت منفذها الوحيد من وحدتها الخانقة، تقص عليها كل شيء يحدث لها فتجد منها مواساة لم تجدها من أمها.
منذ أسبوعين حينما أخبرتها نادين أن تحكي لها ما يضايقها مع وعدها لها أن تسمعها بصمت أو تهون عليها وآخر شيء قالته لها:
- أكتبي كل ما تشعري به في محادثتنا واعتبريني لا أرى شيئًا إلا إذا طلبتِ مني النصيحة.
تعترف أن وجود نادين فارقًا معها، فأصبحت تحكي لها مضايقات شقيقيها ووالدها، تحكي لها عن حياتها اليومية..
عن عيسى، عن ابنة خالها "آمال"..
ونادين أصبحت تعطيها أسماء روايات جديدة تقرأها، الآن فقط تشعر أنها تحررت ولو قليلًا.
اشتركت في بعض المجموعات الأدبية وأخذت تتابع آراء الفتيات عن الروايات وتمنت لو امتلكت الجراءة وشاركت مثلهم لكنها تخشى أن يعرف أحد من عائلتها أن لديها حساب فتكون "حفرت قبرها بيدها" كما يقولون.
رغم أن نادين أنشأت لها الحساب باسم مستعار تحت عنوان "الزهرة البيضاء" لكنها مازالت خائفة.
ويوم تجرأت وكتبت تعليق مسحته بعد أقل من ساعة.
لم تهتم أمها باختفائها في غرفتها من بعد الغداء مدعية النوم، ولا تفتح حتى الباب عليها لتلقي نظرة على ابنتها إن كانت حية أم ميتة.
ورغم ذلك تشعر بالراحة، أبوها أصبح يتجاهلها منذ عدة أيام، وإسماعيل مسافر خارج المحافظة، أما عبدالله يتعمد مضايقتها كل يوم لكنها تتجاهل بصبر.
عادت للمنزل وأخذت تساعد أمها في ترتيب البيت دون تذمر، تعد معها الطعام، تحتمل تعليقات والدها السخيفة، تنهي كل شيء وتصبر نفسها أن المساء لها وحدها.
وبعد الغداء عادت لغرفتها وتحججت برغبتها في النوم، دخلت أسفل الغطاء وفتحت هاتفها فوجدت عدة رسائل من "نادين" فأخدت تقص عليها ما حدث في يومها وتفعل الأخرى بالمثل، يحكون لبعضهما البعض عن آخر رواية تشاركا في قرأتها وكل منهما تقول رأيًا مختلفًا عن الأخرى، وجدت نفسها تكتب لها:
- عندما أموت وصيتي لكِ أن تكتبي قصتي ليعرفها الجميع، حيث أكون وقتها بمكانٍ آمن بعيدًا عن بطش والدي فلن يقدر على تكذيبي وأنا بين يدي الله.
وصلها الرد من "نادين" غاضبًا:
- كم مرة أخبرتك ألّا تتمني الموت؟
صدقيني سيكتب الله لكِ حياة جميلة فقط أصبري، أنتِ "فرحة" وتستحقين كل "الفرحة".
ابتسمت وشعرت برغبة في البكاء لكنها منعت نفسها بقوة ومر عليها الوقت بين الحديث مع صديقتها وقراءة إحدى الروايات..
كل يوم تجد رسالة من أشخاص متطفلون لكنها تتجاهلها، في بداية الأمر كانت شعرت بالخوف عندما رأت أول رسالة من رجل غريب وعندما قالت لصديقتها أخبرتها أن تتجاهلهم تمامًا كأنها لا تراهم لكن فضولها يدفعها كل يوم للدخول لصندوق الرسائل وقراءة ما يُرسل لها.
كانوا أربعة رسائل وكلهم من رجال بالطبع، لفتت نظرها واحدة والمرسل كان باسمٍ مستعارٍ مثلها ففتحتها ووجدت محتواها:
- أعجبني تعليقك على كتاب "...." هل يمكننا أن نكون أصدقاء؟
عقدت حاجبيها بضيق من وقاحته وكتبت دون أن تشعر:
- لا توجد صداقة بين رجل وامرأة.
ندمت عندنا أرسلتها وأخذت تلوم نفسها عندنا وجدته قد رآها في نفس اللحظة وبدأ يكتب..
راقبت الثلاث نقاط يتحركان بروتينية بقلب خافق ويداها ترتجفان بشدة، مر الوقت عليها ثقيلًا عندما وصلها رده:
- أتعلمين لقد يئست من أن تجيبي عليّ ولو لمرة..
أسبوعين على رسالتي لكنك خالفتِ توقعي، والصداقة بين الرجل والمرأة ليست خاطئة ما دمتِ لا تتعدى حدود الأدب، ولكن لا عليك إذا أردتِ أن تناقشي أحدًا في أي كتاب حسابي مفتوح لكِ في أي وقت.."
وأنهى رسالته بوجه مبتسم حتى ظهرت أسنانه، عقدت حاجبيها وهي تعيد قراءة الرسالة عدة مرات وكل ما يدور في عقلها أنه شخص منحل وبالطبع يريد استغلالها فتجاهلت الرد عليه تمامًا.
كما تجاهلت حظر حسابه وتركته معلقًا.
★★★★
في مجتمعي
أنا الخطيئة والذنب
العار الذي يجب أن يُمحى
كيف لي أن أتحرر من قيود العادات التي تكبلني وتمنعني حريتي؟
أغلالها تُقيدُني حتى صوتي يأبى الخروج خوفًا من العقاب.
يَرون أن الله خلقني هشة!
لا أستطيع حماية نفسي
يجب أن يكون لي حامي وظهر
أتساءل في كل يوم
هل كان بيد حواء أنها خُلقت من ضلع آدم؟
رغم كل شيء أشعر أنني سأتحرر ذات يوم
سأخلص نفسي من تلك الأغلال اللعينة
سأصرخ بأعلى صوتي أنني حرة
سأقولها في وجه الرجال أجمعين

أنها أنا.. ولست أنت
أنا حواء
(غزل مهدي)

ابتسامة عابثة ترتسم على شفتيه وهو ينهي قراءة المقال التي نشرته للتو على صفحتها الشخصية على تطبيق "الفيس بوك"، متمردة كما عرفها دومًا، تصرخ بحريتها حتى ولو بكلمات تخطها على مواقع التواصل الاجتماعي، يكفي أنها توصل صوتها لبني جنسها، دائمًا كان يرى اسمها مميزًا مثلها.
"غزل".. ويليق بها كل الغزل.
لطالما عشق نظرة عينيها، نظرة تجمع ما بين عبث الطفولة وإغواء الانثى.
كانت طوال الوقت تصيبه بالحيرة!
هل هي طفلة مدللة لوالديها لدرجة عدم تحمل المسئولية؟
أم هي الأنثى الناضجة التي تعينه وقت الشدائد دون تذمر؟
ستظل اللغز الأكبر بالنسبة له.
الاُحجية التي لم يستطع حلها.
كلما يشعر أنه قد وصل لنقطة النهاية بداخلها يجد الطريق يطول أكثر ولم يقطع سوى قدرًا ضئيلًا جدًا..
مع ذلك لم ييأس.
يعترف أنه شعر باليأس سابقًا لكنه عاد الآن وقرر ألا يذهب مجددًا.
غزل ستكون له بإرادتها أو رغمًا عنها.
هي تحبه وتنكر، وهو أكثر من قادر على جعلها تستسلم لحبه من جديد.
قبض يده بقوة وخبط بها على صدره عدة مرات قائلًا بصوت متهدج:
- أقسم بمن جعلك تستعمرين قلبي دونًا عن النساء أجمع أن أعيدك إليّ خاضعة.
" تحدث نفسك من جديد، أصبحت حالتك ميؤوس منها"
الصوت الأنثوي الساخر يخرجه من شروده فيستدير ينظر لها تستند على حافة الباب مكتفة ذراعيها أمام صدرها وتبتسم بسخرية.
مسح جسدها بعينيه يحدق لما ترتديه، قميص نوم رغم طوله لكنه يظهر معالم أنوثتها بإغراء يحرك الصخر، يتأثر بها لا ينكر ومن لا يتأثر بكتلة الأنوثة المتحركة تلك!
لكنه تذكر "غزل" فزفر بضيق وهو يشيح بعينيه بعيدًا ويهتف بضيق:
- من الأفضل أن تبتعدي عني الآن يا سارة فأنا لست في مزاج رائق لتحمل سخريتك.
ضحكت ساخرة بخفوت وسارت بخطوات بطيئة تجاهه وهمست:
- ألا ترى أنك أصبحت سيء المزاج منذ فترة؟
أغمض عينيه بنفاد صبر وقبضتاه ينقبضان بجانبه محاولًا السيطرة على غضبه حتى لا يفرغه فيها وهمس بعد لحظات بغضب مكتوم:
- أبتعدي من طريقي يا سارة.
كتفت ذراعيها تحدق في عينيه بجمود، لمح في عينيها ألم رفضت البوح به وأبت ملامحها أن تظهره لكن عيناها لم تستطع بينما تفكر..
ماذا حدث له ليصبح جافًا باردًا لهذا الحد؟
لم يكن يومًا يعاملها بهذا الجفاء؟
- ما الذي تغير؟
هتفت بها بتساؤل وصوتها بدا مختنقًا كأنها ستبكي والتمعت الدموع في عينيها لكنها لم تتحرر، ظل الصمت حليفهما لدقائق يحدقان في بعدهما بصمت لم يقطعه سوى صوت رقيق لطفلة لم تتعدَ الثالثة من عمرها تدخل للغرفة تركض بتعثر وهي تهتف بسعادة:
- بابا.
انتهى الفصل


نونا مجدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-02-21, 08:39 PM   #9

نونا مجدي

? العضوٌ??? » 473092
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 87
?  نُقآطِيْ » نونا مجدي is on a distinguished road
افتراضي

بعتذر عن فصل النهاردة من خلف قناع العادات لظروف خاصة، ان شاء الله اعوضكم الاسبوع اللي جاي بفصلين❤

نونا مجدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-02-21, 08:48 PM   #10

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نونا مجدي مشاهدة المشاركة
بعتذر عن فصل النهاردة من خلف قناع العادات لظروف خاصة، ان شاء الله اعوضكم الاسبوع اللي جاي بفصلين❤
غلق الرواية تلات ايام حتى يرى اعتذار الكاتبة.


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:46 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.