آخر 10 مشاركات
طائف في رحلة أبدية *متميزه ومكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          انتصار الإسباني (48) للكاتبة: Daphne Clair (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (الكاتـب : الحكم لله - )           »          حب بطيء النسيان (64) للكاتبة: Stella Bagwell (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          رهاني الرابح (90) للكاتبة: سارة كريفن ...كاملة... (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          145 - وشم الجمر - ساره كرافن (الكاتـب : حبة رمان - )           »          سجينته العذراء (152) للكاتبة Cathy Williams .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          589 - أكره أن أحبك - سارا وود - ق.ع.د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree733Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-09-21, 05:00 PM   #21

*سارة عاصم*
 
الصورة الرمزية *سارة عاصم*

? العضوٌ??? » 439475
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 261
?  نُقآطِيْ » *سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رحاب المانوليا مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله
اسعد الله مساء الجميع
موفقة عزيزتي واتمنى لك النجاح وفقك الله
حبيبتي الله يسلمك
يارب يوفقك♥♥♥


*سارة عاصم* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-09-21, 08:59 PM   #22

*سارة عاصم*
 
الصورة الرمزية *سارة عاصم*

? العضوٌ??? » 439475
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 261
?  نُقآطِيْ » *سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي الفصل الثاني

الفصل الثاني
"تحت حكم الطاغية"
الثقة لن تُميت الإنسان، لكن الغرور الذي يخرج عن طور الثقة هو ما يقتله
********
بملامح جامدة وأعين متربصة يقبض على عصاه الأبنوسية براحته اليمنى والأخرى يُمسك بها سبحة فضية كان أتيًا بها من حجته الأخيرة، من الوهلة الأولى التي تراه فيها تظن أنه رجلاً كبيرًا تجاوز السبعين بمراحل اُختير من قِبل أبناء القبيلة وأسيادها ليتولى أمورها كشيخها، يستند على عصاه
لكـــن الحقيقة هو أن العصا هي من تستند عليه، والشيخ الكبير ما هو إلا معجمًا من الخبرة والحكمة.. والطغيان
ما يراه مناسبًا من وجهه نظره التي ستعود بالنفع على القبيلة أولاً هو ما يحدث، لا مجالَ للعواطف والأهواء في حكمه، كلمته لا تتجزأ وتسير كالسيف على أعناق الرجال الموجودين.. بعضهم يراه ظالمًا، والأخر المماثل لتفكيره يراه يخاف على قبيلته ويفعل ما هو صحيح حتى لا تهتز سمعتها بين قبائل البدو المعروفة... والأمر متباين حتى في أهله
فسلطان يراه حكيمًا كفاية ليصدر قراراته الصارمة، وعارفًا إلى أين ستؤول
وفراس ناقم على بعض العادات الذي يؤيدها جده
وسالم يراه مثلاً أعلى
وأولاده محمد والد رابحة يمتثل لأوامره دون نقاش ورأيه من رأي سلطان
عادل والد سلطان يرى أن بعض الأمور لا تؤخذ بتلك الطريقة التي يتبعها والده ويعارضه في بعض قراراته.. لكن في النهاية يتم الأمر كما أراد كامل الهاشمي
أما ابنته ابتهال فقد طالها مرارة حُكم والدها.. ومن حينها لا تأتي للمنزل إلا لماما
أما الفتيات بعضهن يحبه والأخر يكرهه ولا يطيقه وأكبر مثالاً هو رابحة التي لا تجتمع معه في شيء إلا وينتج عنه ضررًا لها، خاصة وهي لا تصمت ولسانها يسبق تفكيرها دائمًا

تفرسَ في جمع الرجال الكبار والشباب الجالس أمامه على جانبيه بصمتٍ وثير لا يستطيع أحدٌ أن يقطعه دون سببٍ وجيه، ثم تنحنحَ بعدها قاطعًا هذا الصمت المطبق ومتوجهًا بسؤالٍ نحو شابٍ يبدو على ملامحه التحفز الشديد ويجلس بثقة غير مباليًا بالمجلس الذي عُقد من أجله!!
-إذًا يا ذياب أنت تريد الزواج من ابنة السالمي دون أخذك بالاعتبار لتقاليد قبيلتنا..
تركَ جُملته معلقة ولم يُفصح بما تبقى في فمه وانتظر إجابة ذيـّاب التي أتت واثقة
-مع احترامي لك يا شيخ لكن السؤال لا يكون هكذا.. من المفترض أن تسألني هل تزوجت الفتاة التي تحبها ووجدت فيها زوجًا لك وسأجيبك بكل تأكــيد بـ"نعم"
لم يضع عينه في الأرض ولم تتوتر كلماته بل كان رافعًا رأسه بشموخ لم يهتز لكــنه جلبَ همهمات وصيحات الاستنكار خاصةً من والده الذي هتفَ فور أن انهى ذياب جملته
-تأدب في حضرة الشيخ يا ولد يبدو أنك لم تتعلم الحديث في مجالس الكبار
-لا يا أبي لقد تعلمت بما فيه الكفاية ليجعلني جالسًا بين كبار القبيلة ولا أخشى شيئًا بل سأدافع عن حبي الذي تريدون طمسه بين عادات القبيلة التي من المفترض أنها اندثرت وها أنتم تعيدون إحيائها وبالطريقة الأكثر إيلامـًا للشباب
أنهى كلامه وبعينيه نظرة ثقة لا يشوبها شائبة، رجلاً يدافع باستماته عن حُبه الذي يريدون قتله وليتهم فعلوا وهو في مهده، بل هو توغل داخله حتى أصبحَ لا يقدر على الفراق.. سيموت لو تركَ "مليكة" لأحدٍ آخر.. هو لم يخذل حبها قبلاً عندما تقابلا في السر ولن يخذلها الآن وها هو يجلس كالأسد بين الرجال زائرًا بما يكنـه صدره دون خجل أو خوف.. كأي رجل يحمل نخوة، بينما تلون وجه أبيه الجالس بجانبه بالغضب وعادَ ليرد عليه ليسبقه أحد الكبار الذي له شأن في القبيلة
-عادات القبيلة التي تتحدث عنها بهذا الشكل المخزي يا ذيّاب هي من أعلت وأبقت اسم قبيلتك على مر السنين، جميعنا نسير عليها ولو على رقابنا لم تظن نفسك مُستثنى؟.. أم أنك تريد قيادة انقلابًا الشباب التي أصبحت تكره تقاليد العائلة الآن إن لم يكـــن الأمر على أهوائهم... أليس كذلك يا شيخنا؟
حوّل الرجل وجهه وحديثه نحو الشيخ كامل الهاشمي ليعطيه نظرة راضية قبل أن يستمع لذياب الذي صاحَ مستنكرًا فجأة
-انقلاب!! هل المطالبة بالحقوق الآن صارت انقلابًا من وجهة نظرك يا عمي؟؟.. يا عمي خاصةً أنت جميعنا نعرف بحبك الكبير لزوجتك قبل أن تتزوجا ومناداتك بهذا حتى اعتقدت أنك ستنادي بها في الجوامع ولو أنها كانت من قبيلة أخرى أما كنت لتحارب؟
اهتزت حدقتي الرجل فقد هاله الأمر من مجرد التفكير ثم أجابَ بجمود
-لا ما كنت سأفعل لأن أوامر القبيلة تمنعني والقبيلة فوق رأسي وقبل كل شيء
تراجع ذيـّاب ليستند بظهره على الوسائد البدوية قبل أن يظهر في عينيه نظرة شرسة قائلاً من بين أسنانه
-إذّا اعذرني يا عمي فأنا لست مثلك ولن أكون ... أنا رجلٌ يعرف كيف يدافع عن حُبه جيدًا وليس هناك شيءٌ أهم من عائلتي ونفسي مع احترامي للقبيلة ككيان دون قرارتها المجحفة
ارتفعت يد والده حتى تحط على وجنته لكن صيحة الشيخ التي صدحت جعلته يتراجع ووجهه محتقن بالدماء من شدة غيظه وأفعال ابنه التي صغرّته أمام كبار وصغار القبيلة وأما الشيخ الكبير، التفتَ إلى الجمع قائلاً بينما كتفيه تهدلا بلا حولٍ ولا قوة
-اعذروني فلم أربي ابني جيدًا حتى صار يتبجح أمام الكبار
-أنا لم أعد صغيرًا يا أبي لقد قاربت على الثلاثين من عمري.. لقد ربيت بما يكفي حقًا وأحسنت تربيتي لكنك علمتني ألا يأخذ عني أحدٌ قراري ولا يُجبرني على فعل شيء.. لقد علمتني كيف أكون رجلاً لم تُصر على عكس ما ربيتني عليه لتُرضي غرباء
قالَ الرجل مبهوتًا ومدافعًا عن نفسه
-علّمتك احترام القبيلة أولاً ثم هم ليسوا بغرباء هم عائلتك وأجدادك ويهمهم مصلحتك
أردفَ ذيّاب بصبر فقد عاهدَ نفسه ألا يخرج من هذا المجلس إلا وهو منتصرٌ بها
-وأنا أحترمها وأقدرها لكـني رجل لا تقيدني عادات ولا تجبرني قرارات "ثم صاحَ مستنكرً" لستُ فتاة لتزوجوني غصبًا عني!!!... من يهتم لمصلحتي يتركني أختار الفتاة التي سأتزوجها لا أن يزج بي أنا وفتاة أخرى لا ذنبَ لها في بيت يملئه الكراهية لأنني لن أحبها أبدًا

كان فراس يجلس بين سلطان وسالم على يمين الجد بعد أعمامه وأبيه، يستمع لما يحدث بقلبٍ مضطرب وجهٍ حانق، يعتقد الجميع أنه غير راضيًا عن قرارات ذيـاب لكنه كان مؤيدًا وبشدة... فهو قد وقعَ في خطيئة الحب المُحرّم من وجهة نظر القبيلة المُبجلة
عادَ بظهره للوراء حتى يصل الصوت لسالم وسلطان ثم همسَ بانبهار
-يعجبني حديثه.. فهذا ما يفعله الرجال
رمقه سالم بسخرية بينما أعطاه سلطان نظرة جانبيه من عينه وهمسَ بنبــرة شامتة
-لو لم تصمت سأخبر الجميع بما لديك أنت الأخر ولنرى كيف تتحدث يا "فتوة"
تجهمَ وجه فراس ثم عادَ يتحدث بنفس الهمس
-أنت لا تعرف لعنة الحب التي تصيبك دون إنذار أو طرقٍ على الأبواب.. ستجد نفسك غارقًا في تفاصيلها وحينها لن يكون مبدأك سوى شيئًا واحدًا " الجنون لا ينتهي في الحب.. والغاية تُبرر جميع الوُسائل"
-وطلع البدر علينا أليس كذلك؟ ... والله لو لم تصمت يا فراس سأخبر جدك
كان يتحدث بسعادة واجمة يتخيلها الآن بعينيها الفضية كقمر توسطَ سماءً خالية من النجوم فكان هو زينتها، ليفيق من حلمه على صوت سالم الساخر ليمط شفتيه بحنق محدقًا فيما يحدث أمامه واجمًا بقلبٍ مضطرب... كيف سيكون مصيره إذا اكتشفَ جده أمر حبه لبنون؟!!.. وما سيكون حاله في هذا المجلس الذي عاجلاً ام آجلاً سيُعقد من أجله!!
الموقف المشابه لموقفه وضعه بين شقي الرحي، يشــعر أن الأمر تخطى مشاعره ومشاعرها.. إرادته المسلوبة تحت سطوة عينيها... الأمر متفاقم لا يضمهما فقط بل يشمل العائلة بل والقبيلة بأكملها..
فاقَ من تفكيره السلبي على صوت الصفعة التي حطت على وجه ذيـّاب الذي بدا انه استنفذَ صبر والده هذه المرة فلم يحتمل وصفعه، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل صدحَ صوت الشيخ كامل ليحط بقشته التي ستقسم ظهر الجالس أمامه متجهم الوجه ورافعًا رأسه بتحدٍ يسفر عن شجاعته
-لقد تركتك تقول ما عندك يا ذيـّاب وقد استفضت بلا خجل تسرد حبك لابنة السالمي.. ولكن اسمعني جيدًا لأني عندي ما سأقوله أيضًا
صمتَ متعمدًا ليبث الترقب والحذر في العاشق الماثل أمامه وغرضه قتل كل أملٍ قد يلوح داخله بالخطأ، ثم أكملَ ناظرًا بتحدٍ أكبر لمقابله
-لقد تحدثت مع كبير السالمية ووعدني أن نحل الأمر دون إثارة المشاكل أو الدم بين القبيلتين.. وقد أخذنا القرار في هذا الأمر الذي لن يجلب إلا العار للقبيلتين
عادَ يصمت للمرة الثانية، وهذه المرة كان القلق يدب في صدر ذيـــاب مضيقًا أنفاسه ومستعمرًا نبضات قلبه حتى مع كل حرف كان يخرج من فم الشيخ كان ينتفض قلب ذيـــّاب ألمًا عليه
-الفتاة ستتزوج بابن عمها كما هي العادات.. أما أنت فأرض الشمال التابعة لوالدك ستكون في ضيافتي قليلاً حتى تتزوج وتُنجب وريثًا لك، وثانيًا ستعمل في الأراضي التابعة للعائلة وستأخذك أجرك كأي عامل، ثالثًا الشهر القادم ستتزوج من الفتاة التي اخترناها لك أنا ووالدك .. وأخيرًا وهذا للجميع وليس لابننا ذيّاب فقط؛ لا أريد سماع أي حديثٍ في هذا الأمر ثانية ولو بمحض الصدفة ومن يُفكر لوهلة أن يقتدي بهذا الفعل سيكون عقابه النفي من القبيلة ولن يحصل على ميراثه وأراضيه .. أنا لم أرد أن أكون قاسيًا على ذيـــّاب وأنفذ هذا العقاب له لأن له هو ووالده مكانة عندي وأنا أعرف طيش الشباب وتغنيّهم باسم الحب.. نحن ولدنا ومتنا ولم نعرف سوى حب القبيلة والعائلة والانتماء لهم.. وحب زوجاتنا اللاتي هن من دمائنا ولحمنا نحافظ عليهن ولا ندخل بينهن غريب..
ثم حوّل نظره لوالد ذيـّاب قائلاً بنظرة ذات مغزي
-أليس كذلك يا أبا ذيـــّاب
-لا فضَ فاكَ يا شيخنا قلت من القول أحسنه وقصرّت علينا طرقًا وعرة نحنُ في غنى عنها
و يا ويله من النظرة التي لحقته بعدها... يا ويله من قهرٍ نشبَ في أعين ابنه البكري، ظهره، وسنده في حياته... لمَ يشعر الأن أن الحروف التي خرجت من فمه لم ترفع مكانته عند الشيخ فقط بل قتلت ابنه وأشعرته بخيبة الأمل في والده؛ خيبة آملٍ كبيرة لن يتخطاها مهما بلغَ الأسفُ زمنًا..
وقفَ الرجال استعدادًا للرحيل ليقف ذيــّاب بدوره ولكن مقابلاً لوجه أبيه الذي أصابه بعض الاضطراب ليقول بنبرة جافة خرجت من شعورٍ أجوف داخله ليتردد صداها داخل والده بالألم والخزي
-خير ما فعلت يا أبي أتمنى أنك قلت من القول ما يُمليه عليه ضميرك وليس الشيخ.. وبالنسبة للصفعة فلن أردها لك لأنك أبي لكنّي أعرف كيف سأردها لمن سببها
ثم خرجَ مندفعًا من المجلس بعد خروج الشيخ بالطبع، هائمًا على وجهه لا يعرف السبيل إلى مالكة قلبه سوى التنصل من عادات القبيلة المتخلفة
***********
وقفَ محمد وغانم أبناء الشيخ الرجال مع رجالهم سلطان، وفراس وسالم أبناء ابتهال أختهم وبدا الأخوين منشغلين بما حدثَ للداخل حتى أنهما تركا الشباب ووقفا يتحدثان بصوتٍ منخفض ويرمقون أبا ذيــّاب بنظرات خرجت من أحدهم مُشفقة ومتفهمة والأخر خرجت منه جامدة لو رآها لشعر أنه يستحق ما حدثَ للتو له على يد ابنه
وفي جهة الشباب وقفوا جميعًا ينتظرون قدوم الشيخ للرحيل
-يا إلهي لقد رأيت كيف اندفعَ ذيــّاب ولم يرنا حتى!!.. هذا الأحمق حقًا غارقٌ في العشق
قالها سالم وهو يقف مع سلطان وفراس خارج المجلس القبلي في انتظار الجد، كان يرمق أثره بعدما اندفعَ دون سلامٍ أو كلام فهو بالتأكيد لم يسمع سوى صوت قلبه الذي يئن ألمًا
-اتركه يا سالم أنت لا تعرف كيف أن يكون المرء بين شقي الرحي، طريقك مسدود فالعودة مؤلمة والتقدم مُهلك
ضيّقَ سالم عينيه وهو يعرف جيدًا ما يمر به أخيه ليقول متفهمًا بقصد
-اختر الأقل ضررًا... فالألم أقل ضررًا من الهلاك كليًا على يد جدك أليس كذلك يا سلطان؟
أيده سلطان قائلاً
-بالتأكيـــد
امتقعَ وجه فراس واختلجت عضلات فكه بعدما أدرك أن الحديث الآن يمسه وهما يشيران بضرورة انسحابه مستخدمين ما حدثَ بالداخل للتو كسلاح، أردفَ بنبرة عالية بعض الشيء يبث ما بداخله
-إن لم تكن بدور من القبيلة هل كنت لتتركها يا سالم؟ أجبني
ردَ سالم بشراسة وهو يرى الحوار يتخذ منحنًا آخر
-لا دخلَ لك بظروف زواجي وأنت تعلم كيف كان شعوري وقتما حدث هذا وكيف كنت راضيًا لو لم يحدث
اقتربَ فراس منه وأشهرَ سبابته في وجهه وهتفَ بغضبٍ عارم
-هذا لأنك لم تُحارب من أجلها.. لو لم يقل عدي لا لما تزوجتها.. عليك أن تشكره لا أن تقاطعه كما أخبرك جدك
-أخفض صوتك يا فراس فجدك سيخرج في أي وقت ونحنُ لسنا مسؤولين عما سيحدث
قالها سلطان وقد اشتدت نبرته عليه ليتجاهله سالم بينما يهمس بنبرة ذات مغزى
-أنت ما زلت صغيرًا يا ابن أبي ستعرف كيف يكون الأمر وفقًا لما تقتضيه القبيلة
هدرَ فراس بينما ينظر نحوهما بصدمة وأقرب أصدقاءه لا يؤيدون موقفه، ليشعر أنه وحده في صحراء اليأس
-أنتما لأنكما لم تمرا بالأمر فلا تعرفان ماهية شعوره؛ أن تكون في مكانٍ وحبيبتك في آخر وليس كذلك فقط بل أن تعرف أنك من المستحيل أن تجتمعا سويًا، تراها في الأسبوع مرة أو مرتين فقط وبقية الأيام تنتظر أن تمر وأنت تنظر لسقف حجرتك متخيلاً أنها جوارك ... وأكبر كارثة هي أن تجدها ذات يوم تُزف لغيرك وهذا لماذا؟؟... لأن ما يقيّدك هو كلام العادات على الورق وشهادة ميلاد أنك تُنسب إلى قبيلة ما... سحقًا للقبيلة وسحقًا للعادات... لقد كرهت هذا المجلس
كممَ سلطان فمه بيده حتى لا يسمعه جده الذي إن جاء سيسمعه موشحًا أو بالتأكيد سيعرف الأمر بذكائه وهذا ما حدث ففور أن أزاحَ سلطان يده وجدوا صوت جدهم يخبرهم بوجوده
-ما الذي كرهته في هذا المجلس يا ابن سعيد؟
تقدمَ كامل منهم حتى يتسنى له السماع بشكل أوضح ثم ألقى سؤالاً آخر بنفس النبرة المتشككة
-ألم يعجبك قراري وتظنه جاحدًا؟؟
سارعَ سالم بالنفي متمتمًا
-استغفر الله يا شيخ لم يقل فراس هذا
تحدثَ فراس على مضض بعدما نكزه سلطان في ظهره دون أن يراه كامل
-ليس هذا ما قصدته يا شيخ فقط لم يعجبني ما فعله عمي أبو ذيــّاب من ضرب ابنه في مجلس الرجال في النهاية هو رجل راشد لقد أحرجه بيننا
كان يلتزم بما قاله جده سابقًا، أثناء المجالس وأمام الناس يُقال له "شيخ" أما في البيت يستبدلونها بـ "جدي"، لكنه لم يقولها التزامًا بل قالها مشددًا عليها لأنه لم يشعر أنه ينتمي لهذا الرجل... ليس من دمائه الطاغية وقراراته المجحفة ... يشير إلى رفضه لما حدث بالداخل حتى لو لنفسه فقط
سارَ كامل بجانب فراس الذي كان تحفزَ جسده من مجرد القرب ليقول بعد كلام حفيده
-أنا أيضًا لم يعجبني ما فعله والد ذيــّاب رغم رغبتي في فعلها لكن ذيــّاب له هيبة وكبيرًا كفاية لا يستطيع أحد أن يُصغّر منه.. لكن في النهاية كان حديثه مستفزًا عن الحب وهذا الكلام التافه
لم يُجيبه فراس وزادَ تجهم وجهه فاستطرد كامل يحكي سخطه من المجلس
-من هذا الذي يجعل قلبه ملكًا لفتاة من قبيلة أخرى وعادات أخرى ليس بيننا وبينهم دمًا ليتزوج منها ويُنجب أطفالاً يختلط دمائهم مختلطة... هذا تخلف واستهتار
"تخلُف؟؟!!... والله لم أرَ متخلفًا أكثر من تلك العادات الرجعية التي تتشدقون بها... يا رب ارحمني"
تحدثَ فراس داخله بحنق شديد أوشكَ على إخراج الحروف الحانقة من فمه لكنه تراجع في اخر لحظة وغمغمَ بسؤال لم يتبين فيه نبرة أو مغزى وراءه
-وهل الحب خطئًا يا جدي؟ أقصد ليس لدينا سطوة على قلوبنا فهي تحب من تشاء بدون سبب وتكره آخر دون سببٍ أيضًا فكيف سأمسك قلبي عن الحب
أجاب الجد بتلقائية وبرزانة معهودة
-إن لم تكن تلك الفتاة مقدرة لك فابتعد عن حبها، سأعطيك مثلاً لو أحببت امرأة وعرفت أنها متزوجة هل ستبقى تحبها؟ أم كأي رجل لديه نخوة ستبتعد وتُجبر نفسك على التوقف سريعًا حتى لا يتطور الأمر؟!!... هذا هو الأمر بالنسبة للقبيلة أيضًا إن لم يكن من قبيلتك فابتعد.. فالرجال فقط من لديهم حُكمًا على قلوبهم يا فراس
"الأمر ليس سيان يا شيخ... الأمر بعيدٌ تمامًا
لا تسأل مُحبًا لم أحببت
ولا تلومه على مشاعره طالما في نطاق الحلال"
عادَ يُحدث نفسه مرة أخرى شاردًا قليلاً وقد صمتَ الجد أخيرًا وطالَ الصمت حتى لم يعد حديثًا يُقال بعدها، ومن خلفهما كان سلطان وسالم يستمعان للحديث وينظران لبعضهما في قلة حيلة على حالة فراس المستعصية فمن حديثهم جدهم يبدو أن طريقه مليئًا بالصعاب ولن يكون قادرًا على تخطيها
*******
منذ سنوات
-جدتي أخبرتني أنني الحفيدة المفضلة لديها
قالتها بطفولة وهي تنظر بعناد لأختها الكبرى التي تقف أمامها تلوي شفتيها بغضب، بعدما تغنت بحب والديها وأعمامها لها، أردفت الصغيرة بدور وهي تتخلى عن صمتها وتقول بكيــد طفولي
-هذا لأن لا أحد يحبك هنا فهي تقولها حتى لا تشعري أنكِ منبوذة
اشتعلت عينيها بالغيرة والألم لكلام أختها، ورغم أنها طفلة لكن عقلها كان يسبق سنها بكثير، تعرف كيف أن هذا الكلام المؤلم صحيحًا وأن الجميع هنا لا يحبها... لكن جدتها!!
كانت الوحيدة التي تشفق عليها وتحضر لها الألعاب من المولد الذي يُقام في حين لا يفعل أبيها بل يمنعها من الذهاب لأنها تفتعل المشاكل
تجمعت الدموع في عينيها وامتلأ قلبها قهرًا ودون أن تشعر رفعت كفيها الصغيرين لتدفع بدور للخلف وتقع الأخيرة على ظهرها مرتطمة بالأرض، وبرد فعلٍ عفوي طفولي أخذت حجرًا كان بجانبها وألقته على أختها ثم صرخت باكية بصوتٍ عالٍ لتجذب أنظار العائلة التي بداخل المنزل!!
فتحت فمها لتصرخ عاليًا طالبة النجدة التي أتت سريعًا متمثلة في أمها وأبيها
-ما الذي فعلته له لأختك؟؟ يا الله ألن تكفي عن عادتك السيئة في ضرب من حولك؟؟ أخبريني ماذا فعلتِ وإلا ضربتك ضربًا قاسيًا
صرخَ محمد بينما يُمسك يدها وهي بالكاد تأخذ أنفاسها، مذعورة تبكي وتنظر له بأعين يفيض منها الدمع لتوعده لها ولشدة ألمها من الحجر الذي أصابها في صدرها، أما أمها فقد هرعت نحو بدور تتفحصها وترى ما بها غير مبالية بابنتها التي تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة للتو
-لا لا ... لم أفعل شيئًا ... أبي هي ضربتني أيضًا
ضرّبها محمد على يدها بقوة فازدادت بكاءً وانهيارًا وصوته يصدح عاليًا بوعيدٍ آخر
-أنت لا تحترمين كلامي أو كلام والدتك.. ألم أمنعكِ من ضرب خنساء وبدور؟؟ لم فعلتيها يا*****
سبها بقسوة وهي طفلة صغيرة مذعورة تقف أمامه باكية بقوة وتفتح فمها ليخرج منها الصراخ غصبًا عنها
ضربها محمد ضربة أقوى من السابقة قائلاً
-لا تصرخي يا ***** والله لأضربك وأحرقك لأنكِ فتاة متمردة لن ينفع معها شيء سوى العنف
-أبي أرجوك.. لا أستطيع التنفس
ازرقَ وجهها وهو مازال يضربها على يدها وقد طالت أصابعه وجهها، ولم يبالي بدمعها الذي يغرق وجنتيها او صراخها المتقطع.. أو أنفاسها التي تسحبها بصعوبة ... لم ينظر إلى لوجه ابنته الأحمر من شدة البكاء ولم يرأف لصغر سنها وعقلها بل صارَ يعنفها كأنه يرى نفسه فيها وهو والده!!
-يا أمي .. أمي... هي قالت أنكما لا تحباني
استنجدت بوالدتها التي نظرت لها بقلة حيلة وقد هالتها كلمة ابنتها المقهورة، بينما محمد لم يكتفي وأكملَ ضربه لها قائلاً بقسوة
-نعم أنا لا أحبك.. ولا أطيقك منذ الساعة التي وُلدتي بها يا لعنة حياتي الأبدية.. لقد أخبرني الطبيب أنه ولدًا لم جئتِ أنتِ... لم.. لم
-محمد... اترك الفتاة حالاً
صدحَ صوت والدته ليلتفت لها بعنف من بين عنفوانه
-ابتعدي يا أمي ولا تتدخلي أنا أربي ابنتي التي يبدو أنها بحاجة للكثير من التربية
-بالضرب يا محمد؟؟ بالضرب؟!! ألم تكتفي أنت منه منذ أن كنت صغيرًا؟ هل تريد أن تتربي عقدة داخل ابنتك مثلما تربت فيك؟... اترك الفتاة الآن هذا أمر من والدتك يا صاحب العقل الكبير
صرخَ محمد عاليًا وهو يرى والدته تتخذ صف ابنته المخطئة بل وتسحبها لحضنها والأخرى تُلقي نفسها عليه بل وتستكين داخله كأنه الشبح الذي يخيفها
-أمي أرجوكِ كفاكِ كلامًا في هذا الموضوع وقد كبرت وعرفت أن أبي فعلَ هذا لمصلحتي واقتنعت.. فلا فائدة من حديثك هذا
كانت فاطمة تربت على ظهر حفيدتها الباكية بينما ترشق ابنها بنظرات الاتهام الممزوجة بعتاب جده مكلومة وأمر مقهورة لما آلَ إليه وضع ابنها
-مصلحتك؟؟ هل اضطرارك للكذب عليه واخباره بأنك كنت تلعب في مكانٍ غير الذي كنت تلعب فيه لأنه أصر على وجودكما هناك أثناء سيره بالصدفة كان لمصلحتك؟ ... هل خوفك من إخباري أنك جائع أمامه كان لمصلحتك؟؟... ارفع أكمام عباءتك وأريني أثار الضربات على ذراعك وكتفك لأنك ضيّعت قلمًا في مدرستك أو انقطعَ قميصك البالي من كثره لبسه وبعدها كلمني عن مصلحتك يا محمد
رمشَ بعينه وهو يرى الأمر لا يصب في مصلحته وسيخسر هيبته أمام زوجته وبناته، فلقى أن التحدث بصوتٍ عالٍ هو ما سينفع في هذا الموقف
-لم تذكرين هذا الآن؟؟ لقد اندثرَ الماضي بذكرياته يا أمي لا تفتعلي مشكلة بيني وبين والدي وتبثي داخلنا الكراهية نحوه
اقتربت منه فاطمة بينما تضع حفيدتها في حضنها التي تتعالى شهقاتها ظنًا منهم أنها من البكاء ثم نظرت في عين ابنتها بتحدٍ ومرارة علقم مُعاتبة تنطلق من شعاع عينيها إلى شرار عينيه
-لا لم يندثر يا ابن كامل .. عندما أراك تعامل ابنتك بالشكل الذي عوملت به سأقف أمام وجهك.. هل سألتها أولاً عما حدث؟ هل عاتبتها بلطف؟ أم أن يدك سبقتك كالعادة
قطعت حديثها ثم ازدردت ريقها قائلة بحزن
- لقد أصبحت نسخة منه لكن كلما تكبر تكون أفظع... من اليوم لن تمد يدك عليها بعد الآن وأمرها سيكون أمري إن رأيتك تمد يدك عليها مرة أخرى سأتخذ موقفًا منك لن تسعد به يا ابن كامل
لقد أخبرته في المرتين أنه "ابن كامل" وهنا تكون والدته في عز حزنها وقهرها، لقد أصابَ صدره الضيق من حديث والدتها التي أشعرته أنه ظالم يتبع خُطى والده الذي خطت كفوفه على جسده زمنًا طويلاً وحافلاً بالعقاب لأتفه الأسباب إن تواجد سببًا من الأساس
جاء على الصراخ غانم أخيه وأبو سلطان ليجد رابحة تبكي وتشهق وبدور في حضن والدتها تذرف الدموع خوفًا من صراخ أبيها وجدتها فتدخل واتجه ناحية الأكثر بكاءً وانهيارًا ليجدها تتنفس بصعوبة بين يدي جدتها
-يا حبيبة عمك ماذا حدث..
وقعت عينيه على ابنته التي تنظر للسماء وتشهق كأنما تأخذ أنفاسها الأخيرة فاهتزَ قلبه لها وحديث والدته يطرق داخل قلبه بمطارق من اللوم، لينطلق اسمها من بين شفتيه بفزع
عودة
كانت طفلة صغيرة تتعرض للضرب الشديد من والدها ووالدتها لا تهتم بها ..حتى لم تسحب والدها عنها.. وصدرها يؤلمها بينما تتلقى الضربات والسبب في كل هذا يُدلل وتُعاقب من أجله
أغمضت رابحة عينيها تاركة دمعة وئيدة كانت تهددها بالنزول فأفلتتها كما أفلتت مشاعرها تجاه كل شيءٍ وتجاه كل شخص ثم استجمعت نفسها وتجهزت للنزول لأسفل فهي تعرف أن خنساء هنا بدعم من ثريا والدة سلطان وخالتها فلا بأس من بعض التنمر عليهما والذي سيُحسن حالتها المزاجية
*****
-كنت أعرف أن اليوم سيكون ملبدًا بالغيوم والأتربة لكن لم أعرف أنه سيكون منذ الصباح
قالت رابحة جملتها بامتعاض ساخر وهي تهبط من سلالم المنزل إلى البهو الكبير الذي يضم والدتها وزوجة عمها" ثريا" وابنة أختها التي تمقت .."خنساء"
-مرري اليوم على خير يا رابحة نحن لا نطيق صوتك في هذه الساعة
ابتسمت على كلام زوجة عمها الحانق لترفع عباءتها البدوية المزخرفة لتظهر خلخالها الفضي الرنان والذي التفَ حولها قدميها بشكلٍ جذاب، رافعت حاجبها وهي تتقدم منهم وتجلس بجوار والدتها التي كانت تقوم بتقطيع الخضروات وتنذر لها شزرًا لوقاحتها
-لقد آتيت لأؤنسكم ويكون هذا جزاءي يا زوجة عمي؟؟ لم أعهدكِ قاسية إلى هذا الحد
-يبدو أن مزاجك جيد يا رابحة أي مصيبة ستحدث لتكوني رائقة لهذا الحد!!.. فقط لنستعد قبلها لا أقصد الإساءة لكن فرحتك تعني تعاسة الجميع
تصلبَ فك رابحة وخبت الابتسامة من على وجهها كما قست عيناها وهي تلتفت إلى خنساء التي عدّلت من جلستها لتظهر بمظهر مُنتصر وقد أدركت للتو أنها أصابت هدفها
تبًا...
كم تكرهها تلك الخنساء، تراها بلا حياء لتأتي وتعرض نفسها هنا حتى تستميل خالتها لتزوجها من سلطان، وليتها تصمت وتتركها بحالها إلى أن كلماتها لا تنفك عن العبث بعقل رابحة لترد عليها الأخيرة آخذة حقها، وتُفتعل مشاجرة بين الاثنتين ويأتي على إثرها من في المنزل.. وكالعادة يُسمح فقط صوت رابحة وسبابها لكن خنساء تنزوي ككلب قد تعرض للضرب ممن هم الأشرس منه... فتتلقى رابحة العقاب كم تعودت منها قبلاً هي وأختها بدور
كانت تنظر داخل عينيها لترى كم البشاعة التي يحيط بتلك الفتاة، تعذرها في حالاتٍ كثيرة بأن والدتها وخالتها هم من يعدونها بما لا يمكن حدوثه، وفي أحايين أخرى تتمنى لو تمسكها من شعرها الناعم هذا وتضربها في الحائط حتى تتعب يداها
شعرت بالراحة تتسلل لصدرها بعدما مرَّ الحدث الأخير بعقلها جاعلًا إياها تنتشي وهي تُمني نفسها بفعل هذا إن خسرت كل شيء، هتفت رابحة بابتسامة بعدما رفعت حاجبها الأيمن كعادة لديها
-لا تقلقي يا خرقاء هذه المرة الجميع سيفرح لفرحي.. وليس هذا المنزل فقط، بل القرية بأكملها... ليس اليوم لكن قريبًا .. جدًا
لكزتها والدتها في جنبها لتقول هامسة
-ما الذي تخططين له يا أخرة صبري، لا أريد أيًا من المصائب
قالت رابحة وهي تحتضن وجه والدتها بيديها
-لا تقلقي يا دلال حبيبتي سأجعلكِ فخورة بي

بينما خنساء وثريا ظلا ينظران إليها بدهشة ممزوجة بالغضب لتنتفض الأولى من مكانا صارخة
-أولاً اسمي خنساء ولن أقبل أن اُنادي بسواه... أما ما تقولينه فأنا أعرف أن وراءه قصة .. قصة كبيرة لن يحبها أحد سواكِ
كانَ الغضب يمتزج بدمائها، وقلقها هذه المرة ينتابه حدس أن يكون سلطان المقصود فهي لم تغفل عن مدافعتها لنفسها أمامه إذا ما تشاجرا عكس أي أحدٍ آخر كانت تصمت وهي تتلقى العقاب ،ازدردت خنساء ريقها في آخر حديثها وقد لاحظت ذلك رابحة التي قالت بخبث لا يفارق عينيها السوداوين
-لا تبلعي ريقك قد تموتين مسمومة ثم يا خنساء أراكِ تأتين كل يومٍ للمنزل وتشرعين في تجهيز الطعام؟ هل يكون ما بخلدي صحيحًا وأنكِ ها لأخذ نصيبك منه والذي لا تتحصلي عليه في بيت والدك؟
اتسعت عينا ثريا لتلك الإهانة التي لحقت بابنة أختها التي وقفت محتقنة الوجه ومتسعة العينين ولحقت أيضًا ببيت أختها لتقوم من مكانها وتقترب من رابحة الجالسة بغرور غير آبهة بالتي ستنقض عليها لتضربها
-سأريكِ يا قليلة الحياء والتربية .. لن أصمت على تبجحك بعد الآن
رفعت ثريا يدها لتشتبك مع رابحة التي ما زالت جالسة مكانها فقط تنظر لزوجة عمها وخنساء الواقفة خلفها باحتقار ينضح من سوداوتيها يخص الحرباءتين
-ما الذي يحدث هنا.. هل ستمدين يدك على حفيدتي يا ثريا !!
صدحَ الصوت القوي من مدخل البهو وقد عادت لتوها، خلعت وشاحها الملتف حول وجهها والمزين بنقوش طفيفة تدل على مركزها كسيدة زوجة أحد الأسياد
-ها قد أتيتي يا جدتي وأنا جالسة لا أفعل شيئًا هما من تهجمتا عليّ
رشقتها "فاطمة" بنظرة حادة لتصمت ورابحة كانت ذكية لتفعل هذا باختيارها واحترامًا لجدتها، كانت تنظر لهما بانتصار وتشفٍ مما سيحدث فقد أتت الوحيدة التي تنصفها
-هي من بدأت يا جدتي .. جاءت لخلق مشكلة ونحن كنا جالسين بهدوء وأمان نُحضَر لعزيمة اليوم لتأتي وتتفوه بكلام مستفز مثلها
تقدمت "فاطمة" من خنساء التي تحدثت وقفت أمامها بنظراتها الجامدة دومًا، حوّلت عينيها لحفيدتها التي نظرت لها ببراءة خالصة ثم ثبتتها على ثريا التي كانت مرتبكة فهي تعرف طالما أن السيدة فاطمة تدخلت... و رابحة طرفًا فقد حُسمت الأمور لصالحها
-أولاً أنا لست جدتك حتى تقولين لي جدتي، ثانيًا هذا بيت حفيدتي تقول ما تشاء لا دخل لكِ.. ثم بأمر العزيمة فكنتيّ وأحفادي يتولوها على أكمل وجه لذا لا تبتدعي المشاكل من أجل تعكير مزاج حفيدتي
النظرة التي ألقتها رابحة لخنساء كانت قاتلة... كأنها تقول بفظاظة "أرأيتِ!! لا مكانَ لكِ بيننا حتى صاحبة البيت لا تطيقك فتحلي ببعضٍ من الكرامة وارحلي.."
هذا ما وصلَ لخنساء من النظرات التي حاوطتها من جميع الجهات وهي غير قادرة على فك شفراتها أكانت شفقة أو حرجًا لها.. لكن نظرة رابحة الوحيدة التي فسرتها جيدًا.. نظرة كره مشوب بالتشفي الصريح
-لم أتوقع منكِ أن تطردي ابنة أختي يا حجة فاطمة أنا من جلبتها إلى هنا حتى تساعدني فالكلام الموجه لها موجه لي.. هل تريدين لي الرحيل؟!
ارتسمت ابتسامة ساخرة على جانب شفتي رابحة من زوجة عمها التي تستعطف جدتها الآن وقد كانت ستنقض عليها، ولكنها لن تتحدث جدتها موجودة وهي من ستتصرف وقد كان.. فبعد جملة ثريا أردفت فاطمة بملامح قاتمة وحاجبها الأيمن يرتفع بتلك الحركة التي ورثتها عنها رابحة
-أنا لم أحاسبك يا ثريا على أنكِ كنتِ ستصفعين حفيدتي.. لكن إن كانت ابنة أختك ستأتي إلى هنا فيجب أن تحترم المنزل الذي تجلس تحت سقفه ولا تتطاول على أحدٍ منه ..
مررت "فاطمة" عينيها على الوجوه المتواجدة حولها بدءً من دلال التي كانت مغلوبة على أمرها لا تتدخل في شجارٍ كعادتها، ورابحة حفيدتها "الماكرة" ذات النظرات المتشفية تجاه زوجة عمها وابنة أختها، مرورًا بثريا وخنساء الذي امتقعَ وجههما من حديثها الجامد.. هذه هي طبيعتها وهي لن تقبل أن يقلل أحدٌ من شأن عائلتها خصوصًا عزيزتها "رابحة"
-رابحة أريدك
هتفت بها وهي متوجه فاطمة ناحية السلم المؤدي لغرفتها في الأعلى، لتمتثل رابحة لأوامرها قائلة بإذعان مُصطنع
-حاضر يا جدتي.. عيناااي
مطت كلمتها الأخيرة وهي تراقص حاجبيها للمتسمرتين في مكانهما دون قدرة على النطق، ولم تكتفِ بهذا بل استدارت لهما بعدما خطت خطوتين
-قريبًا ..قريبًا جدًا سيتحقق ما أريده وأنتن ستموتون قهرًا تذكرا هذا ..
ثم تركتهما وصعدت لجدتها.
-سأرحل يا خالتي ولن أعود
هدرت بها خنساء وقد غشت الدموع عينيها وقد نالت ما يكفي من الإهانة لتبقى في هذا المنزل، التقطت وشاحها من على الكرسي لتوقفها ثريا قبل أن تضعه على رأسها هامسة بعيدًا عن أذن دلال
-هل ستسلمين من أول جولة!! هل ستتركين لها كل شيء.. هذه الفاسقة لا يدللها سوى جدتها.. انظري لو كان جدها هو من عبرَ الباب أو أحدٍ آخر غير جدتها لكانت نالت صفعات ولكنتِ أنتِ الفائزة في هذا الموقف... دافعي عن حقك فلربما المرة القادمة يكون عابر الباب سلطان..
حقها!!!
أي حق هذا التي تتحدثين عنه يا ثريا؟، من قرر بالنيابة عنه أنه سيتزوجها؟!، من جعلكِ تضعي تلك الأفكار داخل عقل ابنة أختك المسكينة سيُحتم عليكِ أن تنزعيها منها بقوة ولكن احذري حينها لن تخرج سوى بالدم الذي سينزف من جرح قلبها..
لقد أصبحَ بقاءها في هذا المنزل يعتمد على ابنها وزواجه، فلو تزوج تلك العقربة كما تسميها لانتهت، لذا عليها أن تجتهد جيدًا لتزوجه بابنة أختها تلك التي تحت طوعها وتعرفها جيدًا... لكن ما الذي سيحب في رابحة المتبجحة دون رادع! فقط يعود جدها من سفرته وسيكون للحديث بقية... بقية شيقة..!!
-لم أنتما واقفتان هكذا
طلَّ عليهم سلطان بهيئته المهيبة لترتبك خنساء من مجرد رؤيته تاركة لثريا المجال لتقترب منه وتمسح على كتفه بحب أموي قائلة
-لا شيء يا حبيبي فقط كنت أقنع خنساء أن تنتظر إلى أن تأتي لتوصلها للمنزل
رفعَ سلطان حاجبه والحديث يمر دون فهم على عقله، طالما جاءت بالنهار وحدها لترحل وحدها!! ما دخله.. لكنه سرعان ما أدرك أنها خطة من والدته التي لا تنتهي للتقريب بينهم، كانت نظرة واحدة لوجهة خنساء المُخضب باللون الأحمر كفيلة بجعله يفهم كل شيء
قالَ على مضض في نفسه لم يظهره
-حسنًا.. هيّا بنا يا خنساء ضعي وشاحك حتى نتحرك.. صحيح لا تخلعي وشاحك مرة أخرى في المنزل يوجد رجال هنا
قالها وصورة رابحة المتمردة تلوح أمام عينيه وهي تتعمد ألا تضع الوشاح خصوصًا أمامه وكم نهرها هو على ذلك.. لكن دون فائدة!!
وعلى الجانب الأخر كانت تلك التي تبكي تضحك بخجل وهي تُعطيه ظهرها تتهامس مع خالتها التي أردفت بسعادة
-يغار عليكِ.. أرأيتِ!!.. اصبري قليلاً وسيأتي معترفًا بحبه لك
تحشو رأسها بالأفكار التي ليس لها أساسًا من الصحة ولا تدخر جهدًا في التقريب بينهما، ولكن العواقب لن تكون سليمة بل ستحل وخيمة وموجعة بشدة!
راقبت ثريا خنساء التي تسير بجوار سلطان على استحياء والأخير غير مهتم وهناك شيئًا يشغل باله بقسوة
********
دلفت على مقربة من غرفة جدها والتي تقبع بداخلها جدتها الآن، يا إلهي لم تطأ تلك الغرفة سوى مراتٍ معدودة منذ أن كانت صغيرة وحتى عندما كبرت، لكنها على الأقل ثاني أكثر شخصٍ دخلها بعد سلطان.. والتفكير فيه يجلب البسمة النقية على وجهها التي لا تظهر لسواه والجدة..
خطت بقدمها داخل الغرفة وهي تتفحصها بعينيها اللتين راحتا تطوقان جدرانها بانبهارٍ شديد، لطالما كانت مبهورة بأنواع الخشب التي صُنعت منها تلك الغرفة، وبالتأكيد كان خشب الزان ليتناسب مع قوة ساكنيها... رمقت طاولة الزينة المنمقة من بعض العطور الخاصة بجدها وجدتها مرورًا بالخزانة العريضة التي كانت بسيطة في تصميمها وكأنها صُنعت خصيصًا لجدتها، عرفت من نعومة مظهرها أنها ذوق جدتها.. وبقيت عينيها تروحان على الأثاث حتى اصطدمت بعيني جدتها الجامدتين والتي اتخذت كرسيًا مجلسها في جانب الغرفة الواسعة
-اجلسي يا رابحة أريد الحديث معك
كانت تعلم تلك النبرة الغير مُفسرة، هي تحب جدتها وتعلم أنها خائفة عليها لكن طابع التمرد الذي يسير مجرى دمائها لا يمكن إيقافه، وهي لن تنسلخ من طباعها، كانوا فعلوا بعدم التدخل بحياتها وحياة كل فتاة!!
جلست على الأريكة المذهبة بجانب كرسي جدتها منتظرة لتقريعها بشأن ما حدث في الأسفل، التفتت لها فاطمة لتبدأ في الحديث بعد تنهيدة أخرجتها من صدرها
-ما حدث بالأسفل لن يتكرر ثانيةً، ليس لأنني دافعت عنك هذا يعني أنني راضية لكن ثريا هذه ليس لها رادع سواي أنا وجدك وسلطان
قطعت الحديث حالما رأت ملامح رابحة تنتبه لها ثم أكملت بترقب تستشف ما بداخل حفيدتها
-أنا لا أريدك مندفعة هكذا.. انتصارك لن يحدث إذا ارتفع غضبك وأظهرتِ لمن أمامك أنه قامَ باستفزازك... وبالنسبة للذي تفكرين فيــه لن يحدث على الأقل ليس الآن وأنتِ بشخصيتك هذه
ضيّقت رابحة عينيها لتقول بحذر
0-وما الذي أفكر فيه جدتي؟!
ظهرت لمحة حنان على وجه فاطمة لم تصطنعها أبدًا، وقالت بنبــرة هادئة
-هل تعتقدين أنني لا أفهم؟ أم أنني كبرت وأصبحت عجوز حتى لا أميـّز نظراتك لسلطان!!.. مخطئة يا ابنة ابني لتستصغري مهارات جدتك
قفزت رابحة من موضعها تحت قدمي جدتها لتضع كفيها في حجرها وهي تقول بصوتٍ أشبه بالترجي
-هل لاحظتِ جدتي!!.. يا إلهي.. حسنًا .. هل .. هل ظهرَ عليه شيءٌ هو الآخر؟ هل نظر لي؟!!
ابتسمت فاطمة ببعضٍ من الشفقة تجاه حفيدتها، فهي أشبه بمراهقة صغيرة تستجدي الحب من صخرة!، وضعت كفها المجعد على رأس حفيدتها المفضلة لينتقل بعد ذلك لذراعها لتجلسها على الأريكة مرة أخرى وتجلس بجانبها.
أمسكت يدي رابحة ونظرت لعينيها اللهوفتين بشيءٍ من الصبر و الحنكة فهي تعرف أن ما هي فيه ما هو إلا غرق في محيط شاسع لا يقربه سوى صيادٍ ماهر ولكن إن كانت تصرخ من أعماقها للإنقاذ لن يفعلها
-اسمعي جيدًا حبيبتي.. الحب شيء جميل جدًا يلطف القلوب المُحبة ويُلـيّن القلوب الصخرية، هذا إن جاء في موضعه بين إثنين متحابين، أما إن جاء غصبًا أو من طرفٍ واحد فقد يتحول لهوس وحزن يجثم على القلب.. ولن تستطيعي طرده بل سيلتهمك كوحش ضاري حتى يهضم كل مشاعرك داخله ثم يبصقك خاوية..
زوت رابحة بين حاجبيها وهي تستمع لحديث جدتها غير المفهوم، أو الذي تحاول عدم فهمه حتى يتضح جيدًا.. تخاف أن تفسره خاطئًا فتفرح، وترتعب أن تفسره صحيحًا فتحزن!
-ما الذي قصدتيه جدتي... هل أصبحت وجبة عشاء لوحش؟!
سخريتها لم تستطع أن تُغيّر الشفقة التي غطت تقاسيم وجه جدتها المجعد كدحًا في الحياة، بل زادتها حتى أنها رفعت يُمناها وملست على رأسها قائلة بحنو
-الحب قد يجعل المرء ملكًا متوجًا على عرش من يُحب.. وقد يخسف بكِ في الدرك الأسفل ويحررك من كل المشاعر الجميلة التي قد تحيطك يومًا... سلطان لن يأتي بتلك الطريقة يا رابحة.. أنا جدتك وبالتأكيد أتمنى لكِ الخير وأريد أفضل الناس.. لكن طريقتك خاطئة ليس التمرد هو الحل.. استخدمي ذكاءك
بالرغم من أن الكلام موجع بحق خصوصًا أنه يخرج من جدتها... لكنه صحيح كليًا!!
هي التي باستطاعتها اجتذابه بطريقة أخرى لكنها فضلّت هذه، الإغواء والظهور في الأماكن التي يتواجد بها بكثرة.. وأخر مرة ذهبت إلى عرينه ومكانه المفضل دون أدنى حياء..!
أطرقت برأسها أرضًا حرجًا من مشاعرها وافتضاح أمرها أمام جدتها وأمام نفسها، وتلك هي مرتها الأولى التي تحاسب نفسها على ما فعلته وتقتنع!!.. بالكاد حدث هذا
-الأمر ليس كما تظنين.. سلطان لا يحبني لكن إذا لفتت انتباهه على الأقل سأكون بعقله لا بأس سأنتظر إلى أن أكون بقلبه
قالتها رابحة باستجداء وهي تنظر لجدتها التي هزت رأسها نفيًا
-خطأ وأكبر خطأ يمكن أن تفعليه.. الرجل لا يحب التي تلاحقه وترمي بحبها عليه.. ولا ثقيلة المشاعر التي لا تعطيه رمقًا.. لكن كوني كما أنتِ بشخصيتك يا رابحة... لم تكوني هكذا!! كنتِ لطيفة ما الذي تغير؟
زمت رابحة شفتيها وهي تسترجع بذاكرتها السنوات الأخيرة من حياتها ثم خاطبت جدتها بعتاب
-ألا تتذكرين ما حدث معي جدتي؟ أم لأنني لا أتحدث أصبحَ الأمر طي النسيان؟.. لقد منعوني من إكمال تعليمي.. تعرضت للضرب فقط لأنني أدلل أخاي المريض ولم أنتبه لوجود الرجال في الحديقة الخلفية.. ليست مرة وكأنهم يتعمدون عقد اجتماعاتهم في المكان الذي هو من المفترض راحة لي...لقد منعوني من مصادقة الفتاة التي ارتحت معها وكونا صداقة لا بأس بها.. هل أُكمل؟!!
سألت بقهر في اخر حديثها وعينيها السوداوين قد بدئتا بالالتماع لامتلائهما بالدموع الوشيكة على الهبوط.. وفجأة تصلبَ جسدها واحتدت مُقلتيها غير سامحة للدموع بأن تنزل ونهضت مخاطبة جدتها
-أنا أكرههم جميعًا.. أكره والدي وجدي وزوجة عمي.. حتى سلطان هذا أكرهه لكــن مشاعري له تمنعني من اتخاذ أي قرارٍ ضده.. تريدين أن أسرد عليكِ أكثر مما قيل؟!.. لا أصدق أنه في كل مرة يراني مُذنبة ويكون اذنابي أنني أقوم بردة فعل!!... ردة فعل تعاقبونني عليها ولا تنظرون للفعل نفسه!!... أي عدلٍ تنصبون أنفسكم بأنكم تمتلكوه؟؟
بدأ صوتها بالعلو لكن في إطار الغرفة، كان جسدها ينتفض غضبًا ووجعًا، خفقات قلبها أصبحت أكثر إيلامًا من ذي قبل... انهيارها أمام جدتها جلبَ لها المزيد من الذكريات السيئة... ذكريات الاضطهاد .. والقهر.. وانتظار العقاب حتى لو لم تفعل شيئًا
أغمضت عينيها لتشعر بيد جدتها تطوقها وتجذبها لصدرها وهنا تحررت من كل القوة التي كانت تضعها كرداء، خلعته لتتعرى وتظهر مراهقتها في بكائها ليكون المنظر " أن الفتاة تبكي-على كتف جدتها-الفتى الذي أحبته ولم يبادلها"
-جميعنا عانينا هذا الألم.. كل امرأة من هذه القبيلة تحكي تراثًا من الوجع والظلم لكن ليس بيدنا شيء يا حبيبتي... أعلم أن شخصيتك لا تقبل الخضوع على الأقل في الخطأ لكن لا تزيديها على نفسك وكوني على ثقة لو سلطان من نصيبك سيسخر الله الشيء الذي تظنينه شر ليجمع بينكما... ثقي بالله
رفعت رابحة عينيها الحمراوين من على كتف جدتها لتردد الحمدْ لله، مسحت دموعها بظهر يدها وفاطمة تربت على كتفها قائلة بحب
-اغسلي وجهك يا حبيبتي لا تخرجي هكذا... ابكي هنا وكوني قوية بالخارج
كانت تشير لصدرها ثم إلى الخارج لتبتسم رابحة وتتوجه للمرحاض بينما فاطمة تنظر للأوراق الموضوع على الكرسي خلفها ... وحمدًا لله أن رابحة لم تلمحها وهي آتيه من الخارج
*********
طوال الطريق وهي تسير بجانبه تفكر هل يمكن للمرء أن يكون جميلاُ من بعيد وأجمل من قريب؟، لا تنفك خنساء عن اختلاس نظرات إلى جانب وجهه بخجل تمكنها من صنع بعض التكهنات التي تضمن لها الزواج منه... تظن أن خالتها ستساعدها لكن من سيقف في وجه كامل الهاشمي إذا ما رضي؟!
"تسير إلى جانبه يُمسك بيدها وينظر لها بدوره نظرات مُعجبه تطفو بالحب، وابتسامته الحلوة تزين وجهه.. عينيه لا ترى سواها، وهي بدورها تبادله النظرات الخجلة وتطرق برأسها أرضًا كلما اقتربَ من مجلسهم.. ها هو الكرسي الذي ستجلس عليه بجانبه في زواجهما، ها هو مُرادها، ها هو....."
-لقد وصلنا
انتشلها من بئر الأحلام السحيق على صفعة الواقع أعادتها فورًا إلى صحوتها لتغمغم بقبول وهي تسير متجهه نحو دارها، كاد يستدير للعودة لكنه تفاجأ بها تنادي عليه فأدارَ وجهه لها وهتفَ بحدة
-صوتك لا يعلو يا خنساء ألا ترين الرجال من حولك
أطرقت رأسها أرضًا بسعادة خفيفة كانت نتيجة تكهنات وهمية داخل عقلها لــغيرته!، أردفَ وهو يراها لا تتحدث متأففًا
-هل سأقف اليوم بأكمله
رفعت رأسها وأجلت حلقها لتقول بعد وهله بأعينٍ لم يظهر لهُ خبثها
-أعتقد أنك تريد أن تعلم ما الذي حدث اليوم لوالدتك على يد رابحـــة
********
-يا إلهي!! حمدًا لله أنني لستُ رابحة
قالها فراس بعدما رأى سلطان وأخبره باقتضاب عما حدثَ ثم انطلق وهو يسير قرب المنطقة التي يتقابل مع بنون فيها، كان يعشق هذا المكان لدرجة جعله صومعة التقاءه بحبيبته الجميلة، يحب تلك الهضبة المستوية المُطلة على بحيرة صغيرة تتلون ما بين الأزرق والأخضر في منظر باهي الجمال، والشجيرات التي تحف هذه البحيرة من الضفة الأخرة كانت مكان انتظاره لمن تخطف أنظاره عن هذا المنظر..
تفاجأ وهو يراها تأتي متبخترة بخيلها وتقترب منه لكن هذه المرة دون أن تلوح، وهذا ليس من عادتها فدائمًا بنون كانت تحافظ على تلويحه اللقاء وتلويحه المغادرة .. يشعر أن شيئًا سيئًا يحدث خاصة وهي تأتي في يومٍ غير الأيام المُتفق عليها!.. فهو يأتي كل يوم لأن هذا مكانه المفضل و إذا ما جاءت واحتاجت شيئًا لا يتوافق مع أيامهما
-فراس
قالتها بنبرة استجداء كانت أقرب لقلبه من أذنيه، وسرعان ما اقتربَ منها قائلاً بلهفه
-ماذا هناك؟ لم جئتِ إلى هنا في هذا الوقت؟
هزت رأسها نفيًا وفضلت الصمت على أن تتحدث، هذه المرة لا تعرف كيف تبث حزنها أو تصفه بالكلمات، رفعت عينيها له وبقيت تحدق فيه صامته ثم نزعت وشاحها عن ليظهر باقي وجهها فتتكامل اللوحة الفنية؛ عينيها الفضيتين مع نعومة ملامحها وكم يعشق هو هذا المنظر، وكم سلبَ عقله
-ما الذي حدث؟! أهم عائلتك مرة أخرى؟
تهرّبت بنظراتها منه ليفهم الإجابة دون حديث، يهلم كم مؤلم أن يكون الأهل هم السبب في تعاسة الأبناء، لا يكفون عن غرس مشاعر الكراهية واقتلاع الدفيء والحنان من قلوبهم، وفي حالتها هي هم الخاسرين!!.. كيف لا يعرفون قيمة تلك الجوهرة طيبة القلب بينهم!!.. تبًا لهم
-تعالي لنجلس
قالها فراس بهدوء وابتسامة طفيفة لتتخطاه نحو شجرة التفاح العالية تجلس تحت ظلها بينما هو يوقف الأحصنة قريبًا منه..
رأته وهو يتعامل مع فرسه كم بدا ذو هيبة قوية، يُجيد الترويض ويمتلك أبجديات الحنان، هنا أدركت صواب اختيارها وأنها ستنجو ما إن تكون معه، وعلى الصعيد ا لأخر أبصرت فرسها-ذلك الذي لم تجد له اسمًا بعد- لتراه حرًا طليقًا وكم تمنت أن تتحرر من وساوس عائلتها التي ستودي بمشاعرها نحو الهاوية
-هل تعرف إلى أي مقدار أحببتك يا بن الهاشمي وكم سأحبك بعد!!
نظرت له بأعين تفيض مما يعتمل في قلبها، هذه الفتاة قادرة على جذبه من أحلك الذكريات إلى نور عينيها الفضي، وهل يجرؤ أن ينشغل عقله إلا بها!
ردَ عليها وهو يعرف محاولتها لمداراة أمر عائلتها
-نعم أعرف .. هذان القمران الفضيان في عينيكِ لا يلمعان إلا بحضرتي فاعذريني إن تملكني الغرور قليلاً فبالتأكيد أنا مميز حتى تحبني الأميرة الرقيقة
وكم كان ماهرًا في تلقف حزنها، تعطيه دموعها ليحولها إلى لألئ فضية ، يستطيع بأقل كلمة أن يوصلها عنان السماء.. فقط هو!
أردفت بصوت مبحوح من فرط تدفق مشاعرها
-أعتقد أن الأربعة وعشرين قيراط أخذتهم فيك أنت وسليمان
تغاضي عن جمعه في جمله مع جدها هذا الذي يأخذ من تفكيرها، لكن مهلاً ستكون له في النهاية...!!
هتفَ محاولاً الحفاظ على ثباته
-حسنًا إلى الأن لم أعرف ما الذي حدث؟؟
استجمعت شجاعتها بدورها وأخذت تقص عليه ما حدث من كلمات والدتها المسمومة و حديث أخيها القاتل، كان يستمع ولم يدرِ بقبضته التي بدأ يكورها كأنه سيقوم بلكم أحدهم، لكنها هي لاحظت العضلة التي اختلجت بفكه لتقول به بعدما انتهت
-لكنني قد تعودت على هذا أخش أن أفقد أعصابي في مرة وأقول ما لا يصح.. ففي النهاية هم عائلتي
غمغمَ بفتور انقلبَ إلى سخرية
-أخبرهم علّكِ ترتاحين ويعرفون حقيقة ابنهم المُبجل
لكزته في كتفه لتقول
-لا تقل هذا إنه أخي في النهاية
ابتسم بسخرية وقد بدأ الغيظ يتملك منه
-نعم لم لا تقولين له هذا؟؟ ألم يكن هو من بدأ بمضايقتك من الأساس؟؟!
أطبقت ذراعيها لصدرها، ثم هدرت بشموخ
-أخذت حقي في النهاية
زمَّ شفتيه ولم يُجب لتتحول ملامحها من الثقة التامة إلى الحزن الشديد، فما بداخلها لو تحدث عنه لن تستطيع الكلمات احتواءه
-ما الذي سأفعله يا فراس، هو سيظل أخي ولن أجني شيئًا من فضيحته خاصة جدي سيلقي باللوم على أبي وأمي ويكفي أنهما...
-أنهما ماذا؟؟ يحبان أخاكِ أكثر منك صحيح!!
استوعبَ ما قاله للتو ليغمض عينيه حتى لا يرى نظرة العتاب في خاصتها، زفرَ بضيق ثم فتحهما ليقول بنبرة هادئة، نادمة
-أنا آسف يا بنون لم أقصد
ونفس ذات الشخص الذي يوصلها عنان السماء يستطيع أن يجتذبها مما هي فيه ليلقيها أرضًا، لم ترفع بصرها حتى لا تتأثر بنظراته واكتفت بتمتمة بسيطة تعلمه برحيلها وهي تتجه نحو فرسها
- سأرحل
-بنون
قالها ليستجديها بينما لم يقابله سوى الغبار الذي خلّفته خلف فرسها يخبره كم آلمها!!

******
رجعت إلى منزلها تجر أذيال الخيبة وتحتضن المرارة بحلقها، تشعر أنها تسرعت قليلاً في خوض هذا الحديث وإن كان ليس بكثير مع فراس، ما كان ينبغي لها أن تعري روحها أمامه إلى هذا الحد.. ربما يظنها الآن ضعيفة الشخصي، لا يدري أنها ليست بهذا السوء المطلق الذي يخولها للشكوى لجدها عن أفعال والديها وأخيها.. وإن كان هذا مقصده من الحديث والتلميح أنها مُهمشة!
دخلت إلى البهو الخالي واجدة نفسها وحيدة بين أثاثه، زفرت ثم تقدمت نحو السلالم الخشبية العتيقة لتصعدها سريعًا ممسكة بطرف عباءتها السوداء القاتمة وقد تخلت عن الوشاح الذي يُخفي نصف وجهها، تقدمت من غرفتها الواقعة بجانب غرفة جدها والآن فقط لا تريد أن تراه حتى لا يستشف حزنها وتضطر للكذب.. وتكون أول مرة
حقا؟! .. أول مرة!!
أليس مقابلتك لابن الهاشمي كذب؟
تسللك في الليل عندما يقف تحت نافذتك والجميع نيام أليس كذب وخيانة؟!
بالله ما من كذبة لم تفعليها حتى وإن لم تُقال
بسطت كفها على جبهتها علّها تخفف من وجع رأسها الذي احتدَ فجأة، استدارت لتبحث عن مسكن لتتفاجأ بمن أمامها يخبرها بنبـــرة حادة
-هل بكيتي لابن الهاشمي أم ما زلت بعض الدموع عالقة بمقلتيكِ!!
الطريقة التي قيلت بها العبارة والكلام الذي تلاها هو ما جعله يستشيط غضبًا ويأكل الطريق أكلاً نحو منزله، لقد تجرأت وتهجمت على والدته دون أي حياء أنها امرأة كبيرة وزوجة عمها.. يبدو أنها تعودت على قلة تربيتها حتى أصبحت تمارسها على أفراد منزلهما العتيق...
تبًا ..سيريها تلك الوقحة
-سلطان إلى أين؟
خاطبه ابن عمه ليتجاهله مكملاً الطريق ليضطر فراس أن يقف أمامه
-لم أنت مسرع هكذا؟!! اهدأ وأخبرني ماذا حدث
-ابتعد يا فراس من أمام وجهي
نطقَ من بين أسنانه وجُل ما يجول بمخيلته هو شعر رابحة الطويل الملفوف على ذراعه وهو يجرّها أرضًا، كان يهرول كأنه لن يلحقها إذا ما فعل.. وكلما اقتربَ من المنزل كان الغضب يتأجج داخل صدره بضراوة
وهي على الجانب الأخر كانت تقف أمام خزانتها وقد أخذت قرارها، لا مزيد من العناد، ستحاول أن تحد من تصرفاتها فقط لأجل حديث جدتها الهادئ الذي لمسَ قلبها فقد بلغَ موضعًا لم يبلغه أحد من قبل...
فاطمة الوحيدة من تعرف رابحة على سجيتها وأن الشر المُطلق الذي تتحدث به ما هو إلا (رد لكرامتها) المهدورة من قِبَل الجميع ومن بدأ هذا... جدها
انتفضت على صوت الباب وهو يُفتح بهمجية حتى أنه ضربَ الحائط ثم ارتدَ على جسد سلطان الذي اقتربَ منها والنيران تستعر داخل مُقلتيه السوداوتين وزادَ الأمر جملته التي تلت قربه وهو يُمسك ذراعها بقسوة
-أمي لا يا رابحة.. عند هذا الحد وأنا من سأقف لك ولن أتوانى عن ضربك، هذه فرصتك الأخيرة استغليها جيدًا لأن صبرك قد نفذ من عندي ..
انتقلَ كفه من ذراعها إلى ذقنها ليقول بصوتٍ مكتوم غضبًا ونظرات قاتمة
-احذري مني يا رابحة لأني لا أطيقك هذه الأيام... المرة القادمة لن أستطيع السيطرة على نفسي وربما أقتلك... فاحذري
-هل سمحَ لك جدي بالدخول لغرفتي؟ لو علم الآن ما الذي سيحدث يا سلطان؟ أنا لا أريد أن يُقال عليك كلمة هكذا أو هكذا لأن لك سمعة وأنا أخاف عليها
صبغَ البرود نبرة صوتها فبدت غير مهتمة بتهديده أو دخوله الهمجي الذي أفزعها لدقائق ثم عادت تتلبس ثوب شجاعتها قاطعة عليه طريق الانتصار مُعيدة إياه لنقطة الصفر مرة أخرى
استفزته نبرتها فتركَ ذقنها بل اللفظ الأقرب أنه ألقاها غير مهتمًا بجسدها الذي ارتطم بباب الخزانة فجُل شغله الشاغل هو أن يذيقها بعضًا من غضبه حتى تهبط عزيمتها الثائرة قليلاً .. ولكن هيهات!!
-أنتِ شخصية مستفزة لأبعد درجة
-وأنت ظالم إلى بعدٍ لا تعرفه أنت ولا يعرفه أحد
غمغمَ بنفاذ صبر بينما يغمض عينيه
-لا تتحديني يا رابحة فأنا لا أتحكم في غضبي
رفعت حاجبيها وأجابت بهدوء كأنها المتحكمة في الأمر
-وأنت لا تثير استفزازي لأن ليس لدي ما أخسره سوى واحدة.. وهي ستقف في صفي أيًا كان الأمر ... حفظها الله لي وأخذَ من عمر الذي أكره وأعطاه لها
كانت تعني كل كلمة تقولها، بل داخلها هو الذي تحدث وشفتيها فقط كانت لها مهمة تنظيم الأحرف لتنطلق نحوه بهذا الشكل المؤلم والمخذول، لكنه لم يصله المعنى صحيحًا بل أدانها اكثر من كونه دفاعًا أو أنها احتماء بشخص ليس بينهما الآن، فما كان منه إلا أنه ضحكَ عاليًا ضحكة بعيدة تمامًا عن المرح ثم توقفَ عنها وهمسَ بصوت مخيف
-جدتك صحيح!! لن يستجب الله لدعائك طالما أنكِ جاحدة
احتدت عسليتيها بشراسة ثم اقتربت من وهي تدفعه في كتفه بينما هو لا يشعر إلا لما تفوه به وندمَ عليه لحظيًا
-هل دعوت على جدتي للتو!! جدتي هي الحسنة الوحيدة التي تمتلكها هذه العائلة وتميمة الحظ ببركة دعائها .. ليأتي عديم النفع مثلك ويدعو عليها!!... ليأخذ الله من عمر أبي وجدك وعمرك ويعطيها يا سلطان إن كان هذا يريحك
كانت تتكلم بحدة وشراسة وقهر!!
فكلام سلطان على جدتها حتى وإن كان لا يقصده فهو أيقظَ لديها شعور الفقد من جهتها لوهلة وهذا ما لم تتقبله تمامًا... ففي اللحظة التي ستفقد فيها جدتها لن تكون قادرة على متابعة حياتها مرة أخرى بشكلٍ او بآخر
وهو وقفَ يرى انقباض ملامحها وجسدها الذي ينتفض إثر غضبها الشديد لما قاله، ورغم أنه يحب جدته ويُكِن لها مكانة خاصة داخله إلا أنه أدركَ بفطنته أنها تقصد جده وهذا ما أثارَ حفيظته تجاهها، والآن الأمر لم يطل جده فقط بل طال أبيها وهو..
وفي غمرة تفكيره لم ينتبه لدمعتها التي زارت خدها الأيمن ثم تبعها البقية كأنهن يؤازرنها في عملية انتحار الدموع الجماعية من العينين العالية إلى الأرض السافلة، وعندما رفعَ عينه تفاجأ بحالتها فاختفى الغضب داخله بل حلَّ محله الهدوء ليقول بتساؤل خطير
-هل ستكونين سعيدة إن مات أحد الذين دعوتِ عليهم للتو
ردت عليه بقوة وإصرار وهي تنظر داخل عينيه دون خوف
-جدًا... سأكون أكثر من سعيدة لأنني سأ...
قطعت كلامها ولم تسترسل فيه حتى لا يعلم ما تُعاني داخليًا يكفي أنه يشهد إهانتها كل يوم على يد أبيها وجدها، فاكتفت بإظهار سعادتها لكنه لحقها بفضول
-لأنكِ ماذا؟
أدارت ظهرها إليه بينما ظهرَ الارتباك أكثر على ملامحها، فأخذت نفسًا عميقًا وأغمضت عينيها وازدردت ريقها لتُجلي حلقها وتتفوه بخفوت بـ:
-لا شيء .. بل لا يخصك
كالعادة كانت تتسلح بشراستها أمامه بالذات، أما هو ففهم أنها لا تريد خوض التفاصيل وهو اكثر ما يعرفها!!.. لكن شيئًا ما داخله أراد أن يعرف ما الذي تشعر به، وكيف تتصرف بعدها كأن شيئًا لم يحدث بل تتصرف كأنها هي التي أحدثت الضرر بهم وليسوا هم!!
فقط لو سردت جملة واحدة مما تشعر به لربما عرفَ بما تعاني داخليًا ولا تظهره، تحتفظ به في جعبتها حتى وقتِ مناسب، أو لأوان موت أحدهم فلا تُسامح
استمعَ لشهقتها المكتومة فلفظَ اسمها بلاوعي
-رابحة
-اخرج يا سلطان اخرج.. لكن اعلم أنني لم أقصد الدعاء عليك أنت..
بُهت لحظيًا مما سمعَ فهي لم تقصده واستثنته لكنها قصدت أبيها وجدها وهذا في عُرفه لا يصح.. لكنه لم يشعر بمرارة ما تتعرض إليه كل يوم وعلى مرآي ومسمع الجميع الذي لا يتدخل فيهم أحد سوى جدتها..
-رابحة.. اسمعي قليلاً جدك وأبيكِ يفعلون هذا لأنهم يروك تخرجين عن طواعية القوانين المفروضة وتختلقين المشاكل حيثُ تطأ قدمك فتفهمي هذا أو ابتعدي عن المشاكل
صمتت بعدما استمعت لحديثه وقد أصابَ قلبها الخذلان مرة أخرى منه، رغم نبرته الهادئة لكنها لمحت التقريع بين ثناياها وهذا ما أحبطها وبدد أمالها، وبعد أن كانت فكرت بأن تسرد له الحقيقة وما يحدث معها بأنها لا تفتعل المشاكل وكل ما يحدث إما صُدفة أو شر خنساء الذي توقعها به.. فهي فتاة جميلة عنيدة... سيئة الحظ
لكنها اتخذت قرارها في اللحظة الأخيرة وأردفت وهي مازالت على وضعها غير مُدركة اقترابه من ظهرها فلو كانت التفتت لقابلها صدره والذي بالتأكيد لن تتركه قبل أن تبكي عليه وتسرد
كانت فقط التفاته...
تمنع ما سيأتي .. وتطمس ما مضى
التفاته لو كانت فعلتها لكان الوضع مختلف تمامًا
لكنها "فتاة سيئة الحظ" لم تُبصر تميمة سعادتها في غُمرة تغشي عينيها بالبكاء
-اخرج يا سلطان .. أنت لا تفهم
زمجرَ بقوة على عنادها واستسلامها لأفكارها المجنونة لكنه احترمَ رغبتها وأسرعَ بالخروج لأن وقفته ستجلب له الكثير من المشاكل فهو استغلَ عدم وجود جده وعمه وانطلقَ يعميه ما خنساء عن والدته
أما هي أفلتت دمعتين أخيرة من عينيها عندما استمعت لصفق الباب وتمتمت بحسرة
-أسفة جدتي ربما سأحنث بوعدي معك
***********

حينما يتمكن الكره من القلب لن يقتلعه سوى حُبٍ أقوى منه أو على الأقل بعض المودة واللُطف، فالمواقف الجيدة لن تُكلفك شيئًا بينما الكره هو ما يجلب كل عناء
اهتزَ جسدها وهي تقف أمام الشرفة تُبصر سيارة جدها تشق طريقها نحو باب المنزل، شفتاها ترتجان بعنف وهي تحاول أن تحد من حركتهما الزائد بوضع أصابعها عليها علّها تهدأ، لكــن مساعدتها لنفسها كانت مُحالة فكل خلية منها تضج بالخوف، انتفضت على يد توضع على كتفيها وتدلكهما برفق وسرعان ما أدركت أنه سالم زوجها.
كان يعلم أنها لا تحب وجود جدها في المنزل لكن ما الذي بيده سوى أن يُطمئنها ويخبرها أن كل شيءٍ بخير، رغم قلقه الداخلي والذي يؤرقه، فالمعادلة اكتملت أطرافها جده زائد سفر لمصر يساوي مصيبة ستقع فوق رؤوسهم بكل تأكيد... فقط سينتظر أن يتم إعلان الأمر
-هل تعرف متى سيزول القلق وتحل السكينة قلوبنا عندما يكون أكثر مطالبنا هي أتفه الأشياء.. "ازدردت ريقها ثم أضافت" أو عندما يموت جدك
هزَّ سالم رأسه نافيًا وأدارها إليه ليقول برزانة
-لا تدعي على أحدٍ يا بدور ربما تصيبك الدعوة قبله؟، فقط نحن نحتسب!
-لقد دمرَ حياة عدي ورابحة وكان سيدمر حياتنا معًا ترى من سيكون القادم!! لا أستثني سلطان من مخططاته الظالمة .. لم لا يتركنا بحالنا!
زفرَ بضيق ثم وضعَ يده على جبهتها ودلكها بقوة ثم عاد ليقول برفق لا يخرج سوى معها خاصة وإن كان الحديث عن جده الحبيب فلن يحتمل من أحدٍ غيرها
-أصابعك ليست مثل بعضها يا بدور وها نحن الآن متزوجان وعندنا ابنة وسيرزقنا الله بولد بإذن الله.. وبالطبع أنتِ.. لذا لا تفكري كثيرًا هم ليسوا صغارًا حتى يرغمهم وكما ترين.. عُدي قد ثارَ عليه ويعيش أجمل أيام حياته مع زوجته، وها أنا من تزوجتك
أدمعت عيناها ودون إرادة منها تحدثت بصوتٍ أوشكَ على البكاء
-ورابحة يا سالم؟! لم أسقطتها من حساباتك! لطالما كان يكرهها ولهذا حرمها من التعليم وممارسة أقل حقوقها ألا وهي أخذ الشهادة!
-والدك أيضًا مانع اكمالها لأنها سببت الكثير من المشاكل في وقت دراستها الذي قضته
أردفَ في محاولة لتهدئتها لكنه لم يزد الأمر إلا اشتعالاً خاصةً عندما هدرت
-لأنه يسير خلف أبيه دون معرفة ما يحتاجه أولاده، هو بالكاد يعرف أننا متواجدون في حياته.. اسأله هكذا عن أعمارنا؟؟ لن يستطيع أن يُجيبك يا سالم.. لن يفعل... كم أحتقر نفسي في كل مرة أسأت معاملتها أو فعلت شيئًا خاطئًا وهي تلقت العقاب بدلاً عني ووقتها لم أشكرها بل زدت الأمر عليها وانتقدتها أو أظهرت عدم احترامي... الخير الذي فعلته لي لم تأخذ ثمنه بل دفعت عليه غرامات متعددة
النبرة التي كان تتحدث بها كانت عميقة، مبحوحة، صاحبتها كانت تقاسي لسنوات ولهذا لمّا انفجرت كانت بمثل هذا الضعف والخفوت، قوتها فقط تكمن في قدرتها على البوح بالأمر دفعة واحدة .. تطلبَ سنواتٍ منها لفعل ذلك، ولكن حتى هذه الخطوة لم تفرحها كثيرًا، فالبوح لم يكن سوى لزوجها أي -نفسها-، ولذلك أمامها شوطًا طويلاً وقدرًا من الشجاعة حتى تُعلم جدها..
-تبًا
هذا كل ما أنفقه من حروف وهو يراها أجهشت ببكاء لن ينتهي إلا بسرد أكثر الذكريات المريرة، التفت يده حولها داعمًا ومحبًا، يتمنى أن يأخذ حزنها في قلبه ليبكيه وحيدًا ولا يعرف أنه فقط بهذا الاحتواء قد حفرَ ما هو أعمق داخلها وجعل بكاءها يخفت شيئًا فشيئًا بعد بضع دقائق قليلة..
-كل شيءٍ سيكون بخيـــر
ارتفعَ رأسها من على صدره لتغمغم بجمود مُضيقه عينيها
-أدعو كل يومٍ ألا تطولك يد جدك بسوءٍ .. لن أحتملها يا سالم، لن يهدمك فقط بل سيهدم حياتنا بأكملها وحينها سيتوجب عليك المثول لأمره الذي يشملني... وربما لن أغفر
أمالَ رأسه قليلاً وقد كان سيسألها عما قصدت لأنه لم يدرك فحوى كلماتها المتباعدة لكنها قد أراحت رأسها على صدره مرة أخرى تاركةً له زمام الأمور كي يهدهدها
الأمر لم يكن أبدًا في القرار المُتاح بل الفرض المُطلق له وكأن الجميع يسير تحت أمره ووفق أهواءه هو "كامل"، فقط هذا الفرض هو ما يؤرقهم ويبعثر عائلتهم في شتى بقاع البيت رغم أنهم في مكانٍ واحد لكن القلوب متفرقة وتأبى العودة
تنهدَ مليًا، يده خلف رأسه وعيناه مثبتتان على السقف بتفكير وهي نائمة بجانبه بعد بكاءٍ طويل بثت خلاله كل ما يؤرقها، بل ألقته على عاتق زوجها والذي بدوره تلقفَ حزنها بغيــة انقاصه منها..
وضعَ يده على ذراعها عندما وجدها تنتفض في نومها كمن أصابها مس، وهنا المس كان غابة مُظلمة تكاثفت فيها الأشجار وتشابكت أغصانها، لا يُسمع فيها سوى صوت عويل الذئاب وهديل البوم، كانت تجري بأقصى سرعة لها ترفل بفستانها الأبيض وابنتها عالية تقبع على كتفها نائمة في سبات تمنت لو هي فيه الآن.. وصلت لنهاية الغابة لتجد أنها تطل على منحدر شلالي على بعدٍ كبير من السطح الذي تقف فيه هي.. تأرجح الخوف ليختلط بدمائها وازداد الأدرينالين جاعلاً من نبضات قلبها أرضًا خصبة يُقام عليها سباقات أعتى الأحصنة!
صرخت عاليًا عندما لم تجد عالية بين يديها وتحولَ الخوف إلى ذعرٍ تام عندما وجدت نفسها في عباءة سوداء تفوق حجمها وأكثر وللعجب مُلطخة بالدم الذي نادرًا ما يظهر على اللون الأسود.. سمعت صوت حفيف أرعبها أكثر؛ فنظرت أمامها لتجد حية كبيرة تقترب منها وتنظر لها في عينيها بتبجح شديد، تخبرها أن تقاوم هزيمتها وتقلبها انتصارًا.. لكن هذا محال!، خاصةً وهي تفتح فمها استعدادً لابتلاعها..
-اهدأي اهدأي أنتِ هنا بين ذراعي لم يحدث شيء أنا هنا
احتضنها بكلا ذراعيه، يحتويها ليس جسديًا فقط بل نفسيًا، يسحب منها أحلامها السوداء ويودعها ذكريات تورد بعقلها، التقطَ كوب المياه الموضوع بجانبه ثم سقاها إياه بأكمله فمن ارتجافها الهستيري لن تستطع أصابعها أن تلتف حول الكوب لتمسكه، لكنها كانت أقوى من كل هذا وهي تطلب مساعدته، تقبض على كفيه وتستلقي على صدره وتشهق دون بكاء، يوازي كل هذا تنفسها السريع ونظراتها الضائعة في الغرفة.. تبًا!! أول مرة تحلم بمثل هذه الأشياء!، وكما عرفها الجميع أحلامها رسائل وهي دومًا المُتلّقي حتى لو لم يتعلق الأمر بها
-ما الذي رأيته لتكوني بهذا الشكل؟!
سألها بحذر لتُجيب بشرود والرعب مازال يدب بأوصالها ولا يتركها
-حية بشعــة.. سوداء!.. عينيها ... عينيها .... لا أستطيع
قالتها وهي نظر في عينيه باستجداء، كانت رسالة واضحة لرجلها الخارق أن يدخل لعقلها الباطن ويجتث الحلم منه بلا رجعة ويبعد عنها تلك الحية الكريهة إلى الأبد!، وما كان منه إلا أن احتضنها أكثر يبث جسدها البارد دفئًا هربَ منه ولم يعد
لا تعرف ماهية تفسير حلمها إلا أن شيئًا سيئًا سيحدث!!.. وربما هذه الحية أو الثعبان على قدر معرفتها قد يكون له علاقة بجدها!!.. هذا ما كانت تفكر به قبل أن تغط في نوم عميق بين ذراعيه
بينما هو يخاف أن ينغص حياتهما شيء أو تفقد حملها بسبب نفسيتها الغير مُستقرة وحدسه هذه المرة يُنبئه أنه ولد ... ويا لفرحته !!
*******
في غرفة سلطان
كان يقف أمام النافذة يحدق بها صامتًا يصيب قلبه بعض الندم فيدحض نموه قل أن يأكل قلبه بأكمله، وللحقيقة ليس بنادمٍ على ما فعله برابحة .. إن كان عليه فهي تستحق أن يكسر رأسها الصلب هذا لكن المبدأ نفسه لا يحبه.. هو لا يضرب النساء وليس من أنصار الرجال اللذين يفعلون ذلك، لطالما كان في قراره نفسه يمن بأن هناك أكثر من طريقة لتهذيب المرآة إن كانت نشاز وبفاعلية أكبر من الضرب!!
لقد صارت تستفزه وهو يستجيب لها دون أن يعرف، المـــرة القادمة التي ستقترب من محيطه لا يعرف ما الذي سيفعله، لربما يقتلها ويخلّص العائلة منها... لكن ما ذنب والدتها المسكينة؟! وأخيرًا لم لم تكن مثل أختها بدور؟؟ طيبة وهادئة وتحب زوجها وتطيعه والأخر يحملها على كفوف راحته ويخاف عليها من لفحه هواء!!
يجب أن يكون في كل عائلة ضلع أعوج يصيب الجميع بحالة من الانزعاج والضجر وللأسف عليهم تحمل ذلك طالما هو فرد من العائلة
لكن تذكرَ أخر الحديث معها ليصيب قلبه شعورًا آخر .. وهو الشفقة!!، لا يستطيع الجزم أن ما يشعر به هو شيء عابث أم أنها تستحق هذا الشعور الذي ولدته داخله، لطالما كانت بارعة في افتعال المشاكل وتعكير مزاج الآخرين.. لم لا تكون كذلك في بث الشفقة لديهم!!
قطعَ تفكيره المشوش جملة فراس التي قيلت على غفلة منه ومن دخوله
-سلطان لقد أتى جدك بالأسفل ويريدك ..
ما إن سمع صوت فراس حتى استدار ليراه يقف بتحفز عند الباب، بالتأكيد فمن سيدخل عليه دون أن يطرق غير ابن عمه المتبجح؟، تمتمَ بقبول ليتوجه نحو الخزانة حتى يرتدي العباءة ولفافة رأسه ليستمع إلى صوت فراس الحذر قائلاً
-هل ما زلت مصممًا
نطقَ سلطان بابتسامة متسعة وعينيه تتوقفان في الفراغ وكأنه أصاب منطقة معينة في ذاكرته قد نسيها
-للغايــة وقد زاد تصميمي أكثر
اقتربَ فراس من هاتفًا بغيظ
-إحياء الماضي سيضر أكثر من طمسه فلا تسلك طريقًا لستَ براعٍ فيه.. ستتوه أغنامك
أغلقَ سلطان الخزانة دون انتقاء شيء ثم التفتَ لابن عمه قائلاً بإصرار
-لا يا فراس خطأ.. طمس الماضي ودفنه لن يجلب سوى غصة ستجرحك ما إن تتذكر ... الذكريات إما أن تجلب السعادة بانتقامك أو تحفر قبرًا من الحزن بتخاذلك.. وأنا لست هكذا ... تعرفني
قالَ جملته الأخيرة بنظرة ذات مغزي، جعلت الأخر يغلق عينيه للحظة ثم يعود لفتحهما وتتحرك شفاهه لقول شيء لكنه عاد يطبقها من جديد ليمر به الإدراك لاذعًا بأن الفكرة قد ترسخت داخل عقله وانتهى..
كان فراس وصلَ إلى باب الغرفة ليهتف بصوتٍ هادئ مفتقد للانفعال السابق
-اعتبرها نصيحة من أخ يخاف عليك.. أنت لا ترى الأمور من وجهة نظرك بل من وجهة نظر جدك.. وهذا لن يضرك بل سيجعلك تعيس.. إذا ما اعتبرت التعاسة ضررًا!!
ثم تركه ورحل..
لوهله اتقدَ جسد سلطان بالنيران، اندلعت تحت جلده كأنها تخبره أن كلمات فراس تمكنت منه هذه المرة، كانت وهلة جعلته يعود لهدوئه ليجد نفسه ما زال يقف في منتصف غرفته متأخرًا على جده الذي بالتأكيد في انتظاره.. وهو أكثر شوقًا لرؤيته
******
هذه العيون لا تبكي، وهذا القلب لا يحزن.. وهذا العقل لا يتوقف عن العمل والتخطيط
يجلس بهيبته المعهودة، شعره الأبيض متواري أسفل عمامة بيضاء ملفوفة بحرص، عينيه غير مثبتتين على شيء بل فقط تجولان في المكان كأنها تبحث عن خطئٍ حتى تنتقده، الهالة المحيطة به تخبرك كما عاش هذا الرجل تجارب عديدة أكثرها كانت مؤلمة جعلت منه صلدًا تهابه العواصف، هو ليس بساحرٍ أو مشعوذ لكــن كلمته تسير دون مناقشة هذا البند غير مطروح لتابعيه، كان طوله فارعًا وجسده ضخم لكن الفواجع أحنت ظهره والزمن اقتصَ من جسده..
ولم يكن لشكله فقط الهيبة بل عقله الداهية والذي تشكلَّ بحكم الظروف والعادات جعلَ منه بأسًا شديد الثبات لا يهتز من رياح ولا يُقتلع من عاصفة..
-أهلاً يا جدي لقد شرفتني باستدعائك لي
قالها سلطان بنبرة هادئة رزينة كعادته في الحديث مع جده وخصوصًا استقباله، هذه المرة كانت مختلفة وكان ينظر له نظرات ذات مغزى يحفظه سلطان عن ظهر قلب ويبادله بأخرى واثقه كأنها قد حققت النصر!
-سلمت يا سلطان
ابتسمَ كامل ابتسامة لم تصل لعينيه، مُقلتيه كانتا مشغولتان في تفحص حفيده إذا ما وجدَ نظرة تردد أو تراجع لكنه لم يجد!!.. يبدو أن سلطان أكثر تحمسًا منه على كل حال
والأخير كان قد سبرَ أغواره من حركات جده المتململة ليتحدث بنبرة حذرة مترقبة كأنه يخبره بقراره النهائي
-متى سألتقي به يا جدي؟
أخفى سلطان اعجابه ثم قالَ بتأني
-قريبًا جدًا يا سلطان لا تستعجل الأمور خاصة هذه.. تحتاج إلى نارٍ هادئة وقلبٍ من حجر حتى تستطيع المواصلة" صمت وهلة ثم تابع بتشييد" ولهذا اعتمدت عليك
أسبلَ سلطان جفنيه متلقفًا المدح الخفي ليقول بثقة لا تليق بسواه
-لا تقلق يا جدي أنت تعرفني جيدًا.. و ثأرك هو ثأر العائلة بأكملها ويسعدني أن أكون من يأخذ شرف الثأر
أومأ كامل دون أن ينبس ببنت شفه فقد شردَ في حديث سلطان كأنه مرَّ عليه قبلاً، نفس النبرة ونفس الطريقة!! حتى ذات العنفوان والاسم..
عادَ إلى واقعه وسلطان يستقيم من جلسته هاتفًا قبل أن يخرج من المجلس
-سأحاول اطلاعك على ما سأفعله خلال الأيام القادمة لأنني سأسافر
استطاع كامل رؤيته متحفزًا ومتحمسًا وهذه ما شجعه هو الأخر على اختياره لتلك المهمة الصعبة والتي لن تجلب سوى راحة قلبه أو ربما تفتح النيران عليهم، وبالرغم من ذلك أحبطَ مخططاته وهو يتشدق برزانة
-لا ستبقى حتى يوم الجمعة هناك أمرًا يجب أن نناقشه في مجلس العائلة
"مجلس العائلة؟!" رددها سلطان بخفوت، ليومئ بعدها بصمت، حسنًا على الأقل ليس المجلس الكبير الخاص بشؤون القبيلة لظن أن هناك مشكلة قد سقطت فوق رأسه مرة أخري كمشكلة ذيـّاب
وهو يريد أن يُصفي ذهنه تمامًا هذه الفترة حتى يستطيع التركيز على ما سيفعله، لكن "مجلس العائلة" أيضًا يجلب في نفسه القلق فالمشكلة هنا ستكون قريبه منه وفي عُقر داره لذا المصاب سيكون أعظم
وجدَ جده وقد عادَ لشروده مرة أخرى فاستأذن منه ليخرج والأخر أجابه بهمهمة لم يسمعها سلطان
وضعَ كامل يده فوق عصاه وأسندَ وجهه عليها وأغمض عينيه.. فقط لدقائق كان يسبح بذكرياته مع ابنه المفضل وهو يأمره بشيء أو ينظر لوجهه، يناقشه في أمرٍ ما أو يزجره لأنه لم يقم بذلك الأمر كما يجب!!..
كم يفتقد تلك الأيام، ولحظاتها التي تمكنت من حفر خندقًا في قلبه لتردم عليه وتبقى مُعلّقة بعضلاته، كان ابنه المفضل وأقرب شخصٍ له، من يُطيعه ويسير حسب أهواءه وإن كان يناقشه كثيرًا ولكن هذا لأنه يشبهه!
كان هذا "سلطان" ابنه الذي مات ......







*سارة عاصم* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-09-21, 10:46 PM   #23

ملك علي
 
الصورة الرمزية ملك علي

? العضوٌ??? » 475418
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,362
?  نُقآطِيْ » ملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond reputeملك علي has a reputation beyond repute
افتراضي

برافو سارة فصل دسم للغاية مع الكثير من الأحداث المتفجرة و المثير من المشاعر المتفاوتة 💖💖💖
ما حبيت تسرع سلطان و مد ايده على رابحة من المفروض أن الرجال عندهم ما يدخلوا في أمور النساء ما حبيت ثورته بسبب أمه خاصة أنه يعرف أنها قادرة تأخذ حقها ثريا مش سهلة 🤨 جاك وجع في يدك بكيت رابحة هي ناقصة يا ابن السكري 🤦
فراس اتوقع ليلته سودة مع بنون بعد اللي حصل في المجلس ما اعتقد كامل المجنون يخليه يتزوجها ربنا يستر 🤐
كامل كرهت ابوك قبل ما اشوفه 😡 ايه دا يا شيخ منتهى التسلط و القسوة و الله فاطمة الرقيقة خسارة فيك 😡 و عندي فضول اعرف على شو ناوي مع سلطان باين يخططوا لمصيبة ربنا ياخذهم 🙄 إن شاء الله عملتهم ما راح تؤذي رابحة عاملين هو و سلطان مثل الكلب و ذيله 🤨🙄
المهم حبيبتي ما تطولي علينا و خلي الفصول طويلة هكذا قرأتها بتان كبير و كثري المواقف بين الصنم و المتمردة 💖💖💖💖💖🌹🌹🌹🌹🌹

Fadwa Touqan likes this.

ملك علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-09-21, 11:40 PM   #24

نووره

? العضوٌ??? » 482101
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 106
?  نُقآطِيْ » نووره is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، بداية قوية وأحداث مثيره ،،، الجد كامل والثأر بين سلطان وأخوه عدي،،، نهاد وقصتها مع والدها وعدي ،،،
ونهاية برابحة والقوة الظاهره وخلفهما قلب ضعيف هش وان شاء الله له من أسمها نصيب ،،، وين أخوها التعبان ؟؟
ننتظر الإكمال بشوق تحياتي 🤍🤍🤍


نووره غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-21, 01:37 AM   #25

Mrham

? العضوٌ??? » 406165
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 281
?  نُقآطِيْ » Mrham is on a distinguished road
افتراضي

سارة الفصل حلو جدا
اتعرفنا اكتر على الشخصيات
اولا رابحة حبيت ان مهما حاولو يكسروها فى هى فرس عربى اصيل مش بيتكسر لحد
حبيت شخصية الجدة فاطمة جدا حسيت انها جدتى انا كمان
سالم والكلمة الى قالها فارس لو مكنش عدى قال لا وعادى القبيلة واتنفى مكنش سالم اخد الى بيحبها وبقى مميز وذو حظوة عند الجد
تميم الاخ المتدلع الى بدل ما يكون سند بقى جلاد على اخته مسك عليها ذلة فاقد الرجوله والنخوه

الاحداث شدانى وحبيتها جدا


Mrham غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-21, 06:20 PM   #26

*سارة عاصم*
 
الصورة الرمزية *سارة عاصم*

? العضوٌ??? » 439475
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 261
?  نُقآطِيْ » *سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mrham مشاهدة المشاركة
سارة الفصل حلو جدا
اتعرفنا اكتر على الشخصيات
اولا رابحة حبيت ان مهما حاولو يكسروها فى هى فرس عربى اصيل مش بيتكسر لحد
حبيت شخصية الجدة فاطمة جدا حسيت انها جدتى انا كمان
سالم والكلمة الى قالها فارس لو مكنش عدى قال لا وعادى القبيلة واتنفى مكنش سالم اخد الى بيحبها وبقى مميز وذو حظوة عند الجد
تميم الاخ المتدلع الى بدل ما يكون سند بقى جلاد على اخته مسك عليها ذلة فاقد الرجوله والنخوه

الاحداث شدانى وحبيتها جدا
حبيبتي يا مراميرووو
والله تحسي إن رجالة القبيلة كلهم فيها العبر بس هنقول إيه كله هيتربى بما يرضي الله
وبصراحة أنا متشوقة للي رابحة هتعمله في أبو السلاطين


*سارة عاصم* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-21, 06:21 PM   #27

*سارة عاصم*
 
الصورة الرمزية *سارة عاصم*

? العضوٌ??? » 439475
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 261
?  نُقآطِيْ » *سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نووره مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، بداية قوية وأحداث مثيره ،،، الجد كامل والثأر بين سلطان وأخوه عدي،،، نهاد وقصتها مع والدها وعدي ،،،
ونهاية برابحة والقوة الظاهره وخلفهما قلب ضعيف هش وان شاء الله له من أسمها نصيب ،،، وين أخوها التعبان ؟؟
ننتظر الإكمال بشوق تحياتي 🤍🤍🤍
حبيبتي يا نوره تسلميلي والله <3

كلهم تعابين يا حبيبتي محدش فيهم سالك هههههههههههههههه


*سارة عاصم* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-21, 06:25 PM   #28

*سارة عاصم*
 
الصورة الرمزية *سارة عاصم*

? العضوٌ??? » 439475
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 261
?  نُقآطِيْ » *سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملك علي مشاهدة المشاركة
برافو سارة فصل دسم للغاية مع الكثير من الأحداث المتفجرة و المثير من المشاعر المتفاوتة 💖💖💖
ما حبيت تسرع سلطان و مد ايده على رابحة من المفروض أن الرجال عندهم ما يدخلوا في أمور النساء ما حبيت ثورته بسبب أمه خاصة أنه يعرف أنها قادرة تأخذ حقها ثريا مش سهلة 🤨 جاك وجع في يدك بكيت رابحة هي ناقصة يا ابن السكري 🤦
فراس اتوقع ليلته سودة مع بنون بعد اللي حصل في المجلس ما اعتقد كامل المجنون يخليه يتزوجها ربنا يستر 🤐
كامل كرهت ابوك قبل ما اشوفه 😡 ايه دا يا شيخ منتهى التسلط و القسوة و الله فاطمة الرقيقة خسارة فيك 😡 و عندي فضول اعرف على شو ناوي مع سلطان باين يخططوا لمصيبة ربنا ياخذهم 🙄 إن شاء الله عملتهم ما راح تؤذي رابحة عاملين هو و سلطان مثل الكلب و ذيله 🤨🙄
المهم حبيبتي ما تطولي علينا و خلي الفصول طويلة هكذا قرأتها بتان كبير و كثري المواقف بين الصنم و المتمردة 💖💖💖💖💖🌹🌹🌹🌹🌹
حبيبتي والله يا ملوكة تسلميلي لتشجيعك وكلامك الجميل زيك <3

سلطان في حضرة رابحة إيده سابقة تفكيره وده على غير عادته زي ما شوفتيه هو كان متأني في المجلس وحتى في الرد على فراس لكن هي بتنجح إنها تخرج منه الراجل البربري
والفصل فعلاً طويل ومليان أحداث أهوو وبإذن الله الفصول الباقية لا تقل طولاً بل تزيد
ومعانا ابن السكري وبنت دلال ههههههههههه


*سارة عاصم* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-21, 11:46 PM   #29

أسماء رجائي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية أسماء رجائي

? العضوٌ??? » 445126
?  التسِجيلٌ » May 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,618
?  نُقآطِيْ » أسماء رجائي is on a distinguished road
افتراضي

الفصل كان حلو اوي ياسارة..
أحداثه دسمة.. كتير ومشوقة بجد ياقلبي..
انا متشوقة لكل الحبكات وان شاء الله الجاي يبقى لطيف🙂🙂


أسماء رجائي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-21, 11:49 PM   #30

روزيتا ضياء

? العضوٌ??? » 490990
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 207
?  نُقآطِيْ » روزيتا ضياء is on a distinguished road
افتراضي

بجد الفصلين قريتهم وتحفة.. أحداث القبائل بحبها اوي وبتشدني وان شاء الله متابعة معاك لك مني أجمل تحية

روزيتا ضياء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
رابحة، سلطان، القبيلة، عادات، زواج، بالإجبار

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:16 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.