شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   منتدى قصص من وحي الاعضاء (https://www.rewity.com/forum/f38/)
-   -   رواية ما الهوى إلا لسلطان للكاتبة سارة عاصم (https://www.rewity.com/forum/t483837.html)

*سارة عاصم* 07-09-21 09:56 PM

رواية ما الهوى إلا لسلطان للكاتبة سارة عاصم
 
رواية ما الهوى إلا لسلطان

للكاتبة سار عاصم

رواية ذات طابع بدوي اجتماعي ورومانسي

https://k.top4top.io/p_2200piknu0.jpg

مواعيد التنزيل كل سبت الساعة 7 بتوقيت مصر بدءًا من يوم السبت القادم 11/9


اقتباس <3 أتمنى ينال اعجابكم

-ما الذي تفعلينه هنا يا رابحة تعلمين أن الوقت متأخر جدًا لتخرجي من الدار وتأتي إلى هنا وأنا وحدي !! أم لأن والدك وجدك ليسوا هنا رغبتِ ببعض الحرية والجرأة
اختضَ جسدها على إثر ذكر أبيها وجدها في جملة واحدة، لتظهر إمارات الغضب على وجهها بينما هو يرمقها بنظرات مشمئزة
يا إلهي كم يبغض تصرفاته الجريئة والتي تُشين لعائلتهم في معظم الأحيان، لا يراها سوى أنثى جامحة لا تروُض بل تستحق الحبس حتى تخفف من جنونها الذي يطول الجميع
نحّت شعورها الداخلي جانبًا ثم أعطته ابتسامة ساخرة عادةً ما ترتسم على شفتيها وفي المقابل تلقت نظرة غاضبة ومحذرة في آنٍ واحد وتتوقع في أي وقت أن يأخذها من ذراعها للخارج
لكنه لن يفعل… فمن سيراهم الآن وهي خارجة من عنده وهو يجرّها بهذا الشكل سيفهم أنها أتت لتغويه!!
وهذا لم يكن سببها… على الأقل ليس السبب الأول!!
أجلت صوتها لتقول وهي تنظر في عينيه غير آبهةً بنظراته النافرة
-أنا هنا لسبب معين سيد سلطان وليس لأنني أردت الإتيان حقًا فطالما بن عمي مقاتل مشهور في القبيلة لم لا أتعلم على يده القتال… أفضل من الغريب أليس كذلك؟
رفعت حاجبها في جملتها الأخيرة ومع انفراجة شفتيها المتحدية، وذقنها ذو طابع الحسن مرفوع بإباء كل هذه الأشياء أعطتها مظهرًا جذابًا أنثويًا زيادة أكثر مما هي عليـه، وابتسامتها اتسعت وهي تراه يقترب منها يقطع المسافة القريبة الفاصلة بينهم ويتوقف أمامها مباشرة كابحًا غضبه وحتى لا يفعل شيئًا يندم عليه
-قتال!!من الذي ستقاتلينه إن شاء الله؟
هزت كتفيها بلا مبالاة
-لا أحد معين من يضايقني
كوّر قبضته ثم تقدمَ منها وهدر من بين أسنانه
-اتقي شري في تلك اللحظة يا رابحة واذهبي للمنزل حتى لا أتصرف معكِ بشكلٍ يليق بكِ فلا تعتقدي أن لا أحد سيقدر عليكِ سأؤدبك بطريقتي ولن يقول لي أحد كلمة!
كان يتحدث بعنفوان كعادته ويرفع سبابته أمام عينيها كتحذير صريح تولدَ من غضبه الداخلي، وهي التقمت كلامه داخلها بصدمة لم تؤثر على ملامحها إلا طفيفًا، لكنها تألمت… معه كامل الحق… من سيقف أمام وجهه؟… لا أحد
والدها لن ينطق بكلمة طالما والده يريد ذلك وليس وكأنه يهتم فهي في نظره جالبة للمشاكل
وجدها "كامل الهاشمي" سيؤيد بشدة ما سيفعله سلطان بها فهي في نظره جالبة العار بسبب قوة شخصيتها وعدم رضاها على ما يحدث… كانت دومًا ناقمة على حياتها معهم فقط لأنها فتاة تُعامل مثلها كالجواري
خرجَ صوتها هذه المرة متسائلاً لا يُستشف منه نبرة محددة
-هل تفكر عني هكذا أيضًا يا سلطان؟






روابط الفصول

الفصل .. بالأسفل
الفصل الثاني
الفصل الثالث والرابع نفس الصفحة
الفصل الخامس ج1
الفصل الخامس ج2
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن ج1
الفصل الثامن ج2
الفصل التاسع ج 1
الفصل التاسع ج2 والعاشر نفس الصفحة
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر والتاسع عشر نفس الصفحة
الفصل العشرون
الفصل 21
الفصل 22









ملك علي 08-09-21 09:23 PM

سلام عليكم 💞
سعيدة جدا بأن اكون اول من يعلق و يعجب هنا 😍💖💖
اتضح أنني قرأت المقدمة بالفعل البارحة اعجبت كثيرا بشرارة النار بين الشخصيتين 🔥🤭 و صراحة شعرت بالاحباط لأن الرواية لم تنزل بعد 🙈 لكن خلاص ما دمت الكاتبة راح اتابع إن شاء الله أول بأول لأن واضح أن رابحة راح تكون مولعة الأحداث 🤭 و أنا و الشهادة لله أعشق البطلة المتمردة قوية الشخصية 😍 💖💖
بالتوفيق حبيبتي و إن شاء الله راح تكون رواية مليونية باصداء رائعة 👏🌹🌹🌹🌹🌹

سمكة البهلوان 08-09-21 11:38 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملك علي (المشاركة 15661120)
سلام عليكم 💞
سعيدة جدا بأن اكون اول من يعلق و يعجب هنا 😍💖💖
اتضح أنني قرأت المقدمة بالفعل البارحة اعجبت كثيرا بشرارة النار بين الشخصيتين 🔥🤭 و صراحة شعرت بالاحباط لأن الرواية لم تنزل بعد 🙈 لكن خلاص ما دمت الكاتبة راح اتابع إن شاء الله أول بأول لأن واضح أن رابحة راح تكون مولعة الأحداث 🤭 و أنا و الشهادة لله أعشق البطلة المتمردة قوية الشخصية 😍 💖💖
بالتوفيق حبيبتي و إن شاء الله راح تكون رواية مليونية باصداء رائعة 👏🌹🌹🌹🌹🌹

تسلميلي حبيبتي الله يسعدك❤❤❤❤❤❤❤ وده شيء يشرفني جدًا
وشكرًا إنك هتابعي رغم إن ده مش من عادتك .. مقدرة ده جدًا♥♥♥♥♥♥
ويارب رابحة المتمردة تعجبك يا بيبي😁😁♥

*سارة عاصم* 08-09-21 11:46 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملك علي (المشاركة 15661120)
سلام عليكم 💞
سعيدة جدا بأن اكون اول من يعلق و يعجب هنا 😍💖💖
اتضح أنني قرأت المقدمة بالفعل البارحة اعجبت كثيرا بشرارة النار بين الشخصيتين 🔥🤭 و صراحة شعرت بالاحباط لأن الرواية لم تنزل بعد 🙈 لكن خلاص ما دمت الكاتبة راح اتابع إن شاء الله أول بأول لأن واضح أن رابحة راح تكون مولعة الأحداث 🤭 و أنا و الشهادة لله أعشق البطلة المتمردة قوية الشخصية 😍 💖💖
بالتوفيق حبيبتي و إن شاء الله راح تكون رواية مليونية باصداء رائعة 👏🌹🌹🌹🌹🌹

تسلميلي حبيبتي الله يسعدك❤❤❤❤❤❤❤ وده شيء يشرفني جدًا
وشكرًا إنك هتابعي رغم إن ده مش من عادتك .. مقدرة ده جدًا♥♥♥♥♥♥
ويارب رابحة المتمردة تعجبك يا بيبي😁😁♥

ملك علي 09-09-21 02:47 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة *سارة عاصم* (المشاركة 15661487)
تسلميلي حبيبتي الله يسعدك❤❤❤❤❤❤❤ وده شيء يشرفني جدًا
وشكرًا إنك هتابعي رغم إن ده مش من عادتك .. مقدرة ده جدًا♥♥♥♥♥♥
ويارب رابحة المتمردة تعجبك يا بيبي😁😁♥


لا من ناحية عجبتني فأنا وقعت فيها و في سلطان بعد اللي شوفته 🤭 و يا ريت ما تعذبيها كثير 😅
بالتوفيق حبيبتي و في انتظار التنزيل على أحر من الجمر 🌹💖💖🌹💖💖🌹💖💖🌹

*سارة عاصم* 10-09-21 10:42 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملك علي (المشاركة 15661993)
لا من ناحية عجبتني فأنا وقعت فيها و في سلطان بعد اللي شوفته 🤭 و يا ريت ما تعذبيها كثير 😅
بالتوفيق حبيبتي و في انتظار التنزيل على أحر من الجمر 🌹💖💖🌹💖💖🌹💖💖🌹

حبيبتي بتمنالك الخير كله ❤❤❤❤❤❤❤

*سارة عاصم* 10-09-21 10:47 PM

اقتباس 2
هذه السماعة رائعة
همست لنفسها بانبهار لمسها من الداخل وهي تلمس الجزء المطاطي منها لتتفاجأ بصوت والدتها الحاد
-بنون!! ابتعدي عن سماعة أخيكِ هذه ليست للعب ثم أنكِ لم تغسلي يدك بعد أن جئتِ من الخارج مع فرسك الملوث.. فرجاءً لا تلمسي أشياء أخيكِ الطبية فجهلك بكيفية استعمالها يمكن أن يفسدها
القهر الذي تفشى داخل أوصالها وصلَ لذروته خاصةً مع أخر كلماتها، شعرت بالدونية أمام نظرة والدتها الغاضبة، ثم شعرت بالوحدة عندما انتشلت السماعة من يديها وذهبت لتضعها بحرص... وأخيرًا شعور التبلد الذي يزيد كل يومٍ نحو والدتها.. هي لا تكرها لكن الشعور الذي تكنه ناحيتها ليس حبًا؛ شعور بعيد عما بين الأم وابنتها أو من الإبنه لأمها .. تمتلك نحوها مشاعر عادية يشوبها الجمود فترات، ومع ذلك تعاملها وتبرها لأنها أمها.. معادلة غير مفهومة لأن الفائز ليس أحد الطرفين بل أخيها!!فهي تعتقد أن أمها لا تحبها ولن تفعل بل تدخر كل مشاعرها لأجل تميم
فاقت من دوران مشاعرها وهمست بقتامة غشت عينها من المعاملة التي تتلقاها من أقرب إنسانة إليها .. من المفترض!
-لم أكن لأخدشها فقط أردت رؤيتها
تفاجأت من هجوم أخر من الجبهة الأخرى، جبهة أخيها التي دائمًا مدعومة من والدتها
-بنون!! ابتعدي عن ملابسي لقد قامت أمي بكيها للتو ولا أريدها أن تفسد
كان يخاطبها بنزق لتلاحقها كلمات أمها في نفس اللحظة
-بنون اذهبي من هنا .. لقد كنت مخطئة عندما جلبتك إلى هنا حتى تساعدينني.. أنتِ فقط لا تزيدين الأمر إلا سوءً
"لا تزيدين الأمر إلا سوءً!!"
نعم.. هذا ما كانت عليه لسنواتٍ عديدة، لا تجلب لهم سوى السوء أو الافساد.. من وجهة نظرهم المحدودة
شعورها في هذه اللحظة فاقَ كل توقعاتها لهذا اللقاء الذي لا يتكرر كثيرًا بينها وبين أمها، أن تكون بين عائلتك وتشعر أنك غريب لا تنتمي إلى هؤلاء الأفراد والذين للصدفة تربطهم صلة دم!!.. لكن تلك الخصلة نبذوها منها.. هي لا تنتمي لهنا.. لا تنتمي لوالدتها ولا أخيها.. حتى والدها لو كان هنا كان سيصمت أو سيخبرها أن تذهب لجدها حتى يدللها أكثر..
شعور الانهزام القوي الذي يحط على القلب ليهشمه إلى أجزاء تتناثر حتى تُصيب الروح بجرح فتنزف إلى أن تموت..
-لم كل هذا الصراخ فقط من أجل سماعة طبية وملابس!! .. حسنًا.. هذه هي السماعة.. وها هي الملابس
اتسعت أعين والدتها وشاركها تميم الصدمة بفتح فمه وهو يرى أخته تتحدث ببرود بينما يديها تلقي سماعته الغالية لترتطم بالأرض بقوة، وتلتقط ملابسه من على الفراش مُجعدة إياهم ثم تتركهم من يدها ليلتقوا بالأرض كحال السماعة ووسط كل هذا الاندهاش لم يتمكنوا من فتح أفواههم فكان الفعل مباغتًا ولم يتجرأ أحدهم على التفوه بشيء إلى بعدما وقفت في الغرفة تنظر لهم بحدة تخفي داخلها إحباط وخذلان شديد، وحينها أردفت والدتها بصراخ أخر
-ما الذي فعلته بأشياء أخيكِ!! ألهذه الدرجة تغارين منه؟
-أغار؟؟؟
نطقت بقهر واستنكار لتميل برأسها وتبتسم بسخرية على جملة والدتها، لو كانت تغار ما كانت وقعة في خديعة أخيها!!.. ما كانت تتحمل كل هذا اللوم وترى في أعينهم النظرة الدونية التي لا يكفون عن رمقها بها أمام كل غريب وقريب!!.. كانت أخبرت جدها بما تحمله داخلها منذ سنوات لينال المخطئ عقابه... لكنها لم تفعل وآثرت الصمت وفضلّت سُمعة أخيها على حقها المشروع الذي سُلب بسهولة وخطة بارعة..
ازدردت ريقها بصعوبة وقد أصابت كلمة والدتها صميم قلبها لكنها ما لبثت أن استعادت قوتها المتأصلة داخلها لتقترب من أخيها وتبتسم في وجهه خاصةً وهي تقول له بنبرة يفهمها جيدًا
-تذكر يا تميم ... الذي أنت فيه الآن كنت أنا سببه
اختلجت عضلة فكه جرّاء كزه على أسنانه وقبضته التي كورها اشتدت من فرط التوتر...بينما هي رحلت تاركه جملتها تعثو فسادًا وتمرر به الإدراك لاذعًا بصدى يُخبره بقوة
"حقيقتك كداخلك... كلاهما مهترئ"
******

قصص من وحي الاعضاء 10-09-21 11:12 PM




اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...


للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html


حجم الغلاف رجاءً يكون بمقاس 610 × 790



هل الرواية حصرية لشبكة روايتي الثقافية ام هي غير حصرية؟ الرجاء الإجابة بحصرية او غير حصرية دون اضافات....





واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا الغوازي, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء



*سارة عاصم* 11-09-21 07:52 PM

ما الهوى إلا.. لسلـــطان

الفصل الأول

وليس كل هاوٍ سلطان!!
القوة ليست قوة الجسد، والصبر لا يكمن في الانتظار؛ فقوتك الحقيقية هي ذكاءك والصبر لا يأتي إلا بعد رضاء
في عرين البدو المظلم وليله الدجي
يأخذ أنفاسه بقوة وغير انتظام، يتصبب عرقًا من كامل جسده بداية من جبينه الأسمر –الذي اكتسبه من طقس البدو الحارق- حتى ذراعيه المكشوفين دون رادع من كنزته التي تلتصق بجسده، يقف متحفزًا ويديه تتسارعان في وتيرة معينة لضرب الثقل الذي أمامه بقوة وعينيه السمراوتين لا تحيدان عنه بل تضيق بترّقب شديد كأنها فرصة اقتناص وليس تمرينًا عادي!!
وفي الحقيقة لم يكن تمرينًا عاديًا لرجلٍ عادي…
بل كان استعدادًا لمواجهة محتومة طرف واحد فيها من يعرف بدايتها ويشحذ قوته من الآن، أما الآخر غافل عن عما ينتظره… لا يعرف أن أحد الحقوق مسيرها تُرد!
سمعَ صوتًا من خلفه لأزيز الباب وهو يُفتح ولم ينتبه أنه قد اُغلق أيضًا بسبب صوت الضربة التي وجهها للثقل فلم يلحظ من خلفه ويتربص له منذ أن أصبحَ هذا المكان مأواه!!
تحدثَ بصوتٍ عالٍ نسبيًا في حين لم يتوقف ولم ينظر خلفه
-تعالى يا فراس أنا بانتظارك…لكن بالله عليك لو أتيت لتكمل حديثًا في الموضوع الذي تحدثنا فيه ارحل!
-وما هو الموضوع التي تحدثتم بشأنه أيها السلطان؟
توقفَ بغتة عما كان يفعله عندما لم يصله صوت ابن عمه بل صوت أنثوي ناعم ذو بحة مميزة يخترق أذنه بنبرته الفضولية الساخرة دون شيءٍ من المرح، يعرف هذا الصوت جيدًا ومن يكون سوى الجريئة ذات العقال المُنفلت؟…التفتَ لها وملامحه لا تنذر بالخير ليقول بغضب تفاقم عندما رأها بدون غطاء وجهها بل تقف باستفزاز تطبق ذراعيها لصدرها وتقف بشموخ
-ما الذي تفعلينه هنا يا رابحة تعلمين أن الوقت متأخر جدًا لتخرجي من الدار وتأتي إلى هنا وأنا وحدي !! أم لأن والدك وجدك ليسوا هنا رغبتِ ببعض الحرية والجرأة
اختضَ جسدها على إثر ذكر أبيها وجدها في جملة واحدة، لتظهر إمارات الغضب على وجهها بينما هو يرمقها بنظرات مشمئزة
يا إلهي كم يبغض تصرفاته الجريئة والتي تُشين لعائلتهم في معظم الأحيان، لا يراها سوى أنثى جامحة لا تروُض بل تستحق الحبس حتى تخفف من جنونها الذي يطول الجميع
نحّت شعورها الداخلي جانبًا ثم أعطته ابتسامة ساخرة عادةً ما ترتسم على شفتيها وفي المقابل تلقت نظرة غاضبة ومحذرة في آنٍ واحد وتتوقع في أي وقت أن يأخذها من ذراعها للخارج
لكنه لن يفعل… فمن سيراهم الآن وهي خارجة من عنده وهو يجرّها بهذا الشكل سيفهم أنها أتت لتغويه!!
وهذا لم يكن سببها… على الأقل ليس السبب الأول!!
أجلت صوتها لتقول وهي تنظر في عينيه غير آبهةً بنظراته النافرة
-أنا هنا لسبب معين سيد سلطان وليس لأنني أردت الإتيان حقًا فطالما بن عمي مقاتل مشهور في القبيلة لم لا أتعلم على يده القتال… أفضل من الغريب أليس كذلك؟
رفعت حاجبها في جملتها الأخيرة ومع انفراجة شفتيها المتحدية، وذقنها ذو طابع الحسن مرفوع بإباء كل هذه الأشياء أعطتها مظهرًا جذابًا أنثويًا زيادة أكثر مما هي عليـه، وابتسامتها اتسعت وهي تراه يقترب منها يقطع المسافة القريبة الفاصلة بينهم ويتوقف أمامها مباشرة كابحًا غضبه وحتى لا يفعل شيئًا يندم عليه
-قتال!!من الذي ستقاتلينه إن شاء الله؟
هزت كتفيها بلا مبالاة
-لا أحد معين من يضايقني
كوّر قبضته ثم تقدمَ منها وهدر من بين أسنانه
-اتقي شري في تلك اللحظة يا رابحة واذهبي للمنزل حتى لا أتصرف معكِ بشكلٍ يليق بكِ فلا تعتقدي أن لا أحد سيقدر عليكِ سأؤدبك بطريقتي ولن يقول لي أحد كلمة!
كان يتحدث بعنفوان كعادته ويرفع سبابته أمام عينيها كتحذير صريح تولدَ من غضبه الداخلي، وهي التقمت كلامه داخلها بصدمة لم تؤثر على ملامحها إلا طفيفًا، لكنها تألمت… معه كامل الحق… من سيقف أمام وجهه؟… لا أحد
والدها لن ينطق بكلمة طالما والده يريد ذلك وليس وكأنه يهتم فهي في نظره جالبة للمشاكل
وجدها "كامل الهاشمي" سيؤيد بشدة ما سيفعله سلطان بها فهي في نظره جالبة العار بسبب قوة شخصيتها وعدم رضاها على ما يحدث… كانت دومًا ناقمة على حياتها معهم فقط لأنها فتاة تُعامل مثلها كالجواري
خرجَ صوتها هذه المرة متسائلاً لا يُستشف منه نبرة محددة
-هل تفكر عني هكذا أيضًا يا سلطان؟
-لم أرَ منكِ ما يدل على العكس
كانت تتوقع رده القاسي هذا، فلن يكون سلطان إلا وأجاب حروفًا من حجارة، كانت مغمضة عينيها العسليتين عندما جاءها صوته مكملاً
-ثمّ أننا لسنا في رأيي عنكِ الآن… هيّا لأخرجك بطريقة لا يراكِ بها أهل القبيلة وحذاري أن تأتي لهنا مرة أخرى لا هذا الوقت ولا غيره
انتفضت هي الأخرى بحدة تُلملم كرامتها التي يدوس عليها دون الشعور بداخلها أيضًا
-أعلم من بداية تفكيري في الآمر أنه خاطئًا لكن كنت أظنك إنسان وليس كالبقية يحكم على البشر دون أن يعرفهم… دقيقة، أنت سلطان الهاشمي بالتأكيد ستكون كباقي العائلة
أردفَ ساخرًا بقوله
-وهل أحد في القبيلة لا يعرف أفعالك؟ اتقي الله يا رابحة فأنا أكثر شخصٍ يعلم مشاكلك التي لا تنتهي
حوّلت بصرها عنه بينما هو أعطاها ظهره وتوجه لركنٍ في الغرفة ممتلئ بزجاجات مياه وعصائر، أمسكَ واحدة ثم تجرعَ منها وتابع مكملاً ببرود وهو يلتقط منشفة ويقوم بتجفيف جسده
-هل تتشاجرين مع نساء العائلة لأنهن مطيعات وأنتِ يعز عليكِ رؤية شخصٍ هادئ؟… حسنًا دعينا لا نتحدث في شجارات يومية… لم كدتِ تضربين خنساء البارحة؟ هل لأنها أجمل منكِ فأردتِ افتعال مشكلة حتى تبردين نارك؟
يتخابث في الكلمات وهي تدرك ذلك من طريقة حديثه الملتوية، ربما هو جاهل بها حقيقةً رغم أنها تشبهه في شخصيته إلا أنه لم يعرفها يومًا… كحال البقية
"ارثي نفسك يا رابحة فأنتِ وحدك كما لم يعرفك أحدٌ يومًا حتى لو كانوا حولك"
هزّها حديثه داخليًا وظهرَ ذلك باهتزاز حدقتيها العسليتين أمام سوداءه المترقبة الغامضة، ولكنها لن تجعله ينتصر… أبدًا
ففي لحظة واحدة كانت تقف في المنتصف لا تقربه ولا تبعده كما كانت وصرخت ليصدح صوتها دون أن تتحكم فيه
-لا دخلَ لك بموضوع خنساء يا سلطان… ثم إن كانت تعجبك هكذا تزوجها… اهتم بشؤونك ولا تقرب شجاراتي أيضًا ثم رد على طلبي هل ستعلمني القتال أم لا؟
استشعرَ حنقها من صوتها فقالَ مستفزًا إياها لكن بقسوة
-لا لن يحدث أبدًا… وأيضًا أنا لست مهتم بشجاراتك السخيفة تلك فقط أسمع عنها وأبتعد حتى أصطدم معكِ في شيء يحتم علي ضربك
الوغد!!
لم يخبرها هل سيتزوج تلك الخنساء أم لا!
حقير ذو عين فارغة ينظر للفتاة ويرى أنها جميلة، ثم يأتي إليها ويتبجح أيضًا ويسألها لما تشاجرت معها!
هل تخبره أن زوجة عمها "والدته" كانت تريد تزويجها له بما أنها ابنة أختها فهي أولى به منها!!
هل تخبره بالحديث الذي تناقل عن ألسنتهم ذلك اليوم بأنها عار على القبيلة وهي كالغبية كانت تظن أنها ستأتي وتخبره بالسبب الحقيقي لمجيئها وحينها سيسمح لها بالارتماء في حضنه ويربت على كتفها بينما تنتحب بدلال؟!… بالتأكيد هذا مستحيل فالجاحد الذي أمامها لا يعرف أن عيون فتيات عليه دون رادع… وأنهن يصطنعن الرُقي والنعومة إذا ما كان الأمر يخصه ولهذا لن يشعر بضيقها أبدًا
ولكن هي الوحيدة الظاهرة وكل أخطائها ولو كانت لا تُذكر تُعاقب عليها…
بللت شفتيها قائلة بصوت غلّبته نبرة الاتهام الممزوجة بالألم
-تذكر ما قلته لي لأنك ستندم… وبشدة يا… سلطان!
******
وفي غرفة رابحة
الحزن!!
كل ما يجيش بصدرها هو حزن ممزوج بالغضب ومُطعّم بالألم، ما لبثت أن عادت من عنده فارغة اليد ومُثقلة القلب… وهذا بعد أن وجدَ طريقة يخرجها بها حتى هي لا تتذكر كيف
كل ما تتذكره هو نبرة صوته الحادة، ونظرة عينيه الكارهة وطريقة تفكيره عنها
ذهبت له وهي تعرف رده جيدًا بشأن تعليمها القتال، هي فتاة وهو لن يقبل بهذا خاصة هي… ما أحبَ على قلبه سوى رفضه لطلبها الوحيد
خلعت عباءتها السوداء الفضفاضة وغطاء رأسها وألقتهم على الفراش دون اكتراث ثم جلست على كرسي المرآة وبدأت في تصفيف شعرها كحالتها عندما تفكر أو تحزن
التقطت فرشاتها الفضية -المزينة بنقوش بدوية- ومررتها في شعرها الأسود ذو التعرجات، بطوله الذي يصل لخصرها وكثافته التي تُعطيه قوة كشخصيتها القوية الثائرة
كيف هانت عليه، هي ابنه عمه أيضًا!
وكيف لم يجيبها… هل حقًا يمكن أن يتزوج هذه الخنساء التي تكرهها؟
تكرهها؟؟!!
ألم تكن تلك صديقة طفولتها تجمعها المواقف النقية و الأصوات الصاخبة لجريهم في الفناء الواسع!!، أين ذهب كل هذا؟ ولماذا تغيرت القلوب بهذا الشكل؟!.. والإجابة كانت تتجلى في ذهنها بعدما سألت نفسها هذا السؤال كان هو "سلطـــان"
منذ بداية عامها الخامس عشر وبدأ شبح الحب يطاردها نحو سلطان ليجعلها تلتف حوله وتحتضنه بعينيها أينما ذهب، تراقبه في خطواته وتبتسم لرؤياه فقد كان أول من يطرق على باب قلبها بتلك القوة ليوشم قبضته به فلا تزول..
وبالصدفة وجدت نظرات خنساء تجاه سلطان تُشبه خاصتها بل أن الأخرى كانت تتجرأ وتحادثه وهو كان يبادلها الحديث ويبتسم!، بينما هي لا... كان مُحرمًا عليها من قِبل والدها وجدها وعلى جميع الفتيات ألا يكون لهم علاقة بالرجال حتى لا تشيع الفتنة بينهم!!
لقد تربوا أن على قاعدة خاطئة وعادات مُجحفة أن الفتاة ما إن تبلُغ ويبدأ جسدها في الالتفاف وتضطر أن تقف مع ابن عمها حتى لو يكن بينهما شُبهه تطولها الألسنة ويتحدثون عنها بالسوء إضافة للعقاب التي تناله من ضربٍ ومهانة، كانت تلك تقاليد بيت الهاشمي التي طالت رابحة ولم تطل خنساء
تذكر أنها لم تتحدث مع سلطان إلا عندما بلغت المرحلة الثانوية وكانت يومها لا تنفك عن طرح الحوار في عقلها رغم أنه كان قصيرًا لكنه بقى معها سنواتٍ طويلة
"هل أنتِ رابحة؟"
"نعم"
"جدتي فاطمة تريدك"
كانت كالمغيبة وهي تنظر له بانبهار، تائهة في نبرة صوته العميقة وحجره الأسود الذي يغريها لتقبيله، بضع كلمات من المفترض أن تجعلها يائسة لأنه لا يعرفها لكـــن حدث العكس وغرقت رابحة أكثر في محيطه الشاسع
عادت من شرودها على لفحة هواء قاسية داهمتها من شرفتها المفتوحة لترميها من سحاب الذكرى العالي إلى أسفل الواقع
كانت كالمنساقة خلف عطرٍ فواح وهي مغمضة العينين إلى أن اصطدمت بحاجز أفقدها توازنها لكنه لم يوقعها أرضًا.. كانت وشيكة لكنه لم يحدث!
-تستحقين… تستحقين يا من تأخذين الحب دافعًا ولا ينوبك منه سوى هدر كرامتك
همست لنفسها تؤنبها بشدة على ما اقترفته بها، وفي داخلها تؤكد على ما ستفعله… فهو ليس ببعيد
الخميس القادم ستتمكن من الأخذ بثأرها ولن تكون رابحة الهاشمي إلا وأخذت حقها… هكذا تعلمت في قبيلتها
"حقك هو شرفك… إن فرطتِ فيه لا تلومي نفسك وقتها!"
*****
-لم يُضيرني شيءٌ سوى حُبك و أنا تحملته.. لم يوجعني سوى هجرك لي بالأيام لا أرى حتى طيفك .. ولكن!!.. لستُ أنا من تُفرط في حقها وأنت حقي
نظرة الاصرار التي تنضح من عينيها، واهتزاز شفتيها إثر اختلاج قلبها بالداخل.. هذه الفتاة تعرف جيدًا كيف تسحره وكيف تسلب عقله بكلمة .. فما باله لو فاضَ نهر حروفها عليه!
-تبدين شجاعة الآن يا بنون ولكن عندما تقتضي القبيلة أمرًا لا أسمع لكِ صوتًا!! تتشجعين عليّ فقط
اقتربت منه وهي تتغنج في سيرها حتى باتت عينيه تنظران داخل خاصته تطلب بنفسها الغرق دون نجاة
-ولماذا لا أفعل سيد فراس أنت مصدر قوتي ولهذا لا أتشجع سوى عليك!! و إن كان على أمر القبيلة فأنت من سيصدح صوتك بالأرجاء مُطالبًا بيّ كزوجة.. أعلم أنك تفعلها يا حبيبي
ضيّق عينيه معجبًا بشراستها وابتسمَ يُشاغبها في لحظة يعشقها حينما تتدلل عليه وتخلع ثوب قوتها أمامه
- وهل لنا سوى الطاعة لابنه سليمان؟! كل أوامر "الهانم مُجابة" فقط تدللي يا قطعة السكر ..
أردفت بتذمر وهي تنظر بعيدًا عن عينيه الآسرة
-قطعة السكر تتوق حقًا أن تكون في مطبخك يا سيد فراس
صدحت ضحكته التي تعشقها عاليًا على تذمرها الواهي وهي تقف تتأمله وتتأمل تفاصيل ضحكته تبدأ عالية وبعدها تخفت شيئًا فشيئًا ولكن عشقها الأول والأخير وهو يتحدث وبقايا ضحكاته عالقة داخل فمه كالآن
-انتِ داهية أنا مُقبلٌ عليها… وللعجب أنا أكثر من سعيد بذلك
تبادلت النظرات المُحبة معه قبل أن تفيق لنفسها وتجد الوقت قد تأخر وجدها سيلاحظ غيابها، وضعت غطاء وجهها فقط تُظهر ثلثي حاجبيها وعينيها الفضيتين متوهجتان كقمر انتصفَ في سماء خلت منها النجوم استحياءً في حضرته
-ألقاك قريبًا يا ابن الهاشمي
قالتها ملوحة بعد أن قفزت على ظهر الحصان بمهارة تعلمتها من صغرها، ثم انطلقت به وعلى شفتيها ابتسامة سعيدة من مُجرد لحظات تسرقها من وراء قبيلتها.. أو جدها تحديدًا
وهو ما إن اطمئن أنها اختفت عن بصره وبصعوبة حوّل نظره عن الغبار الذي خلفته أقدام فرسها القوي وأردفَ بنبرة مُتخمة
-ألقاكِ قريبًا يا سمائي الفضية ... قريبًا جدًا
زفرَ بقوة ثم قام بركوب الفرس الخاص به بدوره وسارَ خلفها بعد مرور عدة دقائق حتى تأكد أنها قاربت على منزلها وعقله لا يتوقف عن التفكير..
هل سيوافق جده كامل الهاشمي على زواجه من ابنة قبيلة أخرى!!.. بالطبع لا.. وقصة عمته ابتهال تتجلى أمام عينه كقرص شمسٍ ساطع؛ فحبها لرجلٍ من قبيلة أخرى ومحاربة هذا الرجل عائلة ليفوز بها لم يمنع كل هذا جده "كامل الهاشمي" أن يزوجها من سعيد ابن عمها مُضيفًا على قراره المجحف جملة قاسية لن ينساها ما حيي ولا نظرة عمته وهي تحكي له عن قهرها "لن تختلط دماء الهاشمي بدماء قبيلة أخرى ...هذه عادات تربينا عليها ولن أدع أحد أيًا كانت معزته عندي أن يهدمها" ومن هنا أصبحت ابنة أبيها "ابتهال" مُجرد فرد من أفراد عائلة الهاشمي ولم تحتضن والدها منذ هذا اليوم فقط تكتفي بسلام جاف بالكلام أو باليد أقصى ما تبلغه من عاطفة معه..
-يا الله اهديه وألِن قلبه أو خذه عندك ..
خرجت جملته بشرود ليستغفر بعدها سريعًا، فحتى وإن كان يكره جده بقوة لا يصح أن يدعو عليه بهذا الشكل.. فقط اكتفى بـ "حسبي الله ونعم الوكيل" ثم استطرد بتوبيخ لنفسه
-ما بك يا فراس هل تدعو على جدك الذي.... "وقطع جملته ثم أكملَ بسخرية" يا إلهي لا أجد لك شيئًا أفتخر أنه فعله لي..
حركَ رأسه يأسًا ثم زاد من سرعة فرسه لينطلق وراءها حتى يحصل على تلويحه أخرى من شرفتها التي يعتبرها مقدسة بحبهما طالما يمر أسفلها-نسبيًا- كفارس عاشق ينقذ حبيبته من البرج الذي يحتجزها
وعلى ضفتها بقبيلة أولاد سليمان ..
بنون ... حبيبة الجد والغالية كانت قد وصلت للبيت وأدخلت فرسها إلى الإسطبل وقلبها يقرع داخل قفصها الصدري بجنون مشتبكًا مع روحها المحلقة في سماء "المدينة الوردية" خاصتها الخالية من السلبيات الواقعية..
كانت مغمضة عينيها وهي خارجة من عند فرسها لتصطدم بأخر شخص تود رؤيته الآن!!
-جدي!!
نطقتها بتلعثم وهي ترمش بعينيها كأنها غير معتادة على الضوء بعد أن كانت مغمضة، لكنها لم تتوقع أن يتمثل أمامها الآن وهي كانت في "سماءها الوردية"!!
-أين كنتِ يا بنون سألت والدتك قالت أنكِ أخذتِ الفرس في نزهة.. ألا تكون تلك يوم الخميس لم أصبحت الأحد ؟
كان يتحدث بنبرة عادية تخصّها دائمًا، لكنها وجدتها نبرة تشككية واتهامية فقط لأنها تخفي شيئا .. وشيئًا عظيمًا لو علمه جدها!!.. هي حتى لا تتخيل ردة فعله
-ليس لغرضٍ محدد فقط احتجت أن أخرج برفقته قليلاً..
استطاعت بنون بالأخير أن تضع ابتسامة متوترة على شفتيها وداخلها يتمنى ألا يلاحظها جدها، تنفست الصعداء عندما حطت ذراعه على كتفيها ليقربها منه قائلاً وهو يسير في الحديقة الخاصة بالمنزل
-هل ما زلتِ تحتارين في تسميه الفرس؟ ألم تختاري اسمًا له بعد!!
هزت رأسها نفيًا وقد تحمست متناسية توترها حتى تصنع اندماجها الخاص مع جدها الحبيب
-ليس بعد يا جدي.. لا شيء على بالي الآن
قلبت شفتيها بعد أخر كلمة لها ليبتسم ويتحدث بحنكة وطيدة لطباعها
-بإمكاني أن أقترح عليكِ بعض الأسماء وأنتِ تختارين.. لن أفرض عليكِ شيئًا
وكالعادة جدها "الحبيب" يضرب على الحديد وهو ساخن مرة أخرى.. معرفته أن أقل الأمور التي تُفرض عليها تزعجها وهو يتفادى ذلك بمهارة ... تحبها!!
ترى هل سيعاملها فراس كما يعاملها جدها؟
هل سيدللها مثله؟!
هي تطلب من جدها قمرًا فيجلب لها الكون بأسره ...
و هو من اختار اسمها ومن أشرفَ على تربيتها، بل رباها كليًا حتى صارت شابة يافعة .. وهو من سيسلمها لزوجها
أي حبٍ ستحظى به بعد حب جدها لها.. تعشق علاقته معها وتعشقه شخصيًا، فمن لا يحبه وهو أكثر شخص قدم لها الحنان منذ نعومة أظافرها دونًا عن الجميع... ولهذا هي تشبهه
طموحه.. وقوية.. وحانية... حانية بقوة!
كانت تنظر له بحبٍ خالص ممزوج باحترام كثير كأنها حظت بأفضل هدية لها في العالم وبالأخير انتبهت على حديثه التي فوتت نصفه بسبب مقارنتها الدائمة له مع أي شخصٍ آخر
-.... حسنًا إن لم تعجبك تلك الأسماء بإمكاننا تسمية.... ممم سليمان مثلاً!!
ضيّقت بنون حاجبيها بمرح ثم هتفت وهي تقف أمامه تعقد ذراعيها لصدرها
-هذا لن يحدث.. لدي سليمان واحد وهو أنت لا أحد سيتشارك اسمك معي حتى لو كانت هديتك!!
رفعت حاجبها بتحدي وهي تخبره صريحةً أنها لن تفرط باسمه هكذا، حتى لو كان يرضاه لفرسها الذي أهداها إياه منذ شهرين لشدة حبها للفروسية منذ صغرها كما علّمها حينما كانت تدب فيه الصحة
-إذا ماذا تقترح حبيبة جدها
قالها سليمان بابتسامة حانية وهو يربت على رأسها بسعادة تداهمه عندما يكون بصحبتها..
ولم لا يكون!!
وهي "ابنة جدها" اللقب الذي أطلقه عليها والدها عندما كانت في السابعة من عمرها-أي منذ ثمانية عشر عامًا-عندما كانت تتردد باستمرار عليه وتجلس في مجالسه بل كانت تنام بجانبه إلى أن وصلت لسن العاشرة.. فأمر سليمان أن يأتوا بسريرٍ لها يجاوره خاصته في غرفته حتى تأخذ راحتها في النوم خاصة بكثرة تقلبها وحركتها الكثيرة وبالإضافة لغرفتها المنفصلة في المنزل.. ولكنها كانت تترك كل هذا وتنام داخل أحضانه مستمتعة بالأمان الذي يودعها إياه..
لم يرَ ما أحن منها عليه، ولا حتى أبناءه وبناته كلهم يريدون الورث، فقط هي من استطاعت أن تخترق حواجز قلبه وتبني بيتًا صغيرًا داخله وتستوطن لتكون هذه الشاب ذات الأعين الفضية التي ورثتها منه هي "حبيبة جدها" ولا سيما يناديها بـ"قلب جدك "
أردفت بنون بضجر وهي تستمع لنداء والدتها من الداخل
-سأذهب لأرى أمي يا جدي وسآتي إليك بعد قليل اجلس هنا قليلاً في الشمس
أومأ لها ليجدها تذهب بخطى بطيئة ووجه ممتقع وشفتيها مزمومتين في خطٍ مستقيم كأنها طفلة ذاهبة إلى الروضة ولا تريد ترك أبيها.. وبالفعل هي لم تكن مُقربة كفاية من والديها يكفي انشغالهما بأخيها الطبيب المشهور أما هي فكلية الحقوق الذي أخذت شهادتها لم تكن كافية لهما..
-لما لا يسافران معه؟! يمكثان هنا فقط لإعطائي الأوامر...
تذمرت وهي تسير متجهة إلى والدتها التي كانت في غرفة أخيها تُحضّر حقيبته ومنشغلة في إدخال أدواته.. اقتربت تتلمس السماعة التي كانت حلمها يومًا لكنها لم تستطع تحقيقه بسبب حمى جشعة داهمتها وقت الامتحانات
-هذه السماعة رائعة
همست لنفسها بانبهار لمسها من الداخل وهي تلمس الجزء المطاطي منها لتتفاجأ بصوت والدتها الحاد
-بنون!! ابتعدي عن سماعة أخيكِ هذه ليست للعب ثم أنكِ لم تغسلي يدك بعد أن جئتِ من الخارج مع فرسك الملوث.. فرجاءً لا تلمسي أشياء أخيكِ الطبية فجهلك بكيفية استعمالها يمكن أن يفسدها
القهر الذي تفشى داخل أوصالها وصلَ لذروته خاصةً مع أخر كلماتها، شعرت بالدونية أمام نظرة والدتها الغاضبة، ثم شعرت بالوحدة عندما انتشلت السماعة من يديها وذهبت لتضعها بحرص... وأخيرًا شعور التبلد الذي يزيد كل يومٍ نحو والدتها.. هي لا تكرها لكن الشعور الذي تكنه ناحيتها ليس حبًا؛ شعور بعيد عما بين الأم وابنتها أو من الإبنه لأمها .. تمتلك نحوها مشاعر عادية يشوبها الجمود فترات، ومع ذلك تعاملها وتبرها لأنها أمها.. معادلة غير مفهومة لأن الفائز ليس أحد الطرفين بل أخيها!!فهي تعتقد أن أمها لا تحبها ولن تفعل بل تدخر كل مشاعرها لأجل تميم
فاقت من دوران مشاعرها وهمست بقتامة غشت عينها من المعاملة التي تتلقاها من أقرب إنسانة إليها .. من المفترض!
-لم أكن لأخدشها فقط أردت رؤيتها
تفاجأت من هجوم أخر من الجبهة الأخرى، جبهة أخيها التي دائمًا مدعومة من والدتها
-بنون!! ابتعدي عن ملابسي لقد قامت أمي بكيها للتو ولا أريدها أن تفسد
كان يخاطبها بنزق لتلاحقها كلمات أمها في نفس اللحظة
-بنون اذهبي من هنا .. لقد كنت مخطئة عندما جلبتك إلى هنا حتى تساعدينني.. أنتِ فقط لا تزيدين الأمر إلا سوءً
"لا تزيدين الأمر إلا سوءً!!"
نعم.. هذا ما كانت عليه لسنواتٍ عديدة، لا تجلب لهم سوى السوء أو الافساد.. من وجهة نظرهم المحدودة
شعورها في هذه اللحظة فاقَ كل توقعاتها لهذا اللقاء الذي لا يتكرر كثيرًا بينها وبين أمها، أن تكون بين عائلتك وتشعر أنك غريب لا تنتمي إلى هؤلاء الأفراد والذين للصدفة تربطهم صلة دم!!.. لكن تلك الخصلة نبذوها منها.. هي لا تنتمي لهنا.. لا تنتمي لوالدتها ولا أخيها.. حتى والدها لو كان هنا كان سيصمت أو سيخبرها أن تذهب لجدها حتى يدللها أكثر..
شعور الانهزام القوي الذي يحط على القلب ليهشمه إلى أجزاء تتناثر حتى تُصيب الروح بجرح فتنزف إلى أن تموت..
-لم كل هذا الصراخ فقط من أجل سماعة طبية وملابس!! .. حسنًا.. هذه هي السماعة.. وها هي الملابس
اتسعت أعين والدتها وشاركها تميم الصدمة بفتح فمه وهو يرى أخته تتحدث ببرود بينما يديها تلقي سماعته الغالية لترتطم بالأرض بقوة، وتلتقط ملابسه من على الفراش مُجعدة إياهم ثم تتركهم من يدها ليلتقوا بالأرض كحال السماعة ووسط كل هذا الاندهاش لم يتمكنوا من فتح أفواههم فكان الفعل مباغتًا ولم يتجرأ أحدهم على التفوه بشيء إلى بعدما وقفت في الغرفة تنظر لهم بحدة تخفي داخلها إحباط وخذلان شديد، وحينها أردفت والدتها بصراخ أخر
-ما الذي فعلته بأشياء أخيكِ!! ألهذه الدرجة تغارين منه؟
-أغار؟؟؟
نطقت بقهر واستنكار لتميل برأسها وتبتسم بسخرية على جملة والدتها، لو كانت تغار ما كانت وقعة في خديعة أخيها!!.. ما كانت تتحمل كل هذا اللوم وترى في أعينهم النظرة الدونية التي لا يكفون عن رمقها بها أمام كل غريب وقريب!!.. كانت أخبرت جدها بما تحمله داخلها منذ سنوات لينال المخطئ عقابه... لكنها لم تفعل وآثرت الصمت وفضلّت سُمعة أخيها على حقها المشروع الذي سُلب بسهولة وخطة بارعة..
ازدردت ريقها بصعوبة وقد أصابت كلمة والدتها صميم قلبها لكنها ما لبثت أن استعادت قوتها المتأصلة داخلها لتقترب من أخيها وتبتسم في وجهه خاصةً وهي تقول له بنبرة يفهمها جيدًا
-تذكر يا تميم ... الذي أنت فيه الآن كنت أنا سببه
اختلجت عضلة فكه جرّاء كزه على أسنانه وقبضته التي كورها اشتدت من فرط التوتر...بينما هي رحلت تاركه جملتها تعثو فسادًا وتمرر به الإدراك لاذعًا بصدى يُخبره بقوة
"حقيقتك كداخلك... كلاهما مهترئ"
*******
وعند بنون التي ذهبت لغرفتها مطلقة العنان لحزنها المتمثل في التفكير.. التفكير والتفكير بعمق ساحق حتى تصل لأحزانها وآلامها ثم تنتشلها من داخل عقلها وتلقيها في خانة النسيان التي أعدتها منذ سنوات عديدة
وقفت في الشرفة تكبح رغبتها في البكاء والصراخ بصوتٍ عالٍ تقتحم به آفاق السماء لتصل دعوتها إلى رب السموات والكون...
ستصرخ بشكواها في صلاتها
وستبكي كما تفعل دائمًا لكن بقلبها، فعينيها لم تكونا لتقدرا على ذرف كل الدموع لسنوات.. لكن قلبها يقدر فهو متعايش مع هذا الجحود من وقتٍ طويل..
لمحته يتبختر بفرسه أمام نافذتها خاطفًا بصرها ومشتتًا لانتباهها عن أحزانها، لطالما كان منقذها من حزنها حتى لو لم يقصد هكذا.. ركنها الآمن وفارس قلبها
نظرت له بحب قبل أن تعطيه تلويحه بسيطة لم تكد ترى لكنه يُركز في تفاصيلها كلها حتى هذا السلام العابر الصغير، والابتسامة التي تغطي ثغرها...
وفي طريقه للمنزل بعد أن تخطى شرفتها داهمه شعور أن هناك شيئًا ما فالابتسامة ليست كالمعتاد والعينين بريقهما منطفئ.. قطبَ حاجبيه وزمَ شفتيه من تحت لثامه يحاول أن يستشف من تلك الثواني العابرة لم حبيبته حزينة.. ولكنه سيعلم
كل هذا حدث أمام عينٍ لا يجب أن ترى... عين لن تصمت بعد الآن فها قد عرفت السر ... الذي سيقلب الأمور على عاقبها
********
على الضفة الأخرى بمنزل كامل الهاشمي
في الغرفة الوحيدة التي ينعم أهلها بالمنزل.. كان هناك شابة تقف أمام المزينة تمط شفتيها بضيق وهي تنظر لمنحنيات جسدها التي امتلأت قليلاً وبطنها التي برزت لتُنبئ بحملها الذي ينتصف، بللت شفتيها وزمتها بضجر وملامحها الطفولية تعبس عندما لمحت الشعر الذي تعلقَ بالفرشاة التي كانت تمررها في شعرها
-سيقضي عليّ هذا الحمل عاجلاً أم آجلًا .. لقد ازداد وزني بطريقة بشعة يجب أن اختار ثيابًا لا تفصل جسدي
قالت بدور بنزق ثم ألقت بالفرشاة وفي التفاتتها شعرت بشخص يطوق خصرها ويجذبها إليه بقوة غير مؤلمة لكن محببة إلى قلبها
-بماذا تُتمتم الجميلة أمام المرآة هل تسألها ما إن كانت أجمل امرأة في الوجود؟
ابتسمت من كلامه وألقت برأسها على صدره وشعور من الزهو والراحة يتغلل داخلها من كلماته اللطيفة والتي يعرف أنها تفعل الأفاعيل بها، ولكن هذا لم يمنعها من التذمر وهي ترفع بصرها إليه وتلوي شفتيها قائلة
-لقد ازداد وزني يا سالم وأصبحت ثقيلة حتي فروة رأسي لم تعد تمتلك سوى بعض الشعيرات القليلة... هذه المرة أتعبني الحمل
مررَ سالم أصابعه في شعرها برفق شديد ثم أراها كفه وهو يبتسم مخبرًا إياها
-ها هو لا شيء في يدي أنتِ فقط من تتوهمين
وهي لم تكذب خبرًا فانسلت من بين ذراعيه عائدة خطوتين للخلف والتقطت فرشاة الشعر التي ألقتها من يدها منذ قليل وأرته ما بداخلها من شعرها البني العالق بها.. وكأنها أدركت للتو ما تفعله فقالت وهي تنزع الشعر من الفرشاة وتلقيه في سلة القمامة الصغيرة بجوار المزينة قائلة ببعضٍ من الخجل
-أعلم أن المنظر مقزز لكني فقط أريك ما أعانيه من الحمل..
اقتربَ منها تلك المرة أخذًا الفرشاة منها ومررها على أطراف شعرها التي بدأت بالتقصف مرورًا بمنتصف شعرها حتى غرتها تدريجيًا كان يغرسها برفق حتى لا تأخذ شعرها معها وتبتئس حبيبته !!
-أحب عندما تصفف لي شعري.. لك أفعالاً هكذا لا أنساها أبدًا وأي مشكلة بيننا أتذكر تلك الأشياء فأتراجع عن غضبي منك
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه وكان قد انتهى من تصفيف شعرها ليرفعه ويعقد الربطة المطاطية الخاصة بشعرها حوله على هيئة ذيل حصان كما تحبه، ولم ينتهِ عند هذا الحد بل أدارها إليه بخفة ليسدل لها خصلتين على جانب وجهها وكم يعشق هو هذا المنظر..!!
يذكره بها عندما كانت في المدرسة الثانوية وكان هو ينتظرها أمامها دون أن يعرف أحد ولا سيُقام الحد عليهم أنهم أخلوا بقوانين الأخلاق التي فرضها كبير قبيلتهم "كامل الهاشمي" جدهم
وهي فتحت عينيها وجدته أمامها وبجانبها، طفولتها، صباها، مراهقتها كانت تراه من بعيد بسبب قوانين العائلة الصارمة، فتتلاقى النظرات بغتة ليتردد صداها داخل قلبيهما... وكم كانت تُرتب لتحدث هذه البغتة
والآن بعدما تزوجا بعد صراع أصبحت العلاقة بينهما قائمة على الحب والاحترام، المشاعر التي تتولد نتيجة النوايا الصادقة والقلوب البيضاء .. لا ضير من مشكلة صغيرة قد تعكر صفو ليلهم، لأن المصالحة تأتي في الصباح حاملة معها بهجة الورود المتفتحة
-ها قد انتهينا يا قمري المضيء
عدّلَ خصلاتها المنسابة على وجنتيها ليعطيها أروع ابتسامة قد تبدأ بها يومها أو تراها، وكأن العدوى انتقلت إليها فابتسمت هي الأخرى بامتنان قبل أن تتوجه ناحية طاولة الزينة مرة أخرى ولكن لفعلٍ آخرَ محبب لها.. فعل يفعله بروتينيه معتادة لكــنه بالنسبة لها دلال
انتقت لون الكاشمير المُفضل لديها من طلاء الأظافر الذي تملك منه الكثير، ثم وضعته في يده ليعرف ما يجب عليـه القيام به
-تعلمين!! أنا صرت أحب هذا اللون مثلك... كل الألوان تصبح مُفضلة لدي عندما تكون على بشرتك... أصبحت على يقين أن هذه الألوان خلقت فقط لأجل أن تناسبكِ
أردفَ بعاطفية جيّاشة وهو يسحبها خلفه ليجلس على الأريكة الموضوعة في جانب الغرفة ويجذبها لتجلس هي داخل أحضانه بينما هو يفتح غطاء الزجاجة ويقوم بسحب الفرشاة ليضعها على الفوهة ويزيل الزيادة منها ثم سحبَ يدها ليبدأ بوضع طلاء الأظافر
-طيلة السبع سنوات من زواجنا جعلتني أدمن هذه الحركة منك، ولا يمكنني التخيل أنني قد أتخلى عنها في يومٍ من الأيام، حتى أنني صرت أجهل وضع طلاء الأظافر بمفردي ..
راقبته وهو يزيل بمنديل مُبلل الطلاء الذي حادَ عن مسار اظفرها ليلطخ الجلد حول أصابعها، بينما هو تحدثَ ناظرًا لعينيها بتخمة بعدما انتهى من سبابتها
-لا تتخيلي أشياءً كهذه يا "بدورة" يكفي فقط أن تتدللي وأنا من سيلُبي بإشارة فقط
أكمل ما يفعله ليفاجئ بقبلتها التي حطت على وجنته التي زينتها لحية خشنة، لتقول بعدها بنفس ذات الحب الذي لم يندثر وهي تميل على كتفه تحط رأسها
-أدامك الله لي يا سالم وجعل البركة في حياتنا دومًا.. وأطال في عمرك لأتدلل عليك
-تدللي يا فاتنة السماء فلا يحق الدلال سوى الأقمار المُضيئة ..
ازدردَ ريقه وهو يرى ارتخاء ملامحها واتساع عينيها من فرط السعادة ليُضيف بصدق نابض من قلبه
-أنتِ من أنرتِ حياتي فلا يسعني إلا رد جزءً من الجميل .. لقد أودعتني ابنة جميلة تشبهك وحياة هادئة يحلم بها كل إنسانٍ، وأنا لستُ بظالمٍ لأجحد كل هذه النعم... الحمد لله على وجودك من أجلنا، والحمد لله على السكينة التي تضمنا…فقط لو هذا المولود يكون ولدًا ستبلغ فرحتي عنان السماء
لحسن حظها كان يهمس بجملته الأخيرة فلم تسمعها جيدًا،فالله يريدها أن تسعد في تلك اللحظة فقط
احتضنته بذراعيه تريد ألا ينتهي هذا الحضن أبدًا، تشعر بكل كلمة قالها تسير تحت جلدها كأنها تصنع خلايا خاصة من بناءه هو، خلايا وهمية تجعلها أكثر قوة وأكثر تحملاً لأي شيء قد يؤثر على هذا الزواج، ستدفعه إلى أن تتخلص منه هكذا علمتها معيشتها معه
"داخل غرفتنا هو شيء خاص بنا لا يحق لأحدٍ معرفته"
لم تستطع بعد كم المشاعر التي أغدقها عليها إلا أن تقول جملة لخصت ما تحمله داخل قلبها لأجله
-أنا أحبك
ارتسمت ابتسامة جانبيه على شفتيه ليقول طابعًا قبلة على يدها بعدما انتهى منها
-وأنا أعشقك وأعشق تلك الأصابع التي لا تكل عن نسج السعادة داخل قلبي
****

*********
في القاهرة
نعاني من تقلبات الحياة وحالتها المزاجية فتارة تعطي ببذخ وتارةً أخرى تبخل حتى بابتسامة.. وحينها لا نعاني من آلامنا بل أحلامنا
تقف أمام المرآة ترمق نفسها بنظرات كئيبة، متفحصة.. وحانقة، شكل جسدها داخل المرآة لا يبعث الراحة أبدًا بل يُعطيها شعورًا بالنقص والتقزز!!
هي تمتلك المكونات التي يتطلبها جسد كل أنثى ورغبة كل رجل، ولديها ابتسامة جميلة بغمازة وأسنان صغيرة تظهر بلطافة عندما تضحك، كما أنها تحظى بشعرٍ أسود تداوم على قصه منذ يوم زواجها ضاربة عرض الحائط بجملة "تاج المرآة شعرها" كما كان يقول والدها وابتدعت جملة جديدة "تاج المرآة نفسها... فإن كانت قوية صلُحت وإن هشت عطبت"
ويالسخرية الفجة!!
هي من ألفت تلك الجملة، وهي من تعاني من ثقة تكاد تنعدم في نفسها بسبب وزنها الزائد الذي يقارب التسعون وهي قصيرة ذات مئة وخمسون سم!!، ويتبع ذلك مرضها "بالتكيسات" التي داهمت مبيضيها بقسوة دون هوادة لتبليها بدورة شهرية غير منتظمة ونزيف قد يستمر لأسبوعين.. ووزن زائد جاءت منه وهي السبب في أنه لا يقل أيضًا
امتعضت ملامحها وشعرت لوهلة أنها تخسر آخر أملاً في فقدان الوزن أو حتى تقليله بضع كيلوات.. هي لا تطلب الكثير فقط تتخلص من الماء الموجود وبعدها سيكون الأمر سهلاً... أو هذا ما اعتقدته!!
لقد جرّبت أن تتبع حمية صحية في الغذاء وتأخذ معه دواء للسكر حتى تخسر الوزن بسهولة، لكــن الأمر كان شبه مستحيلاً ومعقدًا خاصةً أنها تشعر بهبوط الدورة الدموية سريعًا فتضطر أن تأكل وتزيد نسبه السكر في جسدها وبالتالي لا يقل وزن جسدها بل يزيد أحيانًا
وضعت أصابعها اليسرى على ذراعها الأيمن، ثم فخذيها وبطنها بالتناوب وتمتمت بضيق ظهرَ على ملامحها
-فقط لو تقل هذه قليلاً... ويفقد هذا بعض الدهون... أم هذه فأريد أن أقص منها كل حمض دهني تراكم في تلك المنطقة اللعينة... تبًا لجسدي وتبًا لطعام.. وتبًا لنظراته!!
قالت كلمتها الأخيرة بألم جم طغى على عينيها البنيتين، زمت شفتيها بقنوط وهي تعاود النظر لجسدها مرة أخرى وشردت في نظراته التي يرمقها بها كل مرة، هو لا يتحدث ولا ينطق بكلمة تؤذيها لكن نظراته كانت كافية ووافية للغاية لوصف شعوره الــغير راضي، حوّلت عينيها من المرآة للأرض حتى لا يصيبها الضيق أكثر من هذا وهي تنظر لجسدها ثم أردفت والدمع يحرق مقلتيها
-معه حق والرجل قد تحمل معي الكثير يكفي ما يفعله لأجلي وأنه تحملني بينما أبي لم يفعل... لا بأس ببعض النظرات طالما لا يتحدث!!
أغمضت عينيها لتنسل دمعة وئيدة كانت تتحرق لانطلاق مُحررة من صاحبتها أملاً انت تدخره في أوقات كأبتها العصيبة، أملاً فقدته كما تفقد كل أملٍ وأمل!!
-لن أسامحك أبدًا يا أبي.. أنت كنت السبب فيما حدث ويحدث.. أنت من جعلني هكذا سامحك الله لأني لن أفعل
وفي أخر جملتها كانت تجهش في بكاءٍ عنيف يحطم كل أمالها دفعةً واحدة، هي كانت صبية لا تفقه شيء في حياتها كأنثى، وعندما أصبحت مراهقة مُنعت من كل شيءٍ يجعلها أنثى.. وفي شبابها عوقبت على كل شيءٍ فعلته بغريزتها كأنثى!!..
والزواج الوحيد هو من أنقذها.. زواجها من حبها عدي هو من كرّمها مانحًا إياها كل حقوقها وجعلها تشعر بأنوثتها ... هذا باستثناء نظراته...
أغلقت عينيها تسبح في ذكريات تكاد تغرقها في البؤس، يوم أتتها دورتها الشهرية لأول مرة وكلام والدها المخجل والصارم!!
"ها أنتِ الآن تُحسبين على النساء فردًا فإن وجدت لكِ تصرفًا هكذا أو هكذا يضع رأسي في التراب سأقتلك ولن أتردد في فعلها طالما ستسيئين إليّ.. ومن اليوم سترتدين الحجاب وستغطين جسدك بأكمله وعندما تصلين لسن الخامسة عشر سترتدين النقاب.. أريد أن أرى كلامي لا يُنفذ وسأكون سعيدًا بإعادة تربيتك من جديد"
كانت طفلة في الثانية عشر من عمرها!!
مذعورة، تبتلع ريقها بخوف وقلبها يدق بقوة أنه سيخترق صدرها إثر ارتفاع الأدرينالين لديها حتى أنها شعرت بالطاقة في قدمها قدمها للهروب، وبئس ما فعلته بعدها لتقول له أن النقاب ليس فرضًا ولم تُكمل ما ستقوله لأن صفعة قاسية حطت على خدها بقوة جاعلة دماءها تندفع بقوة نحوها..
مازالت مغمضة العينين تضع يديها على خدها كأنها تشعر بالصفعة حديثًا رغم مرور أربعة عشر عامًا عليها إلا أنها لا تنفك عن التذكر والشعور..
-ما بكِ نهاد هل أنتِ بخير؟
يا إلهي مرة أخرى يشهد على حالتها المزرية والتي بالتأكيد سببها الآن يجول ف عقله ببعض النكهات الأخرى
فتحت عينيها تحرك بصرها عليه في كل مكان دونًا عن عينه، فسترى يا إما الشفقة أو نظرة عدم رضا ستقتلها كما يفعل دومًا، تنحنحت بخفوت قبل أن تقف أمامه وتمسح دموعها بظهر يدها هاتفه بنبرة حاولت جعلها اعتيادية
-لا شيء فقط تذكرت أمي فبكيت
كاذبة وهو يعلم ذلك جيدًا، من الملابس الضيقة التي ترتديها علم الأمر برمته لكنه لم يتحدث، ولم يواسِ فقط اكتفى بنظرة حزينة من عينيه ترجمتها بشكلٍ خاطئ فطالما اعتادت على نظرات الشفقة وعدم الرضا ما الذي سيجعلها تفكر دون ذلك؟!!
وبعد صمتِ مُطبق فُرض بينهما كانت هي أول من قطعته بقولها
-استحم وأنا سأحضر لك العشاء
-سريعًا لأني متعب
أعطته ابتسامة خافتة تظاهرت بها وهو تظاهر أنه لم يرها واتجه ناحية الحمام، بينما هي أبدلت ملابسها لسترة طويلة فضفاضة ووضعت أحمر الشفاه وبعثرت شعرها الفحمي القصير كما يحب وكل هذا لشيءٍ في نفسها قبل أن تنزل وتبدأ في التحضير للعشاء الذي لن تلمسه فهي تتبع حمية غذائية للمرة التي لا تعلم عددها علها تخسر الوزن
لو بقيت بثيابها الواسعة لم تكن لتلفت نظره الليلة وكان سينام بعدما يأكل بفترة وهي تريده اليوم... تشعر أنها عاجزة في مشاعرها وخلل روحها ازداد اليوم... لذا هي تحتاجه وبشدة حتى يشعرها أنها مرغوبة فيزيدها أملاً الليلة ستعطي نفسها فرصة أخرى لتكون امرأة أخرى
وعنده الأمر كان مختلفًا تمامًا، يتخذ منحنى آخر في اتجاه معاكس ورغم ذلك لن يتقابل المنحنيان أبدًا، فاليوم عادوه شعوره بالغربة بقوة ودون أن يتجهز... شعر بالمياه الباردة التي تنزل على جسده كسياط تجلده دون هوادة جرّاء غليان الدم بعروقه
يشتاق للعودة لوطنه…للقبيلة ولأمه وأخيه سلطان
لا ينكر أن الفجوة بينهما ازدادت مؤخرًا فسلطان أصبحَ ينشغل عنه أخر بضعة أشهر ولأول مرة طوال السنتين منذ فارقهم لا يسمع صوت أخيه، ينشغل ما الذي فعله جعله هكذا؟ أو ما الخطأ الثاني الذي ارتكبه حتى يمر ثلاثة أشهر دون أن يحدثه أو يرد على اتصالاته حتى!
منذ أن نُبذ من القبيلة وهو لا يتواصل مع أحد غير أخيه وأمه التي تحدثه في الهاتف سرقة وخوفًا من أن يعلم أبيه وجده
لقد اختار يومها ولم ينظر وراءه ورحل للقاهرة وبعدها تزوج بنهاد السبب الذي جعله يتمسك بفكرة الثورة على عادات القبيلة…
تبًا لهم جميعًا هو رجل يعرف كيفية التصرف، ليس بحاجة إلى قانون يقيده أو أوامر من حهات عُليا تفسد حياته ولكنه قد اشتاق حد أنه يقف أمام مرآة الحمام ينظر لانعكاسه بانهزام واضح جعله يتنهد بضيق، منذ متى والقبيلة تشغله؟!
والإجابة كانت واضحة للعيان، منذ أن تجاهله أخوه ولم يستمع لصوت أمه لثلاثة أشهر!!
خرج من الحمام ليجد نهاد تقف أمام الطاولة الصغيرة بجانب الطعام وتبتسم بخفة كأنها لم تكن تبكي، لم يتعجب وهو يعرف عادتها دائمًا تبتسم في وجهه حتى لو تحمل هموم الدنيا فوق رأسها اعتاد منها على ذلك بينما هو لو أصابه همٌ انقلبت حياته بأكملها كما سيحدث
-هل ستأكلين؟؟ أليس من الأفضل لو اتبعتي حمية عذائية لتخسري القليل من وزنك؟
بهتت ملامحها المبتسمة ليحل عليها الوجوم وهي تنظر له بصدمة، كيف تلفظ بمثل هذه الكلمات وهو يراها خرجت للتو من دورة بكاء عنيفة، بللت شفتيها وضغطت على السفلى حتى تمنع تقتطر الدموع التي تجمعت في مآقيها ثم أردفت بصوتٍ مخنوق
- لم أكن لأفعل… وضعته من أجلك فقط
"من أجل أن أطعمك بيدي لأن ملامحك كانت حزينة اليوم، أردت أن أخفف عنك حزنك حتى لو بشيء بسيط أدركت للتو أنك لن تتقبله"
كتمت بقية الجملة بفمها ليتردد صداها بداخلها مشعلاً كل خلايا جسدها بوقود الخسارة النابع من وعاء الخذلان الذي لا يكف عن الغرف منه دون أن يضع خاطرًا لها
في خضم دواخلها السحيقة كان هو جلس ليأكل منشغلاً بما يؤرقه هو الأخر دون أن يأبه لقهرها منه، وعينيها الحمراء… كان أنانيًا وغير مراعيًا بالمرة
أما هي فألقت عليه نظرة أخيرة قبل أن تلملم ما تبقى من كرامتها وتذهب ناحية الفراش لتنام متجاهلة صوت ضميرها الذي يرجرها بقسوة على احتياجها منذ دقائق له قاتلاً كل أمالها
-نهاد
أجفلت من صوته لتستدير بحدة لتجده يُكمل بعدها
-هل ستنامين الآن؟
ابتلعت ريقها وأجلت حلقها تستنجد بالحروف لتهتف بأغبى إجابة في الكون
-ما رأيك أنت؟
قطب حاجبيه فأربكها أكثر على اجابتها مجيبًا
ما رأيي في ماذا هل تردين على سؤالي بسؤال غير منطقي؟
كان مزعجًا لأقصى درجة ممكنة وهي لم تعتد عليه هكذا لكن بما أنه لم يقدر حالتها فلن تسأله وليذهب للجحيم، تفاجأت به يقول
-هل تريدين أن تأكلي؟ أنا لم أقصد قلت هذا لمصلحتك
ابتسمت بسخرية واعتدلت بالفراش لتهتف باستنكار
-مصلحتي!! شكرًا لك عدي لكن دعني أنا من يتحدث في الموضوع فأنا أعلم بها أكثر
نفضَ يده عن الطعام ونهضَ متجهًا نحو الحمام ليغسلها بينما يقول ببرود تلبسه من أفكاره المشوشة
-على كلٍ الطعام هنا إذا أردتِ فلتأكلي
-شكرًا لكرمك سيد عدي… لكني أتبع حمية بالفعل
قالتها وهي تحمل صينية الطعام وتختفي قبل أن يدخل للحمام ليبقى محدقًا في أثرها لوهله قبل أن يتابع طريقه
يشعر أنه يقسو عليها بشدة ، وما زاد الطين بلة هو موضوع أخيه الذي يتجاهله وهو ليس بأخرق ليذهب للقبيلة حتى يرى أمه على الأقل… لا يعرف ماذا يفعل
يريد أن يحكي لنهاد لتعطيه الحل كما تفعل كل مرة، هو يحتاجها اليوم يريد الشعور بلمساتها الحانية التي تطفيء لهيب أفكاره وتروض جموح خيالاته
جلسَ على السرير في انتظارها ليجدها أتت بعدما قامت بترتيب الأشياء في مطبخها العزيز لتندس تحت الغطاء الخفيف وتقلل من حرارة المبرد، همسَ باسمها مرة فلم تجبه وأغمضت عينيها تستدعي النوم، لكنه عاد يهمس باسمها وهو يقترب منها حتى طوقها بذراعيه وبوضيعتها وهي تعطيه ظهرها كان يقبل رقبتها بعاطفة بالغة هامسًا لها ببضع الكلمات التي تحبها
أخذت أنفاسها في التعالي ووجيب قلبها يزداد ولا يهدأ أبدًا خاصة أصابعه التي كانت تتهادى على بشرتها الناعمة مُرسلة إشارات الخطر لديها ليرتفع مستوى الخطورة وقد قارب المؤشر على عدم العودة والاستسلام…
لكن الإدراك مرَّ بها لاذعًا، وحارمًا إياها من تلك المتعة التي اشتهتها منذ قليل، أزاحت أصابعه ثم استدارت قائلة في وجهه
- لا أستطيع… ليس اليوم… وليس بعد ما قلته … وأنا لن أتأسف فأنت لا تفعلها في موقفٍ مشابه
ثم عادت لوضيعتها حتى لا ترى وجهه الذي طاله الجمود من كلامها، كان مصدومًا وحانقًا ينتابه الكثير من المشاعر التي امتزجت داخله لكن واحدًا فقط كان صريحًا وسياديًا وهو… الغيظ

ebti 11-09-21 09:12 PM

مساء الفل والياسمين... نرجو من الكاتبة ترقيم المشاركات حتى يتم تنسيق وترتيب الروابط بترقيم الفصول...


الساعة الآن 12:50 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.