آخر 10 مشاركات
سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          587 - امرأة تائهة - راشيل فورد - ق.ع.د.ن ... حصريااااااا (الكاتـب : dalia - )           »          112 - دمية وراء القضبان - فيوليت وينسبير - ع.ق (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          مشاعر على حد السيف (121) للكاتبة: Sara Craven *كاملة* (الكاتـب : salmanlina - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          16- انت وحدك - مارغريت ويل - كنوز احلام القديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          سيدة قلبه (35) للكاتبة: Deborah Hale .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-09-21, 04:57 PM   #1

سميرة زكريا بلقب (سمر)

? العضوٌ??? » 491612
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » سميرة زكريا بلقب (سمر) is on a distinguished road
Rewitysmile25 رواية (*حياة الغرباء*) للكاتبة : سميرة زكريا بلقب سمر ..


بسم الله الرحمن الرحيم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. حياكم الله اخوتي وأخواتي ، وأرحب بكل من سمح لي ببعض من وقته ليقرأ هذه الكلمات التي حسبت لنجاحها ألف حساب .. وبعد توفيق الله عز وجل وتيسيرٍ منه ، قد نجحت بشكلٍ مبهر .. لذا قررت عرضها عليكم علكم تساعدونني في الإرتقاء للأفضل بتحفيزكم ..
وارجو كذلك الا تترك صفحتي هذه في المنتدى مهجورة فأنا أريد منكم النصائح في أمرها وآرائكم بها فلا تبخلوا بها علي وارسلوها عبر التعليقات أدناه ..
سيكون موعدنا كل خميس وأحد وثلاثاء بإذن الله ..
جزاكم الله خيراً وشكراً لكم ..

أرجو لكم قرائة ممتعة ~.









بسـم الله الرحمـن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبيـاء والمـرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
وبعد ؛
دوماً مايتحدث الناس عن الفقر وقلة الحاجة!
لكنهم أحياناً قد يفهمونها بطريقة مختلفة!
غربة الإنسان لاينكر صعوبتها أحد لكن الكثيرين من يشيحون بوجوههم بعيداً عنهم ليتغاضوا رؤية تعاسة حياتهم..لن أقول لك أخي القارئ كباقي الكتاب ، فلن أفتح لك نافذة عالم الفقراء والحزن آخذك منها الى عالمهم! فهذه النافذة مفتوحة منذ زمن بعيد! لاينظر اليها الناس وينسونها جيلاً بعد جيل..لكنني سوف أحاول آن أروي بعض قصصها لك كما شاهدتها وان لم يعجبك أسلوبي في شرح إحدى قصصهم فشاهد ذلك بأم عينك وأطل من النافذة فما حك جلد غير ظفرك ولن يصدق او يتقبل ذهنك الا اذا رأت عينك!
وتذكر!
إنني لا أتحدث عن غربة وفقر بحد ذاته فهذه النافذة التعيسة التي تراها قد ينتقل أحد ساكنيها الى نافذتكم قريب !
وخذ من جملها عبرةً أخبرني بها بعد نهاية القراءة .. وأشكر لك اختيارك كتابي بعناية من على رفوف الكتب ..

قراءة ممتعة ،














الفصل الأول :"


ارض رملاء عثراء .. ومنازل متهالكة مهددة ارواح ساكنيها بالخوار قريبا .. جثث مرمية امام المنازل وعلى الطرق يظن الناظر اليهم ان موتهم لم يكن حديثا بسبب هياكل عظامهم البارزة بوضوح متأثرين بالجوع والمرض والبرد الذي لم يكن ليدفعه ثوب خفيف متمزق..! ويمر في الشوارع المعتمة رجل يتلاوى بين الحين و الاخر متراقصا في الممرات كالمجنون تاركا وراءه اطفاله المرميين هنا وهناك مبدلا اياهم بكأس من النبيذ والخمر ويثمل من حين لآخر وربما اثرت عليه المسكرات حتى فقد عقله نهائياً فحتى عدسة عينه السوداء لم يستطع التحكم والنظر بها في جهة واحدة وليست عيناه فقط بل ان قدميه النحيلتين كغصن شجرة لم تعرف كيف تسير وتختار وجهتها .. يغني بصوت عال كنعيق الغراب موقظا الأطفال الجيّع ومخيفا اهل الديار وثيابه الرديئة لاتقيه بردا ولاتزينه مظهرا ولا تستره كتفا او ذراعا .. يترامى حتى يسقط على احد الابواب الخشبية فيتحطم ويسقط الباب على الارض مبلغا ان المنزل لم تعد فيه خشبة او قطعة سليمة .. ليس ذلك الغريب وحده من يختفي عقله لعدة ساعات فمعظم الذين على الرُّصُف سكارا فلم يلم احدهم الاخر .. هدوء وارتباك في انحاء القرية مما يجعل المرور بداخلها امرا صعبا وتحديا بين الأصدقاء .. تسير فتسمع انيناً مستمراً مؤلماً واخر سببه فقدان الصواب من السكر والاستخمار .. في داخل المنازل المرثي حالها اعين حزينة ونفوس مهمومة و ام تبكي انّ لي بشيء اسد فيه رمق الطفل الذي اشرف على الهلاك؟!..ومن بين تلك المنازل منزل ليس بمختلف عنهم مطلقا .. انامل امتدت على اطراف النافذة التي تسبقه طولا مناسبة لصغر حجمه وصغر سنه!.. بائت محاولاته بالصعود فشلاً فأحضر طاولة صغيرة وصعد عليها بكل هدوء .. نظر بعين يائسة قد اعتادت رؤية تلك المناطق المحفوظة والكئيبة دوما .. انعكس شيء من ضوء القمر على وجهه الصغير الداكن بسبب التراب والشحوب حينها شعر بيد صغيرة تشد قميصه المتسخ لطفل اصغر منه طولا وحجما .. لم ينل صعوبة بمعرفته فهو آخر فرد في عائلته الفقيرة .. ابتسم له ابتسامة حب وحنان فهو يفهم شعوره جيدا فكم تمنى لو ان شخصا ما يبتسم له بتودد .. عقد الصغير حاجبيه بنوع من الألم ثم وضع يده على معدته لاإراديا بجوع وتحسس .. تلاقت عيناهما وكأن العينين تشتكيان وتفهمان بعضهما .. هذا معتاد ومحزن لصغير عيناه تدمعان جوعاً .. سأله مع معرفته بالاجابة تماما : " فارغة؟.." أجاب بسؤال متعلثماً في الحروف والكلمات كان قد ثمت عليه تعلم المشي والكلام سريعا فالبيئة ليست للمدللين يبدو كلامه لغة اخرى غير مفهومة الا ان اخاه الذي يكبره بعدة سنوات يفهمها حتى الصميم : " لديك ما آكله؟.." معدته تمغصه بشدة والم فظيع .. يشعر بالاعياء والغثيان وصحته متدهورة او بصيغة اكثر نقلاً اصبح كالباقين امثاله على اطراف هزقات الموت..! تألم له بشدة وفطن بحاله فهو يجد في نفسه الامر ذاته .. هو الاخر متضرر ايضاً! يشعر ان عظامه هشة أكثر من المعقول الم وجوع لايطاق .. لم يكن من الطفل صاحب السبع سنوات الا ان اتكأ على اصابعه الاربعة واشاح نظره بعيدا خارج النافذة وفي افكاره كلام يخرج من بين أقفاص صدره.. ( متى تنتهي معاناتنا؟ أقريبا؟ كم ستستمر؟ انه وباء بحق! وباء فقرٍ يصيب البشر ومن حينٍ الى آخر وبعضهم لايشفى من هذا الوباء ابداً وبعضهم يشفى منه سريعا ويبرأ كأن لم يكن به فقر..هل يوماً ما سأكون بين تلك الجثث؟ سأموت جوعاً؟ ام برداً؟ شوائب افكار بلا شك..من المفترض ان اطعم اخي لكن اين نصف رغيف على الأقل؟ احتاجه فعلا..) تنهد بعمق فكأنها تشبه تنهيدة فتى بالغ حياته محشوة بالمشاكل والهموم .. ضوء القمر الساطع يزين عينيه ويملؤها براءة .. رمش الصغير الواقف امامه بخفة وبمساعدة عينيه وحاجبيه تمكن من ايماء لطيف بريء لامعنى له ثم قال : " مابك؟ هل أنت بخير؟.. " أعطاه ابتصاراً حزيناً ساخراً ترافقه ابتسامة الم في محياه ونظرات الم وانكسار .. >>:" اراهن انها فعلا قرية من الخيال .. لكن لاضرورة للرهان وسأخسر بكل تأكيد .. لامكان للخيال هنا اطلاقا! .. ليتني اصعد الى القمر .. علني اجد هناك حياة افضل!.محض خرافات...! " صوت امرأة تعب ينادي موصلاً الأوامر الى اذني رائد الصغير : " راائد.. يا رائد.! ماذا تفعل هناك؟.. هل هذا وقت التسكع على النوافذ؟.. الا ترى اخوتك الجائعين؟ أهذا ماتركك عليه ضميرك؟.." ثنى ركبتيه المرهقتين بالرغم من لون بشرته الفاتحة الا انك لن تستطيع تصديق ذلك مع كل التراب الذي فيهما لو رآه شخص لظنه لم يستحم لبضعة أسابيع .. تمددت ساقاه الصغيرتين حتى اوصلهما الى الأرض بحذر .. وقف مستعدا لعمل شاق ليجلب شيئاً يسكت به عصافير بطونهم التي لاتهدأ ليلا او نهارا .. تناول دلوا كبيرا خشبيا عن الأرض كان عليه أن يملأ مخازن الماء بهذا الدلو للذين يملكون مايكفيهم من المال والمأونة .. أغلق الباب وراءه وهمّ بخطوات كسولة ومتعبة لكن الهواء البارد تغلب عليه وجعله يتسمر مكانه مستشعرا البرد مقشعرا بدنه فتمسك بذراعيه محاولا تدفئتهما لكنهما لسعتاه ببرد كالإبر تجمد عروقه .. هذا جو منطقة فقيرة في مدينة جايويك في انجلترا بريطانيا .. فبما ان مدينة جايويك بأجمعها فقيرة فبالأرجح ان تكون هذه المنطقة هي أكثر المناطق فقرا في بريطانيا نوعا ما وأكثرها شحوبا .. فهنا يتواجد عدد هائل من العاطلين والفساق والفقر والموت اضافة الى الوباء ( الجدري الأسود ) الذي انتشر منذ فترة ليهلك الجميع .. كان منتصف الليل قد حل فهذا هو القمر مزدان بنجوم مرشوشة بانتظام وحيوية كفستان تزينه لآلئ براقة مضفيا جوا من البرد لتكون أمسية مميزة تنقصها بيئة مناسبة .. كانت حياتهم فقيرة وصعبة للغاية كيف لهم التعايش بهذا النوع من السكن؟ .. لون عينيه كان اكثر شيء مميز فيه فهو اسود مائل للزرقة كالبحر عند هبوط الليل في حين ان غازله القمر ببعض ضوءه فستظهر اجمل عيون في تلك المنطقة التي تحكي أجواءها بؤسا لاطالما اعتادوا عليه .. مشى الى الأمام متأملا كل شيء حوله .. بقي يمشي لفترة طويلة حتى ابتعد عن المنطقة وخرج منها نهائيا لتسير خطواته نحو منزل ضخم يقع في الجوار لرجل عجوز كان قد ورثه عن من كان قبله وقد هاجر قبل الحرب بعشر سنوات .. طرق الباب بمرح مستهزئا بصوت العجوز الذي يصرخ عليه : " حسنا حسنا لاتطرق مجددا آه انت تقلب مزاجي دوما رأسا على عقب.." رد عليه وهو يرفع صوته أكثر : " للأسف يا عم مهنتي..! " فتح الباب بهدوء وامتدّ النور الأصفر وخرج الدفئ مع فتحة الباب .. كان الرجل العجوز في الستينات من عمره وقد شق عليه حمل اثقال الماء ولم يرزق بزوجة قبل أن يرزق بولد فاعتبر هذا الصبي الصغير ابنا مرحا مشاغبا في بيته .. >> " ادخل.." قالها الرجل العجوز .. ابتسم بنشاط فهو قبل كل شيء سيحظى بعشاء وفير من العجوز قبل عمله .. دخل الى المنزل فأشار له بالجلوس على الكرسي .. وبعد أن جلس اتكأ على كفيه فقال الرجل : " ها ماذا الا تأتي لتعمل الا عندما يشرف اخوتك واهلك على الموت؟.." ضحك ورفع رأسه قائلا : " او تظن أن عملي قطف الأزهار مثلاً؟.." ضيق به عينيه وقال بانزعاج : " كـسـول!.." اكتفى بالإبتسامة الضاحكة في حين ذهب العجوز الى المطبخ لإحضار وجبة مشبعة لرائد .. وضع الطبق أمامه وقال بتهكم :" بالعافية.." كان صحن الحساء والأرز الأبيض مزينا ببعض من خصل النعناع ومما لفت نظره هو نوع الصحن فقد قدمه بصحن روميو وجولييت المشهور.! بدأ تناوله بهدوء تام والمدفئة بجواره .. حاول امتصاص أكبر قدر ممكن من الدفئ وشعر بتكآسل وستائر عيونه المسماة بالجفن تحآول اجباره على نوم هنيئ ودافئ .. قال العجوز : " كيف هم أهلك يا رائد ؟.." توقف للحظة تذكر ثم قال : " بخير.. لكن لو كانوا معي الآن لكنوا بأحسن حآل.." أخرج من فاهه زفيرا طويلا يعكس همه وأسفه على جيرانه من أهل السكن .. دقائق قليلة وكان الصحن فارغا فأمسك به ووضعه على حوض غسيل الصحون في المطبخ .. ومن فوره ودون ان ينتظر وصول الأوامر أخذ الدلو وذهب الى النهر .. فتح الباب وخرج ناحية المنطقة التي يتواجد بها النهر .. كانت الأشجار تتمايل بين الحين والآخر وصوت سقوط أوراقها الكثيفة وهي تصعد مركبة الرياح وتهوي الى الأرض تعزف بونتات خفيفة كئيبة .. أوراقها تميل الى السواد فحتى كثافة أوراقها منعت سناء البدر من التألق والتنوّر في الأرجاء و تحت أغصانها .. هزت ريح قوية المكان فتناثرت أوراق الأشجار رفع معصم يده فوق عينيه معيقا وصول الغبار داخلهما .. نغمات تسابق الماء وسقوط الأوراق المهاجرة فوق سطحه الأمرد وبريق متسلط من القمر عليه ليبدو كالمرآة الناعمة والنسمات الهادئة التي تتيح للتأمل جوا ممتعا صورة يعشقها رائد فهنا الجو الذي لايمل عن التأمل في لحظاته مطلقا .. أخذ للدلو غيضا من الماء ثم جلس على أطراف النهر ليداعب الموج أقدامه الصغيرة .. لذعه البرد القارس فسحب قدميه بسرعة وهو يهمهم .. وقف قليلاً الا أنه عندما لاحظ الدلو بين يديه تذكر أن هذا وقت العمل حتى يسطيع الراحه فيما بعد فعليه أن يعمل عملا لاتحمله راحة أبداً ..! التفت الى جهة المنزل وأسرع في خطواته لينتهي سريعا والا فإن توبيخا طويلا سيناله في حين عودته .. وصل الى آخر البيت فهناك باب مختصر الى المخزن .. خزان ماء حديدي كعلبة مفتوحة أخذ نصف غرفة صغيرة .. عكف ركبته وسكب الماء في الحوض .. وقف مرة أخرى وأخذ نفسا عميقا ليبدأ عمله بنشاط أكبر وسرعة مكثفة ... أخذ الأمر ساعة ونصف تقريبا وهاهو آخر دلوٍ يسكب في الحوض .. وأخيرا غسل وجهه وتنفس الصعداء فقد أنهى ماكان عليه .. سار الى صالة الجلوس حيث يقبع العجوز هناك .. أزاح الستار فوجد العجوز جالسا فوق الأريكة وعلى طاولة أمامه علبة مملوءة بالطعام والغذاء اضافة الى المال الذي يكفله أسبوعا كاملا.. ابتسامة واسعة نالت منه هل يستحق كل ذلك العناء؟ سيرتاح أسبوعا كاملا .. اقترب أكثر حتى صار أمامه فناوله ظرف المال وساعده في وضع العلبة بين ذراعيه بوضعية جيدة ثم ضرب كتفه وقال : " لاتعد الا بعد نصف قرن ودع جدك اللطيف يموت عطشاً!!." رفع احد حاجبيه مستسخرا وعيناه تومئآن حركة التذكر : " الم تقل لي قبل أيّام أنك لاتزال شابّا يافعاً؟!." نهض يضحك : " وهو كذلك! " أصبح أمام الباب عندما أنهى العجوز كلمته الأخيرة فقال رائد بسخرية واستحقار : " هــررآء " كان قد أصبح خارجا الا أن صوت ضحكات العجوز لاتزال مستمرة فغادر وهو سعيدٌ الآن سيعرف كيف ينام دون سماع صوت بكاء أخوته الجائعين وتوبيخ والديه........









انتظرونا للفصل الثاني نراكم عن قريب والسلام عليكم ورحمة الله ..........


سميرة زكريا بلقب (سمر) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-09-21, 05:44 PM   #2

سميرة زكريا بلقب (سمر)

? العضوٌ??? » 491612
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » سميرة زكريا بلقب (سمر) is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم .. حياكم الله .. ارجو ان تعجبكم روايتي معكم الفصل الثاني قراءة ممتعة
*****************


الفصل الثاني :"

*كانت المناطق هادئة للغاية والطرقات شاغرة من الناس .. وأثيث ضباب الليل يمنع الأبصار بالإمتداد نظرا لمنطقه أبعد .. يبدو أنه قد تأخر مجددا .. فهٰؤلاء السكارا والفساق لايختفون عن الأنظار الا بعد هبوط منتصف الليل وسماع صوت جرس الساعه منبأً عن الوقت .. جبناء وحثاله!! هذا مايراه فيهم ويتمتمها عندما يراهم دائماً! .. وضع يده على صدر الباب ودفع بها عليه .. منزله الذي لايملك جرسا ولاحتى يستحق بعينه أن يطرق فربما وقع اذا اشتدّ الطرق فهو على شفى حفرة من الهاوية ولاضروره لذلك!.. أغلق الباب بهدوء وحذر ثم أمسك بعمود خشبٍ طويل وعريض نوعا ما ووضعه على الباب بوضعية معينة كإغلاقه تحرزاً من أي شيء .. تقدم الى الأمام خطوات قليلة ثم زم شفتيه ونادى على أمه منتظرا ظهورها لتحمل عنه الصندوق الثقيل على كاهله .. ركض الى الغرفة التي كان فيها مسبقاً فوجد أخاه نائماً فوق قطعه قماشية على الأرض فجلس بجانبه مباشرة ووضع العلبه جانبا .. سمع صوت أنفاسه المتعبة والمتتاليه برفق والتي كانت صدا في الغرفه الفارغة من الأثاث .. مسح على وجهه مبعدا الذباب القذر عن جسده وهي تمص من دمه كما يشعر بأن البرد ذاته يفعل ..! عدل موضع يده ورأسه حتى لايصدر شخيرا ويرتاح في نومه العميق والغريق .. هذا أخٌ حنون بنظرهم في هذه المنطقه التي يسير الأخ بجانب أخيه كما تسير الضباع جانب الأفاعي .. لاتوادّ ولا أخوة .. نسمة من الرياح لطمت جسده ببرد صرد! فأصدر رامي رعشة قوية من البرد فهم به وأمسك الغطاء ورماه عليه وبدأ بترتيبه ومحاولة جمعه على رامي .. أنفاسه تتوالى بضيق وكأن وحلاً من الهموم والشقاء ابتلعه في حين يغرق عقله الفطن والمميز بالحصانة في دوامة أفكاره ومشاعره المنسوجة رتقا .. ينظر الى أخيه أو بالأحرى كان ينظر الى شريط حياته! .. حدق به مطوّلا وهو يفكر في أمور كثيرة جدا .. حالته المادية و أموره العائلية .. أليس صغيرا على التفكير بهذه الطريقة؟ مع أنه يعد قبل اثنين من آخر فرد أي انه لايزال لديه من يكبره بكثير .. الا أنه يعقب ذلك بأنه مسؤل عن هذين الصغيرين أخته سناء التي تصغره بسنتين ويصغره رامي بأربع سنوات ونصف .. الأيام تمضي بسرعة وتمضي أوجاعها وتطوى مع صفحات الماضي أيام ومشاكل بل كوارث حدثت عندما كان في سن الثلاثة والرابعه والخامسة ومع آخر حادثٍ في بداية سنّ السادسة استمر الوضع ولم يتغير الحال.. سافر والداه من مدينة عربية وهي المسماة ببلاد القدس او فِلسطين .. حين قامت الحرب واشتعلت المجازر عام [ 1982 ] م أبريل .. اشتعلت المجازر! وسافرت القلوب الرحيمة وأصبحت الأرواح رخيصة وترحل كما لو كانت روح نملة! فبعضهم لا يشعر بالذنب تجاهها وكانت من أبشع المسافك في التاريخ!! .. كأنّ دمائهم الغاليه تراب يسكب على الأرض بالنسبة لهم .. واذا انتشر البركان وقلت المياه فإن بإمكان البركان أن يطغى على ماتبقى من المياه النقية.! لك أن تتخيل مقدار الجثث التي أزهقت .. فمانجا منهم الا قليل .. وقد تُرك في فؤادهم داء الإشتياق .. تمزقت قلوبهم الطيبة وهم يودعون الموتى بأيادٍ ملوّحة ومرتجفة .. لايدري أحدهم متى سيكون دوره وكيف ستكون ميتته!. تعلو ألائك الأطفال الأهكاء دموع أستحوذت على الوجنتان لتغسل الرماد الذي عليهما وتصل الى أكبادهم لتحفر ثقبا يبقى الى المستقبل .. في ذلك الأوان لم يكن لدى عائلة رائد أي خيار سوى الهجرة والإبتعاد الى دولة انجلترا ولسوء الحظ هربوا عبر طريقة غير شريعة في نظام السفر .. عبروا البحر منتطين سفينة عادية .. كانت قلوبهم أشد نبضا وأشد عنفاً في تعداد النبض وكانت ستصرخ من الفزع لامحالة .. في كل دقيقة تميل بهم السفينة يمينا وشمالا كسلحفاة لاتجيد السباحة وألقيت في وسط المحيط! وتحاول أن تبذل جهدها لتعيش لكن ليس بالأمر السهل .. تتحرك الأمواج بعشوائية شديدة وتلتطم ببعضها بعنف مصدرة صوتا لاينسى! وتغيب الشمس تماما لتحل محلها الغيوم الكثيفة! وتكتسي السماء ثياب السواد .. كابوس من عواصف ، وبريق يثقب غيوم السماء المتماسكة والثقيلة ، صرخة أقوى من زئير الأسد طغت على صوت ضربات الموج العالي! وهبت الرياح فرسم البرق في صفحة السماء وأرهب الصوت المدوي الأنفاس .. وكأن شجار بين سحب السماء وأمواج الأرض قد بات! .. دوار استولى على رؤسهم أقوى مماكان عليه.! صاحت أم رائد حين بدأ جسدها بالتدحرج سريعا بل الطيران ففزع رامي وهاج فيه البكاء .. عم القلق والأرق.! وماهي الا دقائق ويصيح مدير الطاقم أو المهرب مناديا : " لقد اقتربنا من الهدف.! " ابتهج الجميع وبدأوا بالإستعداد في الحال .. لم تكن مدينة جايويك هدفهم حقا! انما عنا بذلك المهرب هدفهم في النجاة من الزوبعة القوية .. وممازاد الأمر سوءاً هو وصولهم تلك المنطقة وسرقة أموالهم المتبقية والبخيسة من قبل الطاقم الجشع .. وماكان منهم سوى المكوث في أقذر وأفقر مناطق جايويك وأسوأها سمعة! .. عاشوا ومكثوا هناك .. لكن والد رائد بدأ يقع في مشاكل زوجية مع أم رائد وقد تم طلاقهما في إحدى المرات وبشكل عنفي وكره وحقد .. ثم عادا زوجين ثانيتا عندما أدركا خطورة طلاقهما فبينهما أطفال وشباب وبنات وليس حالهم حالا مناسبا خاصة في هذه الأجواء والأماكن .. وأصيبت أمه بشلل نصفي خطر عندما وقع عليها خبر كالصاعقة مماجعلها لم تذق طعم نوم أو راحة ولاطعام ولامشرب .. وصلها خبر من إحدى الصديقات أنها لو لم تكن بالغة لاعتبرت يتيمة! .. لقد فقدت معنى اسم العائلة نهائيا فقد تلوّت قذيفة في سماء فِلسطين وسقط على رؤوس أهلها كما سقط خبر سقوطه صاعقة على رأسها .. وقررت الإنتحار! حاولت ذلك عدة مرات الى أن هددها زوجها بالطلاق مرة أخرى لكن هذه المرة انفصالٌ بلا عودة! .. وأصيبت بحالة اكتئابٍ وفزع شديد! .. لم يعد لها أهل أو مسما العائلة على وجه الأرض .. ماتوا جميعا! .. نفض أفكاره وحرك مقلتيه ورأسه عندما قاطع عقله صوت منخفض صغير.. : " هل جلبت الطعام؟ ".. ابتهج وأشرق وجهه وهو يقول : " الحمد لله هذا طعام لك..تذوقه ولن تندم..عجوز الا أن طبخه لذيذ بحق! " ناوله الصحن فقال : " امم يبدو لذيذا فعلاً..لكن لمَ تأخرت؟ انتظرتك طويلا! " أجاب رائد : " كان العمل كثيراً وشاقا.." قال رامي :" كيف أمي؟ ".. نهض متنهدا بشوق لها ولحنانها الثمين دون إجابة إلى حجرتها .. دخل الى الغرفة ونظر إليها وتعلوه ابتسامة حب واشتياق .. علّ بعضهم يتسائل لماذا لم يطرق الباب؟.. هذا السؤال يذكرني بسؤال سخيف ومبهم .. كيف يطرق المرء الباب المفتوح؟! .. كيف له أن يطرق بابا لاوجود له؟ .. أغلب الأبواب في المنزل مقتلعه وبعضها محطمة .. كانت ترضع ابنها الصغير .. كانت أمه امرأة تلقب بالجمال والحيوية والأناقة .. شعرها الأسود مع العدستين التوأم وبياض البشرة يعطيها كون أن تستحق اسم بدر مضيء..! قالت بحب وابتسامتها تهديها له : " عدت من العمل؟ " أومأ لها بإيجاب واقترب منها يضمها تحرزا من فقدها يوما .. هي أغلى لديه من أي شيء في هذه الدنيا الفانيه .. ربتت على شعره بأمومية وهي الأخرى تحبه فهو ابنها .. يشعر بالأمان والحب كم هم مساكين أولئك الذين لايملكون أما .. هي نعمة جميلة .. أمان وحنان ووأآم وسعادة .. كل هذا أشعر به حين أراها تبتسم لي .. وأخيرا أغمض عينيه ورقد في أحلام وغرق في نوم عميق* ......


سميرة زكريا بلقب (سمر) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-09-21, 05:52 PM   #3

سميرة زكريا بلقب (سمر)

? العضوٌ??? » 491612
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » سميرة زكريا بلقب (سمر) is on a distinguished road
Rewity Smile 2 *الفصل الثاني*

الفصل الثاني :"

كانت المناطق هادئة للغاية والطرقات شاغرة من الناس .. وأثيث ضباب الليل يمنع الأبصار بالإمتداد نظرا لمنطقه أبعد .. يبدو أنه قد تأخر مجددا .. فهٰؤلاء السكارا والفساق لايختفون عن الأنظار الا بعد هبوط منتصف الليل وسماع صوت جرس الساعه منبأً عن الوقت .. جبناء وحثاله!! هذا مايراه فيهم ويتمتمها عندما يراهم دائماً! .. وضع يده على صدر الباب ودفع بها عليه .. منزله الذي لايملك جرسا ولاحتى يستحق بعينه أن يطرق فربما وقع اذا اشتدّ الطرق فهو على شفى حفرة من الهاوية ولاضروره لذلك!.. أغلق الباب بهدوء وحذر ثم أمسك بعمود خشبٍ طويل وعريض نوعا ما ووضعه على الباب بوضعية معينة كإغلاقه تحرزاً من أي شيء .. تقدم الى الأمام خطوات قليلة ثم زم شفتيه ونادى على أمه منتظرا ظهورها لتحمل عنه الصندوق الثقيل على كاهله .. ركض الى الغرفة التي كان فيها مسبقاً فوجد أخاه نائماً فوق قطعه قماشية على الأرض فجلس بجانبه مباشرة ووضع العلبه جانبا .. سمع صوت أنفاسه المتعبة والمتتاليه برفق والتي كانت صدا في الغرفه الفارغة من الأثاث .. مسح على وجهه مبعدا الذباب القذر عن جسده وهي تمص من دمه كما يشعر بأن البرد ذاته يفعل ..! عدل موضع يده ورأسه حتى لايصدر شخيرا ويرتاح في نومه العميق والغريق .. هذا أخٌ حنون بنظرهم في هذه المنطقه التي يسير الأخ بجانب أخيه كما تسير الضباع جانب الأفاعي .. لاتوادّ ولا أخوة .. نسمة من الرياح لطمت جسده ببرد صرد! فأصدر رامي رعشة قوية من البرد فهم به وأمسك الغطاء ورماه عليه وبدأ بترتيبه ومحاولة جمعه على رامي .. أنفاسه تتوالى بضيق وكأن وحلاً من الهموم والشقاء ابتلعه في حين يغرق عقله الفطن والمميز بالحصانة في دوامة أفكاره ومشاعره المنسوجة رتقا .. ينظر الى أخيه أو بالأحرى كان ينظر الى شريط حياته! .. حدق به مطوّلا وهو يفكر في أمور كثيرة جدا .. حالته المادية و أموره العائلية .. أليس صغيرا على التفكير بهذه الطريقة؟ مع أنه يعد قبل اثنين من آخر فرد أي انه لايزال لديه من يكبره بكثير .. الا أنه يعقب ذلك بأنه مسؤل عن هذين الصغيرين أخته سناء التي تصغره بسنتين ويصغره رامي بأربع سنوات ونصف .. الأيام تمضي بسرعة وتمضي أوجاعها وتطوى مع صفحات الماضي أيام ومشاكل بل كوارث حدثت عندما كان في سن الثلاثة والرابعه والخامسة ومع آخر حادثٍ في بداية سنّ السادسة استمر الوضع ولم يتغير الحال.. سافر والداه من مدينة عربية وهي المسماة ببلاد القدس او فِلسطين .. حين قامت الحرب واشتعلت المجازر عام [ 1982 ] م أبريل .. اشتعلت المجازر! وسافرت القلوب الرحيمة وأصبحت الأرواح رخيصة وترحل كما لو كانت روح نملة! فبعضهم لا يشعر بالذنب تجاهها وكانت من أبشع المسافك في التاريخ!! .. كأنّ دمائهم الغاليه تراب يسكب على الأرض بالنسبة لهم .. واذا انتشر البركان وقلت المياه فإن بإمكان البركان أن يطغى على ماتبقى من المياه النقية.! لك أن تتخيل مقدار الجثث التي أزهقت .. فمانجا منهم الا قليل .. وقد تُرك في فؤادهم داء الإشتياق .. تمزقت قلوبهم الطيبة وهم يودعون الموتى بأيادٍ ملوّحة ومرتجفة .. لايدري أحدهم متى سيكون دوره وكيف ستكون ميتته!. تعلو ألائك الأطفال الأهكاء دموع أستحوذت على الوجنتان لتغسل الرماد الذي عليهما وتصل الى أكبادهم لتحفر ثقبا يبقى الى المستقبل .. في ذلك الأوان لم يكن لدى عائلة رائد أي خيار سوى الهجرة والإبتعاد الى دولة انجلترا ولسوء الحظ هربوا عبر طريقة غير شريعة في نظام السفر .. عبروا البحر منتطين سفينة عادية .. كانت قلوبهم أشد نبضا وأشد عنفاً في تعداد النبض وكانت ستصرخ من الفزع لامحالة .. في كل دقيقة تميل بهم السفينة يمينا وشمالا كسلحفاة لاتجيد السباحة وألقيت في وسط المحيط! وتحاول أن تبذل جهدها لتعيش لكن ليس بالأمر السهل .. تتحرك الأمواج بعشوائية شديدة وتلتطم ببعضها بعنف مصدرة صوتا لاينسى! وتغيب الشمس تماما لتحل محلها الغيوم الكثيفة! وتكتسي السماء ثياب السواد .. كابوس من عواصف ، وبريق يثقب غيوم السماء المتماسكة والثقيلة ، صرخة أقوى من زئير الأسد طغت على صوت ضربات الموج العالي! وهبت الرياح فرسم البرق في صفحة السماء وأرهب الصوت المدوي الأنفاس .. وكأن شجار بين سحب السماء وأمواج الأرض قد بات! .. دوار استولى على رؤسهم أقوى مماكان عليه.! صاحت أم رائد حين بدأ جسدها بالتدحرج سريعا بل الطيران ففزع رامي وهاج فيه البكاء .. عم القلق والأرق.! وماهي الا دقائق ويصيح مدير الطاقم أو المهرب مناديا : " لقد اقتربنا من الهدف.! " ابتهج الجميع وبدأوا بالإستعداد في الحال .. لم تكن مدينة جايويك هدفهم حقا! انما عنا بذلك المهرب هدفهم في النجاة من الزوبعة القوية .. وممازاد الأمر سوءاً هو وصولهم تلك المنطقة وسرقة أموالهم المتبقية والبخيسة من قبل الطاقم الجشع .. وماكان منهم سوى المكوث في أقذر وأفقر مناطق جايويك وأسوأها سمعة! .. عاشوا ومكثوا هناك .. لكن والد رائد بدأ يقع في مشاكل زوجية مع أم رائد وقد تم طلاقهما في إحدى المرات وبشكل عنفي وكره وحقد .. ثم عادا زوجين ثانيتا عندما أدركا خطورة طلاقهما فبينهما أطفال وشباب وبنات وليس حالهم حالا مناسبا خاصة في هذه الأجواء والأماكن .. وأصيبت أمه بشلل نصفي خطر عندما وقع عليها خبر كالصاعقة مماجعلها لم تذق طعم نوم أو راحة ولاطعام ولامشرب .. وصلها خبر من إحدى الصديقات أنها لو لم تكن بالغة لاعتبرت يتيمة! .. لقد فقدت معنى اسم العائلة نهائيا فقد تلوّت قذيفة في سماء فِلسطين وسقط على رؤوس أهلها كما سقط خبر سقوطه صاعقة على رأسها .. وقررت الإنتحار! حاولت ذلك عدة مرات الى أن هددها زوجها بالطلاق مرة أخرى لكن هذه المرة انفصالٌ بلا عودة! .. وأصيبت بحالة اكتئابٍ وفزع شديد! .. لم يعد لها أهل أو مسما العائلة على وجه الأرض .. ماتوا جميعا! .. نفض أفكاره وحرك مقلتيه ورأسه عندما قاطع عقله صوت منخفض صغير.. : " هل جلبت الطعام؟ ".. ابتهج وأشرق وجهه وهو يقول : " الحمد لله هذا طعام لك..تذوقه ولن تندم..عجوز الا أن طبخه لذيذ بحق! " ناوله الصحن فقال : " امم يبدو لذيذا فعلاً..لكن لمَ تأخرت؟ انتظرتك طويلا! " أجاب رائد : " كان العمل كثيراً وشاقا.." قال رامي :" كيف أمي؟ ".. نهض متنهدا بشوق لها ولحنانها الثمين دون إجابة إلى حجرتها .. دخل الى الغرفة ونظر إليها وتعلوه ابتسامة حب واشتياق .. علّ بعضهم يتسائل لماذا لم يطرق الباب؟.. هذا السؤال يذكرني بسؤال سخيف ومبهم .. كيف يطرق المرء الباب المفتوح؟! .. كيف له أن يطرق بابا لاوجود له؟ .. أغلب الأبواب في المنزل مقتلعه وبعضها محطمة .. كانت ترضع ابنها الصغير .. كانت أمه امرأة تلقب بالجمال والحيوية والأناقة .. شعرها الأسود مع العدستين التوأم وبياض البشرة يعطيها كون أن تستحق اسم بدر مضيء..! قالت بحب وابتسامتها تهديها له : " عدت من العمل؟ " أومأ لها بإيجاب واقترب منها يضمها تحرزا من فقدها يوما .. هي أغلى لديه من أي شيء في هذه الدنيا الفانيه .. ربتت على شعره بأمومية وهي الأخرى تحبه فهو ابنها .. يشعر بالأمان والحب كم هم مساكين أولئك الذين لايملكون أما .. هي نعمة جميلة .. أمان وحنان ووأآم وسعادة .. كل هذا أشعر به حين أراها تبتسم لي .. وأخيرا أغمض عينيه ورقد في أحلام وغرق في نوم عميق ......


سميرة زكريا بلقب (سمر) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-21, 09:02 AM   #4

سميرة زكريا بلقب (سمر)

? العضوٌ??? » 491612
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » سميرة زكريا بلقب (سمر) is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله ..
عذراً على تأخير هذا هو الفصل الثالث ....


الفصل الثالث :"

صباح مشرق وأنيق .. نسمات ناعمة وجو هادئ .. تتناغم الطيور على كنائف المنازل منشدةً صباح يومهم بإبداع وتتالي .. تزورهم أسنى أنواع الطيور والعصافير وتقف تستعرض ماوهبها الواهب .. ريشها المهرقش بألوان زاهية يعكس أشعة الشمس الوهجاء فينطلق لسانها بلحن مجود .. تصطف البنات محاولات تقليد شيء من صفيرها المثالي لكن العصافير ترفع رأسها بتباه وغرور مفحم وتعجز الفتيات مهما حاولن فعل ذلك .. يسير رائد بين لمّة الشباب والأطفال.. هذه أول أيام طريق الإجتهاد والثقافة .. في هذا اليوم سيبدأ رائد رحلته الدراسية .. الصف الأول الإبتدائي دراسة رائد .. سرور وسعادة في محياه .. يسير بمعاني النشاط .. يحمل عنفوان الشباب وحذق الأطفال .. كم هو جميل أن تذهب الى مدرسة ويصبح لك أجمل الأصدقاء .. الكثير من يجحد معنى الصداقة والدراسة بينما هي كنز لمن لم يذقها .. يمشي محاولا تفادي الحفر الطينية وآثار الزجاج الحاد .. سماء صافية .. لاتتواجد أي غيمة في صفحتها الزرقاء .. رأى ينبوع ماء منهمر من إحدى الحلقات الحديدة فأمال رأسه وجعل الماء ينسكب على رأسه ووجه بتدفق وتجمع الأطفال كذلك وبدأوا بفعل الشيء ذاته لايعلم هل هو تقليد أم أنها عادة لم يرها فيهم من قبل؟ .. شعر بأقدام من يدوسون قدمه من الزحام فتراجع مباشرة حتى لايصاب بأي أذى .. أكمل طريقه مرة أخرى وهو يتقافز كالعصفور فوق الأغصان المتناسقة .. وينشد الأناشيد الغريبة التي اخترعها من باطن عقله الطفولي الجميل .. لكن فجأة صادف في طريقه سيارة غريبة على حين غرّة .. ماخطب سيارة في منطقتنا؟ من المستحيل تواجد أدوات حديثة كهذه! بل ومستحيل أن يختار شخص بغناء فاحش منطقة كهذه للعيش فيها..! كانت سوداء كالفحم وزينة مقدمتها بيضاء كالحليب .. سيارة في ذلك المكان لها هيبتها حقا .. بدأ ينظر فيها وبطريقة كأنه يتفحصها .. عجلات نظيفة ومن الصعب تواجد خدش صغير في هيكل السيارة وزجاجها الرمادي نظيف كذلك .. من يستطيع امتلاكها؟ كم من السنوات قد عمل؟ كم أسبوعا قضى في تعبئة الماء؟ آسئلة تطرحها عيناه وهما لاتكادان تتزحزحان عنها .. تفصح نظراته مدا تعجبه ودهشته من السيارة الجميلة والأنيقة! .. امتدت أقدام بحذاء لامع ربما لو وقف على جمر لما تأذت أرجله المكتسية بجلد غالي بينما كانت قدما رائد ملطخة ببعض الطين والأوراق اليابسة .. فتح الباب ليخرج رجل يبدو عليه الثراء ..! ليس رائد وحده من كان يراقب سيارته وملابسه التي ماكانوا ليرتدوها أو يروها من قبل .. أعطاهم نظرة تكبر واستعلاء وعدل قميص بذلته السوداء الآنيقة .. سار عدة خطوات لكن نظرات الأطفال لم تدع له مخرجا كأنهم قد سحروا بمايرونه.! هل هذه أول مرة يرون فيها ثيابا؟ ماذا دهاهم؟! كانت نظرات الناس حوله تقول الإطراء ونظراته تقول الإستعلاء والإستحقار .. لايكادون يرون حاجبيه الكثيفين وعيناه الغليظتين بسبب ذقنه التي حجبت كل شيء فذقنه المائلة الى الحمار هي مااستطاعوا رؤيته .. مظهره يعطي انطباعا روسيا غليظ الملامح .. في قلبه شوكة التكبر والغرور لايشك في وجودها الا من لم يراه مطلقا .. حاجبه كثيف اضافة على رموشه القصيرة وفقيرة التعداد .. أشار لأحد الحراس حوله بإبعاد كل شخص في طريقه .. فحياه بطاعة وبدأ بتنفيذ عمله .. فصاح أحد الأطفال مماجعل الجميع ينظر اليه حين قال بذهول : " ماذا يوجد هنا؟؟! .. سأنادي إخوتي..!! " نظرة من طرف عيني الرجل جعلت قلب الطفل ينكسر أشعرته بأنه لافرق بين وجوده وفراقه كأنه ذبابة ستموت بعد ثلاثة أيام ولا يهتم لها أحد ..! صدق المثل حين قال..: المغرور كرجل فوق الجبل .. يرى الناس صغارا من بعيد ويراه الناس صغيرا .. جفل الطفل عندما رأى قطبة حاجبيه مع عكفة أنفه بقرف .. ماهذا التجبر و التكبر؟ ان لم يكونوا أغنياء فهذا لايعني أنهم حشرات! الفقر ليس من ضمن خيارات الإنسان .. أعاد بصره للطريق ومشى ويديه خلف ظهره وكأن رقبته لم تعتد الميل الى الأسفل مطلقا فهذا ظهره المنتصب لايدرون كيف يمكنه نصبه لهذه الدرجة بل لماذا يؤذي نفسه بهذه الطريقة؟! واختفى وسط الحراس الذين يتبعون ظله ويحرسونه بدقة متناهية! .. بقي بعض من الحرس عند السيارة لحمايتها وطردوا تجمهر الأطفال عنها .. ابتعد عدة أمتار وقد أخذ عن الأغنياء صورة التعجرف وعدم الإحترام! يالها من صورة وضيعة.! كيف يتمكن قلبه من اعطاء صور سيئة لذاته!؟ همس رائد والحروف تخرج من بين أسنانه : " متعجرف من يظن نفسه؟؟! أتمنى ألا أكون غنيا ان كان تعاملي هكذا مع الناس! ياله من احتقار! " وقلب عينيه بغيظ .. رفص الحجر الصغير الذي كان أمامه بقوة فتناثر التراب اذ لم يرمي الحجرة فقط بل بكل التراب الذي كان أمام قدمه وبدأ يكح ويفرط في السعال بسبب غباره .. بصق بعض التراب الذي قد تناوله عنوة مع الهواء : " سحقاً!! " قالها بانزعاج واشمئزاز .. توجه سريعاً الى أقرب ينبوع صغير .. ارتشف قليلا منه وغسل وجهه حتى أصبح نظيفا .. يبدو أنه كان قد أخطأ الطريق قبل أن يرمي الحجر فهذا الطريق الذي فيه الينبوع هو طريق مدرسته الجديدة .. ابتسم برشاقة وأخرج من فاهه قهقهات الضحك كيف له أن يهتدي برمي حجرة بل كيف ينسى المكان الذي دله عليه والده جيد أنه لم يكمل الطريق وإلا تاه بين الجهلة! وأخيرا تنفس الصعداء لقد وصل الى مبتغاه .. هاهي أبواب المدرسة تفتح من جديد هاهي تستقبله بأجمل التحيات .. ربما كانت المدرسة هي أفضل مبنا في المنطقة ولكنها لاتنقص من العيوب فجدارها حديدي ولاتتواجد سوى سبعة غرف مصطفة .. لايوجد نظام مرتب ولامكان نظيف .. ومع ذلك فإن الجميع يحاول قدر المستطاع جعل المكان مرتبا وجديدا .. من الممكن أن يحدث تماس بأي وقت فلذلك ترى الجميع متخوفين .. طرق أحد الأبواب فأتاه الرد : " أُدخلْ " دخل الى الصف بابتسامة واسعه ومبتهجة ومن فرحته نسي مايجب عليه فعله فتوجه على الفور الى أحد الطاولات الفارغة وجلس عليها بحماس .. رفع المعلم رأسه وعدل نظاراته الطبية فإذا برائد يدخل دون أن يلقي التحية أو يعرف نفسه.! فقال بتحير واستنكار : " من دخل منذ قليل ياأطفال؟ ".. نظر بعضهم الى رائد مترقبين ردة فعله وتداركه الموقف ففهم المعلم من كان قد دخل وسبقه غلطه .. قال بهدوء : " أعتقد يافتى بأنك أنت رائد خليل ؟ " أومأ له وقال بظرافة : " حزرتها أستاذ.." ضحك بعض الأطفال حوله بسخرية وتهكم ورائد ينظر ويسأل نفسه لم يضحكون فهذا طبعه الدائم مع الجميع ولم يقصد السخرية .. ضرب المعلم البريطاني العصا على الطاولة مانعا تسرب الضجة أكثر ثم ابتسم قائلا :" أهلا بك رائد ".. قال بعدها وهو يفتح على صفحة الكتاب : " هيا الى الدرس صفحة رقم أربعة عشر.. " لم يكن رائد يحمل كتابا فرآه طفل ما على هذه الحال فاقترب منه وشاركه الكتاب .. شكره رائد على ذلك فقال الطفل : " ماكس .. أنت؟ " ابتسم ابتسامة واسعة ثم مد يده وأجاب : " ألم تنتبه لكلامي منذ قليل.؟ رائد.." فمد الأخير يده وصافحه بسرور ورد : " أنا لاأنتبه للمعلم أنتبه لك؟ لكن مع ذلك تشرفنا " ترك ماكس يد رائد عندما لاحظ نظرات المعلم الغاضبة من الإنشغال عن الدرس وتظاهر بفتح الكتاب الا أن نظراته لم تختفي الابعد مجهود من التمثيل .. لكنه لم يمل ولم يتعظ فأبقى عينيه على السبورة وقال مخفِضاً الصوت بحرص شديد على ألا يسمعه معلمه وسأل بصوت كالفحيح : " من أين أنت؟ يبدو أنك عربي..فهل صدق حدسي؟ " رفع ماكس الكتاب نحو عينيه في حين أجاب رائد والسعادة تتراقص على وجهه فأخيرا ربما يكون لديه شخص ما يتسلى معه ويمضيان وقتاً معاً : " أجل من أرض القدس .. عربي وهذا مايدعوني للفخر حقا.." نظر اليه الفتى بأعينٍ حزينة فأومأ رائد له مستفسرا فتنهد وقال : " أكل ماحل بك ولاتزال تفتخر ب.. ببلادك؟! " ابتسم رائد بفهم ورد عليه كما يرد والده أو كما يعلمه وبالأحرى ممافهمه : " أنا مسلم..وديني يحثني على ألا أتشائم بمصيبتي! فأنا أحب بلادي واليهود هم من اعتدوا.. وأنا أنتظر الفرج من الله! " علت الدهشة ماكس الذي يكبره بثلاثة أعوام وقد أعاد السنة بسبب رسوبه : " مسلم؟! سمعت عن المسلمين يالها من صدفة..أتعلم يارائد؟ أن والداي متعصبان للنصرانية؟.. كم أحببت التعرف عليكم لكنهما يمنعانني بحجة دينهم.." ضرب المعلم بالعصا على الطاولة بقوة فهدأ الجميع نظر الى رائد وماكس وعيناه ترمقنهما بسخط .. قال بصوت عال : " ماكس!. أريد تفسيراً! ماسبب هذه الضجة؟؟! " أنزل ناظريه الى الأرض دون إجابة لكن المعلم أكمل : " الآن ليس وقت التعارف!!..معكما اليوم بطوله.." ابتسم رائد بسخرية ومرح ثم قال : " نحن اليوم بطوله الذي تتحدث عنه مشغولون.! " أشار المعلم بسبابته :" هذه آخر كلمة أسمعها منك..! وإلا فاعتبر نفسك مطرودا! " بقيت الأنظار معلقة ببعضها لعدة ثوان حتى صرف المعلم انتباهه عنه مكملا درسه .. مر الوقت ببطئ بؤروق .. لكن رائد أمضى يوما سعيدا ومرحاً .. وقبل أن يرنّ الجرس تذكر بعض الأمور التي حدث معه أثناء وقت الراحة حيث قام بجعل جميع طلبة المدرسة يركضون وراءه مهرولين ومتوعدين وتذهب محاولاتهم أسفا بالإمساك به .. مع كل ذلك الفقر والبيئة البئيسة والمرض الشديد والأحوال الصعبة جدا ترآهم هادئين مع كل تلك الظروف الا أن قلوبهم الطيبة تبعث الإطمئنان وحياتهم بين بعضهم مليئة بالحنان .. قد يكون رغيف خبز يجعلهم سعداء بينما ذو مال يأكل ممايشتهي لكنه لن يكون سعيدا برغيف خبز كما تكون سعادتهم .. فإن كان الشخص طيبا قنوعا فحاله جميلة في غنائه وفقره .. وان كان عكس ذلك ففي فقره إما يقتنع ويعيشه بسعادة أو يعيش فقره في بؤس وغناه في كآبة .. هذه حال المتكبرين ذو الطبع الجشع غير راضين بما قسم لهم..!!





هل ستتمر تلك السعادة التي خالطت أنواع المعانة الدنيوية ؟
مالذي سيحصل بعد ذلك ؟
وماهي تلك المفاجئة التي وقعت صدمة عليهم ؟
تابعوني لتعرفوا البقية !


سميرة زكريا بلقب (سمر) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-21, 09:12 AM   #5

سميرة زكريا بلقب (سمر)

? العضوٌ??? » 491612
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » سميرة زكريا بلقب (سمر) is on a distinguished road
افتراضي

حياكم الله .. معكم الفصل الرابع ، ستكون هنالك مفاجئة صادمة وكذلك محزنة !!






الفصل الرابع :"

طنطنات جرس المدرسة جعلت سربا من الأطفال يركضون نحو البوابة ويزدحمون بضراوة .. اصطدم أحد الأطفال بالمعلمة التي كانت تجمع أغراضها فوقع كل ماكان في يدها على الأرض فقالت بنفاذ صبر : " بهدوء بهدوء لم كل هذا الإستعجال؟؟ " ضحك الصغير عليها بخجل واستمر بالجري بعيدا .. ورائد يستعد للسباق على قدم وساق فوق أعتاب المدرسة حيث تشرق الشمس وتصدح في وسط النهار في حين تتسابق الطيور وتطنب أجنحتها الناعمة لتحلق في الفضاء الواسع في مملكتها الخلابة طالبة قوت يومها بصبر واجتهاد .. يركضون بسرعة وسعادة .. أصوات ضحكاتهم الآسرة تبهج النفوس .. هم لايستطيعون العيش بغناء ورخاء .. لكن حياتهم لذة ورغد .. كالقطط ترضى بأي شيء دون تذمر .. فمهما آذت أقدامهم الحجارة الصلبة فكأنها ورد اعتادوا السير عليه .. يتعثرون ويعيدون النهوض ويستمرون فوقعة على الأرض خير من سقطة من على شفا الوادي الشطب حيث هناك الموت المحتم..! تحلق الطيور حول الشمس معلنة التزام النشاط وتبعث أشعتها الذهبية الى تلك الزهور حتى أتت نسمة عليلة جعلت من الملابس المعلقة على الحبال تتحرك وتلتطقط من الأزهار عبقها الجميل وتنشرها في الأرجاء كساع البريد .. والنساء يجلسن يستنشقن الهواء النقي ويعملن في المنازل وبعضهم كان يخبز الخبز فتهرب رائحة لذيذة من التنور لتجذب الجائعين والجامعين .. تعثر أحد الأولاد على غصن شجرة يابسة تماما فأخرج آهات الألم والإنزعاج بسبب خسارته النكراء فتجمع الأطفال حوله يصفقون وينشدون بسخرية : " فآاااشل..فآااشل.. ههههه " رفع يده عليهم بتهديد وسخط فهرولوا بهرب وعندما اسجتمع وقوفه ولحق بهم التفت اليه أحدهم وأخرج له لسانه محركا إياه بعشوائية وطريقة استفزازية جعلت من رأس الفتى أمامه كقدر على ألسنة النيران فأخذ قبضة من الطين وكورها باحترافية ورماها .. لوكان يعلم أنه ليس بماهر في الرمي فقد أصاب أحد الملابس المغسولة للتو فتلطخت بالطين والأوساخ فخرجت امرأة عجوز ترتدي فوق رأسها منشفة وردية تستر شعرها الأبيض الذي كسته الشيبة وتخفي تحت نباتات شعرها تجربتها في الحياة .. صرخت عليهم بغضب وأمسكت بملعقة طبخ كبيرة وبدأت تلاحق الفتى فعلت أصواتهم من الضحك والإستهزاء فهو يزيدها غيظا وياله من متبجح .. عجوز لاتستطيع أن تمشي أسرع من طفل له من العمر سنة ونصف وتكاد تسقط وهو بكل مهارة يستعرض أمامها شبابه ويركض بأسرع ماعنده .. يركض الأولاد وراء المتسابقين يشجعون ويترقبون الفائز فيهم وبعضهم يستعرض قوته أمام البنات ويحاول جذب انتباههن فقد كن جميلات ولطيفات للغاية .. ماهي الا بضع أمتار ويحاول رائد بكل جهده الوصول والفوز لكن إرهاق جسده مانعه وطرد النشاط .. صاح الأولاد بفرح وصفقوا بحرارة وليس هم فقط بل حتى بعض الرجال من فوق الشرف صفقوا معهم وفرحوا لفرحهم .. مع محاولات رائد بالفوز الا أنه لم يكن الفائز هذه المرة .. أطلق أحدهم عليه لقب : ( السلـحفاة ) لم يزعج رائد هذا التعليق بل على العكس استمر بالضحك معهم بكل ارتياحية وسرور .. أيامهم لطيفة كزهرة التفاح جميلة ورائعة .. تمر أيام رهيبة كالإختناق وتمر أيام حلوة كالعسل .. هذه هي الحياة .. يوم لك ويوم عليك وقد يكون لك .. على الإنسان أن يتفهم ويتقبل سنن الله في الكون .. فهي اسمها دنيا وقانونها كما تدين تدان وأسلم تسلم .. هي ليست الحياة على الإطلاق!.فالحياة تكمن في الآخرة فهناك حياة بلا موت ورغد بلا انقطاع .. والحظ قسمة بين البشر .. فليس كل غني سعيد وليس كل فقير سعيد .. انما مفتاح السعادة في القناعة .. فإن كنت غنيا بلا قناعة فلن يكفيك مال الدنيا كلها .. وان كنت فقيرا فستتشائم بكل صغيرة وكبيرة .. فالقناعة قانون السعادة والقناعة تحتاج الى صبر والصبر يحتاج الى دعاء ثم همة .. ليس من ضمن قوانين البشرية أن أقول لا لكل شيء وليس نعم لكل شيء .. علت إبتساماتهم لأمد بسيط حتى تلاشت الإبتسامة من وجه رائد كما تغيب الشمس خلف السحب .. فجأة كادت ضربات قلبه المتسارعة أن تتوقف .. يالها من مفاجئة ..! ألم استولى على صدره .. وجف حلقه تماما في لحظات معدودة .. ليته لم يكن قبل أن يرى مارأى ويسمع ماسمع .. لم تطرف عينه نهائيا! شعر كأن سهما أصابه في عقله وقلبه! ماذا يريدون أكثر من ذلك؟ كم من السهام سيلقونها في قلوبنا بعد ذلك؟ .. شعر بأن قدميه تهددانه بالسقوط فلن تتحمل أكثر! يريد أن يبكي ليخرج مافيه من الأحزان لكنه يخاف من جفافها فقد بكى كثيرا وقد أرهقت .. صرخات متتالية ويشعر مع كل صرخة أنه يتراجع خطوة بعد خطوة حتى يقع ! يصرخ الرجل الروسي بقسوة وزمجرة ويخرج أسوأ الكلمات وأقبح الشتائم ومما هو في النفس ضيق تهديده بأخذ أخته سناء! .. حدج رائد في لحظة صامتةٍ عن الإعتراض وصنمه في مكانه بإهانته قائلا باللغة البريطانية : " قذرون وحثالة!! ".. ولم يتخيل رائد قدر وقاحته عندما ركب سيارته التي شاهدوها في طريقهم بعد أن فعل مافعل وبدون أي اعتذار أو شفقة! اقترب بضع خطوات ثقيلة الى الأمام .. لم يتحمل مشهد البيت .. أمه مستلقية على الأرض تدرف الدموع كما الغيوم حين تمطر المطر وفي يدها نسيج من خيوط برتقاليه نوت بها صنع وشاح لسناء ابنتها الصغيرة عل ثلج الشتاء يخف عن كتفيها ويقيها لذعة السقيع .. ثوب عبائتها الطويلة مبعثرة أطارفها تشدها أخته سناء وتغطي جسدها به من الخوف! أخذت والدته شهقة قوية امتد بعدها صوت بكاء يمزق روح والده الذي يحتضن رأسها ويغطي وجهها بذراعيه ولم يرفع رأسه إطلاقا منذ اللحظة فلعله يخفي دموعه الحزينة .. وأخته الشابة تأخذ على عاتقها سباب وشتام ذلك الروسي بازدراء وخَسف.! بلع ريقه باضطراب واقترب أكثر فشعرت أمه بصوت أقدامه فرفعت رأسها ونظرت إليه بعيون منتفخة وخدود اغتسلت بالدموع ووجه شاحب .. تنهد عثمان وكل ذرة خرجت من فمه تحمل فوقها هماً في دنياه لقد كان سبب كل ذلك! لقد أودى بحياة ابنته الى الجحيم!!..عادت ذكرياته الى ما قبل سنوات عندما هم بالخروج الى انجلترا .. في ذلك الأوان لم يكن ليملك القدر الكافي من المال للسفر خارج هذه البلاد التي لم تدع الحرب لها وقتا للتنفس! ولم يتوقع أن يغريه الروسي الجشع بقرض كبير وهو يرتدي قناع ابتسامة ماكرة جعلت من والد رائد لعبة بين يديه في دقائق كتخديره فكريا .. بصمت أنامله على عقد رهن بأحد أولاده الم يتمكن من سداد المبلغ في الوقت المحدد! .. كُتم الأمر لسنوات طويلة لكن ماكان للأمر أن يبقى في سبيل حاله.! لم تعلم والدة رائد شيماء بأي شيء عن القرض وعن عدم قدرة هذا الروسي على الإنجاب وأن الناس يعيرونه بهذا المرض ولايتحمل سخريتهم .. ولا حتى عن الرهان وعن ماذا يعني لزوجها الذي تحمّل عبئ الكتمان كمن يقبض على جمر ويبتسم!..صرف بصره عن الجميع فليس لديه طاقة تحمل لتلاقط الأبصار والمفاهيم لكن بقيت أنظار زوجته تحدق به فلم تجد جوابا واضحا فأعادت شيماء رأسها في حضنه وأجهشت في بكاء حاد يثير الألم وكأنها تندب حظها السيء .. ركض نحو أمه وفتح ذراعيه ليحتضنها لكنه تفاجئ بسناء تركض اليه وتضمه بدلاً من أمه وكأنها وجدت ملجأ تحتمي فيه أخيرا..! جلس بحزن وربت على شعرها الناعم والطويل كأمواج البحر وشلالات الجزر يتكافت على أكتافها بانسدال .. كم كانت تشبه عمته الجميلة والمختلفة مظهرياً عن العائلة .. عيناها تشتهي الطيور السباحة فيهما فلا فرق بينها وبين مشهد السماء الصافية بينما بقيت نوارق النجوم تتلألئ رغم أنه قد حان وقت سفرها ، وأسوار عيونها الرمشية الطويلة تعكس أنوثة هيمنت على الفن والجمال .. لاحظ دمعة سارت بيأس على خديها الناعمين وقد غسلتهما من التراب بسبب اللعب والهواء .. تنهد حزيناً مع أنه لم يفهم من الأمر سوى أن هناك فردا ما سيذهب دونما مقابل كبضاعة بخسة أو علبة سجار .. مسح دمعتها الوحيدة كنجمة بلا قمر أو نجوم بإبهامه ثم أمسك بكفها وساعدها على النهوض ومشى بها عدة خطوات ثم آسرع بالجري .. صاحت به سناء وهي تلتقط أنفاسها : " الى أين يارائد؟..الى أين؟ ياإلهي أصبحنا بعيدين.."... بعد حوالي خمسة عشرة دقيقة بعد أن ابتعد كثيرا توقف متكئا على ركبتيه ثم حاول استعادة دورة أنفاسه وجرايان الدم في عروقه .. شعر بملمس يديها البطيئ وهي تترك يده بنظرات متوسعة ومذهولة .. فتحت فمها لتصف روعة المكان لكن مامن كلمة مناسبةٍ ينطقها لسانها .. كانت الأشجار متطرفة على أسوار النهر الكبير .. وتتطفو ورود الأقحوان والنرجس على مقربة من العشب الأخضر .. رمال ذهبية براقة تأتي مع غروب الشمس على سطح المياه .. لون ارجواني مائل الى الزرقة حول الشمس التي شارفت على الانصراف لتستقبل السماء بتأهب دور القمر وفرقته اللامعة .. تتحرك الورود بترحيب والعطور الزكية تتوالى عليهم بينما تغازل النسمات شعرها الكستنائي كخيوط من ذهب تحت شمس الغروب فيتناثر مع سيريه حول الأمكان فماكان منها سوى النشيد بحرية .. تخرج الكلمات كالجواهر من شفتيها فهزت الرياح الأوراق للحظة ووقفت بعض العصافير فوق أغصان على مقربة منها وعزفت بجانبها مقطوعة من أجمل الألحان على الإطلاق .. توقفت عن النشيد ونظرت الى رائد .. هذا ماكان يريده رائد بحق! أن تبتعد عن ذلك المكان البئيس بعض الوقت فعلى الأقل حتى لايؤثر عليها أو بصيغة أخرى هو من أراد الإبتعاد فلن يتحمل فؤاده رؤية أمه تبكي وإلا فإنه سيشاركها البكاء ولايريد ذلك أمام زملائه .. أمالت بشفتها السفلية بغيظ قائلة : " خائن!.. كيف تعرف هذا المكان الرائع دون أن تخبرني؟ يالها من طبيعة ساحرة! ".. ضحك مشيرا الى شجرة بعيدة ورائها بيت ريفي ضخم سقفه ملون بالأحمر وجداره أبيض يميل في لونه للأصفر كالجبن الفرنسي وفي البقع الأخرى يبدو تصميمه تصميما قديما كتصميم بيوت جبال الألب وقال: " لكن هنا يكمن عملي انظري .. هنا بيت الرجل العجوز الذي حدثتكم عنه..وأنا آتي الى هنا كل مرة لآخذ له الماء ليس لدي وقت للتسكع مع البنات! " عقدت حاجبيها بغضب ثم رفعت احدهما وأشارت الى نفسها : " حتى أنا؟! " ضرب كتفها بسخرية وقال : " لابكل تأكيد آنتي مميزة ههه ".. أزهار أليستروميريا تحضن بعضها وتتكئ على الأسوار البيضاء وقطرات ندى الشتاء على منحدرات آوراقها الوردية .. اقتطف خمسة من ورود الأيستروميريا ثم وضع يده على صدره وثنى على الآرض مقدما لها الورود بهيئة الأمراء : " تفضلي ياأميرة!.. " فهمت مقصوده وقلدته في حركاته قائلة : " أشكرلك لطفك أيها الأمير.. هههه" افترّ ضاحكاً بسعادة .. جلس على الأرض وعكف قدميه ثم جعل جزءا منهما على النهر فجلست سناء وفعلت مثله وفي كل خطوة تنظر الى قدميه حتى تقلده تماما .. تبسم لها بإشراق ثم خزر الى الماء وسأل : " أختي " فأصدرت صوتا من حنجرتها كنعم؟ فقال : " لماذا كنتي تبكين؟ من كان سبب بكائك؟أخبريني لأحطم رأسه! " تطلعت اليه وحاجبيها مرفوعان وتتكئ على ذراعيها وكأنها أميرة تنظر الى فارسها بغرور وفخر : " وإذا قلت لك فهل ستحطم رأسه حقّاً؟! " أومأ لها بإيجاب فابتسمت وهي تمسح على ركبتيها وساقيها بخجل ورقة : " لأن أمي كانت تبكي..أنا بكيت! " ابتسم بمرارة وحزن فاق صدره يالها من صغيرة .. صغيرة وبريئة! إنها لاتعلم ماذا تخبئ الأيام ومايدور حولها بعد!. إنها فقط لاتدرك كم الناس شرسون! وأن ليست جميع القلوب نظيفة وطيبة .. سقطت دمعة حارة من عينيه دون أن يشعر فنظرت إليه بتعجب ثم اقتربت منه ومسحت دمعته بإبهامها الصغير قائلة : " لماذا تبكي؟ من الذي تجرأ أن يبكيك فأحطم رأسه! " ابتسامة حزنٍ اكتست الألم وحكايا أيامه تتوالى عليه ومن حزنه وضع يده خلف رأسها عند موضع اسناد الرأس في الوسادة ثم احتضنها بكل حنان وأخوة وأدرف الدموع حتى لاتنظر اليه وهو يبكي كالنساء فتضحك عليه وتسخر منه .. ابتسمت له من خلف ظهره كأنه يراها وضمته هي الأخرى بحب ووئام تملأها السعادة...مرت عليهما الدقائق دون أن ينتبها .. صوت أنفاسها المتناسقة جعله ينتبه الى أنها قد نامت أخيرا وأنا السماء قد استقبلت القمر وعليهما العودة .. حملها على ظهره رغم ثقلها ومشى الى الأمام نحو بيته .. كان الجو بارداً والسماء تملأها الغيوم التي حجبت نصف القمر .. لايوجد أي صوت غريب سوى صوت تحطم الأشواك تحت أقدامه لم يكن الشارع بعيدا لدرجة كبيرة .. عمود ضوء واحد في الطريق .. يأتي الضوء ويعود ليختفي .. أولئك السكار غير متواجدين على الرصف والشوارع المعتمة ولاحتى أصوات البكاء والشجار الدائم من خلف المنازل .. الستائر الممزقة تتحرك مع تحرك الهواء البارد .. اختفى ضوء عمود الكهرباء ولم يعد ثانية .. اقشعر جسده فجأة من الخوف.!. إنه لوحده في هذا المكان الواسع والمعتم يحمل فتاة صغيرة .. ظلال بعض الأشجار مخيفة المظهرجعلت مخيلته تسبح في الأحلام هل ستظهر الأشباح من داخل الأغصان والأشجار؟ أم من المنحدرات وبعض المنازل المهجورة؟..!! صمت لفترة ثم همس بخوف وارتجاف : " أمي ".. وفي تلك الأثناء رائد رأى ضوئين ثنائيين يقتربان بسرعة كبيرة ولطفولة عقله لم يستطع أن يتخيلها سوى عيني وحش مخيف ذو نوايا مؤلمة كأن الدنيا فجأة قد تغيرت فصرخ بأقصى مايستطيع وكأن الصراخ سيلقي له بحبل النجاة : " النجدة!!! " لم يكن يعلم أن هذه آخر لحظات حياته في هذه المحطة من الدنيا .. دقات قلبه تسارعت وأصبحت أسرع من القطار أوراق الأشجار تناثرت فوق رأسه مع صرخته المدوية! في حين انسفح وانهلّ الدم بتدفق وتلطخت الأوراق الخضراء بالمادة الحمراء .. وتناثرت خرزات فستان سناء وتساقط الورود من بين كفيها لتصبح تحت عجلات السيارة وتبتل بالدماء .. لحظات معدودة قلبت حياته رأسا على عقب!. ودمرت طفولته ووضعت حدا لأيامه .. لم تنل الرحمة قلوبهم بل لم تتحرك أو تهتز مشاعرهم قط.!! ومع آخر حرف توقف الصوت!.. توقف صوته عن الخروج! وكانت آخر كلمة يقولها في طفولته!! لم يعد يرى شيئا! انه يسبح في سماء من ظلام .. أنامله وأطرافه لاتتحرك..! جسده لايستجيب له ولايطيعه .. أنه لايشعر بأي شيء .. ولم يخطر بباله سوى والدته وفي نفسه تتردد كلماته (:" أمي! إنني مشتاق إليك! شفتاي! إنهما لاتتحركان...! أبي أمي! ") توقف عن التفكير آو النداء بصوت داخلي فحتى عقله المتعب لايستجيب!!!!




ماذا جرى لهما ؟؟
ومن قام بذلك ؟.
وماذا سيحدث لبطلنا رائد وعائلته ؟!

انتظرونا في الفصل القادم ان شاء الله !


سميرة زكريا بلقب (سمر) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-21, 09:26 AM   #6

سميرة زكريا بلقب (سمر)

? العضوٌ??? » 491612
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » سميرة زكريا بلقب (سمر) is on a distinguished road
افتراضي

لقد تأخرت أياماً عدة في تنزيل الفصول لذا ، معكم الفصل الخامس أدناه ..



الفصل الخامس :"

حياة جديدة تحيطها الأوجاع العاطفية التاهئه كفراشة وقعت فريسة في مصيدة شباك العنكبوت تبحث عن ملجأ لها تعرفه جيدا لكنها تجهل الطريق وقد فات الأوان .. أحلام أغلقت النوافذ بيأسٍ مغمضة عينها بوداع ترش الدموع كمالمطر لتسقي أوراق الورود البنفسجية وتغلق نوافذ الأمل باكتئاب وخوف من الماضي .. الإشتياق غلبها ففتحت عينها باشراق وتأهب وباشرت بكذلك النوافذ لتسمح لسطوع الشمس وأشعتها الثمينة بالتجول كما يحلو لها فاليأس أصعب من كونه محطما للآمال .. صوت عداد النبضات يدندن بهدوء وحبل الغذاء معلق في ذراعه كلدغات النمل الذي يعشعش في بيته .. تقاريرٌ تُسجل من الممرضات عن حالته الحالية وصحته .. عادت أفكاره المشوشة للنهوض بعد مبية طويل .. لقد عاد صوته الداخلي أخيرا ليخاطب عقله ويهز قلبه ويتلاعب بمشاعره فتلك السنوات الطويلة لم تتدع للماضي أثرا لكنها تركت الإرتياب وأياما لايمحوها الزمن! .. عاد يشعر بأنفاسه وبعض أطراف جسده ومع هذا فإن جسده لايستجيب .. صوت تلك العدادات كصوت انطلاق الرصاص في عقله المستيقظ للتو .. يشعر بآن جسده يطير في سماء أو يسبح في محيط !.. وفجأة بدآ وكأن عقله يتخبط ألوان متفاوتة تدور حول مقلتيه والأصوات تصبح أكثر إزعاجا! تتزلزل الأحداث في عقله ورأسه وحواسه شعور يداهمه بأن كل أعضاء جسده ستتفجر لامحالة! .. صداع مؤلم وفظيع! وكأنها لحظة الإرتطام بالحياة! إزدادت الأصوات اقترابا وصخبا! أصابعه حدث فيها تنمل شديد ودمه بدأ يغلي كالماء في ابريق شاي من شدة تدفقه.! وفي لحظة أشبه بلحظة خروج الجنين ليصطدم بهواء الحياة فتح رائد أجفانه بخوف وإرهاق!! .. كان المكان مظلما وهادئا..لم يكن هناك من ضوء سوى ضوء القمر المنبعث من النافذة .. في تلك ناوبه إحساس بالخوف والمسؤلية والإشتياق عندما رأى بزوغ القمر! نصف قمر؟ هل هذا يذكرني بشيء ما إذاً؟ .. وفي تلك الوهلة توقفت الممرضة الواقفة أمام السرير عن التحرك ونال الشحب وجهها وسقطت الأوراق من يدها متبددة .. همست بصعوبة : " غير معقول " اندفعت بسرعة الى جرس الإنذار بجانب السرير ضغطت عليه وخرجت تنادى باللغة البريطانية : " ستفنِي جورجيا!! دكتور..! " .. بعد خمس دقائق جاء طاقم كامل من الأطباء والممرضات وهرعوا حوله يفحصون سلامته .. يقول بين نفسه بتعجب : ( ماذا حدث ليندفعوا ويتفاجئوا هكذا؟! ) وأخيرا نطق الطبيب بالعربية لغته الأم : " هل تقدر على الكلام؟؟ " عقد حاجبيه محاولا اصدار صوت ما يدل على وجود حباله الصوتيه ونجح في ذلك بعد عدة محاولات .. ابتسم الطبيب براحة واطمئنان عندما أمسك بإحدى تقارير الممرضات ورفع الهاتف ليتحدث به مع شخص ما .. ترك سماعة الهاتف جانبا ثم طلب من الممرضات مساعدة رائد على الجلوس ثم غادرن بأمر منه .. خرج الى مكتبه وبعد ساعةٍ كاملة عاد الى غرفة رائد فنظر إليه مستفسرا فأجاب نجدة حيرته بعد دقيقة رتب فيها بعضا من كلامه .. زم شفتيه مبتدأ الحديث بابتسامة واسعة : " أولا و قبل كل شيء..أبارك لك نجاتك واستيقاظك من غيبوبتك والتي لن يصدقها أي طبيب قد قام بفحصك مسبقاً! وأحمد الله على سلامتك..ولاتخف تبدو الآن في أفضل حال.." همهم رائد قليلا لكنه عجز عن الكلام فاستوعب الطبيب في الحال المشكلة التي تدور في رأسه فعدل وضعية جلوسه أكثر وبدأ بتقليب الاوراق بين يديه وعينا رائد معلقتان في عينيه فقال :" في الحقيقة لاأعرف كيف نجوت! من ذلك الحادث المروع! " توسعت حلقة بصره من الدهشة! فهو لايعلم أي حادثٍ يتحدث عنه .. أكمل الطبيب كلامه بتوتر : " سيدي.. ربما تصاب بالدهشة والخوف بل الجزع وربما حتى في بعض المواقف نادراً بالجنون!..لكنني في كل الأحوال أتفهم شعورك وحالتك النفسية جيدا..لاتقلق يمكننا مساعدتك ومساندتك حتى تعود كما كنت ان شاء الله وتقف بسلاسة على قدميك وسأحكي ماحدث لك بالتفصيل هذا طبعا الم يضايقك حاليا.. " لم يجد أي اعتراض على عكس ماتوقع وجد استفسارا واندفاع بالغاً لمعرفة الحقيقة فأخذ نفسا عميقاً وأكمل :" لقد مر على الحادث حوالي..ثلاثة عشر سنة!! منذ ذلك الحين وأنت في غيبوبة طويلة للغاية بل لم نتخيل استيقاظك مطلقا فسبحان الله!..التقطنا جسدك أشبه بالميت من إحدى البلدان الفقيرة لاأذكر موقعها بالتحديد لكنني أعرف بأنها أفقر مناطق انجلترا بريطانيا..أعتقد بأنك كنت في السابعة من عمرك تقريبا حسب ماأذكر..لكنك كنت صغيرا والإصابة بالغة وخطيرة ميؤس شفائها في رأسك وصدرك وأقدامك وإصابات مؤلمة في باقي جسدك ورضوض كثيرة!..عذراً لكن اضطررنا آن ذاك بتجريدك من كليتك! لأن إصابتها كانت ستبقيك في نزيف داخلي وأمراض أخرى عديدة..كان علينا بترها حتى ترتاح عندما تعود للحياة ولاتعاني من آلمها ويتوقف النزيف الحاد! وللأسف فحتى الآن لازلنا نجهل من كان السبب في كل ذلك ومن كان الجاني! " لم ينبس ببنت شفة من الصدمة وشعر بضيق ينافس أنفاسه..أكمل الطبيب باكتئاب محاولا تفادي الجوانب السلبية للصدمة وبتوتر مضاعف :" ويبدو أنك قد فقدت ذاكرتك !! ولم يعد بإمكاننا جمع الكثير من المعلومات عنك أو عن هويتك! " جحظت عيناه وامتقع وجهه ! لم يستطع الكلام أو التعبير عما بداخله! أبصر حوله في الغرفة أي جهل أكبر من عدم معرفة الإنسان بماضيه ومن يكون؟ حملق بافكاره بعيدا عن كلام الطبيب ففجوة فارغة في عمره قد احتلته لثلاثة عشر سنة..ضياع في ازقات الحياة وظلمة حالكة تنتمي الى قسوة قلوب البشر والى أقنعتهم التي تسجن الأوجاع في الصدور جاعلة للقلم حيرة في أي نوع المواقف يكتب ويزمجر حبراً مليئا بأشعار عربية تحكي معنى التئام الجروح نادراً مضيفة خطوطا مزجت من الأحقاد والدموع درباً من المشاعر التي ذاتها خالطت وعانقت أفكاره!..كأنه يحاول فك عقدة من خيوط حيرته وأسئلته! لاحظ أخيراً كف الطبيب فوق كتفه وصوته الذي يبعث الإطمئنان وهو يقول : " هذا لن يقف في طريقك يابطل أعتقد أنك الآن في سن العشرين والآن تستطيع السير في شبابك وتحقيق أحلامك..هل هذا أفضل فعلا أم الموت؟.." قال في نفسه بألم : " ان كنت بلا ماض فأنا ميت! "... الطبيب وهو يجمع أوراقه : " يلزم عليك أن تدخل دورة إعادة التأهيل حتى تعود كما كنت وتستطيع التحرك بحرية وتباشر حياة جديدة..لكنك حاليا ستبقى في المستسفى لبعض الوقت حتى تستعيد صوابك..سنكمل الحديث في وقت آخر فلعلك تريد أن ترتاح..اطمئن! نحن بجانبك وفي أي وقت نحن مستعدون لمساعدتك أنت كأخينا! " طبطب على ظهره ثم نزع يده وتركه يحاكي صدمته وأوجاعه المريرة..من أنا في هذا العالم؟ لمن أنتمي وهل هناك من ينتمي لي؟ بعد ساعة من الوقت .. أتت ممرضة تحمل صحناً به نوع من الطعام عليه مصاصة تسهل على رائد تناوله فهو بحاجة الى دورة إعادة التأهيل..ابتسمت قائلة : " ثلاثة عشر سنة كلها على غذاء السيروم..هذا طعام لك أعدته احدى الممرضات وأعتقد أنه مناسب لحالتك..بالهناء والشفاء " وضعته على طاولة مطوية فوق السرير وانصرفت الى الخارج .. أخرج آهات الألم وكأنها خرجت من أخمص قدميه حتى بلغت فمه وحملت همه .. لم يستطع تناول أي شيء ليس لديه القدرة على ذلك .. أفكاره مشوشة و شهيته مسدودة .. وأكثر ماخطر بباله عن ماذا كان يفعل قبل أن يصاب بالحادث؟ ماذا كان يفعل ومع من كان وفي أي وقت وفي أي مكان؟ ابتسم محاولا مواسات نفسه ببعض الكلمات الدافئة فربما أنقذه هذا الحادث شديد الخطورة مماكان أصعب عليه وربما انتشله من ساحة الخطر في الوقت ذاته .. بعد نصف ساعة دخل رجل غريب يرتدي ثيابا رسمية سوداء مع الطبيب ثم جلس أمامه على الكرسي وجعل يتكئ على ذراعه .. ابتسم بتهكم! لم يتوقع استيقاظه بعد كل تلك الفترة.! لم يعطه رائد أي اهتمام فهو لايزال يحاول تخفيف الصدمة .. شبك أصابعه وابتدأ بلغة البلد البريطانية : " على ماأعتقد كان اسمك هو رائد فعندما وجدناك كان أكثر ماسمعته ممن كانوا حولك وبالطبع كانوا يعنونك..مرحباً! أنا المحامي جون فليند..تشرفنا سيد رائد.." قال وهو يعدل قميص بذلته : " أعلم أن الوقت غير مناسب أبداً لهذا الحديث فأنت ربما لم يمض سوى ثلاث ساعات منذ استيقاظك لكن الأمر عاجل فعلا..سيدي أعتقد أن في هذه الحالة دونما هوية فإنك لن تتمكن من فعل أي شيء خارج هذا المستشفى وقد يتم تصريحك من هنا قريبا..لذا سأحاول مساعدتك وإخراج هوية معتمدة لك..هذا في حال تذكرت اسمك الثلاثي على الأقل وبعض البيانات المهمة وسأحاول جمع الباقي " قال الطبيب : " كيف يتذكر ذلك وهو فاقد للذاكرة؟! " خزر المحامي جون الى الأرض فستصعب الأمور وتتناوب للأسوأ ماذا سيفعل في الوقت الحالي يالها من ورطة عصيبة!...... ليس كل أمر سيء شر للإنسان ولاضده أو ضد أحلامه ألا متناهية .. يتصور الإنسان دوما حينها أن هذا انتقام من القدر ويبدأ بتخيل امور لامعنى لها ! كثيرون من يتشائم بالقدر وللأسف فهذا يذكروني بحكاية كل طفل كره المدرسة وعاندها بشدة ونظر إليها كجحيم دنيوي لايطاق .. ليس كل ألم يعني الشر والحزن! فلا تتشائم بالقدر مادمت لاتعرف مايخبئ لك بعد ولماذا حدث ذلك .. كل مايحدث في حياتك حتى كل نبضة يدقها قلبك بأمر الله .. وليس بأمر القدر .. والله عز وجل لايظلم أحداً .. الآن تبكي من الحزن والمصائب المتراكمة .. وربما غدا ستبكي لكن فرحاً .. ابتسم وقل ( الحمد للّٰه ) وتذكر مايقول المثل الصيني " ( من لايحسن الإبتسامة لاينبغي له أن يفتح متجراً ) " القطار دوما مايكون مزدحما عندما تهم لتسافر في رحلة جميلة .. هناك ستختلط أنفاسك بأنفاس من حولك وتشعر بالإشمئزاز والمضايقة من الجميع لكنك تصبر وتتحمل بل وتبتسم لأ لايتعكر مزاجك لأنك تعرف أن هذا لن يدوم وان هناك منتهىً بل ورحلة طال انتظارك لها فلم العجلة؟ .. لايهم ان تكون قمراً في وسط السماء! لكن كن نجما بين النجوم فمهما بلغ سواد السماء وكثافة الغيوم تبقى ابلج ساطع!. تنفذ بلجة الصباح من بين الستائر الخفيفة القطنية متسللة إلى داخل غرفةٍ والتي سميت بالنائم الإنطوائي وسبب ذلك هو عدم قدوم أي من الأقارب أو الأصدقاء للإطمئنان على يتيم الهوية! كانت ليلة غريبة إلتزم فيها رائد تلقي الصدمات التي توالت وتنوعت وكانت مسدا له في طريقه نحو العالم..! لاذت أحاسيسه بالفرار من الواقع لكن الواقع أساس الحل ومنه تحل المشكلة .. ومنذ ساعة لاأكثر كان المحامي آن ذاك يحاول استدراج ذاكرته لتكون على رأس لسانه تلقائيا لكن كل شيء ذهب مع مهب الريح .. سقطت احدى ورقات زهرة الزنبق على الطاولة التي تبدو من طراز قديم .. تبدو فعلا متناسقة وكأنها ترحب به وسعيدة لأجله .. أزاحت الرياح الستائر لتغير جو الغرفة في حين دخل طاقم من الأطباء من قسم إعادة التأهيل والتفوا حوله وهموا بأعمالهم فلم يطق رائد انتظار عدة أيام حتى يبدؤا العلاج .. حاولوا بكل جهدهم تحريك الأطراف التي بقيت نائمة لحين طويل .. في تلك الأثناء كان الطبيب عند الردهة يقول للمحامي : " علينا إيجاد حل سريع سيد جون ".. جون : " كيف تريد مني تدبر الأمر وحتى اسمه الثلاثي لايذكره وهو حتى الآن لايستطيع الكلام فمن أين آتي بباقي البيانات اذاً؟ .. في المحكمة لن يُقبل هذا الأمر على الإطلاق!! " رد الطبيب بصوت منخفض : " اتفهم مدى صعوبة الوضع لكن......." قاطعه جون مسرعاً : " إذاً ماذا سنفعل؟ عاجلاً أم آجلاً اذا كتب له سيخرج وسيبدأ حياته..دكتور كيف استقبلته بل وعالجته دون أن تطلب من أهله الهوية!؟..ألم تفتش الشرطة المستشفى من حين لآخر؟ كيف لم يكتشفوا وجوده غير الرسمي؟ " أغمض الدكتور عينيه لوهلة ثم عقد حاجبيه ولم ينظر إليه بتاتاً فهو عازم على مساعدة الشاب ولو بأي وسيلة ويبدو أنه لافرار من ذلك .. أغمض عينيه مجددا وهو يستعيد ذاكرته .. هناك قبل ثلاثة عشر سنه .. كان الجميع يصرخ حول جثته ويبكي! امه تضرب فخذها بكل ماأوتيت من قوة لقد فقدت ابنها الثاني بعد أهلها وهي على استعداد كامل للإنتحار مهما حدث! .. تمسح خده الملون بالدماء ودموعها تسير فوق خديه أيضا صاحت بصوت متحشرج أشفق عليه العيان وكانت تأمل أن يجيب : " راائد استيقظ يارائد أرجوك ياولدي مابك؟ سأعطيك اكبر حصة من الفطيرة بل كلها أعدك لكن استعد صوابك!! أنت نائم فقط صحيح؟ ارجوك اجبني أرجوك ياراائد! بني !!! " اختفى صوتها وفقدت السيطرة على جسدها وهبت رياح فأطفأت شمعات النار المضاءة حوله لقد كان الظلام حالكاً والأصوات تعج بالأنين والبكاء والحزن مسيطرٌ عليهم .. كان رامي يمسك بتنورة فستان أخته الكبيرة ويقول بغيرة تعلوه ابتسامة غريبة خالية من الفرح أو الحزن! :" محظوظ! فطيرة كاملة له وحده..لم لم تستيقظ أيها الاحمق ستضيع فرصتك!! " هز ثيابها المرقعة وسألها : " من سيأتي لنا بالطعام منتصف الليل ثانية؟ " نزلت إلى مستوى طوله وضمته بحرارة ثم شهقت باكية..! تتلألأ الدموع في مقلتي والد رائد التي لم يعارض هبوطها! هاهو ذا يفقد العزيز الثاني! مسح عينيه قبل أن يلاحظهما أحد وتأبط زوجته وبدأ في جرها بعيدا حتى يعود إليها وعيها .. اقترب من رائد حتى أصبح في محاذاته فاتسعت عيني رامي من الدهشة وقال بتعجب! : " أبي يبكي!! " اقترب من رأس رائد وضمه متحسسا وجنتيه وعينيه وقد طليتا بالدم! قال يغزوه الألم : " بني!..لقد وعدتك بأن آخذك إلى فِلسطين و نعيش هناك بسلام..لكن لم أتوقع انني ربما آخذك إلى المقبرة!! عوضا عن ذلك! لم أستطع تحقيق حلمك ياعزيزي..اعذرني! أعدك بتحقيق ذلك! سيعيش هناك أطفال كثر مثلك في بلادهم التي حلموا بها بسلام ان شاء الله..رائد يابني.! لاتعد إلى هنا مجددا!..اذهب إلى حياتك بعيدا عنا..ربما تجد حياة أفضل! " فجأة أتت لرامي لحظة تذكر حالما قال والده ( ربما تجد حياة أفضل! ) عندما وجد رائد جالسا أمام النافذة ونطق بكلمة :" ( ربما أجد هناك حياة أفضل! ) فصاح رامي : " وهل سيذهب إلى القمر وحده؟ وأنا أيضا أريد الذهاب لن أتركه يذهب!! " زم عينيه لتسقط دمعة مريرة جلس أمامه القرفصاء فوجده يقطب حاجبيه ويقول بتصميم :" قال مرة بأنه ربما يذهب إلى القمر! أنا أريد ذلك أيضا! كيف تتركونه يذهب وحده ؟؟! تفضله علينا ياأبي؟! وامي ستعطيعه فطيرة أيضاً؟ هذا كثير!! " احمرت عيناه بسبب كثرة الدموع وظن أن قلبه قد انفطر..! ربت على شعره بحنان ثم جره إليه ولم يقل أي شيء سوى دموع حكت الكثير وفجأة إذا بضوء سيارة إسعاف بكامل مجهزاتها .. صاح الطبيب بعد أن نزل من السيارة وهو يركض نحوه مسرعاً :" ابتعدوا حالاً! " أمسك جسده اثنين من الرجال ينقلونه نحو السيارة وطاف حولهم خمسٌ من سيارات الشرطة وسيارتي إسعاف وخمسة عشر متدربا وثلاثة أطباء متفوقين مهنيّا .. كان من بينهم الدكتور الذي عالجه فقال بصوت إعلاني قلق : " من والد المصاب؟؟ " فأشار له عثمان بالقدوم فاقترب منه وأخذه بعيدا قليلا وقال : " هل أنت فعلا والده؟ " غمز له بنعم ثم : " دكتور أعلم بأن الوقت ليس مناسبا للحديث لكن...في الحقيقة كما تعلم فنحن لاجئون من فلسطين وحياتنا صعبة جدا..قد تظنني قاسياً لكنني لا أود عودته إلينا حتى ليشقى في عمره بسبب فقرنا وقلة حاجتنا لذا.." تردد بعض الشيء لكنه استعاد رباط شأجه وتحدث قائلا :" أرجو منك سيدي مساعدتنا قليلا وكذلك أنا بصراحة غير متأكد من عودته كما كان في فترة بسيطة مطلقا إلا أن يشاء الله ذلك..قد يطول الأمر وقد لاترانا مجددا في هذا المكان!..أرجو منك أن لا تخبره بأي شيء عنا رجاء ان عاد للحياة حقا..لكن قل له هذا الكلام وأن هذا ماأستطيع اخبارك به عن ماضيك فحسب..قل له بأن يباشر حياته وأن يكون رائد من جديد ويختار طريقه نحو الحياة..عد إلى فلسطين وابدأ حياتك كإنسان آخر!.." أمسك كفيه بترجٍ وإصرار :" أرجوك دكتور..لاتخيب ظني وقل له ذلك..ساعده أرجوك! أنا آسف فعلا لايمكني التنازل عن قراري..أريده أن يعيش أرجوك ساعده وعالجه فحتى.. " أخفض رأسه بحزن وكتم حزنه في حنجرته : " فحتى تكلفة العلاج لاأملكها..دكتور اقولها ثانية! أرجوك ساعده تدبر الأمر! " هز اوجه بتفهم واستيعاب .. فكر للحظات ثم رفع رأسه قائلا باستعجال :" ربما أساعدك ان شاء الله لكنني بحاجة إلى بعض المعلومات حتى أتمكن من اصدار هوية رسمية له دون توعك والا فلن يفيده ترككم له.. " ابتسم والده بفرح فلم يكن ليظن بأن الأمر سهل إلى هذه الدرجة لقد بدى مستحيلاً قال الأخير : " كما تريد دكتور لكن لضيق الوقت لن أتمكن من الحديث المطول معك لذا فسأعطيك ورقة فيها كل المعلومات عنه وانتقي منها ماتراه مناسبا.." أشار له :" لحظة من فضلك " دخل إلى الداخل وبحث عن الورقة .. التفت الطبيب يمنة ويسرى وهو يشاهد فرط حزنهم وفقرهم العارم .. كان هناك طفل يبدو في الرابعة من عمره ذا وجنتين حمراوين من البرد يضم ركبتيه عله يشعر ببعض الدفئ ناظرا إلى تجمع الناس حول المأساة التي حدثت في عائلة رائد! تقدم خطوة نحو الطفل إلى اليمين فاستوقفه صوت والد رائد : " سيدي! " فالتفت إلى جهته ليكمل : " لقد وجدتها..هذه هي تفضل " فتحها وأبصر فيها انها جيدة ولابأس بها أومأ برضى : " حسنا لكن سوف آخذ أولا رأي بقية أفراد الأسرة لأتأكد من الوضع فضلاً " والد رائد باضطراب :" لاسيدي.! أعني..أنه ليس بالأمر الضروري فهل وجدت أماً تترك ابنها هكذا بسهولة؟ متأكد أنها لن تقبل وبهذا سيبقى يعيش بيننا في حزن وضيق وهذا مالاأريده..! اعتني به أرجوك.." تنهد بتفكير لأنه اذا قبل فسيتحمل النتائج لكن توجد بعض المعلومات وسيتدبر الأمر المستشفى ملك له الآن! .. لم يقل أي شيء بعد أن التفت إلى الشرطي الذي نادى عليه للتو.. الشرطي :" هل عرفت من المتسبب بذلك؟ " نفى ذلك الطبيب قائلا :" لا.. ألم تكتشفوا انتم ذلك بعد؟ " رد عليه : " حتى الآن ربما نحتاج لعدة أيام حتى نكتشف الأمر ونبحث في الموضوع أكثر.." أومأ بتعجب : " دكتور ألن تلحق بالإسعاف؟؟ " أجابه : " حالاً "....لم تجد الشرطة أيت أدلة على الفاعل وأغلقت القضية ولم تفتح منذ تملك اليأس رجال الأمن حتى النخاع .... نكزه جون قائلا : " هل أنت بخير؟ " أفاق من شروده وترك السيد جون بمفرده ينظر إليه باستغراب .. ذهب الى الطابق الأرضي للمستشفى اخرج المفتاح وأداره بانتظام .. الأثاث بسيط وقديم تبدو غرفة مهجورة يطلوها الغبار من كل جنب وناحية .. سحب احد الادراج فوجد ورقة مطوية اكتست بغبار شديد فنفخ عليها مبعدا اياه .. جلس على سرير صغير نوعا ما وفتحها .. انها هي فعلاً مخطوط بداخلها كل مايحتاجه المحامي للهوايا تقريبا .. تحسس بأصبعه اسم ( رائد عثمان خليل..) همس ناطقا : " لالم ينتهي المطاف! لازال هناك أمل!.." رفع نظره وهمس دون شعور : " ( سناء.. عثمان خليل!) "!!!




مالأمر؟؟!
ماوراء كل هذا؟...
أسئلة كثيرة تدور لكن لن تأتي إجاباتها على الفور !


سميرة زكريا بلقب (سمر) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-21, 07:50 PM   #7

سميرة زكريا بلقب (سمر)

? العضوٌ??? » 491612
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » سميرة زكريا بلقب (سمر) is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السادس :"
صعد الى حيث يجلس السيد جون في المكتب يحتسي كوب القهوة تركية البن ويطالع آهم ملفات الإستقبال .. قال الطبيب : " هل هذا مفيد؟ " عقد حاجبيه وهو يتفحص المعلومات بشكل دقيق .. رفع رأسه وتحدث قائلا : " من اين لك بها؟ " أجاب : " حدث ووجدتها! " تقبل الأمر وقال : " حسناً لابأس جيد جداً أشكرك دكتور على المساعدة..لقد أصبح الامر أكثر سهولة.." لم يجب ولم يبدِ تعليقا فأكمل :" متى من الممكن ان يستغني عن المستشفى؟.." رفع عدسة بصره بنظرة باردة وأجاب بعد فترة : " ﷲ أعلم ليس بإمكاننا ان جزم على شيء لكن ربما حوالي خمسة أو ستة أشهر وسيكون بحالة طبيعية ان شاء الله.. هل من الممكن ان تجد له مسكناً وعملاً مناسبا ؟ " حرك جزءاً من شفتيه بتفكير : " لاأدري لكن علينا اولاً أن نعرف ما يجيد فعله.. "
.*~~~~~~°°°~~~~~~*
التقت xxxxب مسرح الساعة على سطح استعراض الوقت لتصدرا صوتا ثنائيا معلنتان عن اجتماع النجوم وانتشارها وقمرها نصفي المنزلة على سواد السماء وغلاف الأرض! .. تتأرجح الأسئلة والحوارات في باطن عقله الوحيد .. أسئلة وحوارات لاتنتهي وتستمر ولم يعد بإمكانه تصديق أي شيء .. همس بداخله جملة ندم على طرحها لأنها أخذته في دستور من اسئلة واستنتاجات اخرى بعيدة المنطق .. انه لايشعر برغبة في استيعاد ذاكرته فاجزائه تركض هاربة من ماضٍ بائس ومن المؤلم عودتها لذا تغاضت عن النظر لما تخاف .. مر ممرض أمام غرفته يتفحص امورهم ويرعى احتياجاتهم الخاصة .. طرح ظله الطويل ناحية غرفة رائد .. صرير فتح الباب كان هادئا يكاد يسمع لكن الهدوء المحيط بالمكان جعل من صوته عاليا بعض الشيء وقف أمامه ملقيا نظرة عامة على المكان ثم ابتسم : " أراك مستيقظا حتى الآن! " بالكاد رائد استطاع ان يبتسم بعفوية قائلا في نفسه :" ألا تكفي ثلاثة عشر سنة كلها في النوم؟ " اقترب منه أكثر وسأل : " هل تحتاج إلى شيء لو سمحت؟.. هل تريد بعض الماء؟ " أومأ له بعينيه إيجاباً فرد : " الآن سيصلك إذاً " أمسك بهاتفه وأرسل رسالة إلى احدى الممرضات بجلب قليل من الماء فأوجبته بعبارات مملوئة بالأحاسيس والمشاعر فلم تكن سوى مخطوبته منذ شهر لاأكثر ... دقائق وكان كأس الماء في يد الممرض يساعد رائد على شربه .. الممرض :" هل تشعر بالجوع؟ " لم يومئ له بشيء فتنهد وقال : " إذاً في حال احتجت الى شيء رجاءً اضغط هذا الزر الذي هو الآن تحت اصبعك مباشرة وأعتقد أن اطباء القسم دربوك على ضغطه وسآستي فوراً لمساعدتك وهذا من دواع سروري.." وة حمل هاتفه وغادر .. التفت رائد نحو الأمام محاولا اقناع نفسه بالنوم....
*~~~~~~°°°~~~~~~*
مرّ أسبوعٌ واحد منذ أن استيقظ رائد حتى الآن وهاهو ذا قد أتقن طريقة إمساك الملعقة وتناول الطعام بنفسه دون أي مساعدة فلقد ذكر الأطباء المختصون أن فقدانه للذاكرة الداخلية لم تكن شديدة وهذا جيد بالنسبة له .. تبسم السيد جون ناظراً إلى رائد ثم امسك ببطاقة هوية وبعض الأوراق ومدها إليه قائلاً : " انظر! " تهلهل مكملاً : " هذه هويتك وأوراقك الخاصة في المحكمة وشهادة دخولك إلى المستشفى ونحن ننتظر شفائك ان شاء الله لنعطيك شهادة تصريح .." اعتلته دهشة عارمة فور معرفته بأنه عربي فِلسطيني!..فإن كان فلسطينيا فمالذي جاء به الى بريطانيا؟ .. تنهد بحيرة واستغراب مما يجري ويحدث! رافعاً نظره محدقا في وجه المحامي جون فقال : " رائد عثمان خليل هذا اسمك الثلاثي..يبدو مناسباً صحيح؟؟ " لم يتحدث فهو يزال لايتقن الكلام فاكمل مستنتجا : " وجدنا هذه المعلومات مع الدكتر صادق..ان عائلتك........." يقاطع جهره همسٌ من صادق والذي غير ملامحه للإرتباك والتوتر .. همهم جون وقد اشاح بوجهه عن الدكتور بينما اشتدت حدة مطلته على جون ثم نادى :" سيد جون! أتمنى حضورك على عجلة الى مكتبي الخاص فلدي ماأقوله .." عض طرف شفتيه بسخط وهو ينهض يتبعه نحو مكتبه كما طُلب بتأهب! .. لم يعر رائد اهتماما بالغاً فهم يبدون غريبي الاطوار الا ان الأمر يجول في باله ويحيك المزيد من الافكار الغريبة التي لاطالما واجهته! .. كانت الممرضات والطبيبات يضحكن بصوت عالٍ في الردهة أمام باب غرفته مماسبب الإزعاج لكثير من المرضى .. علّ بعض هذه الرياح تبعثر الضباب الذي يكتسي شعوره وحياته انه حتى الآن لايدرك مايشعر به بالضبط! .. نطق بسرعة وبدون وعيٍ منه بصوت صخب متضايق! : " غادروا حالاً!! " نال الفرح قلبه وفي لحظة كأنه سيطير ويرقص امامه!! لقد نطق أخيراً!! فلقد اعتقد لحين انه ربما يحتاج لشهرٍ على الأقل ليتقن بعض الكلمات .. عاود المحاولة لكن بدون جدوى فهو لم يفلح بالمحاولة بعدها ولو لمرة واحدة.! ابتعد ثلاثتهم عن مدخل غرفته باستغراب من حالته النفسية المفاجئة ففي نظرهم لاشيء يدعوا إلى الغضب ثم الفرح في آنٍ واحد! ...
*~~~~°°~~~~*
ضرب الدكتور المنضدة التي كانت أمامه بفنجانه اضطرابا من الحنق وعيناه متلاقطتان مع عيني جون البنية : " اذاً لماذا؟؟ " تفاجئ جون ورد الأخير : " تسألني لماذا؟..عفواً لكن انا من يجب ان يسألك لماذا! مالذي يدفعنا لإخفاء امرٍ كهذا عنه!؟ " عقد الدكتور حاجبيه وقال بين اسنانه : " هذا كان طلب والديه ماذا دهاك؟؟ ثم من يدري انهم لايزالون على قيد الحياة؟! جون أرجوك ابقَ هادئا ولو قليلا سوف احاول أن أتدبر الأمر..! " أصبح ممتقعاً لوجهه فلم يعجبه أيٌّ مما قيل فتنهد الدكتور مطبطبا على كتفه الأيسر وقال :" جون ارجوك..هذا لمصلحته! " ادار ظهره بتجاهل وغضب مكتوم ثم رشح :" الى لقاء قريب " فعلها حتى لايتلكم كلاماً دون معنى فقد تناقشا كثيراً في هذا الموضوع .. ضغط على اصابعه محاولا تهدئة نفسه فقد كاد مجهود اعماله أن يطير بلا اجنحة في لحظة جهل جون بما يتفوّهه الا أن قلبه ينبع بالطيبة ويجزع من المشاكل! .. جلس الدكتور وقد احتسى رشفة من قهوته الملاصقة لأنامل كفه .. هزت الرياح اوراق الشجر حتى تطايرت أمام النافذة الزجاجية لتصل نغمات الإتصال الى مسامعه في لحظة شروده الهادئ .. رفع السماعات قائلا : " مرحباً! هنا المكتب الرئيسي لمستشــ....." صعق ذهنه من صوت لم يكد ليذكره منذ ان سمع صداه قبل ثلاثة عشر سنة! .. كان صوته كالفحيح فهذا آخر ماكان يتوقع! فمن آذى مرة لتحقيق أهدافه سيؤذي كرة لكن عبثاً ضميراً يكافح ويكابد!...........


سميرة زكريا بلقب (سمر) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-21, 08:03 PM   #8

سميرة زكريا بلقب (سمر)

? العضوٌ??? » 491612
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » سميرة زكريا بلقب (سمر) is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السابع :"

" مرحباً! هنا المكتب الرئيسي لمستشــ....."
صعق بعد سماع صوته .. كان صوته كالفحيح فهذا آخر ماكان يتوقع! فمن آذى

مرة لتحقيق أهدافه سيؤذي كرة لكن عبثاً ضميراً يكافح ويكابد! رمى كلمته

التي راعت تردده : " انت؟؟! " همهماته الوقحة استفزته بشدة

حالما قال : " وهل هذا غريب؟! " لقد كبر في سنه وشاخ صوته! استعاد رباط شأجه
وعاد هدوئه المعتاد مستعدا ليبادله أطراف الحديث : " قل ماتريد قوله فأنا مشغول ومنهمك فيـ...."
ساخراً : " جيد! وفي أي الاعمال منهمك؟ "

رفع حاجبيه بتعجب مجيبا على سخريته :" ماذا تظن؟.."
تنهد متجاهلا رده : " هل من جديد؟..أعني ألم تستيقظ الأميرة أورورا بعد؟؟ "

في داخله بأشد صدمه وملامحه اكثر بروده فمن اين له بخبر استيقاظه وربما

يكون ايضا مجرد سؤال عن طريق تذكر ..

>>: " عن أي اميرة تتحدث؟ رجاء التزم حدودك! "

ابتسامته الجانبيه احتلت شفاهه : " وهي يجدر بي ان اقول عنه...رجل؟! " وقاحته في حديثه تجعله لايطاق مماأثار الغيظ لدى الطبيب
فقال : " بالطبع!..أولايعجبك؟ "

>>: " يعجبني بل وكثيراً! الا زلت تأمل أن يستيقظ؟ "

وضع الكوب فوق صحنه وجلس يضع قدمه فوق الأخرى متهكماً عليه : " مالذي يزعجك في الأمر ؟ "

اجاب متضايقاً :" قطني! لقد اكتفيت منك اخبرني استيظ ام لا؟ وقتي ثمين! "

تقلبت شفاهه بابتسامة عريضة وقد اجاب : " وانا كذلك! اعذرني فأنا مشغول! "

قطع خط الإتصال موغرا فيه الغضب! لفظ بحنق : " سُحقاً لك! "

أخذ الدكتور صادق الملف الذي كان فوق مكتبه وقلب صفحته ألاولىٰ
ثم قال :" يتصل بلا هدف ولاحوارٍ مفيد عندما يجد نفسه متفرغاً..لن اسمح بتضييع جهودي سدىً! "
نظر الى انعكاس ملامحه في صفحة فنجان القهوة : " مهما كلف الأمر!! "
حركها بشكل دائري واخذ يرشف من كوبه بأتم الهدوء ...


~~~~°°~~~~


مرت الدقائق حتى بلغت الثالثة والنصف عصراً 3:30 london وقد انهى الدكتور صادق اتمام ملف احد مرضاه وتهم خطواته نحو غرفة رائد لمراجعة حالته ..
كانت المرآة على طرف حائط الردهة امام باب الغرفة وقد لاحظ تكثف شعره الاشيب بعد ان طرق الباب لثوانٍ ..
لقد مر عليه الكثير من الوقت وهو يعتلي مهنته حتى أفصح شعره عن عمره! لقد اصبح رأسه كالثلج من تكاثف نمو الخصل البيضاء! ربت وخلل بين نباتات رأسه متأملا سنوات حياته حتى أتاه صوت احد اطباء القسم
: " تفضل! "
سحب الكرسي وجلس بمحاذات سريره .. : " كيف حالك؟ "
أشار له بعينيه كأنه يقول : " ( بخير ) "
سكت لفترة ثم قال : " يبدو أنك قد تحسنت..هل تستطيع الكلام؟ "
رد طبيب القسم : " لا.."
هز صادق برأسه بفهم في حين أكمل طبيب القسم : " صحيح أنه لم يفقد ذاكرته الداخلية وهي المسؤلة عن حركة الجسم الإعتيادية الا أن مرور زمن عليها دون حركة جعل من الصعب التعامل معها.."
أخذ نفسا عميقاً .. تحملق في رائد نظرة مطولاً
كان بعدها حديثه : " رائد ياعزيزي بعد أن تم اصدار هوية لك فإنك تستطيع التحرك بحرية في هذا البلد..لذا يجب أن تكثف جهودك وتستمر في التدريب لفترات طويلة ومتتالية حتى يُختصر ذلك الوقت المرجح ونعطيك التصريح..فهذا مستشفى وليس غرفة للإيجار..أعلم أنه ربما يكون صعبا فتلك مدة ليست بالهينة..اريدك ان تخرج وتعمل وتتعلم وألا تقضي مزيدا من الوقت هنا..ألست معي؟ "
فكر رائد انه من الممكن أخيرا التخلي عن هذا السرير المرهق وأن يصبح بكامل

قوته الجسدية كأي انسان عادي..! وهذا ماكان يألو ويطمح اليه ، الإبتعاد قدر

المستطاع عن مسمى المستشفيات والهروب من آلامه الجسدية المستمرة

وافكاره ومشاعره المبعثرة .. أحلامه أحلام أي مريض يأكل ويشرب ويتحدث

فوق السرير لقد ضاقت آفاق صبره واختنقت أحاسيسه هو سيهرب ان كان

يستطيع المشي لكن المشي الآن أشبه بالمحال! يتملكه حسد لتلك العصافير

التي تنعم بالحرية وترفرف بأجنحتها في الهواء الطلق دون أن تحمل أي كره أو

حقدٍ للآخرين وهذه هي الحرية! سيحاول حتى يصل الى مبتغاه ان شاء الله

فعلى مايبدو هذا الطبيب يفهم شعوره و هذا كان ظن رائد الا أن ماكان يفعله

به هو تخليصه من هذا المكان قبل أن يكتشف الرجل وجوده واسيقاظه والا فإن

كل أعماله ستذهب مع مهب الريح! .. لم ينتبه رائد للطبيب صادق وهو يتحدث

مع طبيب القسم ويتشاركان ملفات عدة .. أشاح بنظره عنهم فلاشيء يدعو الى التطفل ..
بعد خمس دقائق أعطى طبيب القسم لصادق اشارة في لغتهم الأجنبية والتي
تعني حسناً وهمهم ببعض كلمات الترحيب ليثما يغادر الغرفة ويدخل بعده الطاقم ذاته ..
يبدو أنهم قد غيروا خطتهم في التدريب وربما كان هذا ماأشار اليه صادق في كلامه معه!.



~~~~°°°~~~~

مسح الطبيب يديه بعد أن أنهوا عملهم وقال للطبيبة بجانبه : جيد! لم نستغرق سوى ثلاث ساعات لم نتأخر كثيرا! " ابتسمت الطبيبة بلطف .. كانت ذا وجه مستدير وبدانة خفيفة ولها نظارة سميكة تبدو في العقد الثالث من عمرها : " تعلم بمن يذكرني؟ " أمال بشفته جاهلاً فأشارت له برأسها : " باابن عمي! كأنه امامي يقوم بالحركات نفسها! " تقدم أيضا وأجاب :" صحيح لكنني أرى أن رائد فتىً هادئ وذكي ويتعلم بسرعة! " تنهد وبقي يستمع الى مايقولونه وهم يجمعون أغراضهم الشخصية والطبية .. توقف نبض أفكاره عندما سمع أحدهم يقول لزميله : " ( ليس لأخواتي سواي في البيت وأمي عجوز كبيرة لذا فتراني كثيرا ماأتغيب عن العمل! ) " رد الآخر :" لاألومك " شعُر بغصة في قلبه ورواده حزن كاسر!!
~~~~°°°~~~~.
تأتي نسمات الصباح لتداعب الزهور وتشرق السماء بسراجها الأخاذ مطلّة على منازل بريطانيا! .. فتح جون باب مكتب الدكتور صادق تعتليه اشراقة مطمئنة .. طلب صادق من جون الجلوس في المقعد البني والذي يتباها بأروع النقوشات الخضراء التي تبدو وكانها اوراق شجرٍ تتمايل فوق صفحة بنية ثقيلة مما يحيي التراث القديم .. المكتب موجود فوق جميع الغرف منعزلاً عنهم ولايدخل الغرفة الا الضيوف ذو الشأن والأهمية! ظفر الصوت أخيرا على لسان الطبيب :" اهلاً بالسيد جون ماذا ورائك؟ " حك بين كفيه ثم شبكهما وقال :" كما طلبت فلقد استأجرت له شقة مناسبة ورتبناها بالأثاث الذي طلبته " لم يرفع ناظريه عن ازرار تحكم الحاسوب الا أنه نطق : " جيد! وماذا بعد؟ " تنهد ليتحدث :" بحثت له عن عمل صحيح أن ماله قليل الا انه مناسب على مااظن..المشكلة الوحيدة الآن..هي أن الشاب لايملك اي شهادة وبالتالي سيعيد الدراسة من الصفر.. " >>:" سآتدبر الامر.. ".... بعد ثوانٍ قد مرت تحدث جون قائلا : " اعذرني سيدي لكن اريد ان أسألك سؤالا.." رد عليه :" تفضل! إسأل عما تريد سؤاله " رسم يده على حافة زجاج المكتبة السوداء ذات اللمعان حيث تنعكس صورة الفنجان الأبيض المرقش بالخطوط المنحنية على أطرافه اضافة الى انعكاس ساعته المشيرة الى 10:22 london ١٠:٢٢ لندن صباحاً .. التفت اليه :" هل أنت قريبٌ لذلك المريض؟ اعني رائد " اصدر من بين شفاهه صوتاً يحكي النفي .. شد على قبضته :" اذاً من أين اتيت ببياناته؟ ولماذا لاتريد له أن يعرف شيئا عن أهله؟! ألا تشعر أن في الأمر شيء ما؟ " ارجع ظهره الى الوراء ثم أسنده ليقول دامثاً :" يارجل الا تفهمني؟ انني اقول لك ان اهله لم يعد لهم رغبة به! لماذا تعارضني؟ " انتفض بغضب طفيف : " يجب أن اعارضك! كيف لعاقلٍ التخلي عن ابنه؟! انت تقول ماهو مستحيل! " البرود جفى ملامحه وهو يقول بإهمال :" اقلت عاقل؟..أتعلم أن دار الايتام مليئٌ بالمظلومين؟ " عقد حاجبيه بغيظ :" سحقا لهم جميعاً!! الا يعلمون قيمة ابنائهم؟! سحقاً! " قهقه صادق ضحكاً حتى قال :" هون عليك هون عليك يارجل! اعلم ان كونك يتيماً شيء صعب جداً وأن ماعنيته ليس بالهين..ماذا بيدنا ان فعل هذه هي الحياة! " تجاهل كلامه ومازال الغضب مسيطراً عليه : " انت لم تجبني! لما لاتريد لأهله ان يعلموا بأمره؟ " رفع جبينه بتعجب فيبدو لهذا أنه لن يفهم أبدا ولازال مصراً..! ضرب الهواء النافذة كمن يطرق على زجاجها ويعم الهدوء .. صادق بسط شفتيه بابتسامة الهيمنة حين قال جون :" لاأحب التسويف..اخبره عن أهله هذا لن يضرك! " لم يجب ولم يتحدث مطلقا فزفر جون نفسه بعنف وسحب الملف وقد خطى خارج الغرفة فقد أدرك انه لافرار وسيكمل مابدأ به...! جلس رائد بمساعدة من الاطباء وهم قد انهوا التدريب لهذا الصباح وخرجوا جميعاً من حجرته .. امتدت أنظاره خارج النافذة هناك حيث العالم! تلك البقعة المستديرة الذهبية أضاءت فيلقاً من الأرض وتلك الغيوم البيضاء كالقطن نبتت وراءها زهورٌ ذات عبق محمود وأشجارٌ ذات منافع شتى .. كلٌ له مهمة في دنياه كلٌ يطمح ليكون فيجتهد ليحقق مايريد أن يكون ان شاء الله .. ظهر شبح الإبتسامة عليه فحرك رأسه ضاحكاً على الطائرين حين تشاجرا امام نافذته على قطعة خبز صغيرة! لكل شخصٍ رزقه ولن يفوت عليه فمن قدر عمرك سيقدر رزقك! .. تبدو له الحياة في بساتطها أكثر جمالاً وأسهل تعاملاً! أخذ جسده برعشة من البرد المحيط وفتح باب حجرته فقد حان وقت الغداء .. ~~~~°°°~~~~ جلس الفتى على حافة الرصيف يشرب العصير الشائع ويحادث ذاته :" قال سيرميني قال! وهل هو اهل لذلك! على أية حال هذا أفضل بكثير فوجوده بجانبي يعني الموت محبوساً! لايسمح لي بفعل شيء كان حلالاً أو حراماً ويصرخ في وجهي و كأني طفل صغير! أشخاص بهذه المواصفات مزعجون فعلاً! " تفاجئ بصوت فتاة وراءه تقول :" انت محق مزعجون بالتأكيد! لاسيما اذا وصلهم كلام كهذا فإنهم سيزدادون ازعاجاً " التفت اليها وقد اتسعت حلقة عينيه انها ابنة عمه الشرسة مالذي اتى بها الى هنا!؟ ابتسم محرجاً وآردف :" لم أكن أعنيه! " ربطت حاجبيها القصيرين :" لاتكن أحمقاً! رأيتك وانت تتحدث بعيني هاتين! " >>:" اذن أطبقي فمك قبل ان أقتلع عينيك هاتين! " تأبطتها أختها الأصغر وهي تشدها الى الداخل فسحبت يدها منها بعنف وقالت :" احترم نفسك ياهذا من تظن نفسك؟! " استخف بها قائلاً :" ملكاً عليك! " صاحت بغضب :" أقولها للمرة الثانية التزم حدودك!! " بتحدٍ :" والم أفعل؟ " زمت شفتيها بغيظ شديد ثم قالت من بينهما :" ستندم! ستندم! " اعطته نظرة انذار وتوعد بالغ ثم ذهبت الى الداخل ... همس بسخط :" ياله من لسانٍ سليط! "...... ~~~~°°°~~~~.


سميرة زكريا بلقب (سمر) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-09-21, 12:56 AM   #9

سميرة زكريا بلقب (سمر)

? العضوٌ??? » 491612
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » سميرة زكريا بلقب (سمر) is on a distinguished road
افتراضي

*الفصل الثامن* :"





تمضي الأيّام كأنما ليس لها عودة وتنقضي الأعمار كأنها يوم فيه قصرٌ من الوقت .. وتلتف xxxxب الساعة كانها لن تتوقف ..
شهورٌ أصبحت في طيّ الذكريات ولحظاتٌ لايعرف حالها من الم لابتسامةالإشراق فدوام الحال من المحال .. فكم من ميعاد حقق المستحيل وكم من صدفة كانت خيراً من ألف ميعاد ..

طُرق الباب لعدة مرات حتى أذن بالدخول فرفع بصره الى جون والذي كان الفرح قد ظهر في قسمات وجهه ..
ابتسم رائد بعفوية لينطق بعد محاولة :" مرحـباًسسيد جونـن! "
استبان الفرح على جون وجلس بدوره على حافة السرير ليقول
:" رائع! انت تستطيع الكلام إذاً! "
>>:" أأجـل .. الـحـمد للّه "
ابتعد عنه قليلاً بعدها أردف :" سعيد جداً لأجلك..هذا رابع شهر لك في المسشفى لقد تعلمت بسرعة! هذا مبهر "
التفت ناحية قدميه ثم تابع :" هل تستطيع السير أيضاً؟ "
ردت عليه الطبيبة جوانا :" خطوات قليلة لكن بشكل بطيء وغير متزن..نأمل أن يشفى بسرعة "
عقص حاجبيه :" أعتقد انني سألت رائد.."
تطلعت اليه بانزعاج ثم مسحت المنضدة بجانب السرير فأكمل :" اتمنى لك الشفاء العاجل لقد جئت لأطمئن عليك هل تريد شيئاً؟ "
هز رأسه بالنفي :" أشـشكرك .."
استند على ركبته قائلاً :" الى اللقاء " ثم غادر خارجاً ..

في مكتب الدكتور صادق كان الطبيب يسند رأسه على زجاج المكتب ويلف اوجه بذراعه وهو يتلوّى بين النوم والوعي ..
في تلك الغرفة الهادئة اخترق قوانين راحتها صوت الهاتف النقال حالما رنّ منادياً صاحبه ..
امسك به دون أن يراه ولازال على وضعية جلوسه ففصل الخط وعاد للنوم ثانية متمنيا الاسترخاء والراحة ..
لم يقدروا أهمية الهدوء عنده فعاودوا الإتصال مرة أخرى وكأن مهمتهم الوحيدة هي إيقاظه من النوم ..
أمسك به بعنف وفتح الخط باستعداد للتأنيب فقاطعه الصوت الذي كره سماعه .. :" اووه مرحباً دكتور منذ زمن لم نسمع صوتك الجميل! "
رفع رأسه وقال بكسل :" يكفي ماذا تريد؟ "
ضحك باستهزاء ألايجيد إلا الضحك والسخرية؟ :" لماذا تتحدث بجفاءٍ هكذا كن بشوشاً وسألني عن حالى على الأقل ولو لمرة واحدة! "
اتكأ على قبضة يده وأغمض عينيه :" لاأسألك ولاتسألني أجب باختصار فلن أكرر كلامي! "
رد بسخط :" انت حر افعل ماتشاء..يبدو لي أن هناك أخباراً جديدة فلما لم تخبرني بها حتى الآن؟ "
>>:" ومن أنت لأخبرك بها؟ كفّ عن هذا الهراء "
تباخرت آثار الدخان من فمه عندما أخرج لفافة السيجار :" متآكد أنه لم يحصل أي شيء؟ "
>>:" سواء حدث أو لم يحدث لاعلاقة لأحد بالأمر! "
قهقه قائلاً بصوت خافت :" سنرى اذاً..وستندم! "
ثم الغى متابعة الخط .. نظر صادق الى الهاتف باستهزاء ليحركه مستحقراً ويرميه مكانه ويعود للنوم وهو يقول :" امعة مزعج! "
لم يفهم مقصود الرّوسي انه قد علم الحدث! .. بعد دقيقة طرق جون الباب فلم يجد اجابة ..
ثم طرق ثانية فلم يجد اي رد منه ففتح الباب بهدوء ودخل الى الغرفة ..
همهم ولم ينظر اليه مطلقًا منذ أن دخل :" مرحبـاً دكتور صادق .."
وأيضاً لم يجد ردًّا :" هل ترغب بشرب أي شيء قبل ان نتحدث؟ "
شعر بأن رأسه ثقيل جدا وهو يرفعه والأرق والنعاس واضح على عينيه :" لاأريد شيئا فقط اتركوني قليلاً "
>>:" وهل كنت نائما؟ "
ضحكة خافتة نالت منه فلقد غط في النوم قبل أن يكمل كلامه مع جون! خرج من الغرفة حتى لايكون مصدراً للإزعاج متوجهاً خارج المستشفى ليكمل الأمر وحده ..!
صعد سيارة أجرة استوقفها على الرصيف واعطى للسائق العنوان المطلوب .. خلال عشرين دقيقة كان قد وصل الى وجهته ! دخل الى سوق المدينة اذ كانت جميع انواع المتاجر محصورةً هناك مما يجذب السياح إليها ..
تجول برهةً من الزمن ..
الاطفال بعضهم من يبيع البيض والزهور ومتاجر رائعة مليئة بالملابس الثمينة والعطور الفخمة ومتاجر لبيع الغذاء والأدوات المنزلية ولاتوجد شقة واحدة في تلك المنطقة السياحية والتجارية ..
الضجيج يملئُ المكان ونداءات التجار تخرق الآذان وتجول الناس وتبضعهم يثير الزحام في الطرقات .. وأخيراً وقف عند ماكان يرموا اليه!
~~~~°°°~~~~
دخل الى المنزل وبين اصابعه مسبحة يقلبها بين اليمين والشمال ..
كانت ترتدي عباءة الصلاة وتجلس على سجادتها الخضراء تمسك بين يديها المصحف الشريف وتتلو منه الآيات ..
تربّع بجانبها فاغلقت المصحف وضمته قائلة :" أهلا بك بني ياحبيبي كيف حالك؟ لم لم تخبرني بموعد مجيئك؟ "
تنفس حنانها وهي بين يديه وذراعيها تحيط كتفيه .. تنحت عنه جانباً عندما قال :" اعلم ان عمي سيغضب ان علم بمجيئي اليك لذا لم ارد لاحد ان يعلم بذلك! "
سقطت يداها عنه وكسرت حاجبيها ونظراتها تحكي الرجاء :" وهل أصبحت عبئا ثقيلاً ياولدي؟ "
انفعل برده وعقد الكمَد :" ومن يجرء أن يقول ذلك؟! لو منعني عنك اهل الأرض كلها ماكنتُ لأنساك واشعر بعبئ تجاهك!..معاذ الله "
انهمرت الدموع فجأة كأنها كانت تنتظر من يقول لها اهبطي لتسترسل في النزول على خديها ذات التجاعيد ، شهقاتٌ لم تخرج الا من قلبٍ مكسور وخواطر مجروحة! توسعت بها عيونه وامتدت يده فمسح دموعها بحنان قائلاً :" تبكين؟؟ اتبكين ياأمي؟ لماذا؟! "
اشاحت بوجهها عن ولدها فجذبها نحوه مستندة على صدره وعاودة البكاء وهو يربت على بعض شعرها الخارج الذي طغت شيبته لقد نفيت من الأرض تماماً فقد أصبحت وحيدة لااحد يتحدث معها ولايزورها تنفير من كل مكان اضافة الى ابعاد ابنها عنها .. لقد تحملت فوق قدرتها وعانت بعد وفاة زوجها وحتى الآن لازالت في ضيق نفسي شديد! نظر حوله في المكان ..
اثاث بسيط واغراض باسعار بخيسة ممايجعل منظرها قديماً بعض الشيء الغذاء قليل والأرهاق واضح على والدته! اتته فكرة رائعة شجعته لفعلها وحالاً!!
~~~°°~~~
رفص الطاولة امامه حتى سقط كل شيء كان فوقها واشتعل الغضب وفار هائجاً صرخ ساخطاً جائراً مبالغاً جعل الضجيج يخرج الى مسامع الناس :"سحقاً لك أيـها الحقيـر!! "
غطت لولوا فمها بكفيها وفزعوا جميعاً وبدؤا بالابتعاد عنه في حين قبض يده حتى استبانت عروقها :" كيف فعلتها؟؟ "
نظر اليه نظرة ازدراء فسحبه من ياقة قميصه ومافي افعاله حكاية سوى العنف والتوعد :" وتبتسم آيـها السافل!!؟ "
شهقت الفتاة وتدمعت عيونها عندما علا صوت ارتطام يد والدها على وجهه .. تلمّس خده ثم نزعها وقال بهدوء تام :" هذا حق ابي! ماشأنك لتصفعني وتهينني هكذا "
حمق رغبته في اذيته وبدا صوت تنفسه اكثر حقدا قال :" خسيس عاق واحمق! "
عقد حاجبه بانزعاج :" مابك ياعمي؟ لقد اخذت حقي المرهون فقط! "
رد عليه بنبرة كلها تهديد :" الم امنعك من ذلك حتى اوان؟ "
ضحك ساخراً :" آهاا نسيت آسف فعلاً لقد اضطررت لذلك..ومن له كلامٌ معي فليأتني حالاً هذا حقي من ابي ولاعلاقة لااحد كيف اتصرف به! "
اسشاط غضباً :" يالك من طائش وأين ذهبت بالثروة الباهظة؟؟! "
ابتسم بطرف شفته :" جددت بها معيشة أمي! " أوغلت نظراته بدهشة وكاد ان يرتفع ضغطه لأعلى درجاته :" ماذا؟؟ أعد ماقلته! ياجاهل اتسرف المال على تلك الخردة الفانية؟؟! كيف فعلت ذلك؟! "
التفت اليه وشده بمئزره معنفاً مرهباً قال غاضباً :" من هي الخردة ياهذا ؟ احترم نفسك قبل ان اتصرف بجنون!! امي ولها حق علي والمال مالي فلا تتجاوز حدودك! "
هرعت لولوا الى والدها وحاولت فكهما وتمسكت بذراعه الا انه صرفها عنه بان رماها بعيدا فوقعت على الأرض
قالت بالأم :" آه ابي ماذا فعلت بي؟! "
اعطاها نظرة طفيفة لكنه تجاوز الجميع الى الخراج كالسكران من الامتعاض نحو وجهة يرموا بها اصابته بالأذية!!قائلاً :" أحمق! هذا ماكان ينقصني! "...............


سميرة زكريا بلقب (سمر) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-09-21, 07:05 AM   #10

سميرة زكريا بلقب (سمر)

? العضوٌ??? » 491612
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » سميرة زكريا بلقب (سمر) is on a distinguished road
افتراضي

الفصل التاسع :"




كانت أوراق الخريف الصفراء تتناثر في الأرجاء وتطلع الشمس الفاتنة على مطار ميناء القاهرة!
سار ادهم مع عمه وفي كل لحظة يرمقه بسوء الاستصغار والاهانة كأنه يراقب ردات فعله بالانفاس! وادهم من جهته لايتعرض له بكلمة او لهجة وكل مايدور حوله في خياله لاشيء ..
قطرات دموعها التي كلما خفضت من اجفانها تغرز في قلبها طعنات من ألم .. حملقاتها في الوجوه تشحد ابنها اثقلت كاهله واوقفت سير الدم عروقه مع جريانها!
حروف خرجت من شفتيها تعزف الاستسلام وتطلق مسد عزتها لتحظى بابنها تراه دوما بين ذراعيها!
انهار فؤاد امه عندما هم عمه بطرده من البلد بموعد بعد شهر وهاقد حان الموعد و لم يسمح لها بتوديعه في المطار وبقيت في وحدة قاتلة ..
نكزه من كتفه :" هيا اصعد! ماذا تنتظر؟ "
رفع مقلتيه فإذا بالطائرة تنقله من مسقط رأسه! تنهد بهدوء واسترخاء لتنفس اكبر قدر ممكن من هوائها العذب ..

مرت عدة ثوان حتى فتح عينيه ثانية ليصعد السلّم أبيض اللون والذي يجتمع حوله العيان مودعين ..

رفع السلّم عن الأرض فإذا بها آخر لحظات يرى فيها بلاده المزدهرة وتنحت الطائرة لتحلق في الفضاء وتنقل المئات الى حيث بقاع الارض ناورت كتل الغيوم وارتفعت لتسير في عالم السماء .. اشتد المُضيّ وخزنت الرحال وسارت نحو البلاد!

~~~~°°°~~~~

كان رائد يجلس بحضن احدى الأرائك في مكتب صادق و الهدوء مسيطر على المكان ..
نظر صادق الى مكتبته المليئة بالملفات وبعض الكتب .. لاقصص ولارواياتٍ في هذه المكتبة فمن طبعه انه لايتحمل القراءة الطويلة .. وقعت عينه على ملفٍّ أحمر فأخذ به سريعاً ووضعه على المكتب ..
نظر اليه جون :" ماهذا؟ "
ابتسم بعفوية وعاود الابتصار الى ملفه ..
كانت مصابيح الإضاءة تبعث نوراً خفيفاً وأصولها مرصعة بالخرز والكريستال ممايناسب جو الغرفة .. :" هذا يعني بأن ملف القضية قد اغلق وانني سأبقى بلى عائلة سيدي؟ " قالها رائد ليرد صادق :" اردت ان اطلعك على الملف حتى لاتظن بأننا نخفي عنك أي شيء..هذا ملف القضية المغلقة..المهم بعد ان تأكدت بنفسك يارائد اريد منك ياجون ان تخبرنا بالمكان الذي دبرته لرائد والعمل كذلك "

تنهد جون : " في الحقيقة ياصديقي لقد وجدت له عملاً وهذا مااستطعته فكما تعلم هذا ليس عملي لكنني فعلت ذلك خصيصاً لرائد..الأسواق تعج بالعمال ولاأحد بحاجة لعامل جديد حاليا .."
قال صادق :" وبعد؟ تعني بانك لم تجد أبداً؟ "
زم عينيه مع ابتسامة لطيفة :" وهو كذلك..لكن صدقني بالكاد وجدت له عملاً في محل لبيع الزهور "
هز صادق رأسه بتفهم فنظر لرائد محاولاً اقناعه وهو يميل بشفتيه :" لابأس جيد..أليس كذلك بداية هكذا وبعدها ان شاء الله تتعدل الأمور "
جون :" اذا لم يكفه راتبه البسيط؟ "
اتكأ بذراعيه على الطاولة وفي يده مسبحته الزرقاء :" حينها لكل حادثٍ حديث "
وأخيراً نطق رائد :" لامشكلة ليس لدي مانع كما قال الدكتور صادق بداية هكذا وبعدها ان شاء الله تسير الأمور على مايرام "
رفع جون حاجبه بنوعٍ من اظهار الملامح والرضا :" صحيح! "

مرت ثوانٍ قليلة حتى مد صادق كفه لرائد وطالبه بالمصافحة! تبسم معدلاً وقفته وبادله التحية فأخرج صادق شهادة خروج من المستشفى ووقعها وناوله اياها قال بشيء من السعادة :" مبارك لك الشفاء الحمد لله على السلامة "
أومأ له :" الحمد لله شكراً جزيلاً "
شاركهم جون التصافح فبسط كفه فرد عليه رائد وسلم :" شكراً لك سيد جون هذا من لطفك "
>>:" لاشكرَ على واجب عزيزي "
قال صادق :" جون من فضلك هلا دللت رائد على مكان عمله ؟ "
توسعت ابتسامته :" بكل سرور "

خرج جون وتبعه رائد حتى وصل الى أسفل الدرج .. :" هل أنت سعيدٌ بعد خروجك؟ " قالها جون وهو يسرع في المشي ..
رائد :" الحمد لله ومن لايفرح بعد زوال الهم عن قلبه؟ "
عكس جون مقبض بوابة السيارة :" معك حق "......

وصلا الى وجهتهما في ربع ساعة تقريباً حالما توقفت السيارة نزل جون ورائد فقال الأخير :" أجرة التوصيل من فضلك "
أعطاه الثمن ومشى مع رائد الى أن وصل الى ( الزهور الفوّاحة ) واجه استقبالة المحل يبدو صغيراً ومتواضعاً بعض الشيء ..
خرجت امرأة عجوز غلبها الهرم .. مسحت كفيها قائلة :" مرحباً .. أأنت رائد؟ "
اقترب منها :" تشرفنا سيدتي..سمعت انكم تحتاجون لعامل فترة من الزمن فرغبت في انتهاك الفرصة واي شيء فأنا تحت آمرك "
رمقته من أعلى الى أسفل ثم دخلت تقول :" أدخل اذاً "
>>:" حاضر "
التفت الى جون فوجده يشير بتحية ويقول بخفوت :" بالتوفيق "
اشار له بذات التحية وأكمل طريقه الى داخل المتجر ..
قالت له :" اسمعني يارائد المكان هنا مليئ بالسياحة وهم يعشقون الزهور لكن ما من شيء يلفت الإنتباه في متجرنا لذا أطلب منك منذ الغد بأن تجعل الناس أكثر مجيئا لهذا المكان بإعلانٍ او بأي شيء تراه مناسباً المهم ان يحصل ماأريده "
وضع حقيبته الصغيرة فوق الكرسي :" كما تريدين "
احتد صوتها :" لكن اعلم انه لاوقت لدي لأضيعه لااريد منك كسلاً أو تغيباً هذه قوانيني واذا لم يعجبك فارحل! "
ضحك متعجباً :" كما تريدين فهذه قوانين جميع الأعمال! لما الغضب "
اصابها تضايق من قبله فقالت بهدوء :" احترم عمرك امامي يافتى وقف بهدوء لاكالصبية الصغار اتسمع!؟ "
أيضاً رد عليها :" كما تريدين "
خطت الى الأمام وبالكاد تستطيع الوقوف :" تعال لأدلك على غرفتك! "

تنهد ممسكاً بالحقيبة فتبعها الى الأعلى ففتحت احد ابواب الممر ثم نزلت باستعجال تقول :" ليلة سعيدة! "
قهقه من الضحك :" ليلتك أسعد!..تخشى على زهورها من السرقة لذا نزلت هرولة هههه "
اغلق الباب وراءه ثم فتح النافذة واستند على حافتها :" مكان هادئ ومريح "
الأثاث جميل لقد اختاره جون وكذلك هو بسيط ..
حركت النسمات شعره الأسود وهزت ياقة القميص وتأرجحت الأوراق في الخارج لاوجود للقمر على مرء العين فالنجوم غلبت المساحة فلم يبرز القمر في ليلته ..

تنهد بأسىً ثم رمى بنفسه على السرير المقابل وتمددت أطراف جسده .. لقد مكث طويلاً في المستشفى حتى انقضت ستة آشهر ونصف مع تعب وجهدٍ مضاعف ................


سميرة زكريا بلقب (سمر) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
رواية مميزة ، حياة الغرباء ، سميرة زكريا ،

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:12 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.