آخر 10 مشاركات
غريب الروح * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Heba aly g - )           »          1 - ليلة القمر الذهبي - آن ماثر - روايات سمر** (الكاتـب : angel08 - )           »          28- الأحلام الذهبية - مارغريتا باونتي... روايات سوفنير [حصرياً على منتديات روايتي] (الكاتـب : Andalus - )           »          31 - الأجازة الغامضة - آماندو بتشيني - روايات سوفنير** (الكاتـب : بلا عنوان - )           »          25 - قاقلة الصحراء - باولا سانتيني - سوفنير ... حصريًا** (الكاتـب : بلا عنوان - )           »          30-المريضة العنيدة -مارغو أمالفي -سوفنير (الكاتـب : Just Faith - )           »          21 - أمنيات طبيبة - لوتشيو بللي - روايات سوفنير** (الكاتـب : marmoria5555 - )           »          16 - اليتيم والوصية - روايات سوفنير** (الكاتـب : Just Faith - )           »          13- عروس العشيرة - رافاييلا بللو - روايات سوفنيز** (الكاتـب : angel08 - )           »          10-عذاب القلب -فيولا سيكواندو - روايات سوفنير (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

Like Tree4Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-09-21, 08:19 AM   #11

Rima08

? العضوٌ??? » 410063
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,391
?  نُقآطِيْ » Rima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond reputeRima08 has a reputation beyond repute
افتراضي


الانسان اناني بطبعه ادم وهيثم انانيون باختيارهم قلبي على صفاء أتمنى في القادم تجد سعادتها وشفاء مجد سردك جميل جدا عزيزتي



Rima08 غير متواجد حالياً  
قديم 25-09-21, 06:01 PM   #12

امال س

فراشة الروايات المنقولة

alkap ~
? العضوٌ??? » 276954
?  التسِجيلٌ » Dec 2012
? مشَارَ?اتْي » 666
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » امال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond reputeامال س has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

سلمت يداك روايه رائعه وممتعه بالتوفيق

امال س غير متواجد حالياً  
قديم 26-09-21, 03:45 PM   #13

غدا يوم اخر

? العضوٌ??? » 5865
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,155
?  نُقآطِيْ » غدا يوم اخر is on a distinguished road
افتراضي

انا حبيت اسم هيثم مع اني اكره هالاسم من الشخصيه احسه يشابه كثير صفاء فولة وانقسمت

غدا يوم اخر غير متواجد حالياً  
قديم 26-09-21, 10:25 PM   #14

نوارة البيت

? العضوٌ??? » 478893
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,845
?  نُقآطِيْ » نوارة البيت is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

نوارة البيت غير متواجد حالياً  
قديم 27-09-21, 02:16 AM   #15

بريق أمل

كاتبة في قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية بريق أمل

? العضوٌ??? » 381251
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 515
?  نُقآطِيْ » بريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة rima08 مشاهدة المشاركة
الانسان اناني بطبعه ادم وهيثم انانيون باختيارهم قلبي على صفاء أتمنى في القادم تجد سعادتها وشفاء مجد سردك جميل جدا عزيزتي
آدم كان أناني لما قبل يتجوز صفاء وهو يحب رحاب
وهيثم حب يتزوجها لأنه حس أنه أخيرا راح ياخد شي من أخوه اللي أخد كل شي... لكن على العكس تماما هو أبدا مفكرش يأذيها لكنه متخيل انها مازالت تحب آدم.


بريق أمل غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 27-09-21, 02:17 AM   #16

بريق أمل

كاتبة في قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية بريق أمل

? العضوٌ??? » 381251
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 515
?  نُقآطِيْ » بريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة امال س مشاهدة المشاركة
سلمت يداك روايه رائعه وممتعه بالتوفيق
تسلمي
شكرا حبيبتي


بريق أمل غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 27-09-21, 02:18 AM   #17

بريق أمل

كاتبة في قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية بريق أمل

? العضوٌ??? » 381251
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 515
?  نُقآطِيْ » بريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond repute
Rewitysmile8

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نوارة البيت مشاهدة المشاركة
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩
شكرا


بريق أمل غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 27-09-21, 02:24 AM   #18

بريق أمل

كاتبة في قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية بريق أمل

? العضوٌ??? » 381251
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 515
?  نُقآطِيْ » بريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond reputeبريق أمل has a reputation beyond repute
افتراضي



تابع (وفي عينيك الحب كله الجزء الثاني من قبلة بلا شغف)

وصل آدم فالتفت إليه هيثم، وقال بعد صمت: صباح الخير.
ردها عليه بجمود... لقد شاهده يضم صفاء قبل قليل... كانت يده تمسح على ظهرها بكل جرأة غير مبال بعيون المارة، ولا عيونه هو التي اتقدت نارا وعصفت بغضب.
قال ليلفت انتباهه: وصلت صفاء وهي بالداخل مع ابنها.
حملق فيه بسخط ولسان حاله يقول "رأيتكما" ثم استوى واقفا قرب الجدار حتى لا يبقى في مرمى بصره وكأنه شيء غير مرغوب فيه.
شعر هيثم أنه فقد أخاه، وكم ساءه الأمر... لكن هل شعر يوما أن له أخا!.. آدم لم يسأل عنه يوما إلا عندما احتاجه من أجل ابنه!..
انهت صفاء زيارتها عندما نام مجد وتركت الغرفة بعد ساعة من وصولها. أخبرها هيثم أن تتصل به عندما تنهي زيارتها لأنه سيكون في قسم جراحة الأعصاب حيث يعمل.
أقفلت الباب بهدوء والتفتت خلفها لتشاهد آدم واقفا هناك. توترت للحظة ولم تعرف إن كان عليها إلقاء التحية أم تجاهله خوفا من أن يشاهدها هيثم برفقته.
اقترب منها بضع خطوات وقال بهمس: مبروك يا عروسة...
أومأت دون كلام وهي تتفحص المنطقة بعيونها فأردف: كيف وجدت أخي؟
استنكرت سؤاله وحدجته بنظرات سخط ما جعله يبرر لنفسه: لطالما سألت نفسي لماذا رفضتني وقبلت به!
أجابته بوضوح: لأن فرصتي في السعادة برفقته أكبر منها معك...
قالت هذا بانزعاج واضح من طريقة طرحه لأفكاره وغادرت وهي تبحث عن هاتفها داخل حقيبة يدها حتى تتصل بهيثم.
عندما وصلت إلى الجناح حيث يعمل توجهت إلى موظفة الاستقبال كما طلب منها، فأرسلت معها هذه الأخيرة من يرافقها إلى مكتبه، وهناك وجدته مع بعض الدكاترة وأمامهم صور أشعة وعدة تحاليل وهم يتنبؤون بالمدة القصوى التي قد تستغرقها العملية.
انتظرت خارجا حتى غادر الجميع وخرج إليها: كيف كانت زيارتك لمجد؟
ابتسمت بفرح: اشتقت إليه... لم أرد مفارقته صدقني...
ربت على كتفها مواسيا ثم قال: لدي عملية جراحية الآن... إن كنت متعبة وتريدين العودة للمنزل فسأتصل بسيارة أجرة توصلك حتى البناية كي لا تتوهي، وإن فضلت متابعة العملية من خلف الزجاج رفقة المتربصين فيمكنني الحصول على إذن لك.
سألته بفضول: يمكنني ذلك؟
أجابها مؤكدا: طبعا... إن كان الأمر يهمك.
وافقت على الفور فأخذ لها إذنًا وأرسل معها من يوصلها إلى القاعة بينما غاب هو ولم تره إلا من خلف الزجاج عندما ولج إلى غرفة العمليات رفقة فريقه وأصبح رأس المريض بينهم والشاشة تعرض صورا مكبرة للعملية وكل المتابعين هناك يدونون ملاحظاتهم مع شروحات هيثم التي تصلهم عبر مكبر للصوت.
تمت حلاقة رأسه من قبل وتعقيم المنطقة ثم إجراء فتحات في الجهة اليمنى فوق الأذن لاستئصال ورم دماغي.
لم تستطع مشاهدة العملية فقد غطت وجهها بكلتا كفيها وعندما أطلت للمرة الثانية شعرت بالغثيان فقامت من جلوسها لأنها حتما ستحتاج للحمام.
عقب انتهاء العملية لم يكف هيثم عن الضحك بعد أن عرف أنها لم تشاهد شيئا من العمل الجبار الذي قام به، وكانت هي تزم شفتيها بعبوس ودون كلام حتى قرر أن يرحمها من تعليقاته الساخرة.
قال وهو يتأمل ساعته: سنتغدى معا ثم أرسلك إلى البيت وأعود للعمل... تمت برمجة عملية ثانية هذا المساء وهي استعجالية بعض الشيء... وأحتاج لبعض الراحة قبلها.
♡♡♡♡
في المساء...
أعدت العشاء وجهزت الطاولة، طبخت لهما "شخشوخة" تقليدية باللحم كما تعلمتها من أمها تماما، وحرصت على أن تعطيها نفس المذاق علها تحمل البسمة لشفاه هيثم وتجعله ينسى ما حصل البارحة.
دخلت غرفتها وغيرت ثيابها بأخرى أكثر بهاءا محسنة من طلتها ببعض الزينة، ثم تعطرت وعادت للمطبخ تتأمل ساعتها... سيصل في أي لحظة!

فتحت الثلاجة من جديد وحملقت بقارورتي شراب كانتا على الرف. تملكتها رغبة عارمة في سكبهما بالمغسل لكنها أحجمت عن ذلك خوفا من ردة فعله... لا تريد أن يصطدما من جديد.
سمعت صوت الباب يُفتح فأسرعت الخطى لتشاهده يدخل المنزل وبيده حقيبته، حاولت جاهدة أن تخفي ارتباكها بابتسامة رقيقة واقتربت لتأخذ عنه الحقيبة فوضع كفه على ظهرها وقربها منه مقبلا إياها على خدها هامسا بالفرنسية: مرحبا...
رفعت رأسها إليه: كيف حالك؟
أجابها وهو يحرر الحقيبة من يده لتأخذها عنه: الحمد لله... كيف كان يومك بالمنزل؟
أجابته مع ضحكة صغيرة: رتبت المنزل وقمت بأعمال روتينية.
ابتسم وهو يتجاوزها متوجها إلى الغرفة: هذا جيد...
رددت قبل أن يبتعد: العشاء جاهز...
التفت إليها ليقول من فوره: سأستحم وألحق بك...

بعد نصف ساعة كانا جالسين معا في المطبخ وهيثم منبهر بالطبق الذي أعدته للعشاء: شخشوخة!!! أتعرفين منذ متى لم أتناول طبقا كهذا!
ابتسمت بفرح وعضت شفاهها بحماسة: يجب أن تتذوقه أولا.
أخذ الملعقة والتقم من طبقه مستلذا بطعمه المميز وهي تراقب حركاته وتجاوب ملامحه مع إحساسه: إنه لذيذ... ذكرتني بأيام بعيدة... أيام لا تُنتسى...
قالت بفرح تسأله مرتين: حقا!... أعجبك هيثم!
تأملها بود يومئ بإعجاب: رائع حقا... شكرا لك...
أجابته والابتسامة لا تفارقها: العفو...
راحا يتناولان الطعام وهما يتحدثان حول مختلف المواضيع دون أن ينسى طمأنتها عن مجد فقد زاره قبل أن يترك المستشفى...كانت سعيدة بتحسنه وتماثله للشفاء وشكرته طويلا على كل ما فعله من أجله.
انتهى العشاء وحانت السهرة... جلسا معا يشربان الشاي في غرفة الاستقبال وهما يشاهدان التلفاز. سألها بفضول: من أين حصلت على الشخشوخة التي طبختها على العشاء.
ضحكت واضعة كفها على شفاهها: وضعت أمي الكيس بحقيبتي... قالت أنني سأحتاجه.
ضحك هو الآخر: كانت محقة...
شعرت بالحنين فجأة يداهمها واستغربت اشتياقها لأهلها أبكر مما توقعت، ثم انتابها الفضول لتعرف سر انعزاله كل هذا الوقت وبُعده عن أمه... سألته بفضول: هيثم... كيف خطر لك أن تستقر هنا؟
التفت إليها متجاوبا مع لفظها لاسمه وفكر لوهلة قبل أن يجيبها: بدأت دراستي الجامعية ببلادنا ثم حصلت على منحة إلى سويسرا وبعدها أكملت تخصصي هنا بباريس وبدأت العمل بالمستشفى التي أنا فيها.. هذا كل شيء.
سألته باستغراب: ألا تحن لأمك؟
ابتسم بسخرية: داهمني الحنين طويلا لكنني تعلمت الإهمال على طريقتها.
توسعت عيونها فجأة من هذا الكلام ولم تجرؤ على طرح مزيد من الأسئلة فاسترخى هو على الأريكة وتظاهر بمتابعة التلفاز غير أنه كان من الواضح لها أنه ساهم يفكر... ربما كان يتذكر الماضي!
بعد صمت طويل قالت له: سيبرد الشاي...
ارتشف من فنجانه رشفة ودفع به بعيدا وعاد ليلقي بظهره على المسند فوقع رأسه بالقرب منها وأحس بخصلات شعرها تدغدغه.
التفت إليها ببطء فقابلته عيونها السوداء تتأمله بإمعان دون كلام... وضع كفه على خدها وهمس لها: صفاء...
تجاوبت مع كلمته فأردف: لماذا تزوجت برجل مثلي يا صفاء؟
بدى سؤاله غريبا لم تجد له إجابة، أغمضت عيونها متأثرة بلمسات أصابعه على خدها وهمست له دون وعي: أنت من طلبني للزواج...
أصدر ضحكة وقال بنفس هدوئه: أقصد كيف قبلت بي وأنت تعرفين نمط حياتي!
توسعت عيونها فجأة وقد قفزت إلى مخيلتها صور قوارير الشراب بالثلاجة وتمتمت بذهول: أي نمط؟
رفع رأسه مستنتجا أن أمه لم تخبرها بشيء ثم حاول تجاهل الموضوع: دعك من كل هذا الآن...
وعاد ليعبث بخصلات شعرها متأملا لعيونها بإعجاب شديد، وقبل أن يتمادى أكثر سألته بإلحاح: هيثم... هل يمكن أن أعرف عن أي نمط حياة تتحدث!
فكر مليا ولم يجد بدا من مصارحتها بالحقيقة فكما يبدو هي لن ترتاح قبل أن تعرف ما قصده من وراء كلامه، بدأ يشرح لها: تأزمت علاقتنا أنا وأمي بعد زيارتها لي في منزلي... فتحت لها الباب إحدى صديقاتي... وأدخلتها منزلي... وبدأت أمي تطرح الأسئلة والأخرى بكل بلاهة تجيب... عرفت منها أننا...
وتأفف قبل أن يكمل: تعرفين هنا ليس للزواج تلك الأهمية الكبرى... يمكن لأي اثنين أن يقررا العيش معا ثم ينفصلان متى يقرران ذلك دون مشاكل وإجراءات قانونية... كنت أعزبا لفترة طويلة و...
أطال تفكيره في الكلمات التي سيقولها فاستعجلته: تقصد المساكنة دون زواج...
أشار بنعم فاستهجنت الأمر: تتحدث وكأنه لا أصل لك ولا مبدأ!
تفاجأ من هجومها العلني عليه، وحاول التبرير لنفسه: لم أكن لأرتبط بامرأة أجنبية... أنا أعرف العقلية هنا وأعلم أننا لن نستمر لأكثر من بضعة أشهر أو بضعة سنوات على الأكثر!.. الزواج لم يكن حلا متاحا أمامي...
استنكرت ما يقوله وقالت بضيق: لاتحاول إيجاد تبرير لممارستك للزنى... هذا أسوأ من الفعل نفسه!.. كان بإمكانك العودة لأرض الوطن والبحث عن شريكة تناسبك...
صمتت مفكرة وتابعت بشرود: ربما كنت من نصيبك يومها... وكنت لتجنبني كل سنوات الألم...
تفاجأ من كلماتها الأخيرة وناظرها بحيرة فأكملت تقول: لقد عرفت أمك منذ مراهقتي... وقد أحبتني وأرادتني كنة لها وأنا في سن مبكرة... لو أنك رجعت إلى الوطن لتتزوج كانت حتما ستخطبني لك...
تأثر لكلماتها وهو يشاهد بريق الدمع في عيونها يرافق رغبتها الملحة في تغيير ماضيها وهمس بإحباط: أنت تحلمين... الأفضل كان دائما من نصيب آدم... آدم هو من أخذ كل شيء كاملا... حبها، حنانها، إعجابها، دعاءها، شوقها، الزوجة المناسبة... كل شيء... أنا لم أكن سوى ولد رجل سكير منحرف أضاع سنتين من عمرها قبل أن تتطلق منه... وظل شبحه يرافقني... ولم تكن هي تحبني لهذا السبب... حتى أنها لا تطيل النظر إلى وجهي لأنني أشبهه!..
تأثرت صفاء بكلامه عميقا الأمر الذي جعلها تسترجع ليونتها في التعامل معه وهي تقول له بجد: لا يمكن للأم أن تكره فلذة كبدها... أنا أم وأعرف هذا حق المعرفة...
هز رأسه نافيا الأمر: لست أنت من عاش مع عقدة النقص كل تلك السنوات... أنا فقط أردت الهرب بعيدا وكان هذا هو العالم الذي احتضنني.
لمحت له باستخفاف: عالم المحرمات!
استنكر ما تقوله: لا... لا تفكري بأنني تخليت عن مبادئي كلها لأنني أخبرتك عن قصة عمرها سنوات... لازلت أصوم رمضان رغم وحدتي وأساعد المحتاجين هنا من أبناء جلدتي...
تمتمت بينها وبين نفسها: يا فرحتي بك!
ورفعت صوتها ليسمعها: وقناني الشراب التي تعبئ ثلاجتك!.. هل كنت تتناولها في سهرات الشهر الفضيل وبعد السحور!
تنهد بسخط واضح: لا تبدئي بخلط الأمور مع بعضها البعض!... لست المسلم الوحيد الذي يمارس مثل هذه الأمور... هنا الحياة مختلفة تماما...
وقفت من جلوسها وقد بلغ بها الضيق مبلغه: الرجل الحقيقي لا يتغير معدنه مهما تغيرت الظروف من حوله...
تأملها في وقفتها تلك لتردف بصوت يائس: هنا يخرج الرجال للسهر في الحانات، يصطادون الفتيات ويجلبنهن للفنادق والبيوت ليعاشروهن بثمن أو بلا ثمن...
صمتت للحظة ثم أردفت: هل ستفعل هذا كلما تشاجرنا أو كلما غابت عيني عنك؟.. من لا يخشى الله في خلواته فلا رادع له!.. ما يؤلمني حقا أنني لن أصلح لأكون زوجتك ما دمت تمارس الزنى...

قالت هذا وفرّت من أمام ناظريه لتحدق عيونه بها وهي تنأى في صمت...

ربما كانت محقة في كل كلمة قالتها، لكن كان عليها التمهل وإعطاؤه فرصة للدفاع عن نفسه، ربما أخبرها الحقيقة كاملة لأنه يريد بداية جديدة معها!
♡♡♡♡

كان يوم عطلته وقد استيقظ قبلها وأعد قهوته الصباحية ثم جلس قرب الكمبيوتر يرتشف منها تارة ويقرأ بعض المقالات العلمية لأكبر الأطباء في اختصاصه تارة أخرى.
خرجت هي من الغرفة بعد دقائق وناظرته مطولا قبل أن تلقي عليه التحية، رفع طرفه إليها لوهلة ثم ردها عليها ببرود وعاد ليحدق بالشاشة أمامه.
لقد أمضى ليلته نائما على الأريكة بعد أن أخذ بطانيته من الخزانة حتى لا يسمح لها بالإشفاق عليه مثل الليلة السابقة لتقوم إليه بعد نومه وتغطيه.
فكرت طويلا في الموضوع قبل أن تنام... هو مخطئ هذا أمر لا جدال فيه، لكنها أيضا ستكون مخطئة إن ظنت أن استياءها بتلك الطريقة سيأتي معه بنتيجة...
اللين وحده من يأسر قلوب البشر، وليس العنف والترهيب... وإن كان هيثم اليوم زوجها فعليها أن تحاول كسبه لا أن تعلنها حربا وإياه. خصوصا وأنه إنسان ذكي مختص في أحد أصعب الفروع العلمية... وإن وصل لهذا المستوى فلابد وأنه يتمتع بشخصية مميزة عليها أن تتعامل معها بحذر. فهو ليس بجاهل مغفل حتى لا يعرف الحلال والحرام ولا حتى برجل تافه لا يهتم لمبادئه... قد يخطئ... ومن منا لا يُخطئ!..
تأملته من باب المطبخ وهو مركز مع كمبيوتره المحمول وأغمضت عيونها للحظة متنهدة... ليست تفهم حقيقة شعورها تجاهه... شيء ما يجذبها إليه بطريقة غريبة دون أن تعرف السبب وحتى بعد أن صارحها بطريقة عيشه إلا أن الأمر لم يجعلها تقرف منه!.. غريب أن ترغب فيه رغم عيوبه وأن تدبر عن عزيز الذي رغب فيها وأحبها رغم محاسنه!
هل نحن نحب الانسان الذي يسحرنا بحسن أخلاقه أم أن القلب أحيانا يختار مثل العميان!

بدأت بترتيب المنزل وتنظيفه دون أي كلام فهيثم ظل منشغلا بما يقرؤه وهي تحمل بيدها خرقة تمسح بها الغبار عن قطع الزينة الموضوعة بأدراج كبيرة تزين غرفة الاستقبال.
مسحت إحدى التحف التي بدت لها غريبة مكتوب عليها بالفرنسية اسما ما لم تسمع به من قبل... هل هي جائزة ما!
سألته بفضول: ما هذا التمثال؟
رفع طرفه إليها لوهلة ثم عاد ليحدق بما بين يديه وهو يقول: هُبل... أعبده وقت فراغي!
كزت على أسنانها بقهر، فهاهو ذا يهزأ بها بعد جدالهما ليلة أمس...
أرجعته بغضب إلى الرف دون أن توازنه بشكل جيد فوقع عن غير عمد منها وانكسر ناثرا شظاياه بالمكان.
ولأنه لم يشاهد ما حصل فإن عيونه اتهمتها بكسره قبل أن ينطق لسانه مستهجنا ما حدث: كسرته!
كان هدية من بطل أولمبي تولى علاجه لسنوات ونشأت بينهما صداقة متينة خلال تلك الفترة، فقد كان من النوع الذي يحسن كسب قلوب البشر... وتلك كانت هديته القيمة له وهو على فراش المرض قبل أن يموت ببضعة أيام... أراد أن يهديه أحد أمجاده كما قال له امتنانا وعرفانا لكل ما بذله من أجله طيلة سنوات من العلاج...
كانت عيونها تحدق بوجل في تفاصيل وجهه العابس، عرفت أنه لن يصدقها حتى وإن أقسمت له على أنها لم تقصد ذلك... أصدرت تأتأة وهمست بعجز: لم أقصد!..
التزم الصمت التام محملقا فيها بسخط واضح وحاجباه معقودان أمامه، ثم أقفل الكمبيوتر بعنف وابتعد عن المكان حتى يتمالك أعصابه.
عندما اختفى من أمام ناظريها تهاوت على الأريكة القريبة وبدأت عيونها بذرف الدموع... يؤلمها أن يعاملها بتلك الطريقة، بل يجعلها تشعر بالندم في كل مرة تظن أنها نالت منه... تصرفاته المضبوطة معها تعكس رقي شخصيته مؤكد... غيره ربما أقام الدنيا وما أقعدها لو أن زوجته كسرت شيئا يخصه وبتلك الطريقة التي تخيلها في ذهنه! لكنه ورغم عصبيته يتجنب الدخول في شجار معها بضبط نفسه...

وقفت قرب باب الغرفة وكان هو ينتقي من الخزانة بعض الثياب، حاولت أن تتعامل مع الموضوع بالحوار حتى لا تتأزم علاقتهما أكثر فولجت للداخل وحملقت به للحظة حتى التفت إليها: هيثم أنا لم أقصد كسر تلك التحفة... وقعت من يدي عن طريق الخطأ.
أومأ دون كلام ثم التفت إلى المرآة ليفك أزرار قميصه فتأملته للحظة وعادت أدراجها بخيبة... لن تأخذ منه أي كلمة... هو شخص كتوم يحتفظ بأفكاره وانفعالاته لنفسه.
عندما وصلت إلى الباب سمعته يقول لها: جهزي نفسك...
التفتت إليه بدهشة، وكان يهم بلبس قميص رمادي اللون، ثم أكمل عندما أخرج رأسه من فتحته وتمكن من رؤيتها: سنخرج لبعض الوقت.
ابتسمت دون كلام وأومأت موافقة: سأجمع أغراض التنظيف وأعود.

أمضيا يوما مسليا تجولا فيه في باريس مدينة الجن والملائكة.
صحبها إلى قصر فيرساي، وهو مزار سياحي ذو شهرة واسعة يعود تأسيسه إلى عام 1624 عندما أمر لويس الثالث عشر ببناء منزل صغير للصيد على تل قريب من قرية فيرساي الصغيرة كون أن الأدغال القريبة وافرة الصيد.
وكان قصرا منبسطا على نطاق واسع بحديقة ضخمة وفخمة في آن معا يحتاج التجوال فيه إلى يوم بحاله...
راح يشرح لها ويقص عليها تاريخه بأسماء من سكنوه... بدت مستمعة حريصة لما يقوله... لكنها في نفس الوقت شعرت بفتور رهيب يتملكها... وهو يقص عليها كل ذلك بفرنسية طليقة، لم تكن تستطيع التفريق بينه وبين أي مواطن يسكن هذه الأرض... شعرت أنه فقد أصالته وهويته... أنه رجل لا ينتمي إليها بأي شكل من الأشكال... وكل منا يبحث في هذه الحياة على من يشبه ذاته...
إن كانت تظن من قبل أن الحياة هنا أكسبته هوية ثانية، فقد أصبحت اليوم متأكدة من أن الانسان ابن بيئته.
♡♡♡♡

مضت أيام سريعة بعد هذا اليوم، ورغم أن علاقتهما لم تتأزم أكثر إلا أنهما ظلا منفصلين عن بعضهما البعض.
هي لا تعرف إن تاب عن ماضيه، وهو لا يرضي كبرياءه أن يتودد إليها مرة أخرى...

توجهت متأخرة هذا الصباح لزيارة ابنها فقد سبقها هيثم إلى عمله وبقيت هي بالمنزل لتوضبه.
عندما وصلت إلى الجناح الذي يتواجد به مجد شاهدت هيثم يقف إلى جوار آدم وهما يتبادلان الكلام. توقفت فجأة ولم تستطع أن تتقدم خطوة بعد، شعرت أنها المنبوذة التي أفسدت أخوتهما الجميلة... وكم أحست بالندم لأنها سبب تعاسة كليهما. أغمضت عيونها بألم ثم فتحتهما لتقابلها نظرات آدم الحزينة... تراه يفكر في أنها تنتقم منه بزواجها من أخيه!.. لم تستطع أن تبرر قرارها لأحد...
التفت إليها هيثم فسارت باتجاهه ليغادر آدم من فوره حتى لا يجتمع ثلاثتهم معا.
قبل وجنتها مُرحبا بها ثم سارا معا باتجاه غرفة مجد. كانت سعيدة جدا لرؤيته وضمته إليها بقوة مستنشقة شذى عطره، قال لها بلهفة: ماما... أخبرني بابا أننا سنعود إلى المنزل قريبا...
تجهم وجهها فجأة والتفتت إلى هيثم تستفهم الأمر، فقال يشرح لها: لقد سمح له الطبيب بمغادرة المشفى وقال أن علاجه التأهيلي سيبدأ بعد أشهر، عندما يسمح له وضعه الصحي بذلك. لهذا قرر آدم أن يرجعا إلى أرض الوطن.
ارتجفت أطرافها من الصدمة ولم تستطع أن تتقبل الفكرة: سيأخذه مني!..
حاولت أن تهدأ حتى لا يشعر ابنها باستيائها وتمالكت نفسها طوال مدة تواجدها معه هناك... لكنها بكت من أجله بشدة فور عودتها إلى المنزل. لقد انزوت في الغرفة وذرفت دموعها بقهر وصوت نشيجها يصل إلى زوجها الذي وقف قرب الباب يتأملها من الشق متأثرا من انهيارها بتلك الطريقة.
يتفهم أن أكثر ما أغراها بالزواج منه هو الفرصة التي يقدمها لها على طبق من ذهب لتلتحق بابنها هنا وتمكث رفقته. لكن تهب الرياح بما لا تشتهي السفن. وهاهو والده يقرر أن يرجع كلاهما إلى البلاد ويعلم يقينا أنه لن يتراجع عن قراره فقد حاول معه مطولا حتى يتركه عنده كونه عمه وزوجته هي أمه وأنه لن ينقصه شيء كما أنه سيستمر في تلقي العلاج على نفقاته الخاصة وتحت عنايته لكنه رفض الأمر رفضا قاطعا...
كان يعلم جيدا أنه لم يعد هنالك سبب يبقي صفاء معه خصوصا بعد إعلان نفورها عنه بعد كل ما أخبرها به... وإن قرر آدم ألا يعيد مجد لتلقي العلاج التأهيلي هناك فلا شيء سيدعوها للبقاء معه.

توجها صباحا لتوديعهما بالمطار وكانت هي تحتضن ابنها بقوة رافضة تركه. وبالكاد سمحت لهم بأخذه من بين ذراعيها عندما حان وقت المغادرة.
رجعا إلى المنزل معا وكانت في حال سيئة ما جعله يتحايل عليها ليأخذها في نزهة. لكنها رفضت الأمر وبشدة واكتفت بالبقاء في غرفتها كئيبة دون كلام.
بحلول المساء كان في المطبخ يعد الطعام، ويتفنن في تزيين الطبق حتى لا تسخر منه...
ولجت للداخل من أجل إعداد العشاء وكانت الفوضى تعم المكان. همست باستغراب: هيثم!.. مالذي تفعله؟
ابتسم في وجهها: أعد لك العشاء.
تأملت الصحنان المعدان بعناية ثم عادت لتلتفت إلى كل تلك الفوضى: كل هذه الفوضى من أجل هذا!
سحب لها كرسيا فجلست وهو يهمس لها: لابأس سأنظف معك...
ضحكت بتعب وهي ترد عليه: لا عليك، أنا أمزح معك وحسب...
تناولا الطعام معا وهما يتبادلان الحديث، فعل هيثم كل ما بوسعه لينتشلها من قاع الشجن الذي هي فيه. وكانت هي سعيدة باهتمامه... استطاع أن يُشعرها بالتميز وأن تكون هي محط اهتمامه بلا منازع... الأمر الذي لم تشعر به يوما خلال زواجها من آدم.
سهمت فيه للحظات وخدها على كفها بينما يتحدث إليها بإسهاب حتى فرقع أمامها بإبهامه وسبابته: أين أنت؟
أجابته وهي مازالت في أفكارها: ليتنا تقابلنا في ظروف مختلفة.
شرذ في تفاصيلها الرقيقة يتأمل براءة وجهها لوهلة متمعنا في كلماتها، ثم مد إليها يده فتعلقت به بفضول، ليقوم بتقبيله بكل حب: المهم أننا تقابلنا...

عندما انتهيا من تنظيف الأطباق وترتيب المطبخ. أمسك بكفها وسحبها إليه حتى أصبحت قبالته ثم تأملها مبتسما: أعجبك العشاء؟
أجابته مؤكدة: كان لذيذا... شكرا لتدليلك لي هذا المساء...
أمسك بذقنها بحب هامسا: أردت أن تتذكري عني أشياء جميلة...
ابدت استغرابها: أتذكر!!!
تجاهل سؤالها ليقول مع ابتسامة كبيرة: لدي مفاجأة.
ظهرت على وجهها علامات الفضول وهي تهمس له: مفاجأة!
أخذ بيدها ودخلا غرفة الاستقبال، ثم اقترب من أحد الرفوف وسحب مغلفا وضعه بين يديها: افتحيه...
فتحت المغلف بفضول وأخرجت منه تذكرة سفر تأملتها بذهول رافعة رأسها إليه. فبادرها بالقول: ستزورين مجد لتبقي معه...
تلألأت عيناها بالدموع لتقول بتأثر: لكنني وصلت هنا منذ بضعة أيام!
قال متفهما: أعلم أنك عانيت طويلا قبل أن تحصلي على الإذن بالسفر إلى هنا وهاقد رحل مجد دون أن تشبعي من رؤيته...
سألته: وأنت!.. هل ستسافر معي؟
أومأ نفيا: بُرمجت لي عمليات جراحية طوال الفترة القادمة...
عادت لتتذكر قوله "أردت أن تتذكري عني أشياء جميلة" وفهمت أنه ينوي الانفصال عنها خصوصا بعد كل الصِّدامات بينهما. أمسكت بكفه متوجسة: ألن تلحق بي؟
تأمل أصابعها الملتفة حول أصابعه بمودة: هنا عملي... أنت تعرفين...
بلعت ريقها لتسأله مرة أخرى: كم ستدوم زيارتي؟
أجابها: زيارة مفتوحة...
شعرت بمغص في أمعائها عندما قال هذا وحدقت فيه بتيه فأمسك بذراعيها: ما بك؟
أخفضت بصرها مطرقة دون كلام فرجها برقة: مابك صفاء؟
رفعت طرفها إليه بتردد: لا أريد... سيرجع مجد من أجل العلاج التأهيلي عاجلا أم آجلا..
صمت للحظة وكأنها فاجأته بإجابة لم يتوقعها، ثم همس لها بجد: مجد لن يرجع... آدم وجد له مركزا تأهيليا هناك وقال أنه لن يعود به إلى هنا...
كان أثر الصدمة عليها واضحا... فهمت الآن لماذا يتخلى عنها هيثم... لأنه يعلم يقينا أنها تزوجته من أجل ابنها، وبما أن ابنها عاد لأرض الوطن فلا شيء سيحتم عليها البقاء معه.
خرج صوتها مرتجفا: ستتخلى عني؟
شعر بقشعريرة تنتابه عندما سمع همسها المرتبك بهذه الكلمات، رفع رأسها إليه ليشاهد بريق الدمع في عينيها. لم يفهم حقيقة مشاعرها... هل تريد حقا البقاء معه أم أنها فقط تحاول التمثيل حتى لا يكتشف أنه في حياتها مجرد جسر ربط المستحيل بالواقع!
لم يستطع فهم تلك المشاعر التي انتابته لحظتها عندما ضمها إليه بكل حب مقبلا جبينها بإشفاق، فشددت من احتضانه وأبقت رأسها على صدره ودموعها تتقاطر بتتابع. عجيب أمرها حتى هي لا تفهم لماذا عز عليها أن تهجره رغم أنه لم يجمعهما غير صدفة وبضع مشادّات...
هو عكس آدم في كل شيء... لقد عرفت الأول رجلا تقيا لا تفوته صلاة ولا ينسى أي فرض، وربما أكثر ما سحرها فيه هو استقامته وجديته، فحتى عندما قرر الانفصال عنها كان واضحا ولم يخدعها أو يتصرف معها بطريقة خبيثة.
أما هيثم فكما يبدو لم يعرف الالتزام في حياته أبدا، إنه يعيش على سجيته متشبها بأهل بيئته... ورفضها لتصرفاته نابع من أصل تربيتها، فهي امرأة لم يلمس أصابعها رجل غريب يوما، ولم تتودد بكلامها لغير زوجها... أكبر المنكرات في حياتها كانت تأخير مواعيد الصلاة واغتياب الأخريات... فكيف لا يعذرها إن كرهت منه الزنا وشرب الخمر!
ومع ذلك هو رجل تريده في أعماقها... هناك في داخله يسكن رجل حنون وطيب... عشقته دون أن تتمكن من رؤيته... وهي متعلقة به رغم كل شيء...
كان كفه يمر على ظهرها صعودة ونزولا مواسيا لآلامها قبل أن يهمس لها: سيكون موعد سفرك غدا صباحا...
لم تجبه بكلمة بل رفعت رأسها إليه وتأملته مليا... عيونه العسلية كانت تمسح تفاصيل وجهها بترقب حتى همست له: ألا تريدني؟
تنهد بعمق وهو يستمع لكلامها ثم وضع كفه على خدها وقرب رأسه منها: أنت من لا تريدني...
اضطربت أنفاسها وهي تتأمله عن ذلك القرب قبل أن تقول: أنا أنتظر عودتك من تلك الطريق... أنت من لا يريد الرجوع ليمسك بيدي...
أصبحت يدها في قبضته عندما فاجأها بالقول: أنا هنا... لقد عدت من أجلك عندما تزوجت بك... صحيح أنه جمعتنا الصدف لكنني أردت أن أتغير للأفضل عندما تزوجت بك... أمي أخبرتني عنك وعن أخلاقك، وحذرتني في المقابل من تصرفاتي، وأنا ليلتها أردت أن أكون صريحا معك وحسب... لكنك...
أغمضت عيونها للحظة وهمست له: لن أحتمل الخيانة يا هيثم... لن أقبل بأن أتقاسمك مع أي كان.. لا تفعل مثله أنا أرجوك...
وتساقطت من عينيها عبرات مد يده وراح يمسحها بأصابعه: سأكون لك وحدك يا صفاء... أعدك... لا تفكري في الماضي... اليوم لدي أنت... وقبلك لم يكن لي أحد.
شعرت بالإشفاق عليه لحظتها فأمه قصرت معه بطريقة أو بأخرى ودون شعور منها... والفراغ الذي ملأ حياته هو من صنع منه ماهو عليه... هو فقد العاطفة في حياته ومنذ صغره... وهو أفضل من يقدم هذه الأمور المعنوية لأنه يعرف قيمتها حق المعرفة... ربما هذا ما جعله يحجم عن أذيتها بكلامه في كل مرة يتصادمان فيها.
أمسكت بكفه بكلتا يديها وناظرته برجاء: امنحنا فرصة...
ضمها إليه بقوة حتى شعرت بذراعيه يحتويانها ويُغرقانها حبا وهو يخبرها أنه يريدها له ولا يرغب في أن تتركه... شعرت بسخونة أنفاسه وصدق كلماته... وعرفت حجم تغلغلها داخله وتعلقها به... وكان هو يرويها من عواطفه بكل حنو ورقة... ويتركها تتشرب عشقه بكل شغف...
♡♡♡♡♡♡

فتحت عيناها صباحا على همسه المثير: صفاء... استيقظي حبيبتي...
تأملت وجهه الذي كان يعلو وجهها ببضع سنتيمترات وابتسمت بحب: صباح الخير.
أبعد خصلات شعرها عن وجهها قبل أن يقبل وجنتها: ستتأخرين...
تأملت الساعة على النضد بقربها ثم حملقت فيه بريبة: متى ستلحق بي؟
أجابها باسما: لا تقلقي... سألحق بك في أول فرصة.
بادلته ابتسامته تلك مطولا قبل أن تقوم من فراشها وتستعد للسفر.
اتصلت بأمها وأخبرتها بقدومها متمنية أن تجد من يقلها عند وصولها. وبعد أن ودعت زوجها في عناق طويل في المطار تركته وتوجهت لاستكمال باقي الإجراءات القانونية.
كانت الساعة في أرض الوطن تشير إلى الحادية عشرة عندما أنهت كافة الإجراءات وخرجت. لتجد أخوها في انتظارها خارجا.
أوصلها إلى المنزل أين استقبلها والداها بترحاب وشوق، ومكثت هناك حتى تناولت معهم طعام الغداء ثم قررت زيارة بيت حماتها لتطمئن على حال ابنها الذي اكتوت بنار فراقه طويلا.
عندما وصلت علمت منها أن مجد في منزل والده وأنه رفض تركه عندهم، أوجعها الأمر كثيرا فهي تعرف أن رحاب أبدا لن تحب مجد وستكرهه أكثر كلما تذكرت ابنها المتوفى...
احتارت في أمرها فمن غير المرجح أن تفكر في زيارة بيت آدم وزوجته... هذا يعد ضربا من الجنون!
كانت في غرفة الاستقبال جالسة مع زهور وهي في حالة لا تحسد عليها... تتحرك في جلوسها ذاك وهي تعصر كفيها كمن هو جالس فوق الجمر... والأخرى تراقبها في صمت تام وهي تفكر بينها وبين نفسها كم أن هيثم بارع في محاولته الواضحة لكسب قلب صفاء... هو يطبق ذلك القول: "إن كنت تريد شخصا بشدة أطلق سراحه... فإن عاد إليك فإنه يحبك..."
سألتها بهمس يحمل كثيرا من الفضول: كيف تسير أمورك مع هيثم؟
ابتسمت لتذكره وقالت بخجل: جيدة... مثل كل عروسين.
أومأت دون كلام... قد تكذب الكلمات لكن تعابيرها المتلهفة لمجرد تذكره تثبت صدقها... انتهيت يا آدم..
هذا ما كانت تردده بداخلها عندما سمعت صوته عند الباب يحدث والده الذي أخبره فورا أن صفاء ضيفتهم.
دخل على عجل وكأنه لا يطيق الانتظار وألقى التحية عليهما ثم توجه إلى أمه التي قبل خدها وجبينها وجلس بالقرب منها يناظر طليقته من موقعه.
قالت زهور لتكسر ذلك السكون الموحش: بني... صفاء جاءت لزيارة مجد... وهي تريد إبقاءه إلى جانبها لبضعة أيام... ستعتني به حتى يتعافى...
حملق فيها بوجه متجهم قبل أن ينطق: أبهذه السرعة كرهت باريس!
من المحتمل أنه كان يقصد بباريس أخوه هيثم... لكنه استخدم اسم المدينة مجازا.. ولم تكن هي غبية لتغفل ما يرمي إليه.
أجابته باستياء واضح: من حقي أن أرى ابني وأعتني به... وقد جئت لأبقى معه حتى يتماثل للشفاء.
أبان عن سنه بنصف ضحكة ساخرة: تزوجته من أجل مجد... وتركته من أجله أيضا... أما كان من الأفضل لك لو صارحتني برغبتك في اللحاق به إلى باريس وجنبت نفسك كل هذا العناء!
أجابته بغضب واضح: جئت لزيارة مجد... وهيثم سيلحق بي عندما يستطيع الحصول على إجازة...
حملق آدم وأمه ببعضهما البعض لوهلة تبادلا خلالها نظرات غامضة قبل أن ينطق آدم من جديد: هو أخبرك بهذا؟!
لم ترد عليه فأردف: كذب عليك، لا شيء سيجعله يرجع إلى هنا... هذا محال.
أحست بوجع يضرب أحشاءها فجأة وهي تبصر ثقته الواضحة من خلال كلماته... تراه يعرف شيئا تجهله!... إنها تجهل الكثير على ما يبدو!

حل المساء دون أن تبارح منزل حمويها وهي تنتظر وصول مجد كما وعدها آدم لكنهما تأخرا كثيرا... جابت تلك الحديقة الصغيرة ذهابا وإيابا وهي تفكر في كل شيء... أيعقل أن هيثم سيتخلى عنها!.. ما سبب ثقة أخيه الزائدة بكلامه!
كانت ستجن وهي تقلب الأفكار في رأسها حتى رن هاتفها المحمول فردت بلهفة: هيثم!... كيف حالك؟
أجابها بصوته المميز وكأنه يقف قبالتها: أنا بخير حبيبتي... كيف أنت؟
أشعرتها كلماته بالدفء يسري في أوردتها وتوسعت ابتسامتها بعفوية وهي تهمس له: اشتقت إليك...
جاءتها ضحكته وهو يرد عليها بحب: وأنا اشتقت إليك يا قلبي... المنزل من دونك كئيب شاحب...
ظلت تحدثه لفترة طويلة وتختلق القصص حتى لا يقفل... شعرت أنها بذلك ستمنح نفسها الاحساس بامتلاك قلبه رغم أن الفكرة في حد ذاتها مربكة لها وتشعرها بالتيه!
تعشت هناك مع حمويها وابنها وكذالك آدم ورحاب التي لم تكف عن سؤالها عن باريس وهيثم وكأنها تعمد إلى ذلك لتحط آدم أمام الأمر الواقع عله يكف عن إرسال نظراته المختلسة لها بين الفينة والأخرى.
في نهاية السهرة قرر آدم أن يترك مجد في رعاية أمه لبضعة أيام شرط أن لا تأخذه لبيت أهلها حتى يتمكن من زيارته في أي وقت يشاء، وهكذا بقيت صفاء في ضيافة حمويها تقوم بالاعتناء بابنها بينما يزوره والده بين الفينة والأخرى للاهتمام باحتياجاته.
خلال تلك الفترة شعرت صفاء أن مجد لم يعد يبالي بها كثيرا مثلما كان الحال سابقا بل يسأل عن والده في كل وقت ويتبادل وإياه المزاح والضحك مطولا.. أشعرها الأمر بحزن شديد فانفصالها عنه طوال المدة الفائتة وتواجده مع والده خلق بينهما ألفة وجعل كل منهما يتعلق بالآخر... لا يزعجها أن يحب والده ولكن يؤلمها أن تتراجع مكانتها في قلبه بعد أن كانت كل شيء في حياته.
مرت أيام عديدة دون أن يتصل هيثم أو يرسل لها أي رسالة نصية على هاتفها.
حاولت التواصل معه أكثر من مرة في كل يوم يمضي لكن هاتفه المحمول مقفل والثابت بالمنزل يرن دون أن يرد أحد... أشعرها الأمر بقلق شديد وخافت من أنه يهجرها دون سبب..
في كل يوم يمضي يزداد توترها وتسوء حالتها النفسية من شدة الاضطراب، لكنها وبحكمة كانت تخفي عن الجميع كل انفعالاتها ولا تخبر أحدا أن الأخبار بينها وبين زوجها قد انقطعت تماما.
مضى شهر كامل منذ وصولها دون أن تتلقى أي خبر من هيثم... أيعقل أنه تخلى عنها!.. عليها أن تتأكد من ذلك بنفسها.
حجزت لنفسها رحلة على أول طائرة باتجاه مطار "اورلي" الدولي بباريس وفي صباح اليوم التالي كانت هناك تجوب الأزقة المكتظة بحثا عن سيارة أجرة.
توقفت السيارة أسفل البناية التي يسكنانها ونزلت بعد أن دفعت للسائق، حملقت بالمكان مليا علها تبصره في الأرجاء وهي تسترجع ذكريات الأيام الخوالي... ثم اقتربت من الموقف بحثا عن سيارته دون أن تجد لها أثرا.
صعدت ذلك الدرج بخطوات غير متزنة فالخوف والترقب عبثا بكل خلية فيها، وعندما اقتربت من باب المنزل أخرجت المفتاح من حقيبتها وصادف أن مر من هناك جارهم الذي يسكن بالطابق العلوي فألقى عليها التحية وسألها عن حال "أيتام" كما ينادونه، الأمر الذي فاجأها وجعلها تسأله باضطراب: هل حصل معه مكروه؟
أجابها بالفرنسية: لا أعرف... هو غائب منذ مدة، ونحن نظن أنه غادر الشقة... أخبرني بعض الجيران أنه لا يزاول عمله بالمستشفى!
هوت عليها كلماته كصاعقة زعزعت أركانها وجعلتها ترتجف وجلا... هل صحيح أنه غادر البيت أم أن مكروها ما قد أصابه!
فتحت الباب على عجل وركضت تبحث عنه في الأرجاء علها تجده... كان كل شيء مرتب ومغطى ببعض الغبار. واضح أنه كما قال جارهم لم يدخل هذا المنزل أحد منذ فترة طويلة... أرعبها الأمر جدا وجلست على الأريكة تفكر في الأمر وهي تذرف دموعها... إلى أين يا ترى ذهب هيثم؟... هل أصابه مكروه ما؟ مضى زمن طويل منذ اختفائه... هل عليها أن تبلغ الشرطة!...
وماذا لو أنه ترك المكان وحسب؟.. ربما هرب منها إلى مكان آخر ولا يريد لها أن تكون بحياته!
لم تستطع أن تتخذ أي قرار بهذا الشأن وقد أتعبها التفكير الطويل وأربكتها الهلوسات... نامت على تلك الأريكة من فرط التعب وعندما استفاقت في المساء توجهت إلى مركز الشرطة للابلاغ عنه.
هناك كان عليها الانتظار... ثم الانتظار حتى يحين دورها، ومن ثم وجب عليها أن تمنحهم كل الوثائق اللازمة لإثبات هويته وهويتها وكذلك صور له من أجل التعرف عليه.
تركت المركز بعد أن طمأنوها أنهم سيتواصلون معها في حالة جد لديهم أي جديد.
مكثت هناك في باريس بضعة أيام وسألت عن زوجها في الجوار وحتى في المستشفى الذي يعمل به غير أنها هناك لم تتمكن من مقابلة المدير ولم تتلقى من المسؤولين أي معلومات مهمة تقودها نحو وجهته أو تمكنها من التأكد أنه استقال... ظلت الأجوبة ضبابية ولا أحد يعرف أين هو هيثم فتركت للشرطة مهمة التحقيق في قضية اختفائه علها تصل إلى أي جواب... حتى وإن كان جثة!
بلغ بها التشاؤم مبلغه فبمرور الأيام كانت تتضاءل أمامها إمكانية خروجه إليها حيا من جديد.. لربما اغتالته إحدى العصابات التي تملأ الشوارع... هنا البقاء للأقوى وكل مهاجر غير شرعي عليه تدبر أمره من مأكل ومشرب ومال... الاعتداءات كثيرة وتمس الجميع...
أو ربما سافر متعمدا إخفاء وجهته حتى لا يجده أحد وفي كلتى الحالتين سيكون قد حكم عليها بالهجران!
بعد أيام من الانتظار لم تقدم لها الشرطة أي جديد ما اضطرها إلى العودة لأرض الوطن كئيبة كسيرة تجر ذيول الخيبة... لا يجول بذهنها إلا سؤال واحد: "هل تخلى عنها بإرادته، أو رغما عن إرادته؟"
بمجرد وصولها كان يجب عليها أن تبلغ حماتها بالأمر الواقع فالموضوع خطير مهما توسعت احتمالاته... وكان عليها أن تتحمل نظرات الشفقة من آدم والازدراء من رحاب التي أصبحت ترافقه في كل خطوة يخطوها إلى منزل والديه خوفا من أن تزيغ عيونه!
في تلك الأمسية الكئيبة التي ذرفت فيها زهور دموع الحزن والخوف ظل آدم على صمته يراقب خلجات صفاء التي بالكاد استطاعت أن تتمالك نفسها... كانت تهتم بتقبيل مجد و ملاعبته متجاهلة كل تلك النظرات من حولها رغم أن قلبها كان يضج بألم لا طاقة لها به...
♡♡♡♡

مرت الأيام وفقدت كل أمل في العودة إليه... رحل عنها حضن دافئ دون أن تشبع نفسها من حنانه وعطفه... كان لها الملاذ والسكينة بعد طول حرمان ولم تعرف كيف تحافظ عليه!.. اختارت أمومتها التي خسرتها بكل الأحوال وأضاعت حب عمرها الذي فاجأها الزمان به بعد طول انتظار وخرجت من هذه التجربة للمرة الثانية خائبة خالية الوفاض...
أغمضت عيونها الدامعة تحتضن وسادتها وهي تشعر بوحدة مريرة فحتى مجد فضل الرحيل مع والده على البقاء رفقتها وهذا الأمر جعل أمومتها تحتضر...
في غرفة صغيرة بمنزل حماتها تعودت أن تقضي بها معظم وقتها مع صغيرها مجد الغائب عنها اليوم كانت تذرف دموع الألم الحارقة... هي امرأة جبلت على الخسران ... ضاع منها آدم ثم هيثم ومجد... وقريبا ستضيع منها صفاء إن دخلت متاهة الألم وعالم الشحوب...
وقفت قرب زجاج الشرفة تتأمل أنوار الشارع والسكون يعرف طريقه إليه شيئا فشيئا... مضت ساعات وساعات.... قلت الحركة وخبت الضوضاء ومازالت عيونها متعلقة بسواد الليل وتوهج الأضواء.
شاهدته يسير في الشارع وحيدا... كان رجلا بمثل قده وقامته... غزتها الدموع وتعالت منها الشهقات... إنها تبصره في كل مكان! كم مرة ركضت في شوارع باريس نحو رجل يضع مثل نظاراته أو يلبس مثل بدلته!.. إنه لجنون هذا الذي تعيشه!
مسحت دموعها المتناثرة وحدقت فيه تارة أخرى... شعرت برغبة عارمة تتملكها في الإسراع إليه واحتضانه...
تركت غرفتها وأسرعت نحو الدرج ركضا حتى نزلت إلى الطابق السفلي ففتحت الباب ووقفت هناك تناظر تلك القامة المنتصبة في منتصف الطريق... تلك الخطوات المتثاقلة أصبحت أكثر عجلا وتلك الملامح المبهمة أصبحت أكثر وضوحا... عندما وقف قبالتها لم تكد تتعرف عليه... مدت يدها بحذر تلمس خده الشاحب الذي يبدو عليه الانهاك الشديد مرورا بذقنه، أحست بملمسه الناعم وكأنه حلقه لتوه وتناغمت حركات أصابعها مع إسباله أهدابه بألم يتذوق لحظة اللقاء.
صرخت به وكأنها لا تصدق نفسها: هيثم!
فضمها إليه بشوق وهي تبكي بأعلى صوتها كمن حانت لحظة انفجاره بعد طول كبت ومداراة...
خرج حميد وزهور على عجل ولم تكد عيونهما تصدق وجود هيثم الذي تغير مظهره بشكل لافت إلى الأسوأ.
بعد ترحاب طويل جلس الجميع في غرفة الاستقبال وصفاء بجواره تمسك يسراه بكلتا يديها وهي تحت جناحه الأيمن يربت على ظهرها بحنو بالغ ويقبل وجهها بين الفينة والأخرى.
تنحنح أبواه حرجا ليلفتا انتباهه بينما قالت أمه: أين اختفيت كل هذا الوقت يا بني... كدنا نجن لفراقك!
قالت هذا وهي تمسح دموعها بتأثر بالغ في حين لم تتمالك صفاء نفسها لتذكرها كل ما عانته في غيابه. فشدد من احتضانها إليه بذراعه وهو يواسي أمه بكلماته: لا تقلقي أمي... أنا هنا الآن... أتيت على أول طائرة بعد أن أطلق سراحي.
بدى الذهول واضحا على تلك الوجوه فأردف قبل أن يسأله أحد: أجرينا عملية جراحية لأحد الضباط الضالعين في السياسة ومات لسبب نجهله... تم اتهام كل فريق العملية بالقتل المتعمد وبتلقي أوامر من جهات خارجية لتصفيته.... وتهمة كهذه تكفي لإخفائنا من على وجه الأرض.
شهقت صفاء بهلع وهي تضع كفها على شفاهها: يا إلهي...
ثم أردفت: لكنني أبلغت عن اختفائك ولم يخبرني أحد عن أي شيء؟ حتى بالمستشفى لم يعطوني أي حجة!
أجابها متألما: عالم السياسة عفن لدرجة قد لا يصدقها أي عقل... الكل يكيد والكل يريد أن يصل إلى القمة... ومثل هذه القضايا الشائكة يعالجونها في الخفاء... اختفاء قسري وتحقيق عنيف... قمع وتعذيب من أجل الوصول إلى الحقيقة... لا وجود لأي قانون...
سألته أمه بلهفة: وكيف تم إطلاق صراحك؟
أجابها: بعد انتهاء التحقيق... هم لا يقدمون تفسيرا... لست أدري إن توصلوا إلى القاتل ولا أعرف مصير من كانوا معي... لا أعرف إن كانت وفاة طبيعية أو قتلا عمديا... كل ما أعرفه أنني لم أتلقى أي أوامر ولا أي تهديدات وكنت أقوم بواجبي على أكمل وجه...

كانت ليلة طويلة على الجميع... لم يغمض لأي منهم جفن من الفرحة، زهور كانت تدعو الله ليل نهار أن يرجع إليها ابنها سالما وهاهي ذي عينها تقر أخيرا برؤيته... صفاء كانت في مزيج غريب من الصدمة والغبطة والألم... لم تستطع إغماض عيونها حتى وهي نائمة في حضنه خوفا من أن تستيقظ صباحا وتجد أن كل شيء كان مجرد سراب...
تأملته مطولا وهو مسدل أهدابه يغط في نوم عميق منتظم الأنفاس... يبدو عليه التعب جليا بشكل لا يوصف! لم تشاهده بهذا المنظر حتى في أسوأ حالاته! انكمشت واضعة رأسها على صدره تكتم فيه شهقاتها المتواصلة فأحست بيده تربت عليها بحب: صفاء... لا تبكي حبيبتي...
ازداد بكاؤها الذي استنزف منها كل قواها خلال الأيام الماضية ولم تدر كم من الوقت سكبت من الدمع على قميصه الأبيض ذاك حتى غلبها النعاس.
♡♡♡♡
مضت ثلاثة أيام أقامت فيها زهور الولائم ودعت كل أسرتها للاحتفاء برجوع ابنها إليها بالسلامة. لم تهتم بذكر تفاصيل اختفائه لأنه لا أحد عرف بالموضوع ولكنها بدت ممتنة لرؤيته حيا يرزق من جديد... لم يبدي آدم أي ردة فعل واضحة واكتفى بتبادل بعض الكلمات العابرة معه وحسب، رحاب شعرت بالطمأنينة أخيرا بعد خوف طويل من أن تصبح صفاء حرة من جديد، بينما سرت هذه الأخيرة أيما سرور وعاد وجهها ليشرق من جديد متوهجا بنور العشق الذي لم ينطفئ في قلبها تجاهه ولم يخبو منذ أن تركته في غربته وجاءت.

خرج اليوم وإياها إلى المدينة يتجولان في أزقتها متذكرا أيامه الخوالي فيها وصفاء تلعب دور المرشد السياحي هذه المرة وهي تمازحه ضاحكة في كل مرة.
أمسك بكفها في يده وهما يسيران في المنتزه على الشاطئ الصخري ويتأملان الأولاد وهم يلعبون بالطائرات الورقية، حتى قال لها: قريبا سيتمكن مجد من اللعب مثل هؤلاء...
ابتسمت بأمل: أرجو من الله ذلك... قلبي ينفطر ألما عليه...
شد على يدها بقوة وهو يسحبها إليه: العلاج سيأخذ معه وقتا لكنه سيشفى بالنهاية.
ارتطمت بصدره فوضعها تحت ذراعه واستمرا في السير معا: هل حقا ستترك عملك بالمستشفى في باريس؟
صمت لبعض الوقت فالأمر موجع بالنسبة إليه بطريقة أو بأخرى: أجل... قدمت استقالتي.
توقفت وهي تناظره بحيرة: ولكنك بريئ ويمكن أن تزاول عملك بشكل طبيعي ودون مشاكل!
تنهد ممتعضا: لا أريد... أفضل أن أجد لي مستشفى آخر في أي بلاد... لدي من الكفاءة ما يؤهلني لاحتلال منصب كهذا في اي مكان أريده... لا أريد العودة لسان جوزيف لأي سبب كان.
عادا للسير معا متشابكي الأيدي في صمت مطبق حتى التفت إليها مبتسما: لقد حصلت على وظيفة مدرس بالجامعة وجراح بالمستشفى الحكومي...
التفتت إليه بدهشة: أين؟
أجابها: هنا... ما رأيك؟
توقفت تنظر إليه بذهول قبل أن تهمس في غير تصديق: أنت تمزح!
ضحك لكلامها: كنت أود مفاجأتك لكنك أفسدت المفاجأة ولم تصدقيها أيضا!!!
تهللت أساريرها بسعادة وأبدت حماسها: هذا خبر مفرح... مفرح جدا يا عمري...
تعرف أنه اشترى لهما منزلا بالجوار لكنها ظنته للعطل فقط ولم تتوقع أنه سيقيم هنا بشكل نهائي.
بقي هو يتأملها بحب للحظات... كانت عيناه تحملقان فيها بشيء من العاطفة التي لا تبوح بها إلا تلك النظرات ما بين أهدابه... همس لها بتأثر: لم أفكر بالرجوع إلى هنا يوما... لأنني لم أشعر بالانتماء... كانت غربتي كبيرة وأنا في حضن أهلي... وشعرت أن الغربة الحقيقية هي من تشبهني...
أمسك بذقنها بحب وقربها إليه: أنت ملاذي... ذراعاك شاطئي وصدرك الوطن... وأنا شريد أتعبتني الحياة...
تقاطرت الدموع على وجنتيها وكفها يلامس خده بكل حب ويمر عليه باشتياق، أغمض عيونه متأثرا بلمسات أصابعها الدافئة فهمست بصوت أثقله الحنين: لا تغمض عيونك...
وصمتت لبرهة قبل أن تردف بأنفاس متقطعة: ...في عينيك الحب كله... والشوق كله... والعشق كله... وأنا لم آخذ من هذه الدنيا غير المآسي بتمامها دون نقصان...
فتحهما من جديد ونار من العشق تشب في أضلعه جعلت ذراعاه تحيطان بها في لحظة تضج بالمشاعر الجياشة ليسكنها منزلها الوحيد من وراء ضلوعه... قلبه المشتاق لها حد الجنون والذي لم يتخيل يوما أنه سيقع فريسة تلك المشاعر المهلكة بين ليلة وضحاها في حضرة فتاة رقيقة مثلها كل همها في الحياة رعاية ابنها...
أخفت وجهها في صدره وهي تهمس له بحرج: الناس ينظرون إلينا...
حملق في المكان من حوله ثم بها: لا أحد يهتم لأمرنا فلا تبالغي...
ابتعدت عنه متأملة وجهه وهي تبتسم بإحراج: عليك التمهل والتريث... لسنا في باريس!
شدها من كفها بتملك وسارا معا وهو يقول لها: لسنا في باريس!.. فقط لو كنا في المنزل... كنت علمتك الحب على أصوله...
ضربته على ذراعه بقبضتها وهي تضحك بخجل: أيها الوقح!
فتح لها ذراعيه من جديد فتسارعت خطواتها حتى لا يلحق بها وهي تقول بإحراج: لن أخرج معك من جديد يا قليل التهذيب!
علت ضحكاته من خلفها فاشتد ضحكها أيضا، وانتظرت أن يلحق بها لتمد له يدها من جديد هامسة: لا تلفت الأنظار إلينا أنا أرجوك.
سحبها إليه أكثر وجعلها تحت ذراعه: ما رأيك أن نزور بيتنا الجديد؟
حملقت فيه بدهشة: لكننا لم نؤثثه بعد!
ثم ضيقت عيونها بعد أن كشفت مخططه: الم أقل لك أنك قليل التهذيب!
ضحك لكلامها طويلا حتى وضعت كفها على شفاهه: قلت لك لا تلفت الأنظار... نحن كالمهرجين هنا!
نزلا إلى الصخور وجلسا في الزاوية يتأملان البحر وهيثم يتأمل المكان من حوله، فقالت له بعذوبة: تشتاق لأرض الوطن؟
أجابها: بل إليك... أنا أتأكد أنه لا أحد بالجوار فقط...
قطبت بعبوس: لا تذهب بك أفكارك بعيدا... لدينا بيت يأوي جنونك!
قال متظاهرا بالاستياء: قلت أنه غير مؤثث!
ثم اقترب منها بجرأة ووضع وجهها بين كفيه هامسا باشتياق: ألا تعرفين كم اشتقت إليك؟.. كم تخيلتك بين ذراعاي وأنا في ظلمة زنزانتي... كنت أمني نفسي بلحظة غامرة قد تجمعني وإياك مهما كانت مستحيلة...
تجمعت الدموع في مقلتيها وهي تستعذب همسه الملتاع، وشدت على كفيه تخبره: لم أعرف أن للحب طعما عذب المذاق إلا بعد أن عرفتك... ولم أحب الحب يوما إلا عندما أحببتك... أنت رجل يستحق أن أمنحه كل عمري دون أن أندم لحظة واحدة.
ابتسم وهو يقترب أكثر هامسا بأنفاس حارقة: وأنت امرأة أدفع كل عمري فداءا لبسمتها الرقيقة... أريد أن أحبك حتى أرتوي...

النهاية


noor elhuda likes this.

بريق أمل غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 06-10-21, 08:10 AM   #19

غدا يوم اخر

? العضوٌ??? » 5865
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,155
?  نُقآطِيْ » غدا يوم اخر is on a distinguished road
افتراضي

اعتذر علي التاخر عن الرد
جدا جدا اسفة
مر اسبوع علي البارت وماشفته وبعد مافتحته نسيت اسم الروايه من كثر الروايات والفيديوهات الي فاتحتها توي امس اصفي الصفحات واجل قرايتها لقيتك منزلة بارت روايتك تستاهل الواحد يقرا البارت بدون تقطع فاعذريني علي تاخر الرد
النهايه ماكانت متوقعة بالنسبه لي بس في الحياة شي طبيعي تصرفه هيثم ومن المتوقعالي صار له حتى لما قريت ان امه رجعت من باريس وقاطعة ولدها توقعت انها لقت صدقته في البيت معه كل الاحداث متوقعة لكنك جبتيها بالنسبه للشخصيات غير متوقعة مثل حياتنا نتفاجا بشي متوقع وطبيعي مادري ليش
متى الرواية الجديدة ؟


غدا يوم اخر غير متواجد حالياً  
قديم 14-10-21, 01:39 PM   #20

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي

تغلق الرواية لحين عودة الكاتبة لانزال الفصول حسب قوانين قسم وحي الاعضاء للغلق

عند رغبة الكاتبة باعادة فتح الرواية يرجى مراسلة احدى مشرفات قسم وحي الاعضاء (rontii ، um soso ، كاردينيا الغوازي, rola2065, ebti ، رغيدا)
تحياتنا

اشراف وحي الاعضاء



قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:42 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.