آخر 10 مشاركات
سمراء الغجرى..تكتبها مايا مختار "متميزة" , " مكتملة " (الكاتـب : مايا مختار - )           »          561 - تأثير العرس - صوفي ويستون - ق.ع.د.ن ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : عيون المها - )           »          قلبُكَ وطني (1) سلسلة قلوب مغتربة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Shammosah - )           »          أسيرة عشق(25) من لا تعشقي أسمراً - للكاتبة المبدعة::*strawberry*كاملة&روابط (الكاتـب : *strawberry* - )           »          وأغلقت قلبي..!! (78) للكاتبة: جاكلين بيرد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          بالوقت الضائع (18) من لا تعشقي أسمراً للكاتبة المُبدعة: سمانور1 *كاملة & مميزة* (الكاتـب : سما نور 1 - )           »          أسيرتي في قفص من ذهب (2) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          2 -عصفورة النار - مارغريت بارغيتر -كنوز أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما رأيكم؟
جيد 13 43.33%
متابع 3 10.00%
لا بأس به 2 6.67%
أعجبني 18 60.00%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 30. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree256Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-10-21, 10:28 AM   #11

ماسة الحاج

? العضوٌ??? » 410425
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 312
?  نُقآطِيْ » ماسة الحاج is on a distinguished road
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


شهر'زاد. likes this.

ماسة الحاج غير متواجد حالياً  
قديم 21-10-21, 10:46 PM   #12

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

الفصل الثالث

"رغم تلك الابتسامة..
فأنت بشكلٍ أو بآخر،
تحترق مِن الداخل. "
***********************

كانت تصعد درجات السلم بشرودٍ وإرهاق ... لقد قضت يومًا مُرهِقًا في الجامعة ... كل ما تنشده الآن هو القليل من الهدوء في غرفتها .. كانت قد وصلت إلى باب الشقة وما زالت على شرودها إلا أنها انتبهت على صوت خطوات أحدهم يصعد الدرج ... لم يحتج الأمر منها سوى بضع ثوانٍ للتعرف على هوية الصاعد ... نعم هذه هي خطواته , هادئة وبطيئة ... لطالما كان هادئ الطباع منذ طفولتهم ... مثلها تمامًا ... انقطعت أفكارها على صوته الذي حمل بعض الدهشة
( مرحبًا مريم ... لماذا تقفين هكذا؟ )
تنحنحت تجيبه بارتباك
( مرحبًا سامر ... أنا كنت على وشك الدخول )
تحدث بحنانه المعهود
( تبدين متعَبة ... هل كان يومكِ في الجامعة مُرهِقًا )
أجابته مبتسمة لاهتمامه
( قليلًا ... لكنني اعتدت على ذلك )
أجابها سامر بابتسامة عذبة
( كان الله في عونكِ يا مريم )
احمرت وجنتيها بلا سبب منطقي ... ربما فقط نطقه هو بالذات لاسمها ما يجعلها بمثل تلك البلاهة .... هزت رأسها بلا معنى متمتمة بكلمات مبعثرة مضمونها الشكر قبل أن يستأذنها ليتجه إلى شقته المقابلة ... لتفتح هي الباب وتدخل ثم تغلقه وتستند عليه بظهرها وهي تحاول تهدئة نبضات قلبها الحمقاء .... سمعت صوت حركة أمها في المطبخ فانطلقت مسرعة إلى غرفتها ... ولم تكد تمر دقيقتين حتى سمعت طرقات أمها على الباب وهي تتساءل
( مريم هل أنتِ من وصلتِ؟ )
اتجهت مريم إلى الباب لتفتحه بهدوء سامحة لوالدتها بالدخول قبل أن تستلقي على سريرها ... سألتها أمها بحنان
( ماذا بكِ حبيبتي؟ )
ردت مريم بإرهاق
( لقد كان يومي طويلًا فقط .... أين صِبا
و ملك؟ ... ألم تصلا بعد؟ )
أجابتها والدتها
( ملك على وشك الوصول ... أما صِبا فستتناول الغداء في الخارج مع كريم )
أومأت مريم برأسها قائلة بشرود
( نعم نعم تذكرت , لقد أخبرتني بالأمس )
ثم التفتت لأمها تقول بجدية
( أمي ... ما رأيك بعلاقة صِبا و كريم؟ ... لقد لاحظت أنها بدأت تعتاده أو ... ربما تحبه )
قالت جملتها الأخيرة بتردد ... بينما ردت والدتها
( كريم شاب جيد و يحب أختكِ ... أما صِبا فأنا أعلم جيدًا أنها لا تلتفت لأمور الحب ... وارتباطها بكريم كان لكونه مناسبًا اجتماعيًا ...... )
وتنهدت لتكمل
( فقط كل ما أتمناه هو أن تكون سعيدة ... هي تستحق ذلك )
التفتت لها مريم لتتقابل نظراتهما بفهم لمعنى الجملة الأخيرة .... نعم هي تستحق أن تكون سعيدة ... لقد ذاقت صِبا الأمرين من عبد الرحيم منذ طفولتها , على عكس مريم وملك ... فَصِبا كانت تتصدى لعبد الرحيم إذا ما أصاب مريم بمكروه ... أما ملك فقد وُلدت في أواخر عهد جبروت عبد الرحيم ; فلم تتلقَ ما تلقته صِبا ... و لذلك فهي تستحق ... يكفيها ما سببه عبد الرحيم لها من عُقد ما زالت تعاني منها حتى الآن ...
انتبهت مريم من شرودها على صوت والدتها
( لكن أتعلمين؟ ... على الرغم من اقتناعي بكريم كزوج مناسب لصِبا , إلا أنني أميل أكثر لسامر )
بهتت ملامح مريم ... وابتعلت ريقها بصعوبة قبل أن ترد بصوتٍ جاهدت ليكون عاديًا الا أنه خرج مهزوزًا رغمًا عنها
( ولماذا سامر بالذات؟ ... أنتِ تعلمين أن صِبا لا تكِن له أي مشاعر )
أجابتها والدتها بابتسامة باهتة
( ومنذ متى و صِبا تضع أمور الحب في اعتباراتها ! ... لكن وجود سامر في حياتها كزوج كان سيغير الكثير ... سامر يحب صِبا وهو على دراية كاملة بها وبما مرت به , ولذلك أنا لم أتمنى أبدًا زوجًا أفضل منه لها )
ثم ضحكت تردف بسخرية
( المشكلة الوحيدة كانت تكمن بعمتكِ منال .. تفضل الموت على أن تكون صِبا كنتها )
لم تعد تسمع حرفًا مما تقوله والدتها ... فقد لطمتها جملة معينة جعلتها تتجمد مكانها
" سامر يحب صِبا " ...
نعم سامر يحب صِبا ... وهي تعلم ذلك جيدًا ... تعلمه و يؤلمها ...لكنها -ورغمًا عنها- أحبته ...
إلا أنها لم تخبر أحدًا بذلك , حتى أختيها ... فالجميع يعلم أن سامر يحب شقيقتها الكبرى ... وازداد تأكدهم حين طلبها للزواج ... يومها تأكدت أنها لن تحصل يومًا على قلبه ... وإن كانت تنشد أن يبادلها مشاعرها فهي واهمة ... فقلبه ليس ملكه ...
ومن اختارها قلبه هي أختها ...
المعادلة صعبة ....
( مريم ... فيما شردتِ؟ )
انتبهت لسؤال والدتها لترد بارتباك
(ها ؟ ... لا شيء ... فقط أفكر في كلامكِ )
ربتت والدتها على كتفها بحنان قبل أن تنصرف لتكمل إعداد الطعام ... بينما تمددت مريم على سريرها بشرود ...
تُكمل أفكارها الحزينة .


=======================

كان كريم لا يزال يهتف بِاسمها بقلق ... إلا أنها ظلت على وضعها منكبة برأسها على مقود السيارة والهاتف ملقى بجانبها أرضًا ... تتنفس باضطرابٍ وعيناها شاخصتين للأمام .... انتبهت من شرودها على يدٍ تنقر على زجاج سياراتها نقرات متتالية ... فاستعادت بعضًا من رباطة جأشها لتستقيم وتفتح النافذة ...
لتجد شاباً أمامها يهتف بقلق
( هل أنتِ بخير؟ )
أومأت وهي تمسك رأسها بألم ... ليأتيها هتاف غاضب جعلها ترفع رأسها وتلتفت لصاحب الصوت الذي هتف بغضب
( بما أنكِ بخير ... أتمنى أن أجد لديك تفسيرًا لما حدث ... هل يمكنني أن أفهم ما فعلتِه للتو؟ ... كيف تخرجين بسيارتكِ إلى شارع رئيسي مزدحم دون إطلاق بوق السيارة؟ ... انظري لما سببتِ من أذى لسيارتي !!! )
استفزها صراخه الغاضب , ففتحت باب سيارتها لتنزل وتواجهه بصراخ أعلى
( أنتَ من خرجت فجأة إلى طريقي ... كما أن سيارتي أيضًا تضررت )
رد بتجهم ساخط
( أولًا أنا لست مسؤولًا عما حدث لسيارتكِ فـالخطأ خطئك من البداية .... ثانيًا لا تتحدثي عن قواعد الطريق ما دُمتِ لا تسطيعين القيادة من الأساس )
شهقت صِبا بعنف لما رأته إهانة لها ... فرفعت سبابتها في وجهه تقول بشراسة أنثى تدافع عن مهاراتها
( إياكَ أن تسخر من قيادتي .... لقد حصلت على رخصتي بعد أن اجتزت الاختبارات ...
ولذلك فأنا أقود بمهارة رغمًا عن أنفك )
أطلق ضحكة قصيرة ساخرة جعلتها تجز على أسنانها بغيظ .... وقبل أن ترد عليه بما يليق صدحت أصوات السائقين الغاضبين بسبب الطريق المتوقف .....
ليتحرك مروان الذي كان يتابع الأمر من البداية كاتما ضحكاته قائلًا
( حسنًا لا بأس آنستي ... من الجيد أنكِ بخير )
ثم التفت إلى المتجهم الآخر وقال بهدوء
( أمجد ... هيا بنا لقد تأخرنا بما فيه الكفاية عن موعدنا مع العائلة )
ومنح صبا اعتذارًا سريعًا قبل أن ينصرف جاذبًا صديقه معه ... أما صبا فأعطته نظرة نارية قابلها أمجد بأخرى مستخفة وهو يتحرك نحو سيارته ...
لينطلق بها و يطمئن زهرة التي كانت جالسة بالسيارة تحاول تبين الأمر بقلق وقد منعها أمجد من النزول .


اتجهت صِبا إلى سيارتها مُبعدة إياها عن الطريق حتى استقرت بها في ركنٍ هادئ ولسانها لا يتوقف عن الهمس بشتائم مبهمة , غاضبة ... غضب من ذلك الأحمق المتعجرف
وغضب أكبر من حماقتها هي ..
( أحسنتِ يا صِبا ... لقد تسببتِ في حادث
وضرر كبير للسيارة من اليوم الأول للقيادة )
قالتها لنفسها بتأنيب قبل أن تنتبه إلى هاتفها المسكين الذي ما زال ملقى في أرضية السيارة ... وفوجئت بأنها نسيت كريم على الخط ... فرفعت الهاتف لأذنها بحذر تناديه بِاسمه , ليأتيها صوته القلِق
( ماذا حدث يا صِبا !! ... وأين أنتِ بالضبط؟! )
أطرقت برأسها وهي تجيبه بصوتٍ مختنق
( أنا في شارع جانبي على يمين الطريق الرئيسي الممتد من عملي )
همس مهدئًا إياها
( حسنًا حبيبتي ... فلتبقي في مكانكِ , أنا على قرب شارع واحد منكِ )
بعد دقائق وصل إليها ليجدها في سيارتها تنظر أمامها بحسرة ... فتح باب السيارة وجذبها لتقف أمامه وهو يتساءل بقلق
( ماذا حدث؟ ... هل أنتِ بخير؟ )
ردت بملامح بائسة متحسرة
( لقد صدمت السيارة )
ثم ضربت مقدمة السيارة بيدها ضربات متتالية وصوتها يعلو بغضب
( تبًا إنها المرة الأولى التي أقودها فيها ...
و الآن انظر لما حدث )
التفت كريم حوله بحرج من الأعين المحدقة بهما ليلتفت بعدها إلى مقدمة السيارة التي تأذت بشكلٍ كبير ... ثم نظر إلى تلك البائسة أمامه ليهدأها قائلًا
( حسنًا حبيبتي لا تقلقي ... سأهتم بأمر تصليح السيارة .... والآن هيا تحركي معي وحاولي أن تهدئي قليلًا ... المهم أنكِ بخير )
تحركت معه ناحية سيارته تغمغم بسخط
( لقد كان كل شيء على ما يرام حتى ظهر ذلك الأحمق الذي اصطدم بسيارتي )
أجلسها كريم بهدوء ليدور حول السيارة مستقرًا في مقعده ثم التفت إليها ومد يده يلاطف وجنتها بإصبعه , وهمس مبتسمًا
( لا بأس أنا سأهتم بكل شيء )
تنحنحت صِبا وهي تبعد وجهها عن مرمى أصابعه , في إشارة لتذكيره برفضها للتلامس ... والتقط هو إشارتها ... فابتعد ليدير مُحرك السيارة و يبدأ قيادتها بصمتٍ ... فرمقته صبا بنظرة خاطفة بعد أن التقطت أذناها زفرته المتجهمة .

=====================

أنهى مكالمته مع شركة التأمينات ليلتفت إلىٰ الجالسة أمامه ... وقال بلطف خالطه الفخر
( لقد تحدثت مع الشركة وسيهتمون بأمر السيارة لتعود كما كانت ... هل أنتِ سعيدة الآن؟ )
ابتسمت صِبا وهي تسبل جفنيها عن نظراته المحدقة بها و ردت بحرج
( لا أعرف كيف أشكرك على موضوع التأمين هذا .. لقد ذهب عن بالي , ولولا أنك اقترحته من البداية لكانت السيارة الآن في مختبر تجارب وِرش التصليح )
ضحك كريم بخفة , ليقول بغرورٍ يتصف به ولا يُخفيه
( لا يجب أن يقلق من في حياته كريم نصار ... آنستي الجميلة )
شاكسته صبا ضاحكة
( كم أنتَ مغرور )
غمزها بشقاوة فابتسمت ثم قالت وهي تتفحص المكان بعينيها
( ما رأيك بالمكان؟ .. زوقه راقٍ , أليس كذلك؟ )
شاركها تأمل المطعم ثم همهم قائلًا ببساطة
( لا بأس به ... لكن أين أصدقائك أصحاب المكان؟ )
التفت حولها باحثة لتستقر نظراته على شخص بعينه ... ثم أشارت لكريم قائلة
( ها هو طارق مؤسس المكان )
حرك كريم عينيه ناحية من أشارت إليه صِبا ... إلا أن الرؤية انحجبت سريعًا بإطلالة شابة جميلة ... بل فاتنة الجمال كما وصفتها عينا كريم دون أن ينطق ... ابتسمت الفتاة بثقة بعد أن رأت نظرات الإعجاب في عينيه ... كانت تتجه نحوه مباشرة ... فرفع حاجبيه بتعجب من جرأتها ...
وقبل أن تصل إليهما فاجأته بأن حادت ناحية صِبا مهللة بترحيب بدا مصطنعًا بعض الشيء
( مرحبًا صِبا ... مر وقت طويل )
استقامت صِبا ترحب بها ببعض البرود الذي جعل كريم يبتسم باستمتاع وهو يستشعر شرارات عدم القبول بينهما
( أهلًا دلال ... كيف حالكِ؟ )
تلاعبت دلال بشعرها البني المموج في فتنة قائلة
( أنا بألف خير )
ليصدح صوت شاب من خلفهم مُرحبًا بحبور
( انظروا من لدينا هنا ... مرحبًا صِبا )
رحبت به صِبا لتتوجه بنظراتها ناحية كريم الذي لم يُكلف نفسه عناء الوقوف للترحيب بهم ... فتنحنحت تقول ببعض الحرج
( مرحبًا طارق ... أعرفك بخطيبي كريـ ... )
لم تستطع إكمال جملتها بسبب تدخل سافر من دلال التي أكملت بدلًا منها
( وهل هناك أحد لا يعرف كريم نصار؟ ... لقد رأينا خبر خطبتكما على مواقع التواصل )
مدت دلال يدها بجرأة تصافح كريم الذي أخذ وقته في الوقوف ليمد يده مصافحًا إياها غير غافل عن نظراتها المعجبة به ... بينما حياه طارق بمصافحة سريعة ثم التفتت يقول لصِبا بمودة
( لقد أنرتما المكان حقًا ... لا نريد أن تكون هذه آخر زيارة )
أومأت له صِبا بابتسامة ... ليتمتم بِمباركة على الخطبة قبل أن ينسحب جاذبًا خلفه دلال التي شعت نظراتها حقدًا ...
التفتت صِبا إلى كريم المبتسم بغموض قبل أن يسألها مستفهمًا
( هل هم أصدقاء مقربين لكِ منذ أيام الجامعة أم مجرد زملاء دراسة؟ )
أجابته بتوضيح
( يمكنك القول بأنها مجرد زمالة , لكن طارق كان الأقرب فقد كان من المتفوقين في الدراسة والجميع يستعين به رغم أنه يكبرنا بعامين )
فأكمل كريم سؤاله بفضول
( ودلال؟ )
رفعت صِبا حاجبًا واحدًا تسأله بخطورة
( ولماذا تسأل عنها هي تحديدًا؟ )
فضحك بمرح أغاظها قبل أن يجيب بإجابة سطحية وبنبرة غير مبالية
( مجرد سؤال ... فقد لاحظت بعضًا من عدم القبول بينكما )
ثم تابع بشقاوة يُغيظها
( أم إنها غيرة؟ )
احمر وجه صِبا بانفعال وأجابته مستنكرة
( وهل أغار أنا من دلال؟ )
استند بمرفقيه على الطاولة ليقترب بجسده منها , وقال بتملق
( بل تغارين عليّ مثلًا )
زفرت صِبا وهي تفتح قائمة الطعام أمامها مرددة ببرود
( كف عن تلك الصبيانية كريم و دعنا نتناول شيئًا .. يكفيني ما حدث اليوم )
تظاهرت بالانشغال في اختيار الطعام , تتهرب من إجابة لا تستطيع تحديدها ... فبحثت في عقلها تسأله النجدة ...
هل فعلاً تغار على كريم؟ ... أم أنها ببساطة شعرت بالحنق من محاولات دلال المستفزة والتي لطالما أغاظتها منذ أيام الجامعة ... هي لا تغار على شخصه بقدر ما تغار على ما حصلت عليه ... خطيب ممتاز واستقرار عائلي وحياة هادئة ... لقد افتقدت الشعور بالاطمئنان منذ زمن ولا تريد أن تخسر ما حصلت عليه ... حقًا لا تريد .


====================

وصلت سيارة أمجد إلى منزل العائلة ليترجل منها حانقًا من ذلك الحادث السخيف ... لم يكن ينقصه المزيد من التوتر ... يكفيه ذلك الاجتماع الذي أُجبر عليه في منزل العائلة وهو يعلم أن الجميع سيحضر ... اتجه إلى داخل المنزل بصحبة مروان وزهرة التي ما زالت تثرثر في محاولة منها لتخفيف تشنجه ... استقبلتهم زوجة والده في ترحاب ... لتتحول لهجتها إلى عتابٍ حنون موجه لأمجد قائلة
( ها قد قررت أخيرًا أن تحضر ... أتمنى ألا تكون المرة القادمة بعد عدة أشهر كعادتك )
تنحنح أمجد بحرج ليتمتم بتبرير
( آسف خالتي أنتِ تعلمين أن العمل )
قاطعته بغضب قلما يظهر
( توقف عن التحجج بعملك يا أمجد ... أنتَ تعلم أن سبب غضبي هو عدم سُكناك معنا في المنزل )
ثم تحولت نبرتها من الغضب إلى العتاب الحزين لتردف
( ثم لماذا تناديني بخالتي؟ ... هل هذا ما عودتك عليه؟ )
أطرق أمجد برأسه لا يعرف بما يجيبها ... لقد استجاب لرغبتها قديمًا بأن يناديها بـ
" أمي " ...
هي من طلبت ذلك و لم يستطع الرفض ... لطالما احترمها و اعتبرها مثل أمه -الغائبة الحاضرة-
لكن بعد وفاة والدته بدأ يشعر بالذنب ... لقد نبذها طويلًا و هو يتربى بين أحضان إمرأة أخرى يناديها بـ أمي ... وها هي قد رحلت بعد حرمانها الطويل منه ... انقطعت افكاره بعد أن صدح صوت والده مُرحبًا بنبرة هادئة يتخللها بعض التقريع
( وأخيرًا حصلنا على قبولك وقررت قضاء واجب الزيارة والذي يبدو وأننا نُثقل كاهلك به )
اقترب أمجد من والده متغاضيًا عن جملته التهكمية ... كان سلامًا باردًا بالأيدي كما اعتادا ... على عكس زهرة التي اقتربت من والدها تعانقه بمرح في محاولة مكشوفة لتفادي شرارات غضبه التي تتجه نحو أمجد ... وجهت كلامها لأمها بتهليل مرح
( أين الغداء يا "شوشو" ؟ ... ألا ترينَ أن معنا ضيف؟ )
ربتت مشيرة على كتف مروان بحنان
( وهل مروان يُعد ضيفًا؟ ... لا ضيوف في منزلنا , كلهم أصحاب مكان )
ليرد عليها مروان بشقاوته المعتادة
( أرى أنكِ لم تركزي إلا على الشق الثاني من كلام زهرة ونسيتي أمر الغداء ... نحن نعمل منذ الصباح ولم نتناول شيئًا والفضل لولدك أمجد الذي لا يمل من العمل )
ضحكت مشيرة من طريقته غير غافلة عن كلمة " ولدك " التي نطقها بعفوية مما جعلها تنظر لأمجد بحنان ....
اتجهوا جميعًا إلى مائدة الطعام ليجلس والد أمجد على رأسها مشيرًا لأمجد بالجلوس بجانبه ....
تحدث الوالد متسائلًا
( أين ذهبت ريهام ورحمة والأولاد؟ )
( إنهم في الحديقة الخلفية ... لقد أرسلت أحد الخدم ليناديهم )
أجابته السيدة مشيرة وهي تتولى أمر تقديم الطعام ... صوت صخب وأصوات أطفال أتى من بعيد ليدخل بعدها صبي بعمر السادسة يهرول ناحية والد أمجد مرددًا بمرح
( جدي لقد ربحتُ نادين في اللعب )
ليصدح صوت طفلة من نفس عمره
( كف عن الكذب إياد .... " نانا " قالت الكذب حرام ... والغش أيضًا حرام وأنتَ كنت تغش )
ضحك والد أمجد مستمتعًا بمشاكستهما اللطيفة ... وبدأ في التحكيم بينهما بعدلٍ محاولًا فض النزاع ... بينما نظر أمجد للطفلين وهما يقفان أمام والده الذي يحدثهما برفق ... فشردت نظراته ... وذكرى بعيدة تقتحم عقله , لشجارٍ كهذا منذ عدة سنوات

" قبل عشرون عامًا "

- ( توقف عن ذلك و أعطني الكرة )
= ( لا .. إنها ليست لك )
- ( كلا , لقد اشترتها لي أمي كهدية )
= ( إنها ليست أمك )

سرعان ما حلقت الذكرى بعيدًا ... تاركة رتوشها على ملامح أمجد الذي سرعان ما استعاد وجهه الجامد
( رحمة أين كنتِ؟ ... تعالي و جِدي حلًا مع هذان المشاغبان )
كان ذلك صوت والد أمجد موجهًا كلامه لكنته والدة الطفلين ...
تحدثت رحمة بهدوء
( عفوًا عمي أنتَ تعلم مشاكسات الصغار لا تنتهي .... هيا إياد خذ أختك وتوجه إلى الحمام لغسل أيديكما )
تحرك الطفلان في طاعة مما أثار تعجب الجد ليردد بمرح
( يبدو أنني فقدت تأثيري عليهما وقدراتي كمصلح شئون هذه العائلة )
لم يلمح أحد ابتسامة أمجد الساخرة ...
أما رحمة فقالت برقة
( حفظك الله لنا يا عمي )
ثم توجهت بنظراتها لأمجد تُرحِب به بابتسامة حقيقة
( مرحبًا أمجد .... سعيدة أنكَ أتيت ... كيف حالك؟ )
رد عليها أمجد بهدوء مماثل
( مرحبًا رحمة ... أنا بخير شكرًا لكِ )
ابتسمت له وهي تجلس على مقعدها ... دومًا كانت هادئة رقيقة ... رحمة ابنة عمه وصديقة الطفولة واللعب ... ربما لم يكونا قريبين من بعضهما بشكل كبير ... لكنها كانت دومًا ودودة معه ... حتى سافر هو وتزوجت هي من أخيه ... حب طفولتها كما يسمع ... على الرغم من شكه في ذلك الحب ... من طرف أخيه على الأقل ...
ابتسم بسخرية للخاطر الأخير لينتبه على صوت والده متحدثًا
( ريهام , ماذا بكِ؟ ... ألن تسلمي على أخيكِ )
اتجهت نظرات أمجد ناحية متجمدة الملامح الجالسة أمامه .... والتي حيته دون حماس
( مرحبًا أمجد ... تسعدني رؤيتك )
"واضح طبعًا أختي العزيزة ... أرى السعادة تتقافز في عينيكِ "
قالها صوت ساخر في عقل أمجد دون أن يظهر ذلك على ملامحه شيء .... هذه هي ريهام منذ الطفولة ... تتعامل معه كضيف ثقيل تتقبله مُرغمة ... أخوة على الورق فقط كما يقولون .... نقل نظراته إلى الطفلة الصغيرة التي تجلس بجوارها ... ابنتها الوديعة التي تقارب على الأربع سنوات حسب ما يذكر ... والتي لم يرها سوى مراتٍ قليلة أثناء زياراته المتفرقة ... تجلس هادئة بملامح منمنمة لا تشبه أبدًا ملامح ريهام الحادة ...
تنهد أمجد بملل وهو يتساءل في نفسه متى تنتهي تلك الجلسة البائسة؟ ...
استقرت الأم بجانب زوجها على الكرسي المقابل لأمجد ليشرعوا جميعًا في تناول الطعام بصمتٍ لا يقطعه سوى صوت إياد ونادين الصغار ..... التفتت مشيرة إلى رحمة الجالسة بجانبها متسائلة
( أين زوجكِ؟ .... لقد أكدت عليه أن يأتي ... ما هذه التصرفات ! )
أطرقت رحمة برأسها متنهدة بقلة حيلة , دون رد .... ليتشنج جسدها بإجفال لسماع صوته الحبيب
( مرحبًا )
قالها فارس وهو يدخل إلى غرفة الطعام ليرد الجميع التحية بهدوء ... اثنان فقط من تشتت تركيزهم ... الأولى كانت رحمة التي غصت بطعامها فمدت يدها لكوب الماء تتجرعه بصمت ... والثاني فلم يكن سوى أمجد الذي رمق فارس بنظراتٍ غامضة ردها له أخاه بأخرى أكثر غموضًا و ... و شيئًا آخر لم يعلم أمجد تفسيره ... أو ربما يعلم ويخشى ما يصوره له عقله !!

======================

انتهى الغداء على خير ... ظاهريًا على الأقل ... ليتجه الجميع بعدها إلى غرفة الضيوف .... كانت الجلسة متوترة بعض الشيء لولا مرح الصغار وفكاهات مروان , تشاركه زهرة التي يبدو أنها تولت دور المنقذة منذ بداية اللقاء ... توجه أمجد بحديثه لوالده
( خيرًا يا أبي ... لقد أخبرتني أن هناك أمرًا هام )
تحدث الأب بجدية مباشرة قائلًا
( إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ ... تأتي كضيفٍ كل فترة لتنصرف ولا نرى وجهك إلا للضرورة )
احتدت نبرته قليلًا لتتدخل زوجته في الحديث قائلة بهدوء
( والدك معه حق يا بُني ... أرى أنه من الأفضل أن تستقر معنا في المنزل )
تعلقت أنظار الجميع بالحديث .... هذا الحديث الذي يتكرر كثيرًا في كل زيارة لأمجد ...
وينتهي بأن يرفض بأدب ...
انتقلت عينا أمجد إليهم جميعًا واحدًا تلو الآخر ... كان يعلم جيدًا من يريد بقاءه
, ومن لا يفعل ... ومن لا يهمه الأمر علىٰ الإطلاق .... أوشك أن يرفض متحججًا بأي شيء كعادته .... لولا أن اصطدمت عيناه بنظراتٍ يعرفها جيدًا ... نظرات جعلته يعدل عن قراره ليجيب والده قائلًا
( حسنًا أنا موافق ... سأنتقل للسكن هنا ) هللت زهرة مصفقة بكلتا يديها لتتجه نحو أمجد تعانقه بمحبة .... بينما حادت عينا مروان عن أمجد لتتجه نحو فارس الذي هب من مكانه مندفعًا إلى الخارج ...
توترت رحمة قليلًا وهي تستشعر ذبذبات التوتر دون أن تدري ماذا تفعل ... أما ريهام فظلت كما هي تراقب الموقف بلامبالاة دون إبداء أي رد فعل ....
انفضت الجلسة العائلية ليهيم كل منهم في ركنه المفضل في المنزل ...
وقف أمجد بصحبة مروان في حديقة القصر يراقب الصغار يلهون أمامه ...
( أعتقد أنكَ وأخيرًا اتخذت خطوة جيدة )
التفت لصديقه يقول بإيماءة خفيفة
( أعلم أن تلك الخطوة كانت ضرورية منذ زمن ... لكن كل شيء بأوانه )
ابتسم مروان ليشدد على كتف صديقه بقوة داعمة
( لقد اتخدت قرارًا صائبًا ... آن الأوان أن تتغير الأوضاع )
هز أمجد رأسه متنهدًا ... بينما نظر مروان في ساعته مرددًا بمرح
( حسنًا بما أنني قد أديت واجبي كصديق , فيجب عليّ الانصراف الآن ... سأحتاج الليلة إلى سهرة لكي أتخلص من جرعة التوتر التي نِلتها خلال الغداء .... إن كان يصح أن نُطلق لقب غداء على معركة النظرات هذه )
ضحك أمجد ثم قال يجاريه في مرحه
( لا تلعب دور الصديق الشهم ... كلانا نعلم أنكَ أتيت من أجل الطعام )
تأوه مروان متصنعًا الإهانة ثم هتف بشقاوة
( ليس ذنبي أن طعام شوشو لا يُعلى عليه )
ضحك كلاهما ليوليه مروان ظهره منصرفًا إلا أن أمجد استوقفه بنداءه فالتفت له مستفهمًا ... بينما قال أمجد بتجهم
( اتصل بشركة التأمين ليستلموا السيارة ... أريد أن ينتهوا منها في أسرع وقت ... رغم أنني أشك في ذلك فقد تسببت تلك المتهورة بضررٍ كبير للجزء الجانبي )
كتم مروان ضحكته حتى لا يثير حنق أمجد أكثر ثم أومأ برأسه مطمئنًا إياه
( لا تقلق , أنا سأتولى الأمر )
ثم استدار مغادرًا ليتجه بعدها أمجد إلى غرفته .... يحتاج للراحة حتى يُصفي ذهنه لما هو قادم .

======================

ركن سيارته الفخمة أمام منزلها ليلتفت إليها بابتسامة
( هل استمتعتِ اليوم؟ )
أومأت صِبا برأسها شاكرة إياه ... لقد قضيا اليوم كله خارجًا يتنزهان سويًا مما جعلها تسترخي بعد حادثة اليوم ...
كما ساعدها في تجهيز المستلزمات المتبقية قبل انتقالهم للمنزل الجديد ...
تحدث كريم
( سأمر عليكِ صباحًا لأوصلكِ للعمل ...
ولا تقلقي بشأن السيارة , ستكون غدًا أمام منزلكِ )
تنهدت صِبا تقول ببؤس
( لا أعرف كيف سأتخلص من سخرية ملك التي ستغرقني بها ما أن تعرف أنني تسببت بحادث )
ضحك كريم مما جعلها تبتسم ثم انحنى بجسده قليلًا يضع ذراعه على ظهر كرسيها
وهو يقول بنعومة
( لا تلتفتي لها .... فداكِ أغلى وأفخم السيارات يا فراشتي )
كان قد اقترب بوجهه منها أكثر مما يجب ...
فانحسرت ابتسامتها وهي تراه يميل أكثر مُحاولًا تقبيلها ... إلا أنها دفعته سريعًا وهي تبتعد برأسها قائلة بغضبٍ وضيق
( ماذا بك كريم؟! ... أنتَ تعلم أنني لا أحب ذلك )
أطلق زفرة غاضبة أتبعها بقوله المستنكر
( ألا ترين أنكِ تعقدين الأمور قليلًا؟! ....
ولاتعطيني أي فرصة للتقرب منكِ ... أنتِ خطيبتي , ماذا في ذلك؟ )
لم ترمش أمام نبرته المحتدة ... و ردت ببرود ( كونك خطيبي لا يعطيك الحق لتتجاوز معي حدود الأدب .... كما أن التقارب لا يجب أن يكون جسديًا على الإطلاق ... وإن كانت القواعد التي تربيت أنتَ عليها تتيح لكَ التقارب من هذا النوع , فالقواعد التي أعرفها أنا تأمرني الآن بقذف خاتمك في وجهك ثم الذهاب بلا عودة )
اتسعت عينا كريم لرد فعلها العنيف فأشاح بوجهه متوترًا .... ثم عاد يلتفت إليها
ليعتذر بثبات
( آسف صِبا ... معكِ حق , لقد كان هذا شرطكِ من البداية وأنا تعديت عليه )
هزت صِبا رأسها بلا معنى لتلقي عليه تحية المساء وتفتح باب السيارة واختفت خلف بوابة المنزل .

=======================


دخلت من باب الشقة بوجه متجهم ..
ما حدث منذ قليل مع كريم أثار حفيظتها ... هي تحاول ... صدقًا تحاول تقبله ... وقد كانت الأمور تسير على ما يرام وأصبحت علاقتهما أقوى ... إلا أن محاولاته المستمرة في التقرب منها بشكل جسدي تثير الكثير من النفور بداخلها مُسببة فجوة لا تستطيع تجاوزها ... وتجرؤه اليوم عليها بهذا الشكل ساعد أكثر في اتساع تلك الفجوة .... هي ليست من الفتيات التافهات كي تسعد بهيام خطيبها الواضح ومحاولاته الدائمة للتقرب منها ... ربما يسمح مجتمع كريم بتلك التجاوزات , لكن هي لا ...
( هل ستظلين مكانكِ هكذا؟ ... أرعبتني بوقفتك تلك ... حسبتكِ شبحًا )
انتفضت على ذلك الصوت الهادئ لتلك المشاغبة ملك ... تجلس بانتظارها لتسمعها إحدى ملاحظاتها اليومية ...
( تبدين غريبة )
قالتها ملك وهي تضع بعض المقرمشات في فمها ...
فابتسمت صِبا بسماجة ... ها هي أول ملاحظة ...
( لماذا تجلسين هكذا في تلك الإضاءة الخافتة؟ ... من منا الشبح الآن؟ )
قالتها وهي تتحرك متجهة إلى الأريكة تجلس بجوار ملك التي ردت ببساطة
( تعلمين أنني أحب الاستجمام في الظلام والهدوء ... رأسي يكاد ينفجر من ثرثرة الفتيات في المدرسة )
همهمت صبا قبل أن تقول بجدية مصطنعة
( نعم وأنتِ كما نعلم جميعًا لا تحبين الثرثرة يا ملك ونادرًا ما تتحدثين )
لتجاريها ملك في مشاكستها
( فعلًا أنا لا أطيق الثرثرة )
ثم اعتدلت في جلستها بحماس مردفة بفضول
( المهم أخبريني ... كيف كان يومكِ مع كريم ... أين ذهبتما وماذا فعلتما؟ )
عادت ملامح صبا لتتجهم ...ثم تنتهدت وهي تغوص في مكانها على الأريكة المريحة قائلة ببرود
( لم أكن أعلم أنكِ تهتمين بمعرفة تفاصيل تخص كريم )
احتل الاستنكار وجه ملك وهتفت بسخرية
( و هل سأهتم أنا لأمر خطيبكِ المزركش هذا ؟! )
لكزتها صِبا بخفة ثم حركت رأسها تنظر في أرجاء المنزل متسائلة
( أين أمي ومريم؟ )
أجابتها ملك وقد استلقت بجسدها لتضع رأسها على فخذ أختها
( أمي في حجرتها ... ومريم تقف شريدة في شرفة غرفتها منذ مدة )
أخذت صِبا تملس شعر أختها بأصابعها برقة وهي تتنهد بحيرة من أمر مريم ... دومًا كانت مريم كتومة ... إلا أنها وبرغم ذلك ككتاب مفتوح بالنسبة لصِبا ... تفهمها دون حديث ... فما تبوح به عيناها كافٍ ... وهذا البوح يقلقها بينما تعجز عن التصرف بحكمة ...
كان عقل صِبا لا يزال منشغلًا بأفكاره قبل أن تنتبه لحركة ملك التي نهضت قائلة
( ما رأيكِ أن نقتحم خلوة مريم ونجلس سويًا لنثرثر )
استقامت صِبا من مكانها تقول
( صدقًا يا ملك أنتِ فعلًا لا تحبين ثرثرة الفتيات )
ضحكت ملك و هي تجذبها نحو غرفتها بحماس
( هيا بدلي ملابسكِ حتى أرى ماذا تفعل تلك البنت )
بعد قليل كانت صِبا تدخل حجرة مريم والتي تتقاسمها مع ملك ... وجدتهما في الشرفة , ملك تتحدث بانطلاق بينما مريم شاردة مدعية التركيز ... توجهت صِبا ناحيتها تلكزها بخفة لتنتفض مريم من شرودها هاتفة
( ماذا بكِ يا صِبا؟ ... هل ستكونين أنتِ وتلك المشاعبة عليّ ! )
ضحكت صِبا مدعية اللامبالاة من شرود مريم الغير مريح ... ثم جلست بجانبها تسألها بمرح
( فيما تفكر شقرائي الجميلة؟ )
هزت مريم كتفيها ترد ببساطة زائفة
( لا شيء محدد ... فقط جلسة هادئة مع الذات تم قطعها إجباريًا بفضلك أنتِ وهذه الثرثارة )
صاحت ملك قائلة بنزق
( ما بالك يا فتاة اليوم؟ ... ألا تطيقين أن يتحدث إليكِ أحد ! )
نهرتها صِبا فأشاحت عنهما بغضب ... لتتنهد مريم قائلة بأسف
( أنا حقًا آسفة ... لكن رأسي مشوش قليلًا )
مصمصت ملك شفتيها دون رد ... بينما تكلمت صبا وهي تمعن النظر في وجه أختها
( حسنًا أخبرينا بما يشوش رأسكِ؟ )
ردت مريم بحذر
( بصراحة كنت أفكر في البحث عن عمل )
لم ترد صبا مباشرة ... بينما رفعت ملك حاجبًا واحدًا تقول بتعجب
( عمل بدون شهادة ! ... أنتِ ما زلتِ تدرسين )
أوضحت مريم بهدوء
( وماذا في ذلك؟ ... يمكنني التدرب في إحدى الشركات بعد الجامعة ... كما أن ذلك سيزيدني خبرة خاصة أنني في عامي الأخير .. أليس كذلك يا صِبا؟ )
تحدثت صِبا التي كانت تفكر بالأمر
( بصراحة أنا لا أحبذ أن تعملي قبل الانتهاء من دراستكِ ... كيف ستوفقين بين عملك والجامعة؟ )
أجابتها مريم بثقة
( لا تقلقي أختي ... يمكننى تدبر أمر المذاكرة ... لكن صدقيني أنا أشعر أنني فعلًا أريد أن أعمل )
تساءلت ملك باهتمام
( وهل وجدتِ عملًا؟ )
تنهدت مريم تقول
( أظنني وجدت الشركة المناسبة ... لقد راسلتهم وسأذهب غدًا لتقديم أوراقي )
لتهتف صبا باستنكار
( أنتِ تجهزين للأمر منذ مدة إذًا؟! )
تنحنحت مريم بتوتر
( ليس هكذا ... أنا فقط رأيت الإعلان فجربت حظي ... وربما لا يتم قبولي .. ما أدراني؟ )
زفرت صبا قبل أن تنقل نظراتها بين أختيها تقول بترقب
( لو لم تتصرفي من تلقاء نفسكِ لكنت وفرت عليكِ عناء البحث ... يمكنني التحدث مع كريم بشأن ذلك ... سيجد لكِ وظيفة جيدة في أي شركة من شركاتهم إن أردتِ )
كانت مريم تتوقع هذا الاقتراح ... ربما هو عرض مذهل يعفيها من مهمة البحث , لكنها ردت ترفض بلباقة
( لا يا صِبا , أنا أريد عمل يخص مجالي في الهندسة وسأتولى أمر البحث ... ثم ألم يكن من الأفضل أن توافقي أنتِ على عرض كريم للعمل معه حتى تكوني بجانب خطيبكِ ... لقد ألح عليك كثيرًا وأنتِ ترفضين )
ردت صِبا بهدوء
( الأمر يختلف يا مريم ... أنا موجودة في عملي منذ أن تخرجت من الجامعة ... أُحبه ولا يوجد لديّ نية لتركه .... أما أنتِ فلم تعملي من قبل , وكنت أفضل لو تكونين في مكانٍ نعرفه جيدًا ... على العموم فليكن ما تريدين )
ابتسمت مريم شاعرة الراحة لأمر العمل هذا ... هي تحتاج أن تنشغل قليلًا ....
وفكرة العمل مناسبة جدًا .. موضوع سامر يجب أن يُغلَق ... وهي من ستغلقه .

=======================

( أرجوكِ أمي فقط ربع ساعة وينتهي الفيلم )
هتفت بها نادين الصغيرة بتوسل لوالدتها ... فتنهدت رحمة بتعب ثم قالت بحزم
( أنتِ تجلسين أمام التلفاز منذ أكثر من ساعتين ... هيا تحركي إلى سريركِ لديكِ مدرسة في الغد )
أطفأت نادين التلفاز بتذمر وهي تتحرك نحو سريرها تضرب الأرض بقدميها ... ليلتفت إليها إياد الذي يتمدد على سريره براحة قائلًا لأخته بسخرية
( ألا تكتفي من تلك الأفلام الكرتونية السخيفة؟ )
همت نادين بإلقاء ردها فقاطعتها أمها بحزم ( توفقا عن الشجار ... هيا اخلدا إلى نومكما دون مزيدٍ من المشاكسات )
بعد أن اطمأنت إلى نومهما خرجت بهدوء مغلقة الباب خلفها لتتجه نحو غرفتها .. تمددت على سريرها بتعب ... لتحين منها نظرة إلى ساعة الحائط التي تشير للحادية عشرة مساءً ... لقد كان يومًا طويلاً ومرهِقًا ... تلك الجلسة العائلية استنزفت الكثير من طاقتها ... ووجوده حولها يوترها ... بينما لا تملك هي سوى التظاهر بأن كل شيء على ما يرام تنفيذًا لنصائح والدتها
( لا تفسدي زواجك بُنيتي ... أنتِ تحبين زوجكِ وتعلمين جيدًا أنه يهيم بكِ ... وإن كان قد أخطأ في حقك بسهراته ونزواته فلا تتسرعي أنتِ أيضًا ... حافظي علي بيتك
وعائلتك ولا تتركي زوجك فريسة لإمرأة أخرى )
كانت تلك كلمات والدتها التي ألقتها على مسامعها عندما أخبرتها رحمة بطلبها للطلاق ... حتى والدتها لا تفهمها ... لا أحد يشعر بها ... زوجها وحبيبها ألقى بنفسه في أحضان إمرأة أخرى .. أعطاها ما تملكه هي ... تركها تعاني ليتقرب لغيرها ... هجرها ليتودد لأخرى ... حتى أطفاله لا يراهم سوى بضع دقائق بالمصادفة ...
حياتها تنهار .. وهي لا تملك سوى التظاهر بالتماسك ... فقط لو يشعر بها ... لو يعود كما كان ... لو أنها تدرى ما به ! ... سالت دمعة على وجنتها لتتبعها أخريات بينما شرد عقلها لتلك الليلة

" قبل عام "

( طلقني )
قالتها بجمودٍ وقسوة , تقاوم الدموع التي تحرق عينيها ... لتتسع عينا فارس الذي رمقها بتشتت لا يدري ماذا أصابها .... فمد يده نحوها متسائلًا , إلا أنها لم تمنحه الفرصة وهي تزيح يده بعنف لتنهض من مكانها مبتعدة عنه قائلة بصوت عالٍ أقرب إلى الصراخ
( إياك أن تحاول لمسي مجددًا ... هل فهمت؟ ... ستطلقني الآن بهدوء ... ولا داعي للعب دور من لا يفهم فأنتَ تعلم جيدًا ما فعلته )
كانت تصرخ بهستريا ودموع الغضب تتحجر في مقلتيها تأبى النزول ... بينما تقدم فارس ناحيتها وهو يقاوم ترنحه ...
وقبل أن يصل إليها كانت تصرخ فيه بجنون أعلى
( قلت لا تقترب )
ثم أمسكت برأسها تهاجم ذلك الدوار العنيف الذي شوش الرؤية أمامها ... ليتأتيها صوته القلِق
( رحمة توقفي عن هذا الجنون ... أنتِ لا تبدين بخير )
رفعت رأسها تقول بهمس شرس
( صدقني لم يعد يليق بك هذا الدور ... لم تعد محاولاتك في الظهور أمامي بمظهر الملاك البريء تجدي نفعًا ... فلتذهب للجحيم أنا لا أريد مخلفات رجل )
ارتد رأسه للخلف بملامح شاحبة أمام قسوتها المفاجئة ... لقد كانت تذوب بين ذراعيه منذ قليل , فماذا دهاها؟! ...
هتف بحدة
( توقفي عن الصراخ وأخفضي صوتكِ )
تقدمت نحوه لتضربه في صدره صارخة
بجنون
( لن أخفض صوتي ... لقد سئمت من حماقاتِك التي لا تنتهي ... وصبرت على طيشك وجنونك ... صبرت على سهراتك كل ليلة وأنت تعود إليّ مخمورًا ... على أمل أن تفيق لنفسك وتخرج من ذلك المستنقع القذر ...
لكن أن يصل الأمر للخيانة؟!! ... لا يا فارس ... لست أنا من يتم خيانتها .... ليس بعد كل ما فعلته لأجلك تذهب وتخونني بدمٍ بارد )
كان يحدق فيها بذهولٍ وهو يحاول التغلب على تأثير الخمر والتركيز في كلامها ... لم يستوعب ما ألقته في وجهه من كلمات فهز رأسها يتساءل بذهول
( رحمة ! ... عن أي خيانة تتحدثين؟ )
أعطته ظهرها لتتوجه ناحية السرير حيث قميصه الملقى هناك ... ثم رفعته أمامه وهي تشير إلى طلاء الشفاه الذي لطخه من الأعلى ...
وقالت ببرود يناقض احمرار وجهها
( هل لديك تفسير لهذا ؟ ... ها؟ )
ثم قذفت القميص في وجهه وهي تصيح بهستيريا وقد فقدت آخر ذرات هدوئها
( هل تتركني أنا وأطفالك كل ليلة لترافق العاهرات؟! )
تفحص فارس القميص بحيرة دون أن يعرف كيف وصل طلاء الشفاه إلى ياقة قميصه ... لقد كان الملهى الليلي مليئًا بالفتيات كالعادة ... ربما حاولت إحداهن التقرب إليه وهو لا يذكر ... لقد أسرف الليلة في الشرب حتى أن أصدقائه من أوصلوه إلى هنا ... ألقى القميص أرضًا ليتقدم ناحيتة رحمة محاولًا تهدئتها ... إلا أنها زمجرت بعنف وهي تدفعه مجددًا ... لكنه أمسك بمعصميها ليقيد حركتها هاتفًا فيها
( قلت توقفي عن جنونك هذا ... سيستيقظ الأولاد على صراخكِ )
توقفت فعلًا ... لتسكن حركتها بينما تنظر إليه بملامح جامدة , وعينين مشبعتين بدموع مقهورة ... تقول بجمود حارق
( من الجيد أنكَ لازلت تذكر أنكَ أب ولك أولاد )
ثم تحشرج صوتها تتابع بعتاب
( أتمنى أن تتذكر أيضًا أنك تخون أمهم )
انعصر قلب فارس لرؤية دموعها ... فترك يدها ليحيط وجهها بكفيه هامسًا بلوعة
( رحمة .... حبيبتي أنتِ فقط تتوهمين ... صدقيني لم يحدث شيء يدور بعقلكِ )
( أنا أكرهك )
قذفتها في وجهه ليرتد رأسه للخلف وكأنه صفعته .... بينما تابعت رحمة بقسوة
( وأكره نفسي لأنني أحببتك ... ملعون أنتَ
وملعون حُبك ... أنت أكبر كذبة في حياتي )
كانت تلقي بكلماتها في وجهه بينما تشعر بأنفاسها تتلاشى تدريجيًا .... أما هو فابتعد عنها مبهوتًا وقد عجز عن الكلام بعد ما قالته ... لم يرها بتلك الحالة من قبل ... رغم شجارتهما المستمرة بسبب سهراته ... لكنه كان يحتوي الأمر ... أما اليوم , وبعد كلماتها القاسية , فهو يتمنى أن يكون ما يحدث مجرد هلوسة ... أو كابوس سخيف سيفيق منه ليلقي برأسه بين أحضانها كما يفعل دومًا ... ظل على جموده إلى أن لاحظ أنها تمسك برأسها وتترنح في وقفتها فاندفع نحوها بسرعة ... وقبل أن تصرخ في وجهه سقطت مغشيًا عليها لتتلقفها ذراعيه قبل أن تلامس الأرض ...

فتحت عينيها لتجد نفسها بالمشفى ... متمددة على السرير بتعب ولا تقوى حتى على تحريك رأسها ... لمحت بطرف عينيها ممرضة شابة تقف بجانب سريرها تعلق لها محلولًا ما ... حاولت التكلم وقبل أن تنطق شعرت بدموعٍ ساخنة تحرق ظاهر يدها .... انعقد حاجبيها لتحاول النهوض وما إن تحركت حتى تفاجأت بصوته المتحشرج يهتف بلهفة
( لقد استيقظت أخيرًا .... أسرعي ونادي الطبيب ... هيا )
كان يتحدث إلى الممرضة بسرعة ولا يزال متشبثًا بكف رحمة أكثر ... أومأت الممرضة رأسها في استسلام لتخرج من الغرفة وتستدعي الطبيب ... أما رحمة فظلت ساكنة مكانها تناظر السقف بجمود ... ليتحرك فارس بكرسيه مقتربًا منها , تملس يداه على شعرها بحنان هامسًا
( حمد لله على سلامتكِ حبيبتي ... كدت أجن و أنتِ تسقطين بين ذراعي )
لم تلتفت إليه وكأنها لا تسمعه من الأساس ... تجاهلت لهفته وصوته الباكي , تغاضت عن نبرته الملهوفة ... لتحدق في اللاشيء ... فُتح الباب ليدخل الطبيب مبتسمًا وهو يتقدم من سريرها
( حمد لله على سلامتكِ سيدة رحمة ... كيف تشعرين الآن؟ )
حركت رأسها قليلًا لتتحدث لأول مرة منذ أن استفاقت
( ماذا حدث و لماذا أنا بالمشفى؟ )
ليرد الطبيب بعملية
( لقد أُصبتِ بنزيف شديد وتم نقلكِ للمشفى ... نحن حاولنا الحفاظ على الجنين لكن ... للأسف لم يُسعفنا الوقت وحدث الإجهاض ... لكن لا تقلقي فحالتك الصحية بخير و ... )
لم تعد تسمع ما يُقال ... توقفت حواسها تمامًا ... جنين؟ أي جنين؟ .... هل قال إجهاض؟ ... ماذا يحدث وعن أي جنين يتحدث؟ .... هزت رأسها بعدم استيعاب لتحاول النهوض بعنف ولكن لم يسعفها وهن جسدها ... فأمسك بها فارس ليدعمها بذاعيه هاتفًا بقلق
( رحمة , حاولي أن تسترخي ... لقد خرجتِ للتو من العمليات )
كانت تنقل نظراتها بينها وبين الطبيب بذهول ... و كأنها أمام اثنين من المجانين
( عن أي جنين تتحدث؟ )
تكلم الطبيب مُتفهمًا
( لقد كان توقعي صحيحًا ... أنتِ لم تكوني على علم بأمر الحمل ... تحاليلكِ كلها تشير إلى سوء التغذية والمجهود الزائد ... حاولي أن تهدئي سيدة رحمة ..... أنتِ كنتِ حامل في شهر وثلاثة أسابيع ... لكن للأسف صحتكِ
وصحة الجنين لم تكن بخير , ولذلك حدث الإجهاض )
كانت تحدق في الطبيب بعينين زائغتين
وكأنها لا تعي فعلًا ما يقول .... كانت حامل !! ... كانت تحمل في أحشاءها جنينًا
ولا تدري .... لم تنتبه لتغير هرمونات جسدها , ولم تُلقِ بالًا لإرهاقها الجسدي في الفترة الأخيرة ... كانت مشتتة فيما يحدث لعائلتها ولم تنتبه ..... و الآن تُصدم بأنها فقدت جنينها قبل أن تعرف حتى بوجوده !! ... عادت برأسها للخلف لتستند بظهرها على وسادتها ... تحدق في السقف بملامح متجمدة ... ليخرج الطبيب في أسف تتبعه الممرضة ...
ولم تلتفت لما يحدث حولها بعد ذلك ... حضور أهل زوجها و والدتها ... الكل يواسي في أسف وهي تهز رأسها بجمود دون أن تملك طاقة للرد ... انصرف الجميع ليبقى فارس بجانبها ... لم يتحرك من مكانه ولم يترك يدها منذ أن استيقظت ... حتى أنه أوشك على افتعال مشكلة مع طاقم التمريض بشأن رفضهم لمبيته معها .. لكنه أصر ولم يستطع أحد منعه ... ربت على كفها بحنان مناديًا بإسمها إلا أنها لم تلتفت إليه ... بل ظلت على سكونها لعدة دقائق تنظر أمامها بجمود لتقول بعدها بنبرة ميتة
( لقد فقدت طفلي )
تجمد فارس مكانه ولم يتفوه بحرف ... فحركت رأسها ناحيته لتواجه عينيه ... مرت عدة لحظات و كلاهما يحدق في الآخر دون حديث ... كانت نظراته مذنبة آسفة ...
ونظراتها قاسية حاقدة ... واستمر حديث الأعين إلى أن قررت رحمة قطعه قائلة بنفس الصوت الميت
( لم أكن أعلم ... ظل يتشكل في رحمي قرابة الشهرين ولم أشعر به ... طالبني بحقه في الحياة ولم أنتبه .... تجاهلت إرهاقي الدائم
وانشغلت بِـعلتك ... والآن ماذا جنيت؟ )
كلماتها كانت كخناجر حادة توخز صدره ليغمض عينيه في أسف وألم بينما يستمع لكلماتها المجروحة ... ابتلع ريقه في توتر , لا يدرى بماذا يرد ... إلى أن فتح فمه يهمس برجاء خافت
( رحمة , لا تفعلي ذلك )
إلا أنها لم تمهله الفرصة للنطق بالمزيد .... وصرخت في وجهه بانهيار
( هل هذا جزائي؟ ... أن أفقد طفلي وزوجي في يومٍ واحد )
اقترب منها أكثر هاتفًا بلهفة
( أنا هنا حبيبتي .... سنصلح الأمور سويًا وسيكون كل شيء على ما يرام )
هزت رأسها تقول بذهول
( عن أي أمور تتحدث !! .... وكيف ستجعل كل شيء على ما يرام؟ ... هل ستعيد إليّ طفلي؟ ... أم ستعود بالزمن لتمحو خيانتك لي أيها السكير الخائن )
قذفت بكلماتها في وجهه ليرتد بجسده للخلف وقد صفعته كلماتها ... ظل على صدمته وهو يراها تحدق فيه بعينين قاسيتين , وصدرها يعلو ويهبط انفعالًا ... لم يعرف بماذا يرد وقد فاجأته قسوتها ... هو يُقدر انفعالها لفقدان الجنين لكن عن أي خيانة تتحدث .. لقد قضى ليلته يُعربد ولا يذكر سوى لحظات متقطعة مع أصدقائه ... من أين أتت بهذا الكلام؟ .. انتبه على حركة جسدها وهي تضغط زر استدعاء الممرضة ... لتدخل بعدها فتاة شابة سائلة إياها إن كانت تحتاج إلى شيء ... أسندت رحمة رأسها للخلف في تعبٍ مرددة
( من فضلك سأبيت بمفردي في الغرفة... أنا لا أحتاج لمرافق )
تنحنحت الممرضة بحرج وهي تنظر لفارس المصدوم والذي استقام واقفًا ينظر لرحمة برجاءٍ صامت ... لكنها أشاحت بوجهها عنه لتغمض عيناها ... ولم تكد تمر ثانيتين حتى انتفضت من مكانها ما إن صفق باب الغرفة بعنف ...
وكان هو قد اختفى من أمامها ...

" عودة للحاضر "

انتبهت رحمة من شرودها لترفع يدها وتتلمس بطنها بحنان ... لقد مر عام كامل على تلك الليلة المشؤومة وما زالت الذكرى تطاردها ... كانت خسارتها كبيرة ليلتها ... خسارة أُجبرت على تقبلها بصمود ... لتعود بعدها معه إلى المنزل مُرغمة ... بعد سيل من التوسلات منه ومن عائلته , زاعمين أن الطلاق لن يكون الخيار الصائب في توقيت كهذا نظرًا لتوتر الأجواء في المنزل بعد وفاة والدة أمجد
" لا تكوني أنانية للمرة الثانية يا رحمة ... لقد خطوتِ في الاتجاه الخاطئ وأنتِ تحاولين المحافظة على هذا الحب ... لكن مهمتكِ الآن هي حماية أطفالك ... لا تكررى أخطائكِ "
قالتها لنفسها بقوة متأصلة فيها ... لتتخذ بعدها قرارها الأهم .. ستعتني بنفسها
وأطفالها فقط ... أما هو فلا شأن لها به ... فليدور في دوامته كما يشاء ... لقد تعبت من المحاولة ..
وقد كان لها ما قررت ... منذ ما حدث في ذلك اليوم وهي تتجاهله ملتزمة بصمتها ... تجاهلت محاولاته المستمرة في مناقشتها في موضوع الطلاق ... لكنها قالتها له ليلتها
وانتهى الأمر
( من الليلة أنا موجودة هنا لأجل أطفالي فقط ... لست مطالبة بالمزيد ... أنا لا أريد منك تبريرات ... أما مسألة الطلاق فلا تقلق بشأنها ... لقد صرفت النظر عن الموضوع ... أنتَ لم تعد تعنيني على أي حال .. فلتفعل ما يحلو لك )
وها هي الآن تُنفذ ما عزمت عليه ... عام كامل مر على نفس الوتيرة ... تتجاهله بشكلٍ تام ... وهو بدوره توقف عن إزعاجها ... يظل اليوم بأكمله بالخارج ولا يعود إلا ليلًا ... لقد علمت من والده أنه يذهب إلى الشركة ويباشر العمل من حينٍ لآخر ... لكنه لم يتوقف عن سهراته حتى وقتٍ متأخر ...
انتبهت على صوت حركة في الخارج فعلمت أنه أتى ... تحركت بهدوء لتقف خلف الباب تسترق السمع لخطواته ... سمعت صوت باب غرفة الأطفال ... فانقبض قلبها خوفًا من أن يكون أحد الأولاد قد استيقظ و يراه فربما يكون مخمورًا ... مرت الدقائق وهي تقف مكانها خلف الباب ... إلى أن نفد صبرها دون لا تسمع شيئًا ... ففتحت باب غرفتها بهدوء لتتحرك بخطوات حذرة ناحية غرفة الأطفال ... تسمرت مكانها ما إن رأته , كان يتمدد على سرير إياد محتضنًا الطفلين معًا .. فدمعت عيناها وهي ترى طفليها يتمسكان بأبيهم بينما يغمضون أعينهم باطمئنان ...
لقد مرت مدة طويلة على أخر مرة رأتهم في ذلك المشهد الدافئ ... أسندت رأسها على الحائط تملأ عينيها منه عن بعد ... ملامحه الحبيبة مسترخية , مغمضًا عينيه التي لطالما عشقتها ... أغمضت عينيها الدامعتين وكأنها تحفظ بداخلهما تلك الصورة ... وما إن فتحتهما حتى اصطدمت بعينيه تنظران نحوها .. فشهقت دون صوت لتتحرك مسرعة إلى غرفتها ...
جلست على سريرها تضع يدها على قلبها تتنهد بضعف ... إلا أن الباب انفتح فجأة لتنتفض من مكانها وهي تراه يطل من خلفه ...
( ما الذي أتى بكَ إلى هنا؟ )
هتفت بها باستنكار وهي تهب من مكانها ...
لكنه تجاوزها متجهًا إلى الحمام الملحق بالغرفة وقال ببرود
( سأبيت في غرفتي )
أطلقت رحمة صيحة معترضة واندفعت لتجذبه من ذراعه كي يواجهها ... لتقول بصوت خفيض
( عن أي غرفة تتحدث؟ ...هل أفقدكَ الخمر عقلك؟ )
نفض ذراعه الذي تمسكه ليقبض على مرفقيها قائلًا بحزم
( أنا لست مخمورًا ... بل أنا واعٍ ومدرك تمامًا ... أما الغرفة التي أتحدث عنها فهي التي تقفين فيها الآن وتمنعينني من الدخول إليها ... غرفة زواجنا يا زوجتي العزيزة )
ودون كلمة أخرى أعطاها ظهره ليتوجه لداخل الحمام .... بينما ظلت هي تتحرك في الغرفة بتوتر وغضب منتظرة خروجه ...
ما الذي يحاول فعله؟ ... لقد مر عام وهما على نفس الوضع , وقد قبل بشروطها .. فماذا دهاه الآن؟ ...
بعد دقائق انفتح باب الحمام ليخرج منه يرتدي ملابس بيتية مريحة وقد أخذ حمامًا
وشذب لحيته المشعثة ... إنه يتصرف وكأن شيئًا لم يكن .. !!
ألقى بالمنشفة بإهمال استفزها وهي تراه يتعامل بأريحية ويتجه نحو السرير استعدادًا للنوم ....
تحركت نحوه باندفاع وهتفت بتحفز
( ما الذي تحاول فعله بالضبط؟ .... هل صور لكَ عقلك أن بدخولك غرفة الطفلين وتمثيل مشهد سخيف ستعيد كل شيء كما كان )
اعتدل بجسده قائلًا بسخرية
( وهل صور لكِ عقلك أنني أحتاج للتمثيل لأعيد الأوضاع كما كانت؟ ... أنا تركتكِ على راحتكِ ووافقت على شروطكِ الحمقاء حتى لا تحدث مشكلة وأنتِ مريضة )
واجهته بملامح ساخرة تقول بنبرة ذات مغزى
( أنا لم أكن مريضة )
ابتلع فارس ريقه وقد فهم ما ترمي إليه ... هي تحمله ذنب ما حدث ... وهو يدرك في قرارة نفسه أنها محقة ....
( والآن هيا تفضل من هنا )
تجاهل جملتها المتأففة وسألها فجأة
( سوف يستقر أمجد في المنزل من الليلة , أليس كذلك؟ )
ارتفع حاجباها متفاجئة من تغيره دفة الحديث , لكنها أجابته
( نعم وهو موجود في غرفته الآن ... ولكن ما علاقة ذلك بما أقوله؟ ... هيا تحرك )
إلا أنه تجاهلها وهو يعود برأسه للخلف متمددًا براحة في فراشه ثم أغمض عينيه يقول بخمول
( لقد سئمت من الأريكة وأحتاج إلى الراحة في سريري ... إذا كان لديكِ اعتراض فلتتفضلي وتغلقي الباب خلفكِ )
جزت رحمة على أسنانها بحنق من تبجحه ثم قالت بقرف
( فلتستمتع بالسرير وبالحجرة بأكملها )
واندفعت تخرج من الغرفة تاركة فارس خلفها يحدق في سقف الغرفة بشرود .






انتهى الفصل





يُتبع ...



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 21-10-21 الساعة 11:46 PM
شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 28-10-21, 10:56 PM   #13

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

الفصل الرابع

( لا أصدق أنكِ تسببتِ في حادث في أول يوم قيادة لكِ ... بصراحة أنا أحسدكِ على مهاراتكِ يا صِبا )
كانت تجلس بملامح عابسة وحاجبين منعقدين ... تستمع لتقريع شقيقتها التي تتحدث ساخرة بفمٍ ممتلئ بالطعام ... إلى أن هتفت بحنق
( ألن تتوقفي عن سلاطة لسانكِ هذه؟ ... بدلًا من أن تسأليني إن كنت بخير أم تأذيت؟! )
مطت ملك شفتيها ترد بفظاظة
( ولماذا أسألكِ وأنا أراكِ أمامي مثل القرد؟ ... فلتحمدي ربكِ أن الرجل الذي اصطدمتِ بسيارته كان محترمًا ولم يصطحبكِ لمركز الشرطة )
شهقت صِبا لتهتف باستنكار
( وهل كان يجرؤ وهو المخطئ من الأساس؟)
رمقتها ملك بطرف عينيها لتسألها بتشكيك
( هل أنتِ متأكدة أنه هو المخطئ؟ )
شمخت صبا برأسها , تقول بثقة ليست في محلها
( بالطبع هو المخطئ ... لقد ظهر أمامي بسيارته فجأة ... أنا لم أخطئ بشيء وكنت أسير على التعليمات التي تلقيتها في دروس القيادة )
( لقد بدأت أشك في أمر مدرسة القيادة تلك ....... )
غمغمت بها ملك بصوتٍ خفيض وصل إلى مسامع صِبا التي زمجرت بتحفز
( بماذا تغمغمين؟ ... أَسمِعيني )
( ألن تتوقفا عن شجاراتكما تلك؟ )
قاطعهما صوت والدتهما , فبرمت صِبا شفتيها ... لتهتف ملك بابتسامة سمجة
( تعالي يا أمي واحتفلي معنا بصِبا ...
لقد صدمت السيارة وتسببت في حادث )
ضربت جيهان على صدرها تقول بصدمة
( ماذا؟ ... كيف ومتى؟ ... أنتِ لم تقودي السيارة سوى بالأمس فقط )
زفرت صِبا بضجر لترد بنفاد صبر
( مجرد حادث بسيط يا أمي لا تقلقي ... السيارة في التصليح وستصل اليوم )
تدخلت ملك لتقول بجدية مصطنعة بينما ترتشف بعض العصير
( اسأليها إن كانت بخير يا أمي حتى لا تتهمك بعدم الاهتمام )
جزت صِبا على أسنانها قائلة
( أعرف أنني لن أنتهي من سخافاتكِ اليوم ... هيا فلتنتهي من فطورك سريعًا ... كريم على وشك الوصول )
تساءلت والدتها باستفهام
( هل سيوصلكم كريم؟ )
تولت ملك الرد بنفس الابتسامة السمجة
( نعم يا أمي ... السيد كريم المدلل ذو الأسنان اللامعة سيوصلنا ... لأن خطيبته صدمت السيارة )
كادت صِبا تزجرها موبخة لكن قاطعها رنين هاتفها وقد وردها اتصال من كريم ... ففتحت الخط لترد عليه و هي ترسل نظرات متوعدة لملك ...
أنهت المكالمة سريعًا ثم نهضت من مكانها تقول بعجلة
( لقد وصل كريم ... سأنتظر معه في السيارة )
ثم وجهت كلامها لملك بتحذير
( أمامكِ خمس دقائق لتتبعيني ... وإياكِ أن تتفوهي بكلمة سخيفة أمامه ... هل تفهمين؟ )
وتحركت ناحية الباب ... بينما تحدثت والدتهما
( أين مريم؟ ... ألن تذهب معكما؟ )
- ( أنا جاهزة )
التفتت چيهان لابنتها التي خرجت من غرفتها للتو
( تعالي يا مريم وتناولي شيئًا ... لماذا تأخرتِ في ارتداء ملابسكِ؟ )
أجابتها مريم بابتسامة
( لقد سهرت بالأمس قليلًا ... كنت أجهز أوراقي من أجل العمل ... سأذهب اليوم بعد الجامعة )
سألتها جيهان بقلق أمومي
( هل أنتِ واثقة من رغبتكِ في العمل؟ ... ألن يكون المجهود زائدًا عليكِ بجانب الجامعة والمذاكرة؟ )
" هذا هو المطلوب يا أمي "
لم يظهر على ملامحها شيء مما توحي به جملتها الساخرة ... و ردت بنفس الابتسامة تطمئن والدتها
( لا تقلقي أمي ... يمكنني تنظيم وقتي ...
أتمنى فقط أن يتم قبولي )
ربتت والدتها على كتفها و بدأت تردد دعواتها المعتادة لهم ... فارتاحت ابتسامة مطمئنة على وجوههم .

==========================

هبطت زهرة درجات السلم بنشاط لتتجه إلى غرفة الطعام ... استقرت على كرسيها بعد أن ألقت تحية الصباح .. ليسألها والدها
( هل ما زال أمجد في غرفته؟ )
أجابته وهي تشرع في تناول طعامها
( لقد مررت على غرفته في طريقي , وأخبرني أنه على وشك النزول )
ثم تابعت بابتسامة عذبة
( سعيدة جدًا أنه سيستقر معنا أخيرًا ... لقد مر وقت طويل على آخر مرة تجمعنا فيها سويًا على الإفطار )
ثم توجهت بحديثها لرحمة تشاكسها
( وأنتِ يا فتاة أين زوجكِ؟ .. لقد أصبحنا نراه بالمصادفة ... ما هذه العائلة الغريبة؟ )
أخفضت رحمة بصرها متنهدة بخفوت , تنظر في صحنها دون أن تدري بما تجيبها ... لقد استيقظت باكرًا لتجهز أطفالها للمدرسة ... ثم هربت بعدها من الجناح قبل أن يستيقظ ...
( صباح الخير )
كان ذلك صوت أمجد الذي نزل لتوه ... ليستقر على كرسيه بجانب زهرة التي ابتسمت له بمحبة ... بعد دقائق دخلت السيدة مشيرة وبصحبتها ريهام , و التي بدا و كأنها أتت مُرغمة ... استقر الجميع في أماكنهم ليتوجه والد أمجد بحديثه لابنه
( ما هي أخبار العمل يا أمجد؟ )
رد أمجد باقتضاب
( كل شيء يسير على ما يرام ... لقد بدأت الشركة تحقق اسمًا في السوق )
أومأ والده برضا ... ثم تابع
( جيد ... كنت أريد محادثتك بشأن صفقة مشتركة مع شركتنا )
تساءل أمجد بنبرة لم تُخفِ تعجبه
( أي صفقة ! )
نظر الرجل في ساعته بينما يقول ببعض الضيق
( فلننتظر نزول فارس ... فأنا أريده أن يتولى الأمر لأنني لست متفرغًا )
تحدثت السيدة مشيرة ممتعضة
( لماذا تأخر هكذا؟ ... لقد أكدت عليه أننا سنتجمع على الإفطار )
( ها أنا ذا .. )
أطل فارس عند الباب وهو يقول جملته بهدوء متجهًا إلى مائدة الطعام ... سحب كرسيه بجانب رحمة ثم تابع يوجه حديثه لوالدته , لكن عيناه مثبتة على رحمة
( لا تلوميني أنا يا أمى ... كنتكِ هي السبب ... تركتني نائمًا ولم تهتم بإيقاظي )
قال فارس جملته ببرود ثم بدأ في تناول طعامه متجاهلًا تشنج جسد رحمة التي سعلت قليلًا وغصت في طعامها .....
بينما تأفف والده يقول بنفاد صبر
( لا وقت لسخافاتك الآن يا فارس .. أريد أن أطرح عليك أمرًا هامًا )
اعتدل فارس ليولي اهتمامه لوالده متسائلًا
( خير يا أبي )
حرك الأب نظراته بين ولديه فيما يقول بترقب
( نحن نحتاج لعمل بعض التعديلات في قريتنا السياحية ... وبما أن شركة أمجد بدأت عملها بشكل فعلي ... أنا أريد أن أُسند إليه تولي الأمور )
وصمت قليلًا و كأنه يدرس ردود أفعالهم .... ثم تابع بهيمنة لا تقبل الجدال
( وأنتَ يا فارس , ستتولى متابعة هذا الأمر مع أخيك )
عقد أمجد حاجبيه ... والتقت عيناه بعينيّ فارس في نظراتٍ غامضة قابلها الثاني ببرود ... ثم أشاح بوجهه ناحية والده , يقول بصوتٍ مشدود
( لكن المكتب الهندسي الذي نتعامل معه جيد و ... )
قاطعه الأب بحدة
( أنا أعلم ما تقوله جيدًا ... سيتنهي عقدنا مع تلك الشركة قريبًا .. وأنا لا أنوي التجديد ... سوف أسند لشركة أمجد هذا المشروع وأنت ستتولى الاشراف عليه )
ثم أردف مُشددًا على حروفه
( وحين أقول أنكَ ستتولى الإشراف ... فذلك يعني أنكَ مسؤول أمامي ... لا أريد أي إهمال ... فلتنتبه لعملك كما كنت دومًا )
أخفض فارس نظراته , ولمح بطرف عينيه ابتسامة ساخرة ارتسمت على شفتيّ رحمة , وحده هو من لاحظها ...
بينما تابع الأب موجهًا حديثه لأمجد وكأنه اعتبر صمته موافقة
( سوف أرسل لكَ كافة التفاصيل حتى تبدأ في التجهيز )
أومأ أمجد برأسه على مضض ... ليتشاغل في الطعام أمامه مُفكرًا في كلام والده ...
صدح صوت زهرة تقول بتذمر
( هلا توقفتم عن الحديث عن العمل؟ )
ثم تنحنحت لتردف بحماس
( لقد اقترب عيد ميلادي ... وهذا العام أحتاج لإقامة حفل كبير و مختلف , احتفالًا بعودة أخي أمجد )
رفع أمجد حاجبًا مندهشًا , يشاكسها بقوله
( ستحتفلين بعودتي بعد مرور عام؟ )
أسندت زهرة مرفقها على كتفه ... تقول بابتسامتها الحلوة
( أنتَ عدت بالأمس فقط يا عزيزي ...
وأعدك أنك لن تغادر مرة أخرى لأنني لن أعطيكَ الفرصة )
بادلها ابتسامته بإخرى ممتنة , وهو يرى صغيرته المشاكسة لا تفوت فرصة لإسعاده ...
تحدثت السيدة مشيرة بسعادة
( حسنًا ... فليكن حفل عيد ميلاد زهرة هذا العام على شرف عودة أمجد إلى المنزل )
منحها أمجد ابتسام هادئة , قبل أن تصطدم عيناه بنظرات فارس تجاهه ... نظرات جمدت ابتسامته , و جعلته يدرك أن المواجهة قد بدأت .

========================


( لا أفهم لماذا تأخرت تلك الحمقاء ... سأتأخر على عملي )
هتفت بجملتها المتأففة , فالتفت لها كريم بمزاح
( ما هذا المزاج المتعكر في أول اليوم؟ ...
لا يزال الوقت باكرًا )
التفتت له صِبا حانقة
( موضوع السيارة يوترني ... ومنذ أن أخبرت ملك بما حدث وهي لا تتوقف عن تقريعها لي )
ضحك كريم مُرددًا بمرح
( ملك لديها قدرة عجيبة على تعكير مزاجكِ ... لم أركِ بمثل هذا الحنق حتى بعد أن صدمتِ السيارة )
شردت تقول متنهدة
( لقد أفرغت توتري مع ملك ... لكن ما يشغلني حقًا هو موضوع عمل مريم )
سألها كريم باهتمام
( هل قررت مريم العمل؟ ... لماذا لم تخبريني؟ ... يمكنني توفير وظيفة جيدة لها في الشركة )
تنحنحت تقول بخفوت
( هي تفضل العمل في مجال دراستها )
سألها مجددًا بفضول
( وهل قدمت أوراقها في شركة معينة أم ما زالت تبحث؟ )
أجابته صِبا دون حماس
( أعتقد أنها وجدت ضالتها ... لكنها مؤكد ستحتاج لتوصية )
أومأ برأسه ثم قال بوعد
( فقط أخبريني بِاسم الشركة التي ستقدم أوراقها فيها , و أنا سأضع توصية لها )
ابتسمت له شاكرة ... لتردف بتحذير
( لكن إياكَ أن تخبرها أنكَ ستتوسط لها ...
أنا أعلم أختي هي لا تحب ذلك )
فأومأ برأسه في تفهم ...
بعد قليل ظهرت ملك من خلف البوابة بصحبة مريم لتنخذ كلتاهما مكانها قبل أن ينطلق كريم بسيارته وبجانبه صِبا التي كانت ترمق ملك بنظرات متوعدة حانقة قابلتها الأخرى بمشاكسة و هي تحرك حاجبيها في إغاظة .

. ======================

خرجت مريم من مقر الشركة و هي تدعو الله أن يتم قبولها في تلك الوظيفة ... لقد قدمت أوراقها وعليها الانتظار حتى يتصلوا بها ... هي تحتاج أن تعمل و بشدة , تحتاج أن تشغل يومها حتى لا تجد وقتًا للتفكير في أي شيء ...
رن هاتفها لتجد إتصالًا من صِبا ... فتحت الخط ليأتيها صوت صِبا متسائلة بقلق
( هل تم قبولكِ في الوظيفة؟ )
قالت ضاحكة
( لقد قدمت أوراقي للتو )
سمعت تنهيدة صِبا على الجانب الأخر التي أردفت
( لا أدري ما سر إصراركِ على العمل في شركة أخرى .. كريم لن يمانع في إيجاد وظيفة مناسبة لكِ .. فلماذا تصرين على عنادكِ؟! )
تمسكت مريم بهدوئها تُجيب
( ليس عنادًا يا صبا ... لكنني لا أريد أن أضيع وقتي في عملٍ لا يخص دراستي ... أنا أحتاج إلى اكتساب خبرة و ليس مجرد عمل )
لتقول صِبا بنفاد صبر
( حسناً يا سيدة الخبرات ... ما رأيكِ أن تمري عليّ في العمل لنعود للمنزل سويًا؟ ... لقد تم إصلاح السيارة وسأعود بها اليوم )
سألتها مريم بحذر
( صِبا ... هل أنتِ متأكدة أنه بإمكانك قيادة السيارة مرة أخرى؟ )
ولم تكد تنهي جملتها حتى انتفضت على صوت صِبا التي هتفت بصوتٍ أفزع الطيور في أعشاشها
( بالطبع سأقودها ... هل اشتريتها لأضعها أمامي و أشاهد جمالها؟ ... ألن ننتهي من أمر الحادث هذا ! ... يكفيني ما نِلته من سخرية ملك هذا الصباح )
ردت مريم بمهادنة
( حسنًا حسنًا ... وهل قلت أنا شيئًا ! ... سأمر عليكِ و الأعمار بيد الله )
ثم أغلقت الخط ضاحكة ما إن شهقة صِبا المستنكرة على الجانب الآخر .

==========================

صفت صِبا سيارتها أمام المنزل لتبتسم بِانتصار , تقول لمريم بزهو
( أرأيتِ؟ ... الأمر ليس بتلك الصعوبة ... هل تأكدتِ الآن أنني لم أكن المخطئة في ذلك الحادث؟ )
ضحكت مريم وهي تترجل من السيارة قائلة بمرح
( لطالما كنتِ ماهرة يا أختي )
تحركتا معًا ليتجها نحو البوابة التي فُتحت ليطل سامر من خلفها ... تسمرت مريم مكانها وهي تراه يبتسم لهما بتحية ... ابتسامة سرعان ما تغيرت , لتتحول إلى أخرى عاشقة وهو يختص صِبا بالحديث ...
لم تسمع مريم شيئًا من الحوار ... كانت تحدق فيه وهي تميز العشق الذي تنضح به نظراته تجاه أختها ... انعصر قلبها بشدة لتتأكد أنها كانت محقة في قرارها بالابتعاد ... ستروض قلبها المشروخ بنفسها ... ستروضه قبل أن ينكسر تمامًا .

=========================


وصل أمجد إلى وجهته ليترجل من السيارة يناظر تلك البوابة الحديدية ... ألقى التحية على الحارس العجوز الذي نهض يستقبله باحترام ... ثم خطا بضع خطوات للداخل ... وقف يتأمل اللوح الرخامي الموضوع أمامه والذي خُط عليه اسم
" المرحومة رقية عز الدين السعدي "
رفع يديه ليقرأ الفاتحة بصمتٍ خاشع .. انتهى من القراءة ليظل بعدها صامتًا لعدة دقائق إلى أن تكلم أخيرًا بصوت هادئ
( لقد حققتُ لكِ أمنيتك الأخيرة ... أنا الآن أعيش بشكلٍ مستقر في منزل أبي ... الأمور هناك ليست كلها على ما يرام بالطبع ... لكنني أحاول التخطي كما طلبتِ مني دومًا )
أخذ نفسًا عميقًا ليتابع بنفس النبرة الهادئة
( أنا هناك لأجلكِ أنتِ فقط ... تعلمين أن الأمر صعبٌ عليّ ... أنا لا أنتمي لهذا المنزل .. حتى أنتِ لم تحبيه يومًا ... هل تذكرين آخر مرة ذهبتِ إلى هناك؟ )
شرد أمجد ببصره , يعود بذاكرته لسنواتٍ مضت ..
" قبل عشرون عامًا "

- ( هل فقدتِ عقلكِ أم ماذا ؟ ... أمجد لن يترك منزلي أبدًا .... وقد وافقتِ على هذا الشرط عند الطلاق )
= ( كان ذلك منذ عشر سنوات ... ألا يكفيك كل هذا العمر لتعاقبني؟ ... ابني الآن يحتاجني .. لا يمكنك أن تحرمني منه العمر كله يا شكري ! )
= ( أنتِ من فعلتِ هذا بنفسكِ و بِابنكِ ...
لو أن أي إمرأة أخرى مكانكِ لكانت حافظت على بيتها كأي زوجة محترمة .. عليكِ أن تكوني شاكرة لسماحي لكِ برؤيته بدلًا من تذللكِ المثير للشفقة )
= ( يكفي يا شكري ... لا يحق لك ... يكفي ! )

يقف في ركن بعيد , منزويًا بجوار الحائط ... يتابع المشهد من خلف غلالة دموعه ...
يرى تلك المرأة التي من المفترض أنها أُمه .... تبكي بحرقة وهي تتوسل والده أن يتركه للعيش معها ... لم يكن يفهم وقتها ما يجري ... هو اعتاد العيش في هذا المنزل ... يرى أمه من حينٍ لآخر تأتي لزيارته , تقضي الزيارة كلها وهي تحتضنه باكية , تكرر كلماتها بأنها آسفة ... وفي نهاية الزيارة تتركه دامع العينين و هو يتمنى فقط أن يفهم ... إن كانت هذه أمه فمن تلك التي تسكن معهم و يناديه أخوته بـ " أمي " ... كان يناديها هو الآخر مثلهم حتى صار لا يدري أيًا منهما هي أمه فعلًا ... أمه الثانية أخبرته أن الله يحبه ولذلك أعطاه " أُمَّين " ... هل حقًا هو محظوظ؟ ... إذًا لماذا لا تأتي أمه الأخرى لتعيش معهم؟ .. ولماذا تبكي الآن؟! ...
تشجع ليهرع نحوها محتضنًا إياها دون كلام ... فضمته لصدرها بشدة أبكته فنظر لوالده بتساؤل بريء ...
لا يتذكر بعدها مما حدث سوى أنه أُبعد عن أحضان والدته إجباريًا لتبتعد من أمام ناظريه باكية ...

عاد أمجد من تلك الذكرى ليتنهد مردفًا
( بعدها لم أركِ لفترة طويلة ... يبدو أن أبي العزيز استكثر عليّ زياراتك الشحيحة ... لكنكِ سعيدة لأنني عدتُ إليكِ في النهاية , أليس كذلك؟ )
تحشرج صوته ليكمل بصوتٍ خشن
( بالمناسبة لقد اشتقتُ إليكِ جدًا ...
يا أمي )
ليتحرك بعدها مغادرًا المكان بأكمله
وذكريات والدته الراحلة تعصف بعقله تاركة في حلقه غصة مؤلمة .

=========================


( لقد وصل أبي ... أنا أسمع صوت سيارة )
هتف بها إياد الصغير الذي هرع ناحية الباب الداخلي للقصر تتبعه أخته ... لكن الباب فُتح ليطل من خلفه أمجد الذي ارتفع حاجباه بتعجب وهو يري الطفلين يقفزان بحماس مرتديان ملابس طفولية متشابهة ...
رددت نادين بإحباط
( إنه ليس أبي )
ثم رفعت رأسها لأمجد ترمش بعيناها الواسعتين كعينيّ أمها ... تقول بصوتٍ طفولي بريء
( هل رأيتَ أبي؟ )
تسللت ابتسامة حانية لوجه أمجد بدأت تتسع تدريجيًا وهو ينحني بجسده ليرفع نادين الصغيرة قائلًا باستفهام
( هل تبحثين عنه؟ )
أومأت الفتاة برأسها ثم التفتت لأخيها بتساؤل ... ليتكلم توأمها بطريقة جادة مضحكة أكبر من سِنه
( عفوًا عمي أمجد .. لا تلتفت لنادين ... هي فقط لا تعرف الطريقة اللائقة للحديث مع الكبار )
ضحك أمجد باستمتاع وهو يشعر أن استقبال التؤمان له قد بدد بعضًا من الكآبة المحيطة به بعد ساعات طويلة من التجول في الشوارع ...
ظهرت رحمة التي ابتسمت لأمجد تُلقي عليه تحية المساء ثم هتفت بمرح
( هل استقبلكَ المشاغبان بشقاوتهما؟ )
ابتسم أمجد و قبل أن يرد تكلمت نادين قائلة ببراءة
( كنا نسأله عن أبي )
تغيرت تعابير وجه رحمة قليلًا ... فتدبرت ابتسامة خفيفة لتجيب طفلتها قائلة حجتها اليومية
( ربما يتأخر والدكما قليلًا ... هيا إلى النوم فلديكما مدرسة غدًا )
هتف إياد الصغير بِاعتراض
( ما زال الوقت باكرًا ... نحن نريد أن ننتظره )
همت رحمة بالحديث , لكن قاطعها أمجد بإشارة من يده ليتحدث إلى الطفلين بهدوء ( والدكما لديه عمل ولن ينتهي منه قبل وقتٍ متأخر ... فلتخلدا الآن للنوم و غدًا سترونه على الغداء )
نظر التؤامان لبعضهما في استشارة صامتة بالعيون ثم هزا رأسيهما في موافقة وتحركا إلى غرفتهما في طاعة جعلت رحمة تندهش لتلتفت لأمجد تضحك بذهول
( هكذا ببساطة؟ ... لقد أنهيت المناقشة اليومية في أقل من دقيقة ... يبدو أنني سأستعين بكَ يوميًا في هذه المهمة يا أمجد )
رد أمجد ببساطة
( صدقيني لا يوجد أسهل من التعامل مع الأطفال ... عليكِ فقط أن تعرفي خريطة كل طفل )
ابتسمت رحمة تقول بمودة
( لطالما كنت ذكيًا يا أمجد وتعرف كيف تصل لعقل مَن أمامك )
ثم تابعت بـوِدٍ حقيقي لا تتكلفه
( أنا فعلًا سعيدة بقرار عودتكَ للمنزل بعد كل هذا الغياب )
( حقًا؟! ... )
أغمضت عينيها ما إن سمعت التساؤل الساخر الذي وصل صاحبه لتوه ... فيما تقدم بخطواتٍ متمهلة إلى أن بين أمجد ورحمة ....
وقف في مواجهة أمجد بنظرات باردة قائلًا بجمود
( لماذا تقف مع زوجتي هكذا؟ )
تحركت رحمة لتجذبه من ذراعه هامسة بإستنكار
( فارس ! )
رمقها بنظرة محذرة تشتعل غضبًا وهو يجز على أسنانه فصمتت مُرغمة وهي تنقل عيناها بينهما بتوتر ... أعاد فارس نظراته الباردة لأمجد الذي ابتسم ببرود أكبر , يقول بنبرة ثابتة , وصوتٍ قوي
( رائحة الخمر المنبعثة منكَ تشفع لكَ الآن , فيبدو أنك لست في وعيك ... أنصحك بالتخلص منها قبل الصعود لغرفة أطفالك )
انطلق صوت فارس كالرصاصة
( وما شأنك أنت؟! )
يصاحبه شرارة خطرة التمعت بها عيناه بينما امتد ذراعيه ليدفع أمجد في صدره .... شهقت رحمة وهي تتمسك بفارس تمنعه من التمادي بينما تنظر لأمجد بإعتذارٍ صامت ..
لم يتزحزح أمجد وقد وقف ثابتًا مكانه ، بعينين قاتمتين مخيفتين ... بإمكانه أن يُلقنه الآن درسًا قاسيًا ... لكن نظرة واحدة لعينيّ رحمة التي دمعت بقهرٍ جعلته يتراجع عن التهور وهو يهز لها رأسه في تفهم
ويتركهما ليصعد إلى حجرته ... ولم ينسَ أن يعطي فارس نظرة مستخفة ...
التفتت رحمة لزوجها تهمس باستنكار
( ما هذا الجنون الذي تفعله؟ )
أمسكها فارس من مرفقها يضغط عليه بقوة آلمتها ... ليقول و هو يجز على أسنانه
( تحركي معي حالًا إلى غرفتنا دون كلمة أخرى )
ودون أن يعطيها فرصة للاعتراض جذبها خلفه ليتجه إلى السلم المؤدي للجناح الخاص بهما .


========================

دخل إلى غرفتهما يسحبها خلفه ليغلق الباب بالمفتاح و يلتفت إليها ...
نزعت رحمة ذراعها من يده وهي تهتف بغضب
( ما هذا الذي فعلته؟ ... ألن تتوقف عن جنونك هذا؟! )
أمسك فارس كتفيها ليهزها بشدة هاتفًا بشراسة
( لماذا كنتِ تقفين معه؟ ها؟ ... في ماذا تحدثتهما؟ ... تبتسمين له وتضاحكيه ...
وأنا ! , زوجكِ ! ... تهجرينني ولا تتحدثين إليّ حتى؟! )
عقدت رحمة حاجبيها تهتف مستنكرة , ذاهلة
( بماذا تهذي؟! ... أي حماقة تتفوه بها !! ...
هل فقدت صوابك؟ ... إنه ابن عمي قبل أي شيء ... هل تريدني أن أقاطعه مثلك؟! )
صرخ في وجهها بصوتٍ أعلى , بينما يزداد ضغط أصابعه فوق كتفيها
( نعم .... نعم تقاطعينه ... لا أريد أن أراكِ تتحدثين معه مرة أخرى ... هل تفهمين؟! )
دفعته رحمة في صدره بعنف وهمست باشمئزاز
( ابتعد عني )
ثم تحركت نحو الباب تحاول الخروج , إلا أنه سحبها إليه مرة أخرى ليحتجزها في زاوية الغرفة قائلًا بعينين زائغتين
( لن تخرجي )
ظلت تتلوى بين ذراعيه وهي تحاول دفعه هاتفة
( اتركني يا فارس .. أنتَ لست في وعيك )
اقترب منها أكثر .... يقول بخفوت , و أنفاسه اللاهثة تلفح بشرتها كالجحيم
( بل أنا في كامل وعيي ... وأريدكِ الآن )
ثم اقترب منها أكثر حتى مسَّ شفتيها لتختلط أنفاسهما وهو يهمس باحتياج ملتاع
( أريدكِ الآن يا رحمة )
كانت تقاومه بضعفٍ وقد بدأت مشاعرها الحمقاء تجاهه تخونها ... همست بصوتٍ مختنق , تقاوم نفسها قبل أن تقاومه
( ابتعد يا فارس )
بدأ في توزيع قبلاتٍ متفرقة على وجهها ولا يزال يهمس باسمها مُترجيًا .. تعالت نبضات قلبها وهي تشعر بنفسها تتخاذل أكثر ...
لقد اشتاقت إليه وبشدة ... عام كامل مر
وهما يعيشان في منزلٍ واحد دون أي تواصل ... لم يتوقف عن محاولاته لكنها كانت تردعه وبشدة ... لكن قلبها الخائن يأبى الانصياع لها ... هي تحبه ... بل تعشق ذرات الهواء المحيطة به ... تشتاق لحنانه الذي يغدقها به .. والذي تتذوقه منه الآن وهي تدور معه في دوامة عشقه التي اشتاقتها وقد عجزت عن المقاومة أكثر ... شهقت ما إن شعرت به ينحني ليحملها ويتجه به نحو سريرهما ليمددها فوقه ويُخيم عليها من الأعلى ... لم يعطها فرصة للاعتراض ليهبط برأسه مقتنصًا شفتيها في قبلة طويلة ... غيبها في أحضانه لدقائق حتى شعرت بيديه تتجرأ أكثر .. فانتفضت وقد شعرت بفسها على حافة الهاوية
" لا يا رحمة ... هذا ليس وقت ضعف ... لا يجب أن تستسلمي الآن ... سيَفسَد ما تحاولين إصلاحه "
نبهها ناقوس الخطر الذي دق في عقلها لتدفعه فجأه بعنف وهي تنهض لتضم ملابسها عليها وتركض باتجاه باب الغرفة الذي فتحته لتخرج بسرعة ... بينما ظل هو مكانه مصدومًا
وهو يرى هروبها السريع ... تخلل خصلات شعره بعنف كاد يقتلعها من جذورها ... عيناه حمراوين و أنفاسه لاهثة بتسارع لم يهدأ بعد ... مقاومتها له تثير جنونه ... وتمردها عليه يؤجج نار غضبه ... نهض من مكانه بعنف ليمسك بالمصباح المجاور للسرير ويلقيه بعنف فسقط متهشمًا لقطعٍ صغيرة بينما يصرخ لاهثًا
( اللعنة ! )

========================

( ما هذه العلامات السيئة ؟ ... هل أدفع كل تلك الأموال ولا يزال مستواكِ الدراسي بهذا السوء؟! )
قالها بصوتٍ أفزعها لتبتلع ريقها هامسة برعب
( لقد كان اختبار هذا الشهر صعبًا ... حتى أن أغلب زملائي حصلوا على علامات مماثلة )
هتف بعصبية
( توقفي عن تلك الحجج الحمقاء ... لو أنكِ تدرسين باجتهاد لتحسن مستواكِ ... من اليوم التلفاز ممنوع ولا أريد خروجًا من باب المنزل إلا للضرورة ... هل تفهمين؟ )
خرج صوتها باكيًا
( لكن يا أبي )
لم يعطها الفرصة لإبداء أي إعتراض وقد انقض عليها يجذب ذراعها فانكمشت على نفسها برعب بينما تسمعه يصرخ بنبرة مخيفة
( لا أريد مناقشة ... هل سمعتِ؟! )
اعتذارتها خرجت متتالية , متلعثمة
( حسنًا .. آسفة .. آسفة ... أنا آسفة )
آسفة
آسفة
انتفضت من مكانها تتصبب عرقًا لتتلفت حولها بأنفاس متعثرة ... أضاءت المصباح المجاور لها .. لتجلس بعدها على طرف السرير , تضع رأسها بين كفيها ..
ظلت ساكنة في مكانها لدقائق وهي تقاوم الألم الذي يضرب رأسها بعنف ... لتتحرك بعدها وتقف أمام المرآة , تتحدث إلى صورتها التي بدت باهتة كظلٍ هارب ... بصوتٍ خافت , مُعذَب
( ماذا بكِ؟ .. ألم نتفق أن نتجاوز كل هذا؟ ... )
لتردف وهي تحك جبينها بتعب
( يجب أن أنتهي سريعًا من تجهيزات المنزل الجديد ... لم أعد أحتمل البقاء هنا )
ارتفع صوت آذان الفجر لترفع رأسها وهي تمسح دمعة أفلتت منها ثم توجهت بعدها للحمام ...
بعد دقائق كانت جبهتها ترتاح فوق موضع السجود ... تتنهد بضعف , تتمتم بدعاءٍ خافت وقد بدأت دموعها تخونها ... إلا أنها تركتها تنحدر بصمتٍ وهي تفرغ ما في جعبتها في دعائها الصامت ..
أنهت صِبا صلاتها لتتنهد براحة بدأت تغمرها
وهي تجفف دموعها ... لتنظر إلى نافذة غرفتها وقد بدأت أشعة الشمس تظهر على استحياء ... لتتحرك وتبدل ملابسها وقد قررت التوجه إلى السطح .

======================


استندت على سور الشرفة وهي تغمض عينيها , ونسمات لطيفة تداعب بشرتها وكأنها تواسيها ... سمعت صوت خطوات على الدرج فعلمت أنه سامر .... التفت لتراه وهو يدخل وقد فوجئ بوجودها ليهتف بتعجب بينما يقترب منها
( صِبا ! ... ماذا تفعلين عندك في هذا الوقت؟! ... ألن تتوقفي عن هذه العادة؟ )
ردت صِبا تشاكسه
( وهل السطح حِكر عليك أنتَ
وحماماتك فقط )
رد مبتسمًا
( بالمناسبة ... إحدى حماماتي وضعت بيضها وننتظر موعد خروج الصغار )
صفقت صِبا بفرحة , وهتفت مُتحمسة
( حقًا؟ ... أتشوق لرؤيتهم من الآن)
قال سامر بحنان
( أسبوعان ويخرج الصغار إلينا )
انحسرت ابتسامة صبِا قليلًا لتتنهد قائلة بإحباط
( إذًا فلن أتمكن من رؤيتهم .... سننتقل إلى المنزل الجديد في نهاية هذا الأسبوع )
تجمد سامر مكانه ... ثم قال متسائلًا بنبرة حاول جعلها عادية
( هل انتهيتم من تجهيز المنزل؟ )
أومأت وعادت تنظر إلى السماء بشرود
( نعم ... لقد ساعدني كريم حتى أنهينا كل شيء سريعًا وسنبدأ في نقل بعض أغراضنا اليوم )
ظل سامر على نفس وقفته المتجمدة , يحاول جاهدًا الحفاظ على هدوءه الظاهري بينما يسمعها تتحدث عن خطيبها ... منذ أن تمت خطبتها وهو يتجنب الحديث عن الأمر معها ... لا يحتمل فكرة أن صِبا حُب عمره تتسرب من بين يديه هكذا بسهولة ... هو حتى لا يرتاح لخطيبها هذا ... لكن ماذا عساه يفعل !! ... هو يعلم أنها لا تكِن له أي مشاعر .. وقد اختارت بنفسها الشخص الذي ترى أنه يناسبها ... أحيانًا يشعر أنها تتعمد الحديث عن كريم أمامه , وكأنها تخبره بشكلٍ غير مباشر أن الأمر منتهٍ ... تنهد سامر وهو يستعيد سيطرته على نفسه ليتقدم ويقف جوارها قائلًا بمرحٍ زائف
( إذًا هل يعني هذا أنكِ لن تأتي لرؤية الصغار؟ )
ابتسمت صِبا بحنان لتلتفت إليه وهي تشعر فجأه أنها حقًا ستفتقده ... سامر سيظل ورغم كل شيء رفيق طفولتها الأول ... لطالما ساندها ودعمها ... وعلى سطح هذا المنزل قضيا طفولتهما يلعبان سويًا ... حتى بعد أن كبرا ... لم يتوقف عن كونه صديقًا رائعًا و أخٍ حنون بالنسبة لها ... لكنها وعلى الرغم من ذلك لم تفكر في التراجع عن قرارها بالخروج من هذا المنزل والابتعاد للبدء من جديد ...
هي تحتاج لبداية جديدة , و تعلم أنها تستحقها
( صِبا هل تبكين؟ )
قالها سامر بجزع وهو يلاحظ الدموع التي انحدرت ببطء على وجنتيها ... فسارعت صِبا بمسحها و هي تحاول الابتسام ثم همست بصدق
( سأشتاق إليكَ فعلًا يا سامر )
" يا الله ... ارحمي قلبي يا بنت الخال ... اتركيه يترجع مرارة فقدك بصمتٍ ولا تزيدي أوجاعه "
يهمس بها لنفسه بلوعة وهو يبتلع ريقه بصعوبة , يحاول السيطرة على ضربات قلبه بينما يراها تقف أمامه بهالتها الرقيقة وعينيها الدامعتين , تخبره ببساطة أنها ستشتاق إليه
وتنطق اسمه بكل تلك الرقة ... والمطلوب منه أن يتجاهل كل هذا لأنها وببساطة ترتدي خاتم رجل آخر ... حانت منه نظرة سريعة ليدها , ليتحكم في نفسه كما يفعل دومًا ... يقول بنبرة ظاهرها مرح وباطنها ألم
( ما كل تلك الدراما يا ابنة خالي؟ ... هل تنوين مقاطعتنا أم ماذا؟ )
ضحكت صِبا لتجاريه في مرحه وتهتف باستنكار مشاكس
( وأترك لكَ السطح لتحتله أنتَ وحماماتك؟ ... في أحلامك يا عزيزي ستجدني أمامك في أي لحظة )
ضحكا في صوتٍ واحد ... وفي داخل كل منهما كانا يعلمان أن ابتعاد صِبا ليس إلا هروب اختياري من جدران هذا المنزل .

=======================

دخلت من باب الشقة فيما تنادي والدتها بحماس ... لتخرج ملك ممسكة بفرشاة شعرها وهي تهتف بتذمر
( ماذا بكِ يا فتاة؟ ... أفزعتني )
ردت مريم بابتهاج
( أين أمي وصِبا؟ )
أجابتها ملك وهي تكمل تمشيط شعرها
( أمي في غرفتها ... وصِبا تتحدث في الهاتف مع خطيبها المُدلل ذو الوجه الناعم )
لم تكد تكمل جملتها حتى تأوهت بصوتٍ عالٍ وقد أتتها ضربة على رقبتها من الخلف لتهتف بتذمر وهي تدلك رقبتها
( ألن تتوقفي عن جبروتكِ هذا؟ ... ستكسرين رقبي بيدكِ هذه )
ردت صِبا ببرود
( عندما يتوقف لسانكِ عن سلاطته )
برمت ملك شفتيها ثم التفت لمريم هاتفة
( وأنتِ ... هيا هاتي ما عندكِ )
ثم أكملت بخبث
( عيناكِ تلمعان بفرحٍ يا فتاة ... هل هناك من ركع على ركبتيه ليطلبك للزواج أم ماذا؟ )
ضحكت مريم , تهز رأسها بيأس من تلك المشاغبة ... لتأتي والدتهم متسائلة بابتسامة
( ما هذا التجمع السعيد؟ ... عساه خيرًا )
تنحنحت مريم لتقول بفخرٍ مبتهج
( لقد تم قبولي بالوظيفة ... وسأذهب غدًا لإجراء مقابلتي الأولى )
احتضنتها والدتها تهنئنها بحرارة بينما صفقت ملك بحماس
( وبهذا نستقبل ثاني سيدة أعمال في هذا المنزل )
ضحكت مريم بينما تحدثت صِبا مبتسمة
( مبارك يا أُختي )
قالت مريم ببعض القلق
( من المفترض أن أُجري المقابلة غدًا مع رئيسي المباشر ... أشعر ببعض التوتر )
أحاطت صِبا كتفيها , تطمئنها قائلة
( لا داعي لهذا القلق ... أنتِ لها )
جذبتها ملك من ذراعها بينما تهتف بحماس
( هيا دعيني أساعدكِ في اختيار زي مناسب لتلك المقابلة )
لتندمج مريم معهما و قد بدأ توترها يخف من مرح ملك ومناوشاتها مع صِبا .

=======================

وقفت أمام المصعد الخاص ببهو الشركة وهي تزفر بعدم ارتياح ... تنظر لحذائها ذو الكعب العالي أكثر مما اعتادت , والذي أصرت ملك عليها أن ترتديه وهي تقول بترفعٍ مصطنع
( هل تريدين إجراء أول مقابلة لكِ في العمل بحذاء رياضي؟ ... اسمعي , أناقة المرأة تبدأ من حذاء بكعب رفيع .. الكعب العالي هو دليل لأناقتكِ و ثقتكِ بنفسكِ ... ألا تتعلمين من صِبا زينة سيدات المجتمع المخملي؟ )
ضحكت مريم وقد تذكرت الضربة التي تلقتها ملك من صِبا و جعلتها تتأوه بصوتٍ عالٍ ... لينفتح باب المصعد فجأه بطريقة أجفلتها ...
رفع مروان حاجبه وهو يرى ضحكة تلك الفاتنة التي انحصرت عند ظهوره ....
قال وهو يتفرس فيها بعينيه
( صباح الخير )
تنحنحت مريم لترد تحية الصباح وهي ما زالت متسمرة مكانها
فتساءل مروان بجدية مصطنعة
( هل لديكِ موعدًا أمام المصعد؟ )
ارتفع حاجبا مريم وردت بِاستنكار متسائل
( عفوًا؟! )
أجابها مروان بسماجة قائلًا
( بالطبع لا أقصد إفساد وقفتك أمام المصعد ... لكن إن لم يكن لديكِ مانع فلتتفضلي بالدخول فنحن نعطل المصعد )
تبلدت ملامحها من صفاقته , لتنتبه لوقفتها الحمقاء أمام المصعد ... فتقدمت بخطواتها
وهي تتجاهل نظراته المحدقة بها ...
انغلق باب المصعد لتنظر مريم للوحة الإلكترونية وهي تراقب تتابع الأرقام وقد لاحظت أنه ضغط نفس زر الطابق الذي تتجه إليه ... تلاعبت في حقيبتها بتوتر بينما تشعر بنظراته تخترق ظهرها ...
فيما بدا هو مُستمتعًا بتفحصها وهو يدرك بخبرته أنها تشعر بنظراته ... أعطاها مروان نظرة تقييمية رجولية لتتعلق عيناه بخصلات شعرها الذهبية والمصففة بعناية ... ثم انتقلت نظراته لزيها الكلاسيكي الأنيق ... بدت أنيقة رغم بساطتها ... تتوازن برشاقة على كعب حذائها العالي فبدت فاتنة بقوامها المتناسق كالغصن الممشوق ... ضيق مروان عينيه بنظرة عابثة وهو يُمشط انحناءات جسدها الملفوف بإغراء ... ثم عاد بنظراته لخصلات شعرها الناعمة , يتساءل إن كان لونها طبيعي أم تُغرقها الصبغات ... ابتسم بعبث وهو يتذكر تلك الفتاة التي قضى سهرته معها منذ يومين , والتي كانت تمتلك شعرًا أشقر كهذا , إلا أنه كان اصطناعيًا بالطبع ....
ليتمتم لنفسه بخفوتٍ عابث
( لا يوجد متعة تضاهي رفقة الشقراوات )
ضيقت مريم عينيها وقد التقطت أذناها صوته دون أن تفهم ما قاله ... لكنها لم تفكر كثيرًا ما إن رأت باب المصعد يُـفتح فخرجت منه بخطوات مرتبكة مسرعة ... بينما تشعر باضطراب في تنفسها مِن ظِله الذي يتبعها .

====================


انتهى من وضع اللمسات الأخيرة في لوحته فوضع الفرشاة جانبًا , ليشرد في الرسمة التي أنهاها للتو ... عيناه الرماديتين تتأمل تفاصيلها بنهم ... شعرها الأسود الناعم ... عينيها التي تذوب بهما حبات القهوة وتتلألأ بها تلك اللمعة العسلية الخفيفة ... شفتيها الرقيقتين ... وجنتيها ذات اللون الأحمر الذي يمنحها فتنة طبيعية دون الحاجة لأي مساحيق ... ظل ساكنًا مكانه , يتأمل ملامحها الرقيقة ... تعلقت عيناه بعينيها التي تنظر بعيدًا بشرود , ليهمس بصوتٍ عميق
( آه يا زهرة ... يا زهرتي الشاردة ... كم مِن الوقت أحتاج لأحصل على هذا القلب الشارد في أرضٍ ليست له؟ ... كم من الصبر ينبغي عليّ التحلي لتكونين لي؟ ... صبرًا أيتها الشاردة ... فمهما بحثتِ وشردتِ لن يكون قلبكِ إلا لي ... ولن تستقر جذورك إلا في أرضي )



انتهى الفصل



يُتبع ...


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 04-11-21, 10:58 PM   #14

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

الفصل الخامس


ارتشفت صِبا العصير أمامها وهي تستمع إلى ثرثرة كريم عن إحدى البلاد التي زارها ... لقد أصر على تناول الإفطار معها بالخارج قبل أن تتوجه لعملها بعد أن تذمر لإنشغالها عنه في تجهيزات المنزل الجديد ...
اهتز هاتفها معلنًا وصول رسالة لتقرأها سريعًا وتلتفت إلى كريم الجالس أمامها قائلة
( سوف تدخل مريم إلى مقابلتها الآن ... إنها متوترة للغاية )
رد بهدوء
( لا داعي لهذا القلق .. لقد تأكدت بنفسي من وصول التوصية ... لن يضايقها أحد هناك )
حكّت صبا جبهتها تقول بقلق
( لو علمت مريم بأمر توصيتك ستقتلني )
قال بنبرة أظهرت تعجبه
( أنا لا أفهم حقًا ما المشكلة في ذلك؟! )
أجابته صبا بتوضيح
( مريم لا تحب أن يعاملها أحد كالصغار ... منذ أن كنا أطفالًا وهي تتصرف بنُضج ... ولذلك قلقتُ من أن يتم رفضها في أول وظيفة تتقدم لها ... فلجأتُ إلى التصرف دون علمها )
ليشاكسها كريم بتملقه المعتاد
( تلك هي جميلتي التي تهتم لأمر كل من حولها ... ولهذا السبب أحببتكِ )
أسبلت جفنيها مبتسمة .. بينما تابع هو
( سيكون المنزل الجديد جاهزًا بعد يومين ... هل أنتِ سعيدة الآن؟ )
أومأت بِـرأسها مبتسمة , تقول بابتهاج
( جدًا يا كريم ... لا أستطيع الصبر حتى نهاية الأسبوع )
استند كريم بمرفقيه على الطاولة يقول بترقب
( حسنًا هل يمكنني استغلال مزاجكِ الجيد لأقترح عليكِ أمرًا؟ )
هزت رأسها بتساؤل ... ليردف
( أرى أن فترة الخطبة قد طالت ... وبصراحة لا أجد داعٍ للانتظار أكثر ... ما رأيكِ أن نبدأ في تحضيرات الزواج؟ )
ظهر الرفض جليًا في عينيّ صِبا ... إلا أنها ردت بهدوء
( لكننا اتفقنا أن تكون فترة الخطبة طويلة حتى ندرس بعضنا جيدًا ... وأنتَ وافقتني على ذلك )
رد بِـاستهزاء لم يُعجبها
( عن نفسي فأنا لا أحتاج لكل تلك الفترة لدراستكِ وأنتِ تعلمين ذلك جيدًا ...
وبصراحة لم أكن أدرك أن فترة اختباركِ لي ستطول هكذا )
نقرت صِبا على الطاولة بأصابعها مستدعية المزيد مِن الهدوء ... ثم قالت بصبر
( إنه ليس إختبارًا يا كريم ... لكنني لن أتزوج من أول رجل يُلبسني خاتم خطبته دون أن أُفكر جيدًا وأتأكد من قراري ... أنا لست مراهقة )
احتدت نبرته قليلًا وهو يقول بنفاد صبر
( حسنًا فلنؤجل الزواج ... لا يوجد مشكلة ... لكن لو طلبت منكِ الآن أن نحدد موعدًا لعقد القران فهل ستقبلين؟ )
شعرت أنه أربكها .... ولَم يعطِها الفرصة للرد بل أجاب هو على سؤاله وقد بدأ غضبه يتصاعد
( الإجابة هي لا ... هل تعرفين لماذا؟ .. لأنكِ وببساطة لا تبذلين أى جهدٍ يذكر في هذه العلاقة ... وكأن أمر خطبتنا بِـرمته لا يعنيكِ )
اتسعت عينا صِبا متفاجئة من هجومه الحاد
وهي تشعر أن جزءًا من كلامه صحيح ... منذ أن تمت خطبتهما وهي لم تفكر جديًا في خطوة الزواج ... حتى أنها لم تستطع أن تفهم مشاعرها تجاه كريم ... هو بالنسبة لها لا يمثل أكثر من كونه خطيبًا مناسبًا ... لكن المشكلة أنه وبالرغم من محاولاته المستمرة في إثارة مشاعرها تجاهه إلا أنه لم يتعدَ تلك المكانة التي وضعته بها منذ البداية .. خطيب مناسب يبذل قصارى جُهده لإسعادها ولا يرفض لها طلبًا .. هي لا تستهين مطلقًا بمشاعره ولا تفكر في استغلاله ... لكن كيف ستتزوجه وهي تعلم جيدًا فى قرارة نفسها أنها ليست متأكدة من حقيقة مشاعره تلك !!! ...
ظلت على صمتها تتفاذفها الأفكار , ليزفر كريم وهو يُرجع شعره للخلف بيديه ... ثم وهو يبذل جهدًا كبيرًا للحفاظ على هدوءه
( هل ستظلين صامتة هكذا؟ )
أخذت صبا نفسًا عميقًا تقول بفتور
( كريم ... أنا حقًا رأسي مشوش هذه الأيام ... هل يمكن أن نؤجل أي مناقشة لوقتٍ آخر )
رد بغضبٍ مكتوم
( حسنًا كما تريدين ... لكن تذكري أن لصبري حدود )
نهضت صِبا ليقوم هو أيضًا بدوره ويتجها معًا إلى سيارته ... وقد كان الصمت ضيفهما الثقيل وكل منهما يتصارع مع أفكاره الخاصة ...

==================

جلست مريم على الطاولة الخاصة بالاجتماعات وبجانبها مجموعة من الأشخاص تتذكر البعض منهم عندما جاءت لتقديم أوراقها .. كانوا يجلسون جميعًا في انتظار وصول رئيسهم في العمل ... فركت مريم أصابعها بتوتر وهي تشعر فجأة أنها فقدت كل ما تمتلك من ثقة بالنفس ... أخذت نفسًا عميقًا تحاول تهدئة ضربات قلبها ...
بعد عدة دقائق فُتح الباب لتدخل السكرتيرة
وهي تخبرهم بوصول المُدراء ... وقفت كما فعل زملائها لإستقبالهم ... لتسمع صوتًا يتحدث إليهم بهدوء
( مرحبًا بالجميع ... أعرفكم بنفسي ... أنا أمجد شكري الراوي )
ردت التحية لترفع عيناها لمصدر الصوت ... تعجبت قليلًا وقد اعتقدت أن المدير سيكون أكبر سِنًا ... ثم حانت منها نظرة عابرة للشخص الواقف بجانبه ... لتشهق بصوتٍ مكتوم ما إن تعرفت على هويته وقد أربكتها نظراته المحدقة فيها ... فأشاحت بعينيها بعيدًا عنه وقد زاد ارتباكها من نظراته ....
بعد مرور بعض الوقت أنهى أمجد مقدمته ليردف بعملية
( السيد مروان هو من سيتولى أمر الإشراف عليكم جميعًا ... أتمنى أن أرى روح التعاون بينكم .. نحن نثق أنكم ستضيفون الكثير للعمل )
تمتم الجميع بالشكر لينصرف أمجد متجهًا إلى مكتبه ... وتحرك مروان ليقف على رأس الطاولة ... وضع يديه في جيبيّ بنطاله بينما يقول
( مهمتكم اليوم هي التعرف على نظام العمل ... ومِن ثَم سنبدأ في توزيعكم كلٌ في موقعه )
هز الجميع رأسه بما فيهم مريم التي كانت تلعن تصرفها الأحمق صباحًا أمام المصعد ....
سمعت صوت طرقات على الباب لتدخل السكرتيرة مرة أخرى لتتحدث إلى مروان وهي تعطيه ملفًا ... وما إن فتحه حتى رفع رأسه موجهًا نظراته لمريم التي انكمشت مكانها أكثر ... بعد انصراف الفتاة ارتفع صوت مروان آمرًا الجميع بالتوجه لبدء العمل ... نهضت مريم وقد وصل توترها أقصاه لتتجه مع زملائها إلى الخارج .... وقبل أن تصل إلى الباب سمعت صوته يناديها
( آنسه مريم ... لحظة من فضلكِ )
توجهت الأنظار ناحيتها بفضول بينما استدارت لمروان بتساؤل صامت ... وجه مروان نظرات صارمة لزملائها آمرًا فغادروا بأدب بينما تحرك هو لمكتبه وجلس عليه بهدوء , ثم رفع نظراته لتلك الواقفة أمامه ... تلاعبت مريم بخصلات شعرها ترجعها للخلف في توتر مما جعل نظرات مروان تنحدر لا إراديًا لأصابعها الرقيقة التي تمسك بخصلاتها ...
طال صمته مما جعلها تتململ في وقفتها ليتنحنح مروان قائلًا بتهذيب
( تفضلي بالجلوس )
جلست وهي تتساءل عن سبب طلبه منها بالبقاء وصمته الذي طال يوترها أكثر ...
تكلم مروان أخيرًا يقول بعملية
( آنسة مريم ... بما أنني الآن رئيسكِ المباشر فقد أردت توضيح أمرًا هام بما أنكِ ستعملين معنا هنا )
انتبهت مريم لكلامه ... ليردف بجدية
( منذ أن أسسنا هذه الشركة ونحن نبذل أقصى مجهوداتنا لإنشاء اسمًا لنا في السوق ... وقد نجحنا في ذلك بالفعل ... والسبب في هذا أننا منذ اليوم الأول ونحن نعمل بجد ولا نسمح بأي إستهتار )
عقدت مريم حاجبيها لترد ببعض الضيق
( بصراحة أنا لا أفهم سبب هذا الحديث ,
و معي أنا بالذات ... فهل من الممكن أن أفهم المطلوب مِني بالضبط وبدون مقدمات )
ابتسم مروان في داخله بإعجاب من رد فعلها وقد لاحظ أن ضغطه عليها لم يخيفها ...
لكن شيئًا لم يظهر على ملامحه وهو يردف
( بصراحة أنا لا أكره شيئًا أكثر من إدخال الوساطة والتوصيات فى العمل ... لا أستطيع أن أنكر طبعًا أن ملفكِ كان جيدًا إلى حد ما ... لكن نسبة قبولكِ كانت ضئيلة مقارنة ببعض زملائكِ )
هزت مريم رأسها وقد ازدادت علامات عدم الفهم على وجهها , وشعرت بالضجر من ألغازه فردت بضيق
( سيد مروان , هل يمكنك أن تتحدث بوضوحٍ أكثر ؟ ... إن كانت خبراتي لا تناسب حجم العمل هنا فلماذا تحدثَت إليّ شركتكم لإجراء هذا المقابلة ... وما الهدف وراء ما تقوله الآن؟ )
استطاع أن يستشعر غضبها رغم نبرتها الهادئة فرد موضحًا
( آنستي أنا لم أقلل من خبراتكِ بل بالعكس , ملفكِ جيد جدًا ... أنا فقط أود التنبيه أنني سأتغاضى عن أمر التوصية التي جاءت بِـاسمكِ وسأترك مهارتكِ في العمل تتحدث عنكِ )
عبست بعدم فهم
( أي توصية؟ .... لابد أن هناك خلط في الأسماء أو ما شابه )
فتح مروان ملفها الموجود أمامه لينظر لصورتها , يقول ببساطة
( من أين تعرفين السيد كريم نصار؟ )
اتسعت عينا مريم وقد اتضحت الصورة امامها .... ليحمر وجهها وهي تتمتم بصوتٍ منخفض غاضب
( فعلتِ ما برأسك يا صِبا )
( عفوًا؟ )
انتبهت له وقد لاحظ تغير ملامح وجهها فتنحنحت تقول بهدوء ظاهري وهي تحاول التصرف بلباقة
( عذرًا سيد مروان ... بإمكانك نسيان أمر هذه التوصية وترك المهمة لمهارتي كما طلبت ... هذا في حال إن كان وجودي مُرحبًا به هنا )
ثم نهضت من مكانها تتابع بنفس الاتزان
( أما إذا كان قبولي في هذا الوظيفة يعتمد فقط على تلك التوصية , فلا توجد لدي مشكلة في المغادره الآن إلى خارج الشركة )
نهض مروان بدوره ليدور حول مكتبه حتى وقف أمامها , يقول برزانة
( ستغادرين فعلًا ولكن ليس إلى خارج الشركة ... بل إلى مكتبكِ لكي تبدئي في معرفة طبيعة عملكِ هنا )
تنهدت مريم وهي تتغلب بأعجوبة على رغبة شديدة في البكاء , ثم شكرته مبتسمة بمجاملة وتوجهت خارج مكتبه تاركة خلفها ملفها في يده يتفحص صفحاته بتركيز ...
وفضول ...

=====================

جلس أمجد على كرسي مكتبه لينظر في ساعته متأففًا ... مِن المفترض أن يحضر فارس لمناقشته في أمر المشروع الذي أسنده لهما والدهما ... ما زال لا يفهم سبب إصرار والده على إشراف فارس على هذا الأمر ... فوالده يعلم جيدًا طبيعة العلاقة بينهما ...
و وجودهما في مشروعٍ واحد سيتسبب في خلافاتٍ أكبر ... قاطع أفكاره صوت مساعِدته تخبره عبر السماعة بوصول السيد فارس ... أعطاها الأمر بـإدخاله ليفتح ملفًا أمامه , يتفقده بلا مبالاة ...
مرت لحظات تبعها دخول فارس إلى المكتب , بخطوات هادئة , يقلب عينيه في المكان يتفحصه بتدقيق ... يتبعه رجل خمسيني وقور خمن أمجد أنه المحامي ... رحب أمجد بهما ثم أشار لهما بالجلوس ليشرع في حديثه بعملية
( لقد درست الأوراق التي تم إرسالها وأطلعت عليها فريق العمل ... سنحتاج فقط إلى مناقشة بعض التفاصيل قبل البدء بشكلٍ فعلي )
تكلم فارس بنبرةٍ التقط أمجد فيها بعض السخرية
( وهل سنناقش تلك التفاصيل وحدنا؟ ... أين فريق العمل؟ )
أجابه أمجد بِـابتسامة باردة
( فلنشرب قهوتنا أولًا )
ثم ضغط على زر الهاتف الداخلي ليتحدث إلى سكرتيرته التي جاءت بعد عدة دقائق تحمل أقداح القهوة , يتبعها مروان الذي تحدث بترحيب مبالغ فيه
( أهلًا بالسيد فارس .... مرت مدة طويلة على آخر لقاء )
ابتسم فارس ببرود وهو يتحكم بمهارة في انفعالات وجهه , متذكرًا اللقاء الذي يقصده مروان , والذي لم يكن سوى في إحدى الملاهي الليلية التي اعتاد الذهاب إليها مؤخرًا ... مد مروان يده مصافحًا وهو يبتسم بغموض لفارس الذي فهم جيدًا ما يرمي إليه ..
بينما تحدث أمجد بتساؤل حقيقي
( آخر لقاء كان على الغداء في منزل العائلة على ما أعتقد ... لقد كان ذلك منذ عدة أيام فقط )
التفت مروان لصديقه , قائلًا بنفس الابتسامة المتملقة
( نعم منذ فترة قصيرة ... لكنني أشتاق للناس سريعًا كما تعلم )
هز أمجد رأسه بعدم اقتناع وقد لمح احمرار وجه فارس ...
تحركوا جميعًا للجلوس حول طاولة الاجتماعات ليشرعوا في الحديث حول تفاصيل المشروع بعد حضور باقي الفريق ....
لم يستطع أمجد إنكار إجادة فارس الحديث بمهارة في تفاصيل العمل ...
كان يشرح الأمور بعملية واحترافية أثارت اعجاب كل من أمجد ومروان ... فعلى عكس أمجد , لقد تولى فارس أمور العمل مع والده فور تخرجه من الجامعة , فيما كان أمجد في الخارج وقتها ولذلك اعتمد عليه والده بشكل كبير ... وقد كان أمجد على علم بكل هذا , بجانب علمه أيضًا بمشاكل أخيه التي لا تنتهي خاصة بسبب سهراته المتكررة التي أثرت بالسلب على علاقته بوالده .... لكنه اليوم بالتحديد بدا كمن يشارك في منافسة ليثبت جدارته , وعينيه تذهبان كثيرًا لعينيّ أمجد ببعض التحدي ...
أنهى فارس حديثه , فتكلم مروان بموضوعية
( حسنًا , بما أننا الآن قد ألممنا بكافة التفاصيل فيمكننا توقيع العقود كي نبدأ في العمل )
تكلم فارس وعينيه في عينيّ أخيه
( نحن نحتاج إلى الانتهاء من تلك التعديلات في أقرب وقت حتى لا نعطل العمل في القرية السياحية ... ولذلك فسوف نضع في العقود مُدة محددة عليكم الالتزام بها )
نظر مروان لأمجد بتساؤل , فمنحه أمجد إيماءة خفيفة وتحدث
( لا مشكلة , نحن نعتمد تلك الإستراتيجية في كل صفقاتنا وقد عُرِف عنا الالتزام بالمواعيد )
وتم الاتفاق رغم تجهم وجه فارس وتعجب المحامي مما يحدث ...
بعد انصرافهم وقف أمجد يناظر الطريق من نافذة مكتبه ... ليأتيه صوت مروان متسائلًا
( هل أنا وحدي من شعرت أن أخاك يتعمد وضع شروطًا تعجيزية في العقد؟! )
لم تتغير ملامح أمجد سوى بابتسامة جانبية , وقال باقتضاب دون أن يلتفت
( لا يريد لتلك الصفقة أن تتم )
رفع مروان حاجبه ليقول بتعجب
( ولماذا إذًا كان يشرح تفاصيل المشروع بكل تلك الاستفاضة ... لقد أثار إعجابي حقًا )
استدار إليه أمجد وقد اتسعت ابتسامته أكثر , يقول بنفس البساطة
( و هذا هو المطلوب ... أن يُثبت نفسه كرجل أعمالٍ ماهر ... لكنني أعلم أنه يرفض هذا التعاون بين شركتنا وشركات أبي )
رد مروان وقد ازداد ذهوله
( لحظة ... هل ما أفهمه صحيح؟ .. هل يخشى أن تدمج أعمالك مع والدك وتتولى رئاسة مجلس الإدارة؟ )
أومأ أمجد برأسه بصمت ... ليضرب مروان كفًا بكف ضاحكًا بِاستهزاء
( لا أصدق أنه حقًا يفكر هكذا ... أنتَ من رفضت العمل مع والدك من البداية فما الذي سيتغير؟ )
هز أمجد كتفيه قائلًا بلامبالاة
( هو يخشى على منصبه , لكن ليس هذا هو المهم ... دعه يتخبط في اعتقاداته ولنركز نحن في عملنا )
ثم تابع وهو يتجه على مكتبه
( يجب أن نبدأ في العمل حتى ننجزه قبل الوقت المحدد ... كيف حال الاجتماع مع الموظفين الجدد؟ )
تغيرت ملامح مروان للعبث ليجيب بخبث
( كل شيء على ما يرام ... بصراحة أنا متشوق جدًا للعمل مع الطاقم الجديد )
عاد أمجد بظهره للخلف , ليقول بتحذير
( أنا لا أريد مشاكل في العمل ... تفهمني جيدًا أليس كذلك؟ )
ضحك مروان بشدة وهو ينهض من مكانه هاتفًا
( بل أنتَ من يفهمني دائمًا يا " كينج " )
ابتسم أمجد بغيظ , ثم قال من بين أسنانه
( مرة أخرى أسمعك تناديني بهذا اللقب وصدقني لن تجد الفرصة للعمل مع الطاقم الجديد )
ارتفعت ضحكات مروان المستفزة أكثر , بينما يقول بتهكم
( هل ستفصلني من العمل أم ماذا؟ ... لا تنسى أنني شريكك ويحق لي التأكد بنفسي من خبرات الطاقم الجديد )
نهض أمجد من مكانه ليقترب من صديقه ... ثم باغته بحركة سريعة وقد أمسكه من رقبته مقيدًا حركته ... ضحك مروان أكثر حتى سعل وهو يحاول التملص من ذراع أمجد دون فائدة ... كان أمجد يضحك باستمتاع هو الآخر , شاعرًا بالإمتنان لوجود مروان في حياته ... لطالما كان له دور كبير في مساندته حتى تمنى كثيرًا لو كانا أخوة ...
استغل مروان تراخي ذراع أمجد ليتحرك بخفة ويقلب الأدوار فيمسك هو برقبة أمجد ضاحكًا بِانتصار ... لم يقاومه أمجد لكنه قال ضاحكًا
( هل تليق تلك التصرفات برؤساء مجلس إدارة؟ ... ماذا لو رآنا أحدهم؟ ... نبدو وكأننا لازلنا مراهقين !!! )
أحكم مروان قبضته أكثر , ليرد متحديًا
( لا تحاول يا ابن الراوي ... هيا أرني مهاراتك )
ضحك أمجد وقبل أن يحاول التحرك سمع كلاهما صوت مديرة مكتب أمجد تتحدث على الهاتف اللاسلكي بأنهم يحتاجون السيد مروان في أمرٍ يخص العمل ...
ترك مروان رقبة أمجد ثم قال مشاكسًا وهو يعدل ثيابه
( أرأيت؟ ... كل الظروف تخدمني لمتابعة خبرات الشباب )
هز أمجد رأسه يائسًا , بينما تابع مروان
( سنكمل مباراتنا القتالية في وقت لاحق )
ثم غمز بعينيه بخفة لينصرف و هو يطلق صفيرًا عابثًا .

====================

زفرت زهرة بحنق هاتفة
( لماذا تأخر الطعام هكذا؟ ... أنا أتضور جوعًا ولم أتناول إفطاري )
تركت رحمة الكتاب الذي تقرأه لتلتفت إليها
( وهل منعك أحد من تناوله؟ )
شدت زهرة شعرها ساخطة
( لقد تأخرت في الاستيقاظ وكان عليّ الإسراع للجامعة ... كما أنكِ تتحدثين وكأنكم عائلة تشجع على الإفطار في المنزل ... لا يوجد ميزة واحدة على طاولة إفطاركم سوى فطائر أمي اللذيذة ... غير لذلك فلا يوجد سوى الوجوه الجامدة والصمت الذي يعم المكان )
ضحكت رحمة من طريقتها الطفولية مما أثار غيظ زهرة أكثر لتردف بحنق
( علام تضحكين ها؟ ... إنه خطأي أن استمعت إليكِ وجئت لتناول الغداء في النادي )
توقفت ضحكات رحمة بتنهيدة عالية , لتردف بجدية
( لقد فكرت أننا بحاجة لبعض التغيير ... خاصة ريهام ... لا يعجبني حالها هذه الأيام )
برمت زهرة شفتيها وهي تتجه بنظراتها لريهام التي تجلس بعيدًا تلاعب الأطفال بشرود ... لتعود بنظراتها لرحمة قائلة بتهكم
( أساسًا لم أصدقكِ عندما أخبرتني في الهاتف أن ريهام بصحبتكِ في النادي ... كيف أقنعتها بالمجيء؟ )
ردت رحمة بتبرم
( لقد كدت أخطفها عنوة لأقنعها بالخروج معي ... رأسها كالحجر هذه الفتاة )
تحدثت زهرة بنزق
( هل هي عادتها أم ستشتريها؟ ... لقد تسبب رأسها الصلب هذا في طلاقها )
زجرتها رحمة بتحذير
( زهرة ! ... إياكِ وفتح هذا الحديث أمامها .. لا نريد فضائح في النادي ... أنتِ تعرفين ريهام عندما تقفد أعصابها )
نهضت زهرة هاتفة بضجر
( لن أفتح فمي اليوم سوى لتناول الطعام ... سوف أذهب لأغسل يدي وعندما أعود أتمنى أن يكون الطعام موجودًا وإلا سأفترس ريهام نفسها )

====================

كانت في طريقها إلى حيث تجلس رحمة ... ليظهر أمامها أحدهم فجأة , والذي تحدث بابتسامة متملقة
( مرحبًا آنستي )
نظرت زهرة للشاب الواقف أمامها .. لم يعجبها اقترابه منها , فامتنعت عن رد تحيته , تناظره بتجهم وحاجبين منعقدين ...
شعر الشاب ببعض الإحراج من تصرفها ... لكنها تمسك بنبرته المتوددة , يقول بتهذيب ناعم
( بصراحة لقد رأيتكِ عدة مرات في النادي من قبل .. وكنت أنتظر فرصة مناسبة للحديث معكِ )
لم تتغير ملامح زهرة و ردت بجمود بارد ( الحديث معي في أي شيء بالضبط ! ...
هل أعرفك؟! )
شعر الشاب ببوادر غضبها , فقال بسماجة مَن يحاول تلطيف الأجواء
( إذًا فلنتعرف )
ثم مد يده مصافحًا وهو يعرف نفسه
( أنا سامح )
نظرت زهرة إلى يده الممدودة دون أن تبدي أي حركة ... صمتت لعدة ثواني ليسحب الشاب يده وقد احمر وجهه حرجًا , وتتحدث زهرة ببرود
( أنا لا أتحدث إلى الغرباء هذا أولًا ... ثانيًا عندما تكون في مكانٍ محترم فعليك التصرف باحترام حتى لا تجلب لنفسك المشاكل )
ثم تحركت لتكمل طريقها إلا أنه فاجأها بأن أمسك ذراعها بجرأةٍ أربكتها
( ألا يوجد ثالثًا؟ )
لم يكد يُكمل سؤاله المستفز حتى فوجئ بقبضة حديدية تلوي ذراعه الممسك بزهرة , وصوت يتحدث بشراسة
( ثالثًا , فلتعوِد نفسك ألا تمتد يدك على شيء لا يخصك ... هذا إن كنت بحاجة لبقاء ذراعك في جسدك )
اتسعت عينا الشاب رعبًا وهو ينظر لصاحب الصوت بهالته الضخمة وقامته الطويلة التي حجبت عنه الرؤية ... ابتلع ريقه ليتحدث بلهجة ظهر فيها الجبن بوضوح
( أنا لم أقصد مضايقتها ... كنت .. كنت فقط )
زاد الضغط على ذراعه فقطع جملته متأوهًا
وهو يرى ذلك الضخم يبتسم بوحشية
( قصدت أو لم تقصد فمن الأفضل لك عدم تكرار الأمر معها أو مع غيرها )
أومأ الشاب برأسه مرتعبًا ... وأطلق ساقيه للريح ما إن زال حصار الضخم له ...
كانت زهرة تتابع المشهد بقلق وهي تتلفت حولها وقد بدأت بعض الأنظار تتجه ناحية ذلك الضخم الذي أمسك بالشاب , وفارق الجسم والقوة بينهما ينبئ ببوادر شجار غير متكافئ الأطراف ... تنفست الصعداء ما إن رأته يتركه أخيرًا لتتنحنح قائلة
( شكرًا لك ... لم يكن هناك داعٍ لكل هذا ... أنا أعرف كيف أتدبر أموري في مثل هذه المواقف )
استدار إليها , يتحدث بنبرة عميقة ... جدًا
( لا داعي للشكر .... سأتحدث مع الأمن بشأنه , وسأتأكد بنفسي أن هذا الموقف لن يتكرر )
أومأت له بتشتت وقد انتبهت لهيئته المألوفة , وبينما تحاول تذكر أين رأته من قبل رن هاتفها ليقاطع تفحصها الأحمق له لتجد اتصالًا من رحمة ... شكرته مرة أخرى ثم استأذنت منه لتنصرف في طريقها ...
بينما ظل هو واقفًا مكانه , يراقب انصرافها حتى اختفت عن أنظاره ... فيتنهد تنهيدة حارة قبل أن يتحرك مغادرًا هو الآخر .


=======================


وقفت في شرفة غرفتها تراقب السماء بشرود ... ثم حانت منها نظرة لهاتفها تتفقده .. لا يوجد اتصالات ولا حتى رسالة واحدة منه ... إنها أول ليلة تمر منذ أن تمت خطبتهما ولا يحادثها فيها ... تنهدت وإحساس بالذنب بدأ يتسلسل إليها وهي تشعر أنها تمادت في فظاظتها معه هذه المرة ... هي لم تُغير موقفها ناحية طلبه بتعجيل الزواج , فهي ما زالت تحتاج للمزيد من الوقت لاتخاذ قرارها ... لكنها الآن تشعر بمدى فظاظة أسلوبها معه صباحًا , خاصة بعد مجافاته لها طوال اليوم ... وبعد أن كان يغرقها باتصالاته ورسائله , ها هو الآن يتبع أسلوب التجاهل ... طرقات على باب الغرفة أخرجتها من شرودها لتدخل مريم إلى الشرفة ما إن لمحتها ... استقبلتها صبا مبتسمة
( أهلًا بصغيرتي ... لقد عدتُ من عملي مرهَقة وذهبت في نوم عميق ولم تتسنى لنا الفرصة كي نجلس سويًا )
ثم أردفت بفضول
( هيا أخبريني كيف كان يومكِ الأول في العمل؟ )
كانت مريم تنظر إليها بهدوء وهي تحاول إخماد غضبها .... ثم أخذت نفسًا عميقًا تستجلب أقصى درجات التحكم في النفس
وقالت بجمود
( لماذا تحدثتِ مع كريم في هذا الأمر؟ )
عقدت صِبا حاجبيها لتهز رأسها قائلة بتساؤل
( أي أمر؟ ... هل تكلمتِ مع كريم؟ )
جزت مريم على أسنانها لتهتف بحدة
( لا داعي للمراوغة يا صِبا ... لكنني حقًا لا أفهم لماذا تصرفتِ دون علمي ! ... لقد أخبرتكِ أنني لا أريد أن يتدخل كريم في أمر عملي وأنني سأتدبر أموري )
أطلقت صِبا زفرة عصبية وقد أدركت مقصد أختها , ودون أن ترد تحركت تتجاوزها لتخرج من الشرفة وتتجه نحو فراشها تلقي بنفسها عليه ...
أثارت لا مبالاتها غضب مريم فتبعتها هاتفة بحدة
( لقد تسببتِ اليوم في وضعي بموقفٍ محرج مع مديري بالعمل ... أنا الآن في نظر الجميع مجرد فتاة مدللة لن تجيد التصرف ولذلك تستعين بمن يساندها )
ظلت صِبا على هدوءها , إلا أنها حركت رأسها ناحية مريم لتتحدث ببرود
( هل تلومينني لأنني أردت مساعدتكِ؟ )
( أنا لم أطلب هذه المساعدة ! )
هتاف مريم المحتج أثار جنون صِبا لتنتفض مكانها هاتفة بحدة
( و من يهتم ! .. أنا أقوم بمساعدتكِ لأنني أعلم جيدًا أنكِ تحتاجينها ... لأنني أعلم كم كنتِ متشوقة للحصول على تلك الوظيفة ... والآن بعد أن ساعدتكِ في الحصول عليها تتبجحين بأنني أفسدت أول مقابلة لكِ مع مديركِ ! )
ارتد رأس مريم للخلف وقد تفاجأت من هجوم صِبا الغير مبرر ... ظلت تحدق فيها وهي تراها تتنفس بغضب وصدرها يعلو
و يهبط انفعالًا ... اقتربت منها مريم تسألها بحذر
( صِبا .. ماذا بكِ؟ )
كان همس مريم الحنون هو كل ما تحتاجه صِبا لتجهش في البكاء وهي تجلس على سريرها تغطي وجها بكفيها ... ارتفع حاجبا مريم بدهشة من رد فعلها لتمد يدها تتلمس كتف صِبا وهي تهمس بِاسمها بحنان , لكن صبا نهضت من مكانها فجأة هاتفة باختناق
( رغم كل ما فعلته وما أفعله أظل أنا الشخص السيئ أليس كذلك؟ )
جن جنون مريم من انفعال أختها المفاجئ ... لتقترب منها وتمسك كتفيها بحزم هاتفة
( صِبا .. ما سبب كل هذا الإنفعال؟ ... ومن قال أننا نراكِ شخصًا سيئ؟)
مسحت صِبا دموعها بعنف لتهتف
( جميعكم تفعلون ... وها أنتِ قد فسرتِ مساعدتي لكِ بشكل خاطئ ... حتى كريم لم ... )
قطعت كلامها لتنظر لأختها بعجز .... فتنهدت مريم بإدراك وقد فهمت سبب غضب صِبا لتبتسم ابتسامة خفيفة , اقتربت منها لتضمها بحنان
( إذًا هذا هو السبب ... يبدو أن السيد كريم فعل ما يضايقكِ )
احتضنتها صِبا باحتياج .... واحترمت مريم صمتها الذي لم يدم سوى لحظات ... وسمعتها تهمس ببعض الذنب
( بل أنا من أغضبته )
سألتها مريم بصبر
( كيف؟)
رفعت صِبا رأسها تواجه عيني مريم لتقول بصوتٍ خفيض
( لقد طلب مني اليوم أن نبدأ في استعدادات الزواج ... وأنا رفضت )
ثم عضت شفتيها مردفة
( وبصراحة أشعر أنني كنت فظة قليلًا )
سحبتها مريم لتجلسها على السرير ثم جلست أمامها تواجهها , وسألتها بتعقل
( وهل هو غاضب منكِ بسبب رفضكِ أم بسبب أسلوبكِ في الرفض؟ )
عقدت صِبا حاجبيها ببلاهة
( وما الفرق الآن؟ ... المهم أنه غاضب ) أجابتها مريم بهدوء
( بالطبع هناك فارق ... إن كان غاضب من أسلوبكِ فله الحق في ذلك ... أما إن كان غضبه بسبب رفضكِ لعرضه فأنا لا أجد مبررًا لذلك ... طالما أنكِ لستِ مستعدة فيحق لكِ الرفض )
تنهدت صِبا تفكر في كلام أختها ليأتيها سؤال مريم الحذِر
( لكن السؤال الأهم الآن ... لماذا رفضتِ طلبه؟ )
حكت صِبا رأسها لترد بإنهاك
( أنا لا أشعر أنني مُهيئة لذلك الآن ... ولا يمكنني اتخاذ خطوة مهمة كهذه دون أن أنتهي من تكوين صورة واضحة عن كريم )
تفحصتها مريم بتدقيق , وخرج سؤالها بنفس الحذر
( صِبا .. ألا تحبين كريم؟ )
سألت مريم سؤالها بهدوء أربك صِبا , فلم تعرف بماذا تجيبها .... هي لن تخدع نفسها لتوهمها بأنها تكِن مشاعر خاصة لكريم ... الأمر كله ليس إلا مجرد خطبة لشخصٍ يبدو مناسبًا ...
وبرغم أنه لا يتوقف عن ذكر كم يحبها , وبرغم أيضًا أنها لا تصدقه بشكل تام , إلا أنها لم تخبره بأنها تحبه ... لأنها ببساطة لا تفعل ...
وقد كانت صريحة معه منذ البداية وهو تقبل صراحتها ولم يعترض ... رفعت عينيها لأختها تقول ببعض الإرتباك
( كريم شخص مناسب و .. )
قاطعتها مريم
( جميعنا نعلم منذ أن تقدم لخطبتكِ أنه شخص مناسب .... لكن الآن وبعد مرور عدة أشهر على خطبتكما , فمن المهم أن يكون لديكِ إجابة على هذا السؤال )
ردت صِبا بابتسامة يشوبها بعض السخرية
( وبماذا سيفيد الحب؟ ... أنتِ تعلمين جيدًا يا مريم أنني لا أهتم لمثل تلك السخافات ... لقد وافقت على خطبتي من كريم لأنني أردت بداية جديدة مع شخص يساعدني على ذلك ... لو كنت أبحث عن الحب فكان من الأولى أن أتزوج سامر )
تغيرت ملامح مريم عند ذكر الاسم , لكنها استعادت هدوءها لتسأل بثبات زائف
( ولماذا لم تتزوجيه؟ ... هل لأن أبي رفض؟ )
ردت صبا بنبرة قلما تظهر , نبرة تجمع بين السخرية والقسوة
( لا ليس لهذا السبب ... لقد رفضه والدكِ خوفًا من طمع عمتكِ منال في أموالنا ... ليس لأن سامر شخصًا سيئ )
ثم تنهدت وهي تتخلص من قناع السخرية لتقول بشرود
( سامر لا ينفعني ... هو يحتاج لمن تحبه بحق ... لمن تستطيع أن تعطيه ما يستحق من مشاعر ... وأنا لن أستطيع أن أقدم له ما يريد )
شعرت مريم بغصة مؤلمة شطرت حلقها نصفين ... فابتلعتها لتمسك بيد صِبا هامسة بقلق حقيقي
( لكن هذا لا يعني أن تقبلي بكريم كوسيلة للهرب نحو بداية جديدة ... تذكري أنكِ ستقضين معه بقية حياتك ... يجب أن تكوني متأكدة )
غطت صبا وجهها بكفيها هاتفة بضعف
( حسنًا , لكنني الآن لا أعرف حقًا ماذا أفعل؟ )
نهضت مريم من مكانها لتمسك كتفيّ صِبا , تمددها في سريرها برفق
( الآن عليكِ أن تخلدى لنومك لأن الوقت تأخر و لدينا عمل غدًا )
همست صبا مبتسمة بحنان
( كبرتِ يا فتاة وأصبحتِ تنامين مبكرًا لأجل عملكِ )
ضحكت مريم و انحنت لتقبل جبهة أختها برقة ... فتمسكت بها صبا متذمرة
( أنتِ لم تحكِ لي كيف كان يومك )
ثم تحركت قليلًا لتفسح مكانها وتربت على السرير قائلة
( ما رأيك أن تنامي بجواري الليلة , كما كنا نفعل ونحن صغار .. أشعر أنني لست بخير )
لم تفكر مريم وهي تندس بجوار أختها , تستمتع بعناقها الحنون ... ثم بدأت تحكي لصِبا ما حدث منذ دخولها إلى الشركة ... حتى غلبهما النعاس ليذهبا في نوم عميق ,
وكل منهما تتمسك بالأخرى ..

====================

توجهت إلى غرفتها بعد أن اطمأنت لنوم طفليها ... ألقت نظرة سريعة لساعة الحائط التي تشير للعاشرة مساءً ... لفت نظرها وجود علبة صغيرة على طاولة الزينة ... فعقدت حاجبيها لتتقدم ناحيتها ثم أمسكتها تتفقدها
و هي تتساءل بتعجب ... فتحتها بفضول فالتمعت عيناها انبهارًا ما إن قابلتها تلك القلادة الفضية الموجودة بداخلها .. قلادة رقيقة تحمل شكل قلبٍ صغيرٍ مزخرف ... كانت تتلمسها بنفس الانبهار إلى أن شعرت بذراعين يشتدان حول خصرها , فالتصق ظهرها بصدرٍ قوي و داعبتها أنفاس صاحبه .. فبادلته النظر بصمت خلال المرآة , بينما تسمعه يهمس في أذنها برقة
( صُنعت خصيصًا لأجلكِ ... أعلم أنكِ تعشقين الفضة )
لم يحصل على رد فعل سوى الصمت , لكنه التقط القلادة ليلبسها إياها , متحدثًا بنفس الهمس الساحر في تأثيره
( كل عام و أنتِ بخير يا رحمتي )
أغلق القلادة ليقبل عنقها برقة جعلت قدميها تتخاذلان بضعف ... رفع رأسه ليستند بذقنه على كتفها وهو لا يزال يحضتنها لينظر لعينيها بعشق .. ظلت رحمة محتفظة بوجهها الجامد ثم قالت ببرود
( وما المناسبة؟ )
عقد فارس حاجبيه , وسألها مبتسمًا بِشك
( ألا تعرفين حقًا؟ )
أجابته كاذبة
( لا )
كانت محاولة واهية , تُقنع نفسها بها كي لا تتجاوب مع قربه منها ... هي تذكر جيدًا تاريخ اليوم ... وكيف لها أن تنسى ! .. إنه ليس عيد زواجهما ولا حتى ميلادها .. بل هو أهم من ذلك بكثير .. إنه تاريخ اليوم الذي اعترف لها فيه بِحبه ... يوم أن أقسم لها أن ما من إمرأة غيرها سكنت قلبه .. ولا ستسكن غيرها فيه ...
( هل تذكرتِ الآن؟ )
همسته الرقيقة أخرجتها من شرودها لتزيح ذراعيه المحيطان بها و تلتفت إليه ... تواجهه بنفس النظرات الجامدة
( وبماذا سيفيدني التذكر ! ... لقد فات الأوان )
تطاير شرر الغضب من عينيه , ليهتف مستنكرًا
( أي أوان هذا الذي فات؟ .. ذلك اليوم هو أهم يومٍ في حياتنا معًا ... و أنا لازلت صادقًا في كل كلمة قُلتها وقتها )
عقدت رحمة ساعديها و قالت بجدية
( لم يعد هذا أوان الكلمات يا فارس ... الأفعال هي التي تتكلم الآن )
أحاط فارس خصرها بتملك ليقربها منه قائلًا بخشونة
( وأنا الآن أفعل ما بوسعي لمحو ما حدث )
ظلت على جمودها , تقاوم إشتياقها إليه , تقول بهدوء
( لكنني لا أشعر بأي تغيير )
قربها منه أكثر ليهمس بعذاب
( هذا لأنكِ لا تعطين لنفسكِ فرصة ...
أين ذهبت رحمة التي تقبلتني قديمًا بكل عيوبي؟ )
ابتسمت تقول بسخرية مريرة
( لقد قلتها بنفسك ... "قديمًا" ... كان ذلك قبل أن تخونني )
هزها من كتفيها ليهتف من بين أسنانه
( أنا لم أخنكِ أيتها الحمقاء .... لم أقترب لإمرأة سواكِ ... لقد أخبرتكِ مرارًا أن ما حدث كان خدعة سخيفة وأنا توليت الأمر )
كان يهتف بها و قد بلغ غضبه أقصاه وفاض به الكيل من تجاهلها له ....
بينما لم تهتز شعرة منها وهي تقول ببرود
( وماذا كان السبب وراء ذلك؟ ... أليست سهراتك كل ليلة في تلك الأماكن المشبوهة ! .. لتعود إليّ مخمورًا لا ترى أمامك )
ابتعد فارس عنها ليعطيها ظهره وهو يزفر بتعب مُتخللًا شعره بأصابعه ... ثم قال دون أن يستدير إليها
( وإن أخبرتكِ أنني سأتوقف عن ارتياد تلك الأماكن ... هل سيعود كل شيء كما كان؟ )
ردت رحمة بهدوء
( فلتصلح ما أفسدته أولًا يا ابن عمي ...
وبعدها نرى إن كنا نستطيع أن نعود كالسابق )
ثم تحركت تنوي الخروج من الغرفة ... إلا أنه أمسك مرفقها برفقٍ يسحبها إليه ويلصقها به ثم أمسك يدها ليضعها على صدره في موضع القلب ... نظرت رحمة إلى كف يدها الذي استقر على قلبه ... فابتلعت ريقها وهي تسمعه يهمس بصوتٍ احتوى على كل حنان العالم وصِدقه
( أقسم لكِ أنني لم أخنكِ ... أقسم أن هذا القلب لم ولن ينبض سوى ليهمس بِـحُبك ... سأصلح ما أفسدته يا رحمتي )
وأتبع وعده بقبلة حارة أودعها فيها كل ما يجيش به صدره , فدمعت عيناها بتأثر وصوته الحبيب يتسلل لقلبها ..... تتحكم في نفسها بأعجوبة حتى لا تعانقه بعنف ... ابتعد بوجهه قليلًا ليأسرها بنظراته العاشقة , يهمس بخفوت
( لا تخلعي القلادة )
ثم انحنى ليقبل القلب الموجود في القلادة قبلة طويلة جعلتها تغمض عينيها بتأثر لملمس شفتيه على بشرتها .... طالت قبلته حتى شعرت بأن قدميها أصبحتا كقدمي الدُمى من فرط مشاعرها ... رفع فارس رأسه أخيرًا لينظر لعينيها برجاء صامت , يتمنى لو تتجاوب معه و ترحمه من عذاب شوقه إليها ... لكنها التقطت ما يفكر فيه لتتغلب على لهفتها لقربه و تبتعد عنه كالمعتاد ... تاركة إياه خلفها يتنهد بإحباط .

===================

فتحت السيدة مشيرة غرفة باب ابنتها فتنهدت بقلة حيلة وهي ترى وقفتها الشاردة في الشرفة ... أغلقت الباب لتتقدم ناحيتها قائلة بحنان
( من الجيد أنكِ لازلتِ مستيقظة ... فأنا أريد التحدث معكِ في أمرٍ هام )
استدارت ريهام تسألها بوجهٍ جامد ونبرةٍ أشد جمودًا
( هل هو موضوع كل مرة الذي لا يتغير؟ )
هتفت والدتها بانفعال
( ولن يتغير حتى يلين رأسك الصلب هذا )
زفرت ريهام بضجر لتتحرك ناحية سريرها تجلس عليه بعنف , فتبعتها والدتها حتى جلست أمامها , ثم تابعت وقد استعادت هدوئها
( إلى متى هذا العناد يا ابنتي؟ ... أنا أريد الاطمئنان عليكِ )
ردت ريهام بعناد
( أنا بخير وسعيدة بحياتي هكذا )
أثارت جملتها حنق والدتها فهتفت مستنكرة
( وهل تُسمين هذه حياة؟ )
بلغ غضب ريهام أقصاه فلوحت بيدها , تهتف بحنق
( وماذا تريدين مني أن أفعل يا أمي؟ .. هل الزواج مرة أخرى هو ما سيغير الوضع؟! )
ربتت والدتها على كتفها , لتهمس لها ببعض الأمل
( وما المشكلة في ذلك حبيبتي؟ ... أنتِ لستِ أول إمرأة تتزوج من آخَر بعد طلاقها )
ردت ريهام بجمود
( هذا عندما أريد أنا تكرار تلك التجربة ... لكنني حاليًا لا أحتاج لوجود رجل في حياتي , ولا أظن أنني سأفعل مستقبلًا )
كادت والدتها تهتف بشيء , لكن قاطعها صوت طرقات على الباب لتدخل رحمة التي ما إن رأتها السيدة مشيرة حتى هتفت بغضب
( تعالي يا رحمة و انصحي ابنة عمك بأن تتعقل )
أشاحت ريهام بوجهها زافرة بسخط , بينما اقتربت رحمة لتجلس بجانب حماتها
( ريهام سيدة العاقلين يا زوجة عمي )
برمت ريهام شفتيها و قد أدركت بحدسها أن والدتها تدبر شيئًا مع رحمة ... وقد صدق حدسها عندما أردفت رحمة
( هي فقط تحتاج أن تعطي لنفسها فرصة لتفكر جيدًا في الأمر )
هتفت ريهام و قد طفح بها الكيل من تلك المحاولات
( أي أمر يا رحمة؟ .. لقد تحدثنا في هذا الموضوع عشرات المرات , وقد أخبرتكم أنني لا أفكر في الزواج مرة أخرى )
التفتت السيدة مشيرة لرحمة , وهتفت بغيظ
( أرأيتِ؟ ... لقد أخبرتكِ أن تلك الفتاة ستصيبني بالجنون )
ثم وجهت كلامها لريهام مردفة بحنق
( افعلي ما شئتِ يا ابنة شكري .. استمري في حماقتكِ , لكن أنتِ مَن ستندم في النهاية )
ثم نهضت لتنصرف من الغرفة متمتمة بكلماتٍ ساخطة ... فنظرت ريهام لابنة عمها بصمت ... لتتحدث رحمة بتعقل
( أنا أعلم جيدًا سبب رفضكِ للأمر ... لكن الآن عليكِ أن تنسي تجربتكِ القديمة وتفكري في نفسكِ )
ابتلعت ريهام ريقها , وتكلمت فخرج همسها خافت , ضعيف على غير عادتها
( أنا لم أستطع أن أحافظ على زواجي يا رحمة )
ثم أكملت و قد تحشرج صوتها
( لم أستطع أن أحافظ على الرجل الوحيد الذي أحببته )
ابتعلت رحمة ما ودت قوله , بينما تراكمت بعض الدموع في عينيّ ريهام و هي تهتف باستنكار
( والآن تريدون مني وبكل بساطة أن ألقي بكل هذا خلف ظهري وأتزوج بِآخر؟! )
اقتربت منها رحمة أكثر لتحتضنها بحنان ,
تربت على شعرها بينما تقول بمواساة
( نحن فقط نريد أن نراكِ سعيدة )
ابتسمت ريهام بتهكم لتبتعد عن رحمة وتمسح دموعها بكبرياء , قائلة بسخرية
( وهل ستكون سعادتي بالزواج من آخر؟ .. وهل هناك من يقبل بإمرأة مطلقة ومعها طفلة؟ )
ردت رحمة بثقة
( وما المشكلة في ذلك؟ .. أنتِ ما زلتِ صغيرة وكونكِ أمًا لن يمنعك من استكمال حياتكِ )
لم يبدو عليها التأثر من حديث رحمة المقنع ... فهزت رأسها تقول بشرود
( صدقيني يا رحمة لن أستطيع .. أنتِ تعلمين جيدًا معنى أن تعشقين رجلًا حد الجنون ... أنا لن أستطيع أن أكون مِلكًا لـرجلٍ آخر )
أنهت حديثها المتألِم لتعود مجددًا نحو شرفتها ... فتأملتها رحمة بإشفاق , وامتدت أصابعها تتلمس القلادة التي تزين رقبتها .. غامت عيناها بنظرة شاردة , تُحدث نفسها بأن للحب وجهًا آخر , قاسٍ ومؤلم .. يُوقِع صاحبه في هوة مظلمة بدلًا من أن يرفعه إلى عنان السماء ... وأن تلك الأحلام الوردية التي يرسمها لنا خيالنا , بإمكانها أن تتحول إلى كوابيسٍ سوداء ... تبتلعنا لنصطدم بأرض الواقع ... فينتهي بنا الحال ضائعين , عالقين فيه دون وعي ...
و دون أمل .


انتهى الفصل


يتبع ...


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 05-11-21, 06:09 PM   #15

زهوةفرحة

? العضوٌ??? » 484921
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 63
?  نُقآطِيْ » زهوةفرحة is on a distinguished road
افتراضي

تهبل،افكار ومشاعر وحياة واقدار
شهر'زاد. likes this.

زهوةفرحة غير متواجد حالياً  
قديم 05-11-21, 10:11 PM   #16

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهوةفرحة مشاهدة المشاركة
تهبل،افكار ومشاعر وحياة واقدار
حبيبتي شكرًا ليكِ 🥰♥️♥️♥️


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 08-11-21, 12:23 AM   #17

زهرورة
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 292265
?  التسِجيلٌ » Mar 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,283
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » زهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الرواية مشوقة .صبا العنيدة الي كرهت ابوها بسبب قسوته وكرهت عماتها الي طمعانين بفلوس ابوها بس ابوها قبل موته كتب كل حاجة باسم مراته وبناته بس معرفناش ليه هو كان قاسي كدة مع بناته ومراته .
سامر شخصية جميلة بس للاسف متعلق بالشخص الغلط ومش شايف مريم الي بتعشقه اتمنى يفوق قبل فوات الاوان وخصوصا انه زير النساء مروان مش حيسيب مريم اتمنى توقفه عند حده مابحب الشخص العابث زيه .
فارس بتحب مراتك وندمان وعاوز ترجع علاقتكم طيب ياعم بطل سكر واتقي الله في نفيك بتسكر وبتيجي البيت وانت سكران انت تستاهل الحرق والسيد الوالد مش عارف ابنه بيهبب ايه في الليل .
امجد جه من بره وسكن مع والده مع انه مش حاسس انه ببيته مع انه زوجة ابوه طيبة بس ماحس بالانتماء في بيت ابوه وحس بغصة ببعد امه عنه والي كان بسبب ابوه وقسوته الي حرم الام من ابنها ..
صبا ياريت تفسخ الخطوبة لانها برغم كل الشهور مش قادرة تخطي خطوة لقدام في علاقتهم وده معناه انها مش حاسة بأي حاجة ناحيته ..اظن ان امجد هو الي حيقلب حالها هي خايفة من الحب والعواطف .الرواية مشوقة سلمت يداكي ومنتظرينك .

شهر'زاد. likes this.

زهرورة متواجد حالياً  
قديم 08-11-21, 03:54 AM   #18

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرورة مشاهدة المشاركة
الرواية مشوقة .صبا العنيدة الي كرهت ابوها بسبب قسوته وكرهت عماتها الي طمعانين بفلوس ابوها بس ابوها قبل موته كتب كل حاجة باسم مراته وبناته بس معرفناش ليه هو كان قاسي كدة مع بناته ومراته .
سامر شخصية جميلة بس للاسف متعلق بالشخص الغلط ومش شايف مريم الي بتعشقه اتمنى يفوق قبل فوات الاوان وخصوصا انه زير النساء مروان مش حيسيب مريم اتمنى توقفه عند حده مابحب الشخص العابث زيه .
فارس بتحب مراتك وندمان وعاوز ترجع علاقتكم طيب ياعم بطل سكر واتقي الله في نفيك بتسكر وبتيجي البيت وانت سكران انت تستاهل الحرق والسيد الوالد مش عارف ابنه بيهبب ايه في الليل .
امجد جه من بره وسكن مع والده مع انه مش حاسس انه ببيته مع انه زوجة ابوه طيبة بس ماحس بالانتماء في بيت ابوه وحس بغصة ببعد امه عنه والي كان بسبب ابوه وقسوته الي حرم الام من ابنها ..
صبا ياريت تفسخ الخطوبة لانها برغم كل الشهور مش قادرة تخطي خطوة لقدام في علاقتهم وده معناه انها مش حاسة بأي حاجة ناحيته ..اظن ان امجد هو الي حيقلب حالها هي خايفة من الحب والعواطف .الرواية مشوقة سلمت يداكي ومنتظرينك .


حبيبتي شكرًا لانضمامك ومشاركتك ❤️..
عجبني تحليلك للأشخاص وعواطفهم وتفاعلك مع تصرفاتهم.. فارس ورحمة حالة خاصة قد تكون مثيرة للغيظ في بعض الأحيان، تحديدًا فارس اللي مخبي كتير جواه وده لسه هنعرفه قدام.. سامر ومريم وصبا معادلة صعبة تفتكري ممكن سامر ينسى صبا بسهولة ويتجوز اختها 🤔؟.. طب ومروان هيحس بزهرة ولا مريم دخلت دماغه!.. ومين الطرف المجهول؟..
طب وأمجد هيعرف يتخطى الحواجز اللي بينه وبين عيلته؟..
تحليلك لصبا رائع، شخصية زيها هل ممكن يكون ليها قصة مع أمجد؟.. طب وكريم؟..
الخيوط دي كلها هتتشابك في الفصول الجاية ومسار الأحداث هياخد منحنى تاني 🤫..
مستنية رأيك في الفصول الجاية يا قمر ♥️😍


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 09-11-21, 05:40 PM   #19

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

اقتباس من الفصل السادس..

لسعته نسمة باردة فتوجه للنافذة المفتوحة ينوي إغلاقها.. لكن شيء ما جذب أنظاره وجعله يطيل النظر للشرفة المقابلة، حيث ينعكس ضوءًا فضيًا منحه مشهدًا بهي، وسَرق انتباهه دون إرادةٍ منه..
وأمامه كانت تقف مغمضة العينين، وجهها مرفوع للأعلى تتلقى ضوء القمر على بشرتها..
تضم بذراعيها أطراف شالٍ خفيف أحاط كتفيها، وقد شاركتها نسمات الليل تلك الأمسية فداعبت خصلاتها الحرة التي تراقصت حول خصرها..
بانشداه ابتلع ريقه ولم يشعر أنه تحرك مقتربًا من سور الشرفة..
فتعلقت عيناه بها وكانت لا تزال في غفلة عنه.. ثوبها المتطايرة أطرافه احتضن قوامها بنعومة منحتها رونق الحوريات..
مرت الدقائق ما بين تأمله وشرودها.. حتى فتحت عينيها فجأة فاصطدم بلمعتها تحت ضوء القمر، حين أبصرها تمتم قلبه بنبضة مسموعة..
وعلى الجانب الآخر وقفت تلتقط أنفاسها المضطربة وقد أجفلها ذلك الظل الضخم الذي يحملق بها.. فابتلعت ريقها ودققت النظر في ملامحه، لكن الظلام الذي أحاط بشرفته جعل ملامحه مبهمة، فتسلل إليها بعض الخوف سرعان ما نفضته عنها، واستدارت لداخل غرفتها..


استعدوا لأولى قطرات الرومانسية وشرارات الحب من أول شُرفة😌❤️.
متنسوش موعدنا يوم الخميس القادم الساعة ١٠ مساء بتوقيت مصر فكونوا بالقرب 💭♥️.


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 11-11-21, 11:21 PM   #20

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

الفصل السادس ...


أنهت مريم محاضراتها في الجامعة لتتوجه مباشرة إلى باب الخروج وهي تنظر في ساعتها ... لديها اجتماعًا في العمل ولا تريد أن تتأخر ... خاصة وأنها تسعى لإثبات نفسها بعيدًا عن تلك التوصية التي أُرسِلَت بِاسمها ...
بعد نصف ساعة كانت تخرج من المصعد الخاص بالشركة لتسير بخطواتٍ مسرعة صوب غرفة الاجتماعات ... إلا أن خطواتها تباطأت تدريجيًا وهي ترفع حاجبًا متعجبًا بينما ترى مروان والذي من المفترض أنه مديرها في العمل يتضاحك مع إحدى الموظفات ... ظهرت إمارات الامتعاض على وجهها وهي ترى تلك الفتاة تتمايل بغنجٍ مقصود بينما تفتح له الملف الممسكة به تتظاهر بشرح شيء ما بينما تقترب منه بميوعة ... أما هو فكان يركز نظراته عليها مستمتعًا بحركاتها المكشوفة لجذب انتباهه ...
قلبت مريم شفتيها بتقزز لتكمل طريقها بخطوات حازمة ... اقتربت منهم فتنحنحت بصوتٍ مسموع ليرفع مروان رأسه ناحيتها ... نظرت ناحيتهما بطرف عينيها باشمئزازٍ واضح جعل مروان حاجبًا واحدًا بتوجس وهو يلمح نظراتها المحتقرة ... ثم أنهى حديثه بسرعة مع الفتاة الواقفة معه ليتوجه هو الآخر إلى غرفة الاجتماعات التي دخلتها مريم للتو ...
كان يتحدث وهو ينظر إليها من حينٍ لآخر ... يراقب حركة أصابعها الرقيقة التي تتلاعب بخصلات شعرها بحركاتٍ عفوية إلا أنها تجذب أنظاره رغمًا عنه ...
أما مريم فكانت تشعر بالتوتر من نظراته المحدقة بها وهي تشعر أنها تخضع لمراقبته لكل سكناتها ...
أبعد مروان نظراته عنها ليكمل
( أمام كل واحد منكم ملف يشرح ما سيتم تنفيذه في موقع المشروع ... أتمنى أن تدرسوه جيدًا حتى نبدأ في التنفيذ ... شكرًا لكم يمكنكم الانصراف )
تنفست مريم الصعداء وسارعت بالخروج
وهي تشعر بنظراته التي تخترق ظهرها ...
جلست على المكتب المخصص لها في الغرفة التي تتشاركها مع زملائها وبدأت تطالع الملف , أمامها إلا أنها لم تستطع التركيز ما إن بدأ الحوار الدائر بين زميلاتها ... والذي بدأته إحداهن قائلة بهيام
( لم أرَ في حياتي مديرًا بمثل هذه الوسامة )
لترد أخرى بميوعة
( لم أستطع أن أُركز في كلمة مما قالها ...
و كيف أفعل وأنا أرى أمامي هذا الكم الهائل من الجاذبية؟ )
تدخل زميل لهن يقول باستخفاف
( ما هذه المبالغة؟ ... هو لا يبدو حقًا بكل تلك الجاذبية ... إنه فقط تأثير المال على هيئة البشر يا عزيزتي ... ما رأيكِ يا مريم؟ )
كانت مريم تتابع الحوار بصمتٍ دون أن ترفع عينيها عن الملف أمامها ... إلا أنها رفعت رأسها لتجيب بفظاظة
( رأيي أن هذا وقت عمل ومن المفترض أن أمامنا أشياء ننجزها أهم من الحديث عن مدى وسامة المدير )
انخرس زميلها من ردها ليتنحنح بإحراج وهو يتشاغل بالأوراق أمامه .... بينما زفرت مريم تحدث نفسها بضيق
( مالي أنا ومال المدير ووسامة المدير ... هل سأتزوجه؟! )
ثم هزت رأسها ساخرة وعادت لما كانت تفعله.

****************************

صعدت صِبا درجات السلم في نهاية اليوم وعيناها تتأملان جدران المنزل بشرود ...
هذه آخر ليلة لها هنا ... لقد تم تجهيز المنزل الجديد وسيتحركن غدًا للاستقرار فيه ... وقفت مكانها تتطلع للجدران التي ظهرت عليها آثار السنوات ... سنوات قضتها فيه منذ نعومة أظافرها تاركة خلفها في كل ركنٍ ذكرى ... ابتسمت ببعض المرارة وبعض الذكريات تطوف في ذهنها , والتي لم تكن أغلبها سعيدة على الإطلاق ... هذا المنزل الذي تمسَّك والدها بالعيش فيه رغم بساطته تنفيذًا لوصية جدها كي يجتمع أولاده جميعًا في منزلٍ واحد ... اتسعت ابتسامتها الساخرة من رغبته في لم شملٍ لم يجتمع من الأساس وهي تتمنى لو رأى رد فعل بناته على قرار والدها ...
لكنها عزمت أمرها على تركه في خطوة لَم تقدر عليها في حياته ... لم تهتم يومًا بقِدَم المنزل ولا بساطة الحي ... لكن شيئًا من التمرد داخلها دفعها لاتخاذ تلك الخطوة كأول بادرة للحصول على حياة أخرى جديدة ...
لربما ! ...
ابتسمت وهي تأخذ نفسًا عميقًا ثم تحركت إلى باب الشقة لتفتح حقيبتها بحثًا عن مفتاحها .... إلا أنها التفتت خلفها ما إن فُتح باب الشقة المقابلة ليطل سامر من خلفه تتبعه والدته ... ابتسم سامر ما إن رآها ليحييها بصوته الهادئ بطبعه
( مساء الخير يا صِبا )
ردت تحيته بابتسامة لطيفة سرعان ما تحولت إلى أخرى باردة حين التفتت لوالدته
( مرحبًا يا عمتي )
بنبرة أكثر برودة خرجت الأحرف من بين أسنان منال
( أهلًا )
اتسعت ابتسامة صِبا وتابعت بلهجةٍ ممطوطة
( من الجيد أننا تقابلنا حتى أودعكما ... فنحن سننتقل غدًا إلى المنزل الجديد )
تطاير الشرر من عينيّ منال وقد فهمت جيدًا إشارات صِبا في لإثارة غيظها ...
وفي المقابل تألقت ابتسامة الظافرة وهي تعلم أنها أصابت هدفًا .... وكأنها تخبرها أننا اشترينا منزلًا جديدًا بأموال أخيكِ التي كنتِ تطمعين بها ...
تنحنح سامر وهو يرى نظرات أمه الموجهة لصِبا ليرد بدلًا منها بنبرة حاول إظهار سعادته فيها
( مبارك يا صِبا ... لكن لا تقطعن الزيارات ... فهذا لا يزال بيتكن على أي حال )
ردت صِبا بابتسامة هادئة
( بالطبع سنفعل )
ثم عادت بنظراتها لعمتها تُلقي السهم الأخير
( أعلم أنكم ستشتاقون إلينا ... أليس كذلك يا عمتي؟ )
ردت منال وقد وصل غيظها أقصاه
( بالطبع ... وهل سنجد من هي أطول منكِ لسانًا يا ابنة جيهان )
حافظت صِبا على ابتسامتها المستفزة وأومأت لمنال بطريقة شبه متوعدة جعلت الأخرى تشيح بوجهها بتبرم .... بينما تنحنح سامر الذي أصابه الحرج من فظاظة أمه فآثر السلامة واستأذن من صبا بلباقة ليتحرك مع والدته إلى أسفل البناية بينما دخلت هي شقتها لتغلق الباب خلفها وتسمح لضحكة عالية بالخروج أخيرًا ...
استقبلتها والدتها المندهشة
( لقد سمعت صوت عمتكِ منال بالخارج ... لكن بعد رؤية سعادتكِ هذه فقد بدأت أشك في قدراتي السمعية )
ضحكت صِبا أكثر لتقترب من والدتها تعانقها بحنان
( بلى يا " جوجو " ... قدراتكِ السمعية ممتازة )
ردت والدتها ضاحكة بدهشة
( إذًا علامَ تضحكين؟ ... هل تبدل حال عمتكِ فجأة وعاملتكِ بلطف؟! )
هزت صِبا كتفيها ببساطة
( بالطبع لا ... لقد أخرجت لي أنيابها ونادتني بِابنة جيهان .... مسكينة تعتقد أنها تثير غيظي بذلك ولا تدرك أنني أحب هذا اللقب جدًا ... وأحب جيهان جدًا جدًا )
كانت تتحدث وهي تقبل رأس والدتها التي تضحك بسعادة ...
خرجت ملك من غرفتها لتكتف ذراعيها هاتفة بحنق
( الله الله ... تقفين هنا مع ابنتكِ المدللة تتسامران وأنا أكاد أموت جوعًا .... أين الغداء يا أمي؟! )
ردت والدتها
( اصبري قليلًا يا ملك حتى تأتي أختكِ مريم لنتناول الطعام سويًا)
كادت ملك تهتف بشيء لكن قاطعتها صِبا
( مريم ستتأخر اليوم ... لقد حادثتني وأنا في طريقي إلى هنا )
فرفعت ملك كفيها لتقول بنفاد صبر
( أرأيتِ؟ ... ستتأخر ... هيا يا أمي بالله عليكِ أنا أوشك على التهام ذراع صِبا من كثرة الجوع )
ضحكت المرأة بينما ردت صِبا مستنكرة
( وما ذنب ذراعي أيتها الشرسة؟ )
مطت ملك شفتيها ببرود
( حسنًا سأعدل عن ذلك وأتناول ذراع خطيبكِ الذي لا يخلو من الساعات الفخمة )
تغيرت ملامح صِبا لذِكر سيرة كريم بينما هتفت والدتها وقد تذكرت شيئًا
( صحيح يا صِبا ... لا تنسي إخبار كريم أنه مدعو على الغداء هو وعائلته في المنزل الجديد .... حددي معه موعدًا يناسبه ... لقد تعب معنا كثيرًا في تجهيزه )
ثم تحركت للمطبخ تاركة صِبا تنظر أمامها بوجوم ....
رفعت ملك حاجبًا واحدًا وهي تقول بِـابتسامة خبيثة
( لماذا لم تخبريها؟ )
هزت صبا رأسها تتساءل بعدم فهم
( أخبرها بماذا بالضبط؟ )
هزت ملك كتفيها قائلة بلامبالاة مصطعنة
( تخبريها بأنكِ تشاجرتِ مع كريم اللامع )
ضيقت صِبا عينيها وسألت بصوت شرير
( وكيف عرفتِ أننا تشاجرنا؟ )
لعبت ملك حاجبيها تقول بمشاكسة
( أنا لا يخفى عليّ شيئًا أختي العزيزة )
جزت صِبا على أسنانها ثم بغيظ
( إذًا فقد استعملتِ حواسكِ التجسسية واستمعتِ إلى حديثي مع مريم )
انتبهت ملك لخطورة ملامح أختها في تلك اللحظة ... فعادت خطوة للوراء وهي ترفع كفيها باستسلام
( لقد كان ذلك عن طريق المصادفة أقسم لكِ )
ما إن أنهت جملتها حتى تفاجأت بصِبا تهجم عليها بشراسة فانتفضت وسارعت تفر منها ركضًا .. وهتفت
( لقد كان صوتكما عالٍ ... ما ذنبي أنا ! )
ظلت صِبا تدور وملك تدور حولها بشقاوة مستمرة في هتافها
( يا فتاة انتظري بعد تناول الغداء , ليس لديً طاقة لهذه الحركات )
ثم أسرعت تفر لغرفتها وصِبا خلفها تصرخ بوعيد
( لن أترككِ اليوم يا ملك ... تعالي إلى هنا )

******************************
في اليوم التالي ....
وصلت سيارة صِبا إلى الحي الموجود به منزلهن الجديد ... فنزلت بصحبة والدتها وأختيها وهي تتفقد بعينيها ذلك الشارع الهادئ ... بدأنَ في حمل الحقائب حتى انتبهت صِبا لإمرأة متوسطة العمر تتبعها فتاتين ...
تقدمت المرأة ناحيتها تقول بتهذيب
( مرحبًا آنسة صِبا )
ردت تحيتها فتابعت المرأة بنفس الطريقة المبرمجة على نبرة التهذيب
( لقد أرسلنا السيد كريم لمساعدتكن في ترتيب الأغراض )
أومأت صِبا وقد تعرفت على هوية المرأة فقد سبق ورأتها عدة مراتٍ خلال زياراتها لمنزل عائلة كريم ....
أتاها صوت ملك تهمس في أذنها
( يبدو أنني سأبدأ في تغيير رأيي بشأن خطيبك المزركش ... لقد كنت أحمل هَم ترتيب الأغراض )
لكزتها صبا بتحذير وهي تبتسم للمرأة بمجاملة ... ثم تحركن إلى داخل المنزل ....

وعلى الجانب الآخر ....
خرجت سيارة أمجد فأخرجت زهرة رأسها من النافذة بنظرات فضولية
( يبدو أن جيراننا الجُدد قد انتهوا من تجهيز المنزل )
أومأ أمجد و هو يلقي نظرة سريعة على المنزل ثم التفت إلى زهرة
( هل نتجه إلى النادي مباشرة أم تريدين أخذ جولة بالسيارة معي أيتها الأميرة )
تلاعبت زهرة بخصلات شعرها لترد بابتسامة حلوة
( دعنا نتسكع قليلًا يا وسيمي )
أيدها بابتسامة مشابهة وهو يزيد من سرعة سيارته تاركًا نفسه لثرثرة زهرة المرحة ...

*************************

وصلا إلى النادى بعد نزهة طويلة في المدينة ... لتتعلق زهرة بذراعه وهي مستمرة في حديثها
( فقط لو استمعت لي وتناولنا غزل البنات )
رد أمجد باستنكار
( ألا يكفيكِ كل ما تناولناه؟ ... ثم كيف تريدنني أن أتناول تلك الحلوى الوردية كالفتيات ! )
احتجت زهرة لتهتف بتذمر
( كنت سأحضر لك اللون الأبيض يا أمجد )
علت ضحكاته وهو يهز رأسه بيأسٍ من طفولتها ... تأمل ملامحها المتذمرة مبتسمًا , شاعرًا بالامتنان لوجودها إلى جواره ... لطالما كانت زهرة هي ركنه الهادئ ... منذ أن كانت طفلة وهي تلتصق به وتتبعه أينما ذهب ... وهو بدوره كان يستمتع بصحبتها ... وكيف لا وهي تُشعره أنه حقًا مرغوب ... أن هناك من يرتاح لوجوده في منزلهم .... حتى بعد أن سافر لاستكمال دراسته ... لم تنقطع مكالماتهما بل على العكس زادت صداقتهما بشكلٍ أكبر وقد تشاركا تفاصيلهما ... لقد كان يزور المنزل فقط للتمتع بصحبتها ... وها هو قد عاد ليجدها كما هي ... شعلة متوهجة من الطاقة والحب ... انتبه على هتافها
( هل عدنا للشرود مجددًا؟ ... أين ذهبت؟ )
( معكِ يا صغيرة )
سحبته من ذراعه ليغيرا طريقهما وهي تتأفف بضجر .... فرفع أمجد حاجبه يسألها بتعجب
( ماذا بكِ؟ )
التفتت إليه لتقول بقنوط
( ألا ترى نظرات الفتيات نحوك؟ ... سيأكلنك بأعينهن ... لقد بدأت أشعر بالغيرة )
قهقه أمجد فلكزته زهرة بغيظ وهي تجز على أسنانها
( توقف عن الضحك بهذه الطريقة الجذابة وإلا فسوف يفترسنَك )
هز أمجد رأسه ليرد ممازحًا
( لم أكن أعلم أنني جذاب إلى تلك الدرجة )
تألق الحنان في ابتسامتها وهمست بعينين دافئتين
( بل أنتَ أوسم رجلٍ في العالم .... أين سيجدن مثلك؟ ... طول وعرض وجاذبية ... لا أعلم ماذا سأفعل عندما تتزوج ... أنا أشعر بالغيرة عليك من الآن )
رد مبتسمًا
( لن أتزوج ... سأتفرغ للتنزه معكِ والتسكع في شوارع المدينة )
ضحكت زهرة بسعادة وهي تتعلق بذراعه أكثر ...
( مرحبًا سيد أمجد )
التقطت أذناها عمق تلك النبرة فالتفتت نحو صاحبها وتتسع عيناها وقد تعرفت على هويته ...
بينما تسمع صوت أمجد يرد بترحيب
( أهلًا سيد راشد ... كيف حالك؟ )
رد راشد التحية بهدوء ... ولم ينسَ منح إيماءة راقية لزهرة التي وقفت صامتة بارتباك ... فركت كفها بتوتر وقد راودها القلق أن يتحدث أمام أمجد عن ذلك الموقف السخيف الذي تعرضت له ... رنَت إليه بنظرة خاطفة وقد جذبتها هيئته الشامخة ... همهمت لنفسها بفضول" اممم اسمه راشد إذًا "
استرقت نظرة أخرى ناحيته ...
" إنه ضخم جدًا "
هتف بها صوت طفولي في عقلها فكتمت ضحكتها وقد تذكرت هيئته ممسكًا بذلك الأحمق الذي ضايقها ... رفعت نظراتها نحوه مجددًا فاصطدمت بعينيه ترنو إليها ... فسارعت تشيح بوجهها المرتبك عنه ...
حين انصرف تابعت طريقها مع أمجد ولم يمهلها فضولها أكثر فسألت أخيها بلامبالاة زائفة
( هل هذا صديقك يا أمجد؟ )
كانا قد وصلا إلى الطاولة فجلس أمجد وأجابها بهدوء
( ليس بالضبط ... يوجد بعض الأعمال المشتركة بيننا منذ أن كنت بالخارج )
فسألته زهرة باهتمام
( هل كان يعمل بالخارج؟ )
أشار أمجد للنادل بينما يخبرها ببساطة
( لديه بعض الأعمال هناك ... لقد تعرفت عليه في رحلة عمل وكانت معه زوجته )
فغرت شفتيها وظهرت علامات الغباء والتبلد على وجهها بعد الكلمة الأخيرة
" زوجته ! " ... إنه متزوج ! ... لماذا إذًا كان ينظر إليها بتلك الطريقة الغامضة ... لقد أربكها بنظراته في المرتين اللّتان التقت به فيهما وقد حاصرها بعينيه ذات اللون الغريب ... حتى أنها احمرت خجلًا عندما حياها بنظراته منذ قليل ...
انكمشت مكانها وقد بدأت تشعر بالرهبة من المصادفة التي جمعتها به ....
وصل النادل ليطلبا طعامهما وسرعان ما اندمجت مرة أخرى في الحديث مع أمجد وقد قررت تجاهل التفكير في الأمر مؤقتًا ...

*******************************

دخلت صِبا غرفتها وقد تملّك منها الإرهاق بعد الانتهاء من ترتيب المنزل ... ارتمت على سريرها بعشوائية لتحدق في سقف غرفتها بشرودٍ لعدة دقائق .... ثم نهضت نحو مرآتها لتمسك بفرشاة شعرها وبدأت في تمشيط خصلاته بشرود بينما تتأمل صورتها في المرآة ... لقد انتقلن أخيرًا من منزلهن القديم ... ذلك كان أول ما سَعَت له في أولى خطواتها للتخلص من حياتهم القديمة ... والتخلص معها أيضًا من ذلك المكان الذي يحمل لها ذكريات مؤلمة ... لكن الآن كل ذلك قد انتهى , أليس كذلك؟ ... شمخت برأسها تبتسم ابتسامة قوية تطمئن بها نفسها كالعادة ... ثم تحركت بعدها تدور في غرفتها ... لتبتسم باستحسان من تلك اللمسات التي وضعتها السيدة التي أرسلها كريم ..
حدثت نفسها بإعجاب
( كريم ووالدته يُحسنان اختيار موظفيهم )
ثم وقعت نظراتها على هاتفها الموضوع أمامها لتسأل نفسها متحيرة
( أليس من الذوق أن أتصل به لأشكره؟ ... لقد تذكرنا رغم كل شيء )
ترددت قليلًا قبل أن تحسم أمرها لتمسك هاتفها وتضغط زر الإتصال ... لم تكد تمر بضع ثوانٍ حتى أتاها صوته الجاف
( مرحبًا )
ابتسمت تشاكسه
( إذًا فأنت فعلًا غاضب )
لم يصلها منه رد فتنهدت وتابعت تهدانه بنبرة ألطف
( شكرًا لأنكَ أرسلت لنا مَن تساعدنا )
صمت كريم لثوانٍ حتى أتاها رده المقتضب ( العفو )
استاءت من بروده فهتفت حانقة
( كريم !! ... توقف عن هذا الأسلوب )
لم يرد أيضًا .. فرفعت رأسها تردف بكبرياء
( على العموم لقد اتصلت لأشكرك ... وآسفة إن كنت قد أزعجتك ... تصبح على خير )
كادت تغلق الخط لولا أن أتاها هتافه
( صِبا انتظري )
صمتت وهي تسمع تنهيدته على الجانب الآخر قبل أن يهمس بصوت هادئ
( لن أنكر أنني ما زلت غاضبًا ... لكنني سأتغاضى عن ذلك لأنني اشتقتُ إليكِ )
عضت صِبا شفتيها وحدثته مبتسمة
( حسنًا أيها الغاضب المشتاق ... أنتَ مدعو لدينا على الغداء بأمرٍ من أمي ... حدد موعدًا مناسبًا لتأتي مع والديك )
رد كريم
( أنا أشتاق حقًا لطعام والدتكِ اللذيذ ... لكنني سأكون سعيدًا أكثر لو حولنا هذا الغداء إلى احتفالٍ صغير بمناسبة عقد قراننا )
حكت جبهتها بملل وقد عاد يرهقها بإلحاحه ... وهي من ناحيتها لا تريد أن تتسرع وتوافقه على طلبه ...
تنحنت صبا تقول بنبرة حاولت جعلها رقيقة ( كريم ... صدقني أنا أتفهم جيدًا رغبتك في تقوية علاقتنا .. لكن أنا فعلًا لا أشعر أنني مستعدة )
سمعت زفرة حادة يتبعها صوته الغاضب
( أنا لم أعد أفهمك يا صِبا ... لطالما غضبتِ مني بسبب محاولاتي في التقرب إليكِ ... وأنا احترمت رفضكِ وتقبلته ... والآن وأنا أطلب منكِ أن نعقد قراننا تتحججين !! ... إذًا فماذا تريدين بالضبط؟ )
أظلمت ملامحها حين ارتفع صوته في جملته الأخيرة ... ولم يعجبها ذلك الأسلوب ... فتكلمت
بنبرة صلبة وقد كسا البرود عينيها
( أنا التي لا تفهم سبب وضعك لعلاقتنا في إطار التلامس ... أنا اُقدِر جيدًا أن البيئة التي نشأت أنتَ فيها تتيح ذلك التقارب في فترة الخطبة ... لكننا اتفقنا منذ البداية أننا سنتعامل في هذه الفترة كصديقين )
همس كريم بتساؤلٍ عاتب
( وهل كنت أنا صديقًا سيئًا؟ )
لوحت بيدها لتهتف بعصبية
( بالعكس ... لقد كنت صديقًا جيدًا , ولكن عندما تنتقل من تلك الخانة وتتصرف كخطيبي فأنت ... أنت )
صمتت لا تعرف كيف تكمل جملتها ... كيف تخبره أنها أحيانًا تخشاه ! ... هي تعلم جيدًا بعلاقاته العابرة قبلها , وتقبلت كونه شابًا عاش برفاهية وتفتُح طوال حياته ... لكن تصرفاته معها أحيانًا تُشعرها ببعض الرهبة ... حين تلمح نظراته ناحيتها كدمية جميلة يرغب في امتلاكها ... كانت تعلم بعيوبه قبل خطبتهما ومع ذلك تقبلت اقتحامه لحياتها خلال سعيها نحو حياةٍ جديدة ... إلا أنها لا يمكن أن تنكر ذلك الإحساس الخائن بالتقزز الذي يتسلل إليها كلما اقترب منها من الناحية الحسية .. فتتخيل كيف ينظر لها بعينيه اللّتان اعتادتا نيل ما تريدان ...
قاطع أفكارها صوته الجامد حين حثها على المتابعة
( أنا ماذا؟ )
تنهدت صبا وقالت بمواربة تحاول تلطيف الأمر
( أنت تضغط عليَّ بهذا الإلحاح .. دعني أفكر قليلًا دون ضغط ...أرجوك )
رد بنبرة استشعرت فيها بعض البرود
( حسنًا ... لن أفتح معكِ هذا الموضوع طالما أنني أضايقك بإلحاحي )
زفرت بارتياح ومازحته
( والآن أيها السيد الغاضب .. هل سامحتني أم ستظل على خصامك؟ )
ابتسم كريم يقول بصوت ممطوط
( بصراحة كنت أفكر في التمادي قليلًا ... لكن شوقي إليكِ يغلبني )
ضحكت دون أن يختفي بداخلها القلق ... لكنها اندمجت معه في حديث طويل بعد أن تبدد التوتر وعاد إليه مرحه ...
حين أنهت الاتصال كانت بحاجة مُلحة لبعض الهواء البارد ... فتحركت نحو نافذة غرفتها وخرجت إلى الشرفة تستمتع ببعض النسمات اللطيفة بينما تراقب السماء بشرود ....

*****************************

أغلق أمجد الملف أمامه وهو يفرك عينيه بإرهاق ... لقد قضى نصف النهار مع زهرة ولم يعودا إلا في وقتٍ متأخر ليصعد إلى غرفته يُنهي بعض الأعمال ... نظر في الساعة ليجدها تشير إلى منتصف الليل ... لسعته نسمة باردة فتوجه للنافذة المفتوحة ينوي إغلاقها ... لكن شيء ما جذب أنظاره وجعله يطيل النظر للشرفة المقابلة , حيث ينعكس ضوءًا فضيًا منحه مشهدًا بهي , وسرق انتباهه دون إرادةٍ منه ...
وأمامه كانت تقف مغمضة العين , وجهها مرفوع للأعلى تتلقى ضوء القمر على بشرتها ..
تضم ذراعيها حول جسدها بشالٍ خفيف , وقد شاركتها نسمات الليل تلك الأمسية فداعبت خصلاتها الحرة التي تراقصت حول خصرها ...
بانشداه ابتلع ريقه ولَم يشعر أنه تحرك مقتربًا من سور الشرفة ...
فتعلقت عيناه بها وكانت لا تزال في غفلة عنه ... ثوبها المتطايرة أطرافه احتضن قوامها بنعومة منحتها رونق الحوريات ...
مرت الدقائق ما بين تأمله وشرودها ... حتى فتحت عينيها فجأة فاصطدم بلمعتها تحت ضوء القمر , حين أبصرها تمتم قلبه بنبضة مسموعة ...
وعلى الجانب الآخر وقفت صبا تلتقط أنفاسها المضطربة وقد أجفلها ذلك الظل الضخم الذي يحملق بها ... فابتلعت ريقها ودققت النظر في ملامحه , لكن الظلام الذي أحاط بشرفته جعل ملامحه مبهمة , فتسلل إليها بعض الخوف سرعان ما نفضته عنها , واستدارت لداخل غرفتها ...
انتبه أمجد من شروده ما إن لمحها تتحرك لتستدير بسرعة وشعرها يلتف حولها .. واختفت خلف نافذتها التي أغلقتها في وجهه ...
ظل واقفًا مكانه لعدة دقائق يحدق في الشرفة التي اعتاد رؤيتها مغلقة ... ثم تحرك ليدخل غرفته هو الآخر ... تمدد على سريره ليضع ذراعه أسفل رأسه مغمضًا عينيه باسترخاءٍ ... وذهنه يُعيده للمشهد الذي رآه لتوه حتى ذهب في نومٍ عميق ...

****************************

في صباح اليوم التالي زفرت مريم بضيق وهي تحاول التعامل مع ماكينة تصوير الأوراق أمامها ... ضغطت بعنفٍ على بعض الأزرار ليأتيها صوتًا تتراقص به التسلية
( هل أرى محاولة إتلافٍ لممتلكات الشركة أم ماذا؟ )
التفتت له بحدة ثم زمت شفتيها في تبرم وهي ترمق وقفته المسترخية يمسك في يده مشروباً ساخنًا يشربه بتلذذ ..
أعطته ظهرها وغمغمت بفتور
( ممتلكات الشركة لا تعمل من الأساس سيد مروان )
هز رأسه وقد اتسعت ابتسامته المستمتعة ... تقدم ناحيتها ينظر إلى الماكينة عاقدًا حاجبيه مُتظاهرًا بالتفكير ثم مَد يده يضغط بعض الأزرار حتى أصدرت الماكينة صوتًا وبدأت في طباعة الأوراق ...
رفع رأسه ينظر لها بابتسامة جذابة
( إنها الآن تعمل )
تظاهرت مريم بالانشغال في تنظيم الأوراق وتمتمت بخفوت
( شكرًا لك )
اعتقدت أنه سينصرف إلا أنه ظَل واقفًا مكانه ... فالتفتت إليه لتجده يتأملها وهو يرتشف مشروبه بتلك الطريقة التي بدأت تستفزها ...
فسألته بفتور
( سيد مروان , هل تحتاج لشيء؟ )
لم يرد عليها مباشرة ... بل أخذ وقته ليرتشف المزيد وقال
( لقد رأيتكِ في الشركة باكرًا ... ألم تذهبي إلى الجامعة اليوم؟ )
رفعت حاجبًا واحدًا وهي تتأفف في داخلها من تطفله , إلا أنها ردت بهدوء
( ليس لديّ محاضرات اليوم )
أومأ مروان بتفهم
( اعتقدت أنكِ تفوتين محاضراتكِ من أجل العمل ... لا نريد أن تتأثر علاماتكِ الجيدة )
ردت مريم بتهكمٍ خفي
( وهل تقرأ ملفات كل العاملين وتراجع علاماتهم في الدراسة؟ )
هز كتفيه يقول ببساطة رغم لؤم عينيها
( ليس جميعهم بالطبع ... ملفات محددة هي ما تسترعي انتباهي )
اشتعلت عينا مريم واحتد صوتها حين هتفت
( لا أعتقد أن هناك داعٍ لهذه التلميحات ... فأنا أقوم بعملي كأي موظف هنا ولا أستغل أي وساطة )
لم تتغير ملامح مروان الهادئة وهو يرد عليها بنبرة أكثر هدوءًا
( آنسة مريم ... أتمنى أن تنتهي سريعًا من تجهيز الملف الذي بيدك .. فأنا أريد مراجعته بنفسي )
ودون أن يكترث بملامحها المستنكرة تحرك من أمامها ليتوجه إلى مكتبه بخطواتٍ مسترخية ...
أما هي فظلت تحدق في ظهره بفمٍ فاغر وعينين تشتعلان غضبًا من بروده ...

*****************************

( ألن ننتهي مِن هذا الموضوع؟ .. هل ستظلين طوال الوقت تتشاجرين معي بسبب تلك التوصية ... هل أقتل كريم لترتاحي؟! )
صدح صوتها الغاضب بينما تحاول التركيز في القيادة ... لترد مريم الجالسة جوارها
( الخطأ ليس خطأ كريم بل خطأك أنتِ ... لأنني نبهتكِ يا صِبا ألا تطلبي منه تلك التوصية ...
والآن أنا مضطرة إلى تحمل سماجة ذلك اللذج مديري )
هتفت صِبا بنزق
( ولماذا تتحملين سماجته؟ ... أنا سآتي معكِ غدًا إلى العمل وأتحدث معه ... من يظن نفسه؟ )
لوحت مريم بكفيها باستنكار
( هل نحن في مدرسة بالله عليكِ؟ ...
ألا يكفيكِ أنني توظفت بتوصية والآن أحضر لهم ولي أمري ! )
نظرت لها صبا وقالت بفظاظة
( إذًا فلتصمتي وتوقفي عن الشكوى مِن مديركِ ... هل أنتِ طفلة لتتذمري من مشاكل العمل؟ ... لقد توظفتِ منذ بضعة أيامٍ فقط ! )
فجأة قاطعتها شهقة مريم التي صرخت برعب
( انتبهي يا صبا !! )
بأعجوبة نجحت في التحكم بمقود السيارة ثم ضغطت على المكابح فتوقفت على بعد خطوة واحدة من سيارة أخرى كانت على وشك الاصطدام بها ...
ظلت صِبا تنظر أمامها بعينين متستعتين وأنفاسٍ مضطربة ... تمالكت مريم أعصابها وربتت على كتف أختها بقلق
( هل أنتِ بخير؟ )
ردت صِبا بصوتٍ ذاهل دون أن تتخلص من حالة الصدمة التي تلبستها
( يا إلهي كدت أقوم بحادثٍ للمرة الثانية )
ثم التفتت إلى مريم تردف بصوتٍ بائس
( حادثتين في أسبوعٍ واحد؟! .. هذا كثير والله كثير )
وبتهورٍ فتحت باب سيارتها واندفعت ناحية سائق السيارة الأخرى ... لم تكد تهتف بما أرادت حتى انحبس الصوت في حلقها بشهقةٍ حادة ما إن تعرفت عليه ... فعضت شفتيها هامسة بولولة
( آآآه وبهذا تكون قد اكتملت ... هذا فعلًا ما كان ينقصني )
أما هو فلم تقل دهشته حين لمحها تنزل من سيارتها وتندفع نحوه ... تسمر مكانه وهو ينظر لهيئتها الغاضبة ووجهها المشتعل احمرارًا ... كانت قد وصلت إليه لتقف قبالته فحادت نظراته لشعرها الطويل الذي استقر بنعومة على كتفها في هيئة ذيل حصان ... أما عينيها فكانتا تشتعلا بزرقتهما تحت أشعة الشمس ..
ترتدي بلوزة زرقاء رقيقة تشبه لون عينيها فشكلتا معًا تناغمًا جذابًا ... ومض عقله وذكره بمشهد الشرفة بالأمس ...
وقتها لم تكن ملامحها واضحة كفاية , لكنه الآن يتأكد أنها هي ... ارتفع حاجباه بدهشة من تلك الصُدف , إلا أنه تنتحنح بخشونة يُجلي صوته ليتحدث بهدوءٍ مستفز مستغلًا صدمتها
( هل تقومين بحادث يوميًا كنوع من أنواع كسر الروتين أم ماذا؟! )
احتقن وجهها وتملكها الغيظ فألقت نظرة سريعة نحو مريم التي انزوت بجانب السيارة ... ثم التفتت إليه تصيح بفظاظة
( ألم يلفت انتباهك أن هذا هو ثاني حادث معك ... أنا أقود سيارتي يوميًا ولا يحدث شيء ... إذن فالمشكلة تكمن بك أنت )
ارتفع حاجبا أمجد بدهشة ليهتف وكأنه يخاطب مختلة عقليًا
( يا آنسة أنتِ لديكِ مشكلة في التحكم بسيارتكِ عند المنعطفات ... لقد كررتِ نفس خطأكِ الذي ارتكبتِه منذ أسبوع )
احتدم غيظها لشعورها بالإهانة , ورغم علمها بأنه محق إلا أنها رفضت الاعتراف بذلك وزمجرت بتحفز
( أنتَ يا هذا ... أنا لا أواجه أية مشاكل ...
وقيادتي رائعة جدًا بالمناسبة )
رمش بعينيه وهو يتأمل وقفتها المتحفزة وهي ترفع سبابتها في وجهه وتتحدث بتلك الجدية حتى كادت تقنعه أنه المخطئ فعلًا !! ...
لوى ثغره متهكمًا
( وهذا الحادث ماذا تسمينه؟ ... إثبات على قياتكِ المذهلة؟ )
زفرت صبا ترد بمكابرة
( أنتَ الذي تظهر أمامي بسيارتك فجأة ... هل تُعد مفاجأة لسيارات الشارع أم ماذا؟ )
ابتسم أمجد ابتسامة باردة وقال بسماجة
( يبدو أن مستواكِ في الكوميديا لا يختلف كثيرًا عن مستواكِ في القيادة )
ودون كلمة أخرى تحرك ناحية سيارته ليستقلها منطلقًا بها إلى داخل الحي ...
فغرت صِبا فمها بذهول من قصفه لها وظلت تحدق في سيارته التي ابتعدت ... ثم التفتت لمريم تقول بغيظ
( هل رأيتِ وقاحته؟ ... لَم أرَ في حياتي إنسانًا بتلك الوقاحة )
ضغطت مريم شفتيها وسألت بتوجس
( هل تعرفين هذا الشخص؟ )
لوحت صِبا بذراعها وهي تهتف حانقة
( إنه نفس الأحمق الذي اصطدم بسيارتي منذ أسبوع ... أرأيتِ حظي العاثر؟ )
تنحنحت مريم وكررت بحذر
( لقد فهمت من كلامكما أنه ليس الحادث الأول ... أنا أعني .. هل تعرفين من يكون هذا الشخص؟ )
زفرت صِبا وتحركت لتركب سيارتها ساخطة
( ومِن أين لي أن أعرفه ؟ ... هل ترين حياتي تحتمل شخصًا وقحًا وسمجًا وفظًا مثله؟ )
أغلقت مريم الباب المجاور لها وقالت وهي تحدق بقنوطٍ في الشارع الممتد أمامها
( هذا الوقح السمج الفظ هو في الواقع ... صاحب الشركة التي أعمل بها )

= ( مااااذااااا ؟!!!! )

****************************

( لآخر مرة سأقولها يا مريم ولن أكرر كلامي ... أنتِ لن تذهبي إلى تلك الشركة مجددًا ... انتهى الأمر )
هتفت بها صِبا وهي تغلق باب المنزل لترد مريم باستنكار وهي تتبعها
( هل فقدتِ عقلك يا صِبا ؟! .. تريدينني أن أترك عملي بسبب حادثكِ مع السيد أمجد؟ ... و ما ذنبي أنا؟ )
التفتت إليها صِبا لتشد شعرها صارخة بجنون
( لا تنطقي اسمه أمامي ... وأجل ... سوف تتركين العمل لديه ... هل تعتقدين أنني حمقاء لأتركك تذهبين إلى شركة يكون هو صاحبها؟ )
جاءت والدتهما تتبعها ملك و هما تتسائلان عن سبب صوتهما العالي فهتف مريم بغضب
( تعالي يا أمى وتصرفي مع ابنتكِ ... لقد عرفنا للتو أن مديري بالعمل هو نفس الشخص الذي اصطدمت صِبا بسيارته من قبل ... والآن تريدني أن أترك العمل لهذا السبب )
ضيقت صِبا عينيها لتتساءل بتركيز
( لحظة لحظة ... هل هذا الوقح هو نفسه مديرك بالعمل الذي يضايقك بشأن التوصية؟ )
برمت مريم شفتيها و هي تجيب
( لا ... إنه صديقه وكلاهما شركاء في تلك الشركة )
لوحت صبا بكفها متهكمة
( بالطبع ... من الطبيعي أن يملك هذا الوقح صديقًا بنفس سماجته )
ثم نظرت إلى مريم و هي تردف بقوة
( انسي أمر العمل تمامًا ... انتهت المناقشة )
لم تعطِها الفرصة للرد لتتحرك و هي تصعد السلم الداخلي للمنزل بخطواتٍ غاضبة ناحية غرفتها ...
جلست مريم بتعب على أحد الكراسي
وهي تضع رأسها بين كفيها ... فنظرت ملك لوالدتها ثم عادت تلتفت لأختها قائلة ببساطة
( لقد فقدت أختكِ عقلها )
رفعت مريم رأسها لتنقل نظراتها بين والدتها وملك .. وقالت بوجوم
( لقد رأيت سيارة السيد أمجد تتجه إلى داخل هذا الحي ... أتمنى أن يكون قد أتى فقط لزيارة صديق ... لأنه إذا كان ما أفكر به صحيحًا فهذا يعني أن الأيام القادمة ستكون حافلة بمزيدٍ من الشجار والصراخ ... وجنون صِبا )




انتهى الفصل

يُتبع ....


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:42 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.