آخر 10 مشاركات |
|
مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما رأيكم؟ | |||
جيد | 13 | 43.33% | |
متابع | 3 | 10.00% | |
لا بأس به | 2 | 6.67% | |
أعجبني | 18 | 60.00% | |
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 30. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
17-11-21, 03:47 AM | #24 | |||||
| اقتباس:
الحبكات كلها متداخلة وهتأثر على بعضها.. لسه عندنا أحداث هتغير حاجات كتير... بما إنك تنبأتِ بمريم ومروان، وراشد وزهرة فالفصول القادمة هتكون فيها أحداث مهمة تخصهم.. فارس ورحمة دول حبايبي والله♥️، ليهم نصيب كبير من المشاهد في الفصول القادمة.. سامر هنشوفه كتير متقلقيش 🙈.. ولسه عندنا صبا وقصتها. موعدنا الخميس من كل أسبوع الساعة ١٠ مساءً بتوقيت مصر.. شكرًا لكلامك اللطيف ويشرفني أعرف رأيك في الأحداث القادمة ♥️ | |||||
18-11-21, 11:56 PM | #25 | ||||
| على شرفات الحب الفصل السابع ... استند إلى سور شرفته يتطلع للشارع الفارغ بشرود .. لتقع نظراته على النافذة المقابلة وقد رأى أضواء الغرفة تُضاء ... لمح من خلف الستائر ظلًا يتحرك باتجاه النافذة .. فتحفزت خلاياه متوقعًا أن تُزاح الستائر ... إلا أن الظل توقف مكانه لُتغلق بعدها النافذة بعنفٍ مُصدرة صوتًا عاليًا وصله في مكانه فرفع حاجبًا مرتابًا ووجد نفسه يمعن النظر أكثر ناحية الغرفة المضاءة ... قاطعته طرقة على باب غرفته تلاها دخول زهرة الصاخب ( مساء الخير أخي الوسيم ) استدار ناحيتها مبتسمًا بينما اقتربت منه لتتكئ بظهرها إلى سور الشرفة ووقفت قبالته مكتفة ذراعيها ... ثم عبست فجأة تقول بتقريع ( لم تخرج من غرفتك منذ أن عدت من عملك ... حتى أنك لم تشاركنا الغداء ) أجابها بالرد المعتاد ( جلست لأنجز بعض الأعمال ولم أشعر بمرور الوقت ) هتفت مستنكرة ( تنسى تناول الطعام بسبب العمل؟ ... لا , أنا لا يعجبني هذا الوضع ... والآن هيا أمامي , فالجميع ينتظرنا على العشاء ) سحبته من يده كي يتبعها إلا أنه لم يفعل وسألها بتردد ( زهرة ... هل رأيتِ جيراننا الجدد؟ ) حانت منها نظرة ناحية المقابل وأشارت برأسها نافية ( لا .. لم ألتقِ بأي منهم ... لماذا تسأل؟ ) رفع كتفيه علامة عدم الاهتمام وأجاب ببساطة ( لا شيء ... أنا فقط رأيت بعض النوافذ مُضاءة على غير عادة هذا المنزل بالذات ... فتذكرت أنكِ ذكرتِ أمر الجيران الجدد ) همهمت باقتناع ثم جذبته هاتفة بتذمر ( حسنًا هيا لنتناول العشاء فأنا أشعر بالجوع ) ورغم أن مزاجه الحالي لا يسمح بأي احتكاك عائلي , لكنه لم يشأ أن يكسر خاطرها .. فاستجاب لرغبتها وتبعها إلى الأسفل كي يؤدي ذلك الواجب الثقيل . ******************************* وعلى الجانب الآخر كانت صِبا تُغلق نافذتها بعنف وهي تتحدث مع كريم على الهاتف بعصبية ( لا يا كريم أنا لا أضخم الأمور ... لا يُفترض بها أن تذهب للعمل بعد ما حدث ... كما أن مديرها سمج وسبق واشتكت مِن مضايقاته ! ) كانت تتحدث بينما تفتش في أشيائها المبعثرة بحثًا عن أحد اغراضها .. فلم تنتبه لصوته الذي ارتفع قليلًا وقد بدا نافد الصبر ( لا يمكنكِ أن تمنعيها عن عملها بسبب تلك المشكلة البسيطة ... دعيها تتحمل مسؤولية اختيارها دون أن تشغلي بالكِ بكل كبيرة وصغيرة ... ولا تقلقي بشأن مديرها أنا سأهتم بالأمر ) زمت شفتيها تقول بتبرم ( لا داعي لذلك ... يكفيني ما نالني منها من تقريع بسبب توسطك لها ... هذه الفتاة ستصيبني بالجنون أقسم بالله ) هدأ من حدة انفعاله وقد عاد لتملقه ... فحاول تهدئتها بقوله ( حسنًا هل يمكنكِ فقط أن تهدئي حتى الغد؟ .. أنا سأتحدث معها على الغداء ... لا تقلقي ) منحته موافقة مقتضبة قبل أن تغلق معه الاتصال ... ثم هزت رأسها قائلة باستهزاء ( مِن بين كل الشركات يأتي حظكِ في شركة ذلك السخيف ... كيف تتحملينه بالله عليكِ؟! ) ********************************** استقر في مكانة حول مائدة الطعام تجاوره زهرة دون أن يغفل ذلك التوتر المسيطر على الأجواء .... رغمًا عنه اتجهت نظراته لفارس مستشعرًا أنه سبب المشكلة ... إلا أن الآخر كان يجلس بهدوء بجانب زوجته دون أن يبدو على ملامحه سوى الملل .. لم يحتاج أمجد للمزيد من التفكير وقد لمح وجه ريهام المشتغل بغضب على عكس جمودها المعتاد ... لكنه كعادته آثر الصمت و بدأ في تناول طعامه بهدوء بينما يتابع الجميع بنظراته .... كسرت زهرة الصمت وقالت بريبة , وهي تنقل نظراتها بينهم ( ماذا بكم؟ ) لم تصلها إجابة ... لكنها انتفضت فجأة من مكانها وهي ترى ريهام تنهض بعنف وتتجه بخطواتٍ غاضبة ناحية غرفتها ... تبادل أمجد معها نظرات متسائلة ... حتى وقعت نظراته على المكان المجاور لكرسي لريهام , لينخلع قلبه وقد أشفق بحال ابنتها التي كانت تحدق فيهم بعينين دامعتين .... انتبهت زهرة إلى ما يحدق به , فنادت الطفلة بإشفاق ( ليان حبيبتي ... تعالي يا صغيرة ) تكاثفت الدموع في عينيّ الطفلة دون أن تتحرك من مكانها ... فنهضت زهرة لترفعها بخفة فتمسكت بها الطفلة وقد بدت مزعورة بشكل مقلق ... اتخذت مكانها بجانب أمجد ثم صدح صوت والدهم بسخط ( هل هذه تصرفات إمرأة ناضجة وأم عاقلة؟ ) تنهدت السيدة مشيرة بقلة حيلة , وغمغمت بتحشرج ( يال حظك العاثر يا حبيبتي ... لم ينصفكِ القدر لا في زوجك ولا في ابنتكِ ) ثم أجهشت في البكاء دون صوت وهي تستغفر الله ... فسارعت رحمة باحتضانها .. وقالت بينما تربت على كتفها بمواساة ( لما البكاء الآن يا زوجة عمي؟ ... أساسًا لم يكن هناك داعٍ لفتح سيرة الزواج أمامها مرة أخرى ) ردت المرأة بحزن ( نحن نريد مصلحتها ... لن أرتاح إلا عندما أراها مستقرة مع زوج يصونها ويعوضها ) لوح السيد شكرى بكفيه ساخطًا ( وهل كانت حافظت على زوجها الأول والذي اختارته بإرادتها , لتحافظ على زوجٍ آخر؟ ) تكلم فارس متهكمًا ( وليتها أحسنت الاختيار .. كم مرة اعترضنا على تلك الزيجة !! ... والآن انظروا لحالها وانظروا لحال ذلك النكرة طليقها الذي يعيش حياته بينما لا تزال هي تنوح فوق الأطلال ) ارتفع صوت بكاء السيدة مشيرة فضمتها رحمة لصدرها وهي تحذر فارس بعينين حانقتين ... تحدثت زهرة وهي تحتضن ليان أكثر ( لا داعِ لهذا الحديث الآن أمام الطفلة ) عاد الصمت يحلق في فضاء الغرفة ... كان أمجد يراقب الوضع دون أي تدخل ... حتى التقطت أذناه نشيجًا مكتومًا فالتفت نحو الطفلة التي لم يختفِ الرعب عن عينيها وقد بدأت دموعها في النزول .. كانت ملامحه الآن أشبه بتمثال حجري دون أي انفعالات على وجهه ... لكن خيوط الألم التي تشابكت في عينيه كانت تنسج مشهدًا لا ينفك يطارده بإصرار .... ليشعر بوخزٍ مؤلم في صدره , وهو يسترجع ذكرى مشابهة لطفلٍ دامع العينين بقلة حيلة بعد أن تركته أمه وحيدًا . ************************************ لم يستطع النوم تلك الليلة وقد انشغل ذهنه بما حدث على العشاء , متذكرًا كلام زهرة التي فسرت له ما يجري مع ريهام " منذ طلاقها وهي تعيش في هذه الحالة من الانعزال ... لم يحاول طليقها إصلاح الأوضاع على الرغم من احتياج ابنتهما لذلك .. وريهام بدورها ترفض الزواج بعده ... أنا أعلم أنها ما زالت تحبه , وتأمل أن يعود إليها .. بعد طلاقهما بفترة لاحظنا صمت ليان الدائم وتعثرها الواضح في الكلام ... في البداية لم نُلقِ للأمر بالًا بعد أن قال الطبيب أنه لا يوجد مشكلة من الناحية الجسدية ... لكن الأمر زاد سوءًا بعدما تدهورت حالتها النفسية وأصبحت تهاب الجميع وترفض النطق بأي كلمة ... والأدهى من ذلك أن والدها يُحمِل ريهام السبب ويتهمها بالإهمال ... لقد عرضناها على العديد من الأطباء وأكد الجميع على عدم وجود سبب عضوي ... حتى انتهى الأمر بتشخيصها بالخرس الاختياري .. مسكينة تلك الفتاة " تنهد أمجد وقد تملكته الشفقة لحال ريهام ... لطالما كانت علاقتهما مُتباعدة وغير مفهومة ... منذ طفولتهما وهو يشعر أنها لا تبالي حقًا بوجوده في المنزل من عدمه ... وهو بدوره لم يحاول التقرب منها ... حتى موضوع طلاقها هذا لا يعرف عنه سوى القليل ... إن علاقتهما تكاد تكون منعدمة فعلًا !! .... هو حتى لا يعرف إن كان ذلك بسبب سفره الدائم أم لأن ريهام كانت تُفضل كونها منغلقة على نفسها ... غادر الفراش لتقوده قدماه ناحية نافذته المفتوحة ونظراته تتجه للشرفة المقابلة ... فلم يقابله سوى النوافذ المغلقة والظلام الذي غلف الشرفة كما اعتاد رؤيتها قبل فترة طويلة ... وقف مكانه لعدة دقائق ينتظر شيئًا لا يعرفه ... واستمر الظلام في عناده فتسلل إليه إحساسًا ثقيلا بالإحباط .. إحباط لم يفهم سببه واستنكره في نفسه ... فعقد حاجبيه بضيق واستدار عائدًا للداخل ثم أغلق الستائر بحزم وخشونة. ***************************** في اليوم التالي ... كانت تجلس بجانب كريم إلى مائدة الطعام وهي تتناول طعامها بهدوء , غير غافلة عن حركات والدته المتأففة ... منذ أول لقاء لهما وحماتها لا تفوت فرصة إلا وأظهرت فيها بأنها لا تتقبلها ... أما صِبا فكانت تتعامل معها ببعض البرود دون أي محاولة لإبهارها ... لم تهتم مطلقًا بمحاولات المرأة المستمرة في جذبها ناحية سيدات الطبقة الأرستقراطية , وهذا بدوره ساهم أكثر في توتر العلاقة بينهما ... إلا أنها في الواقع لا تهتم ... حانت منها نظرة لوالده الذي يتشاغل في تناول الطعام دون أن يأكل فعلًا ... في تعاملها معه لم تجد منه ما يضايقها ... ورغم أنه يتعامل معاها بأدبٍ و لطف لكنها تدرك بحدسها أنه لا يتقبلها كزوجة لابنه الوحيد ... تعلم أن والديه وافقا على تلك الخطبة فقط بسبب إصرار كريم عليها , وأنهما بالطبع لا يعجبهما كون خطيبة ابنهما تنتمي لعائلة عادية لا تناسب عراقة وثراء عائلتهم ... انتهوا من تناول الطعام -أو بمعنى أصح التظاهر بتناوله- .. ليتوجهوا إلى غرفة الضيوف ... كانت الجلسة مملة باردة لا يبددها سوى محاولات كريم في تلطيف الأجواء ... زفرت صِبا وهي تحدج والدتها بغيظ بسبب إصرارها على هذه الدعوة .. بينما تحدثت والدة كريم برأسٍ شامخ كعادتها ( لماذا لا تقصين شعرك يا صِبا ! ... إن طوله الزائد هذا يعطيه مظهرًا عشوائيًا ... سأعطيكِ عنوان صالون التجميل الذي أتعامل معه لتحصلي على قصة أكثر عصرية ) ردت صبا بفتور وقد رسمت على شفتيها ابتسامة جليدية تتقنه ( شكرًا لكِ سيدة رجاء على هذا الاهتمام بشعري ... لكنني أُفضله هكذا ولا أفكر في قَصه ) تقافز الغضب على ملامح المرأة وقد احمر وجهها ... فنظرت لابنها بعينين متوعدتين جعلته يتنحنح برجاء صامت .. بينما نهض والد كريم وهو يقول بقول بصوتٍ راقٍ ( علينا الاستئذان الآن .. فأنا لدي بعض الأعمال ... شكرًا على الدعوة اللطيفة ) نهضت زوجته بدورها لترافقه إلى خارج المنزل تتبعهم كلا من صِبا ومريم ... ركبا سيارتهما الخاصة ليشير لهما كريم بأن يتحركا ... ثم التفت إلى مريم ( لم يتسنى لنا الوقت للحديث ) نظرت مريم لصِبا بطرف عينيها ثم التفتت لكريم تقول ببرود ( أعتقد أنه من المفترض أن يكون الحديث مع خطيبتك ) تنحنح كريم ثم أشار لصبا بعينيه فتحركت إلى داخل المنزل بخطواتٍ غاضبة ... بينما هتفت مريم بذهول ( أرأيت؟ ... إنها تتبجح بأنها غاضبة فقط لأنني لم أرضخ لها وأصريت على الذهاب لعملي اليوم ) رد كريم يمازحها ( إنها تمارس دور الأخت الكبرى ... هي الآن غاضبة قليلًا لكنها ستنسى الأمر ... أنتِ تعلمين صِبا ... فلتهتمي أنتِ بعملك وأنا سأتعامل مع الوضع ) أومأت برأسها ... ثم كتفت ذراعيها تقول بفتور ( بالمناسبة شكرًا على التوصية .. كانت فكرة رائعة ) تنحنح كريم وهو يحك جبهته ضاحكًا ( أختكِ هي التي طلبت ذلك ) شاركته مريم الضحك وهي تهز رأسها بيأس ... و على مسافة بعيدة نسبيًا أوقف مروان سيارته كي يدقق النظر في ذلك المشهد ... لقد كان في طريقه إلى منزل أمجد وقد أخذته أفكاره إليها يتذكر شرودها صباحًا في العمل ليفاجأ بها أمامه واقفة بهيئتها الرقيقة تتحدث مع ذلك الشاب وقد بدا أنها تعرفه جيدًا ... لم يحتَج مروان الكثير من الوقت ليتعرف على هويته .. إنه كريم نصار .. تذكر التوصية التي جاءت باسمها وبدا من خلالها أنها على معرفة شخصية به .... كزَّ على أسنانه وهو يراها تضاحكه بمودة وتتحدث بأريحية لا تشبه أبدًا طريقتها المتحفظة في العمل وخاصة معه هو .... أخيرًا انتهت من حديثها معه ليركب كريم سيارته مغادرًا وتوجهت هي إلى داخل المنزل ... بينما تقدم مروان بسيارته وترجل منها والتفت برأسه يمعن النظر في المنزل الذي دخلته للتو قبل أن يتحرك ليدخل منزل عائلة أمجد والتساؤلات تملأ رأسه .... ******************************* صعدت درجات السلم بخطواتٍ راكضة حتى وصلت إلى الباب المؤدي للسطح المنزل ... فتحته بحرصٍ دون صوتٍ وتقدمت بخفة نحو منتظِرها الذي يوليها ظهره وقد شرد بصره نحو السماء ... توقفت على بُعد خطوة واحدة منه ونقرت على كتفه بأصابعها فالتفت إليها سريعًا , يعاتبها بلهفة ( لماذا تأخرتِ؟ ) ردت برقة ( لم أستطع الإفلات من زوجة عمي ) ابتسم ليسألها بفضول ( ماذا كنتما تفعلان في المطبخ منذ الصباح؟ ) هزت كتفيها ضاحكة وتقدمت تشاركه الاستناد إلى سور الشرفة ثم أجابته بشقاوة ( كنت أساعدها في إعداد الطعام وأصرت أن تعلمني الطريقة ) مد كفه بخفة لخصرها كي يقربها إليه ثم همس بابتسامة خشنة ( يبدو أن أمي قد بدأت في استعداتها من أجل تتويج زوجة ابنها المستقبلية ) احمر وجهها أمام أنفاسه القريبة فحاولت الإفلات منه , هامسة ( فارس ... ابتعد ) التوت شفتيه في ابتسامة عابثة دون أن يترك خصرها بل جذبها ناحيته أكثر وهمس لها بحرارة ( اشتقت إليكِ ... لا تكوني متبلدة الإحساس ) تخلصت من حصاره بصعوبة وابتعدت خطوة للخلف وهي تراقب باب السطح بقلق ... ثم التفتت إليه توبخه دون أن يعلو صوتها ( ستفضحنا أقسم بالله .. توقف عن وقاحتك تلك ) لمعت عيناه بخبث وتظاهر بالهجوم عليها وتقبيلها فشهقت باضطراب جعله يقهقه مستمتعًا بخجلها البريء بينما لكمته رحمة في ذراعها بغيظ وتحركت تنوي المغادرة .. لكنه سارع بإمساكها مُتغلبًا على مقاومتها الشرسة وهي تضرب ذراعه هاتفة بغضب ( أيها الفظ عديم الإحساس .. اتركني حالًا ) لم يكترث لوقاحتها , سياعقبها عليها لاحقًا لكنه الآن بحاجة لإبقائها قرب قلبه المشتاق ... أغمض عينيه ومال برأسه حتى داعبته رائحة خصلاتها ... فهمس لها بصوت أجش ( لن أفلتكِ أبدًا يا رحمتي ... حتى وإن طلبتِ أنتِ ... فلم أكن يومًا لأضيع قطعة من روحي ) ليس لها في الأمر شيء ... ويتكلم هو عن ثقة فحتى قلبها يملكه ... ولم تكن يومًا لتتمنى غير ذلك ... أغمضت عينيها وتعمقت الابتسامة فوق ثغرها بينما تشعر بأصابعه تلامس خصلات شعرها البنية حتى وصلت إلى تلك الغُرة المنسدلة على جبهتها بنعومة , بينما يهمس لها بصوته المترنم ( أنا أعد الأيام حتى أنتهي من دراستي وأتسلم عملي مع أبي ... كي أستطيع أن أطلبكِ من عمي ) فتحت عينيها وهمست تعاتبه ( وكيف ستُنهي دراستك وأنتَ لا تهتم بها مِن الأساس؟ ... هذا هو عامك الدراسي الأخير ... فلتبذل بعض الجهد يا فارس حتى تنتهي منه بسلام ) ابتعد عنها دون أن يفلتها ... ومال يستند بذراعه إلى السور ... ثم همس بملامح يتراقص عليها الخبث ( حسنًا ما رأيكِ أن تساعديني ونذاكر سويًا كما كنا نفعل ونحن صغار ) لم تجاريه في مزاحه الوقح , وعاندته بمشاكسة ( لست متفرغة ... فلتطلب من أمجد أن يساعدك قليلًا قبل أن تنتهي أجازته ويسافر ) تغيرت ملامحه الهادئة , وقال باستنكار واضح ( وهل أنا طفل ليساعدني؟ .. فليوفر مساعداته لنفسه ) تأففت رحمة وهتفت بملل ( توقف عن تلك الأفعال الطفولية يا فارس ... لقد كبرنا على هذه المشاكل ... لا أفهم بالضبط ما هي مشكلتك مع أمجد !! ) زاد غضبه فقال وقد بدأ صوته يعلو ( هل سنقضي الوقت كله نتحدث عن فخامته؟!! ) عبست ملامحها وأشاحت بوجهها عنه دون رد , شاعرة بالضيق من تصرفاته الطائشة ... بينما اعتدل هو ووقف ينظر للسماء أمامها بلامح متعكرة ... ظلا هكذا لبعض الدقائق دون حديث ... إلى أن زفر فارس ثم قال همس يسترضيها ( أنا آسف ) لم ترد عليه وأصرت على موقفها ... ليلتفت إليها يناديها ببراءة ( رحمة ... يا رحمتي ... هل تخاصمينني؟ ... هل يهون عليكِ فارس؟ ) رق قلبها لهمسه الدافئ ورمقته بطرف عينيها فدق قلبها بعنف وهي تراه ينظر إليها بتلك الطريقة التي يلين لها الحجر ... والعسل الذائب في حدقتيه يكاد يهدم تماسكها ... إلا أنها استمرت على صمتها , تقاوم تأثيره عليها ... فاقترب منها أكثر ليمد يده نحو كفها المستقر على سور الشرفة , يرفعه لشفتيه , يقبله برقة , هامسًا بنعومة ( رحمتي ... يا رحمة يا كل الرحمة ... ) لم تستطع المقاومة أكثر وهي تلتفت إليه هاتفة بقنوط ( هذا ليس عدلًا ... أنت تستغل أنني أحب مناداتك لي بهذا اللقب؟ ) ابتسم هامسًا لعينيها ( لأنه لم يكن يومًا مجرد لقب ... إنها الحقيقة ) تداعى غضبها أمام فيضان مشاعره , بينما تابع وهو يمنح كفها قبلة أخرى ( يا رحمتي مِن عذابي وجنتي على الأرض ) غادرتها الذكرى تاركة على شفتيها ابتسامة شجن ترافقها دمعة غافلتها وانحدرت على وجنتها ... هكذا هي ذكرياتها معه , جميلة رغم حزنها , وحزينة رغم جمالها ... وقتها كانت مراهقة حالمة , لا تطمح في شيء سوى البقاء مع حبيبها ... وها هي الآن تتعجب من سذاجتها حينها ... لكن حتى وإن عاد بها الزمان هل كانت ستخاطر بالتخلي عنه والفرار بقلبها المنفطر !! ... حانت منها نظرة للتوأمان وأصوات لعبهما تُغرد في أذنيها بجوابٍ قاطع ... ببساطة لم تكن لتفعل ... هي تعشق ذلك الرجل بكل كيانها ... وعشق رجل مثل فارس أشبه بسجن دافئ ليس لها سواه ملاذ ... ولا مفر منه أبدًا ... لا مفر ... التفتت بنظراتها لوالدتها وزوجة عمها الجالستان أمامها تتحدثان فعادت تستمع إليهم دون أن تركز حقًا في الحوار .. بعض دقائق صدح صوت مروان الذي اقترب بهتافه ( يا أهل الدار .. لقد أتيت أين الغداء؟ ) ابتسمت رحمة بينما ضحكت السيدتان لتقول السيدة مشيرة ( تعالى يا حبيبي أمجد ينتظرك في غرفته ... سيكون الغداء جاهزًا بعد نصف ساعة ) تخصر مروان يقول بمسكنة ( ابنكِ هذا لم أرَ في جبروته ... لقد تركني في العمل ليعود هو إلى المنزل ) انتفض حين وصله صوت أمجد الساخر ( ألم تكن تراجع الحسابات مع تلك الموظفة الجديدة؟ ) رفع مروان رأسه حيث يقف أمجد في شرفته ... فحك جبهته بحرج ومال برأسه إلى السيدة مشيرة بستعطفها بمسكنة ( أرأيتِ؟ ... يتركني أغرق في الحسابات وأنا أتضور جوعًا ) ربتت السيدة مشيرة على صدره وهتفت بعطف أمومي ( يا حبيبي هل أنت جائع لهذه الدرجة ! ... تعالى سأحضر لكَ شيئًا حتى يجهز الطعام ) رمى أمجد بنظرة لئيمة وهو يحرك حاجبيه بإغاظة فتجاهله أمجد وعاد لغرفته ... فالتفت مروان للمرأة يومئ بنفس البراءة وتحرك معها للداخل بينما يقول بتملق ( اشتقت لطعامكِ يا سيدة الكل ... بالمناسبة أخبريني هل تعرفين شيئًا عن مالك المنزل المقابل؟ ) ********************************* حين عم الهدوء أخيرًا التفتت والدة رحمة لابنتها تسألها بقلق ( كيف حالكِ مع زوجكِ؟ ) أجابها رحمة باختصار ( بخير يا أمي ) حثتها والدتها بإصرار ( هل ما زال يذهب إلى تلك الأماكن؟ ) تنهدت رحمة وقالت بكآبة صارت تلازمها مؤخرًا ( منذ فترة وأنا ألاحظ أنه توقفه عن السهر خارج المنزل .. لقد كلفه عمي بمشروع هام مع أمجد عله يشغله قليلًا ويعيد اهتمامه إلى العمل ... وأظن أن الأمر قد بدأ ينجح ) ثم تابعت بصوت مَن نفذت منه الحيل وصار يتعلق بأحبالٍ مِن ورق ( لكنني أخشى أن يضعف مجددًا ويضيع ما فعلته ... لقد تعبت وقد عجزت عن فهم ما يجري معه ) ربتت والدتها على كفها بحزم قوي ( لا أريد أن أسمعكِ تتحدثين بتلك النبرة الضعيفة ... زوجكِ يحبكِ ويحتاجكِ ... لا تتخاذلي وتتركيه يتخبط بمفرده ... فارس قلبه طيب وأنتِ أكثر مَن يدري بذلك .. حافظي على زوجكِ وحبيبكِ يا ابنتي ) كانت تستمع إلى كلمات والدتها بينما تتشبث أصابعها بقلادته التي تحتضن عنقها وكأنما تطلب منها وعدًا ألا يخذلها صاحبها ... سألتها المرأة ببسمة دافئة ( ما هذه القلادة الجميلة؟ ) أجابتها مبتسمة بخفر ( لقد أهداها لي فارس ) وكأنما نادته فشعرت بصوته المداعب على بُعد خطواتٍ منها ( ما رأيكِ في ذوق زوج ابنتكِ يا حماتي؟ ) تابعته المرأة وهو ينحني ليقبل رأس رحمة فابتسمت وقد استكان الاطمئنان داخل قلبها ( حفظك الله لها ولأولادك يا حبيبي ) ابتسم وهو يجلس بجانب رحمة متلقيًا هجوم طفليه عليه بعناقات حارة وقد تعالت أصوات ضحكاتهم ... نظرت لهم رحمة بحب ثم التفتت نحو والدتها التي أومأت لها بابتسامة مشجعة وهي تدعو لهم بصلاح الحال ... ******************************** في المساء جلست مريم على الأريكة تنظر للتلفاز بشرود دون أن تشاهده حقًا ... تنهدت وهي تنظر ناحية والدتها التي اندمجت مع أحداث أحد المسلسلات الذي تتابعه ملك ... ثم حانت منها نظرة لملك الجالسة بجوارها تأكل بعض المقرمشات وهي منهمكة في المشاهدة ... فركت مريم يديها وهي تختلس نظرة لصِبا التي تجلس كعادتها أرضًا مستندة بظهرها للأريكة وقد انشغلت بهاتفها وبدا أنها تتحدث مع كريم على أحد التطبيقات الإلكترونية ... إنها تتجاهلها منذ الصباح بعد أن علمت بأمر ذهابها للعمل .. كانت تعتقد أن انفعالها لن يطول لكنها فوجئت بمدى إصرار صبا على موقفها ... تنهدت بيأس لا تعرف كيف تتعامل مع هذا الموقف السخيف ... فرفعت صِبا عينيها تجاهها فور سماعها تلك التنهيدة المثقلة ... نظرت لها مريم بعينين معتذرتين ... بينما تكلمت صِبا ببرود وهي توجه حديثها لملك ( أخفضي هذا الصوت قليلًا ) لم ترد ملك المندمجة في المشاهدة .. فهتفت صِبا بحنق ( أنتِ أيتها السخيفة ... أخفضي صوت التلفاز هل فقدتِ سمعكِ؟! ) التفتت إليها ملك وهي تقول ببساطة مُغيظة ( صوت التلفاز ليس عالٍ .. إنه صوت البطلة تتشاجر مع حبيبها لأنه كَذِب عليها ولم .. ) قاطعت صِبا ثرثرتها بصيحة مغتاظة ( هل طلبت منكِ شرح قصة حياة الأبطال !! ... هل فعلت أنا؟ .. يا فتاة أخفضي الصوت ... رأسي يكاد ينفجر من صداع العمل طوال اليوم ) كتمت ملك صوت التلفاز والتفتت لأختها هاتفة باستخفاف ( رأسكِ سينفجر بسبب العمل أم بسبب حركات حماتكِ وكلماتها السخيفة التي ألقتها اليوم على مسامعنا أثناء الغداء !!! ) ثم تركت كيس المقرمشات من يدها ثم بدأت تقلد حركات تلك المرأهدة بطريقة مسرحية ( ملح السلطة زائد .. تناولي الخضروات يا صِبا إنها مفيدة أكثر ... اوووه ما هذا الشعر الطويل ! ... لماذا لا تقصينه؟ ) وبختها والدتها بضربة خفيفة رغم أنها تجاهد كي لا تنفجر في الضحك ... أما مريم فلم تستطع أن تتمالك نفسها فخرجت ضحكتها بصوت عالٍ وشاركتها ملك كنوع من الدعم ... كزّت صِبا على أسنانها بغيظ ( هل تعرفين حقًا ما الذي يحتاج للقص؟!! ) ثم تابعت تجيب سؤالها بعد أن أمسكت بوسادة صغيرة بجانبها وقذفتها في وجه ملك ( لسانكِ الطويل هذا ) ضحكت ملك بسماجة لتزفر صِبا بيأس وتنهض من مكانها إلى خارج الغرفة بينما تتوعدها بحنق ( سأذهب إلى غرفتي حتى لا أقطع لسانكِ فعلًا ) استمرت ملك في الضحك فلكمتها والدتها مجددًا ثم التفتت إلى مريم تعاتبها ( أختكِ تشعر بالضيق حقًا بسبب أمر عملكِ .. هل ستخاصمان بعضكما لأجل تلك الوظيفة؟ ) تنهدت مريم ولوحت بكفيها بقلة حيلة ( وماذا أفعل يا أمي؟ ... هل أترك الوظيفة التي سعيت للحصول عليها بكل هذه البساطة؟ ... فقط لإن صبا تتصرف بطفولية وعناد لا يليقان مع الموقف !! ) ردت والدتها بهدوء ( أنا لم أقل ذلك ... لكن على الأقل تناقشي مع أختكِ بهدوء ) نهضت مريم من مكانها وقالت مبتسمة بحنان ( وهل ظننتِ أنني سأتركها غاضبة مني؟ ... سأصعد إليها الآن لنتكلم ) ( آنسة مريم هلا تحركتِ من أمام الشاشة ! ... لأنكِ بصراحة تحجبين الرؤية ) كان ذلك صوت ملك التي قالت جملتها ثم انكمشت مكانها كي تحمي نفسها من الضربة التي هاجمتها بها مريم بغيظ ... ====================== طرقت باب الغرفة بهدوء وانتظرت فلم تسمع ردًا .. ترددت قليلًا لكنها طرقته مرة أخرى ثم فتحت الباب وتقدمت للداخل حيث تجلس صبا فوق سريرها ... وقفت أمامها وهي تشبك يديها خلف ظهرها كتلميذة مذنبة وهمست بوداعة ( هل أعتبر هذا خصامًا كما كنتِ تفعلين عندما كنا صغارًا؟ ) لم تحرك صبا سوى عينيها ترمقها بعتابٍ جعل مريم تتأوه بضعف وهي تندفع لتجلس جوارها تعانقها هاتفة بتذمر طفولي ( لا تنظري إلي هكذا بعينيكِ الجميلتين وإلا سأبكي ) ابتسمت وقد تبخر غضبها وضمتها إليها تربت على ظهرها برفق جعل مريم تبتسم بدورها وقد حصلت على إشارة الصفح ... فهمست برجاء حار ( لا أريدك أن تكوني غاضبة مني ) لكن صبا هتفت بعناد تغيظها ( بل أنا غاضبة وبشدة ) ثم نهضت من مكانها واتجهت إلى الشرفة فلاحقتها مريم ووقفت بجانبها تستند إلى سور الشرفة ثم تحدثت بصوتٍ هادئ تتصنع الحزن ( حسناً إن كان أمر عملي هو ما يضايقكِ فأنا أوافق على عدم الذهاب إليه مرة أخرى ) رمقتها صبا بنظرة متشككة وسألت ( حقًا ستفعلين ! ) أجابتها بمكر ( بشرط أن تعطيني سببًا آخر أكثر منطقية ) استنكرت صبا بعصبية ( وهل هناك ما هو أسوأ من أن يكون صاحب الشركة هو ذلك المتعجرف ! ... من يظن نفسه حتى يسخر من قيادتي؟! ) هتفت مريم وقد ارتفع حاجباها بذهول ( ألا ترين أن هذا السبب يخصكِ أنتِ؟ ... تشعرين بالغضب لأنه سخر من طريقة قيادتكِ .. لكن ما ذنبي أنا !! ) تمسكت بعنادها وردت بمكابرة ( وماذا عن صديقه الذي يضايقكِ؟ ) تهربت مريم بعينيها مغمغمة ( لا تقلقي بشأن هذا الأمر .. لقد بدأ أسلوبه يتحسن معي ) رفعت صِبا حاجبًا واحدًا باستخفاف ( فعلاً !! ) أومأت لها مريم كاذبة وتابعت بإرهاق ( والآن هلا انتهينا من هذا الأمر؟ .. لقد تشتت ذهني طوال اليوم بسبب غضبكِ هذا ) مطت صبا شفتيها واستدارت لتتكئ على سور الشرفة وقد ولَّت ظهرها للشارع ... ثم ردت بتذمر ( حسنًا انتهينا .. لكن لا أريد أي شكوى بشأن هذا العمل مرة أخرى .. مفهوم؟ ) أومأت مريم برأسها مرات متتالية وهتفت ضاحكة ( مفهوم يا باشا ) صمتت فجأة حين انتبهت للشرفة المقابلة حيث ظهر أمجد ... ما إن لمحته حتى شحبت ملامحها وهمست بهلع وعينين متسعتين ( يا إلهي ) عقدت صِبا حاجبيها وأدارت رأسها إلى حيث تنظر مريم متسائلة بتعجب ( ماذا بكِ؟ ) ولم تكد تفعل حتى أمسكت مريم بذقنها كي تدير وجهها مجددًا وهتفت بتلعثم ( لا شيء .. أعني لقد تذكرت أمرًا هامًا جدًا عليّ أن أتحدث معكِ فيه ) لم تمنحها فرصة الاعتراض وسحبتها من ذراعها حتى أدخلت للغرفة وسارعت تُحكم إغلاق الشرفة بينما تشعر بقلبها يكاد يتوقف ... أما أمجد فقد استقرت نظراتها هناك ما إن لمحها من مكانه ... كانت تعطيه ظهرها لكنه تعرف عليها , وأمامها فتاة لم يتبين ملامحها جيدًا فما إن التقت نظراتهما حتى تحركت للداخل جاذبة خلفها صبا واختفت كلتاهما بعد أن أغلقت النافذة في وجهه بطريقة متطابقة لما فعلته صبا مِن قبل ... فرفع حاجبه بتعجب , لكنه تجاهل الأمر واتجه نحو كرسي جانبي وانشغل في إنهاء أعماله ... دون أن يستطيع منع نفسه من اختلاس بعض النظرات لأنوار الغرفة المقابلة ... والتي ظلت مُضاءة حتى وقتٍ طويل. ************************************ كانت مريم منهمكة في النظر للأوراق أمامها ثم قالت بتركيز دون أن ترفع رأسها ( أعتقد أن هذه المنطقة ستحتاج إلى بعض التعديلات ) لم تتلقَ ردًا فرفعت رأسها لتجده يحدق فيها بتلك الطريقة التي تُربكها ... أزاحت خصلة من شعرها لتضعها خلف أذنها ... وتنحنحت بخشونة ( سيد مروان .. هل أنتَ معي؟ ) صمت للحظتين دون أن يحيد بعينيه عنها .. ثم سألها بهدوء ( من أين تعرفين كريم نصار؟ ) تفاجأت مريم من سؤاله وبدت مستنكرة من تصرفاته المغيظة إليها ... فتركت الملف من يدها ورفعت رأسها تسأله ببرود ( ما علاقة هذا السؤال بما قلته أنا؟ ) لم تتغير نبرة مروان الهادئة وهو يقول ( لم تجيبيني ) نهضت مريم من مكانها بعنف وقد وصل غضبها أقصاه ثم هتفت بصوتٍ قوي ( أولًا أنت لست مجبرة على الإجابة عن سؤالٍ لا يخص العمل .. ثانيًا إن كان سؤالك عنه بسبب أمر تلك التوصية المشؤومة فأنا بكل بساطة سأتجه الآن إلى مكتبي لأكتب إستقالتي ) ودون كلمة أخرى اندفعت لخارج مكتبه ... حينها اختفى قناع الهدوء عن ملامحه ورفع كفه يضرب على سطح المكتب بعنف ... ثم لوح بكفيه يحدث نفسه بغضب ( وما شأنك أنتَ؟! .. ألا تستطيع التحكم بفضولك اللعين هذا؟ ) ****************************** جلست مريم أمام مكتبها وبدون تردد أمسكت بقلمها وبدأت تنفذ ما عزمت عليه ( ماذا بكِ يا مريم؟ ... هل حدث شيء؟ ) كان ذلك التساؤل لزميلها في المكتب الذي تحرك من مكانه ليقترب منها وقد تعجب من حالتها المنفعلة ... إلا أنها لم تلتفت له وانكبت على الورقة تفرغ غضبها في الكتابة وقد بدأت بعض الدموع تحرق عينيها ... في تلك اللحظة كان مروان يدخل المكتب فجأة ليجدها جالسة مكانها تكتب شيئًا ما بعصبية واضحة وبجانبها زميل لها يحاول تهدئتها .. تقدم مروان ناحيتهما وأشار للشاب بالخروج فأومأ له وانصرف مرغمًا رغم إلحاح فضوله لمعرفة سبب وجود السيد مروان في مكتبهم ... ساد الصمت بينهما دون أن يقطعه أيًا منهما .. ظل واقفاً مكانه يتابع ما تفعله بهدوء ... بينما كانت هي تشعر بوجوده وقد حجب الضوء عنها بقامته الطويلة لكنها لم تكترث .. انتهت مما تفعله فاستقامت واقفة وتنظر إليه للمرة الأولى منذ أن دخل إلى المكتب ... ثم مدت الورقة إليه وهي تتكلم بجمود , تُلزم نفسها بعدم البكاء فلن تتحمل مزيدًا من الإهانات ( تفضل .. هذه استقالتي ) دون اكتراث رمق الورقة بنظرة مستخفة ثم عاد بنظراته إلى مريم دون أن يأخدها ... فاستمرت على موقفها والإصرار يملأ عينيها إلى أن وجدته يمد يده أخيرًا ليأخد الورقة منها ... وما إن فعل حتى بدأت هي في جمع أغراضها بأصابع مرتعشة ... فجأة توقفت أصابعها عن الحركة حين سمعت صوت شيء يتمزق .. رفعت عينين متستعتين نحوه فوجدته ينظر إليها بهدوء وقد انكمشت استقالتها الممزقة داخل كفه ... ولم تتغير ملامحه الهادئة وهو يقول ( الأمر ليس بهذه السهولة .. لقد وقعتِ عقدًا مع الشركة وبنود هذا العقد تمعنكِ من تقديم استقالتكِ أثناء عملكِ على أي مشروع ) عقدت حاجبيها وهتفت باندفاع ( وأنا لا أريد كلاهما ) حرك مروان كتفيه ببرود ( لا يهم ... المهم هو مصلحة العمل ) حدجته مريم بعينين ساخطتين وهي تتمنى لو تضربه على فمه الذي يبتسم الآن بتلك الطريقة الـ .. الجذابة جدًا ... ارتبكت وهي ترى ابتسامته تتسع أكثر بينما يقول ببساطة ( إن كنتِ تفكرين بإلقاء أي شيء معدني في وجهي مثلًا فعليّ أن أذكركِ أيضًا أن قوانين العمل تمنعكِ من التعدي على المدراء ) احتدم غضبها من طريقته المستفزة في التعامل ببساطة وكأن شيئًا لم يكن ... لكنها اخذت نفسًا طويلًا ثم رفعت رأسها بثقة ( وأعتقد أيضًا أن تلك القوانين تمنع التدخل في الأمور الشخصية ) همهم مروان رأسه متظاهرًا بالاقتناع ( حسناً يا آنسة مريم .. هذا حقك بالطبع ... والآن هلا تكرمتِ لنكمل عملنا ) كانت النظرات الفضولية قد بدأت تتلصص بفضول لما يحدث وقد بدا الأمر مثيرًا ... أشار لها مروان كي تتقدمه ... فتحركت مرغمة نحو مكتبه متوقعة أن يتبعها , لكنها فوجئت به يسير بجانبها تمامًا فأطرقت برأسها وسارت تحث الخطى حيث مكتبه الذي بدا وكأنه ابتعد مئات الأميال ... وإلى جانبها سار مروان وعلى شفتيه طيف ابتسامة ... وكان المشهد بداية لأحاديث طويلة تناقلت بين الموظفين , عن المتدربة الحسناء التي سرقت انتباه مديرهم العابث. ********************************** خرجت من المصعد تتهادى بخطواتٍ أخفت حماسها حتى وصلت إلى الفتاة الجالسة على مكتبها تسألها ( مرحبًا .. هل مروان في مكتبه؟ ) أجابتها الفتاة بعملية ( السيد مروان خرج من مكتبه منذ عدة دقائق ) عبست وسألت بإحباط ( أين ذهب؟ ) ردت الفتاة بأسف ( بصراحة لا أعرف .. السيد مروان يخرج من مكتبه كثيرًا ... ربما ذهب ليتابع بعض الأعمال ) أومأت لها ببطء وقد فقدت حماسها واستدارت مبتعدة .. شردت بخطواتها حتى وصلت إلى آخر الممر ولم تنتبه لنفسها إلا حين أوشكت على الاصطدام بأحدهم .. فعادت للخلف مجفلة وتمتمت بحرج ( أنا حقًا آسـ .. ) بترت جملتها حين رفعت رأسها له ... فارتفع حاجباها وهتفت متفاجئة ( سيد راشد ! ) حياها بذات الإيماءة الأنيقة والتي تليق مع صوته الرخيم ( مرحبًا زهرة ) هزت رأسها دون تركيز وقد أدهشتها معرفته لاسمها ... انتبهت لنظراته المثبتة عليها فتنحنحت تكسر حاجز الصمت ( أنا آسفة لم أنتبه لك ) أومأ لها متفهمًا دون أن يحيد بعينيه عنها ... وتكلم بهدوء ( لا عليكِ ... لكن انتبهي من الشرود أثناء سيركِ حتى لا تتعثري في خطواتكِ ) أومأت برأسها ببعض الريبة وقد عادت ترتبك من تحديقه بها , خاصة مع نظرات عينيه ذات اللون الغريب ... وللحظة شعرت أنه قد غَلَّف كلماته بالغموض وكأنه يقصد بها شيئًا آخر ويتوقع منها فهمه !! ... أجفلت حين سمعت صوتًا من خلفه ظهره قبل أن يظهر صاحبه هاتفًا بمرح ( زهرتنا الجميلة هنا ) احمرت وجنتيها لترد تحيته بابتسامة مرتبكة ( أهلاً مروان ) بينما توجه بحديثه لراشد ( مرحبًا سيد راشد ) حياه بتحية مقتضبة وقال بعملية ( حسنًا عن إذنكم فأنا لدي موعدًا مع أمجد ) ثم رمق زهرة بنظرة أخرى قبل أن يتخطاها وينصرف نحو وجهته ... وتابعته زهرة بعينيها دون أن تفهم سبب تغير ملامحه المفاجئ ... حتى انتشلها صوت مروان المُرحب ( ما هذه الزيارة الرائعة .. تعالي إلى مكتبي لحين ينتهي أمجد ) شكرته مبتسمة وسارت بمحاذاته ... انتبهت لتلك الشقراء التي ترافقه , فرمقتها بطرف عينيها وقد لاحظت أنها ليست من الوجوه المألوفة في الشركة ... أشاحت بوجهها تنظر أمامها بوجوم .. وقد شعرت بشيء يقبض الأنفاس داخل صدرها .. ******************************* جلست مريم أمام مكتبه تعمل بتركيز دون أن تشغل نفسها بالجالس مرتاحًا وقد بدا مستمتعًا وهو يُمليها تعليماته بعنجهية وعينيه مسلطتين عليها ... ولم ينتبه كلاهما لتلك الجالسة على الأريكة البعيدة عنهما , تتابع ما يحدث بعينين قاتمتين وقد ضربتها الغيرة لاهتمام مروان الزائد بتلك الفتاة ... ثم حركت نظراتها تجاه مريم تتفحصها بتمعن ... تبدو أنيقة كعادة موظفات هذه الشركة .. لكن شيئًا بهيئتها يبدو جذابًا , ربما هو جمالها الواضح ... هذا طبعًا بالإضافة لأناقتها الجذابة , أناقة رقيقة غير متكلفة تبرزها فتنتها الواضحة .. كانت تشعر بالتضائل تدريجيًا مع كل تحليل متحسر لفتنة مريم ... فانحنت عيناها بيأسٍ وغمغمت دون صوت ( إنه مُحاط بمجموعة مِن الفاتنات .. يراهن يوميًا ويتحدث معهن ... أين ستذهبين أنتِ وسط هؤلاء يا زهرة !! ) ثم عادت بنظراتها نحو خصلات مريم الشقراء وغمغمت من بين أسنانها بغيظ ( هل كل موظفات هذه الشركة شقراوات ! ... كم شقراء عليّ التخلص منها الآن؟! ) انتهى الفصل يُتبع ... | ||||
26-11-21, 12:36 AM | #26 | ||||
| على شرفات الحب الفصل الثامن في المساء .... كانت تسير شاردة بجانب رحمة وهي تشعر بالإحباط مما حدث اليوم ... تنهر نفسها على ذهابها إلى شركة أمجد دون سببٍ هام .. لكنها لم تفكر حقًا وهي تخبر السائق بتهور أن يغير وجهته ليتجه إلى الشركة ... كل ما كانت تفكر به هو أنها تريد أن تراه .. تستمتع بمشاكساته لها وهو يعاملها كأحد أصدقائه .. ابتسمت بمرارة وهي تردد في داخلها "أصدقائه وليس صديقاته" ... لم يُحزنها يومًا أنه يتصرف معها بعفوية .. كل ما كان يشغل بالها أنه لم يكن يراها من الأساس .... لا يلتفت لها كأنثى تستحق الإعجاب ... بل يعاملها كما يعامل أمجد تمامًا .... حتى مزاحه معها ومغازلاته المستمرة .. لم تبدو يومًا كمغازلات معجب ... بل رأتها دومًا كلمات لطيفة ينطقها مجاملة لأخت صديقه الصغيرة ... ( هل تحتاجين شيئًا؟ ) أخرجها صوت رحمة من شرودها فهزت رأسها نافية ( لا أظن .. هيا نعود للمنزل أشعر ببعض التوعك ) تركت رحمة عربة المشتروات لتضع يدها على جبهة زهرة وهي تقول بقلق ( هل أنتِ مريضة؟ ... تبدين شاحبة ) أجبرت نفسها على الابتسام وقالت ( لا تقلقي .. مجرد إرهاق ) سحبتها رحمة من ذراعها بينما تدفع عربة المشتروات لتقول بشك ( أنتِ لا تبدين في مزاجٍ رائق منذ أن عُدتِ مع أمجد من الخارج .. هل حدث شيء؟ ) هربت زهرة بعينيها عن نظرات رحمة الثاقبة لتتظاهر بتفقد الأشياء على الرف قائلة بمواربة ( لا أبدًا .. لقد قضينا وقتًا ممتعًا ونحن نتناول الغداء في الخارج ) كانت عينا رحمة تتفصحها بتمعن وقد لاحظت أنها ليست على طبيعتها اليوم ... أوشكت على حثها كي تتكلم لكن قاطعها الصوت طفولي ( "ماما" .. أريد حلوى ) أخفضت رحمة بصرها لابنتها تقول بحزم ( يكفي ما تناولتِه اليوم يا نادين .. ستؤلمكِ أسنانكِ ) تشبثت الطفلة في في أطراف ثوب أمها هاتفة بإصرار ( لكنني أريد " شيكولاتة " ... أنا وصديقاتي اتقفنا أن نحضرها معًا غدًا في المدرسة ) تأففت رحمة هاتفة ( حسنًا سأحضرها لكِ عندما ننتهي ) أصدرت الطفلة صوتًا معترضًا وهي تتوقف مكانها ممتنعة عن السير ... كادت والدتها تنهرها فتدخلت زهرة وقد وجدتها فرصة مناسبة للهرب من أسئلة رحمة ( لا بأس سأصطحبها لقسم الحلوى لحين انتهائكِ من شراء مستلزماتكِ ) ودون أن تأخذ إشارة الموافقة أسرعت تلتقط كف الطفلة واختفت كلتاهما عن عينيّ رحمة الساخطتين. ******************************** وقفت أمام رفٍ مليء بالحلوى , تتأمله مبتسمة ببلاهة وقد أبهجتها رؤية تلك الكميات من الحلوى الملونة ... نظرت لنادين الصغيرة التي كانت بدورها تتأمل الحلوى بحماس ( أتعلمين؟ ... لستِ وحدكِ من يحتاج الحلوى ... أنا أيضاً أشتهيها جدًا ) ثم ضحكت باستمتاع وانحنت لتحمل الصغيرة لتبدأ في اختيار الحلوى تساعدها نادين بخبرة طفولية مضحكة ... فجأة هتفت زهرة بسعادة ( يا إلهي هل ما زالوا يصنعون تلك الحلوى؟ ... كنت أحبها أنا وأمجد جدًا ) كان صوتها عالٍ جعل الفتاة الواقفة بجوارها تلتفت لها بتعجب من هتافها الطفولي الذي لا يتناسب مع عمرها .. انتبهت زهرة لنظرات الفتاة فهمست بابتسامة ( عفواً لقد تحمست قليلًا ) هزت الفتاة رأسها مبتسمة ببعض التوجس بينما نادين فجأة ( شعركِ جمييييل ... إنه يشبه شعر "رابونزل" ) قالت جملتها بإنبهار طفولي أضحك زهرة فقالت للفتاة بمرح ( ابنة أخي تعشق تلك الشخصية الكارتونية ) ثم أردفت بمودة ( ما اسمكِ؟ ) أجابتها الفتاة دون أن تختفي معالم الريبة عن وجهها وهي تنقل عينيها بين هاتان الطفلتين ( صِبا ) همهمت زهرة مبتسمة وتابعت ثرثرتها ( مرحبًا صِبا .. أنا زهرة ... هل تسكنين معنا في الحي؟ ) ردت صبا وهي تمد يدها لأحد الأرفف ( لقد انتقلنا إلى هنا حديثًا ) ( خذي نكهة الفراولة ) حركت رأسها ناحيتها تسألها ببطء ( عفوًا؟ ) ضحكت زهرة واستطالت تمد يدها للرف تأخد نكهة محددة ثم أعطتها لصِبا وهي تقول ببساطة ( نكهة الفراولة لذيذة جدًا ... ستحبينها ) رمشت صبا بعينيها وداهمتها رغبة غريبة في الضحك إلا أنها تكلمت مبتسمة ( إنها ليست لي ... أنا أشتريها لإحدى تلاميذي كي أكافئها ) ودون أن تشعر وجدت نفسها ولأول مرة تندمج في حديثها مع شخص لا تعرفه ... وسارت بجانب زهرة وقد شعرت تجاهها ببعض الألفة تستمع لحديثها المَرِح بعد أن أصرت على مساعدتها في التسوق ... مر بعض الوقت إلى أن خرجن جميعًا من المتجر ضاحكين بمرحٍ وقد انضمت لهن رحمة التي اندمجت في الحديث سريعًا في صورة معبرة عن قدرة الأنثى على تكوين الصداقات في أي مكان ... وخاصة أثناء التسوق ! ******************************* توقفن جميعًا على مقربة من منزل زهرة التي قالت بمحبة ( سعيدة جدًا بمقابلتكِ يا صِبا ... يبدو أننا سنكون أصدقاء ) ردت صِبا بود حقيقي ( هذا من دواعي سروري ) سألتها رحمة ( هل منزلكِ بعيد عن هنا؟ ) فأجابتها صِبا نافية وهي تشير لمنزلها ( لا أنا أسكن في ذلك المنزل ) هتفت زهرة بدهشة ( إذًا أنتِ جارتنا الجديدة ) أومأت صبا لتتغلب على زهرة طبيعتها الاجتماعية وهي تفتح هاتفها كي تتطلب رقم هاتف صِبا في دعوة مباشرة للصداقة ... بعد دقائق دخلت رحمة إلى المنزل تتبعها زهرة التي ما إن لمحت أمجد يجلس في الحديقة حتى اتجهت إليه ركضًا ... أجفل ما إن ارتمت على الكرسي المجاور له وقالت مبتسمة بلهاث ( لن تصدق ماذا وجدت ) دست يدها بين الحقائب لتخرج منها كيسًا ضخمًا وتابعت بحماس ( هل تذكرها؟ ... كنا نأكل منها كميات كبيرة خلسة حتى لا توبخنا أمي ) أمسك بالكيس يقلبه في يده ضاحكًا ( كنتِ تجبريني على الأكل منها حتى أدمنتها أيتها المُحتالة ) هزت زهرة كتفيها معترفة ببساطة ( كنت بحاجة لشريك في الجريمة كي لا أتلقى العقاب وحدي ) ضحك أمجد عاليًا بينما هتفت رحمة بمرح ( وها هو شريككِ استطاع تخليصكِ مِن مزاجكِ السيء ) التفت لأخته يسألها بحنان ( ماذا يعكر مزاج صغيرتي وقد اقترب موعد عيد مولدها؟ .. ألم تكوني متحمسة لذلك الحفل؟ ) أومأت برأسها تطمئنه ثم التفتت لرحمة وقد راودتها فكرة ( ما رأيكِ أن ندعو صِبا لحفل عيد ميلادي؟ ) ردت رحمة بدهشة ( لقد تعرفتِ عليها للتو ... كما أنني لا أظنها ستأتي ) نقل أمجد نظراته بينهما وتساءل بعدم فهم ( مَن تكون صبا؟ ) أجابته زهرة تثرثر بحماس ( إنها جارتنا الجديدة ... لقد قابلناها في المتجر القريب وتعرفنا عليها ... كما أنها لطيفة جدًا ) ( ولديها شعر جمييييل ) كان تلك الجملة الحماسية من نصيب نادين .. وانتبه أمجد إلى تعليقها فرفع نظراته تلقائيًا ناحية الشرفة التي تظهر من بعيد ... وسأل دون أن يبعد عينيه عنها ( هل قلتِ جارتنا الجديدة؟ ) ******************************* وقفت في الكافتيريا الخاصة بالشركة تنتظر مشروبها الذي طلبته ... تنهدت شاعرة ببعض الملل ... مر أسبوع كامل على ذلك الموقف الذي حدث مع مروان ... لقد عادت بعدها إلى المنزل وهي تشعر بالغضب من نفسها ومنه ... إلا أنه فاجأها في اليوم التالي باتباعه أسلوب الهدوء المتحفظ على عكس عادته المشاكسة ... حتى مع باقي الموظفين أو بالأصح الموظفات ... أسبوع كامل وهو يريحها من التوتر الذي يسببه وجوده ويرحمها من نظراته التي توترها ... وهذا جعلها تشعر بالهدوء و الـ .. الماذا؟ الفراغ ربما؟ ... يمر يومها بهدوء بين العمل والجامعة , دون أي مشاحنات ... إذًا ماذا تريد أكثر !! .... أليس هذا الهدوء هو ما كانت تنشده من الأساس؟ ... تناولت الكوب من النادل واتجهت نحو طاولتها توبخ نفسها ( ماذا تريدين أكثر؟ ) انتهت حروفها بشهقة مضطربة ما إن اصطدمت بصدر رجولي عريض جعلها تفقد اتزانها ويهتز المشروب في يدها فيتناثر معظمه على جزء من ذراعها وعلى ... على قميصه الأبيض !! .... شحب وجهها ورفعت عينين متسعتين تنظر لمروان الواقف أمامها يحدق في قميصه بصدمة ... رفع نظراته إليها دون أن يتكلم فعضت على شفتيها تعتذر بتلعثم ( أنا آسفة ... يا إلهي أنا آسفة جدًا ... لم .. لم أقصد ) كانت تتحدث بسرعة وهي تكاد تذوب من الحرج .. لقد أسقطت مشروبها عليه كالبلهاء ولوثت ملابسه وملابسها أيضًا ... تحدث مروان أخيرًا مستنكرًا ببطء ( برتقال؟ ... هل أسقطتِ عليّ مشروبكِ للتو؟ ... وأيضًا برتقال !! ) استفزتها سخريته فعقدت حاجبيها مغمغمة بفظاظة ( هل المشكلة في نكهة العصير؟ ) أجابها من بين أسنانه ( بل المشكلة في صاحبة العصير؟ ... انظري ماذا فعلتِ !! ) كان يتعمد الضغط عليها ليشعرها بالذنب خاصة وقد راقه توترها ... تحكمت به رغبته الشريرة وزاد من ارباكها ( كيف أتصرف الآن وأنا لدي موعدًا هامًا؟ ) أطبقت مريم شفتيها وهي تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها لترحمها من هذا الإحراج ... ظلت صامتة دون أن تعرف كيف تتصرف أمام أسلوبه الهجومي ... ( هل تجيدين شراء الهدايا؟ ) ارتفع حاجباها بدهشة ما إن سمعت سؤاله الهادئ كأن شيئًا لم يحدث ... فنظرت إليه تسأله بتعجب وبلادة ( عفوًا !! ) تظاهر مروان بالتأفف وقال بقلة صبر ( أحتاج لمن يساعدني في شراء هدية ... ستأتين معي ) انتبهت مريم لنبرته الآمرة لتنسى الموقف المحرج الواقعة فيه وتقول ببرود ( ولماذا أفعل؟ .. ما دخلي أنا؟ ) تظاهر بالتفكير للحظات ثم هتف بحيرة ( ربما لأنكِ تسببتِ الآن في تلويث قميصي وسأتأخر على موعدي مثلًا !! ) ثم أردف بتسلط وهيمنة ( والآن هيا تحركي ... يكفي هذا العرض المخزي أمام الموظفين ) تطلعت مريم حولها لتنتبه للنظرات الفضولية المسلطة عليهما فتحركت كالمغيبة تسير خلفه ... فتح باب المصعد ليقول مروان ببساطة ( اذهبي ونظفي يديكِ وانتظريني هنا حتى أعود ) ثم تحرك متجهًا لمكتبه بينما وقفت مريم تنظر تتميز غيظًا مِن أوامره المستفزة ... خرجت من الحمام لتجده ينتظرها أمام المصعد في آخر الممر وقد بدل قميصه بـ تيشيرت أسود أنيق ... وصلت إليه هاتفة بدهشة ( هل تحتفظ بملابس إضافية في الشركة !! ) سبق رده وصول المصعد فأشار لها بالدخول ... فدخلت مريم بتلقائية ولحق هو بها قائلًا بزهو ( من حسن حظي أنني أتخذ احتياطاتي لمواجهة بقع عصير البرتقال ) ***************************** تفحصت ساعة يدها زافرة بملل واضح عله ينتبه ... هذا ثالث متجر للهدايا يدخلاه دون أن يختار شيئًا .. كلما اقترحت عليه شيئًا يتظاهر بالتفكير ثم يرد بهدوء أنها لن تناسب صاحبة الهدية ... بينما كان يسير إلى جانبها باستمتاع وهو يشعر بذبذات غضبها الذي تحاول ألا تظهره ... وقعت أنظارها على قلادة رقيقة تحمل فراشة ذهبية بأجنحة لامعة ... فتوقفت مكانها تتفحصها بإعجاب من خلف الزجاج الشفاف ... دنا منها يسألها بخفوت وعيناه تتجولان بتيهٍ فوق ملامحها المنبهرة ( هل تعجبكِ؟ ) التفتت إليه بعينين لامعتين ( إنها رااائعة ) انحنى ثغره بابتسامة خشنة وقد استقرت عيناه على وجهها المنشرح ... فارتبكت وأسبلت جفنيها تتظاهر بتأمل القلادة .. ( لكنها لن تناسب صاحبة الهدية .. هي لا تحب ارتداء القلادات ) رفعت رأسها بحدة وحاجبين منعقدين فوجدته لا يزال على نفس وقفته المسترخية هادئ الملامح محتفظًا بابتسامته ... فتحكمت مريم في نفسها بأعجوبة كي لا تضع القلادة في فمه المستفز ... لوحت كفيها بعصبية ( ماذا تفضل الهانم إذًا؟!! ... لقد اقترحت عليك كل ما يمكن إهداءه للفتيات ... إن كنت لا تقتنع بذوقي لماذا أصريت على إحضاري !!! ) عاد يتجول بين الأرفف بخطواتٍ متمهلة , وقال ببساطة بينما يتفحص الأشياء ( أحضرتكِ لأنكِ سكبتِ العصير عليّ ) اتسعت حدقتاها بذهول وغضب ... هل يعاقبها؟! ... ما هذه التصرفات الطفولية ! ... هل هذه تصرفات مدير شركة !! ... أجفلت على صوته المتأفف ( كفي عن الغمغمة وتابعي البحث ) مرت المزيد من الدقائق حتى خرجا من المتجر أن استقر أخيرًا على الهدية ... فتنفست الصعداء والتفتت إليه تقول بابتسامة جليدية ( أعتقد أن عقابي قد انتهى ... سأنصرف الآن ) تحركت خطوتين وقطع هو مثلهما وسار بجانبها مبتسمًا بنعومة ( لقد أتعبتكِ معي جدًا .. على الأقل اقبلي دعوتي على مشروبٍ .. سأحضر لكِ عصير برتقال آخر ) وأرفق جملته الأخيرة بغمزة رفعت لها مريم حاجبين مندهشين من تصرفاته الغير متوقعة ... خاصة وأنه أشار لمقهى قريب وحثها على السير ناحيته دون أن يحصل على قبولها لدعوته .. ******************************* استقرا على طاولة في ركنٍ هادئ ليشير إلى النادل ويطلب عصير البرتقال لكلاهما .. وأمامه كانت تجلس مرتبكة وقد ندمت على استجابتها لدعوته , وعلى مرافقته له من الأساس ... انتهى من إملاء الطلب للنادل والتفت لها مبتسمًا ( شكرًا لموافقتكِ على الدعوة ... بصراحة كنت أود الاعتذار عن الموقف السخيف الذي حدث منذ أسبوع ) تضاعف ارتباكها أمام لباقته المفاجئة ... أزاحت خصلة من شعرها تضعها خلف أذنيها كعادتها كلما ارتبكت ... فتعلقت عيناه بخصلاتها الناعمة وأفلت من بين شفتيه زفيرًا حارًا ... أجبر عينيه على النظر في إتجاهٍ آخر لكن صوتها المُنغم جذبه لتأملها رغمًا عنه ( لا داعي للاعتذار سيد مروان .. لقد نسيت الأمر ... وأنا أتفهم سبب سؤالك عنه ) قاطعهما وصول النادل الذي وضع العصير أمامهما ثم انصرف ليتلاعب مروان بالكوب الموضوع أمامه وتكلم يتصنع اللامبالاة ( الأمر كله مسألة فضول لا أكثر .. فأنا أعرف كريم نصار منذ فترة طويلة ووالده من أشهر رجال الأعمال ) صمت قليلًا ينتظر منها تعليقًا فلم تمنحه سوى الصمت مما دفعه للمتابعة بإصرار رغم تمسكه بقناع عدم الاكتراث ( ولذلك تعجبت من أكون يكون هناك صلة معرفة بينكما ) تنهدت مريم وأوضحت بهدوء ( حسنًا سيد مروان .. لا داعي للتفكير كثيرًا في هذا الأمر ... كريم يكون خطيب أختي ... وهي من طلبت منه أن يتوسط لي بالعمل دون علمي ) اندهش مما قالته فلم يتوقعه ... ودون سببٍ واضح اتسعت ابتسامته شيئًا فشيئًا ... ثم غير مجرى الحديث بلباقة ليتحدث معها في مواضيعٍ شتى مستمعًا بإجاباتها العفوية وقد نجح في رسم ابتسامة على شفتيها ... بعد مرور بعض الوقت نظرت مريم في ساعة يدها فنهضت من مكانها سريعًا هاتفة بقلق ( يا إلهي لقد سرقنا الوقت ... أنا تأخرت جدًا ) رد مروان بتملق بينما يصطحبها إلى الخارج ( ينبغي عليّ أن أشكر عصير البرتقال لأنه ساهم كثيرًا في حصولي على رفقة مميزة اليوم ) احمرت وجنتيها بخجل وهي تدير وجهها عن ابتسامته الجذابة ... لتسير بجواره شاعرة ببعض الراحة لانتهاء مشكلتها معه ... كان مروان مستمرًا في الحديث بينما تسمعه باهتمام حتى اصطدمت عيناها فجأة بما جعل خطواتها تتباطأ وقد تركزت نظراتها على ذلك الذي يقترب منهما ... فسألها مروان منعقد الحاجبين ( هل هناك مشكلة؟ ) انتبه للصوت الرجولي رزين النبرة ( مريم؟ .. كيف حالكِ؟ ) كان ينطق سؤاله بشيء من الدهشة وهو يمد يده لها مصافحًا ... فرفعت مريم كفها المرتعش تُحييه بنبرة بدت مهزوزة ( مرحبًا سامر ) ابتسم لها ثم ألقى نظرة خاطفة ناحية مروان بتساؤلٍ صامت ... فسارعت مريم تهتف بقوة ( أُعرفك بالسيد مروان .. إنه مديري بالعمل ... سامر ابن عمتي ) أومأ لها متفهمًا ومد يده يصافح مروان بتلقائية ... وأمامه كان مروان يتفحصه بعينين ثاقبتين لم تفغلا عما أصاب تلك الواقفة إلى جانبه بوجهٍ شفاف أبرز تغير ملامحها ... بتثاقلٍ مد يده يصافحه بفتور ثم نظر في ساعة يده في إشارة غير ذوقية التقطها سامر جيدًا مما جعله ينظر له ببعض التحدي ثم التفت إلى مريم يسألها بمودة ( كيف حالكِ يا فتاة؟ .. منذ أن غادرتن وقد انقطعت الأخبار ... هل تخاصمني صِبا أم ماذا؟ ) مجددًا يبادر بالسؤال عن صبا ... ومجددًا تصيبها غصة كالعلقم , تبتلعها فلا يبقى منها سوى مرارة الخيبة التي تُلون ابتسامتها وهي تجيبه بجلَد ( بالطبع لا ... كانت صِبا ستتصل بك لتدعوك إلى المنزل الجديد ) تبسم متحدثًا بتؤدة ( على أية حال أنا كنت أنوي محادثتها قبل أن أسافر ) شحب وجهها وانتبه لها ذلك الواقف على يمينها يرمقها بنظراتٍ مستعرة بينما يسمع صوتها المهتز يسأل سامر ( تسافر !! .. هكذا فجأة ! ) أجابها متنهدًا ( لقد حصلت على فرصة عمل جيدة في دولة أخرى ... سأسافر ما إن تنتهي الإجراءات ) أومأت بلا معنى .. ولم تفتها نبرة اليأس التي تتناثر من بين كلماته ... ومنها أدركت أنه لجأ للهرب كما سبق وفعلت هي ... الفارق الوحيد أنها استسلمت بعد أن بلغ الألم من قلبها مبلغه ... لقد سلكت طريقها إليه كاملًا حتى تأكد لها ألا مكان لخطاها على دربه ... أما هو فقد أنهكه التعب في منتصف الطريق .. فلا هو ظفر بمن أرادها قلبه ولا أراح روحه مِن جرح فقدها ... الفارق هنا أنها ستتعافى ذات يوم ... أما هو فلا .. سيظل متأرجحًا في ذلك المنتصف الباهت , عالقًا دون سبيلًا للنجاة سوى أحبال الوهم البالية ... استمعت لباقي حديثه دون انتباه حقيقي وقد شردت فيما يخبئه لهم القدر , غافلة عن عيني مروان الثاقبتين والذي لم يخفَ عليه ما قرأه في ملامحها .. فأظلمت عيناه وتصلب فكه , وقد زادت رغبته في الاقتراب من أشواكها .. ******************************* أغلقت زهرة نافذة غرفتها ببعض العصبية والتفتت حيث تجلس رحمة ثم هتفت بحنق ( هل ترين أفعال أبي؟ ... لقد حول حفل عيد ميلادي إلى اجتماع عملٍ سخيف ... الحفل مليء برجال الأعمال الذين يحضرون حفلات العمل التي يقيمها دائمًا !! ) ردت رحمة وهي منشغلة في تصفيف شعر ابنتها ( لا تعقدي الأمور يا زهرة ... أنتِ تعلمين أن عمي يريد تقديم أمجد إلى بعض أصدقائه بعدما قضى فترة طويلة بالخارج ) غمغمت زهرة بتأفف ( أمجد نفسه لا يحب كل تلك المظاهر الكاذبة ) أنهت رحمة ما تفعله لتنظر إليها قائلة بحكمة ( ليست مظاهر كاذبة يا زهرة ... لقد قضى أمجد سنواتٍ طويلة بالخارج .. وابتعاده عن محيط العائلة كل تلك المدة جعل الناس يتساءلون عن السبب .. لقد مر عام على استقراره في البلد ولا يزال بعض اقاربنا لا يعرفونه جيدًا ! ... والدكِ يتصرف بحكمة ) انعقد حاجبيها بتفكيرًا وقد تسلل إليها شعورًا بالذنب ما إن انتبهت لأنانيتها ... ثم فكرت للحظات قبل أن ترتدي حذائها بعجلة وتنطلق مسرعة إلى الخارج ... طرقت باب حجرته لتدخل ما إن سمعت الإذن بالدخول ... كان أمجد يقف أمام المرآة يرتدي ساعة معصمه وما إن لمحها حتى ابتسم بدفء ( مرحبًا بصغيرتي الجميلة ) اقتربت منه حتى وقفت أمامه والتقطت زجاجة عطره ثم بدأت في نثر رذاذها باحترافية ... وابتسمت تبادله الترحيب ( مرحبًا بعريس الليلة ) عقد أمجد حاجبيه بعدم فهم مما جعلها تضحك بشقاوة ... وتكلمت بغموض بينما تهندم له ياقة قميصه ( كنت أعلم أن أمي لن تفوت هذه الفرصة أبدًا ) زادت دهشته مما جعله يتساءل بتعجب ( ماذا تقصدين؟ ... لما كل هذه الألغاز؟ ) تعلقت زهرة بذراعه وهتفت بشقاوة ( ستعرف كل شيء بعد قليل ... والآن هيا بنا يا وسيمي قبل أن يستولي أصدقاء أبي على حفل عيد ميلادي ) ************************************ كان يجلس بين الحضور بهيئتة الهادئة الرزينة والتي لا تعكس أبدًا تحفزه الداخلي في انتظار رؤيتها , يخطف نظراتٍ سريعة ناحية الباب الداخلي للمنزل ينتظر خروجها بلهفة ... خصه أحد الضيوف بالحديث فاضطر لانتزاع عينيه عن الباب , لدقيقة واحدة قبل أن يخطف نظرة سريعة نحو الباب ... وجدها هناك أخيرًا , بإطلالة خفق لها قلبه وطار محلقًا نحوها .. إطلالة تشبه الدقيقة الأولى في موسم الزهور , لكن لا زهرة هنا الآن سواها ... ( زهرة ) خرجت حروف اسمها من بين شفتيه بخفوت متمهل دون أن يحيد بعينيه عنها ... كانت ترتدي فستانًا أرجواني تنساب أطرافه من الشيفون إلى بعد ركبتيها , تتناثر عليه أزهارًا صغيرة رقيقة تمامًا كرقتها المُهلكة .. يكشف عن كتفيها ليُظهر بشرتها الخمرية ... بينما عيناها تتألقان باللمعة العسلية الخفيفة والتي أظهرتها زينتها المُتقنة ... أما شعرها فقد تركته منسدلًا بنعومة تحركه نسمات الهواء بدلال يليق بتلك الزهرة التي وضعتها على جانب رأسها لتكتمل صورتها المُبهرة وهي تتهادى بكعبيّ حذائها العالي نسبيًا على غير عادتها ... كانت تتعلق بذراع أمجد وعلى ثغرها ابتسامة أفقدته صوابه وبأعجوبة قاوم نفسه كي لا ينهض من مكانه ويخطفها بعيدًا عن الأنظار المحدقة بها ... تابعها بنظراته وهو يراها تتوجه مع أمجد إلى حيث يقف والدها الذي قبلها بحنان ... بينما التفت زهرة ناحية أمجد تسأله باهتمام ( أين مروان؟ .. لماذا تأخر هكذا؟) وما إن أنهت جملتها حتى انفرجت أساريرها وقد لمحته يقترب منهما مبتسمًا ثم هتف بمرح ( أعلم أنني تأخرت لكن لا تخبراني أنكم أكلتم كعكة عيد الميلاد بدوني ) صافحه أمجد وهو يقول بتهكم ( أنا أقترح أن تأتي لتعيش معنا بصراحة .. أنت تأكل في هذا المنزل أكثر مني أنا شخصيًا ) توجه مروان بحديثه لزهرة شاكٍ بمسكنة ( أترين معاملة أخيكِ لصديقه؟ .. إنه يحسب عليّ الطعام الذي أتناوله ) جاملته بضحكة مرتبكة وهي تفرك كفيها بترقب , تنتظر منه أن يبدي أي ملاحظة على هيئتها ... لقد قضت وقتًا طويلًا وهي تختار ملابسها وحرصت على الاعتناء بزينتها بشكلٍ واضح عله ينتبه !! ... لم تنل ما تمنته ... وإنما بدا مروان وكأنه لم يلحظ كل ما فعلته ... بل تصرف بعفوية وهو يخرج علبة صغيرة , يعطيها لها مبتسمًا ( كل عام وأنتِ بخير يا زهرتنا الجميلة ) بوجهٍ واجم وملامح ارتسمت عليها معالم الخيبة بموضوع مدت يدها لتأخد منه الهدية , وأقصى ما استطاعت فعله هو التمتمة بشكرٍ خافت وانسحبت مبتعدة وقد غابت ابتسامتها .. بعد عدة دقائق ظهرت رحمة تسير بجانب فارس الذي يمسك كفها بتملك وهو يدخل بها إلى الحديقة ... جلسا على الطاولة ليميل برأسه إليها هامسًا بحرارة ( ما هذا الجمال يا فتاة؟ .. أكاد أفقد أعصابي ) توردت وجنتيها وأسبلت أهدابها بخجل تتأمل يدها بين كفه , وأصابعه تحتضن أصابعها يتلمسها بشغف .. فهمست بوجهٍ مشتعل متجاهلة تلميحه الوقح ( أصبحتَ تناديني بفتاة كثيرًا ... وكأننا عدنا مراهقين ) رفع كفها لشفتيه يقبله برقة ثم همس بحب ( في نظري أنتِ لستِ سوى رحمة ... تلك الفتاة الرقيقة التي سلبت عقلي منذ سنوات .. ومنحتها أنا قلبي عن طيب خاطر ) رفعت عينيها نحوه فاستقبلتها صدق نظراته ... فتأملته بابتسامة عاشقة , تتمنى ألا يُخَيب ظنها مرة أخرى .. ************************************ وقفت صِبا أمام المرآة كبيرة الحجم الموجودة في بهو المنزل تتأكد من هيئتها وقد استعدت للخروج .. وقفت مريم خلفها تقول بضيق ( لا أفهم ما الذي جعلكِ توافقين على تلك الدعوة ... إنها حتى ليست صديقتكِ !! ) ردت صبا بعجلة تنوي المغادرة ( الفتاة أصرت عليّ أن آتي ولم أستطع الرفض .. سأمكث هناك لنصف ساعة وأعود فورًا ... لن أتأخر ) كانت على وشك التحرك إلا أن مريم أوقفتها بجملة مقتضبة ( لقد قابلت سامر اليوم ) استدارت صبا بدهشة ( حقًا ... أين رأيتِه؟ ) تنحنحت مريم تجيب بمواربة ( في إحدى المحلات التجارية ... وقد أخبرني أنه سيسافر من أجل العمل ) قالت صِبا بإحباط ( لقد مرت مدة طويلة على آخر مرة رأيته فيها .. يجب أن أحادثه في أقرب فرصة ) ثم انطلقت إلى الخارج تاركة خلفها مريم , تنظر إلى نفسها في المرآة بشرود . ********************************** وقف أمجد بجانب السيدة مشيرة مبتسمًا بتحفظ إلى حديث إحدى صديقاتها وبجانبها ابنتها التي تنظر إليه بافتتان ... كان يجبر نفسه على التظاهر بالاهتمام وهو يسمع مدح السيدتان في جمال الفتاة وأخلاقها , في عرضٍ واضح ومكشوف لإغرائه بالعروس ... رفع عينيه ناحية زهرة باستغاثة واضحة لإنقاذه ... إلا أنها لعبّت حاجبيها تغيظه بابتسامة ماكرة فهز رأسه لها يتوعدها بغيظ ... عاد يُجبر نفسه على الاستماع إلى الحوار الممل دون أي محاولة للابتسام ... ألقى نظرة عفوية ناحية مدخل الحديقة فتحفزت خلاياه وانصب تركيزه يمعن النظر ناحية تلك التي ظهرت هناك ... كانت تدخل من الباب المزين بالورود , تتهادى على كعب حذاءها العالي بخطواتٍ هادئة ... ثم توقفت مكانها تُجيل النظر يمينًا و يسارًا ... طافت نظراته عليها ما إن ارتسم أمامه مُحياها ... فستانها الرهيف تتداخل ألوانه بين الأزرق ودرجاته , يعلوه حزامٍ رقيق يزين خصرها لتنسدل طبقاته تلف قوامها بشكلٍ أنثوي .. رفع نظراته لشعرها الذي رفعته في لفة أنيقة تاركة بعض الشعيرات تحيط وجهها وقد منحته زينته الخفيفة مظهرًا ناعمًا ... كانت لا تزال تتفحص المكان بعينيها دون أن تتقابل نظراتهما ... وللحظة تمنى لو ترفع عينيها نحوه , لكنه عاد وهز رأسه يحاول شغل أنظاره عنها دون جدوى ... رآها تبتسم لزهرة التي وصلت إليها تعانقها بود ... ثم تحركت كلتاهما ناحية الطاولة حيث تجلس رحمة وريهام ... التفت أمجد إلى المرأة وابنتها التي ما زالت تثرثر ليستأذن منهن وانصرف هاربًا بخطواتٍ مسرعة ناحية والده الذي أشار له كي يُعرِفه على بعض أصدقائه ... بينما رمقه فارس بنظرة جانبية سريعة قبل أن يعود بعينيه الثاقبتين حيث صِبا التي تجلس بجانب زوجته ... فأشار لزهرة أن تقترب وما إن وصلت إليه حتى سألها مستفهمًا وهو ( من تكون تلك الفاتنة التي تجلس بجانب رحمة؟ ... لم أرها من قبل ... هل هي إحدى صديقاتكِ؟ ) حذرته بحاجب مرفوع ( لو سمعتكَ رحمة وأنت تصفها غيرها بالفاتنة لقطعت رأسك ) لكزها بغلظة فتأوهت ضاحكة وأجابته ( إنها صِبا .. جارتنا الجديدة .. لقد تعرفت عليها منذ عدة أيام ) أومأ فارس وعاد بنظراته لأخيه وقد لاحظ اهتمامه بتلك الضيفة. ******************************** مر بعض الوقت عليها وقد تخلصت من توترها واندمجت في حديثها مع رحمة التي تجاورها ريهام دون المشاركة سوى ببعض النظرات ناحية صِبا بين الحين والآخر ... رن هاتف صِبا لتستأذن منهما وتتحرك إلى ركنٍ هادئ ... أجابت على المتصل والذي لم يكن سوى كريم ... ( هل أعجبكِ الفستان؟ ) ابتسمت تجيبه ( إنه رائع ... لحظة واحدة ) ثم أبعدت الهاتف عن أذنها كي ترفعه للأعلى وتلتقط لنفسها صورة ذاتية ... ضغطت على زر الإرسال وأعدت الهاتف على أذنها تنتظر رده الذي وصلها على هيئة صفيرًا عاليًا جعلها تضحك برقة ( كما تخيلته عليكِ ... لقد فاتني الليلة جمال استثنائي ) ****************************** كان يتابع ما تفعله دون سبب فلم يبحث عن سبب من الأساس وقد انشغل بمراقبتها ... إلى أن لمحها تغادر مكانها إلى داخل المنزل واختفت عن عينيه ... وصدح صوت موسيقى هادئة فانتبه لزهرة التي جذبته كي يراقصها ... أما فارس فقد توجه لرحمة يطلبها للرقص فمدت يدها بخجلٍ ليجذبها إليه برفقٍ واتجها حيث تجمع عدة آشخاص آخرون وهدأت الإضاءة قليلًا والجميع يستمتع بالرقص مع شريكه ... تشتت ذهن أمجد عن ثرثرة أخته ونظراته تتركز حيث اختفت ... وحين طال تأخرها بالداخل وجد نفسه يستأذن من زهرة مبتعدًا وخطواته تقوده إلى داخل المنزل ... *********************************** وقفت زهرة مكانها وقد أصابها الإحباط ما إن تركها أمجد فجأة ... فتحركت بضع خطوات كي تبتعد عن ساحة الرقص ... لكنها فوجئت بمروان يقترب منها مبتسمًا ( هل تسمح لي أميرة الحفل بهذه الرقصة؟ ) فغرت فاها واستدارت إليه بعينين واسعتين غير مستوعبة طلبه ... حدقت في كفه الممدودة ناحيتها لعدة ثوانٍ ثم تحركت قدماها إليه كالمسحورة , وضعت يديها فوق كتفيه دون أن تفارق نظرة الانشداه عينيها ... انحبست الأنفاس داخل رئتيها ما إن بدأ يراقصها بخطواتٍ محترفة ... كانت تشعر بنفسها تكاد تطير من السعادة رغم أنها لم تصدق بعد أن مروان طلبها للرقص ... كانت قد فقدت الأمل أن يلتفت إليها الليلة .... لكن ما فعله الآن جعلها تستعيد ثقتها بنفسها وأشعرها بالزهو .. لقد ترك جميلات الحفل اللواتي يتوددن إليه وطلبه هي للرقص !! ... اندفعت الحيوية إلى أوردتها فجأة وبدأت قدماها تساير خطواته على أنغام الموسيقى وقد أشرقت ابتسامتها بابتسامة ... اصطدمت نظراتها فجأة بنظراتٍ أخرى مصوبة ناحيتها بإصرار , فتجمدت نظراتها ما إن لمحت صاحب العينين البراقتين برماد يتطاير نحوها ... ابتلعت زهرة ريقها وقد أربكها وجوده في ركن هادئ يتابعها بنظراته الغامضة ... وجهه الجامد ونظراته المثبتة عليها بهيئته الضخمة التي بدت مرعبة في تلك اللحظة ... كل ذلك جعلها تتعثر بخطواتها ولم يسعفها كعب حذاءها العالي حتى كادت تفقد توازنها ... إلا أن مروان سارع يدعم خصرها بكفيها حتى اعتدلت تستند إليه ... فهتف بقلق ( هل أنتِ بخير؟ ) أومأت بحركات سريعة وهمست بلهاث ( نعم نعم لا تقلق ... أنا فقط لست معتادة على ارتداء الكعب العالي ) اختلست نظرة خاطفة ناحية راشد وسارعت تبعد عينيها عنه بوجه شاحب ... نظرته أخافتها ولم تجسر على تكرار الالتفات نحوه مجددًا ... وفي مكانه كان ينظر ناحيتها وقد انقبض كفه المُمسِك بالكأس الموضوع أمامه بشدة كادت تكسره وهو يرى مروان يمد يده ناحيتها يطلبها للرقص ... كز على أسنانه وقد تطاير الشرر من عينيه وقد ضربته نظراتها الهائمة في مقتل ... أغمض عينيه لبرهة وقد بدا متألمًا بحق ... اللعنة !! ... ولكن رغمًا عنه ما إن فتح عينيه مجددًا وتقابلت النظرات أخيرًا حتى انتفض قلبه وتعالى وجيب خفقاته وكلاهما يحدق في الآخر ... لكن نظراته ظلت على جمودها إلى أن اشتعلت سماء عينيه الرمادية حين لمح مروان يتمسك بخصرها يمنعها من السقوط ... كان يبذل أقصى درجات ضبط النفس حتى لا يوجه له لكمة تطرحه أرضًا ... رآها تبتعد عنه أخيرًا بعد أن انتهت الموسيقى وانتهت معها آخر ذرات ثباته .. فنهض من مكانه قبل أن يتهور واندفع إلى الخارج تاركًا الحفل بأكمله ... ************************************ خرجت صِبا من الحمام بعد أن عدلت هيئتها لتتحرك عائدة إلى الحديقة .... إلا أنها توقفت مكانها ما إن لمحت طفلة صغيرة تبكي في ركنٍ هادئ وتضع رأسها بين ركبتيها ... انعصر قلب صِبا فأسرعت ناحيتها وجلست بجانبها تسألها بلطف ( لماذا تبكين يا صغيرة؟ ... ألا تستطيعين إيجاد والدتكِ؟ ) توقفت الفتاة عن البكاء إلا أنها ظلت على نفس وضعها دون أن ترفع رأسها ... تلفتت صِبا حولها بحيرة لا تدرى ماذا تفعل .. ثم عادت بنظراتها للفتاة تطمئنها بحنان ( لا تخافي أنا معكِ ... هيا لنبحث سويًا عن والدتكِ ) مرت عدة ثواني دون أن تتحرك الطفلة من مكانها .. كادت صبا تيأس إلا أنها رأتها ترفع رأسها ببطء لتنظر إليها ببراءة وعينين دامعتين ... ابتسمت لها بتأثر ( ما هو اسمكِ؟ ) لم ترد الطفلة واستمرت تنظر لها بنظراتٍ طفولية بريئة ... عقدت صِبا حاجبيها وهي تراها تضع إصبعيها في فمها بطريقة لا تتناسب مع عمرها الذي خمنته صِبا ... لم تحاول منعها عما تفعله وقد لاحظت غرابة سلوكها وامتناعها عن الحديث ثم بدأت تتحدث معها برفق فجذبت انتباهه .... وعلى باب المنزل وقف أمجد يُتابع ما يحدث بتركيز وهو يرى صِبا تلاعب الصغيرة بحركات مرحة ... ابتسامة خفيفة تكاد تكون غير ملحوظة وجدت طريقها لشفتيه بينما يتأمل عفويتها في مداعبة الصغيرة وهي تملس لها خصلات شعرها بحنان ... إحساس غريب اجتاحه وقد غمرت المكان بدفئها الذي ينبعث تجاه الصغيرة ... حنان أمومي فطرى يليق برقتها المُحببة جعل ملامح وجهه ترتخي وابتسامته تتسع أكثر مُستمتعًا بما يُشاهده .... فجأه دخلت ريهام بخطواتٍ مسرعة لتتسمر مكانها وهي ترى ابنتها تجلس أمام صِبا وتضحك بانطلاق جعل عينيها تتسعان اندهاشًا ... وصلت كلا من رحمة وزهرة لتسألها الأولى بلهفة ( هل وجدتها؟ ) أشارت لهم ريهام إلى حيث تجلس الطفلة أمام صِبا التي وقفت ببعض الارتباك وهي ترى ثلاثتهم يحدقون بها ... كانت ريهام أول من تحركت لتعانق طفلتها التي كانت تبتسم ببراءة وهي تنظر لصِبا ... تنحنحت صبا وقالت ( كنت في المرحاض ووجدتها تجلس وحدها وتبكي .. لم أنتبه أنها ابنة السيدة ريهام ) اقتربت منها رحمة ببسمةٍ ممتنة (شكرًا لكِ يا صبا ... لابد أنها كانت خائفة .. فـ ليان حالتها خاصة قليلًا ) أومأت صِبا برأسها بتفهم لتستأذن منهم بلطف ( لقد تأخرت وعليَّ الذهاب الآن ) هتفت زهرة باعتراض ( لم نطفئ الشموع بعد ) أخرجت صبا علبة أنيقة وبررت وهيّ تقدمها لها ( آسفة جدًا لكنني مضطرة للذهاب ... تفضلي هديتكِ ... كل عام وأنتِ بخير ) أخذت زهرة الهدية بعد أن شكرتها ثم تحركت معها كي ترافقها للخارج ... وفي طريقهما التقيا بأمجد فتوقفت صبا تحدق به بعينين متسعتين جعلته يبتسم مستمتعًا بملامح الذهول على وجهها , والتي يعلم أنها ستتحول إلى أخرى غاضبة بعد أقل من ثانيتين ... وقد صدق حدسه فقد هتفت باستنكار ( أنت مجددًا؟! ... ماذا تفعل هنا ! ) ابتسم أمجد ابتسامة جانبية دون أن يرد .... بينما حركت زهرة نظراتها بينهما تتساءل ( هل تعرفان بعضكما؟ ) اندفعت صِبا تهتف كمن ينفي عنه تهمة ( لا ) رمشت زهرة أمام لهجتها العدائية ... ثم نظرت لأمجد باستفهام لكنه هز كتفيه نافيًا ببراءة مدعيًا عدم الفهم ... فتنحنحت تقول بمرح ( إذًا دعيني أعرفكِ بأخي الكبير أمجد ... لقد عاد حديثًا من السفر ) كانت تنظر إليه بملامح عدوانية جعلته يرفع حاجبه مبتسمًا بتسلية ... بينما ربتت زهرة على ذراعها قائلة بمحبة ( وهذه يا سيدي هي صبا .. جارتنا التي أخبرتك عنها ) مد أمجد كفه مصافحًا وهو يقول بتسلٍ أكبر ( مرحبًا آنسة صبا ... فرصة سعيدة ... حقًا ) لم تخفَ عليها نبرته الماكرة فضيقت عينيها ترميه بنظرة قاتلة اتسعت لها ابتسامته ... أجبرت نفسها على مصافحته وقد حاول الحفاظ على هدوء ملامحها أمام زهرة ... ما إن استقرت يدها الرقيقة في كفه حتى شعر برعشة خفيفة تسري بطول ذراعه ... إلا أنه عقد حاجبيه وقد اصطدمت لمساته بحلقة ذهبية تزين إصبعها الرقيق ... فأخفض نظراتها إليها وقد انتبه لوجودها لأول مرة ... لم تمهله صبا المزيد من الوقت حيث سحبت يدها ببعض العنف وهي ترميه بنظرة نارية .. ثم التفتت لزهرة تودعها قبل أن تتحرك بخطواتٍ غاضبة وهي توبخ نفسها على حضور ذلك الحفل. ********************************* فتحت زهرة باب غرفتها بعد انتهاء الحفل لتقف أمام المرآة تنظر لنفسها بصمت لعدة ثواني ... لتقفز فجأة من مكانها وقد انطلقت ضحكاتها الحماسية وأخذت تصفق بكلتا يديها وهي تكاد تطير فرحًا منذ أن راقصها مروان ... توقفت تلهث للحظات ثم تلاعبت بخصلات شعرها , بينما تُحدِث نفسها بزهو ( يبدو أن مجهوداتي قد بدأت تجدي نفعًا ) وبخطواتٍ راقصة على لحن وهمي توجهت ناحية الحمام المُلحق بغرفتها لتأخذ حمامًا دافئًا حتى شعرت بالاسترخاء يتسلل إليها ... بعد دقائق كانت تمشط شعرها أمام المرآة وذهنها يستعيد الرقصة مرات ومرات ... انتبهت لعلب الهدايا الموضوعة في ركن الغرفة ... توجهت إليها تتفحصها باحثة عن هدية محددة وحين وجدتها فتحتها بلهفة وأخذت تتأملها بحب وعيناها تلمعان إعجابًا بالخاتم الرقيق المزخرف ... وضعته حول إصبعها وأخذت تقبله ضاحكة ... ثم بدأت في تفحص الهدايا الأخرى .. لمحت هدية كبيرة الحجم فالتقطها وبدأت في فتحها ..... عقدت حاجبيها بتعجب حين أبصرت ذلك اللوح المغلف بألوانٍ متداخلة مُخفيًا ما يحتويه .. فتحته بحرصٍ لتتسع عيناها تدريجيًا وقد تفاجئت بتلك اللوحة الرائعة المرسومة باحترافية ... والمدهش ليس جمالها فقط .. بل أن اللوحة كانت لـ وجهها ! .... مخطوطة بمهارة كي تبرز ملامحها بألوان زاهية منحتها مظهرًا جذابًا ... تأملتها بعينين لامعتين ... وقد برز وجهها وهي تضع يدها بجانب وجنتها تقرب منه زهرة صغيرة ... أما شعرها فكان بمفرده لوحة فنية وقد تناثرت عليه أزهار صغيرة ملونة فبدا كأنما ينبت منه الزهر ... ظلت في مكانها تنظر للوحة بانبهار لم يختفِ بعد .... ثم بدأت تتفحصها بتمعن بحثًا عن اسم المُرسِل أو توقيع الرسام ... لكنها لم تجد عليها ما يرشدها فتحركت تنظر بداخل الصندوق الذي أخرجت منه اللوحة ثم دست يدها بداخله وقد وجدت ضالتها ... كارت صغير بألوان زاهية فتحته لتقرأ ما في داخله وحدقتاها تتوسعان اندهاشًا " إلى من امتلكت جمال الزهور تستأثره لنفسها بدلالٍ لا يليق إلا بها ... أردت أن أهديكِ لوحة مِن صُنع يداي ... فلم أجد أجمل مِن وجهكِ ليكون هديتي الأولى لكِ ... هدية خطتها أناملي وأنا أتأمل ملامحكِ الجميلة الشاردة ... كل عام وزهرتي الجميلة بخير " انتهى الفصل يُتبع ... | ||||
02-12-21, 11:20 PM | #30 | ||||
| على شرفات الحب الفصل التاسع تقلب في سريره لعدة مرات وقد جافاه النوم ... أسند رأسه فوق ذراعه , يحدق في سقف الغرفة لعدة دقائق , شرد وأخذته ذاكرته للمعانٍ أزرق غاضب تطلقه عينان زرقاوان ... ابتسم ببعض المرح حين تذكر صدمتها واحمرار وجهها لرؤيته أمامها ... انحدرت نظراته لنافذة شرفته , يحدق فيها للحظات وكأنما يشاور عقله في أمرٍ ما ... لكنه هز رأسه برفضٍ وهو يعاود التحديق في سقف غرفته للحظات ... لينهض فجأة بتهور وخطواته تقوده ناحية الشرفة ليدخلها ونظراته مصوبة على الشرفة المقابلة ... شرفتها ! ... لمحها أمامه , تقف في شرفتها ببعض التحفز وهي تتحدث في هاتفها غير منتبهة لوجوده ... ترتدي منامة قطنية وقد تركت خصلات شعرها المجنونة تتقاذفها لفحات الهواء ... لم يكن يرى سوى جانب وجهها وقد وقفت تنظر باتجاه الشارع الجانبي ... غافلته نظراته وانسابت عليها وقد مالت بجذعها قليلًا , تمسك هاتفها في يدٍ وبالأخرى تتخلل خصلاتها الحرة ... جف حلقه وهو يحاول إبعاد عينيه عنها فلم يفلح , شيء ما جذبه لتأملها عن كثب ... ولم ينتبه أنها أنهت اتصالها مما جعله يجفل حين التفتت ناحيته بغتة .. فتقابلت نظراتهما ... بينما برقت عينا صبا بخطورة ما إن رأته أمامها ... لم تحتاج الكثير من التفكير فقد تعرفت على هيئته رغم عدم قوة الإضاءة ... فالتمع الغضب في حدقتيها وهي تتذكر وقفته السابقة في موقفٍ مشابه حين أذاب مفاصلها رعبًا بهيئته المظلمة ... كزت على أسنانها تتمتم بحنق ( لم يكن ينقصني سوى أن تكون غرفتي أمام غرفة ذلك الـ ... ) أما أمجد فقد تسمر مكانه وهو يحدق في عينيها الغاضبتين ونبضات قلبه تتسارع فجأة , تتبعثر في الهواء وكأنها تنافس خصلات شعرها المتطايرة ... لم يدم المشهد سوى ثانيتين حتى تحفز في مكانه وهو يراها تتراجع لتدخل غرفتها ... وتغلق نافذتها في وجهه عن قصد , بقوة كادت تكسرها ! .. فعقد حاجبيه باستياء , ثم عاد إلى غرفته مطلقًا زفرة حانقة .. وإحساسًا غريبًا بالاحباط يتسلل إليه ... ******************************* أغلقت باب غرفة طفليها بعد أن اطمأنت عليهما ولم تكد تستدر حتى وجدت نفسها تُسحب إلى داخل الغرفة المجاورة ... التصق ظهرها بالحائط بفعل كفٍ قوية فوق خصرها فنظرت لصاحبها الذي يغلق باب الغرفة بإحكام ثم التفت إليها بنظرات تشع عبثًا ... لتطلق رحمة نفسًا مضطربًا وهتفت بحنق ( ما هذه الحركات يا فارس؟ ... كدت أموت رعبًا ... ظننتك نائمًا ) طبع قبلة ساخنة فوق جانب شفتيها هامسًا بتثاقل ( بعيد الشر عنكِ يا قلب فارس ) ثم رفع عينيه إليها وتفحصتها نظراته العابثة حتى شملتها كلها بينما ارتفع كفه الحر ليلامس وجنتها .. وتابع همسه الناعم ( لم أستطع النوم ... كنت أنتظركِ وقد تأخرتِ كثيرًا بالأسفل ) ردت بهدوء ( كنت أجلس مع ريهام ... لم تتوقف عن البكاء منذ ما حدث مع ليان في الحفل ... كادت تفقد صوابها عندما اختفت فجأة من جوارها ) تمتم فارس بأسف ( أصبحت حساسة جدًا هذه الأيام ) برمت شفتيها متهكمة ( أختك تعاني منذ طلاقها ... أنت فقط كنت منشغلًا بمشاكلك الخاصة ) توقفت حركة أصابعه فوق وجنتها ... واستشعرت تصلب جسده بالكامل ... حرر خصرها وابتعد خطوة للخلف مخفضًا بصره دون رد وقد شعر بتأنيب الضمير من كلماتها ... عضت رحمة شفتيها نادمة على تهورها , رأت حلقه يتحرك بصعوبة وكأنه يتألم , فاقتربت منه تناديه وقد عز عليها أن تؤلمه ولو بالكلمات ... رفع رأسه ينظر إليها بنظراتٍ غاب عنه العبث وتكلم دون تعبير ( وتركتكِ أنتِ أيضًا تعانين وحدكِ ... أليس كذلك؟ ) أبعدت نظراتها عنه وهي تتحرك ناحية خزانة ملابسها تقلب محتوياتها قائلة بصوت مشتد ( ألم نتفق أن ننسى ما فات؟ ... وأنتَ وعدتني أن تلك الفترة لن تتكرر ) قطع فارس الخطوتين الفاصلتين بينهما ليمسك ذراعها فالتفتت إليه ... بينما قال هو بتشنج ( نعم فعلنا ... لكنكِ ما زالتِ بعيدة ... أنا أشعر بذلك .... حتى وأنتِ تتظاهرين بالعكس ... يمكنكِ إقناع العائلة بأكملها أن كل شيء على ما يرام كما كنتِ تفعلين دومًا .... لكن لن يشعر بكِ غيري ... أعلم أن جزءًا ما بداخلكِ يلعنني كل ليلة .. أعلم أنني تصرفت بحقارة وأنا أتوه في دوامتي الخاصة غافلًا عن احتياجكِ لي .. لكن .... ) صمت يبتلع ريقه بصعوبة , يقربها منه أكثر , ناظرًا لعمق عينيها البُنية ... يهمس بعذاب ( رحمة ! ... صدقيني أنا من يحتاجكِ ... لم أعد أقوى على ابتعادكِ هذا ... أنا ... ضعيف بدونكِ ) كانت دموعها تنهمر بغزارة وهي تسمعه يتحدث بكل هذا الضعف ... وكل هذا الذنب ... وكل هذا الألم ! ... ألم يُخفيه عنها لكن تترجمه تصرفاته الطائشة ... مدت يدها تملس لحيته بحنانها الأمومي وهي تراه الآن طفلها الذي لطالما أخطأ ولطالما سامحته ... همست بتحشرج ( فقط لو تخبرني ما يؤلمك يا فارس ... ألست أنا رحمة حبيبتك؟ ... لطالما كنت منزل أسرارك ... أليس هذا ما تقوله دائمًا؟ ) أمسك كفها الذي يحتضن لحيته وأنزله لشفتيه يقبله برقة وعمق , مغمضًا عينيه , يستكين بين راحة كفها متنهدًا ... ثم رفع عينيه إليها هامسًا بتوسل ( فقط كوني بجانبي ... لا تبتعدي رجاءً ... أنا لن أتحمل خسارتكِ ... إلا أنتِ يا رحمة ) ثم انحنى إليها ليضمها بين أحضانه في عناقٍ قوي حتى غاص جسدها بين ذراعيه القويين ... لم تعترض ولم تبعده عنها ... كانت تشعر باحتياجه لهذا العناق .. تمامًا مثلما تحتاجه هي بكل ذرة في كيانها .. فأغمضت عينيها تريح رأسها فوق نبضات قلبه الثائرة ... لم يكن عناقًا حميمًا أو عاطفيًا .. بل كان أشبه بعناق طفل لأمه .. لطالما كانت بينهما لغة خاصة لم تتغير رغم كل ما صار ... ألقت تفكيرها بعيدًا وهي تشدد من ذراعيها حول عنقه , تملس على شعره برقة جعلته يتأوه بعمق لتلفح أنفاسه الدافئة رقبتها ... فابتسمت بحنان وهي تشعر به يتشبث بها أكثر ... مرت اللحظات الدافئة بينهما إلى أن حررها أخيرًا دون أن يفلتها لينظر إليها برجاءٍ صامت , يناديها بعينيه ... ففهمت هي نداءه كما تفعل دومًا .. همست باختناق ( ومتى ابتعدت أنا يا فارس؟ ... أنا دائمًا هنا ) لم يستطع أن يتمالك نفسه أكثر أمام همسها الدافئ ... لينقض على شفتيها بقبلة جائعة محتاجة جعلتها تتسمر مكانها وهي تتلقى هجوم قبلته بثباتٍ بدأ يتزعزع ... لا تعرف كيف تتصرف معه , هي تشتاقه وبشدة , لكن خوفها يغلبها , خوف منه وعليه ... تخشى أن يضمن عفوها فيعود إلى أفعاله الطائشة ... وفي نفس الوقت لا تستطيع أن تقاوم إحساسها الأمومي نحوه وهي تشعر به يحتاجها ... طفلها وحبيبها يحتاجها فعل لها إلا أن تستجيب ! ... حسمت عاطفتها الأمر فارتفعت على أطراف أصابعها كي تتعلق بعنقه وتحتضنه بقوة , تبادله جموحه وتمنحه عطايا شفتيها السخيتين ... كاد يفقد صوابه ما إن شعر أخيرًا باستجابتها ... فتعمق في قبلته أكثر حتى كاد يُفقدها الوعي من شدة عاطفته ... بعد عدة دقائق مجنونة رفع رأسه عنها بأنفاسٍ لاهثة وصدره يكاد ينفجر من شدة احتياجه إليها ... ولم يمنحها فرصة التراجع وهو ينحني بجسدها ليحملها بين ذراعيه ويتجه لسريرهما الخاص فتشبثت بعنقه تعض شفتيها بخجلٍ شهي ما زال ينتابها رغم سنوات زواجهما الطويلة ... مددها على الفراش ليخيم فوقها , يتحسسها بكفه وكأنه يتأكد أنها منحتها أولى إشارات الصفح ... مال يقتطف من ثمار ثغرها الشهي قبلات متفرقة , هامسًا بكلمات متقطعة وصوتٍ مبحوح ( آآه يا رحمتي ... كيف استطعت الابتعاد عنكِ كل تلك المُدة؟ ... أي أحمق أنا !! ) ********************************** في اليوم التالي .... دخلت زهرة حجرة الجلوس لتلقي بجسدها على الأريكة بخمول وتداعب شعر ليان الصغيرة ... فسألتها والدتها ( ألن تذهبي للجامعة؟ ) أجابت نافية بتكاسل ( لا أخطط للخروج من المنزل اليوم ) ثم تلتفت حولها متسائلة ( أين رحمة؟ ) دخلت رحمة في نفس اللحظة فقالت السيدة مشيرة ( ها قد استيقظتِ أخيرًا ... لقد تأخرتِ في النوم على غير العادة ) احمرت وجنتا رحمة خجلًا وقد تذكرت ما حدث ليلة أمس ومشاعره التي غمرها بها بكل شوق ودفء ... حين ارتاح رأسها فوق صدره مبتسمة وطوقها بذراعيه , همس إليها بكل كلمات الحب , اعتذر مراتٍ ومرات ... كان كالطفل يتشبث بها , يمنعها من الابتعاد ... وكلما حاولت الاستلقاء بجانبه كان يشدد من احتضانها أكثر , يهمس لها بخشونة ( الليلة لا ابتعاد ) ظل متمسكًا بها رافضاً تركها وهو يتحدث معها عن ذكرياتهما في المراهقة , وبركان عاطفته يشتعل بين كل ذكرى والأخرى ... حتى غفا أخيرًا بين أحضانها وقد بدأ نور الفجر في الانبلاج ... تنحنحت رحمة تجيب زوجة عمها بحرج ( لقد شعرت ببعض التعب بعد أن جهزت إياد ونادين لمدرستهما ولذلك نمت لوقتٍ إضافي ) أومأت لها المرأة قبل أن تلتفت لحفيدتها بحزم ( ليان .. توقفي عن وضع يدكِ في فمكِ ) ثم توجهت بحديثها المُستاء لريهام ( لقد زاد الأمر عن حده .. تحدثي مع طبيبها بشأن هذا الأمر ) تنهدت ريهام وتكلمت بجمود ( لا أدري علامَ أتحدث معه بالضبط ... عن امتناعها عن الحديث أم عن عاداتها السيئة ) نظر لها ثلاثتهن بحزنٍ ... فترددت زهرة قليلًا قبل أن تقول بحذر ( أنا ألاحظ أن والدها لم يأتِ لزيارتها منذ مدة .. هذا ليس جيدًا لنفسيتها ) ابتسمت ريهام ببرود ساخر ( إنه يتحجج بانشغاله في عمله حتى لا يأتي ) ثم تابعت بنبرة أكثر برودًا , وإن كانت تحمل في داخلها الكثير من الأسى ( يتنازل عن زيارتها كي يتحاشى رؤيتي ) صمتت زهرة لا تدرى بماذا ترد ... ونظرت ناحية رحمة بقلة حيلة ... فقالت الأخيرة بنبرة قوية ( فليفعل ما يحلو له ... لكن على الأقل لا تهملي أنتِ طفلتكِ فهي تحتاجكِ ) هبت ريهام من مكانها لتهتف بحنق ( وهل في يدى شيئًا لأفعله؟ ... أنا لم أترك طبيبًا إلا وقمت بزيارته ) انتفضت الطفلة إثر صراخ أمها وحدقت فيها برعب وهي تلتصق بجدتها , وقد قلبت شفتيها بوضع الاستعداد للبكاء .. فتأملتها ريهام بقلة حيلة وقد بدأت عيناها تدمعان ... هتفت زهرة فجأة بحماس ( أظنني وجدت حلًا ) انتبه لها الجميع لتتابع بتفسير ( طالما أن المشكلة ليست طبية .. إذًا ليان لا تحتاج إلى علاج ... هي فقط تحتاج إلى شخصٍ يعرف كيف يتعامل معها ... أليس هذا ما قاله طبيبها الأخير !! ) وجهت سؤالها الأخير لريهام التي أومأت لها بصمت مما جعل زهرة تبتسم رافعة رأسها بثقة ( أعتقد أنني أعرف شخصًا مناسبًا ) ******************************* فتحت صِبا باب المنزل كي تستقبل كل من رحمة وريهام تتبعها طفلتها الصغيرة ... رحبت بهما ليتجهن إلى غرفة الجلوس وكانت رحمة أول من بدأت الحديث بلطف ( معذرة على الإزعاج ... لكن الأمر ضروري جدًا ونحن بصراحة نحتاج لمساعدتكِ ) لم تفهم صِبا مقصدها تمامًا فتكلمت بهدوء وهي تنقل نظراتها بينهما بتساؤل ( لا داعي للاعتذار سيدة رحمة فنحن جيران .... لكن بصراحة أنا لا أفهم ما هو الأمر الذي يتطلب مساعدتي ) نظرت رحمة للطفلة ثم رفعت عينيها لريهام التي تحدثت موضحة ( لقد أخبرتنا زهرة أنكِ تعملين في مركز خاص بتعليم الأطفال ... وأنتِ ربما تكونين قد لاحظتِ أن ليان تختلف قليلًا عن الأطفال في سنها ... أقصد من ناحية الحديث والتعامل مع الآخرين ) همهمت صِبا بتفهم وتكلمت ( لقد لاحظت صمتها المستمر ... لكنني لا أرى حالتها مقلقة لهذه الدرجة ... ربما يرجع الأمر لسببٍ نفسي أو شيء من هذا القبيل ) تكلمت رحمة موضحة ( لقد تابعنا حالتها مع أمهر الأطباء وجميعم أكدوا أنه خرس اختياري ... المشكلة تكمن في امتناعها عن الحديث وخوفها الدائم من الغرباء ومن التواجد في أي مكان بمفردها ) تأملت صبا الطفلة بإشفاق لم يعجب ريهام التي احتدت نظراتها بضيق ... لكن صبا لم تنتبه لها وقد انشغلت بالطفلة وتكلمت ببديهية ( لكن الأمر ليس معقدًا لتلك الدرجة .. مع بعض الجلسات الطبية ستبدأ حالتها في التحسن ) تنهدت رحمة بأسف ( صدقيني لم نترك شيئًا إلا وفعلناه .. لكن وجود الأطباء حولها جعل رهبتها تزيد ... ولذلك فقد فكرنا في شخصٍ يتعامل معها كصديق ... لربما يستطيع التقرب منها .... إنها ترفض التعامل بشكل نهائي ... حتى مع الأطفال في سنها ) تساءلت صِبا بحيرة ( و كيف يمكنني المساعدة في ذلك؟ ... إن كان الأمر يناسبكم فأنا يمكنني إيجاد مكانٍ لها في المركز الذي أعمل به ... ربما يُشكل اندماجها مع الأطفال فارقًا في سلوكها ) قطعت ريهام صمتها لتقول بجمود ( للأسف لن يفلح معها الاختلاط ... بل بالعكس لقد أدى إلى نتيجة عكسية ) نظرت صِبا ناحية رحمة وهي تهز رأسها بتساؤل وحيرتها تزداد حول ما تريدانه ... لتريحها الأخيرة من حيرتها موضحة بابتسامة خفيفة ( لقد نجحتِ في جعلها تهدأ بالأمس ... بل ونجحتِ في جعلها تبتسم أيضًا ... ولذلك فقد فكرنا أنكِ الشخص المناسب الذي قد يساعدنا في مشكلتها النفسية ... لقد شعرَت بالألفة تجاهك وهذا قلما يحدث ... لهذا إن لم يكن لديكِ مانع فأنا أقترح أن تكوني مُعلمتها ... ليان لا تحتاج إلا لصديقٍ يفهم كيف يتعامل معها ... وأعتقد أنكِ أفضل شخص يقوم بذلك ) فركت صِبا أصابعها وهي تفكر بالأمر للحظات ... لتقع عيناها على الطفلة التي تجلس بجانب أمها بوادعة ... فتأملتها صبا بحنان ... طفلة رقيقة وديعة بملامح ملائكية تختلف كل الاختلاف عن ملامح والدتها .... رَق قلبها لتلتفت لرحمة بهدوء ( حسنًا لا مانع لدي ... يمكنني أن أخصص لها وقتًا معينًا بعد مواعيد عملي ... هنا في منزلي ... ستحبها أختاي جدًا ) نظرت رحمة لابنة عمها بصمت ثم عادت تنظر لصبا وتنحنحت بحرج ( شكرًا على لطفك يا صِبا .. لكن ... لقد أخبرتكِ للتو أن ليان تخشى التواجد وحدها بأماكن غريبة ... وبالطبع لن نزعجكِ كل يوم بمجيئنا إلى هنا لنكون بجانبها ... ولذلك فأنا أقترح أن تكوني ضيفتنا في منزلنا لتقضي الوقت الذي تريدين معها ) كان كلمة الرفض على طرف لسانها لكنها ابتلعتها كي تتمهل في اختيار كلمات ألطف ... من المستحيل أن تدخل ذلك المنزل مجددًا ... كيف تذهب بقدميها إلى ذلك المتعجرف الذي سخر منها؟ ... لا يمكن أن تعطيه الفرصة لمزيدٍ من سخافاته ... رفعت رأسها تقول بتهذيب ( آسفة لكن أمر المنزل لن يناسبني ... لا يوجد لدي مانع إن كانت تلك الجلسات ستتم هنا في منزلي .... أو في أي مكان آخر تختاروه ) تأففت ريهام وتكلمت بنفاد صبر ( لن يفلح الأمر ... سوف تنتابها نوبات بكاء مستمر وسيزيد الأمر سوءًا ... حددي المبلغ الذي تريدينه ولِـتكن الجلسات في منزلنا ) تجهمت ملامح صبا ولاح الغضب فوق ملامحها , فلم تعجبها طريقة الحديث ... وكادت ترد بما يليق لكنها تراجعت مراعاة لكونها ضيفتها ... فرفعت ذقنها تقول بحزم ( أولًا أنا لا أعتبر الأمر صفقة .... إنها مساعدة مني لطفلة أنا أتفهم حالتها جيدًا ... ثانيًا منزلي أو منزلكم لن يشكل فارقًا ... فأنا في كل الأحوال لن أتقاضى قرشًا واحدًا ... وهذا هو شرطي الأهم ) شعرت رحمة بالحرج من تصرف ريهام الوقح فتحدثت تحاول إصلاح الوضع ( ريهام لا تقصد .... هي فقط تتكلم في أن هذا حقكِ طبعًا لأنكِ تعطينا من وقتكِ ) زمت صِبا شفتيها بعصبية وكادت تتصرف بتهور وترفض الأمر كله ... إلا أن نظرة واحدة للطفلة جعلتها تعدل عن قرارها حين لمحتها تحدق فيها بصمتٍ ثم ابتسمت لها فجأة وكأنها تخبرها أنها تتذكرها ... بادلتها صبا الابتسام بضعف , وتنهدت بحيرة , تشعر أنها محاصرة بين جانبها الذي يشعر بالعطف على تلك الصغيرة وبين جانبها الآخر المتهور الذي كاد يدفعها إلى طرد ريهام بقلة تهذيب بعد ما تفوهت به ... لكنها حسمت أمرها وجانبها العاطفي يعلن انتصاره فقالت باستسلام ( حسنًا .... متى تحبون أن نبدأ؟ ) ********************************* جلست في غرفة الضيوف وهي تشعر بالتوتر يتسلل إليها .... توتر يخالطه بعض الندم لتسرعها في الموافقة بالموافقة على طلبهم ... لقد سيطر عليها شعورها الإنساني تجاه الطفلة فوافقت على مساعدتها ... إلا أنها ما إن خطت بقدميها داخل هذا المنزل حتى أدركت ما أقدمت عليه ... فها هي لم يكد يمر على وجودها سوى بضع دقائق وقد بدأت تشعر أنها ستجده أمامها في أي لحظة ... تحفزت مكانها بترقب حين سمعت صوت خطوات قادمة ... إلا أنها تنفست الصعداء وهي ترى ريهام تدخل وبجانبها السيدة مشيرة ... رحبت بها المرأة ببشاشة بددت بعضًا من توترها وقد تذكرتها فقد رحبت بها سابقًا في حفل عيد ميلاد زهرة .... تحدثت السيدة بمودة ( لقد تفائلت خيرًا عندما أخبرتني ريهام بموافقتكِ ... لقد ارتاحت ليان لصحبتكِ وهذا نادرًا ما يحدث ) ابتسمت صِبا ببعض الخجل وتكلمت بلطف ( أتمنى أن أستطيع فعلًا مساعدتها ... لقد أحببتها جدًا ) دخلت رحمة لترحب بها ثم اقترحت أن تتم الجلسة الأولى في الحديقة حتى لا تشعر الطفلة بالرهبة .... وبالفعل اتجهن جميعًا للحديقة وقد بدأت صِبا تتعامل ببعض المرح لجذب انتباه الطفلة ... مَر الوقت وبدأ الأمر في العمل بنجاح ... واندمجت صِبا تمارس عملها مع الطفلة وقد شعرت نحوها بانجذاب شديد أنساها توترها , تتابعها ريهام برضا لم يظهر على ملامحها الجامدة وقد حافظت على صمتها ... أما السيدة مشيرة فكانت تبتسم بتأثر وهي تتأمل حفيدتها تجلس بوداعة أمام صِبا التي يبدو وأنها تعلم جيدًا ما تفعله . ********************************** كانت تختلس النظرات نحوه في مرآة السيارة الأمامية وهي تراه يضاحك أمجد الذي يتولى القيادة ... شردت قليلًا تتذكر الهدية التي وصلتها ليلة عيد ميلادها ... لقد ظلت طوال الليل تتفحصها بانبهار وهي تحاول التعرف على هوية مُرسلها دون جدوى ... عادت تنظر لمروان , تتساءل إن كان هو صاحب الهدية , لكن إن كان هو من أرسلها فلماذا أخفى هويته؟ ... تنهدت دون أن تجد تفسيرًا ... فتمنت في داخلها أن تكون الهدية له ... صف أمجد سيارته جانبًا ثم ترجل منها يتبعه مروان ... لتلحق بهما تتأمله بافتتان أثناء حديثه المرِح ... انفرجت أسراريرها حين لمحت صِبا تجلس في الحديقة مندمجة في حديثها مع رحمة ... فلكزت أمجد تنبهه بسعادة ( لقد وصلت المعلمة الجديدة ) رفع أمجد رأسه لينظر إلا حيث تشير زهرة ... واستطاع من مكانه أن يلمحها , لترتعش عضلة في فكه وهو يراها تضحك بعفوية تشاركها رحمة وزوجة أبيه , وملامحها تشرق بحيوية على عكس انفعالاتها الغاضبة التي رآها بها سابقًا ... لمحته صِبا فانحسرت ابتسامتها وصمتت تنظر إليه بلا تعبير وهي تراه يقترب منهم ... أما هو فأبعد نظراته عنها ليلقي السلام على الجالسين متظاهرًا بتجاهلها ... سيطرت صِبا على انفعالاتها ثم نهضت من مكانها تقول ببساطة ( حسنًا سأضطر للانصراف الآن ) اعترضت السيدة مشيرة ( وهل يصح هذا ... يجب أن تتناولي معنا الغداء ) أيدتها زهرة وهي تصر على صبا ألا تذهب ... إلا أنها تمسكت بقرارها تقول باعتذار ( مرة أخرى إن شاء الله ... فأنا لدي موعدًا مع خطيبي ) لا إراديًا وجد نظراته تنحدر ناحية يدها ليرى الحلقة المعدنية تحيطها ... ثم عاد بنظراته ناحيتها ليراها تتحرك مغادرة ... مرت بجانبه تتحاشى النظر إليه ... فأفسح لها المجال وهو يرمقها بنظرة جانبية يتابع مغادرتها ترافقها زهرة التي تتجاذب معها أطراف الحديث .. ( أليست هذه هي نفس الفتاة التي اصطدمت بسيارتك؟ ) التفت ناحية مروان فأجابه باقتضاب ( نعم هي ) عادت زهرة بعد أن أوصلت صِبا إلى باب المنزل ... فسألها أمجد بنفعال مكتوم ( لماذا لم تخبريني بأمر تلك المعلمة؟ ) جلست زهرة على أحد الكراسي ترد ببرود ( لقد تحدثنا في هذا الأمر أمس على العشاء ... وأنتَ رفضت تناوله معنا متحججًا برغبتك في النوم باكرًا ... ولذلك فقد قررت معاقبتك بأنني لن أخبرك أي شيء يفوتك طالما أنكَ ستظل حبيس غرفتك ) ضحك مروان يشاكس صديقه ( يبدو أن الصغيرة بدأت في سن قوانينًا صارمة ) زفر أمجد ليتجه إلى غرفته دون أن يستجيب للمزاح .. يتبعه مروان الذي أشار خِفية للسيدة مشيرة بأنه جائع بطريقة جعلتهم ينفجرون في الضحك .... ********************************* جلس كلاهما في شرفة أمجد وقد كان الأخير شاردًا .. فتكلم مروان مبتسمًا بتسلية ( لكن أليست صدفة عجيبة أن تكون تلك الفتاة هي نفسها معلمة ليان؟ ) رد أمجد وقد اتجهت نظراته للشرفة المقابلة ( ماذا لو علمت أيضًا أنها تسكن مع عائلتها في المنزل المقابل؟ ) رفع مروان حاجبيه بدهشة ليلقي نظرة سريعة على منزل صبا ثم التفت لأمجد قائلًا بعبث ( تلك الحسناء هي جارتكم الجديدة ! ... وستأتي لبيتكم باستمرار أيضًا ! ... يالكَ من محظوظ ) التفت أمجد لصديقه بحدة , عاقدًا حاجبيه يقول بعبوس ( إنها تأتي من أجل ابنة ريهام ... ما شأني أنا ! ) ابتسم مروان بلؤم ( ما شأنك؟! ... هل تظنني لم ألحظ نظراتك تجاهها؟ ) انتفض أمجد كمن قُبض عليه متلبسًا ... يقول باستنكار محتد ( أي نظرات؟! ... أنا فقط ... تفاجأت من وجودها في منزلنا .. ثم ومنذ متى وأنا أتصرف هكذا ... هل تظنني مثلك؟ ) قهقه عاليًا مما جعل أمجد يشيح بوجهه عنه زافرًا بضيق ... بينما هتف مروان بغرور ذكوري ( مثلي أنا؟ ... لا يا صديقي أنا لا مثيل لي ... كما أنني لا تستهويني العيون الزرقاء ... صحيح أن الفتاة كالقمر إلا أنها تبدو حادة الطباع ) ضغط أسنانه بغضبٍ مكتوم وهو يحاول السيطرة على إحساس الغضب الذي بدأ يتسلل إليه من وقاحة صديقه ... رغم أنه وقح طوال والوقت , لكنه الآن يتمادى ... فتكلم بخشونة يحذره ( لا شأن لكَ بها فأنا لا أريد مشاكل ... ولا تنسى أن الفتاة مخطوبة ... فلتحترم هذا الأمر على الأقل ) رفع مروان كفيه ليقول ببراءة ( وهل قلت أنا شيئًا؟ ... كنت أثرثر معك فحسب ) لم يلتفت له أمجد وقد جذب انتباهه تلك السيارة التي توقفت أمام منزل صِبا ... لينزل منها شابًا أنيقًا , يقف منتظرًا وهو ينظر في ساعته ... بعد دقيقة لمحها أمجد تفتح باب المنزل لتقترب من الشاب مبتسمة برقة ثم ركب كلاهما السيارة ليبتعدا عن ناظريه .... بينما تابع هو اختفاءهما بوجهٍ جامد . ********************************** ( لقد استمتعت جدًا بتلك الزيارة ... أهل الفتاة في غاية اللطف ... والصغيرة أيضًا أسعدتني باستجابتها لي ) كان يستمع إليه تتحدث بانطلاق دون أن يعلق على كلامها وهو ينظر إليها بلا تعبير ... فتوقفت صِبا عن حديثها لتسأله بتعجب ( كريم .. فيما شردت ؟ ) رد بهدوء ( أسمعكِ ) ضغطت شفتيها وهي تنظر له بصمت ... ثم تكلمت بجمود ( هل ما زالت تعترض على هذا الأمر ! ) شبك كفيه ببعضهما قائلًا بنفعال طفيف ( لقد أخبرتكِ برأيي سابقًا يا صِبا ... ومع ذلك تمسكتِ بقراركِ دون أي مراعاة لرفضي ) أغاظها تسلطه ... فرفعت حاجبًا مستنكرًا تجادله ( هذا لأنني لم أجد سببًا منطقيًا لرفضك !! ) احتدت لهجته وهتف بغيظ ( ليس من المفترض أن يكون هناك أسبابًا من الأساس ... لكن إن كنتِ حقًا تريدين سببًا ... فأنا لن أقبل أن تعمل خطيبتي لدى أحد ) فغرت شفتيها غير مستوعبة لما نطق بها ... وهزت رأسها تقول ببطء ( ومن قال أنني أعمل لديهم ! ... لقد أخبرتك أنني وافقت كنوع من المساعدة ) قاطعها كريم بهتافه المتشنج ( بل أنتِ من أقنعتِ نفسكِ بذلك ... بل وأصريتِ على موقفكِ رغم أنني رفضت هذا الأمر من الأساس ... خطيبة كريم نصار لا تعمل لدى أحد ... يجب أن تحافظي على مظهري أمام الناس ) تجمدت ملامح صِبا وحدقت فيه للحظات بعينين زجاجيتين بلا أي تعبير ... ثم تكلمت بصوتٍ صلب ( وهل أصبحت أشوه مظهرك .. هل أصبح عملي عائقًا أمام مكانتك الإجتماعية العظيمة يا سيد كريم؟! ) زفر بضيق من نفسه وقد أساء اختيار كلماته .. تجنب النظر إليها وغمغم يبرر انفعاله ( أنا لم أعترض على عملكِ يا صِبا ... بل بالعكس لقد احترمت رغبتكِ عندما رفضتِ العمل معي في الشركة ... لكن يجب أن تفهمي أن لكل شيء حدود ... عملكِ في المركز شيء .. وعملكِ لدى الآخرين شيء آخر ... لو علمت أمي بأمرٍ كهذا ستغضب بشدة ) لم تقاطعه بكلمة أثناء تبريره الغير مقنع ... إلى أن وصل إلى جملته الأخيرة فتسلل إليها إحساسًا مقيتًا بالإهانة وهي تتذكر معاملة والدته المحتقرة لها وكأنها لا تليق بولدها المدلل ... رفعت ذقنها بإباء وتحدثت بصلابة لم تخلو من التهكم ( إذًا هذا هو السبب ... أنتَ تخشى أن تعلم والدتك بهذا الأمر فتوبخك لأنكَ تركت خطيبتك تؤدي عملها ... وربما تخشى أيضًا أن تلومك على اختيارك لفتاة عادية لا تلائم عائلتها العريقة ) توتر كريم من هجومها الحاد ... فصمت ينقر على سطح الطاولة أمامه بأصابع متشنجة ... وبعد لحظاتٍ من الصمت المتوتر , تنهد ليرد عليها بضيق ( صِبا .. أولًا توقفي عن إقناع نفسكِ بأن أمي تعترض على خطبتنا ... هي فقط تتصرف بأرستقراطية لأن هذه هي طباعها ... ثانيًا يجب أن تتفهمي موقفي ... أنا لم أقصد التسلط عليكِ ... كل ما في الأمر أنه يجب عليكِ أن تراعي مكانتي الاجتماعية ... ومكانتكِ أنتِ أيضًا ... أنتِ ستصبحين زوجتي , زوجة كريم نصار ... ويجب عليكِ أن تحددي تصرفاتكِ على هذا الأساس ) ظلت تنظر إليه دون رد وهي تحاول استيعاب البساطة التي يتحدث بها وكأن كلماته لا تحمل لها أي إهانة ... كما تحاول السيطرة على إحساس الغضب الذي يجتاحها تجاهه , تُلاحظ طابعه المدلل يتغلب عليه ليفرض رأيه عليها متأثرًا بتلك الاعتبارات الاجتماعية السخيفة ... لكنها لم تُعلق على كلمة مما قالها بثقةٍ منها أن الصمت في هذه الحالة سيكون أفضل من أن تتخذ رد الفعل الذي يُناسب وقاحته ... ولذلك ردت ببرود دون المزيد من المجادلة ( أريد أن أعود للمنزل ) وأمام عينيه المتسعتين اندهاشًا نهضت متجهة ناحية باب المطعم لتخرج منه بينما اندفع هو خلفها بوجهٍ متجهم .. ********************************* في صباح اليوم التالي ... كانت تقود سيارتها بشرود وهي تفكر فيما حدث أمس مع كريم , شاعرة بالغضب ما زال يتملكها من تصرفاته ... رن هاتفها فرمقت شاشته بلا مبالاة ثم كتمت الصوت لتغلق بعدها الهاتف كله وهي تزفر بعنف ... لقد اختار الصمت طوال طريق عودتهما للمنزل بالأمس .. إلا أنه لم يتوقف عن الاتصال بها من وقتها ... وهي بدورها تجاهلته , غير قادرة على مناقشته أكثر بعد ما تفوه به .. ( ألن تجيبي على هاتفكِ؟ ) لم تلتفت لسؤال أختها وهي تلتزم الصمت .. فتنحنحت مريم غير غافلة عن تلك الشحنات السلبية ... وقالت بهدوء ( إنه كريم أليس كذلك؟ ... هل تشاجرتما؟ ) صمتت صبا لثوانٍ قبل أن ترد بجفاء ( لا , لم نتشاجر ... أنا فقط لا أشعر برغبة في الحديث مع أحد ) هزت مريم رأسها لتسألها بصبر ( وما سبب هذا المزاج المتعكر؟ ... هل الأمر يتعلق بذهابكِ أمس إلى منزل السيد أمجد؟ ... أنتِ لم تحكِ لي ما حدث ) ردت صِبا باقتضاب ( كانت زيارة لطيفة ) ترددت مريم قليلًا قبل أن تسأل بحذر ( هل قابلتِ السيد أمجد؟ ) زفرت صِبا وارتفع صوتها حين هتفت ( نعم قابلته ... لماذا تسألين !! ... أنا أحاول أن أتناسى أنني سأضطر لرؤيته كلما ذهبت إلى هناك ) تنهدت مريم وهي تشعر بالقلق من طباع أختها النارية ثم قالت بتوسل ( أنتِ لستِ مضطرة للتعامل معه على أي حال ... صبا أرجوكِ , لا أريد المزيد من المشاكل معه ... لا تنسي أنه مديري وصاحب الشركة التي أعمل بها ) أوقفت صِبا سيارتها بعنف والتفتت لأختها بحدة ( وهل ترينني أطارده؟ ... أليس حظي العاثر هو من أوقعني به في ذلك الحادث ! .. ليكتمل الأمر وأجدني أسكن بالمنزل المقابل لبيته ... بل ويتدهور بي الحال لأجدني مضطرة إلى دخول منزله .. ليكتمل هذا الحدث الكارثي بكونه مديركِ بالعمل ... هل هناك أروع من هذا ! ... هذه عين عمتكِ منال أقسم بالله ... لا تشعر بالراحة منذ أن اشترينا المنزل الجديد ) رمشت مريم بعينيها وقد ارتد رأسها للخلف , انتهى هتاف أختها الحانق وقبل أن ترد سمعت كلتاهما صوت بوق سيارة تبعته نقرات خفيفة على زجاج السيارة ... فتحت صِبا الزجاج لارى شابًا بسيطًا يقول بتهذيب ( عفواً يا آنسة ... أنتِ تشغلين المكان بسيارتكِ والسيد أمجد قد وصل وهذا مكانه ) زمت صِبا شفتيها وقالت باستهزاء ( مكانه ! ... ألا يحق للسيارات الأخرى أن تتوقف في مكانه العظيم؟ ... ما هذه الطفولية ) ارتبك الشاب وقد ألجمته فظاظتها فلم يعرف كيف يجييها ... أما مريم فسارعت تتوسلها ( لا داعي لهذا يا صِبا ... هيا تحركي حتى لا تتأخري على عملك ) هتفت صِبا بقنوط ( وكيف سأتحرك الآن والسيارة محصورة بين سيارته والسيارة المقابلة؟! ) وفي سيارته كان أمجد يزفر بنفاد صبر , بينما يضغط على بوق السيارة بإصرار كي يُنبه سائق السيارة المقابلة ... رأى فتى الأمن يتحدث إلى السائق ففتح باب سيارته وترجل متوجهًا إليهم ليتفقد الأمر ... وقبل أن يصل إليهم ضيق عينيه حين لمح الباب يُفتح لتخرج منه فتاتان إحداهما شقراء وتبدو مألوفة له ... أما الأخرى فكانت ... هي !! .... تنزل من سيارتها بملامح مشتعلة بغضب كاد يحرقه مكانه , خاصة وأنها رمقته بنظرة نارية جعلته يرفع حاجبه في توجس ... تابع ما يحدث وهو يرى الشاب يركب السيارة ليحركها من مكانها بمهارة ويخرجها إلى الطريق ... اقترب منهم سائلًا بهدوء ( هل هناك مشكلة؟ ) أسرع الشاب يجيبه باحترام ( صباح الخير سيد أمجد .. الأمر بسيط لا تقلق ) كادت مريم تعتذر منه بتهذيب إلا أنها عضت شفتيها بيأس حين اكتمل المشهد بوصول سيارة مروان الذي تقدم ناحيتهم , وقال ببطء وهو ينقل نظراته بينهم بتعجب ( صباح الخيرات ... ما هذا التجمع اللطيف؟ ) تكلمت مريم وهي تحك جبهتها بإعياء ( أهلًا سيد مروان ) أومأ لها وانتقلت نظراته ناحية صِبا , ارتفع حاجباه بدهشة وقد تذكرها ... بينما غمغمت مريم باستسلام مبتئس ( هذه أختي صِبا ... إنه السيد مروان مديري بالعمل ) همست لها صبا بصوت خفيض ( هذا هو اللذج الذي يضايقك؟ ) سعلت مريم بصوتٍ عالٍ كي تنبهها فبرمت صبا شفتيها ثم ابتسمت لهم ابتسامة باردة تقول بنبرة أكثر برودًا ( فرصة سعيدة ) ثم استأذنت منهم لتتجه إلى سيارتها ... ولم تنسَ أن تلقي نظرة عدائية ناحية أمجد قبل أن تنطلق بسيارتها بعيدًا ... وتابعها هو بعينيه وقد لاحت ابتسامة متسلية على شفتيه ... وسرعان ما استعاد ملامحه الجامدة ثم تحرك إلى داخل الشركة .... أما مروان فالتفت إلى مريم بعد أن لاحظ أنها تمسك برأسها ليسألها بقلق ( هل أنتِ بخير؟ ) أومأت مغمغمة بتماسك ( نعم ... بعد إذنك ) ثم تحركت تسبقه بخطواتها إلى داخل الشركة .. ليتبعها مروان هامسًا لنفسه بعبث وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة لعوب ( يبدو أن هذا المنزل مليئًا بالحسناوات ) انتهى الفصل يُتبع .... | ||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|