آخر 10 مشاركات
تسألينني عن المذاق ! (4) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          الجبلي .. *مميزة ومكتملة* رواية بقلم الكاتبة ضي الشمس (فعاليات رمضان 1436) (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          روايات الكاتب عبد الله البصيّص (الكاتـب : Topaz. - )           »          أخطأت وأحببتك (60) للكاتبة: لين غراهام ..كاملهــ.. ‏ (الكاتـب : Dalyia - )           »          أزهرت بساتين الورد (2)..سلسلة حكاية بلا نهاية *مكتملة* (الكاتـب : Heba aly g - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          مرحبا ايها الحب -عدد ممتاز- بوليت أوبري - روايات عبيرجديدة [حصرياً فقط على روايتي] (الكاتـب : Just Faith - )           »          أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما رأيكم؟
جيد 13 43.33%
متابع 3 10.00%
لا بأس به 2 6.67%
أعجبني 18 60.00%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 30. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree256Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-05-22, 10:38 PM   #81

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الخلووود°` مشاهدة المشاركة
ماشاء الله الرواية جميله واكثر شخصين فالروايه أحبهم أمجد وصبا ومتشوقين للتكمله
شكرًا لرأيك أسعدتيني♥️.
بإذن الله الفصل ٢١ يوم الخميس القادم الساعة ١٠ بتوقيت مصر.




شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 12-05-22, 11:16 PM   #82

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

الفصل الواحد والعشرون

يجلس على كرسي مكتبه باسترخاء، مُرجعًا رأسه للخلف، يغمض عينيه بسكينة، وعلى شفتيه ما يشبه ابتسامة خفيفة شاردة، ذهنه يأخذه لزرقة أمواج كانت رفيقة أحلامه لليلة الماضية بأكملها، فلم ينتبه للطرقات التي تعالت على باب مكتبه.. لتدخل سكرتيرته بعد أن آلامتها يداها من طرق الباب دون رد، عقدت حاجبيها وهي ترى مُديرها ذو الوجه الخشبي يجلس على كرسيه بمنظر يوحي أنه...
(هل حدثت معجزة ووقع في العشق حديثًا أم ماذا؟ من تلك معتوهة العقل والتفكير التي قد تطيق وجهه العابس)
قالتها دون صوت وهي تمصمص شفتيها ثم تنحنحت كي تنبهه لوجودها، مرة بعد مرة إلى انتبه إليها أخيرًا فنظر لها يقول بذهن مُشتت
(تريدين شيئًا يا مها)
"أريد سلامتك يا حلو الملامح"
لم تجرؤ على رفع صوتها فأخفت ملامحها الحانقة وهي تقدم له الأوراق بصمتٍ ليوقعها.. أمسك أمجد قلمه بتمهل وبدأ في توقيع الأوراق ببطءٍ استفذها.. وما إن انتهى حتى سألها بهدوء
(هل اتصلتِ بالسيد مروان؟)
هزت المرأة رأسها نفيًا تقول
(هاتفه لا يزال مغلقًا، واتصلت بأحمد فأخبرني بأنه لم يره منذ أمس)
عبس وجهه وهو يتساءل أين اختفى ذلك الأحمق!.. ثم نظر في هاتفه بتفكير قبل أن يسمع نحنحة المرأة الخافتة بينما تقول بتململ
(سيد أمجد)
همهم دون أن ينظر إليها فتابعت بتردد
(بخصوص أمر إجازاتي)
لم يكن يوليها اهتمامه وهو يتفحص الصورة التي قفزت أمامه، حسنًا هو من كان يتسلل بحثًا عنها لكن ما المشكلة؟ بل هناك مشكلة، كيف سيركز في عمله الآن بعد أن سرقته تلك الابتسامة، ففي الصورة أمامه، والتي أضافتها ملك منذ دقيقة، كانت هي سيدة اللقطة بوجهها الرقيق الذي أحاطته غرة منسدلة بنعومة، تجلس في أحد المطاعم بجانبها ملك التي علقت تحت الصورة بقلوبٍ حمراء تشبه تلك التي خرجت من عينيه وهو يتنهد بِوَله، قبل أن تحتبس أنفاسه في صدره وهو يرى الصورة التالية، والتي كانت لها وحدها، بدت فيها وكأنها التُقِطَت لها بطريقةٍ عفوية، كانت فيها لا تنظر باتجه الكاميرا، بل عيناها الموجيتين شاردتين أمامها، وثغرها الشهي يتألق بابتسامةٍ خفيفة التقطتها عيناه فابتسم بدوره
(سيد أمجد !)
أجفل على صوت المرأة الذي ارتفع قليلًا
وقد أصابها الحنق من شروده، فاستقام يلتقط سترته وهو يتحرك مغادرًا قائلًا بعجالة
( ليس الآن يا مها.. سأغادر الآن، أجّلي الاجتماع للمساء )
كان صوته قد ابتعد فعضت المرأة شفتيها بغيظ بينما تهتف من بين أسنانها
( تبًا لبرودك هذا.. سألِد قبل موعدي بسببك )

***********************

أوقف سيارته أمام المنزل يتنهد بعمقٍ وهو ينظر في ساعة يده، مُتعجبًا من حالة الطيش التي أصابته "على كبر" كما يقولون، أدار رأسه ناحية منزلها فلم يجد سيارتها أمامه، فعلم أنها لا تزال بالخارج، زفر ببعض الإحباط وهو يُخرِج هاتفه مرة أخرى دون سبب، فتكرمت يداه وابتكرت سببًا وهما تخوناه ليعيد فتح الصور التي شاركتها ملك على حسابها، ليجدها قد أضافت صورة أخرى لكلتيهما، تضحكان فيها بملئ الشفاه، فعرفت عيناه طريقهما نحو وجهها يتأمل تلك الابتسامة الصافية، يقسم لقلبه الذي ينبض عاليًا بأنها أكثر ابتسامة فاتنة رآها في حياته..
ولم يكد يلتقط أنفاسه حتى تفضلت ملك وأضافت صورة أخرى فتنهد بعلوٍ حتى تضخم صدره، ليقول بعدها بصوتٍ يائس
( كفى يا ملك بالله عليكِ.. هل اتفقتِ أنتِ وأختكِ عليَّ اليوم أم ماذا؟ )
فتح باب سيارته تاركًا سترته ملقاة بإهمال وهو يفتح زر قميصه العلوي يبتغي بعض الهواء عله يبرد حرارته التي أشعلتها عيناها، لكنه لم يدخل المنزل، بل جلس على مقدمة سيارته وهو يعاود الإمساك بهاتفه يتفحص صورها مرة بعد مرة إلى أن همس أخيرًا ببعض الحنق والعبث
( هل سنكتفي بالصور اليوم أم ماذا؟ متى ستعود البرنسيسة )

*********************
مرت الدقائق عليه طويلة، مشتاقة، وهو لا يزال جالسًا في مكانه ينظر في شاشة هاتفه بتركيز.. وما إن رفع رأسه بعفوية حتى تحفز جسده وهو يرى سيارتها تقترب، فظل على نفس جلسته بقميصه المفتوحة أزراره ببعض الإهمال وعيناه لا تحيدان عن سيارتها، فبدا في تلك اللحظة كمراهق طائش يراقب فتيات الحي
(رائع.. ابن الجيران الوسيم يجلس في انتظار الجميلة)
انتبهت صبا لنبرة أختها العابثة المتسلية، فعقدت حاجبيها وهي تلتفت ناحيته، فاقتنصت عيناه الثاقبتين عينيها.. للحظاتٍ خاطفة، قبل أن تشهق صبا وهي تعود بعينيها للطريق وقد نسيت إيقاف السيارة، فضغطت على المكابح بسرعة وهي تشتم من بين أسنانها ثم فتحت باب السيارة تهتف في ملك بغضب
( أيتها الحمقاء.. كنت سأتسبب في حادثٍ بسببكِ )
- (هل كل مصيبة ستلصقيها بي أنا.. تعالى يا سيد أمجد واحضرنا)
قالتها ملك تتصنع الجدية وهي تنظر لأمجد الذي اقترب منهما.. جدًا، هذا ما اكتشفته صبا وهي تسمعه يقول ببطءٍ رخيم
(مجددًا !)
كانت تعطيه ظهرها بينما التقطت أذناها سخريته المبطنة فالتفت إليه بحدة، تهتف بنزق
(اسمع.. أنا لا.. أطيق.. نفسي حاليًا)
تبعثرت الكلمات الغاضبة من على شفتيها ما إن التفتت لصدره العريض والذي كان على بُعد شعيرات منها، فابتلعت ريقها بصعوبة وهي ترفع عيناها لوجهه الجامد دون تعبير، فقط عيناه تبتسم لعينيها بطريقة جعلتها تجفل قليلًا وهي ترى نظراته، بينما لم يحاول أمجد إخفاء نظرات الشوق التي أطلت من عينيه في تلك اللحظة وكأنه لم يكن يحدق في صورتها منذ لحظات...
نحنحة ملك الخافتة قطعت ذلك التواصل فتشتت ذهنه قليلًا وهو يسمعها تقول بحزن مصطنع
(نحن نجاهد لنبقى أحياء يا سيد أمجد والله)
ضحك ضحكة قصيرة كتمها سريعًا وهو ينظر لصبا التي حدجته بنظرة خطرة، فصمت يستغل انشغالها بتوبيخ ملك ليملي عينيه من تلك الفتنة المحيطة بها، كعادته يراها كل مرة كأول مرة، واليوم تحديدًا بدت شهية بوجهها الوردي الذي أحاطته تلك الغرة المنسدلة على وجهها بنعومة، ترتدي سترة رياضية أنيقة بلون خوخي جعلها تبدو كوردة متفتحة خاصة بوجنتيها المتوردتين يمنحانها فتنة لا تنقصها أساسًا.. التفتت صبا ناحيته فجأة فاحمر وجهها أكثر وهي تلتقط نظراته التي تتفحصها من رأسها حتى أخمص قدميها، وهو بدوره لم يُخفي نظراته بل رفع عينيه إليها ببرود.. زمت صبا شفتيها لتتجاهله مرة أخرى وهي توجه حديثها لملك
(هيا ساعديني لنقل الأغراض للمنزل)
ظلت ملك مكانها دون أن تتحرك ثم تنحنحت ببعض الحرج وهي تنبهها لوجود أمجد الذي لم يتحرك من مكانه وهو يضع كفيه في جيبي بنطاله باسترخاء، عقدت صبا حاجبيها وهي تنظر إليه تتظاهر بالغباء.. ثم قالت بغلاظة
(ماذا؟)
رفع حاجبًا واحدًا بينما ينظر لها دون رد، فبرمت شفتيها تتطلع لهيئته الجذابة وهو يقف أمامها يديه في جيبيّ بنطاله، التقط هو نظراتها فابتسم بنوعٍ من الفخر الرجولي ليحمر وجهها بحرج وهي تشيح بعينيها عنه.. ثم تصنعت التأفف وهي ترد بضجر
( أُفٍّ.. بداية اليوم كانت واضحة من الأساس )
استمرت في غمغمتها الساخطة وهي تتحرك باتجاه المنزل تتبعها ملك التي أشار لها أمجد لتتبعه، فأطاعته بسعادة وهي تتفرسه بافتتانٍ مراهق أحمق.. أما هو فكان منشغلًا كعادته بمراقبة تلك الموجة الناعمة التي تتحرك أمامه بخطواتها المتحفزة دومًا، شَكر ربه سرًا أنها قد وضعت في عينيها حصوة ملح وارتدت بنطالًا فضفاضًا ليس كذلك الآخر الذي أفقده عقله
وأعصابه من قبل.. لمح زوجة والده تجلس في الحديقة بجانب ليان التي تهللت أساريرها لرؤية صبا فركضت ناحيتها لتتلقفها الأخرى بسعادة،
فارتسمت ابتسامة صافية على شفتيه وهو يرى ضحكاتها التي تخص بها ليان وحدها وتحرمه هو منها بمنتهى السخافة
( لماذا عدت مبكرًا اليوم يا أمجد؟ )
أزاح عينيه عنها بصعوبة وهو يلتفت لسؤال المرأة، فتنحنح يرد بمواربة
( فكرت أن آتي لأرتاح قليلًا قبل أن أذهب للاجتماع في المساء )
أومأت المرأة برأسها وهي تبتسم بغموض، ثم التفتت لصبا تقول بحبور
( ليان تنتظركِ بحماس منذ الصباح، لقد أخبرنا أمجد قبل أن يذهب لعمله أنكِ ستأتين، ومِن حينها وهي تنتظركِ بسعادة )
ابتسمت صبا ببعض الخجل وهي تنظر لأمجد الذي كان ينظر لها من علو وهو لا يزال واقفًا مكانه باسترخاء بينما تجلس هي القرفصاء بجانب ليان، استقامت من جلستها البلهاء وهي تبعد عينيها عنه بينما تابعت السيدة بحماس
( لقد أعدت بعض الحلوى، سأذهب لإحضارها )
أومأت لها صبا بمودة بينما اختفت المرأة داخل المنزل فتحركت صبا لتجالس الصغيرة في مكانٍ بعيد نسبيًا تتحاشى النظر لأمجد الذي جلس بأريحية على أحد أرائك الحديقة، تجاوره ملك التي بدأت في ممارسة هوايتها المفضلة وهي تلتقط لنفسها عددًا لا متناهيًا من الصور الذاتية.. شرد أمجد وهو يرجع ظهره للخلف، يُمتع عينيه بموجته الناعمة، والتي تتجاهل نظراته عن عمد، لكنه يعلم أنها تشعر بمراقبته، رغم شكه في امتلاكها ولو ذرة واحدة من الشعور والإحساس..
متبلدة مشاعر حمقاء.. وجميلة، مُتعة للنظر.. لا يمل رؤيتها ولا يظنه سيفعل، لا يأبه لنبضات قلبه التي تسرقها ابتسامتها الناعمة وضحكاتها العالية وهي تداعب ليان
"محظوظة يا ليان، تضحكين لاهية عما يدور حولكِ.. بينما خالكِ المسكين لا يعلم بحاله غير الله"
ابتسم بيأس وهو يسمع ضحكاتهما تتزايد، وصبا تؤرجح الطفلة في الهواء ثم تلقفتها في أحضانها لتقول ما إن هدأت ضحكاتهما
( يا حبيبتي أنتِ.. كم أحب هذه الضحكة )
ظلت ليان مبتسمة لها فرفعت صبا كف الصغيرة تقبله عدة مرات متتالية مما جعلها تضحك بسعادة بينما تابعت صبا بخفوت
( هل أستطيع أن أخطفكِ من هُنا؟ لنذهب بعيدًا عن منزل المتوحشين هذا )
ابتسمت لها الفتاة أكثر وكأنها تفهم همسها المجنون.. بينما ضيق أمجد عينيه وهو يرهف السمع أكثر، يحاول تبين ما تهمس به شفتيها الشهيتين دون فائدة، فانتابه الغيظ منها وهو يراها تنظر ناحيته بطرف عينيها بينما لا تزال تهمس للطفلة.. ماذا تقول لها؟ هل تحدثها عنه؟
زم شفتيه وهو يغمغم بسخط
(قبلات مجانية وهمسات ممنوعة.. بينما لا آخذ أنا منها سوى شهادتها الجهبذية في القيادة)
انتبه وهو يرى ملك تتحرك ناحيتهما لتلتقط لهما بعض الصور بينما يضحكن بمرح.. حتى نادته ملك فجأة بعفوية
(شاركنا بعض الصور يا سيد أمجد)
زجرتها صبا بخفوت فلم تعرها ملك اهتمامًا وهي تنظر لأمجد برجاء، لكنه لم يكن يحتاج إلى عزيمة من الأساس، فقد نهض من مكانه متوجهًا ناحيتهم، فاحمر وجه صبا وهي ترى نظراته المثبتة عليها، يتحداها بخطورة أن تعترض، لكنها زمت شفتيها وأبعدت عينيها عنه وقد بدا جذابًا خاصة في تلك اللحظة بقميصه المفتوحة أزراره العلوية وكُميه اللذان رفعمها مشمرًا عن ساعديه القويين
″ما الداعي من استعراض العضلات هذا !″
استعدت ملك لالتقاط الصورة فقال أمجد بتردد
(ربما لو أُهذب مظهري قليلًا سيكون أفضل)
رفعت له ملك وجههًا تتطاير الفراشات الملونة حوله، ثم قالت بنعومة
( لا يوجد أفضل من ذلك صدقني.. ما شاء الله عليك بصراحة )
ضحك أمجد عاليًا بمرح من عفويتها الزائدة عن الحد، ثم قال وسط ضحكاته
( شكرًا لكِ يا ملك حقًا )
بينما تلقت ملك لكمة في معدتها من صبا جعلتها تسعل باختناق.

***********************

وقفوا باستعدادٍ لتلقي الصورة فالتقطها ملك ببراعة ثم هتفت بحماس
(انتظرا سألتقط لكما واحدة عن بُعد)
زفرت صبا بقلة صبر وهي تود ركلها خارج الحديقة لربما تتخلص من أفكارها الجهنمية.. بينما ابتعدت ملك قليلًا تستعد لالتقاط الصورة كمصورٍ محترف.. وقفت صبا مرغمة تنتظر انتهاء تلك المسرحية الهزلية وهي تنظر لليان بيأسٍ فابتسمت رغمًا عنها وهي ترى الصغيرة تصفق بحماس.. كانت غافلة عن ذلك الذي وجد نفسه بجانبها فجأة، يتأمل وقفتها بجاوره، وإحساسًا بالدفء اللذيذ يتسلل لأعماقه، وشعوره بها بجانبه فاق ما حكى عنه الشعراء في قصائدهم، مجرد وجودها أمام عينيه يُنمي بداخله ذلك الإحساس بأنه لا يريدها أن تبتعد أبدًا.. أبدًا
(جاهزان؟ سألتقطها)
قالتها ملك وهي تلتقط لهما صورة رائعة يبتسم فيها ثلاثتهم، كلٌ بابتسامةٍ مختلفة، واحدة لطفلة ترفع يديها عاليًا بحماس، والأخرى لعينين زرقاوين افتعلتها مُرغمة في البداية لكن شيئًا من الحنان مسهما.. والأخرى.. والأخيرة، لرجلٍ صار الآن متأكدًا أن تلك الواقفة بجواره قد تسللت إلى قلبه رويدًا رويدا، فنظر لكَتِفها الذي يصل إلى أعلى صدره، وهو يتمنى الآن تحديدًا لو يحيط كَتِفها الرقيق بذراعيه، يضمها إليه برقة تناسب ابتسامتها الحلوة، لكنه قبض كفه بجانبه يُلجم تلك الرغبة المُلحة وهو يضحك بداخله أنها ربما تعض ذراعه مثلًا، ولا مانع لو اتهمته بالتحرش والنوايا الخبيثة، رغم توقه الشديد لتطبيق بعض النوايا الخبيثة !
انتهت جلسة التصوير أخيرًا فزفرت صبا بارتياح وهي تتوجه للجلوس على الاريكة التي احتلها أمجد من دقائق بينما تحركت ليان لتلهو مع ملك على الأرجوحة البعيدة.. نظرت صبا في ساعتها وهي تفكر في العودة لمنزلها
( لا تقلقي، ريهام ليست هنا )
التفتت إليه حين سمعت جملته الهادئة، فانتبهت أنه يجلس على الكرسي القريب منها مما جعلها تتوتر قليلًا، لكنها ردت ببرود
( فعلَت خيرًا )
أرجع أمجد ظهره للخلف يقول ببساطة ( الحقيقة أنها لم تفعل شيئًا.. نحن حرفيًا رتبنا لها موعدًا كي تتأخر بالخارج كي لا تحدث أي اشتباكات أخرى )
مصمصت صبا شفتيها تقول بتهكم
( شكرًا لحرصكم على إبعاد مضايقاتها )
لم يرد عليها فورًا، بل أخذ وقته وهو ينظر لها بابتسامة هادئة ثم تحدث يقول ببطء
( أخبرتكِ من قبل أنني لن أسمح بذلك أبدًا )
ارتبكت قليلًا، وأشاحت بوجهها الذي تلون بالاحمرار من نبرته التي حملت رنة دافئة، خاصة وهو يحاصرها بابتسامته ونظراته، لم تكن يومًا ممن يستمتعن بنظرات الرجال لهن، ولطالما أثار ذلك حفيظتها، لكنها حقًا تتعجب من نفسها وهي لا تتعامل بالمثل مع نظراته، ربما لأن طريقته في النظر إليها لا تحمل أي نوع من الفجاجة، بل على العكس، عينيه بهما شيئًا دافئًا يجعل نظراته غير منفرة إطلاقًا.. جال بخاطرها نظراتٍ أخرى كانت كمن تجردها من ملابسها، وعينين نهمتين لشخصٍ كان يتحين الفرص لملامستها فيشعرها بالاشمئزاز منه ومن نفسها، فانكمشت ملامحها بعدم الرضا وهي تحاول إبعاد الأمر عن رأسها.. بينما كان أمجد يراقبها بتمعن وهو يلاحظ التعبيرات التي توالت على وجهها...
أتت السيدة مشيرة وهي تحمل صينية كبيرة تراصت عليها بعض أطباق الحلوى بينما تقول بحنان
( لقد صنعتها خصيصًا لأجلكِ يا صبا.. تذوقيها وأخبريني رأيكِ بما أنكِ خبيرة في صناعة الحلوى )
ابتسمت صبا بخجل، تكلمت بتهذيب
( ليس لهذه الدرجة، إنها مجرد هواية.. بالطبع ما صنعتِه أفضل )
ضحكت المرأة وهي تربت على كتفها بحنان ثم قالت بحماس
( لا تكوني متواضعة هكذا.. لقد كان طعمها رائعًا و أعجبت الجميع.. حتى أمجد الذي كان يمتنع عن تناول الحلو منذ أن كان طفلًا )
احمر وجه أمجد كطفلٍ مشاغب وهو ينظر لصبا التي داهمتها ضحكة خافتة حاولت إخفاءها
وهي تتخيله طفلًا مشاغبًا تطارده أمه كي يتناول طعامه.
*********************
بعد دقائق كانت ضحكاتهم تتعالى بعد أن انضمت ملك للجلسة وهي تقص عليهم إحدى مواقفها المضحكة في المدرسة، بينما كان أمجد يراقب الجميع بابتسامة شاردة وقد شعر فجأة بافتقاده للجلسات العائلية التي لطالما تهرب منها، لكن هذه الجلسة لها مذاقًا آخر بنكهة الافتتان، افتتنانًا بضحكة تزينها شفتيها الرقيقتين
( هل تحدثت مع أختك يا أمجد؟ منذ أمس وأنا أتصل بها ولا أتلقى ردًا.. ومنذ ساعة أُغلق الهاتف تمامًا وهذه ليست عادة زهرة )
عقد حاجبيه وهو يولي تركيزه لزوجة أبيه مفكرًا أنه لم يتصل بزهرة بالأمس، وهي بدورها لم تفعل المثل على غير عادتها.. عقد حاجبيه يقول بتعجب
(ومروان أيضًا لا يجيب على هاتفه، أنا أحاول الوصول إليه منذ الصباح بلا فائدة)
وضعت المرأة يدها على صدرها وهي تشعر ببعض الانقباض، ثم قالت بقلق
( ترى ماذا حدث؟ لماذا يغلقون هواتفهم )
توتر الجميع وقد أثار الموضوع قلقهم،
وبعد لحظات صمت متوترة التفت أمجد يقول لصبا بثبات
( هل تتواصلين مع مريم؟ )
اتسعت عيناها بإدراكٍ متأخر وهي ترد بصدمة
( كان من المفترض أن تتصل أمس في المساء لكنها لم تفعل )
ثم التفتت لملك تسألها بقلق
( بنت يا ملك.. هل تحدثتِ مع مريم بالأمس؟)
ابتلعت ملك ريقها و قد أرعبها سؤال صبا، ردت ببطء
( لا.. لكنني اتصلت بها فأغلقت الخط في وجهي دون رد، وبعدها أُغلِق الهاتف كله.. ماذا يحدث لا أفهم؟ )
شهقت السيدة مشيرة وهي تنظر لأمجد بهلع ثم همست برجاء
( تصرف يا بني.. قلبي يخبرني أن مكروهًا قد أصابهم )
لم يرد أمجد وهو ينظر لها بتفكير.. الأمر ليس مقلقًا لذلك الحد، لكن رعبهم هذا وتر أعصابه .. نظر لصبا التي كانت تهز ساقها بعصبية وهي تضع الهاتف على أذنها ثم هتفت بحنق
( لا رد.. لا مريم ولا زهرة، كلتاهما تغلق هاتفها.. هناك شيئًا خاطئًا يحدث.. ليس من عادة مريم أن تتجاهل اتصالاتنا من الأساس )
توتر أمجد أكثر، لكنه لم يظهر شيئًا وهو يتحدث بثبات زائف
( لا أرى داعيًا لكل هذا الهلع.. لقد هاتفنا أحد موظفينا هناك.. لو كان هناك شيء لكان أبلغنا، ربما أرادوا الاستغناء عن الهواتف مؤقتًا )
عقدت صبا حاجبيها وهي تهتف باستياء ساخر
( ما هذا البرود الذي تتحدث به ! حسنًا أختك بصحبة رفيقاتها وبين موظفيك، لكن أختي هناك بمفردها )
أظلمت عيناه بغضب من لهجتها الحادة معه،
فنظر لها بجمود ونظراتٍ مرعبة جعلتها تبتلع سيل الكلمات التي حضرت على لسانها، لتلعن فجأة غلاظتها معه والتي لم يكن لها داعيًا من الأساس، خاصة و أن أمه تجلس بينهما، وهي نفسها ضيفة في منزله.. بينما لم تنتبه المرأة من الأساس وهي تتمسك بذراع أمجد تهتف بلوعة
( تصرف يا بني.. ماذا لو كان أصابهم مكروه.. قلبي ليس مرتاحًا )
تنهد أمجد وهو يخفي غضبه ليلتفت لزوجة أبيه، يربت على يدها بحنان وهو يقول بنبرة مطمئنة
( سأتصل بالشركة كي يتواصلوا معهم،
لا تقلقي.. خلال ساعة ستكون زهرة معكِ على الهاتف، حتى وإن استدعى الأمر أن أسافر لهم حالًا )
أومأت المرأة برأسها وقد بث همسه الطمأنينة بداخلها، ليس وحدها فقط، بل تسلل بعضها أيضًا لصبا، والتي كانت تنظر لكفه الذي يربت على كف المرأة بحنان، تستمع لصوته الذي أجبر قلقها على التبخر ليحل محله هدوءًا غريبًا.. وللمرة الثانية شتمت لسانها المتهور.

************************
بعد أقل من نصف ساعة كانت السيدة مشيرة تبتعد بالهاتف وهي تتحدث مع زهرة التي أخفت نبرتها الضعيفة ببراعة وهي تُطمئن والدتها، شعرت صبا بأن وجودها صار غير مبررًا خاصة وقد ذهبت ليان في نومٍ عميق، فتحركت تصطحب ملك إلى الخارج بصمت بينما لكزتها ملك للمرة الثالثة فتوقفت مكانها مرغمة وهي تلتفت خلفها ببطء.. كان يقف مكانه بصمت، يديه في جيبي بنطاله لكن هيئته تختلف عن تلك التي دخل بها المنزل، خاصة وهو يقف بملامحه الجادة، والتي تعلم جيدًا أن خلفها غضبًا يكظمه عنها.. لم يتبعها للبوابة كعادته ! الأمر الذي جعل إحساسًا صادمًا بالاحباط يتسلل إليها، لكنها أخفت ذلك عن ملامحها وهي تقول باقتضاب
( لم أقصد )
لم يرد عليها، فأردفت ببعض الذنب
( أنا فقط كنت قلقة، ربما أظهرت قلقي بشكلٍ مبالغ فيه قليلًا لكنني بالطبع لم أقصد إهانة )
الصمت والبرود اللذان قابلاها من جانبه جعلاها تشعر بالحنق منه ومن نفسها أكثر.. فكرت في التحرك من أمامه بصمتٍ مراعاة لما تبقى من كرامتها، إلا ان أمجد تكلم أخيرًا دون تعبير
( لا ترحلي )
رفرفت فراشات معدتها و هي تظنه سيهمس لها بـ "لا بأس" خاصته، أو يلقي واحدة من جُمله الساخرة، أو أي شيءٍ غير هذا البرود، إلا أنه حطم طموحها على صخرة رده البارد و هو يتابع بنفس الجمود وإن كان يحمل شيئًا من العتاب
( ألا تريدين محادثة أختكِ؟ سيوصلون لها الهاتف في غرفتها )
هزت رأسها بلا علامة محددة وهي تخرج هاتفها بصمت لترفعه أمام عينيه، فقرأ هو الرسالة التي ظهرت أمامه، وفهم من محتواها أن مريم من أرسلتها، فأومأ برأسه دون رد، أنزلت صبا هاتفها فظهرت عيناها المذنبتين إليه، لكنه تجاهل إغراء أمواجها وهو يشيح بوجهه بعيدًا..
بينما شعرت صبا ببعض التقرح في كرامتها، فسحبت نفسها من أمامه وهي تخرج باتجاه منزلها تتبعها ملك التي نظرت لأمجد باعتذار.

***************************

فتحت حقيبة سيارتها بعصبية، لتمد يدها وتُخرج أكياس المشتريات بعنف، فهتفت ملك بهلع
( انتبهي.. ستتكسر الأكواب التي اشتريتها من أجل أمي )
كزت صبا على أسنانها، وهتفت بغيظ تُفجر غضبها في أختها
( عساها تنكسر وتنكسر رقبتكِ معها، أنتِ وتلك الحمقاء التي أثارت رعبي.. صبركِ عليّ يا مريم ما إن تَصلي، ألست في الطريق؟ حسنًا وأنا في انتظاركِ)
كانت تكمل وعيدها وهي تتابع إخراج الأغراض من حقيبة السيارة، فنظرت لها ملك تقول باستياء
( هل ستُطلقين شياطينكِ علينا ! وما ذنبنا نحن بوقاحتكِ مع الرجل !! أقسم أنه لو كان أحدًا غيره لكان لكمكِ لكمة تُفقدكِ صف أسنانكِ السفلية )
رفعت صبا رأسها تصرخ بجنون
( اصمتي لا أرييييد أن أسمع صوتكِ )
لكن باقي الكلمات احتبست في حلقها بعد أن التفتت فجأة، فاصطدمت بصدره القوي مما جعلها تتراجع بإجفال.. بينما لم يتخلَ هو عن قناعه الجليدي وهو ينظر لها بصمت.. إلى أن انحنى فجأة ليرفع الأكياس التي أخرجتها، فحملها كلها دفعة واحدة كل مجموعةٍ في يد، واستقام بعدها ينظر لها مجددًا بنفس البرود، لكنها هتفت برفض
( شكرًا لا نحتاج للمساعدة )
لم تتوقع رده الفظ وهو يقول بغلظة
( أنا لا أساعدكِ أنتِ، إنها أغراض ملك.. أليس كذلك يا ملك؟ )
أومأت ملك برأسها، تقول بسرعة
(نعم هذه مشترياتي، وبها طاقم الأكواب التي اشتريتها لأمي )
كان يستمع لملك وهو لا يزال ينظر لصبا ببرود، لكنه ابتسم فجأة دون مرح مما جعلها تزم شفتيها مشيحة بوجهها.. فأجفلت حين سمعت أمره الخشن
( افتحي البوابة )
شمخت صبا برأسها ترفض التخلي عن ملامح الكبرياء، لكنها أسرعت تتحرك من أمامه وهي تنفذ أمره بطاعة، بعد أن خُيل إليها أنه على وشك ضربها بطاقم الأكواب اللعين.

*********************

أوقف سيارته ثم التفتت إليها بابتسامةٍ
جذابة، قال برقة
(هل استمتعتِ؟)
أومأت برأسها في سعادة وهي تتعلق بذراعه هامسة بحب
( جدًا يا فارس.. لا تتصور كم كنت أشتاق للتنزه معك وحدنا كأيام خطبتنا )
ابتسم لعينيها اللامعتين بِحب وهو يملس كفها الذي استقر على كتفه بنعومة، ثم همس بمزاحٍ عابث
( لكن فارس الحالي صار مختلفًا عن أيام الخطبة، أظنني فقدت جاذبيتي فلم تلتفت لي الفتيات كما في السابق )
ضربته على ذراعه فضحك عاليًا وهو يتمسك بكفها الذي تحاول سحبه، ليقول من بين ضحكاته
(حسنًا حسنًا أسحب كلامي،لا نريد عقابًا أسبوع من الخصام، خاصة عندما تمطين شفتيكِ هكذا فتبدين كبطة مدللة)
أخفت رحمة ابتسامتها وهي تراه يمط شفتيه بسخرية فتصنعت الغضب وهي تضربه بيدها الأخرى تقول باستياءٍ زائف
(توقف عن نعتي بالبطة.. أنا لا أبدو هكذا)
أمسك بيدها الأخرى فأصبح كفيها أسيريّ كفيه وهو يقترب منها بوجهه، هامسًا بلهجة شعبية مضحكة
(بلى، عندما تمدين شفتيكِ هكذا تبدين كتلك البطة التي تشاهدها نادين في برنامج الأطفال، لكنكِ للعجب تبدين شهية بطريقة تثيرني لالتهامكِ يا بطة)
ضحكت رحمة بعلوٍ،.ضحكة منطلقة سعيدة، مستمتعة بغزله الجلف، والذي صار يطربها به مؤخرًا، لكنه يقع على أذنيها بلحنٍ جميل يفوق أرق كلمات الغزل بمراحل.. بينما ابتسم فارس وهو يتأمل ضحكتها الحبيبة، تلك التي افتقدها طويلًا في ظل أيامٍ لا يتمنى عودتها أبدًا، يشكر ربه أن أعاد له زوجته وحبيبته.. التقطت رحمة نظراته المتأملة لها، فاقتربت منه أكثر، وجهها لا يبعد عن وجهه سوى شعيرات ضئيلة، بينما تهمس شفتيها المكتنزتين
(وأنا أحب فارس القديم وفارس الجديد، الطفل والمراهق والرجل، وحتى نشيب سويًا سيظل هو فارسي وحبيبي)
ابتلع ريقه وهو يشبع أذنيه بهمسها الناعم، غير قادرًا على مقاومة سحرها في تلك اللحظة، فهمس أمام شفتيها بصوتٍ متحشرج
(رحمة)
همهمت تقول بعشق
(عينيّ رحمة)
ابتلع ريقه مرة أخرى، وقال باختناق
(هل يمكنني أن أقبلكِ الآن؟)
ضحكت بدلالٍ مدروس نما على يديه هو، وابتعدت عنه تقول بتمنُع
(فارس.. نحن في السيارة)
زم شفتيه يهتف باحتجاجٍ غاضب
(وهل صرت أتمكن من الاختلاء بكِ خارج السيارة ! لقد أصبحتُ محاصرًا في هذا المنزل والجميع يقتحمون عزلتنا كفِرَق الطوارئ)
ضحكت رحمة من طريقته الطفولية، وكادت ترد عليه لولا أنها انتبهت لشيء أمامها، فضيقت عينيها تتأكد مما تراه قبل أن تلتفت لفارس، فوجدته هو الآخر ينظر لما رأته.. فهزت رأسها تقول بتعجب
(أليس هذا هو أمجد؟ لماذا يدخل لمنزل صبا وعائلتها)
لم يرد فارس على الفور وهو يتابع ما يحدث بتركيز، إلى أن اختفى أمجد داخل المنزل تتبعه صبا وأختها.. فالتفت هو لرحمة يقول
(يبدو أن الأمور تتطور بشكلٍ مبهر، بالأمس في منزلنا واليوم في منزلهم.. ماذا يحدث هنا بالضبط؟)
انتبهت رحمة لنبرته التي تحولت إلى الخبث وهو ينظر لها بتسلي، فهتفت ببلادة
(ماذا؟ لا أفهم أنا ما يجري.. لم أعرف أن الأمور تطورت لمنزلها)
مط فارس شفتيه وهو يعاود النظر أمامها قائلًا بلهجة ممطوطة
(تطور رائع على ما أظن)

***********************

تحركت باتجاه الباب لتفتحه وهي تهتف بعفوية
(لماذا تأخرتما هكذا؟)
تلكأت الحروف الأخيرة على لسانها وتنظر بدهشة لأمجد الذي وقف أمامها بطوله الفارع مقارنة بقامتها القصيرة، يحمل في يديه العديد من الأكياس ! رفعت المرأة حاجبيها ببعض الدهشة، إلا أنها تحدثت بهدوء
(مرحبًا يا بني)
- (لا وقت للسلامات يا أمي.. افسحوا الطريق لقد تخدر بذراعي)
انتبهت المرأة لصوت ملك التي توارت خلف أمجد الذي يحجب الرؤية عنها، لكنه أفسح الطريق فدخلت ملك بسرعة لتضع الأكياس على الأرض وهي تمط ذراعها بألم.. فتحت السيدة جيهان الباب أكثر وهي تقول لأمجد بمودة
(تفضل يا حبيبي.. لابد أن الأشياء ثقيلة)
دخل أمجد ليضع الأشياء أرضًا.. بينما غمغمت ملك بسخط
(نعم ثقيلة، وابنتك لم تتكرم لمساعدتنا )
التفتت المرأة خلفها وهي تسمع صبا تقول ببرود
(كلها مشترياتكِ في الأساس)
كانت تقف مكانها بالخارج تكتف ذراعيها ببرود، وبدت وكأنها لا تنوي الدخول.. أما ملك فتابعت بعبوس
(وأكواب أمي التي من المؤكد أنها شُرخت)
- (تبًا لكِ وللأكواب اللعينة)
-(صبا ! ماذا أصابكِ ! )
كان ذلك الهتاف لوالدتها التي استاءت من صراخ صبا، ثم نظرت لأمجد نظرة خاطفة قبل أن تعود بعينيها لابنتها وكأنها تنبهها لوجوده.. بينما كان هو يتابع ما يحدث وهو يود ضرب تلك المتحذلقة على فمها الذي تصرخ به بسبب وبدون.. تنحنحت المرأة تقول لأمجد بلطف
(تفضل يا بني، لماذا تقف هكذا؟)
رمى صبا بنظرة سريعة فلمح ذلك الشرر المتطاير من عينيها برفض.. الوقحة لا ترحب به في بيتها بينما يستضيفها هو يوميًا بنفسه !
أعطاها نظرة باردة وهو يفكر في الدخول فعلًا، لكنه تراجع كي لا يصطدم معها، فغضبه من وقاحتها معه منذ دقائق لا يزال مشتعلًا، ولذلك رد بتهذيب
(شكرًا.. سأنصرف الآن)
هزت المرأة رأسها نفيًا وهي تهتف باعتراض
(لا يصح هذا، يجب أن تدخل.. ألا يكفي أننا في المرة السابقة لم نضايفك بشيء)
والمرة السابقة التي تحكي عنها لم تكن من الذكريات الجيدة إطلاقًا لأي منهم، خاصة صبا التي احتقن وجهها بشدة وتوترت ملامحها خشية من أن تفتح أمها الموضوع مجددًا، فتحركت من مكانها أخيرًا لتقف بجانب والدتها وتهمس من بين أسنانها
(لا نريد أن نعطل السيد أمجد يا أمي)
نظرت لها والدتها فتوسلتها صبا بعينيها أن كفى، فصمتت المرأة مستجيبة لملامح ابنتها البائسة.. أما أمجد فابتسم ببعض التهكم من جملتها الحمقاء، والتي لا تليق بتصرفه الأهوج بعد أن ترك عمله خصيصًا ليراها.. لا تريد أن تعطله !
أكثر الله من خيرها والله...
كظم غيظه منها وتوجه بحديثه لوالدتها، قال بِلُطف
(مرة أخرى إن شاء الله)
ابتسمت له المرأة ابتسامة جميلة جعلته يبتسم هو الآخر و طقد ارتاح لها، ولأول مرة يُركز في ملامحها التي تختلف تمامًا عن صبا، بل كانت نسخة من مريم بشقارها الرقيق وشعرها الذي أخفاه حجابها البسيط فلم يظهر منه سوى بضع شعيرات ناعمة ملامح بسيطة ودودة تبدو وكأنها لم تعرف الغضب يومًا... بينما ردت السيدة جيهان بطيبتها الفطرية
(لا تجعلها آخر مرة)
أومأ أمجد برأسه وهو يقول بصوت خفيض
(أعدكِ أنها لن تكون الأخيرة)
كان صوته منخفضًا فلم تسمعه المرأة،
لكن صبا سمعته، فالتفتت إليه بحدة جعلته يعطيها إحدى نظراته الجليدية
وكأنه يتحداها بـ "ألديكِ اعتراض؟"
ألقى السلام وهو يخرج من الباب ناويًا العودة للشركة، في حين تأهبت صبا لرحيله مطلقة زفرة مرتاحة، لكن الأجواء توترت فجأة بوصول مريم، والتي ظهرت أمامهم بملامح مُرهَقة شاحبة، فتجاوزت أمجد الذي توقف مكانه شاعرًا بشيء خاطئ.. أما مريم فاندفعت تجاه والدتها تعانقها بصمت، ثم رفعت رأسها تنظر لصبا دون كلام عقدت صبا حاجبيها وهي تتفحص هيئة أختها المزرية، فقد بدت وكأنها ارتدت أول ما طالته يداها من بنطالٍ قماشي بسيط فوقه بلوزة لا تتماشى معه على غير عادة مريم المتأنقة، شعرها معقود في لفة مهملة، بينما وجهها شاحبًا وعينيها منتفختين باحمرار.. جذبتها صبا ناحيتها وهي تسألها بقلق
(ماذا بكِ !)
ورد فعل مريم جعل ملامح صبا تتشنج بقلق بالغ، فرفعت عيناها لأمجد الذي تخشب مكانه ود طاله الرعب مثلهم تمامًا، ليبعد عينيه عن صبا وهو يعود بنظراته لمريم التي ارتمت في أحضان أختها دون رد، لتبدأ بعدها في بكاءٍ صامت علت وتيرته إلى أن ارتفع صوتها أكثر..
وسقطت بعدها مغشيًا عليها !

************************

ضمت ركبتيها لصدرها أكثر وهي تستند بذقنها عليها، تحدق أمامها بنظراتٍ ميتة، وشعورها بالقهر يتزايد بداخلها، تتضارب معه مشاعر أخرى ما بين الحزن والغضب والاشمئزاز، حتى الآن لا تصدق أنه تطاول عليها بهذه الطريقة السافرة، لقد تجاوز حدوده هذه المرة تحديدًا كما لم يفعل من قبل، سواء بالحديث أو بالأفعال.. رفعت أصابعًا مرتجفة تتلمس شفتيها المرتعشتين، والتي شهدت بالأمس انتهاكًا مهينًا، فدمعت عيناها أكثر وهي تتذكر فعلته القذرة، تؤنب نفسها للمرة المليون على رد فعلها السلبي،
كيف صمتت وقتها ! لماذا لم تصفعه ! كيف استسلمت له بضعفٍ ولم تُقطع وجهه بأظافرها ! وقعت نظراتها على المرآة أمامها، لتشعر فجأة أن هذه ليست صورتها.. أين ذهبت مريم التي حافظت على مشاعرها لسنوات !! حتى حبها اليائس لسامر لم يدفعها للإساءة لنفسها.. أين هي من تلك التي تركت نفسها لذلك الانتهاك، مستسلمة لمشاعر جرفتها رغمًا عنها، وقتها سكنت بين ذراعيه كالمغيبة.. جسدها متخشب لا يسعفها على الحركة، بينما شفتيه الشهوانيتين تفترسان شفتيها البريئتين باجتياح، في قبلة طالت كثيرًا وحركت مشاعرها رغمًا عنها وهي ترتعش بين ذراعيه، بينما لم يرحمها هو ويترك شفتيها إلا بعد أن انقطعت أنفاسهما فابتعد عنها طلبًا للهواء، ليحدق كلاهما في الآخر دون حديث.. كان هو ينظر إليها لاهثًا بينما لا يزال يحتجزها بين ذراعيه، تجري نظراته على وجهها الأحمر وخصلاتها التي شعثتها أصابعه العابثة دون رحمة، لتستقر عيناه أخيرًا على شفتيها المنتفختين بشدة إثر هجومه العنيف وما إن فعل حتى استفاقت لنفسها وقد عاد إليها وعيها متأخرًا، لتدرك في أي موقف هي، فاتسعت عيناها بهلع وكأنها أدركت للتو ما حدث.. فتحركت شفتيها المتورمتين تهمس دون صوت
(يا إلهي)
لتستجمع بعدها قوتها وتدفعه بعيدًا مُتخلصة من أسره لها، وركضت بخطواتٍ متعثرة تتجاهل نداءه الملهوف باسمها.. وكانت ليلتها السيئة والتي لم تذق فيها للنوم طعمًا هي آخر لياليها في الفندق، لتتحرك في الصباح تاركة المكان بأكمله دون حتى أن تُعلِمهم برحيلها، ولم تفتح هاتفها سوى لإرسال تلك الرسالة البائسة لصبا...
مسحت آخر دمعة انحدرت من عينيها وقد نضبت دموعها من كثرة ما بكت، أجفلت حين فُتح باب الغرفة ودخلت أختها بصمت، وقفت صبا مكانها تتفحص أختها بنظراتٍ ثاقبة، فأسبلت مريم جفنيها تخفي عينيها الباكيتين، وتقول بتحشرج
(هل نامت أمي؟)
أغلقت صبا الباب وهي تجيبها بجمود
(نعم.. نامت أخيرًا بعد أن اقنعتها أنكِ ستبيتين بغرفتي)
ثم تحركت تجلس على السرير وهي تتابع بنفس الجمود
( والآن أخبريني.. ماذا يحدث بالضبط؟ ولا تكذبي عليّ كما فعلتِ مع أمي.. لقد مررتُ الأمر فقط كي لا يرتفع ضغطها، لكنني لم تنطلِ علي تلك الحجة الواهية.. لماذا عدتِ قبل انتهاء عملكِ بينما زملائك لا يزالون هناك.. وماذا بك؟!)
انتفضت مريم من نبرة صبا التي احتدت في هتافها الأخير، فانكمشت مكانها تقول بمواربة دون أن تجرؤ على النظر إليها
(لم يحدث شيء.. لقد شعرت ببعض التعب فقررت العودة)
صمتت صبا لثواني معدودة قبل أن تمد يدها تمسك بوجه أختها كي تلتفت إليها رغمًا عنها، وظلت تنظر إليها بعينين ثاقبتين تود سبر أغوارها كي تكشف عما تخفيه.. فأختها ليست على ما يرام
(مريم.. ماذا بكِ؟)
همست بها بحزمٍ وقوة وهي تشدد على كل حرفٍ بينما يدها لا تزال تقبض على ذقن أختها.. أما مريم فلم تتحمل هذا الضغط أكثر لتجهش في البكاء وترتمي بين أحضان صبا.. فاحتضنتها صبا بقوة و طهي تبتلع ريقها بصعوبة وإحساسها بالقلق يتفاقم، لكنها لم تقطع نوبة البكاء التي دخلت بها مريم واستمرت لوقتٍ طويل حتى بدأت تهدأ أخيرًا.. فابتعدت عن صبا وهي تقول بإعياء
(هل من الممكن أن نؤجل هذا الحديث لوقتٍ آخر؟ أنا مرهقة جدًا من السفر)
ردت صبا بجمود ونبرة تحمل بعض التهكم
(بعد هذا الانيهار ! بعد أن أغشي عليكِ وكدنا نموت رعبًا ! لا يا مريم، أنا لن أتنازل عن معرفة ما حدث.. والآن)
انحنت شفتا مريم وكأنها ستبكي من جديد ثم همست بتوسل
(أرجوكِ يا صبا)
لكن إصرار صبا كان أقوى من إحساس الضعف الذي تسلل إليها بعد توسل أختها ولذلك تحدثت بجمود وكأنها لم تسمعها
(هو السبب.. أليس كذلك؟)
اهتزت حدقتا مريم بارتباك وهي تقول بصوت مرتعش
(مـ..، من تقصدين؟)
ردت باستهزاء
( من سيكون غيره ! ذلك الذي حذرتكِ منه قبل السفر، والذي اعترضت على عملكِ معه من الأساس)
ابتعلت مريم ريقها قبل أن تقول كاذبة
(السيد مروان لا دخل له، أنا فقط تشاجرت مع أحد زملائي بسبب العمل)
لم تقتنع صبا بحرفٍ مما سمعته، وإنما ازداد تأكدها بأن ظنها في محله، لكن الإرهاق الذي كسا وجه أختها جعلها تصمت بينما تنوي التقصي في الأمر بنفسها، تنهدت وهي تندس بجانب أختها في الفراش لتجذبها لأحضانها، وتكلمت بحزم
( أعلم أنكِ تكذبين، لكن لا بأس.. نامي الآن وأنا أعرف كيف سأتصرف مع ذلك البغل )
اتعست عينا مريم وهي تهتف باستنكار
(صبا !)
ضمتها صبا إليها بحمائية بينما تهمس بغلظة
(ششش.. نامي)

*********************
بعد حوالي ساعة قضتها في تفكير غاضب، اتخذت قرارها وهي تسحب نفسها من جانب أختها التي راحت في سباتٍ عميق، لتقف بجانب السرير تعطي نظرة طويلة لوجهها الشاحب وجفنيها المتورمين، فحسمت أمرها وهي تلتقط هاتفها ببعض العنف لتجري أصابعها على الشاشة وتطلب رقمًا، وانتظرت طويلًا حتى كاد الرنين أن ينقطع إلى أن فُتح الخط أخيرًا، ليأتيها الصوت الناعس يقول اسمها بتحشرج.

************************

رنين هاتفه المزعج تسلل داخل خيوط أحلامه فتقلب في سريره وهو يحاول التركيز فيما يفعله، في محاولة واهية للإمساك بطيفها الشفاف، والتي باءت بالفشل بسبب الرنين الذي يتعالى بإصرار، فمد يده ليلتقط هاتفه ينوي إغلاقه بحنق، لكن الاسم الذي تراقص على الشاشة جعله يفتح عينيه الناعستين وهو يحاول التأكد أن الحلم لم يختلط بالواقع.. وقبل أن ينقطع الرنين بثانيةٍ واحدة كان يَفتح الخط وهو يضع الهاتف على أذنه قائلًا بصوت ناعس
(صبا ! هل تتصلين؟)
والصوت الرنان وصله بالرد الساخر فأجفل قليلًا وهو يسمعها تقول بسخط
(نعم أتصل.. عفوًا أزعجنا الباشا الذي يغط في نومٍ عميق غير مبالٍ بالمصائب التي تحدث من تحت رأسه هو وصديقه المُتخلف)
كانت تقذف بكلماتها النارية تباعًا إلى أن صمتت أخيرًا تلهث بعنف، فاعتدل أمجد في جلسته وهو يحاول استيعاب تلك القذائف التي تدخل أذنيه، ثم نظر في شاشة هاتفه قبل أن يرد عليها بامتعاض
(هل تتصلين بعد منتصف الليل لتفرغي شحنات جنونكِ عندي ! بماذا تهذين في هذه الساعة؟!)
دارت في الغرفة بخطوات هائجة وقد أثارت كلماته المزيد من غضبها، فهتفت بحدة
(آه نعم نسيت أنكَ لا تدري بما يدور، فأنتَ لا تهتم سوى بالأكواب الزجاجية)
كان قد وصل إلى حدود صبره مع جنونها الغير مبرر هذا، مما جعله يهتف بتحذير مرعب
(صبا، لا تختبري صبري.. هاتي ما عندكِ أو اغلقي الخط، وتحدثي معي بأدب وإلا لن يعجبكِ رد فعلي)
وقفت مكانها تهز ساقها بعصبية وقد ألجمها صوته الصارم، لكنها تظاهرت بالثبات وهي تقول ببرود
(أريد التحدث معك بشأن مريم، أظن أنكَ رأيتَ بنفسك ما حدث)
هدأ غضبه قليلًا وقد تذكر ما حدث مع مريم منذ ساعات، فقال بنبرة أقل حدة
(ماذا بها مريم؟ هل تعبَت مجددًا؟ هل أتصل لها بالطبيب؟)
لم تبالِ صبا بِرده المهذب، بل قالت بتهكم
(لو حدث لها مكروهًا كنت سأعرف كيف أتصرف ولن أنتظر خدماتك)
تفاقم غضبه من وقاحتها، فضغط على أسنانه يهمس بخطورة
(مرري ليلتكِ على خير يا صبا وقولي ما عندكِ)
تحركت لداخل شرفتها تقول بحزم
(صديقك هذا تخطى حدوده كثيرًا، وأنا صبرت عليه لكن لكل إنسان طاقة.. أقسم أن أريه النجوم في عز الظهيرة لو صح ظني)
عقد أمجد حاجبيه وهو يحاول فهم كلماتها الغامضة، فتحرك من على سريره وهو يحاول استجماع تركيزه.. ثم قال بعدم فهم
(تقصدين مروان؟ ماذا فعل !)
احتدت نبرتها أكثر وهي تقول بتجهم
(لا تتظاهر بعدم الفهم.. هل تحاول إقناعي أنك لم تتحدث معه ولم يخبرك بما حدث في تلك الرحلة اللعينة !)
زفر أمجد بحدة وهو يتجه ناحية شرفته هاتفًا بانفعال
(وضِّحي كلامكِ وتوقفي عن ذلك العته.. ماذا حدث؟)
وصلته شهقتها عبر الأثير وهي تستدير لتعطيه ظهرها، هامسة بوجهٍ ملتهب
(ما قلة الحياء هذه !)
انتبه أمجد لرد فعلها، فأخفض عينيه ينظر لصدره العاري و طقد نسي ارتداء قميصه في غمرة معركتهما الكلامية.. زفر يقول بملل
(انتظري لحظة)
ثم ترك هاتفه ليتجه لحمام غرفته، يضرب وجهه ببعض الماء البارد ثم التقط تيشيرت ليرتديه وهو يعود مجددًا للشرفة.. أما صبا فتجرأت لتدير رقبتها ناحية شرفته فوجدته قد اختفى، استدارات بجسدها كاملًا وهي تدلك وجنتيها اللتان احمرتا بخجلٍ من مظهره وهو يطل عليها بصدره العاري وشعره المشعث، ساخطة على خجلها وكأنها لم ترَ صدر رجل أبدًا، عاد أمجد ليدلف إلى داخل الشرفة بعد أن ارتدى ملابسه أخيرًا، لكنه لم يتكرم ويُهذب شعره الذي يغطي جبهته بنعومة.. هزت صبا رأسها تنفض عنها أفكارها الحمقاء وهي تهمس لنفسها بحزم
(ركِّزي يا صبا.. لقد اتصلتِ لتتشاجري معه، هيا تشاجري)
وقبل أن تنطق بشيءٍ كان أمجد يقول بهدوء، محاولًا فهم سبب اتصالها
(والآن تحدثي بهدوء وأفهميني، ماذا حدث لمريم؟ وما دخل مروان بالأمر؟ والأهم من ذلك لماذا تتحسسين وجهك كمن أصابته الحساسية؟! )
انتبهت صبا أنها لا تزال تدلك وجنتها المحترقة، فأنزلت كفها سريعًا وهي تقول بتلعثم
(صديقك هذا يضايق أختي)
رد أمجد بهدوء
(لم ألحظ أي مشاكل بينهما، كما أن مريم تؤدي عملها بمهارة فماذا سيجلب المشاكل)
قذفت صبا جملتها دون تفكير
(لأنه بَغْل)
صمت امجد يحاول التأكد مما سمعه، ثم همس ببطء
( ماذا قُلتِ؟ )
رفعت صبا ذقنها وهي ترد ببرود
(ما سمعته، ونعم هو كذلك )
للحظاتٍ لم تسمع له ردًا فظنت أن الاتصال انقطع، لكن أمجد قطع صمته يقول بلهجة خطرة
(صبا.. لقد تخطيتِ حدودك اليوم بما يكفي، و وهذا الصبر الذي تظنيني أتحلى به قد نفِد منذ زمن.. قُلت تحدثي باحترام قبل أن تسمعي ردًا لا يعجبكِ)
استشعرت التهديد في نبرته رغم صوته الهادئ، فبرقت عيناها بغضب وهي تبحث عن سبه وقحة تلقيها في وجهه، لكنها تراجعت فخرجت منها زفرة حانقة جعلت أمجد يبتسم دون مرح و وهو يقول ببرود
(أحسنتِ)
تمسكت بسور الشرفة وهي تهتف بسخط
(اسمع يا أمجد.. هي كلمة ولن أعيدها، اجعل صديقك هذا يبتعد عن أختي، إلا قسمًا بالله أنا من سأقف له بنفسي، ووقتها لن يعجبه رد فعلي، ولن يعجبك أنتَ أيضًا)
استمع لها أمجد دون أن يبدي أي رد فعل، لكن داخله كان يغلي غضبًا، ليس منها وحدها، بل من ذلك البغل كما وصفته، يعلم أنها لن تثور هكذا إلا إذا حدثت مصيبة، ومِن واقع خبرته بصديقه، فهو يعلم أن له يدًا في الأمر،خاصة وأن عودة مريم المفاجئة وانهيارها أمامهم أثار في نفسه قلقًا تزايد الآن مع ما تقوله صبا؛ ولذلك سألها بحذر
(ماذا حكت لكِ مريم بالضبط؟ )
ضربت صبا سور الشرفة وهي تهتف بانفعال
(لم تقل شيئًا، ظلت تبكي فحسب.. لكنني أدرى الناس بأختي، هي لن تفعل ذلك دون سبب)
عبس أمجد و هو يقول باستياء
( وطالما أنها لم تفسر ما حدث، لماذا تلصقين الأمر بمروان تحديدًا ! )
لوحت صبا بكفها وهي تهتف بانفعال
( ومَن غيره يضايقها ! المسكينة منذ أن بدأت عملها وهي تشتكي، ورغم ذلك تحمَلت كي لا تخسر عملها، لكن أن يصل الأمر لهذا الانهيار فلا، إلى هنا وكفى، لقد أصابها بضررٍ لم تتحمله)
عقد أمجد حاجبيه وهو يركز في كلامها، ثم تساءل بحيرة
(ولماذا يضايقها لا أفهم)
زفرت صبا تقول بقلة صبر
(لأنها توظفت بتوصية من كريم خطيبي..)
اختفت الحروف الأخيرة من كلماتها وهي تنتبه لما قالته بتهور، فعضت شفتيها وهي تبتلع باقي كلماتها، تنظر لأمجد الذي تجهم وجهه بتعبير غامض دون أن يرد بشيء، وعندما تحدث كان صوته صلبًا وهو يقول دون تعبير محدد
(لا علم لدي بأمر التوصية هذا)
بللت صبا شفتيها بلسانها ثم همست بتمهل
(كانت هذه مساعدة من خطيبي السابق لكي تتوظف مريم في الشركة)
قالتها مستدركة حماقتها وهي تشدد على كلمة "السابق" وكأنها تؤكد أمرًا يعرفه هو لكنه لا يزال يثير بداخله شعورًا بالاستياء، لكنه عندما تحدث لم يظهر شيئًا من تلك النيران التي تتلظى بداخله، بل خرج صوته باردًا دون تعبير
(لا أظن ذلك سببًا كافيًا ليضايقها مروان، حتى وإن فعل، ليس الأمر بهذا السوء كي تترك هي عملها وتنهار هكذا)
تخللت صبا خصلات شعرها بعنف وهي تهتف بحدة
(نعم وهذا يقلقني أكثر.. حالة أختي المزرية تؤكد لي أن أمرًا جللًا قد حدث)
رد أمجد هازئًا
(يعني أختكِ لم تتحدث، ومروان لم يخبرني بشيء، والأمر لا يزال يبدو غامضًا.. فما سبب هذه الحرب التي أشعلتِها أنتِ في منتصف الليل دون أن تفهمي حتى ما يحدث... ألا تمتلكين رائحة التعقل؟!)
اشتعلت عيناها بنظراتٍ مرعبة، وتراقصت فيهما شرارات الغضب بطريقة كافية لحرق أشجار الحي كله، وحرقه هو أيضًا معها، وهي تسمعه يتحدث بهذه البساطة وكأنه لم يرَ بنفسه حالة أختها، فتحدثت تهمس بفحيح مرعب
(تعقل ! أختي تسقط أمامي بانهيار وأنتَ تقول تعقل ! أمي كادت تجن وقلبها ينفطر على ابنتها وأنت تقول تعقل! لا، أنا لا أملك تعقل، أنا أملك أظافر حادة سأضعها في عين صديقك القذر،
وفي عين كل من تسول له نفسه أن يقترب من عائلتي.. أنا لا أتهاون في هذا الأمر)
تسمر مكانه بدهشة وحاجبين يزداد تعقدهما وهو يسمع همسها الخطر، ونبرتها لا تحمل ذرة تفاهم، بينما التصقت بسور الشرفة وهي تمد جسدها ناحيته وكأنها تود وضع كلماتها الشرسة في أذنيه، وعلى إضاءة الشارع الخفيفة تبين عينيها التي برقت بلمعة مخيفة، فبدت كقطة شرسة تشهر مخالبها وأنيابها في وجه من يؤذي صغارها، ليجد نفسه أمام استنتاج حتمي، وهو أن صبا مخيفة فعلًا عندما يتعلق الأمر بعائلتها، لم يعلم في تلك اللحظة هل عليه أن يخاف كرد فعلٍ طبيعي لتلك المتوحشة أمامه، أم يُبدي إعجابه باستماتتها في الدفاع عما يخصها، أم يلعن مروان الذي يبدو وأنه قد فعل أمرًا شنيعًا بحق !
حاول تهدئتها رغم شكه في قدرته على ذلك في الوقت الحالي، فقال برزانة
(علينا فقط أن نفهم ما حدث يا صبا.. وتهوركِ هذا لن يحل الأمر، إما أن تتحدث مريم أو ننتظر حتى الغد عندما يعود مروان وأتحدث أنا معه بهدوء)
كانت صبا تستمع لرده الهادئ، والذي أشعل جنونها أكثر، فصرخت في وجهه بتهور وقح غير محسوب العقبات
(تتحدث معه أم ترتباها سويًا كي تتستر على فعلته)
اشتعلت عينا أمجد بنظراتٍ غاضبة وهو يراها تتمادى بكلماتها دون تفكير فهمس بخطورة
(حتى الآن أنا لم أتفوه بأي تعليق على حماقتكِ في الحديث معي، أراعي بصبر أنكِ قلقة على أختكِ، لكنني لست مضطرًا أبدًا لتحمل وقاحتكِ أكثر من ذلك)
اتسعت عيناها وهي تهمس بصدمة
(وقاحتي ! أنا وقحة يا أمجد)
لا حبيبتي لستِ وقحة إطلاقًا، فقط لسانكِ هو ما يحتاج للقطع.. زفر بسخط ورغبته في كسر رقبتها تتزايد، الحقيقة أنها لم تترك قولًا مستفزًا إلا وقالته، خاصة وهو يسمعها تتابع بعصبية
(يبدو أنني أخطأت باتصالي، ماذا كنت أنتظر أكثر من هذا؟! طبعًا ستتدافع عن صديقك وتقف في صفه)
رفع رأسه للسماء يطلب العون من الله كي يتحملها، ثم زفر للمرة الألف قبل أن يهتف بقوة
(هلا توقفتِ عن وضعي في إطار النذل دائمًا ! مَن أخبركِ أنني سأقف بصفه إن كان مخطئًا !! اسمعي يا صبا، أختك تعمل بشركتي، أي أنها تحت حمايتي شخصيًا، وأي تصرف مُسيئ في حقها، سواء كان من مروان أو غيره، لن يقف بجانبها غيري)
لم ترد عليه وبدأت تهز ساقها بعصبية، وغضبها يتزايد ليس فقط مما حدث، بل من ذلك الواقف أمامها لا يعطيها الفرصة للاعتراض وهو يتحدث بتلك العقلانية المستفزة لها.. استحضرت أقصى درجات السخرية التي تمتلكها وهي ترد باستهزاء
(أتعلم ماذا؟ أنا لا يخيفني سوى أنها تعمل بشركتكم.. ما أدراني أنا ماذا يدور بتلك الشركة ها؟ هل يتم ذلك الاستغلال لكل الموظفات ! صديقك هذا أنا أعلم أنه حقير وربما تساعده أنتَ في إخفاء قذاراته و..)
- (صباااا.. أنتِ تتجاوزين حدودكِ بشكلٍ لعين)
صراخه الذي هدر في أذنيها جعلها تنخرس وهي تبتلع باقي الكلمات برعب، بينما تسمعه يتابع بنبرة خطرة أثارت الرعب في أوصالها
(لا أعلم مِن أين أتيتِ بِاعتقاد أنني رجل متساهل، سيقبل وقاحتكِ وقلة تهذيبكِ، مَن أفهمكِ أنني رجل مُتحضر عاش لسنوات بالخارج فسيتقبل وقاحتكِ بصدر رحب ! إن كنتُ قد تهاونت معكِ قليلًا فذلك لأنني لآخر لحظة كنت أراعي أنكِ فتاة حمقاء تهتف بما يأتي على لسانها دون تفكير، لكن إلى هنا وكفى، بإمكاني الآن أن أتصرف بأبشع درجات الهمجية وأريكِ رد فعلي على ما تتفوهين به.. هل تمتلكين الشجاعة الكافية لذلك !)
تلك الجرأة التي كانت تتحدث بها منذ قليل تداعت كلها وهي تسمع فحيحه المرعب ليحل محله ذعرًا حقيقًا امتلأت به عينيها، فابتلعت ريقها وقد تبخرت شجاعتها أمام هجومه الصريح، تعترف لنفسها أنها تمادت قليلًا، بل كثيرًا، خاصة وأنه لم يتحدث سوى بتهذيب منذ بِدء الحوار، همست تقول بوجوم
(هل تهددني !)
صدرت عنه ضحكة تهكمية قصيرة، قبل أن يهتف بنبرة متهكمة
(آه عفوًا، اعذريني على حدتي، فأنا مدير شركة فاسد يتآمر ضد موظفيه)
هزت قدمها بعصبية وهي تلعن لسانها الأحمق على ما تفوه به، لا تعلم لما يثير بداخلها دومًا رغبة شريرة في الشجار، لكن هذه المرة فقد زادت من العيار فعلًا، ورغم تيقنها من أن اعتذارًا بسيطًا منها سوف يحل الأمر، إلا أن كرامتها اللعينة اختارت ذلك التوقيت تحديدا كي تتقرح وتتمنع عن الاعتذار، خاصة بعد أن سمعت تهديده الصريح.. تكلمت تقول بمكابرة
(أنا لم أتصل لأطلب حلولك يا سيد أمجد، فأنا أعرف جيدًا كيف أحمي عائلتي.. ولذلك فأتمنى أن تعتبر أن هذه المكالمة لم تتم)
ابتسم بسخرية و هو يستمع إلى ردها الأحمق، لقد اتصلت به للمرة الأولى وتكون هي المباردة، فقط كي تتشاجر معه.. أي مصيبة هذه الفتاة !! ..
رد أمجد ببرود
(حسنًا يا آنسة صبا، سأنسى أمر هذه المكالمة، فأنا لست مُرحبًا بها على الإطلاق)
كزت على أسنانها بغضب من رده البارد.. مما جعلها تهتف برعونة
(أساسًا أنا لا أريد أن أتحدث معك)
- (ولا أنا)
اتسعت عيناها بصدمة ما إن وصلها رده اللامبالي، الذي نطقه وهو يلوح بكفه في الهواء تأكيدًا على لامبالته، ودون أدنى تقدير لاشتعالها الحانق، تحرك إلى داخل غرفته، وهذه المرة كان هو من يغلق الخط في وجهها، كما أغلق نافذته..
أما صبا فضربت الأرض بقدمها وهي تهمس بغيظ طفولي
(تبًا لك يا أمجد الراوي)

*************************

بعد مرور أسبوع...
خرج من باب المصعد بخطواتٍ غاضبة تعرف طريقها لوجهته، وما إن اقترب من الفتاة الجالسة على مكتبها حتى سألها بتجهم دون أن تتوقف خطواته
(هل وصل السيد مروان؟)
أجابته الفتاة بتوتر من هيئته المُقلقة
(نعم وهو الآن في مكتبه)
لم يستمع لباقي جملتها وهو يفتح باب المكتب بعنفٍ كاد يكسره حتى ارتد مغلقًا مرة أخرى، بينما يقتحم الغرفة وهو يسرع ناحية مروان الذي التفت إليه بحدة غير متوقعًا لتلك اللكمة التي جعلته يرتد للخلف بعنف حتى سقط على الأريكة، فرفع يده لوجهه المتألم يهتف بغضب
(ماذا كان ذلك؟ هل جننت يا أمجد)
لم يكد يكمل هتافه المستنكر حتى هجم عليه أمجد ليمسك بياقة قميصه وهو يرتمي فوقه على الأريكة صارخًا بجنون
(نعم جننت، وأنت من دفعتني لهذا الجنون.. كم مرة حذرتك من أن تطال قذاراتك عملنا؟ كم مرة نبهتك أن هذه بالذات خط أحمر، ها؟ وتختفي
وتهرب كالأطفال كي لا أصل إليك، فتلقيت أنا غضب أختها ولسانها الذي يشبه المِبرد)
كان يهزه بشدة وقد علا صوته حتى جذب انتباه الموظفين في الخارج، وما إن صمت حتى سأله مروان بتوتر
( ماذا حدث لكل هذا؟ )
لكمة أخرى تلقاها على فكه كانت هي الإجابة على سؤاله، فتأوه عاليًا ثم هتف بحنق
(توقف يا أمجد، أنا لن أصبر على إهانتك هذه كثيرًا)
كز أمجد على أسنانه وهو يهمس بشراسة (الإهانة لم تأتِ بعد أيها الـ****)
انفتح باب المكتب فجأة، فحرك كلاهما رأسه ناحية تلك التي وقفت متسعة العينين بملامح مُرتابة وهي ترى الكتلتين الضخمتين واحدًا فوق الآخر بوضعٍ ليس مفهومًا، والسبَّة الوقحة قد وصلت لأذنيها بوضوح، فرفعت حاجبها تقول بتوجس
(ماذا يحدث هنا؟!)
كان أمجد لا يزال مرتكزًا بركبتيه على الأريكة ومن تحته مروان الذي زينت وجهه لكمتين بدأ اللون البنفسجي يتسلل إليهما، كلاهما يحدقان بها بصدمة، والأدهى أنها فتحت الباب على مصرعيه فتلصصت عيون بعض الموظفين عليهم بفضول..
انتبه أمجد لوضعه الغريب فوق صديقه فنهض يبتعد عنه بعنفٍ وهو ينظر للسكرتيرة المسكينة التي هتفت بتلعثم
(هي من اقتحمت المكتب فجأة، حاولت منعها والله)
قاطعها أمجد وهو يشير لها بالانصراف فتحركت الفتاة بسرعة لتغلق الباب، تاركة خلفها مديرا الشركة المحترميِّن، كلاهما أشعث الشعر، مبعثر الملابس، وفتاة كادت تضربها منذ قليل وهي تقتحم المكتب، فبدا المشهد مكتملًا بما يناسب ثلاثة مجانين حَكَم القدر وتجمعوا في غرفةٍ واحدة، وبعد لحظاتٍ من الصمت الخانق، تحدث أمجد يقول بعبوس
(ماذا أتى بكِ إلى هنا يا صبا؟ أخبرتكِ أنني سأتحدث معه وأحل الأمر)
لم تعطِ ما قاله اهتمامًا وهي تتحرك باتجاه مروان قائلة بعزم
(لدي حديثًا آخر سيعجبه أكثر)
اتسعت عينا مروان ما إن رآها ترفع حقيبتها الجلدية عاليًا لتهبط بها على رأسه فآلمته بحق، وبدت وكأنها أعدتها جيدًا ووضعت بها لوحًا صخريًا، ودون أن تعطي كلاهما فرصة للتحرك كانت تلقي بحقيبتها أرضًا وهي تهجم على مروان بلكماتٍ متفرقة بينما تصرخ فيه بعدائية (أيها الوقح، أيها الحقير.. كيف تتجرأ وتفعل هذا بأختي !)
كان مروان يحاول تفادي ضرباتها المجنونة وهو يهتف هو الآخر بغضب
(ماذا تفعلين يا معتوعة؟! ابتعدي عني وإلا سأستخدم معكِ القوة)
لم تتراجع صبا وهي تسدد له المزيد من اللكمات بينما لا تزال تهتف بجنون
(تستخدم القوة مع مَن يا مُدلل يا ابن المدارس الأجنبية، لقد كنت أضرب أمثالك في طفولتي حتى أوقفت نموهم كما سأفعل معك الآن)
واستعدت وتأهبت عازمة على القضاء على مستقبله وهي ترفع ركبتها عاليًا تنوي تسديد ركلة من نوعٍ فاخر، لكنها جُذبت فجأة بالقوة حتى ارتفعت قدماها عن الأرض مما جعلها تشهق بهلع، لتتأكد أن ظهرها يُلاصِق صدرًا عريضًا بينما ذراعان قويين يُمسكان خصرها بحزم.. وكان هذا هو رد الفعل الوحيد الذي وجده أمجد مناسبًا بعد أن تخلص من صدمته وهو يرى تلك المجنونة تقفز كحبة فشار في وعاء وتنوي القضاء على ما تبقى سليمًا في صديقه، فأبعدها عنه بسرعة وقد أدرك ما عزمت عليه
(أنزلني أنتَ الآخر، هل استحليّت الوضع وأعجبك.. أنزلني ! )
انتبه أنه لا يزال يحملها بين ذراعيه فنفذ أمرها سريعًا وهو يتركها فجأة فكادت تسقط لكنها استعدات توازنها سريعًا وهي تنوي التوجه لمروان لإكمال مهمتها، لكن أمجد منعها وهو يتحرك ليقف أمامها بينها وبين مروان، ثم هتف بها بحنق
(اثبتي مكانك وتوقفي عن هذا الجنون، ستتسبين بفضيحتنا في الشركة)
ظلت صبا تحاول إبعاده عن طريقها وهي تهتف فيه بوعيد
(هل رأيتهم فضائح بعد ! الفضائح قادمة لا تتعجل.. جهِّز فقط سيارة إسعاف لصديقك، متبرع يمكنه الاستغناء عن عينيه لأنني سأفقأهما له الآن)
اتعست عينا مروان وهو يرفع كفه يتحسس عينيه برعب من تلك المجنونة التي تبدو وكأنها تتحدث بعزمٍ وجدية، أما أمجد فكز على أسنانه وهو يحاول تثبيتها في مكانها دون فائدة، فأمسكها من كتفيها يهزها بعنف صارخًا في وجهها بهياج
(قُلت اثبتي مكانك ولا تتمادي في جنونك أكثر، لا تجعليني أفقد أعصابي)
وقفت صبا مكانها تلهث بعنف.. ليزفر أمجد بتعب وقبل أن ينطق بشيء آخر صدمته هي بردها القاتم
(ماذا ستفعل إن لم أتوقف؟ هل ستصفعني كما صفع هو أختي؟)
اتسعت عينا أمجد مما سمعه فاستدار ناحية مروان الذي عقد حاجبيه وهو ينظر لها ببلاهة غير قادرًا على تفسير ما قالته، بينما يسمع أمجد يهمس بعدم تصديق
(فعلت ماذا ! انطق ماذا فعلت بالفتاة هل ما أسمعه صحيحًا؟)
لم يرد مروان على الفور وقد ألجمته الصدمة، ثم قال بتوتر ما إن وجد صوته
(ماذا قالت لكِ مريم بالضبط؟)
ابتسمت صبا بسخرية وهي تجيبه بقسوة
(أخبرتني بمضايقاتك لها، وأنكَ صفعتها لأنها أخطأت في شيءٍ بالعمل)
ساد الصمت بين ثلاثتهم بعد ما قيل.. وأمجد يحدق في صديقه بصدمة بينما ملامح مروان المتوترة لا تنبئ بالخير.. شعر بنفسه محاصرًا فجأة بين رغبته في تهدئة جنون صبا، وبين رغبته الوحشية في توجيه المزيد من اللكمات لصديقه.. رفع أصابعه يتخلل شعره بعجز ثم زفر وهو يغمغم بيأس
(أنا لم أتوقع أن نصل لهذه الدرجة فعلًا)
كتفت صبا ذراعيها ترد باستهزاء
(لا توقع يا سيدي.. وتوقع الأسوأ أيضًا؛ لأنني قبل أن آتي إلى هنا ذهبت إلى مركز الشركة وحررت محضرًا ضده)
أنهت جملتها لتبتسم بانتصار وهي تتطلع في زوجيّ الأعين اللذان اتسعا بصدمة، إلى أن همس مروان بعدم تصديق
(فعلتِ ماذا؟)
اتسعت ابتسامتها أكثر وأكثر، حتى تحولت لضحكة شريرة عالية جعلت أمجد ومروان يحدقان ببعضهما بذهول.. ثم انحنت لتلتقط حقيبتها وهي تستعد للرحيل، ولم تنسَ أن تلتفت لمروان وتقول بنفس الابتسامة الشريرة
(حظًا موفقًا الليلة بين المجرمين وقاطعي الطرق)
وأمام أعينهما الذاهلة تحركت تتهادى بخيلاء وهي تغادر المكتب بانتصار، ليتحدث مروان بصدمة
(هل سمعت ما قالته ! لقد أبلَغت عني الشرطة.. مين أين هبطت عليّ هذه المخلوقة !)
زفر أمجد ليقول باقتضاب
(لم تفعل)
هز مروان رأسه يتساءل بعدم فهم
(ماذا؟)
زفر أمجد مرة أخرى وهو يهتف بنفاد صبر
( لم تفعل.. لقد قالت ما قالته فقط كي تتلف أعصابك أيها الأحمق)
لم يصدقه مروان وهو يشعر أن تلك المجنونة تفعلها بحق، فسأله بعدم اقتناع
( وماذا يجعلك واثقًا هكذا؟)
أجابه أمجد بتهكم
( لأنني لست أحمقًا مثلك، فلو أعملت عقلك قليلًا، ستفهم أنها لو تتحدث بصدقٍ لكانت أتت إلى الشركة تتبعها الشرطة)
زفر مروان ببعض الارتياح، لكن أمجد تابع بحدة
(كما أن بلاغًا كهذا يستدعي وجود مريم بما أنها صاحبة الشأن، وأنا أعلم أن مريم لن تشترك في شيءٍ كهذا لأنك لم تضربها من الأساس، بل فعلت ما هو أسوأ من ذلك وهذا ما أنا واثقٌ منه، ولا تختبر صبري أكثر وأخبرني بالمصيبة التي فعلتها)
توتر مروان وصمت يبحث عن كذبة مقنِعة، لكنه أدرك من نظرات أمجد المحذرة أنه لا فرار من الحقيقة، فهمس يقول بخفوت
(أنا.. قبَّلتها)
لم تتغير تعابير وجه أمجد وكأنه لم يفهم ما قيل، فصمت قليلًا قيل أن يقول بعدم فهم
(نعم ! فعلت ماذا ! كرر ما قلته من فضلك)
ابتلع مروان ريقه وهو يكرر كلامه ليزيد الطين بِلَّةً
(قبلتها.. مِن شفتيها)
رمش أمجد بعينيه قبل أن يقترب من مروان أكثر ليهمس بلا صوت تقريبًا
(قبلتها؟)
أومأ مروان برأسه وهو يتابع حماقته
(مِن شفتيها)
ثم هتف فجأة بدفاع
(لكنني لم أضربها أقسم لك، لا أعرف مِن أين أتت أختها بهذا الكلام)
هز أمجد رأسه يهمس بذهول
(ليتك ضربتها يا أخي، ليتك ضربتها.. ماذا أفعل بك ! أقل واجب أن أتركك بين أنياب صبا التي كادت تفترسك لاعتقداها أنكَ ضربت أختها، ما بالك لو علمَت بالحقيقة !)
ثم أطلق صوتًا ساخرًا وهو يضرب كفًا بكف، متابعًا بسخرية
(قبَّلها.. الدنچوان قبَّل السندريلا الشقراء بينما أجلس أنا هنا في انتظاره بصحبة الأطفال الرُضَّع)
زم مروان شفتيه وهمس باستياء
(إذًا أنتَ من حشرت عينك في تلك الرحلة، وأنا أقول ما بال القبلة لم يكن بها بركة)
ضربه أمجد في صدره وهو يلقي سبة وقحة جعلت مروان يضحك بإنهاك، لكن الضحكة سرعان ما انحسرت عن وجهه حين لمح زهرة التي دخلت المكتب بخطواتٍ مترددة.. حدق بها بصمتٍ بينما بادلته هي النظر بعينين باهتتين، فأخفض عينيه بسرعة وذكرى تلك الليلة البائسة تقتحم ذاكرته،فشعر بالخزي من نفسه خاصة في وجود أمجد الذي بدا عليه أنه لم يعلم بالأمر، وهو الذي ظنه في البداية يضربه من أجل زهرة... انحنحت عيناه بألمٍ بعد أن تأكد أنها لا تنوي فتح الأمر من الأساس، ثم تحرك ليخرج من المكتب و هو يودع أمجد بكلمات غير مفهومة..
تعجب أمجد من تصرفه إلا أنه لم يهتم كثيرًا وهو يقترب من زهرة يُقبل رأسها قائلًا بحنان
(مرحبًا حبيبتي)
ابتسمت له بارتجاف وقد دمعت عيناها قليلًا بعد حركته العفوية، فاحتضنته وهي تهمس له باحتياج
(اشتقت إليك يا أمجد)
ضمها إليه وهو يشعر بمزيد من القلق عليها، خاصة بعد عزلتها في غرفتها لأسبوعٍ كامل منذ عودتها من السفر، وجسدها الذي هزل بسبب امتناعها عن الطعام، أبعدها عنه ليرفع ذقنها إليه قائلًا بحزم قلق
(لا يعجبني حالكِ هل تريدين قول شيئًا لي؟)
″نعم أريد، وبِشدة، لكنني لا أملك الشجاعة الكافية كي أخبرك بخيبتي الكبرى.. كما لا أملك ولو ذرة واحدة من القسوة تجعلني أخبرك بما حدث فتخسر صديقك للأبد بسببي″
همست بها لنفسها بعذاب وهي تغلق عينيها على دموعٍ تجاهد للنزول، ومنظره هو مروان وهما يضحكان منذ قليل يظهر أمامها ليذكرها بعهدها مع نفسها.. إلا هذا، هي لن تفعل ذلك بأخيها، تعلم أن مروان لم يعدها بشيءٍ، لكن مجرد عِلم أمجد بالأمر سينشب النار بين الصديقين، وأمجد لا يملك سوى مروان، هو رفيقه الوحيد منذ سنوات، ومهما وصل حقدها ناحية مروان وشعورها بالقهر مما حدث، فهي لا تملك سوى الصمت حفاظًا على سعادة أخيها الذي تعلم كم عانى سابقًا..
أجبرت نفسها على الابتسام وهي تقول بأقصى درجات الهدوء
(أنا بخير.. إنها مجرد نزلة برد)
تنهد أمجد غير مقتنعًا بكذبتها، لكنه فضَّل عدم الضغط عليها مُعتقدًا أنها ربما تشعر بالحرج منه، تحدث يقول ببعض المرح
(إذًا أخبريني، هل استمتعتِ بالنزهة الإجبارية التي أخذتكِ بها رحمة؟)
أومأت برأسها تبتسم له، هي تعلم أنه اتفق مع رحمة كي تختلي بها بعيدًا عن جو المنزل لعلها تبوح لها بشيء، لا يدركان أن ما حدث لا يُقال، ما حدث يجب أن يُطمس، وهذا أفضل للجميع...
أحاط أمجد كتفيها وهو يتجه بها للخارج قائلًا ببساطة
(تعالي، سأصطحبك للمنزل.. أبي يريدكِ في أمرٍ هام)
هزت زهرة رأسه تسأله بتوجس
(أي أمر؟!)
ابتسم لها أمجد وهو يقول بغموض
(ستعرفين ما إن نصل)

*************************
الصدمة كانت أول تعبير يظهر على ملامحها، تبعته مشاعر أخرى متضاربة تلاعبت بها وهي تقف بذهول أمام والدها الذي تحدث ببساطة وكأنه يخبرها بطقس اليوم، يصدم أذنيها بالجملة البسيطة
(السيد راشد طلبكِ للزواج)


انتهى الفصل


يُتبع..


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 13-05-22, 01:27 AM   #83

آلاء الليل

? العضوٌ??? » 472405
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 477
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » آلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

فصل اكثر من رائع اشتقنا و الله الأحداث نارية 😍😍😍😍😍😍😍
شهر'زاد. likes this.

آلاء الليل غير متواجد حالياً  
التوقيع
تابعوا معنا رواية أسيرة الثلاثمئةيوم للكاتبة المتألقة ملك علي على الرابط التالي
https://www.rewity.com/forum/t471930.html
قديم 13-05-22, 09:26 PM   #84

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آلاء الليل مشاهدة المشاركة
فصل اكثر من رائع اشتقنا و الله الأحداث نارية 😍😍😍😍😍😍😍
حبيبتي سعيدة برأيك🥰♥️


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 15-05-22, 02:24 PM   #85

safae bich

? العضوٌ??? » 435009
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 148
?  نُقآطِيْ » safae bich is on a distinguished road
افتراضي

رواية حلوة كثير بس مقصرة في مشاهد زهرة وراشد ياريت تزودي مشاهدهم❤️
شهر'زاد. likes this.

safae bich غير متواجد حالياً  
قديم 16-05-22, 03:02 AM   #86

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة safae bich مشاهدة المشاركة
رواية حلوة كثير بس مقصرة في مشاهد زهرة وراشد ياريت تزودي مشاهدهم❤️
أهلا بيكِ يا جميلة منوراني♥️
كل حبكة ليها تسلسل زمني معين وده بيترتب عليه كثرة المشاهد أو قِلتها، لازم كل الأبطال يوصلوا لجزء معين ف نفس الوقت عشان القصص تكمل بعض، وبالنسبة لراشد وزهرة فا هما حبكتهم لسه بتبدأ وليهم مشاهد خاصة بقصتهم🥰


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 16-05-22, 12:58 PM   #87

الخلووود°`

? العضوٌ??? » 499965
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 60
?  نُقآطِيْ » الخلووود°` is on a distinguished road
افتراضي

البارت اكثر من رائع والقفله اتشوقنا اكثر للبارت اتمنى زهرة ماترفض راشد لأنه فعلا هوه الي يناسبها
ويالله ع كناري الحب أمجد وصبا تعجبني مشاعر امجد الجياشه يحب يحب من قلبه اتمنى صبا تحس بيه ويكون حب متبادل واشوفهم أجمل عريسين
ليان بتكسر خاطري وحبيتها اتمنى تتكلم قريب

شهر'زاد. likes this.

الخلووود°` غير متواجد حالياً  
قديم 16-05-22, 12:59 PM   #88

الخلووود°`

? العضوٌ??? » 499965
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 60
?  نُقآطِيْ » الخلووود°` is on a distinguished road
افتراضي

لا تتأخري علينا بالبارت الجاي الود ودي كل يوم تنزلي لنا بارت
شهر'زاد. likes this.

الخلووود°` غير متواجد حالياً  
قديم 17-05-22, 12:50 AM   #89

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الخلووود°` مشاهدة المشاركة
البارت اكثر من رائع والقفله اتشوقنا اكثر للبارت اتمنى زهرة ماترفض راشد لأنه فعلا هوه الي يناسبها
ويالله ع كناري الحب أمجد وصبا تعجبني مشاعر امجد الجياشه يحب يحب من قلبه اتمنى صبا تحس بيه ويكون حب متبادل واشوفهم أجمل عريسين
ليان بتكسر خاطري وحبيتها اتمنى تتكلم قريب
مبسوطة إنه عجبك يا قمر♥️
بإذن الله الفصول القادمة فيها تغير كبير ف الأحداث، هنتظر رأيك♥️


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 17-05-22, 12:52 AM   #90

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الخلووود°` مشاهدة المشاركة
لا تتأخري علينا بالبارت الجاي الود ودي كل يوم تنزلي لنا بارت
يا روحي ع الكلام اللطيف🥺♥️
والله أنا اللي الود ودي أنزل البي دي إف، ادعيلي اخلصها على خير وبشكل يعجبكوا🥺♥️


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:52 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.