آخر 10 مشاركات
شـقّ الـغَـمـام (الكاتـب : مدامع حزينة - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          263 - بيني وبينك - لوسي غوردون (الكاتـب : PEPOO - )           »          ندبات الشيطان- قلوب شرقية(102)-للكاتبة::سارة عاصم*مميزة*كاملة&الرابط (الكاتـب : *سارة عاصم* - )           »          17- غدا يعود الماضي - فيوليت وينسبير (الكاتـب : فرح - )           »          بين قلبين (24) للكاتبة المميزة: ضي الشمس *مميزة & مكتملة* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          ألـمــــاســة الفــــؤاد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          309- من يحب.. يخسر! - كيم لورنس - (تصوير جديد) (الكاتـب : Gege86 - )           »          زهرة النار -قلوب أحلام زائرة- لدرة القلم: زهرة سوداء (سوسن رضوان) *كاملة* (الكاتـب : زهرة سوداء - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما رأيكم؟
جيد 13 43.33%
متابع 3 10.00%
لا بأس به 2 6.67%
أعجبني 18 60.00%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 30. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree256Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-09-21, 04:31 PM   #1

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب


تتماوجين بين الرحيل و الاقتراب
و يتماوج قلبي في عينيكِ
تبتعدين و أقترب
تسألين قلبي فيجيبك نعم أحببتكِ
و ما بين جفاءكِ و لهفتي
و ما بين ابتعادكِ و اقترابي
يظل انتظاركِ هو الأجمل علىٰ الإطلاق
هُنا..
علىٰ شرفات عينيكِ و قلبي
علىٰ شرفات الحب


رواية اجتماعية رومانسية
قريبًا...

روابط الفصول
الفصل 1, 2 .... أسفل
الفصول 3, 4, 5, 6 نفس الصفحة
الفصول 7, 8, 9 نفس الصفحة
الفصل 10
الفصول 11, 12, 13, 14 نفس الصفحة
الفصل 15
الفصل 16
الفصل 17, 18 نفس الصفحة
الفصل 19, 20 نفس الصفحة
الفصل 21
الفصل 22, 23 نفس الصفحة
الفصل 24
الفصل 25, 26 نفس الصفحة
الفصل 27
الفصل 28
الفصل 29











التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 06-08-22 الساعة 12:45 AM
شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 26-09-21, 01:47 PM   #2

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي




اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...


للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html


حجم الغلاف رجاءً يكون بمقاس 610 × 790



هل الرواية حصرية لشبكة روايتي الثقافية ام هي غير حصرية؟ الرجاء الإجابة بحصرية او غير حصرية دون اضافات....



نرجو الالتزام بحجم الفصل المطلوب ضمن القوانين
15 صفحة ورد بحجم خط 18




واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا الغوازي, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء




قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

قديم 07-10-21, 11:03 PM   #3

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

الفصل الأول



وصلت لاهثة إلى المشفى الذي وصفته لها أمها قبل أن تغلق معها الاتصال باكية .... دخلت إلى صالة الاستقبال لتتجه إلى الموظف الموجود تسأله و هي تحاول تنظيم أنفاسها المضطربة
( من فضلك , أين يمكنني أن أجد غرفة المريض"عبد الرحيم مأمون"؟ ... لقد جاء إلى المشفى منذ حوالي ساعة )
أومأ الموظف برأسه قبل أن يضرب عدة أزرار على الحاسوب أمامه ... ليجيبها بعملية
( السيد عبد الرحيم موجود في غرفة العناية المركزة بالطابق الثاني )
اتجهت إلى المصعد لتضرب أزراره بعنفٍ قبل أن يصل لتدخله و تضغط على زر الطابق الثاني .... لقد هاتفتها أمها منذ قليل تخبرها باكية بأن والدها قد أصيب بأزمة قلبية و تم نقله إلى المشفى ... لتستأذن من عملها و تتوجه إليهم ... و سؤال واحد يدور في ذهنها طوال الطريق″ ماذا حدث ليصاب قلب عبد الرحيم بتلك النوبة و لأول مرة؟! ″
فُتح باب المصعد لتسأل أول ممرضة قابلتها عن غرفة العناية المركزة ... أشارت لها المرأة للممر الطويل المؤدى إليها , لتتجه إليه بخطوات شبه راكضة بدأت تتباطأ تدريجيًا عندما لمحت أمها التي تجلس باكية على أحد المقاعد بجوار شقيقتيها .... تسمرت مكانها لترتسم على شفتيها ابتسامة مريرة من منظر المرأة التي تبكي ذلك النائم في غرفة العناية ... لم تكن أول مرة تراها تبكي بسببه , فقد كان ذلك المشهد هو صديق طفولتها البائسة، باختلاف السبب الحالي لبكائها بالطبع و الذي يختلف عن بكاء ليالٍ طويلة بجروح على جسدها لا تندمل بسهولة و جروحٍ أخرى على روحها يبدو أنها لن تندمل أبدًا
( صِبا )
قاطع شرودها صوت نداء سامر ابن عمتها و الذي اندفع إليها فور رؤيتها متسمرة مكانها في أول الممر .... رفعت وجهها إليه ليحدثها بنبرة حنون مواسية
( لا داعي للبكاء .... إن شاء الله سيكون بخير.. كوني قوية لأجل أمك و شقيقتيك )
تفاجأت بالدموع المتحجرة في عينيها و التي انحدر منها خط ليسيل على طول وجنتها فتستشعر ملوحة الدموع و طعمها الذي اعتادته و الذي تتذوقه الآن و لكن بمذاقٍ آخر غير مذاق الوجع المعتاد ... و إنما بمذاق الحسرة على تلك البائسة هناك تبكيه و كأنه أول الرجال و آخرهم .... مسحت دموعها بعنف لتهز رأسها لسامر بلا معنى قبل أن تتوجه إلى الجالسين هناك أمام الغرفة .... رفعت والدتها عينيها إليها قائلة بنبرة باكية
( أبوكِ يموت يا صِبا )
لتنخرط بعدها في البكاء و صوت نحيبها يمزق نياط قلب صِبا .... لتسمع الأخيرة صوت هتاف عمتها الموجه لأمها
( بعيد الشر عنه .... أتريدينه أن يموت حتى ترثينه أيتها الافعى الشقراء؟! ..... ألا يكفيكِ أن سودتِ حياته )
( أمي !! )
هتف بها سامر بحدة لتبتلع المرأة بقية كلماتها فأردف هو باستنكار
( ما هذا الكلام؟ ... هل هو وقت شجار؟!! )
نظرت إليها صِبا نظرة ساخرة دون رد ثم تحركت لتجلس بين أمها و شقيقتيها الباكيتين تُربت عليهن شاردة في مصير تلك الجلسة البائسة ...
خرج الطبيب بعد عدة دقائق ليندفعوا إليه عدا صِبا التي ظلت جالسة مكانها و كأن الأمر برمته لا يعنيها
( للأسف حالته ليست مستقرة ... لقد وضعناه تحت الاجهزة على أمل أن ننقذ وضع القلب ... فلندعو الله أن تمر الساعات الآتية على خير )
قالها الطبيب بأسف لينصرف من أمامهم و تنهار أمها باكية مع استمرار هتاف عمتها التي تدعو على أمها تارة و تندب حظ أخيها العاثر في تلك الزيجه تارة أخرى ....
أتت الممرضة تعتذر منهم بعدم البقاء أمام غرفة العناية.. فتكلم سامر بهدوء
( هيا بنا نعود للمنزل ... وجودنا هنا ليس له داعٍ )
إلا أن والدتها هتفت باعتراض
( لا .. أنا أريد أن أنتظر حتى يفيق )
التفتت إليها صِبا بحدة قائلة من بين أسنانها
(لقد قالَ الطبيب أن الوضع لم يستقر بعد ... بماذا سيفيد بقائكِ؟! ... كما أن وجودنا هنا ممنوع ... أم أنكِ تريدين المبيت في حديقة المشفى؟ )
صمتت والدتها لتخفض نظراتها العاجزة بحزن .... تنهدت صبا و هي تربت عليها ثم سحبتها لتغادرا معًا تتبعهما أختيها.. ليأتيها هتاف عمتها خلفهم
( تريدين المبيت معه يا بنت ″صَفية″ لكي يستيقظ و يراكِ و تنتكس حالته بطلتكِ الشؤم؟! )
و الرد هذه المرة لم يكن من نصيب سامر بل من نصيب صِبا التي التفتت إليها بحدة
( حتى الآن لم أتفوه بكلمةٍ مراعاة مني لظروف الموقف , لكن قسمًا بالله كلمة أخرى سيئة في حق أمي و سأنسى أي اعتبار لكونكِ عمتي )
قالتها بهمسٍ شرس و لمعة مخيفة في عينيها جعلت عمتها تنخرس و قد ارتعبت بحق ... تحركت صِبا مبتعدة مع والدتها و شقيقتيها , ليلتفت سامر لأمه قائلًا بعتاب
( هل كان هناك لزوم لتلك الكلمات؟ ... هل ترين الموقف يسمح لشجاراتكِ المستمرة
و الغير مبررة مع زوجة خالي؟ )
غمغمت أمه بمسكنة مصطنعة
( أتعاتبني أنا يا سامر؟ ... ألم ترَ بنفسك كيف رفعت صوتها عليّ )
ثم أردفت بغِل
( هذا بدلًا من أن ترد على تلك الساحرة زرقاء العينين التي أهانتني أمامك؟!! )
قالتها قاصدة صِبا التي ابتعدت عنهم ... بينما رد سامر بنفاد صبر
( أولًا هي ردت على إهاناتكِ لوالدتها و التي و لله الحمد لم تسمع منها سوى القليل مقارنة بما أطربتِ به أذن زوجة خالي قبل مجيئها ... ثانيًا هلا توقفتِ رجاءًا عن مناداة صِبا بذلك اللقب !!! )
رفعت أمه عيناها اليه تسأله بصدمة
( إياكَ أن تكون لا تزال تفكر في .... )
لم يدعها تكمل جملتها و قد هتف بغيظ
( هل هذا وقته !! ... على الأقل انتظري حتى نطمئن على خالي )
قالها و تحرك ليلحق بصبا و زوجة خاله , تتبعه والدته التي غممت بصوتٍ خافت
( عساه لا ينهض من رقدته إلا على قبره
و تلحق به تلك الأفعى زوجته و بناتها السحالي الثلاث )


=============


عادت إلى المنزل عقب رحيلهم من المشفى بعد أن رفضت العودة مع سامر في سيارته ... استلقت على سريرها في غرفتها بعد أن خلدت شقيقتيها أخيرًا للنوم , و دخلت أمها لغرفتها مغممة بأنها متعبة و لا تريد الحديث ابتسمت ساخرة مع قولها
( بالطبع لا تريدين الحديث ... ستتفرغين للبكاء على "سبع الرجال" )
أطلقت تنهيدة حارة قبل أن تنهض متوجهة لحمام غرفتها لتخلع ملابسها و تلقي بنفسها تحت الماء البارد لعله يطفئ بعضًا من لهيب روحها.. و تركت العنان لأفكارها المتزاحمة ... يبدو أن الجبل على وشك السقوط ... عبد الرحيم مأمون و بكل جبروته سقط إثر أزمة قلبية لا تدري سببها ... يبدو أن قلبه القاسي مازال محتفظًا ببعض انسانيته .... ها هو يمرض مثل باقى البشر، ذلك الذي ظنته لا يخضع لقوانين الإنسانية .... قاسية؟ ... أبدًا لم تكن يومًا كذلك .... تذكر أنها كانت طفلة بريئة تدمع عيناها لو رأت عصفورًا جريحًا .... تبكي إذا كُسرَت إحدى ألعابها أو تَمزَق فستان إحدى عرائسها ... و مازالت , هي لم و لن تكون ذات قلب حجري مثله لم ترث منه شيئًا و لا حتى ولو شبه بسيط .... و ربما كانت هذه هي مواساتها لنفسها أنها لا تشبه عبد الرحيم مأمون ... هي ما زالت تحاول التعافي من ذكرياتها السيئة معه ... طفولتها الممزقة بين قسوة أبيها و كُره عماتها لها و لأمها المسكينة ... فباتت ضحية أب لا يعرف الرحمة و عائلة لا تعرف الحُب و إنما فقط المال .... الميراث .... تلك الكلمة التي هتفت بها عمتها في المشفى .... تظنها لا تدري؟! ... لا هي لم تعد تلك الطفلة الحمقاء.. لقد كبرت , كبرت و فهمت ما يدور جيدًا ... السيد المحترم عبد الرحيم مأمون و الابن الوحيد لجدها حامد مأمون هو الوريث الذكر الوحيد لجدها بجانب أخواته البنات ... و الذي بطبيعة الحال سيذهب جزء من ثروته بعد وفاته لهن لعدم إنجابه الذكور ... ذلك هو السبب الذى تذل عمتها أمها به , و يفعل والدها هو به قبلها ...
"خِلفة البنات"... والتي أصبحت تدرك بحدسها أنه مجرد سبب واهٍ لمعاملة "عبد الرحيم" القاسية لأمها ... فهناك سببًا آخر .... سببًا لا تعرفه هي و لكنها أكيدة من معرفة أمها به , لكنها لا تهتم .... أيًا كانت أسبابه ... لا مبرر لما تركه في قلبها و قلب أمها و شقيقتيها من ‏جروح يصعب التعافي منها .... تكرهه؟ ... مِن كل قلبها للأسف ....
لم تكن يومًا جاحدة و لا قاسية القلب ...
و لكن ماذا تنتظر من أبٍ لم ترَ من أبوته سوى اسمٍ يتبع اسمها في شهادة ميلادها؟ ...
تخلصت من أفكارها البائسة لتكتشف أنها استغرقت وقتًا طويلًا بالحمام ... فخرجت تجفف نفسها لترتدى ملابسها قبل أن تؤدي صلاتها و تتجه بعدها للمرآة لتمشط شعرها و هي تناظر نفسها بشرود ... جميلة ... لطالما أخبرتها أمها بذلك ... أكثر أخواتها جمالًا .... لا تشبه "مريم" أختها الوسطى التي تصغرها بعدة أعوام و التي تشبه أمها أكثر في شُقرتها الناعمة ... و بالطبع لا تشبه "ملك"... الوحيدة فيهن التي أخذت ملامح عائلتها القمحية و التي -وللأسف- تشبه عبد الرحيم ... إلا أن عيناها تمتلئ بحنانٍ جارف على عكس عينين عبد الرحيم ذات القسوة النارية ... ربما لهذا السبب لم تكرهها صِبا كما كرهت أبوها ... أما هي بعينيها الزرقاوين و شعرها الاسود الطويل فتمتلك جمالاً خاصًا لا تخطئه عين، لكنها لم تكن ترى نفسها بهذا الجمال... حتى عينيها التي طالما حسدتها عليه رفيقاتها ... كانتا دومًا نظراتهما ثلجية لا تنم عن أي عاطفة ... لطالما أشعرها عبد الرحيم أنها لعنته , ساحرة شريرة كما تنعتها عمتها والدة سامر كلما رأتها ... لكنها لا تهتم , فليراها عبد الرحيم كما يراها .... عن نفسها هي لا تراه من الاساس ... هي الآن في الخامسة و العشرين ... أنهت تعليمها الجامعي و لديها عملها الذي يُدر عليها مبلغًا ممتاز ... هي حتى لا تحتاج أمواله ... فليحترق في الجحيم مع ميراثه الملعون هذا .... ألقت نظرة أخيرة على نفسها في المرآة لتتجه نحو فراشها لتلقي بنفسها عليه و تشرد ببصرها في ذلك اليوم العجيب الذي بدأ بداية تقليدية و انتهى بدوامة أفكارها في الأيام القادمة و التي حتمًا لن تكون تقليدية ... انقطعت أفكارها مع ذهابها في سُباتٍ عميق ... كعادتها تهرب من المشاكل إلى النوم، و لكن لا بأس فلتستسلم هذه المرة فقط للهروب ... فالآتي لن يكون سوى المواجهة .

========================

وقف في صفوف الرجال يتلقى العزاء بجوار والده و بعض أصدقائه ... عيناه الجامدتين بسوادهما القاتم لا تنمان عن شيءٍ على عكس ما يدور بداخله ... لقد ماتت والدته.. ماتت وحيدة تعيسة كما رآها دومًا ... وحدتها التي يبدو أنه قد ورثها منها و هو يشعر أنها ازدادت اليوم بعد رحيلها ... ربما لم تكن علاقتمها يومًا بهذا القرب الذي يليق بأمٍ و ابنها , لكنها على الاقل كانت موجوة.. والآن لم تعد كذلك ... مر طيف من التأثر على ملامحه قبل أن تعود لجمودها مع مصافحته لآخر المعزيين من أقارب أبيه و أصدقائه ... اتجه مع والده إلى داخل المنزل كما طلب منه الأخير زاعمًا أنه يريد التحدث معه .... استقبلته زوجة أبيه و أختيه بكلمات عزاء تقليدية قابلها هو بإيماءه من رأسه مع ردود مقتضبة قبل أن يتوجه إلى غرفة الصالون يتبعه والده الذي بادره بقوله
( أريد محادثتك في شأنٍ هام )
نظر له بترقب ... فتابع والده متسائلًا
( أما آن الأوان أن تستقر في بلدك و تنتقل للعيش معنا؟ )
أومأ برأسه يرد بهدوء
( لقد كنت أنوي الاستقرار بالفعل و البدء عملي الخاص )
ثم نظر لوالده نظرة ذات مغزى مردفًا
( و اشتريت شقتي الخاصة بالفعل منذ مدة و أنوى الانتقال إليها بعد الانتهاء من التجهيزات )
ظهر الاستياء على ملامح والده الذي هتف بحدة
( هل تريد أن تترك منزل والدك من جديد لتعيش وحدك؟ .... ألم تكتفي بعد من ذلك العناد يا أمجد !! )
رد أمجد بنفس البرود
( أعتقد أن الوقتَ ليس مناسبًا للجدال ... كما أنني لم أعد صغيرًا و أستطيع اتخاذ قراراتي بنفسي )
كاد والده يصرخ به بعبارات لاذعة، لكنه تراجع و لانت ملامحه قليلًا ثم رد بمهادنة
( حسنًا ... فكما تقول ليس هذا وقته ....
و لكن على الاقل فلتبقَ معنا حتى تنتقل لشقتك الخاصة )
قالها محاولًا كسر ذلك الحاجز الذي أقامه هو بينهما و الآن يعجز عن هدمه , لكن ملامح ذلك الواقف أمامه ظلت على جمودها و قد ظهر الرفض جليًا في عينيه ... كان أمجد على وشك الاعتراض لكنه قرر اختيار المهادنة لهدفٍ ما في نفسه .... ليرد بالموافقة مما أشعر والده ببعض الراحة المؤقتة فقال
( غرفتك ما زالت كما هي ... لقد أمرتهم بتنظيفها .... كنت أعلم أنك لن ترد طلبي )
هز رأسه ليرى والده ينهض مناديًا الخادمة و أمرها بتجهيز العشاء و وضعه في الغرفة المجُهزة قبل أن يعاود الالتفات لأمجد
( سأجري مكالمة عمل هامة )
قالها ثم انصرف .... فلم يرَ الابتسامة الساخرة التي ظهرت على وجه ولده وهو يتجه مباشرة نحو غرفته ... لقد انتهى دور الأب المزعوم و عاد دور "رجل الأعمال" للظهور كالعادة .... سيجري مكالمه عمل هامة , و كأنه لم يدفن زوجته منذ ساعات ... أو بالأصح "طليقته"... تلك المرأة التي انفصل عنها بعد زواجٍ لم يستمر سوى عامين فقط و انتهى بطلاقه لأمه بينما كان هو لا يزال رضيعًا في عامه الأول ... رضيعًا انتهى به الحال متنقلًا بين أيدي الخدم و المربيات .... ليتزوج والده بأخرى بعد الطلاق بعدة أشهر و كأنه حقًا لا يهتم بتلك المرأة التي حرمها من طفلها زاعمًا أنه أحق برعاية ابنه ...
و لكن ألم تتخلى هي أيضًا عنه دون دفاع عن حقها في ابنها مستسلمة لعزلتها في منزلها ... زواجٌ فاشل لم يَجنِ هو منه سوي اليُتم المبكر في حياة والديه ... و الان يأتي هذا الرجل محاولًا لعب دور الأب المثالي !


=================

وصل إلى غرفته التي لم يدخلها منذ أخر مرة عاد فيها من السفر , تحديدًا منذ عامين ... منذ استقراره في الخارج و هو لم يعد يأبه بأجازاته القصيرة ... بعد أن قرر العمل هناك بعيداً عن شركات والده رغم معارضة لذلك متعللًا برغبته في جعله مديراً لإحدى شركاته والتي واجهها هو برفضه للخضوع لسلطة أبيه ... دخل الغرفة بخطواتٍ بطيئة ... الغرفة كما هي كما تركها منذ آخر مرة ...
ما زالت تحمل آثار طفولته الوحيدة و مراهقته المنعزلة ... لم يشعر يومًا بالإنتماء لذلك المنزل و لا حتى لتلك الغرفة ... لطالما شعر أنه ضيف ... ضيف في منزله خاصة مع وجود زوجة والده و أخواته ... و كأنهم يشكلون وحدهم عائلة لا ينتمي هو إليها؛ ولذلك استغل أول فرصة للسفر والاستقلال بحياته عن تلك الحياة العائلية المذيفة التي أجبره المجتمع -و والده قبلهم- على الانتماء إليها ... انقطعت أفكاره بدخول الخادمة حاملة صينية الطعام تتبعها "زوجة أبيه" ومعها أخته
- الغير شقيقة - "زهرة"... تلك العفريتة الصغيرة و التي يدخل هذا المنزل لأجلها هي فقط ... الوحيدة التي يشعر أنها تحبه بحق ... و هو كذلك يعتبرها منذ أن كانت تتبعه في صغرها تعلقًا به ... استقام واقفًا لتعانقه زهرة بحرارة في مواساةٍ صامتة ... فأحاطها بذراعيه مستمتعًا بتلك المشاعر الأخوية التي لا يُظهرها له غيرها و لا يستشعرها صادقة هكذا من سواها ... رفعت عيناها الدامعتين إليه لا تدري ماذا تقول ... لطالما رأته قويًا ... هي تعلم أنه لا يُظهر ضعفه لمخلوق , لكنها تشعر به ... تعلم ما يخفيه من جروح ... و موت والدته لابد أنه قد زاد أوجاعه ... مد أنامله يمسح دموعها بحنان ليسمع صوت أمها تقول بطيبة
( أنا سعيدة جدًا لقرارك بالبقاء معنا ... لقد افتقدناك حقًا و زياراتك القصيرة لم تكن كافية )
رفع وجهه إليها يشكرها بردٍ مقتضب حمل بعض الود الذي لا يتكلفه ...
"السيدة مشيرة" زوجة أبيه التي تلقفته يداها صغيرًا لتربيه كأحد أبناءها , لكنها لم تشعره يومًا أنه ابن زوجها ... لطالما احتوته بحنانها ... لم تكن تمثل أبدًا تلك الصورة القاسية لزوجة الأب.. بل على العكس , كانت دومًا حنونة مُراعية له في طفولته .... و مُتفهمه لغضبه و تمرده في مراهقته .... حتى بعد إنجابها لابنائها الثلاثة لم تختلف معاملتها , و ظل قلبها الحنون على عهده ... لكنه و برغم كل ذلك لم يعتبرها يومًا كأمه و لا حتى كبديلٍ لها ... رغم أنه لا ينكر أنه يكن لها مشاعر الاحترام و الود , ففي النهاية هي من ربته ... لكن عقله مازال محتفظًا بفكرته عن كونها المرأة التي اتخذها والده بديلًا لوالدته حارمًا إياه من حنان الأم ... و ربما ما يشفع لها عنده هو معاملتها الطيبة له كأحد أبناءها .... عاد من شروده على صوت زهرة تخاطبه
( أنت لن تسافر مجددًا , أليس كذلك؟ ... أرجوك يا أمجد ابقَ معنا )
ابتسم لها ابتسامة باهتة قائلًا
( لا تقلقي صغيرتي ... لقد قررت الاستقرار هنا بل و البدء في تأسيس عملي أيضًا )
ابتهجت زهرة لما قاله فهتفت و هي تبتعد عنه متجهه لصينية الطعام
( حسنًا , هيا تناول طعامك )
ثم نظرت له تردف بإشفاق
( أنت تبدو شاحبًا جدًا و مرهقًا أيضًا )
لتقاطعها والدتها قائلة
( كفي عن ثرثرتك التي لا تنتهي تلك و اتركي أخيكِ ليرتاح )
قبلت زهرة وجنته بحنان لترفع عيناها اليه قائله برقتها الناعمة
( سأتركك لتنام قليلًا و لكنك لن تستطيع التخلص مني بعد الآن ... لا أصدق حتى الآن أنك ستبقى معي و لن تسافر ... لدي الكثير لأحكيه لك )
ربت أمجد على شعرها هامسًا بحنان
( أنا كلي لكِ يا صغيرة )
بعد خروجهما اتجه إلى سريره بخطواتٍ متثاقله يلقي بجسده عليه دون أن يغير ملابسه .... متعبٌ هو ... متعب كثيرًا و يشعر بنفسه ممزق بين حزنه على أمه الراحلة و بين شعوره بالنبذ و الوحدة التي ستزداد عليه وتيرتها حقًا في الأيام القادمة ... هو لن يستمر بالعيش في هذا المنزل .. سينتقل لشقته الخاصة عندما ينتهي من تجهيزها .... لكنه لن يترك مكانه هنا .... كفاه هروبًا ... سيقسِم حياته بين منزل العائلة .... و بين شقته الخاصة .... لن يظل طوال عمره محصورًا في دور ابن الزوجة الأولى , الذي يحيا حياته الخاصة بعيدًا عن عائلته ..... هذا هو منزل أبيه و منزله هو أيضًا وفقًا لحقه الشرعي كما يفترض , سيغرس قدميه في حياته الجديدة فيكفيه عمرًا ضاع ممزقًا بين سنينًا عاشها غريبًا في منزله , و سنينًا أخرى قضاها وحيدًا في الغُربة ...
( أريد أن أراكَ سعيدًا يا أمجد .... فلتعش الحياة التي لم أحياها أنا .... انزع عنك أحزان الماضي .... ما زال أمامك العمر كله لتفرح .... لا أريد أن أموت و أنا أراكَ مُستترًا بسواد الماضي بينما المستقبل أمامكَ يلوح لكَ بألوانه )
كان يسمعها بصوت أمه قبل أن يعلن الجهاز أمامه عن توقف القلب .... قلبها الذى دُفن حيًا منذ زمنٍ بعيد ... فانحنت نظراته هامسًا بصوتٍ مُجهَد
( رحمة الله عليكِ يا أمي )
و انغلق جفناه بعدها ليذهب في نومٍ عميق يعلم أنه كالعادة نوم تعب و ليس نوم راحة كما كان طوال عمره .

====================

استيقظت صِبا من نومها المتقطع بسبب كوابيسها .... تلك الكوابيس التي عادت إليها من جديد بعد أن ظنت أنها قد تخلصت منها بعد تحررها الشبه كامل من سيطرة عبد الرحيم .... نظرت في ساعة هاتفها لتجد أن الوقت مازال مبكرًا ... اليوم عطلة و لا يوجد عمل ... و لكنها بالطبع لن تستطيع الاستفاده منها ... ستضطر للذهاب مع شقيقتيها و أمها إلى المشفى ليعرفوا ما استجد في حالة عبد الرحيم ... الطبيب يقول أن الحالة ليست مستقرة و الوضع غير مطمئن .. لكنها أكيدة أن هذا الوضع لن يستمر، سيشفى من أزمته ... فليس عبد الرحيم مأمون من يهزمه المرض بهذه السهولة ... و قد صدق حدسها عندما وصلت إلى المشفى مع عائلتها ليخبرهم الطبيب أن المريض تخطى الأزمة و تم نقله لغرفة عادية و إن كان وضع القلب ليس على ما يرام .... التفوا حول سريره في غرفته بالمشفى عدا صِبا التي لم تجرأ على الاقتراب كالعادة مكتفية بوقفتها البعيدة نسبيًا قرب النافذة , محتفظة بوجهها الجامد , تراقب والدها بصمت ... وجهه يبدو شاحبًا حقًا .... عيناه شاردتين في الفراغ متخليتين عن نظرتهم الصارمة التي لطالما أرعبتها .... تلك العينان التي التفتت اليها الآن ليرتجف جسدها لا إراديًا قبل أن تتمالك نفسها لتناظره بنظرة جليدية باردة .... قبل أن تسمع صوته واهنًا على عكس قوته المعهودة
( اقتربي يا صِبا )
و على الرغم من أن نبرة صوته افتقدت صرامتها المعهودة لكنها لم تستطع التحكم في الرعب الذي تملك منها و حدقتي عينيها اللتان اهتزتا بخوفٍ مازال صوته يثيره بداخلها رغم كل شيء .... لكنها تحكمت في انفعلاتها و عاد وجهها لجموده و هي تقترب منه لتجلس على الكرسي المواجه لسريره و وتواجهه بنظراتها الجليدية التي تحمل بعض القسوة يدرك هو أسبابها جيدًا , و التى زرع بذورها فيها بنفسه و الآن يجني ما زرعت يداه ..
( أين باقي العائلة؟ )
أجاب سامر بهدوء
( إنهم على وشك الوصول ... لقد هاتفتهم كما طلبت ... )
و لم تكد تمضي عدة دقائق حتى وصلت عماتها يرافق كل منهن زوجها ... اتخذ كل منهم مكانه بعد إلقاء السلام و بعض الكلمات التقليديه للاطمئنان على صحة أخيهم ...
تفحص صبا الجميع بصمت
كانوا يجلسون مترقبين لما سيقوله ... لقد حضر الكل فعلًا بأولادهم كما أمرهم ...
" مازال محتفظًا بهيبته رغم كل شيء "
قالتها صِبا في نفسها ساخرة و عادت تتفحص الجميع بشرود ... عمتها "منال" الأخت الكبرى , النسخة الأخرى لعبد الرحيم بجبروته و والدة سامر ابنها الأكبر و سمر الابنة المدللة , بجانبها يقف زوجها "خيال مآتة" كما يقولون ... فالكلمة الأولى و الاخيرة لمنال بالطبع ... نقلت بصرها للعمة الوسطى"منيرة" متزوجة منذ سنوات و لم تنجب حتى الآن و لذلك قبلت بالعيش مع زوجها و زوجته الثانية مكتفية بفرصتها في مساعدتهم في تربية أبنائه و هي الوحيدة التي لا تطمع بميراث , بماذا سيفيدها؟ ... على عكس زوجها الواقف جوارها و الذي على ما يبدو يبقيها على ذمته فقط لأجل أموالها ... أما عمتها الصغرى "إيناس" توفى زوجها في شبابه تاركاً لها فتاتين لا تزال إحداهما في الجامعة و الصغرى في المرحلة الثانوية ...... هي تعلم أن إيناس ضعيفة الشخصية و لكنها تنصاع كعادتها دائمًا لمنال , أكثرهن قوة .... تنحنح عبد الرحيم ليكتسب صوته بعض القوة التي تليق بهيبته المسيطرة و تحدث برزانة
( لقد أردتُ الاجتماع بكم لأمرٍ هام ... لم أستطع الانتظار لحين خروجي من المشفى فلا أحد يضمن عمره )
هتفت منال بحنانٍ مبالغ فيه
( بعيد الشر عنك يا حبيبي ... أطال الله لنا في عمرك )
أعطتها صبا نظرة مستخفة ... بينما تابع عبد الرحيم
( لقد أديت واجبي تجاه وصية والدنا تجاهكن كاملة .... و زوَّجت كل واحدة منكن بمن يصونها )
ثم أردف بنبرة ذات مغزى
( و أعتقد أنه قد آن الأوان أن أؤمن مستقبل بناتي كذلك )
تبادل الجميع النظرات المتسائلة , غير مدركين ما يرمي إليه .... قبل أن يريحم من حيرتهم و يفجر قنبلته قائلًا
( لقد كتبت ثروتي كلها بِاسم زوجتي و بناتي )
اتسعت الأعين من المفاجأة ... و كانت منال أول من صرخت هاتفة
( ماذاااا ؟!! )
ثم تابعت بحدة
( هل كتبت أموال والدي بِاسم جيهان و بناتها؟! )
هتف عبد الرحيم بتجهم
( إنها أموالي يا منال ... أموالي التي جنيتها من عرق جبيني ... و لي حق التصرف فيها كما أشاء )
هزت منال رأسها و صرخت بجنون
( لا ليست أموالك وحدك ... إنه ميراث والدي و لنا فيه حق )
عقد عبد الرحيم حاجبيه يقول بخشونة
( حقك أخذتيه منذ زمن بعد وفاة والدنا ... ثم عن أي ميراث تتحدثين؟ ... أنتِ تعلمين جيدًا أن والدك ترك لنا ما يكفينا , لكنه لم يترك ثروة ... بل أنا من عملت واجتهدت حتى كونت مالي الخاص )
هتفت منال بسخرية
( و على آخر العمر تأتي جيهان لتأخذه جاهزًا )
هتف فيها بهيمنة رغم وهن نبرته
( أموالي من نصيب زوجتي و بناتي ... إنه حقهن )
لكن منال ردت بشراسة
( أنا لن أقبل بتلك المهزلة ... ليس على آخر عمري تأتي تلك الأفعى لتصبح "هانم" بأموال أبي )
و لم تنتظر أكثر و تحركت لتغادر الغرفة تتبعها ابنتها و زوجها ... بينما ظل سامر مكانه دون أن يتحرك مكتفيًا بوقوفه الصامت ... التفت عبد الرحيم لأختيه و قال بتجهم
( و أنتما؟ ... ألا تريدون قول شيئًا ! ... يبدو أنتي كبرت و ستعلو أصواتكن عليّ )
تبادلت عماتها النظرات الصامتة قبل أن تتحدث منيرة بهدوء
( المال مالك يا أخي و يحق لك التصرف فيه كما تريد )
ليلتفت إلىٰ إيناس قائلًا
( و أنتِ؟ ... هل ترييني أظلمكن كما ترى منال؟ )
أطرقت إبناس برأسها و ردت بخنوع
( لكَ ما شئت يا أخي ... إنها أموالك رغم كل شيء )
غادر الجميع المشفى متمتمين بعبارات مجاملة و دعوات بالشفاء العاجل .... بينما ظلت جيهان و البنات و معهن سامر كما طلب عبد الرحيم ... و التفت يخاطبه
( أريدكَ أن تُنهي إجراءات خروجي من المشفى .... لا أريد البقاء هنا )
رد سامر بهدوء
( و لكن الطبيب لم يأمر بذلك .... كما أنكَ مازلت تحتاج لرعاية ... أعتقد أن بقائك في المشفى هو الأفضل حتى يستقر وضعك الصحي )
لكن عبد الرحيم قاطعه بحزم رغم وهن نبرته
( لا شأن لي بأوامر الطبيب ... أريد أن أبيت في منزلي الليلة )

==================

عاد الجميع إلى المنزل بعد إصرار عبد الرحيم رغم رفض الطبيب ... لكنهم استسلموا لرغبته و تم خروجه على مسؤليتهم الشخصية و ها هو يرقد في غرفته بجانبه جيهان تجلس مستسلمة دامعة العينين ...
بعد مغادرة سامر تحدث عبد الرحيم بهدوء
( اتركوني وحدي مع صِبا )
ارتفع حاجباها بدهشة طلبه .... بينما تبادل الجميع نظراتٍ قلقة قبل أن ينصرفوا باستسلام
ليصلها صوته الواهن
( تعالي يا صِبا و اجلسي )
قالها و هو يربت على الجانب الفارغ من السرير و الذي كانت تشغله والدتها ... اندهشت صبا بشدة من حركته تلك قبل أن تتجاهل طلبه و تتجه بجمود لتسحب كرسيًا وضعته بجانب السرير بوضع بعيد نسبيًا
و كأنها تتحداه !! ... ذلك الذي لاحظه هو لكنه لم يعلق مكتفيًا بنظراته الغامضة نحوها ... بينما كانت هي ترمقه بعينيها الجليديتين ببرود ... ماذا يريد؟ ... لماذا طلب الانفراد بها خاصة بعد مفاجأته التي أطلقها أمامهم في المشفى .... المفاجأة التي أدهشتم بحق ...
إلا هي ... نعم , كانت تدرك جيدًا أن عبد الرحيم لن يترك ثروته ببساطة لأخواته خاصة مع عِلمها بطمع أزواجهن فيها ...
و لكنها كذلك لم تتوقع أن يكتب الميراث لهن هن , و على حياة عينه أيضًا !!!
ماذا كانت تتوقع إذًا؟ ... هل سيلقي بأمواله في الشارع؟!! ... إن لم يترك الأمر لعدالة الميراث فبالتأكيد ما فعله كان المتوقع ...
و لكنها مازالت تشعر أن فعلته تلك لسبب وحده عبد الرحيم من يدركه ... أفاقت من شردوها على صوته الواهن
( أنا أعلم جيدًا أن الأمور بيننا ليست كما يفترض أن تكون بين أب و إبنته ... و أعلم كذلك أنني لم أكن الأب الصالح الذي تريدينه )
رفعت عيناها إليه متفاجِئة .... لقد اعتادت دومًا أن الحديث بينهما ليس كحديث أب
حنون لابنته ... لطالما كان صوته حازمًا قاسيًا ... يرسل الرعب في أوصالها ولا مانع في أن يصاحبه بعض الضرب أحيانًا ... الفترة الأخيرة بينهما كانت شديدة الحساسية ... بعد أن أدركت أخيرًا أنه لا يستحق أن يكون أباها ... أظهرت تمردها و رفضها لجبروته خاصة بعد استقلالها عنه إلى حد ما ... تملك عملها الخاص و حياتها الخاصة لا يربطها به سوى والدتها و شقيقتيها .... حتى نظرات عينيها نحوه تحولت من رعبها الهيستيرى من قسوته إلى نظراتٍ أخرى متمردة رافضة لسطوته على حياتها .... تلك النظرات التي قابلها هو بغموض غريب على طبعه الخشن .... و أمامها كان هو أيضًا يتأملها ... يعلم أن برودها تجاهه ليس إلا رد فعل طبيعي لأفعاله .... الآن فقط يعترف لنفسه أن ماضيه أعماه عن كونهن بناته و لهن حقوق عليه .... لقد أخذته العزة بالإثم ليحملهمن ذنوب الماضي كلها كما فعل مع والدتهن من قبل ....
و الآن ماذا كان ينتظر ؟ .... لقد غذى الكره في بناته , و الآن يجنيه ... صحيح أن صِبا هي الوحيدة التي أظهرت مشاعرها الحقيقية نحوه , لكنه يدرك جيدًا أنه بعد كل ما فعله لن يجني الحب من بناته .... عدا جيهان , الوحيدة التي يدرك جيدًا كم آذاها بدون ذنب و كيف قابلت هي قسوته بصبرٍ .. و حب ... !!
انقطعت أفكاره مع رد صِبا الجليدي
( و هل جئتَ الآن تريد رأب الصدع بيننا ببعض الأموال؟! )
نظر إليها دون رد ... و تابعت هي بسخرية قاسية
( وفر أموالك , لسنا بحاجة إليها .... لا تصلح خطأك بخطأ أكبر ... أنتَ تعلم جيدًا أن أخواتك لا يعجبهن ما فعلته و منال لن ترضى بهذا الوضع )
هتف والدها بحدة
( أنا أعلم جيدًا أن الأموال لن تُصلح الوضع بيننا .... لكنني لا أريد أن أموت و أترككن فريسة تحت أنياب عماتكن و أزواجهن .... أرددت فقط أن أجنبكن مشاكل الميراث التي ستنتهي بإستيلائهم عليها فقط لأنني لن أكون موجودًا )
هتفت صبا بحدة مماثلة
( أنت بذلك تُدخلنا نحن بمشاكل لا حصر لها ... عماتي لن يقبلن بخروجهن فارغي الأيدي )
رد والدها بحزمٍ قاطع
( قبولهن أو رفضهن لن يشكل فارقًا ... لقد وزعت نصف أموالي بينكِ و بين شقيقتيكِ ... و النصف الآخر لأمك و الوصاية كذلك لها حتى تبلغ أختك ملك سن الرشد ... هذا الكلام موثق منذ مدة و ليس لأحد حق الاعتراض )
صمتت مذهولة ... نصف الأموال لأمها !!! ... هل يعرض أمواله الآن مقابل سنوات عمرها التي ضاعت معه تحت ظل قسوته و معاملته لها كالخادمة !! ..
لكن ما زاد من ذهولها هو ذلك الرقم الذي ذكره ... لم يكن لديها علم أن حسابه المصرفي قد امتلأ لهذا الحد خاصة أن أصول المال لم تكن ثروة ... و الآن بعد أن جمع كل تلك الأموال سيتركها لهن هكذا ببساطة .... إلام يسعى إذن ! ... و ماذا يُخفي أكثر !
رفعت عينيها اليه و قد عاد اليها جمودها ...
و ردت ببرود
( حسنًا ... كما تريد )
ثم أردفت بسخريه مريرة اخترقت قلبه كنصلٍ حاد
( و لكن تلك السنوات التي ضاعت من عمرنا في ظل قسوتك لن تعوضها كنوز الدنيا ... يا أبي )
بصقت جملتها الأخيرة في وجهه و كأنه سبة ..... و اندفعت بعدها لتخرج من الغرفة غير راغبة في إكمال الحديث ...
بينما تنهد والدها شاردًا ... هو يدرك جيدًا أنها محقة ... بماذا سيفيد المال الآن؟ ... هو يعلم أنه خسر حب بناته .... خسره منذ زمن ...
و قد فات أوان استعادته .

=================

لم تستطع النوم تلك الليلة ... مواجهتها مع عبد الرحيم تؤرق تفكيرها ... ماذا كان يقصد بفعلته؟ .... هل أحس بالذنب تجاهم؟
و المال هو وسيلته الوحيدة لتعويضهم أليس كذلك؟ ... و لكن كل ذلك لم يشكل لها فارقًا ... هي استقلت بنفسها بعيدًا عنه منذ زمن ... يظن أن أمواله ستعوضهم عما اقترفت يداه في حقهن ؟! ... و منذ متى و هي تنتظر منه عوضًا ؟ ... عبد الرحيم مأمون لا يعني لها سوى ماضٍ مؤلم ملطخٌ بقسوته , و اسم تحمله في شهادة ميلادها و تستنكف أن تنطقه كاملًا .... هي صِبا مأمون القوية بذاتها ... لطالما كانت قوية و ستظل كذلك ... لقد علمتها الحياة و من قبلها قسوة أبيها أنه لا مكان للضعفاء , و هي ليست ضعيفة ... ستقف في وجه الحياة بشجاعة لتحمي نفسها و تحمي أمها و شقيقتيها ...
انتبهت من شرودها على صوت آذان الفجر ... نهضت لتتوضأ و تؤدي صلاتها ....
و بعد أن انتهت و قد جافاها النوم , قررت الصعود إلى مكانها المفضل لتختلي بنفسها قليلًا علها تهدئ من صراعات عقلها التي تؤرقه .

====================

صعد الدرج بخطوات بطيئة ليفاجأ بوقوفها في شرفة السطح ... تقف شاردة تعطيه ظهرها .... جسدها الممشوق يختفي تحت بلوزتها الواسعة بلونها الأزرق و شعرها الأسود يتطاير حولها بفعل نسمات الفجر الباردة نسبيًا .... فلم تسعفه قدماه للتقدم أكثر و هو يتسمر مكانه ... تتأملها عيناه بشوقٍ جارف تظلله لمحة حزن و هو يشعر أن المسافة بينهما تبدو أطول مما تبدو عليه ...
تحدثت صبا دون أن تستدير إليه
( هل ستقف عندك هكذا طويلًا؟ )
ارتفع حاجباه بدهشة من إدراكها لوجوده دون أن يصدر صوتًا ... دهشة سرعان ما تحولت لابتسامة عاشقة و هو يدرك أنها شعرت بوجوده دون أن يتحدث .... اقترب منها ليقف بجانبها على سور الشرفة محافظًا على مسافة مناسبة بينهما
( كيف عرفتِ أنه أنا؟ ... بل كيف شعرتِ بوجودي من الاساس و أنا لم أصدر أي صوت؟ )
قالها بابتسامة و هو يراقب منظر الشروق أمامهما لترد و هي ما زالت تتأمل الشروق
( رأيتكَ و أنتَ قادم من صلاة الفجر ...
و عندما لم أسمع صوت باب شقتكم علمت أنك صاعد إلى هنا .... و هذا جيد لأنني أريد الحديث معكَ و لم تتسنى لي الفرصة منذ عودتنا من المشفى )
( كُلي آذان مصغية يا ابنة خالي )
قالها بمرحه الذي لا يظهر إلا معها على عكس طبيعته المتحفظة مع الجميع ..
بينما تحدثت هي دون تعبير
( كنت تعلم أليس كذلك؟ )
قالتها بهدوء دون أن تلتفت إليه ... و لم يحاول هو المراوغة وقد فهم ما ترمي إليه ليرد بابتسامة إعجاب
( لطالما عهدتكِ ذكية يا صِبا )
التفتت إليه أخيرًا تقول بعتاب
( لماذا يا سامر؟ ... أنتَ تعلم جيدًا ما سيسببه ذلك من مشاكل ... على الاقل لماذا لم تخبرني من قبل؟ )
مسَّه عتابها فقال بتبرير
( لقد كان ذلك طلب خالي ألا يعرف أحد إلا عندما يقرر هو )
( قراره هذا سيفتح علينا مشاكل نحن في غِنى عنها .... و لقد رأيتَ بنفسك رد فعل والدتك )
قالتها بحدة ليخفض بصره عنها دون رد ....
مما جعلها تعض شفتيها بندم ... و تابعت بحرج
( أنا آسفة يا سامر .... أعصابي متعبَة قليلًا ... أنتَ تعلم أن هذه الفترة صعبة علينا جميعًا )
ابتسم سامر متفهمًا يقاطع اعتذارها الرقيق
( ليس بيننا إعتذارات يا صِبا ... أنا أعلم جيدًا أي قلبٍ طيب تملكين )
قالها بحنان مدركًا أنها محقة ..... لقد كان قرار خاله كنارٍ أشعلت فتيل غضب أمه التي يدرك هو جيدًا أنها تطمع في نصيبها من ميراث أخيها و قد خاب أملها بعد أن أصبح كل شيءٍ بِاسم زوجة خاله و بناتها ..
شرد متذكرًا رد فعلها بعد عودته من شقة خاله بالأمس ...

" دخل إلى شقتهم الخاصة ليلتقي بعينين والدته ... كانت نظراتها مشتعلة بجنون .... اشتعالًا كفيلًا بأن يحرقه حيًا مكانه .... اندفعت منال نحوه كالعاصفة تجذبه صارخة فيه
( ماذا كنت تفعل عندهم؟ ... هل يظن عبد الرحيم أننا نريد أن نعرفه بعد فعلته السوداء؟ )
زفر سامر يرد بحزم
( أمي ! .. لا داعي لهذا الكلام ... إنه يظل خالي رغم كل شيء ... ثم عن أي فعلة تتحدثين ؟! ... الرجل يريد أن يطمئن على بناته من بعده و هذا حقه على أي حال )
صرخت والدته غير قادرة على السيطرة على انفعالاتها
( عن أي بنات تتحدث؟ .... بنات تلك الأفعى جيهان؟ .... أنا متأكدة أنها هي من لعبت في رأسه ليكتب أمواله بِاسمها ... بالضبط كما لعبت في رأسه ليرفض طلبك في الزواج من ابنتها )
أجابها سامر بنفاد صبر
( زوجة خالي لا شأن لها بكل ما حدث .... لقد تفاجأت هي مثل الجميع بقرار خالي .... حتى عرضي للزواج من صِبا أنا أعلم جيدًا سبب رفض خالي له )
صمتت أمه تنظر إليه بذهول ... لا تصدق أنه يدافع عن عدوتها ... لابد أنها قد سحرت له كما سحرت لأخيها سابقًا كي يتزوجها ... لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي و هي ترى أموال أخيها تذهب لجيهان و بناتها .... لذلك قالت فجأة
( هل لا زلت ترغب في الزواج من تلك الفتاة؟ )
( و ما دخل صِبا بموضوعنا الأن ؟! )
قالها متفاجئًا من تغييرها دفة الحديث ... بينما طالعته منال بنظرة ذات مغزى ... و التقط هو ما ترمي إليه فهتف بحزم
(ما تفكرين به مستحيل .... عندما طلبت صِبا للزواج طلبتها لأجلها هي و لم أضع أمر ميراثها هذا في عقلي و لو للحظة )
ربتت والدته على صدره و قالت بحنان مصطنع
( أنا أعلم ما تقوله يا حبيبي ... و لكن الوضع الآن أصبح مختلف .... و زواجك من صِبا لابد أن يتم حتى نرد و لو جزءًا بسيطًا من حقوقنا )
اتسعت عيناه بدهشة و غضب .... أمه لا يهمها حقًا سوى المال .... لقد نحت مشاعره بعيدًا من قبل برفضها لزواجه من صِبا و الآن تعرض هي الامر عليه مجددًا و لكن ليس لأجل خاطره بالطبع ... هي تريد أن ترد لعبد الرحيم الضربة , و زواجه من صِبا هو الأداة الوحيدة الآن .... لكنه لن يسمح بهذا ... مشاعره تجاه صِبا لا تمت لصلة بحسابها المصرفي .... هو أحبها و طلبها للزواج حتى قبل أن يقرر خاله تقسيم أمواله بينهم .... لذلك قال لأمه بجمود
( أنا لن أشترك في تلك اللعبة الحقيرة لمجرد أنكِ تستكثرين على زوجة خالي و بناتها أن ينعمن بأموالهن .... أما بالنسبة لزواجي من صِبا فعليكِ أن تتأكدي أنه إن تم فسيكون ذلك برغبة خالي و موافقة صِبا بعيدًا عن أي ضغوط من جانبكِ )
شحبت ملامح منال متفاجئة من رد فعل ابنها ... فقالت بذهول
( هل تنحاز الآن في جانب جيهان و بناتها
و تقف في وجه أمك ! )
هتف سامر باستنكار
( يا أمي نحن لسنا في حربٍ كل منا له جبهة و الباقي أعداء .... عليكِ أن تدركي جيدًا أننا عائلة رغم كل شيء .... و تتوقفي عن التفكير في أموال خالي و كأنها أول و آخر ما يربطنا بهم ) "

عاد من شروده ليلتفت لصِبا متأملًا جانب وجهها بصمت ... هو يعلم أنها لا تكن له أي مشاعر , على عكسه هو ... لكنه و برغم ذلك طلبها للزواج من خاله منذ مدة .... لكنه لم يتلقَ سوى الرفض القاطع ... لقد كان يتوقع على الأقل أن يعرض خاله الأمر عليها أولًا ... و حتى الآن لا يعلم إن كان والدها قد أخبرها بطلبه أم لا ... لكنه يدرك جيدًا أن مشاعرها تجاهه لا تتعدى حدود القرابة و المشاعر الأخوية .... هو فقط كان يأمل أن تتغير مشاعرها تجاهه و تبدأ في التفكير فيه من زاويه أخرى غير تلك الزاوية الأخوية التي تحصره بها .... لكن أمله قُتل في مهده برفض خاله لعرضه .... ذلك الرفض الذي أصبح هو يدرك أسبابه جيدًا بعدما علم برغبة خاله في تقسيم أمواله بين بناته و زوجته ... هو يظن أنه يريد الزواج من صِبا لتصبح أموالها تحت سيطرته ... و لخاله كُل الحق في ظنونه .. ألم تكن تلك هي رغبة والدته كذلك؟ ... لكن ما ذنبه هو بتلك الحسابات ؟! ... التفتت صِبا إليه لتصطدم بنظراته المتأملة لها فارتبكت في وقفتها قليلًا ... قبل أن ينتبه هو لنظراته فالتفت يناظر السماء عن بعد مدركًا أن قرار خاله سيصعب مهمته في الحصول على قلب صِبا ... التفت إليها مجددًا ليباردها بقوله
( لا تحملي أنتِ همًا لما يحدث ... مجرد مشكلة بسيطة و ستمر كما مرت غيرها من قبل )
رفعت عينيها إليه لترد بابتسامة خفيفة
( معك حق .... سأنزل الآن كي أستعد للذهاب إلى عملي )
أومأ برأسه لتعطيه ظهرها و تسير بضع خطوات قبل أن تلتفت إليه بابتسامتها الرقيقة
( شكرًا لكَ سامر .... وجودك بجانبنا مطمئن رغم كل شيء )
قالتها صادقة بحق ... لطالما كان سامر بالنسبة إليها هو الأخ الأكبر .... حنانه الذي يظهر في عينيه , و الذي يناقض غلظة أمه و قسوة خاله , كان يمثل لها دومًا الملجأ الآمن رغم كل شيء ... بينما تاه هو في زرقة عينيها ... كانت أشعه الشمس تنعكس على وجهها المبتسم ليخفق قلبه بعنف كعادته عند رؤياها و هو يتلقى شكرها له و ابتسامتها الممتنة كأجمل هدية يمكن أن يبدأ بها يومه ...
انقطع التواصل البصري بينهما على صوت جلبة و أصوات متداخلة بالأسفل لينتفض كلاهما من مكانه متجهين نحو شقة خاله ...
فتحت صبا باب الشقة و تسمرت مكانها بإدراك خطِر ..... و تحركت بخطوات مرتعشة ناحية غرفة والدها ... لتصطدم بعيني مريم و ملك ....
و على سريره كان عبد الرحيم ساكن الجسد و الروح .... بجانبه جيهان التي تبكي
و تنتحب بانهيار ...
و المنظر أمامها لا يحتاج لشرح ...
لقد مات عبد الرحيم مأمون .

====================

كعادتها كل ليلة تجلس بانتظاره ...
و كعادته لا يأتي إلا عند اقتراب الفجر ... لقد أخلدت طفليها للنوم مبكرًا كالمعتاد رغم تذمرهما بالرغبة في السهر و انتظار والدهما ... إلا أنها راوغت كعادتها بتأخر الوقت ... و لكن ذلك لم يكن السبب الحقيقي , بل هي مجرد رغبتها في حماية طفليها ... لا تريد لهما رؤية والدهما على تلك الحالة ... تريدهما أن يحتفظا بتلك الصورة النقية له في ذهنهما ... الأب الحنون المُراعي , الهادئ المبتسم ... ليس ذلك الذي يقترب منها لا يرى شيئًا أمامه .. و الفضل يرجع لذلك المشروب اللعين و الذي يبدو أنه أصبح لا يفوت ليلة واحدة دون شربه حتى صار لا يمكنه تمييز من حوله ... ابتسمت ابتسامة مريرة و هي تراه يتسمر مكانه لرؤيتها جالسة و كأنه متفاجئ بوجود زوجة تنتظره ... نظرت إليه بحسرة و هي تراه يضيق عينيه مدققًا النظر و كأنه يحاول تذكر من هي !!! ...
ظلت جالسة مكانها حتى رأته يقترب أو بمعنى أصح يتقدم بخطوات مترنحة بفعل المشروب المُسكِر
( مرحبًا )
قالها بابتسامة قد تبدو سمجة لمن يراها , لكنها هي لا يمكنها أن تراها كذلك .... لطالما رأته وسيمًا جذابًا ... زوجها و حب طفولتها و مراهقتها , عشقها له لم يتغير مهما فعل ... حتى و هي تراه الآن يرتمي بجوارها على الأريكة بعشوائية جعلت قدميه تلامسان الأرض و رأسه يستند على ذراعها في مشهد قد يبدو حميميًا لمن يراهما من بعيد , خاصة مع ارتعاشة جسدها لحركته ... ربما لو كانا في موقفٍ آخر لكانت أحاطت رأسه بذراعيها كما كانت تفعل سابقًا حين يلجأ إليها طالبًا حنانها ... لكنها الآن لا تملك إلا التحرك مبتعدة عن رائحة الخمر المنبعثة منه و التي تشعرها بالغثيان .. استقامت تنظر إليه من علوٍ و هي تراه يعود برأسه للخلف مستعدًا للغرق في النوم ... تنهدت بعجز ثم اقتربت منه تهزه برفق
( فارس ... فارس )
أصدر همهمة ناعسة و هو يغوص في مكانه أكثر ... فتحركت تحاول رفع جسده الثقيل لتساعده على النهوض ... لن تتركه ينام على الأريكة ... ماذا لو استيقظ أحد الأطفال و رآه هكذا في تلك الحالة التي تجعله لا يميز مَن أمامه ! ... حاولت دفعه و لكنها فشلت في دعمه بجسدها الضئيل مقارنة بضخامته ... أصدر همهمه أخرى و لكنها كانت إعتراضية متذمرة ... نفد صبرها فهزته مرة أخرى و لكن بعنفٍ محاوله عدم إصدار صوت عالٍ ...
حتى رأته يفتح عينيه قليلاً ناظرًا إليها و كأنها حلم ... ليسمع صوتها آتيًا من بعيد
( هيا ادخل إلى الغرفة ... لا تنم هنا )
ظل يحدق بها و كأنها تتحدث بلغة غريبة ...
" يا إلهي ما خطبه هذه الليلة ! "
كانت قد اعتادت منذ فترة على مجيئه كل ليلة مخمورًا لكنه على الأقل كان يميز يدور حوله , و لكنه الآن يبدو غريبًا ... لابد أنه أسرف في الشُرب ... سحبته من ذراعه ليستقيم و تحركت به متقدمة لغرفتهما و هي تحاول التوازن حتى لا يسقطا معًا ... وصلت به إلى غرفتهما أخيرًا ليرتمي على السرير بملابسه ... بينما جلست هي بجانبه لتبدأ في فك أزرار قميصه بينما هو ينظر إليها بتشتت و هو يحاول تفسير سبب الدموع المتحجرة في عينيها والتي تمنعها من النزول بأعجوبة ... ستترك لدموعها العنان و لكن ليس أمامه , ستبكي و لكن بعد نومه كما اعتادت منذ فترة طويلة ... كانت قد انتهت من خلع قميصه لتسقط دمعه خائنة من عينيها سارعت بمسحها إلا أن يده سبقتها ... فنظرت إليه بذهول و هي تراه يمسح عنها تلك الدمعة التي لحقتها أخرى و أخرى رغمًا عنها .... بينما هو يزيلها عنها بنعومة جعلت رغبتها في البكاء تتزايد و هي تنظر إليه و بداخلها رغبة مُلحة للارتماء بين أحضانه , و لكن كبريائها منعها من اللجوء إليه و هو في حالته تلك ... ربما هو حتى لا يدري من هي .... لكنه خالف ظنها حين قال سألها بصوتٍ متثاقل
( لماذا تبكين يا رحمتي؟ )
تصلبت مكانها مندهشة ...
"رحمتي" ذلك هو لقبها الذي خصها به منذ الطفولة ...
" أنتِ رحمتي من عذابي و جنتي على الأرض"
تسمعها بصوته الحنون متذكرة مصارحته بحبه لها لأول مرة ... يومها أخبرها تلك الجملة و التي يعلم جيدًا تأثيرها عليها ... نزلت دموعها أكثر لتلك الذكرى البعيدة .... و رأته من بين دموعها يقاوم خمول جسده و يعتدل جالسًا ثم اقترب منها يمسح باقي دموعها بشفتيه ... بينما يده تعرف طريقها نحو خصلاتها البنية يتخللها بأصابعه ... فارتعش جسدها لاقترابه ... لعنت نفسها و تأثيره عليها ... لعنت ضعفها الذي يمنعها الآن من الصراخ في وجهه مطالبة إياه بالتوقف عن تدمير نفسه فعائلته تحتاجه ... و هي تحتاجه , تحتاج حبيبها و زوجها و حب عمرها ... يا الله ... كم تفتقده و تفتقد روحه القديمة الحنونه المداعبة و البعيدة كل البعد عن ذلك المخمور الجالس أمامها.. ستدفعه و تنهض ... ستبعد عنه لربما يستفيق لروحه التي تضيع ...
سـ .. انقطعت أفكارها و هي تراه ينظر لعينيها مقتربًا منها أكثر ... اللعنة اللعنة ستضعف أمامه كالمعتاد ... ما زال تأثيره عليها كما هو رغم كل ما فعله ....
همس فارس أمام شفتيها بخفوت
( رحمة )
و لون العسل الداكن في عينيه يشتعل بنظرة تدرك هي معناها جيدًا فتنهدت بضعف و هي تستجيب لقُبلته ... "غبية يا رحمة"
ينهرها بها عقلها و لكن لقلبها رأيًا آخر ... قلبها الذي يمتلكه هو ... و الذي يفك رباط شعرها جاذبًا إياها في أحضانه أكثر .... توارت مقاومتها لينتصر شوقها فرفعت ذراعيها تحيط بهما عنقه , مستسلمة له بضعفٍ كعادتها معه بينما يلتهم هو شفتيها بشغف ... إلا أنها
و قبل أن تستسلم له كُلياً لمحت ما جعلها تتصلب بين ذراعيه , و عيناها تجحظان ما إن تأكدت مما تراه ... لون خفيف لِطلاء شفاه يلطخ قميصه من الأعلى و جانب من رقبته لم تلحظه إلا الآن عندها اقتربت منه ... و قبل أن يجذبه ناحيته أكثر كانت تدفع صدره
و تبتعد عنه
فنظر إليها مرددًا بدهشة
( ماذا بكِ؟ )
ماذا بها؟! ... ماذا بها؟! ... لو يدرك الآن ما بها ,
لو نظر داخلها لرأى قلبها يحترق ...
" خائن "... و ما رأته الآن هو دليل خيانته ... لقد خانها بدمٍ بارد ... ألقى بحبهما وراء ظهره و خانها ... أرادت أن تصرخ ... أن تبكي , إلا أنها بدت كمن فقدت القدرة على الحركة ... فقط ترمقه بجمود و صدمة ... ظلت مكانها لدقائق لا تدري عددها .... و ما إن وجدت صوتها حتى همست بصوتٍ ميت , جريح
( طلقني )



انتهى الفصل



يُتبع .....



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 14-10-21 الساعة 11:22 PM
شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 13-10-21, 02:00 AM   #4

زهوةفرحة

? العضوٌ??? » 484921
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 63
?  نُقآطِيْ » زهوةفرحة is on a distinguished road
افتراضي

هل ننتظر البقية ام ننصرف
شهر'زاد. likes this.

زهوةفرحة غير متواجد حالياً  
قديم 14-10-21, 02:29 AM   #5

Walaa sham

? العضوٌ??? » 410159
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 160
?  نُقآطِيْ » Walaa sham is on a distinguished road
افتراضي

حلووووو😍😍😍😍😍😍😍😍
شهر'زاد. likes this.

Walaa sham غير متواجد حالياً  
قديم 14-10-21, 12:19 PM   #6

ebti

مشرفة منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية ebti

? العضوٌ??? » 262524
?  التسِجيلٌ » Sep 2012
? مشَارَ?اتْي » 14,201
?  نُقآطِيْ » ebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond repute
افتراضي

صباح الفل والياسمين... هل يوجد سبب لتكرار تنزيل الفصل الأول ؟...
شهر'زاد. likes this.

ebti غير متواجد حالياً  
التوقيع
إن كرماء الأصل كالغصن المثمر كلما حمل ثماراً تواضع وانحنى"
هكذا عرفتك عزيزتي um soso و هكذا تبقين في قلبي شكراً جزيلاً لك على الصورة الرمزية...

قديم 14-10-21, 10:55 PM   #7

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

الفصل الثاني


بعد مرور عام ....

استيقظت في السابعة صباحًا على صوت المنبه المزعج , لكنها اليوم لن تُطفئه بتذمر لتعود للنوم كالعادة .... فاليوم أمامها طويل
وعليها استغلاله كي تنجز ما تبقى قبل الانتقال للمنزل الجديد قبل نهاية الأسبوع ... نهضت من سريرها لتتفحص مذكرة الهاتف ... لديها الكثير من المهام اليوم ... لكنها لن تكون متعِبة كثيرًا خاصة مع وجود السيارة الجديدة التي اشترتها ... ابتسمت للخاطر الأخير و هي تتذكر سعادتها عند شراء السيارة الذي تزامن مع انتهائها من دروس القيادة ... ستقودها اليوم للمرة الأولى ... لقد اجتازت اختبار القيادة بمهارة وهي مستعدة تمامًا للتجربة الحية في شوارع المدينة ... نهضت من سريرها
و توجهت للمرآة تطالع نفسها بشرود ...
" ابتسمي ... لقد مرت الأيام الصعبة و القادم سيأتي حاملًا معه خيرًا كثيرًا " ..
هكذا حدثت نفسها قبل أن ترتسم على شفتيها ابتسامه واثقة ... توجهت للحمام لكن استوقفها صوت رنين هاتفها المحمول .... طالعت اسم المتصل لتبتسم ابتسامة خفيفة قبل أن تجيب قائلة بهدوء
( صباح الخير )
ليصلها الرد من الجانب الآخر
( صباح الورد على أجمل وردة )
ضحكت قبل أن تجيبه بمرح
( يبدو أن أحدهم قد استيقظ بمزاجٍ رائق اليوم )
أتاها رده المداعب
( و كيف لا أكون كذلك و أنا ابدأ يومي بسماع أجمل و أرق "صباح الخير" سمعتها في حياتي )
هزت رأسها بيأس و أجابته بابتسامة
( حسنًا حسنًا ... ستغلبني بالكلام كعادتك )
ثم أردفت متسائلة
( لماذا أنت مستيقظ مبكرًا هكذا؟ ... ألست تتشدق دومًا أن الاستيقاظ المبكر للكادحين أمثالي بينما رؤساء مجالس إدارة الشركات الكبرى أمثالك لا يستيقظون قبل التاسعة )
وصلتها ضحكاته على الجانب الأخر قبل أن يجيب
( اليوم استثناء لأجل حبيبة قلبي ... سأمر عليكِ بعد ساعة لأوصلكِ للعمل ثم اتوجه للشركة )
أصدرت همهمة راضية ثم أجابته بترفع مصطنع
( شكرًا لعرضك الكريم سيد كريم ... لكنني و بلا فخر سأجري اليوم أول تجربة حقيقة لقيادة سيارتي الجديدة )
( اووووه ..... هل يعني ذلك أنكِ أصبحتِ من أصحاب السيارات و لن تحتاجينني بعد الآن لايصالك بسيارتي المتواضعة؟ )
هتف بها بمسكنة مصطنعة لتبتسم هي من لفظ "سيارتى المتواضعة" , الذي لا يليق أبدًا كوصفٍ لسيارته الفخمة حديثة الطراز ...
لكنها ردت بعجرفة تشاكسه
( نعم لقد قررت الاستغناء عن خدماتك )
ضحك يجاريها متسائلًا
( هل أفهم من ذلك أنكِ لن تقبلي دعوتي على الغداء اليوم بمناسبة الصفقة التي ربحتها بالامس؟ )
سارعت تقاطعه
( هل تمزح؟ .. بالطبع أقبل ... لقد وعدتني أن تصطحبني للمطعم الذي افتُتح حديثّا في شارع "٠٠٠٠٠")
قالتها مشيرة لأحد المطاعم الذي رأت إعلان افتتاحه على أحد مواقع التواصل الاجتماعي و الذي كان وللمصادفة مِلك لِاثنين من زملائها منذ أيام الجامعة ..
بينما أجابها هو
( حسنًا طلبات "البرنسيسة" أوامر )
ضحكت بخفة قبل أن تجيبه لتحدد معه موعد اللقاء و تغلق الاتصال مبتسمة من مغازلاته التي لا تنتهي .. و تنهدت قبل أن ترتسم على شفتيها ابتسامة شاردة ...
"كريم" ... كريم نصار ... خطيبها , الشاب الثري و ابن رجل الأعمال "هاشم نصار" ... عريس ممتاز كما ترى أمها , لكن ذلك لم يكن سبب موافقتها على الارتباط به بالطبع ... كانت قد أجلَّت فكرة الارتباط و الزواج إلى أجل غير مسمى ... فالعمل و بناء المستقبل كانا لهما الأولوية بالطبع .... لكن مع الظهور المفاجئ للأستاذ كريم الذي اقتحم حياتها ليطاردها في مكان عملها مفاجئًا إياها برغبته في الارتباط بها , و رغم رفضها للأمر , إلا أنه تقدم رسميًا لخطبتها ... لتفاجأ بإصرار أمها عليه متعللة برغبتها في الاطمئنان عليها ... لكنها و أمام كل تلك الضغوطات أصرت على رفضها , إلا أنه تلقى إصرارها بصبر ليطلب لقائها محاولًا اقناعها بالموافقة .... لم تكن يومًا من فارغات العقول كي تنبهر بالشاب الثري خفيف الظل والوسيم ... الوسيم جدًا لا يمكنها أن تنكر .. لكنها وبالرغم من كل ذلك لم تتقبل اقتحامه المفاجئ لحياتها و محاولاته الكثيرة لاقناعها بشخصه , فلم تكن يومًا متلهفة للزواج كبنات جيلها .... بل بالعكس كانت غير مرحبة بالفكرة , والسبب كان رؤيتها للمثال الحي أمامها لأمها وأبيها في صورة مجسدة للزواج الغير متوافق مع اختلاف شخصية كل منهما لدرجه قد تصل إلى حد النقيض .... لكنها وللعجب واقفت في النهاية على الارتباط بكريم .... ليس لثرائه الفاحش و لا لوسامته الطاغية .... و لكنه و مع إصراره الغريب عليها يزعم أنه يحبها !!! .... لقد قالها لها ببساطة عندما طلب لقائها ليقنعها بالموافقة على الارتباط به
( أنا لا أدري حقًا كيف حدث هذا و تحولت مشاعري تجاهكِ من مجرد إعجابٍ إلى حب ... لكن ما أنا متأكد منه , أن مشاعري تلك حقيقية .... فقط لو تمنحيني و تمنحي نفسك فرصة ... يمكنكِ أن تعتبريه طلب لصداقتكِ و ليس عرض زواج ... فلنكن أصدقاء , ما رأيك؟ )
هذا ما سمعته منه بذهول بعد أن أربكها باخبارها أنه يحبها .... و لم تكن بمثل تلك السذاجة لتصدق حبه -المزعوم- هذا ولكنها مع رؤية إعجابه الواضح بها أرجأت اعترافه بالحب إلى طيشه الظاهر في تصرفاته ... لذلك قبلت صداقته و وافقت على عمل خطبة بشرط أن تكون طويلة لتحدد أبعاد العلاقة ... و قد وافق على شرطها مُرحبًا ... لا يمكنها أن تنكر أنه يعاملها بطريقة رائعة و بحبٍ واضح , و أنه ربما قد بدأ يدحض شكوكها في احتمال استمراية تلك العلاقه ... تحبه؟ .. لا لا .. هي لم تصل بمشاعرها معه حد الحب ... ربما إعجاب بشخصيته المرحة التي تميل إلى العبث , و المناقضة تمامًا لشخصيته داخل العمل , و التي رأتها بنفسها يوم دعاها إلى شركة والده التي يتولى هو إدارتها بمهارة ... يومها رأت منه وجه "رجل الأعمال الناجح" رغم صغر سنه الذي لم يتعدى التاسعة و العشرين ... لكنها على أية حال سعيدة معه
- على الأقل حتى الآن - ... خاصة و أن توقيت ظهوره في حياتها كان في فترة حاسمة ليساعدها في تخطي بعض العقبات ... انقطعت أفكارها بدخول شقيقتها الصغرى ملك ذات السابعة عشر عامًا , و التي اقتحمت الحجرة بدخولٍ عاصف , هاتفة باستياء
( ألازلتِ بملابس النوم يا صِبا؟ ... ما هذا الكسل ! )
ردت صبا بابتسامة هادئة
( صباح النور )
تأففت ملك تقول بنفاد صبر
( لا داعي لإضاعة الوقت في تحيات صباحية .... لقد تأخرت على المدرسة ..... هيا بدلي ملابسكِ لكي توصليني معكِ .... أريد أن أجرب السيارة الجديدة )
قالت جملتها الاخيرة بسعادة و هي تصفق بكفيها بحماس ... لتضحك صِبا ضحكة صافية قبل أن تجيبها
(حسنًا , و لكن ساعديني أولًا في اختيار زيًا مناسبًا حتى أنتهي من أخذ حمامي )
ثم أعطتها ظهرها متوجهة للحمام لتترك لِملك مهمة اختيار الزي .

==========================


وقفت سكرتيرة مكتبه تنهت بفعل المجهود الذي لا يتناسب مع شهور حملها الخمسة التفتت لزميلتها قائلة
( لا أدري سر تلك القرارات الديكتاتورية .....
" على الجميع الحضور إلى الشركة في الثامنة صباحًا " )
ضخّمت صوتها في الجملة الأخيرة ثم زفرت بتعب
( لم أستطع النوم طوال الليل بسبب تعب الحمل ... و الآن يأتي ذلك المتعجرف ليطالبني بالحضور مبكرًا لإنهاء أوراق الصفقات ... لو كنت أعمل بالكهرباء لما عذبتموني هكذا )
ضحكت زميلتها ثم ردت متنهدة بهيام
( ليتني كنت أنا سكرتيرته ... تعب العمل كله يهون أمام وسامته )
ردت الأخرى بحنق
( مالي أنا و مال وسامته .... لقد وقعت في فخ سبع الرجال زوجي و انتهى الامر .... كما أنه سمج ثقيل الظل , لا يمل من العمل ... فليذهب بوسامته تلك للجحيم )
ضحكت زميلتها و قبل أن تعاود التغزل به كان يظهر أمامها .... فشحبت ملامحها لتقف قائلة بارتباك
(مـ .. مرحبًا سيد أمجد )
( إن كنتما قد انتهيتما من فقرة النميمة الصباحية تلك فإن هناك عملًا مازال متأخرًا أتمنى أن ينتهي اليوم )
قالها بتجهم و نبرة غاضبة ليتوجه إلى مكتبه دون كلمة أخرى تتبعه سكرتيرته بتعثر ..
جلس أمجد خلف مكتبه و قال بجدية
( أريد تقريرًا بتفاصيل العروض المقدمة من الشركات الأخرى )
أومأت برأسها لتسجل ما يقوله في دفترها .... بينما تابع هو
( و أريدكِ أن تقومي بنشر إعلان على الصفحة الإلكترونية الخاصة بالشركة عن طلب موظفين جُدد ... سأرسل إليكِ التفاصيل )
ثم أكمل
( السيد مروان هو من سيتولى أمرهم )
أومأت برأسها مجددًا بينما صدح الهتاف المِرح من خلفها ..
( لقد سمعت اسمي ... خير اللهم اجعله خيرًا )
انصرفت السكرتيرة بينما جلس مروان قائلًا بمرح
( صباح الفل يا " كينج " )
رد أمجد و هو يقلب في الأوراق أمامه دون أن ينظر إليه
( ألن تتوقف عن ذلك اللقب؟ ... نحن مهندسين و لسنا تجار أعضاء بشرية )
ضحك مروان ليقول بتهكم
( يكفينا أن نُحضر الموظفين في الثامنة صباحًا لنكون أكثر شرًا من تجار الأعضاء )
رفع أمجد عينيه يقول بجدية
( لا وقت لدينا للدلال ... نحن نعمل على قدمٍ و ساق ... لا تنسىٰ أن الشركة افتتحت حديثًا
ونحتاج أن نثبت أنفسنا في السوق )
رد مروان ببساطة
( لقد قطعنا شوطًا لا بأس به في وقتٍ قياسي و أصبح لنا اسمًا في السوق )
تنهد أمجد و رد
( ما زال أمامنا الكثير يا مروان ... و لا تنسى أنه لولا دعم و تمويل الشركة التي كنا نعمل بها في الخارج لما حققنا ذلك النجاح )
تحدث مروان بابتسامة واثقة
( لا تقلق ... أنا واثق من نجاحنا )
ثم أكمل بغمزة عابثة
( كل شيء تحت السيطرة يا "كينج" )
زفر أمجد بسخط قبل أن تتغلب عليه ابتسامته
( حسنًا أرني همتك يا بطل ... سوف نعلن عن بدء دورات تدريبية للطلبة والمبتدئين ... الاستفادة من حماسهم مقابل إكسابهم خبرات بمرتبات مبدئية لا بأس بها ... ستتولى أنتَ أمر توزيعهم ما بين المواقع و الأعمال المكتبية )
حرك مروان حاجبيه يقول بعبث
( هذا هو الكلام المضبوط ... مبتدئين وطلبة ... هكذا تنفتح أنفسنا على العمل ... سيسرني كثيرًا الاطمئنان على خبرات الشباب )
حدجه أمجد بنظرة محذرة
( مروان .. عبثك مع الفتيات هذا خارج العمل فقط ... أما في الشركة لا أريد سوى الانضباط )
أومأ مروان دون أن يختفي العبث عن ملامحه ثم غادر المكتب ... ليتنهد أمجد شاردًا ... لقد استطاع تأسيس عمله الخاص في وقت قياسي بعيدًا عن أعمال والده ... و خبراته في سنوات العمل بالخارج ساعدته كثيرًا ... هذا بالاضافة إلى جهود مروان صديقه ... لقد كانا زملاء في الجامعة بالخارج و استمر العمل بينهما أيضًا ... قبل أن يقرر أمجد العودة ...
و ساعده مروان في بِدء تلك الشراكة سويًا .... مروان صديقه المقرب و كاتم أسراره ... رغم الاختلاف الشاسع بين شخصية كلاهما ... إلا أن أمجد يعتمد عليه بحق ... فعلى الرغم من شخصية مروان العابثة لكنه ماهر جدًا في مجاله و ذلك هو الأهم ... انتبه من شروده على صوت رنين هاتفه معلنًا عن اتصال من والده ...
أجاب الاتصال ملقيًا تحية الصباح ليأتيه صوت والده
( صباح النور ... كنت أتساءل إن لم تكن مشغولًا اليوم فأنا أريد أن أراكَ على الغداء )
عقد أمجد حاجبيه و رد بحذر
( هل حدث شيء؟ )
هتف والده باستياء
( هل يجب أن تحدث مصيبة كي نراكَ أم ماذا؟ )
حك أمجد جبهته و رد بهدوء
( لم أقصد كنت أتساءل فقط ... على العموم سأكون اليوم في المنزل بعد انتهاء العمل )
أغلق الاتصال مع والده و زفر بضيق .... هو يحاول التواجد في محيط العائلة قدر المستطاع ... و لكنه ما زال غير قادرٍ على التأقلم بشكلٍ كامل , يوزع وقته بين شقته الخاصة و منزل العائلة , و لكن هذا الوضع لا يعجب والده بالطبع ...
أزاح أفكاره جانبًا و عاود متابعة عمله محاولًا الانشغال عن تساؤلاته حول الموضوع المهم الذي يريده والده فيه ...

==================

خرجت من الحمام تجفف شعرها لتجد ملك قد جهزت لها ملابسها كاملة ... كانت ملك قد اختارت لها ملابس عصرية بسيطة مكونة من بنطال چينز و بلوزة أنيقة .... بدأت صِبا في ارتداء ملابسها , لكنها عدلت عن رأيها و اتجهت لخزانة ملابسها و بدأت في اختيار زيًا آخر ..
وقفت أمام المرآة تتطلع لنفسها برضا .. فستان أزرق كلاسيكي يصل إلى ركبتيها ... ارتدت تحته جوربًا أسود شفاف و حذائها ذو الكعب العالي ... لم تكن يومًا من محبي ارتداء الكعب العالي , لكن اليوم استثناء ... ستقابل خطيبها بعد العمل و عليها أن تبدو بصورة مناسبة لواجهته الاجتماعية .... لطالما كرهت المظاهر الدبلوماسية الباردة , و لكن وضعها الجديد كخطيبة لوريث عائلة نصار يحتم عليها الظهور بمظهرٍ لائق .... مشطت شعرها لتلفه في لفة أنيقة خلف رأسها تاركة خصلة أنيقه تنسدل على جانب وجهها ...
كانت قد خلعت الأسود منذ مدة كبيرة ... لم تُرِد أن تخدع نفسها أكثر من ذلك , لقد ارتدته بعد وفاة والدها لكنها كانت تعلم في قرارة نفسها أنها فعلت ذلك وفقًا للأصول ليس أكثر .. ولذلك لم تكد تمر فترة مناسبة حتى خلعته .. كفاها سوادًا عاشته في حياته .... فلتنعم بحياتها قليلًا بعيدًا عن آلام الماضي ... خرجت من غرفتها لتتجه إلى طاولة الطعام .... جلست بجوار ملك التي رمقتها بنظرة جانبية و قالت و هي تلوك الطعام في فمها
( لديكِ موعدًا مع "خطيب الهنا" إذًا )
ردت صبا بابتسامة سمجة
( كيف عرفتِ يا نبيهة عصركِ و أوانكِ؟ )
أجابتها ملك و هي ترتشف من العصير أمامها
( لم ترتدي الملابس التي اخترتها لكِ .... و أنتِ لا تتأنقين هكذا عند الذهاب إلى عملك إلا إذا كان لديكِ معه موعدًا )
قالت صِبا بغيظ
( هل تقصدين أنني لست أنيقة في المعتاد؟ )
تحدثت ملك و هي منهمكة في تناول طعامها
( ليس كذلك ... و لكنكِ لا تتخلين عن ملابسكِ الرياضية البسيطة إلا لأجل أن تتلبسكِ شخصية "خطيبة رجل مهم" )
ضحكت صِبا بيأس من تقريعات ملك الدائمة ... هي تعلم أنها لا تتقبل كريم خطيبها و لكنها لا تقول ذلك صراحة , و إنما تظهره من خلال انتقادها الدائم له ... بسبب و بدون !! ..
( صباح الخير ... أضحكوني معكم )
هتفت بها مريم بمرح و هي تنضم إليهما على الإفطار ... فردت ملك بمشاكسة
( تعالي لتري شقيقتكِ التي تلبستها روح سيدة الاعمال منذ أن تمت خطبتها من السيد كريم المدلل ذو البشرة الناعمة )
( ملك توقفي عن ذلك )
هتفت بها صِبا بحزمٍ مصطنع قبل أن تلتفت إلى مريم و تسألها
( أين أمي؟ )
( ها قد أتيت .... كنت أعد لكِ مشروبكِ الخاص حبيبتي .... أعلم أنكِ لا تبدئين يومكِ بدونه )
قالتها جيهان و هي تتجه لتشاركهم الإفطار .... شكرتها صِبا و تناولت منها الكوب لتنظر لها بإشفاق .... ما زالت ترتدي الأسود .... حزنها لا يزال ساكنًا في عينيها منذ وفاته رغم محولاتها لإظهار العكس ... تنهدت صِبا بحزن
" مازلتِ وفية له يا أمي رغم كل شيء .... ليتني أتمكن من العفو مثلما فعلتِ أنتِ "
ظلت صامتة دون أن تنطق بما دار بذهنها ...
و انتبهت على هتاف ملك
( هيا يا صِبا كي لا نتأخر )
فنهضت و هي تسأل مريم
( ألن تأتي معنا؟ ... سأوصلكِ في طريقي إلى الجامعة )
أومأت مريم برأسها لتقف و تتجه مع شقيقتيها نحو الباب .... لتهتف أمها
( أنتِ لم تتناولي شيئًا يا صِبا )
ردت صبا بهدوء
( لا بأس يا أمي .... كريم سيصطحبني لتناول الغذاء بعد العمل .... إلى اللقاء )

====================

كانوا على وشك ركوب السيارة لكن استوقفهم صوت سامر الهادئ بطبعه
( صباح الخير )
التفتت إليه صِبا مبتسمة
( صباح النور سامر ... كيف حالك؟ )
أجابها
( أنا بخير ... كيف حال دروس القيادة؟ ... أرى أنكِ قد بدأتِ في قيادة السيارة بالفعل )
ردت صِبا بفخر
( أجل لقد اجتزت الاختبارات و حصلتُ على رخصتي أيضًا )
ابتسم سامر قائلًا بإعجاب
( طوال عمركِ ماهرة في الحصول على ما تريدين يا ابنة خالي )
منحته صبا ابتسامة مرتبكة متجاهلة نظرته المعجبة ... قاطعت ملك المشهد ما إن هتفت بملل
( هيا يا صِبا سأتأخر على المدرسة )
ليلتفت إليها سامر ببشاشة
( مرحبًا "ملوكة" ... آه كيف حالك يا مريم ... عفوًا لم أنتبه لكما )
غمغت ملك بخفوت
( بالطبع لم تنتبه .... ففي وجود صِبا لا ترى عيناك سواها )
لكزتها صِبا محذرة ... بينما ردت مريم بارتباك
( مرحبًا يا سامر )
ثم ابتعدت لتركب السيارة دون كلمة أخرى ... فتبادلت صِبا و ملك النظرات الغامضة قبل أن تستأذن منه لينطلقوا بالسيارة تاركين سامر خلفهم يتأمل ابتعادهم بشرود ... و حسرة ...

=================

وصلت صِبا إلى مقر عملها ثم نزلت من سيارتها بحماس
( أحسنتِ يا صِبا )
قالتها لنفسها و على شفتيها ابتسامة واثقة ... لقد قادت سيارتها بمهارة ... ربما يبدو الموقف عاديًا بالنسبة لأي شخص ... أما بالنسبة لها فالأمر يختلف ... و أخيرًا بدأت تشعر بالتحرر من عُقد عبد الرحيم مأمون .... لطالما هدم ثقتها بنفسها .... و الآن تشعر ببداية قوتها .. بأنها تستطيع .... حتى و إن كان الامر مجرد نجاحها في قيادة السيارة و التغلب على خوفها ... كانت تسير في الرواق شاردة بأفكارها ... فلم تنتبه لتلك الكتلة المتحركة المهرولة نحوها و التي هتفت بصوت عالٍ جذب الأنظار
( مرحبًا بسيدة المجتمع المخملي )
أجفلت صِبا قليلًا ....ثم ابتسمت قائلة
( يبدو أنني سوف أصبح تسليتكن اليوم ...
ما زلت لم أتخلص من الصداع الذي سببته لي ملك طوال الطريق )
سارت بجوار محدثتها التي أكملت ضاحكة
( لن أسالكِ عن سر هذا التأنق فيبدو أن لديكِ موعدًا غراميًا )
ردت صبا بملل
( لا تبالغي يا نهى إنه مجرد موعد على الغداء )
ابتسمت نهى تقول بخبثٍ
( و هل تُسمين موعد مقابلة ذلك الوسيم خطيبك ذو الملامح الأوروبية و الهيئة الجذابة مجرد موعد عابر ! )
ضحكت صِبا مرددة بدهشة
( هل تغازلين خطيبي أمامي؟ )
- ( و هل أنا وحدي من تغازله؟ ... خطيبك أصبح محط أنظار إناث المدرسة كلهن حتى طاقم عاملات النظافة )
ردت صِبا بجدية مصطنعة و هي تتحرك في إتجاهٍ آخر
( من الجيد أنكِ أخبرتني بذلك حتى أمنعه من المجيء إلى هنا و سحر أنظاركن بوسامته الطاغية )
- ( صِبا لا تمزحي ... إن فعلتِ ذلك لن أسامحكِ .... )
ضحكت صِبا من أسلوب تلك المجنونة نهى التي تُعجب بشخصٍ كل يوم ... نهى هي زميلتها في المركز التي تعمل به .... علاقتهما لا تصل إلى حدود الصداقة المتينة وإنما هي الزمالة المتوطدة بِحُكم العمل في مكانٍ واحد .... و مكان العمل هذا هو مركز تعليمي لرياض الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ....
و التي عملت به صِبا بعد تخرجها و كان بداية استقلالها وقد وجدت نفسها فيه ... رؤيتها للأطفال سعداء تبهجها , أصوات ضحكاتهم تُدخل السرور على قلبِها .... ربما لأنها ترى فيهم طفولة لم تعشها هي أو ربما سعادة حُرمت منها .... كل ما تدركه أنها تجد نفسها في صحبتهم .... حتى أنها رفضت عروض كريم المتكررة بالعمل معه في الشركة متمسكة بعملها في المركز .... دخلت إلى الفصل و قبل أن تبدأ في عملها أتتها رسالة من كريم يخبرها أنه سيتأخر بالاجتماع و طلب منها أن تسبقه إلى المطعم على وعد باللقاء هناك .... أجابته موافقة قبل أن تغلق هاتفها و تنخرط في عملها .

===============

خرجت من الجامعة ترافق زميلاتها ... كانت شاردة عنهم تفكر
" هل أذهب؟ .... هل حُجتي مُقنعة؟ "
( مع مين تتحدثين و أين تريدين الذهاب؟ ... زهرة هل جُننتِ؟ )
انتبهت على هتاف زميلتها الضاحكة فأجابتها مبتسمة
( كنت أفكر في الذهاب إلى أخي أمجد في الشركة )
قالت زميلتها متسائلة بخبث
( اممم ... ذلك الوسيم الذي أوصلكِ إلى الجامعة من قبل؟ )
ردت زهرة و هي تخرج هاتفها
( نعم هو بِعينه ... وتوقفن عن مغازلة أخي فأنا أغار )
وقبل أن تسمع ردهن ابتعدت بالهاتف تتحدث مع أمجد لتخبره بمجيئها والذي تفاجأ من قدومها .... فردت بتلعثم
( لقد أخبرني أبي أنكَ ستحضر اليوم على الغداء ... و فكرت أن آتي لأصطحبك )
عضت على شفتيها بخوف من ألا يقتنع بكذبتها ... و لذلك زفرت بِارتياح عندما أجابها بلطف أنه في إنتظارها ... أغلقت الهاتف
وعادت لزميلاتها المنهمكات في وصف الوسيم أخيها لتقرص إحداهن في وجنتها مرددة بمزاح
( ألم أقل أنني أغااار؟ )
لتنفجر زميلاتها في الضحك قبل أن تودعهم لتركب سيارتها و تطلب من السائق التوجه إلى شركة أمجد .... ثم ابتسمت ابتسامة خبيثة تحدث نفسها
( استمتعوا أنتن بالوسيم أخي و دعوني أهتم
بِوسيمي الخاص )

=====================

وصلت إلى مقر الشركة متحمسة لتتوجه مباشرة إلى الداخل ... وقفت تنظر لنفسها في مرآة المصعد .... تتأمل هيئتها الغير مهندمة ... الغير مهندمة بالمرة !! ..
همست توبخ نفسها
( لقد فقدتِ صوابك حقًا يا زهرة ... أنتِ تُخططين للمجيء إلى هنا منذ ليلة أمس ... كيف غفلتِ عن اختيار زيًا مناسبًا أكثر أنوثة من هذا الـ ... )
عجزت عن إيجاد وصف لهيئتها المزرية ... فزفرت بضيقٍ من غباءها لتردد بحزن في محاولة منها للتحلي ببعض الثقة
( حسنًا ليس بشعًا لهذا الحد .... فقط كوني واثقة من نفسك )
انفتحت أبواب المصعد لتخرج متجهة لهدفها في مكتبه .... لكن الهدف لم يكن في مكتبه ... الهدف هناك أمامها .... بكامل وسامته وحضوره المشرق , بابتسامته وضحكاته العالية والتي تسمعها بوضوح من مكانها .... في ظروفٍ أخرى كانت لِتبتسم ببلاهة لرؤيته كالمعتاد ... ولكن وقوفه مع إحدى الموظفات هو ما أثار حنقها
( حسنًا ها قد اكتمل الوضع يا زهرة .... الأستاذ منشغل الآن بتلك " المائعة " أمامه )
قالتها بنزق لتتطلع بحسرة لتلك الحسناء الفاتنة وهي تحدثه بميوعة و إغراء واضح
( و ما هذا الذي ترتديه تلك الشقراء ! ...
هل نحن في ملهىٰ ليلي أم ماذا ؟! )
غمغمت لنفسها بغضب مبطن بالغيرة ...
وبغض النظر عن ملابس الموظفة الضيقة إلىٰ حد كبير , إلا أنها كانت بالطبع أرقى من بنطال زهرة الجينز و بلوزتها الواصلة إلى ركبتيها تُخفي خلفها جسدها الضئيل ... بينما شعرها معقودًا بإهمال .... كانت واقفة مكانها شاردة كَنُصب تِذكاري في وسط ميدان عام , قبل أن تلمع في رأسها فكرة .... ثم تحركت بسرعة متجهة إلى الحمام ... مرت عدة دقائق لتخرج بعدها مبتسمة بثقة بعد أن فكت عُقدة شعرها لتمشطه بشكلٍ أنيق تاركة إياه حرًا ...
وأدخلت بلوزتها داخل البنطال فبدت بشكلٍ أكثر أنوثة ... وتخلصت من إرهاق وجهها بوضع بعض الزينة التي بالغت بها قليلًا , لكن لا يهم ... المهم أن تبدو جميلة ... سارت بثقة نحو هدفها الذي مازال واقفًا مع تلك الشقراء المائعة و ما إن اقتربت حتىٰ قالت بِرقتها الغير متكلفة
( مرحبًا مروان )
التفت إليها بابتسامة واسعة ليجيبها مُرحبًا
( يا ألف أهلا وسهلاً بزهرتنا الرقيقة ...
لقد أخبرني أمجد بقدومكِ فقلتُ لنفسي أن أستقبلكِ هنا لأنه لم ينتهِ بعد من اجتماعه ... آه نسيت أن أعرفكِ بِغادة ... من أكفأ الموظفات لدينا في الشركة )
قال جملته الأخيرة بنظرات غير بريئة موجهة لغادة فاشتعلت الغيرة في قلب زهرة , لكنها تمكنت من رسم ابتسامة باردة على شفتيها ثم غمغمت من بين أسنانها
( قلتَ لنفسك أن تنتظرني هنا و في نفس الوقت تُغازل الموظفات )
عقد مروان حاجبيه يسألها
( ماذا قُلتِ؟ )
تنحنحت تجيبه بارتباك
( لا شيء ... كنت فقط أتساءل هل سننتظر أمجد في وسط الردهة أم ماذا؟ )
رد مروان بحرج
( بالطبع لا .... تفضلي في مكتبي إلىٰ أن ينتهي من إجتماعه )
تبعته زهرة بصمت ....
و في ركن ليس بِبعيد ... كانت هناك عينين رماديتين , متربصتين لكل حركة لها منذ وصولها ... يقف صاحبها بهالة ضخمة تُميزه ... يراقب -كعادته- تلك الزهرة التي لا تنتبه لوجوده .

=================


حاولت جاهدة التركيز فيما يقوله ... إلا أنها فشلت وقد خانتها عيناها تتأمل ملامحه الوسيمة ... ولمعة خصلاته البُنية المصففة تنعكس في عينيها ببريق يجعلها تبتسم ببلاهة متسائلة إن كان عليه أن يكون وسيمًا هكذا كلما رأته؟ ... بينما كان هو غافلًا عما تفكر بها
و هو يحدثها في موضوعٍ لم تسمع منه كلمة .... كان يتحدث و باستفاضة ... في أي شيء و كل شيء .. كعادته لا ينتهي كلامه ولا تنفد منه المواضيع ... لكن شيئًا من كلامه لم يُعنيها .... تركيزها كله كان مُنصبًا في أنها هنا معه ... رغم صداقته الطويلة بأخيها إلا أنها لم تكن تراه سوىٰ في تلك الإجازات القصيرة التي يعود فيها أمجد بصحبته ...
و بما أنها الاقرب لأمجد فبالتالي كانت تقضي معه أغلب أيام أجازاته ... لتكتشف في تلك الفترة أنها تكن مشاعر خاصة له ... هل تفرح لذلك أم يصيبها الحزن؟ ... فبرغم صداقته القوية بأخيها ... إلا أنها تعلم جيدًا أنه ليس في استقامة أمجد أبدًا ... علاقاته المتعددة مع النساء لا تنتهي , نساء أجمل وأرقى وأكثر أنوثة منها ... أيمكن أن يتركهن جميعًا و ينظر لها هي؟! ...
″ و لم لا؟ ... ما بالك يا زهرة ! ... هل أنتِ منعدمة الثقة لتلك الدرجة؟ ″
( بالطبع لا ! )
( ماذا بكِ زهرة؟! )
أجفلت ما إن سمعَت سؤاله المندهش ...
هل تحدثت بصوتٍ عالِ؟ ... هل سمع أفكراها المجنونة؟
ردت بإرتباك
( ماذا؟ ... أنا لم أقل شيئًا )
رفع مروان حاجبًا مرتابًا وقال بتعجب
( بل قلتِ لا )
(حقًا ؟! ... ربما من كثرة إرهاقي أصابتني الهلوسة )
عضت شفتيها تشتم لسانها دون صوت ....
خاصة بعد تبريرها الأحمق
″ أي هلوسة بالله عليكِ ... ماذا يقول عليكِ الآن؟ .. حمقاء أم ماذا؟! ″
كانت ملامح مروان المتبلدة هي المسيطرة على وجهه ... وهو يراها تخفض عينيها للأسفل و علىٰ وجهها تتوالى إنفعالات حمقاء ... أجلى صوته قليلًا ليناديها بخفوت
( زهرة ... هل أنتِ بخير؟ )
″ الآن فقط أصبحتُ بخير ″
رددها صوت أحمق بداخلها إلا أنها تماسكت وهي ترفع رأسها لتواجه عينيه تتصنع الثقة متناسية ما تفوهت به بحماقة منذ قليل
( نعم أنا بخير ... ماذا كنت تقول؟ )
كان علىٰ وشك إعادة كلامه لكن قاطعه دخول أمجد إلى المكتب ...
تقدمت زهرة نحوه بابتسامة مبتهجة ,
فمد أمجد يده ليصافحها إلا أنها اندفعت إليه تعانقه بعفوية .... أحاطها بذراعيه مبتسمًا بخفة وهو يسمعها تردد كم إشتاقت إليه
وتعاتبه على غيابه الطويل عن المنزل ... ابتعدت عنه ليردد بمرح لا يظهر إلا نادرًا
( اشتقت إليكِ يا عفريتة )
عبست زهرة لتقول معاتبة
( إن كنت حقًا قد اشتقت لي فلم لم تأتِ إلىٰ المنزل منذ فترة؟ )
رد أمجد بحنان
( كنت منشغلاً جدًا في العمل ... وها قد رأيتِ ما إن تفرغت حتىٰ رتبت لزيارة إلىٰ المنزل )
هتفت بغيظ
( لا تتحجج بالعمل يا أمجد ... ثم أي زيارة تلك التي رتبت لها؟ ... لقد أخبرني أبي أنه سيتصل بكَ لتأتي ما دُمت أنت لا تريد المجيء من تلقاء نفسك )
قالتها زهرة مستاءة ... فتنهد أمجد بأسف ...
هو لا يريدها أن تعتقد أنه يقصد الابتعاد عنها .... لكن كيف له أن يوضح لها الأمر ... لقد حاول التأقلم ... منذ عودته من السفر
و هو يحاول تنفيذ ما وعد والدته به .. لكن الأمر ليس سهلًا ... ليس سهلاً أبدًا ...
إنه ماضٍ بأكمله ... ماضٍ يكبله بأغلالٍ تؤلمه فلا هو بِقادر على التحرر منه و لا هو بقادرٍ علىٰ التأقلم معه ... لكنها هي زهرة لا تفهم ...
هو يريد الاقتراب و نسيان الماضي ,لكن كيف؟ ... كيف له أن يعود لحياةٍ ليست له ... لوطنٍ ليس له فيه مكان ... فهل من حلول؟ سوى أن يعيش كلاجئ ... يتنقل بين أمواج الحاضر و الماضي , تتقاذفه إلىٰ آلامها تارة
و إلىٰ آمالها تارة أخرى ... لحِين ترسو به , فإما الاصدام بصخور الماضي المؤلمة أو الرِسو على شاطئ المستقبل الآمن ...
انتبه على صوت زهرة المتأفف
( هل ستظل شاردًا هكذا طويلًا؟ .... سنتأخر على الغداء ... و الجميع هناك في انتظارنا )
تمالك أمجد نفسه ليهز رأسه مبتسمًا لها
ابتسامة باهتة لم تصل لعينيه .... قبل أن ينتبه لوجود مروان الذى كان يحدق به بإدراكٍ لما يدور بداخله من صراعات .... هز مروان رأسه مبتسمًا في مواساة صامتة التقطها أمجد فبادله النظر بصمت ... إلى أن صدح صوت زهرة مرة أخرى بإنفعال متعجب
( ما كل تلك الابتسامات؟ ... هل تتعرفان على بعضكما من جديد أم ماذا !! ... هيا يا أمجد سنتأخر )
خاطبها أمجد ضاحكًا
(حسنًا حسنًا ... توقفي عن التذمر )
ثم توجه بحديثه يخاطب مروان
( وأنت , اترك سيارتك هنا ... ستأتي معنا للغداء )
تقدم مروان نحوهما متحدثًا بمرح
( أنتَ تعلم بالطبع أنني لا أستطيع أن أفوت دعوة كهذه .... لكنه غداء عائلي علىٰ شرفك
وأنا بصراحة لا أحب أن يخطف أحد مني الأضواء )
ضربه أمجد بخفة في كتفه مرددًا بمرح مماثل
( لا تقلق ... الأضواء كلها لكَ فأنا متنازل عنها )
انصرفوا من الشركة ضاحكين لمزاح مروان المرِح ... و في داخله كان أمجد لا يزال متوجسًا من ذلك الغداء العائلي .

================

أنهت صبا عملها لتتجه إلى خارج المبنى .. استقرت في سيارتها لتنطلق بها مسرعة ... لقد استطاعت الإفلات بأعجوبة من ثرثرة نهى
و تحدثها بحالمية عن خطيبها الثري الذي تحلم به جميع الفتيات ...
ضحكت مرددة لنفسها
( يبدو أنني لم أفكر جيدًا في مدى جاذبيتك تلك يا خطيبي العزيز )
لم تكد تكمل جُملتها حتى صدح رنين هاتفها ... التقطته لترى اسم المتصل قبل أن تجيب مبتسمة بمرح
( مرحبًا بقارئ أفكاري )
وصلها صوته يقول بتملق
( هل كنتِ تفكرين بي؟ ... يبدو أن إحداهن تشتاق لي بشدة و هذا يشعرني بالإطراء )
ضحكت صِبا بمرح متجاهلة تلميحه بأنها اشتاقت له ... منذ خطبتهما و هو لا يتوقف عن محاولاته في توطيد العلاقة بينهما ...
و هي لا تنكر أنها بدأت تعتاد على وجوده اليومي في حياتها ومزاحه وتلميحاته التي لا تتوقف ... لكنها تدرك جيدًا أن الأمر بينهما لم يصل للحب , على الأقل من ناحيتها هي .. أما من ناحيته , فبصراحة هو لا يترك فرصة إلا و استغلها لإبداء مشاعره ... انتبهت من شرودها لتتذكر أنه مازال معها على الهاتف ...
تنحنحت تقول بحذر
( كريم .. هل ما زلت هنا؟ )
ليأتيها صوته قائلاً بهدوء
( أجل .. كنت أستمع إلى أفكاركِ )
عقدت حاجبيها تسأله بتوتر
( أي أفكار؟ ... هل تحدثتُ بصوتٍ عالٍ؟ )
أجابها ببساطة
( لا تحتاجين لرفع صوت أفكاركِ , فأنا يمكنني الاستماع لها جيدًا )
زادت ملامحها عبوسًا و هي تسأله بتوجس
(حقًا؟ ... و ماذا سمعت إذًا؟ )
أجابها بصوتٍ ممطوط
( أنكِ اشتقتِ لي مثلًا؟ )
أطلقت زفرة مرتاحة قبل أن ترد بفظاظة
( و هل سأشتاق إليكَ وأنا أتحدث معك على الهاتف و في طريقي لأقابلك .... ما هذا الغرور؟ )
ارتفعت ضحكاته لتبادله إياها قبل أن تنتبه إلى السيارة التي ظهرت أمامها فجأة ... شهقت صبا بعنفٍ لتضرب بقدمها على مكابح سيارتها ... إلا أنها كانت قد اقتربت من السيارة الآخرى بما يكفي لجعلها ترتطم بسيارتها في الجزء الأمامي من السيارة المقابلة ... ليسقط الهاتف من يدها ... و كان آخر ما سمعته هو صوت كريم الذي هتف بقلق
( صِبا .. ماذا حدث؟! )



انتهى الفصل


يتبع ...



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 14-10-21 الساعة 11:18 PM
شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 14-10-21, 11:42 PM   #8

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهوةفرحة مشاهدة المشاركة
هل ننتظر البقية ام ننصرف
تم تنزيل الفصل الثاني


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 14-10-21, 11:44 PM   #9

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة walaa sham مشاهدة المشاركة
حلووووو😍😍😍😍😍😍😍😍
شكرًا ❤️
تم تنزيل الفصل الثاني


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 15-10-21, 12:03 AM   #10

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ebti مشاهدة المشاركة
صباح الفل والياسمين... هل يوجد سبب لتكرار تنزيل الفصل الأول ؟...
بعتذر عن الخطأ.. سيتم إزالة المكرر


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:05 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.