آخر 10 مشاركات
شـقّ الـغَـمـام (الكاتـب : مدامع حزينة - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          263 - بيني وبينك - لوسي غوردون (الكاتـب : PEPOO - )           »          ندبات الشيطان- قلوب شرقية(102)-للكاتبة::سارة عاصم*مميزة*كاملة&الرابط (الكاتـب : *سارة عاصم* - )           »          17- غدا يعود الماضي - فيوليت وينسبير (الكاتـب : فرح - )           »          بين قلبين (24) للكاتبة المميزة: ضي الشمس *مميزة & مكتملة* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          ألـمــــاســة الفــــؤاد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          309- من يحب.. يخسر! - كيم لورنس - (تصوير جديد) (الكاتـب : Gege86 - )           »          زهرة النار -قلوب أحلام زائرة- لدرة القلم: زهرة سوداء (سوسن رضوان) *كاملة* (الكاتـب : زهرة سوداء - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو تقييمك لمستوى الرواية ؟
جيد جداً 83 89.25%
جيد 10 10.75%
سيء 0 0%
المصوتون: 93. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree9581Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-10-21, 12:24 AM   #1

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,255
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
Rewitysmile8 لاجئ في سمائها...


{{..لاجــــــــ في سمائها ــــــــئ..}}













السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

*بدايةً أشكر منتدى روايتي الذي أتاح لي نشر ما خطت يداي على أمل أن تنال اعجابكم*

هذه تجربتي الأولى لكتابة رواية وربما ستكون الوحيدة...لم أكن سابقاً من زمرة القراء لكن من فترة لا بأس بها اتخذت هذه الخطوة وبدأت أغوص في هذا العالم الجميل الراقي... مما جعلني أشعر أن بإمكاني التجربة حتى لو بقيت كلماتي أسيرة لمسودة متروكة على الرف...نبتت الفكرة منذ سنة وسببها ما يعانيه عالمنا العربي من ضياع وشتات وهجرة ,فاردت رسم حُلم ,ألونه ببسمة أمل ولمسة حب.
ترددت كثيرا في نشرها لبساطتها وفي النهاية قررت المجازفة...!!!

أرجو أن تتجاوزوا عن أخطائي النحوية او الاملائية وأرجو أن تنال استحسانكم فأنا لست بكاتبة محترفة وكلماتي بسيطة جدا في التعبير...فما زلت أتعلم منكم وأتمنى أن تفيدوني بنقدكم البنّاء لأتقدم....
وأعتذر سلفاً ان اضعت وقتكم بما لا يرقى لعقولكم....

!!==توضيح==!!

1-الرواية هي خليط من درامي واجتماعي ورومانسي

2-هي على لسان البطل وكأنها على دفتر يوميات يروي لنا الأحداث باللغة الفصحى (سرد وحوار)

3- هي بجزء واحد لكن يوجد قفزات في الزمن فالفصول الأولى (الاول-الخامس) مرحلة الطفولة وما بعدها مرحلة الشباب والخاتمة فقط قصيرة وستكون بإذن الله مرحلة التقدم في العمر

4- الرواية كاملة من وحي الخيال ولا تمت للواقع او لأي شخص بصلة وان كان تشابه بالأسماء فهو عن طريق الصدفة

5- الرواية لا تتحدث عن بلد معين اطلاقاً ولخيالكم القرار فسيكون تعريف الأماكن بـ " بلاد الأم او الوطن" و"تلك البلاد او خارج البلاد"

6-ربما تجدون موقف مستوحى من تقارير عن معاناة اللاجئين لكنني غيرته بطريقتي!!

7-لم اقرأ رواية تتحدث عن اللاجئين والحرب عند كتابتي لها فاذا وجد تشابه بالفكرة سيكون أيضا صدفة وتداعي أفكار

(*الاهداء*)
الى كل بلدٍ عاشت حرباً
الى كل رجل هُدمَ له بيتاً
الى كل روحٍ زُهِقت غدراً
الى كل أم ذرفت الدمع قهراً
الى كل طفلٍ عانى تشرداً ويُتماً
الى كل امرأة ترملت جوراً وظلماً
الى كل شخصٍ ترك وطنه مُرغماً
صبراً أيها اللاجئ فإن بعد العسرِ يسراً


** المقدمة **

حرب ...خيانة...موت...هجرة ...ضياع...انهيار...حب...قوة...سي? ?رة...استقرار...أمان

"احترس يا صديقي"

"تحملي يا اختي"

"هيا أطلق الآن"

"إدفعي بقوة"

آااه......آااه

بين آهٍ وآه موت أو حياة!!
***
* هل الحضن الدافئ لا يُنسى وكان كفيل ليشعرها بالآمان ويغنيها عن ثروة بأكملها؟!

* يهاجر ليلجأ الى بلدٍ تحميه من غدر أبناء وطنه...

* كان يظن أن اللجوء هو فقط خيمة او مأوى وسيتركه يوماً ما ليعود الى بلاده وبيته...لكنه غرق بلجوءٍ آخر، فأينما ذهب ومهما حاول الاستقرار بقي يحمل اسم لاجئ ....لأنه.....لاجئ في سماءها

ومن بحر الألم إلى شاطئ الأمل حكاية لجوء...



ملاحظاتي :
*لم انجح في رفع صور الابطال والغلاف وارجو المساعدة من الاشراف

* الرواية ليست حصرية لمنتدى روايتي

* سأقوم بتنزيل الفصل الأول الآن وبعدها في كل يوم جمعة سأنزل فصل الساعة الثانية عشر من منتصف الليل بتوقيت السعودية باذن الله....


ارجو ان لا تلهيكم عن الصلاة في وقتها وذكر الله

***********




روابط الفصول


المقدمة .. اعلاه
الفصل الاول.. في المشاركة التالية
الفصل الثاني.. اسفل الصفحة

الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس ج1
الفصل الخامس ج2
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون ج1
الفصل الثاني والعشرون ج2
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
تتمة الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الثامن والثلاثون ج1
الثامن والثلاثون ج2
الفصل التاسع والثلاثون ج1
الفصل التاسع والثلاثون ج2













التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 25-03-24 الساعة 09:10 AM
ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-21, 12:44 AM   #2

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,255
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الأول((أصبحت رجلاً))

في ليلة من ليالي الشتاء الباردة ومع سماع دويّ الانفجارات القادمة من كل الاتجاهات التي تفرضها الحرب اللعينة , يصدح صوت القران من بيتنا الجبليّ الكبير الدافئ الذي يملأه الحب والأمان , وفي غرفتها الواسعة بزرابيّ خمريّة تغطي أرضها الرخامية تستلقي على فراشها الوثير متململة ....تحرك رأسها بقوةٍ على جانبيها متألمة, تتأوه, تستغيث أمي (عائشة) وهي منتظرة قدوم مولودها....
تمسك بيدها خالتي ( مريم ) وبالأخرى جدتي والدة أبي لتهدئتها من أوجاعها وصرخاتها....
ومن خلف الباب الخشبيّ الضخم المرصّع بنقوشاتٍ نحاسية الذي كان بمثابة درعٌ واهنٌ لم يمنع أسهم الصرخات من اختراق آذاننا أنا وشقيقتي المدللة ( دنيا) إبنة الثماني سنوات....نرتقب الحدث بقلق, احتضنها وأمسّد على شعرها الترابيّ الناعم لأخفف من بكائها وخوفها على والدتنا ...أمسك كتيّب للأدعية اقرأ منه راجيّاً من الله السلامة لها وللصغير....
وكذلك الخدم , جميعنا في حالة بلبلة...
مضت ساعات شاقّة وأمي لم تُنجب بعد....

~~~~~~~~~~~~~~

على الجهة المقابلة بعيداً عنّا قرب الحدود...غيوم سوداء كثيفة اثرَ الدخان المتصاعد الذي يتخلله زخات من الرصاص ...يتواجد مجموعة من الثوار الأحرار الذين تعاهدوا أمام الله أن يكونوا حماة للوطن والدين حتى آخر قطرة دم في أجسادهم ...اجتمعوا لنصرة الحق بقيادة والدي (محيي الدين الشامي) فإما النصر أو الموت في سبيله....

{ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ }

اسمهُ لمعَ في عالم الثوار , فارسٌ زعزعَ الأعداء وفضّ مضاجعهم بدهائه الحربيّ....حيثُ يمرُ يقف له الناس إحتراماً من هيبته التي لم يسمح قط للغرور بالمرور جانبها, انما زيّنها بتواضعه وأخلاقه والتزامه في دينه....
يعطي تعليماته لأصدقائه في كتيبته بدقةٍ واحترافية.....

-" احترِس يا صديقي...

استعِد....

هيا اطلق الان...."

طلقة من هنا قابلتها طلقات من هناك لتصيبَ صديقه (زياد) في بطنه...

"آاااه...آااه..."

اندفع أبي نحوه بأنفاس لاهثةٍ وجبينٍ يتصبب عرقاً...يسحب جسده الغارق بالدماء على التراب حتى وصل الى العشب الكثيف يواريه من انظارهم ...يخبئه بحذر وينتظر وقف إطلاق النار ثم همس له:

" تمالك يا صديقي أرجوك.."


" آااه...يؤلمني..."


مرّت دقائق قليلة حتى اختفى ضجيج الأسلحة فحمله على ظهره ودماؤه تسيل , يحاول الركض علّه يسعفه قبل فوات الأوان....
قطع مسافة لا بأس بها وهو يتجه صوْب المشفى الميداني خاصتهم....
حاول اختصار الطريق قدر الإمكان ....
رَغم برودة الطقس والهواء الذي يلفحهم إلا أن حبيبات العرق لزمته من شدة قلقه عليه وهو يسمع انّاته التي تعتصر قلبه....
إعتاد على هذه المناظر والمواقف خلال خوض معاركه...لكن عندما نرى الموت يقترب ليختطف المقربين منا تنهار حصوننا ...فها هو أحد أصدقائه المخلصين الداعمين لمسيرته يشارف على فقد حياته....

أسرع في خطاه عندما لمح دنوهِ من مقرهم العسكري....
دقات قلبه تزداد ...رئتيه تنتفخ تضغط على صدره...لكن لا مناص وهو مصمم على إنقاذه حتى لو لفظ بِنَفْسِهِ أنفاسه الأخيرة...كيف سيترك رفيق دربه وهو من آزره بأصعب أيامه ؟؟!!...


" آااه لا أتحمل سوف أموت...."


زاد بخطواته يصارع الدقائق التي تفصل صديقه عن موت محقق ...وقع جهاز اتصالاته غير مكترث له ...يجري ويجري ليتعثر بعدها بحفرةٍ صغيرةٍ غادرةٍ لم يبصرها والظلام دامس فالقمر تحجبه السحب المدججة بالأمطار المدمجة بالدخان ليقعا معاً وتعلو صرخات (زياد) تخترق فؤاد أبي قبل أذنيه....
دنا منه زاحفاً مع أن طاقته نفذت...وأنفاسه قُطِعت ...حلقه جف...يشعر بالإعياء الشديد بعد استنزاف قوته...ليبثّ السكينة له :


" بقِيَ القليل ونصل المقر...ستعيش بإذن الله..."


شخص بصره للسماء المظلمة وابتلع ريقه بصعوبةٍ ...وضع يده على صدره الذي خفّت حركته تدريجيّا ...
فمدّ له ذراعه يفكّ الوشاح المُلَثِّم وجهه يكشفه ليتفقده...وجاهد لكتم عبراته أمامه لئلا يضعفه ويجعله يستسلم لحتفه...

فاضت الدماء بعد أن وجدت طريقها للخروج من فمه ليلفظ كلماته بشقِّ الأنفس:

" إذهب ...أنت ...يا...يا صديقي...واتركني ...فـ فـ فـالوطن يحتاجك...آاه"


ضغط على شفتيه يوقف ارتجافها وابتلع ريقه هامسا بنبرة مخنوقة:

"مستحيل لن أتركك..."


" آااه...أشـ هدُ أن لا إله إلا ...إلا الله..."

هي آخر آه حملتها روحه عبرت حلقومه يستقبل بها الموت....

~~~~~~~~~~~~~~~~

أمّا في بيتنا بين آهات أمي يظهر القلق والارتباك على خالتي وجدتي التي تدعو بخفوت:

" يارب هوّن على عائشة وأعِد إلينا محيي الدين سالماً.."

تحمل خالتي (مريم) منديلاً تمسح به جبهة أمي الغارقة بقطرات الماء وتهمس لها تدعمها :

" تحملي يا أختي وقولي يا رب..."

تشدّ بقبضتها على يد أختها ...تقلصات بطنها كطعنات تغرز بها...لا تستطيع السيطرة على حركتها ...تحاول كتمان صرخاتها...من يخفف عنها ويريحها ؟! تستمع لتوجيهاتها دون ان تقدر على تطبيقها ليخرج من رحمها ...تغمض عينيها وتعض شفتها السفلى ...داخل صدرها بالون ينتفخ يضغط على أنفاسها...جدتي تتمتم بآيات تسكنها ...لا أحد يشعر بما تواجه في معركتها ...تحاول وتحاول ولكن لا ألم يوازي آلام المخاض....


القابلة من تحت الغطاء تتفقد وضعها ...توجهها وتطلب منها بعناء:

" ادفعي بقوةٍ أكبر...لم يتبقى إلا القليل..."


" آااه يااا رب...."


خرجت هذه الآه وجاءت روح إلى الحياة ...

تبسمت القابلة تزفر أنفاسها وتمسح جبينها بظهر كفّ يدها بعد الجهد الذي بذلته وتنهدت قائلة وهي تحمله تلفه بالقماش القطني الأبيض وتنظفه:

" ها قد أتى وليّ عهدٍ آخر ...الحمد لله على سلامتكما"


" هل هو بخير؟!"

سألتها أمي بصوتٍ متعبٍ لتطمئن على صغيرها غير آبهة بوضعها...


" نعم بخير وإنه كالبدرِ في ليلته الرابعة عشر"


هتفت بعدها جدتي والسعادة تغمرها متناسية تعب اليوم والليلة:

" حمداً لله...جعله الله من الصالحين"


كنتُ في الخارج أحملُ شقيقتي (دنيا) وأدور بها مبتهجاً بعد سماعي بكاء الصغير وتمتمات الفرح المنتشرة في الداخل...
دلفتُ إلى الغرفة أهنئ أمي بسلامتها ثم طلبتُ منها تسميته.
ومع أن تقاسيم وجهها شاحبة، مرهقة، يغزوها التعب إلا انها رسمت بسمتها بحنوٍّ لطلبي هامسة:

"سَمِّهِ يا (هادي) وأذّن في أذنهِ...."


لم أصدق نفسي...دنوتُ من القابلة أحملُ أخي بحذر بين ذراعيّ أتأمله واستنشق رائحته ...كم حجمه ضئيل هذا المخلوق ويا لها من سعادة هذه أول مسؤولية أتولّاها بمفردي...أحسستُ وكأنني رجلٌ بالغٌ كبيرٌ وأنا لم أتجاوز الخمسة عشر عاماً....
أحنيتُ رأسي بقرب أذنه وبدأت بترديد الآذان سائلاً الله تعالى أن يقرّ أعين والديّ به...

بعد عَوْمي في شعور الرجولة هتفت متحمساً:

"شادي...سأسميه(شادي) لأنه يشدو ببكائهِ في أنحاء البيت..."

صمتُّ برهةٍ وأردفتُ باعتزاز مازحاً:

"هادي وشادي ...ثنائي عظيم"

ضحكت أمي وتَبعنها جدتي وخالتي وكذلك القابلة التي أطرأتني بكلماتها:

" حماك الله يا سيد هادي...إنك تمتلك صوتٌ شجيٌّ جميل"

أضافت خالتي:

"إنه حافظ لكتاب الله مع إتقان تجويده...لقد ورث عن والده حُسنَ الصوت والشكل"

تحفّزت جدتي وقالت:

" وكذلك شجاعته وذكاءه ودماثة أخلاقه...ليحفظهما الله"

إكتسى وجهي بالحمرةِ خجلاً من هذا المديح رَغم معرفتي بذلك...فأنا نسخة مصغرة عنه في الشكل ...طويل وعريض المنكبين ببشرةٍ قمحيةٍ...أملك شعراً أسوداً ناعماً وعيناي بلون الأرض الترابية المضاءة بأشعة الشمس... واسعة , تكحّلها رموشي السوداء الكثيفة...وبالطبع ما زلت في مرحلةِ نموٍ ونضوج....
علمني أبي على الشجاعة والثقة بالنفس ودائما كان يحاول غرز مكارم الاخلاق بي وأدخلني حلقات القرآن....

ساعات عشناها كانت خليط من التوتر والسعادة بقدومِ صغيرنا(شادي)...

مع دقات الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عمَّ الهدوء في الخارج لِيُسمع فقط صوت قطرات متفرقة من المطر تلامس الأشجار والأسطح....


" الحمد لله ...اللهم اجعله صيباً نافعاً وهدوء خير للجميع "

هذا ما نطقت به أمي.

كنتُ أقف بهذا الوقت على شرفةٍ مغلقةٍ بالزجاج... أغوص متأملاً تلألؤ حبات الماء من انعكاس نور المصابيح الخارجية بمنظرٍ أعشقه....

فجأةً انقبض قلبي لينطق لساني:

"يارب لطفك ورحمتك التي وسعت كل شيء"

توجهتُ بعدها إلى غرفة المعيشة الخاصة بالعائلة وأشعلتُ التلفاز لأتابع آخر أخبار الحرب على الحدود...الحمد لله لقد توقف تبادل إطلاق النار...أغلقته مطمئناً وذهبت إلى غرفتي لأخلدَ للنوم بعد يومٍ وليلةٍ مُرهقتين...

~~~~~~~~~~~~~

في مدينة أخرى جانبية تبعد عن الحدود كيلومترات قليلة...
وتحديداً في مرآب شركته الفخمة حيث غرفة التجمع السرية، يلقي هاتفه عاصفا بمن امامه دون تصديق صارخاً:

"كيف؟! كيف؟!...هلّا أخبرتماني؟!"


ابتلع أحدهما ريقه يتحاشى نظرات الثائر مقابلاً له وأجاب بصوتٍ أجش:

" لا نعلم سيد (سليم)...هذا ما وَصَلَنا حاليّاً"


وثبَ من مكانه كأسدٍ هائجٍ وأشار بسبابتهِ هاتفاً بصرامة:

" لا اريد رؤية وجهيكما قبل أن تأتياني بخبرٍ مؤكد!!"


ألقيا التحية وانصرفا بعجلةٍ تفاديّاً من إعصاره....

~~~~~~~~~~~~~

قصرٌ كبيرٌ بطلائه الأبيض ونوافذه المأخوذة من الطراز المغربي في العاصمة التي لا تفرّق ليلها عن نهارها بأنوارها الصاخبة وحركة شوارعها الحيّة...يجلس على كرسيه الجلديّ الفاخر في مكتبه المؤثّث بأفخم المتاع الذي سلب ثمنه من خزائن الدولة...يسند رأسه للخلف ..يمسك هاتفه مقهقهاً يجري مكالمة لبلادٍ خارجيّة يبشّره بآخر المستجدات:

"لقد تمّ الأمر بنجاح صهري...نريد الحلوان"

أنهى محادثته بعد دقائق زافراً أنفاس ألنصر هامساً لنفسه بصوته الغليظ:
"وأخيراً سننعَم بالاستقرار..."

~~~~~~~~~~~~~

خارج الوطن في بلادٍ يفصلها عنا أميال وأميال من مياه البحر، مدينة كبيرة تجمع أناس من شتّى بقاع الأرض ...لوهلةٍ تظنّها العاصمة من كثرة الإقبال عليها وأهميتها الاقتصادية الحيوية لهذه الدولة لوقوعها على البحر...يتطرفها مخيمات للاجئين من مختلف الجنسيات ...منهم من طُرِد ومنهم من هرَبَ للنجاة من الاعتداءات الغاشمة على بلدانهم ومساكنهم...
يتوسط هذه المدينة أحياء خاصة للأغنياء مكتظة بالقصور والبيوت الحديثة...ومن بينهم قصرٌ ضخمٌ بطابعه الهندي، محاط بالأسوار الشاهقة المزروعة بآلات المراقبة الأمنية.
أَسواره الغرور...أساسه الخيانة....جدرانه النفاق.. طلاؤه دماء الأبرياء....
يقطنه وزير سابق لبلادنا يدعى (عاصي رضا) الذي استقرّ به منذ ثمانية أعوام بعد أن رحل من موطنه...
قصره أشبه ببيتِ العنكبوت...هشّ، ضعيف، برباطٍ غير متين

{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ}

يعيش معه ابنته الوحيدة المدللة (ألمى) ذات الثمانية أعوام وزوجته الثانية (سوزي) معها ابنها (كرم) ذو العشرة أعوام من زوجها الأول، والسيدة(فاتن)شقيقة زوجته الأولى المتوفاة منذ خمس سنوات.

تتفتل في القصر بخفةٍ كالفراشة... تتدلل على خالتها تارةً والمربيّة تارةً أخرى...فغداً عطلة نهاية الأسبوع ويمكنها فعل ما تشاء...

" خالتي...خالتي...ألن تشاهدي معي كرتون(سالي)؟!"

هتفت (ألمى) بصوتها العذب الطفولي...

فردت عليها خالتها (فاتن)بنبرة استياء مصطنعة:

"اوه صغيرتي...لو علمت أنك ستلتصقين بي كالعلقة لأشاهده معك يومياً لما أخبرتك بذلك."

عبست بدلال لتستعطف خالتها وهمست بمكر:

" يكفي أن أبي لم يوافق على تسميتي باسمها مثلما أرادت أمي...على الأقل لأستمتع بمشاهدته...لا أدري من أين حصل على اسمي هذا؟!"

ضحكت المربية وقالت بحنان:

"اسمك جميل بنيتي ومعناه رائع...فأنتِ فعلاً أتيتِ كالروح لهذا البيت"

قطبت حاجبيها وزمّت شفتيها بامتعاض وقالت:

" ما فائدته إذا كان معناه (الروح) وهو ليس باسمٍ عربيٍّ؟!...نحن لسنا إسبان ليسميني به."

تبسمت خالتها وأردفت:

" توعّك والدك يوماً وهو في إسبانيا ورقد أياماً بالمشفى وأشرفت على علاجه طبيبة تدعى ألمى وكانت والدتك حاملاً بكِ فوعدها بتسمية ابنته باسمها امتناناً لها."

تأففت ثم سرعان ما تحوّلت ملامحها للمرح...فهي هكذا لا تستطيع العبوس أكثر ...هذا ليس من طبعها ...قلبها نقيّ مسامح ...رغم ما عانته وتعانيه....

اقتربت من خالتها تمسك يدها تهمس برجاء:

"هيا خالتي أرجوك لنشاهده معاً"

هزّت رأسها محوقلة بهمسات دافئة مبتسمة وقامت من مكانها تضع القرص المدمج في الجهاز، منصاعة لصغيرتها لتشاهد مسلسلها المفضل للمرة المئة بعد الألف من وقت معرفتها أنّ أمها كانت ستسميها بـ (سالي) لشدة الشبه بينهما...
أطفأن النور في غرفة الجلسات العائلية ثلاثتهن ليبدأ العرض على الشاشة بعد أن شرّطت عليها لتكون حلقة واحدة فقط لأن الوقت قاربَ على منتصف الليل....
×
×
×
تململت في فراشها وفتحت عيناها النجلاء تتمطّى بنعومةٍ في صباح عطلتها وفجأة تذكرت وعد أبيها لها باصطحابها إلى مدينة الألعاب في هذا اليوم....
فزّت بسرعةٍ تدخل الحمام تغسّل وجهها وتنظف أسنانها ثمّ بدّلت منامتها لملابس الخروج...اعتادت على الاهتمام بنفسها وكأنّها فتاة بالغة رغمَ براءتها وصغر سنّها...حملت مشطها وركضت متجهة لغرفة خالتها لتسرّح لها شعرها الذي لا تستطيع هي جمعهُ بنفسها من طوله وكثافته.... وما إن انتهت من تسريحه اندفعت خارجة على صوت من تركتها خلفها مبتسمة لتصرفاتها:

" هيــه ألمى خذي مشطك..."


"لاحقاً خالتي لاحقاً"


نظرت للمشط بيدها وتمتمت بقلقٍ على ابنة شقيقتها:

" آه إلى أين ستصلين باندفاعك هذا عزيزتي؟!"


هبطت درجات السلّم برشاقتها متجهة إلى مكتبه في الأسفل وفتحت الباب تطلّ برأسها إلى الداخل تهتف بدلال:

"صباح الخير يا أجمل...."

اخفضت عينيها دون أن تكمل جملتها عندما رأت كرسيه فارغاً ولا أثر لحقيبته...عادت أدراجها تنكس رأسها بحزنٍ بعد أن اختفى حماسها... تخطو ببطء...تنظر إلى نقشات الأرض الرخاميّة الذهبيّة شاردة ...تريد إجابات لأسئلتها المبعثرة في دماغها...لِمَ دائماً العمل في سلّم أولوياته؟! لِمَ يعتقد أن الهدايا تسدّ عن غيابه؟! لِمَ هي كالغصن المقطوع من شجرة لا أقارب لها ولا أصدقاء ولا أخوة؟!...حتى زميلاتها لا يسمح بتبادل الزيارات بينهن...لِمَ ولِمَ ولا إجابات!!!

رفعت رأسها تسترق السمع بعد أن قطع تساؤلاتها صوت يأتي من الخارج في حديقة القصر...

خرجت بحذر تمسك فستانها كي لا يلامس الأرض ...وقع نظرها على ابنتيّ احدى العاملات في القصر تلهوان سويّاً...تفتحت أساريرها مبتهجة وانطلقت نحوهما كأنهما سقطتا من السماء هذه اللحظة لتجد من تلعب معه!!
جحظت أعينهما وهي تقترب منهما من فخامة لباسها مثل أميرة من أميرات ديزني الخاصة بأفلام الكرتون، فهمست برقةٍ تليق بجمالها وأناقتها:

" هل تسمحان لي باللعب معكما؟"

حدّجتا بها باستغراب...يا الله كيف لهذه الأميرة أن تكون بهذا التواضع ؟ لا وبل تستأذن منهما وهي سيدة القصر...لم تُمهلانها طويلاً فردّتا معاً:

"بالتأكيد"

تبادلن الأسماء وأخذن باللعبِ بسرور ومضى وقت لا بأس به حتى قتلت هذه اللحظات السعيدة من تقف تضع يدها على خصرها كالساحرة الشريرة في الحكايات ترميها بنظرات شزراً صارخة:

"ألمـــــــى...ماذا تفعلين هنا مع الخادمات؟!"


ابتلعت ريقها وأجابت بصوتٍ مرتبك هادئ:

"ألعب معهما خالة سوزي"


"من سمح لك بذلك؟! أنسيتِ أنك ابنة عاصي رضا ؟!"


صُهِرَ قلبيهما بعد أن رمتهما بحممٍ بركانية بتنمرٍ وعنصرية وولّتا مدبرتان إلى والدتهما، أمّا (ألمى) التي اشتعلت غيظاً من زوجة أبيها هتفت بقوةٍ لا تدرك من أين أتتها او ربما كرهها للظلم واحتياجها للأصدقاء ألهمها على ذلك:

" غنى وجنى صديقتاي في القصر وسألعب معهما"


" لا أصدقاء لكِ...أدخلي العبي في غرفتك"


صرخت بعناد:

"كلا...أريد أن العب معهما"


انقضّت عليها كالثور المصاب بصرع ...تمسكها من ذراعها وتسحبها بفظاظة إلى الداخل مستغلّة اعتصام خالتها هذه الأوقات في غرفتها وصرخت بها:

"أيتها الوقحة تعاندينني أنا؟!...سأخبر والدك بذلك"


" لا...لا...أنا آسفة...أرجوكِ لا تخبريه."

قالت جملتها تعلن استسلامها لظلم (سوزي) زوجة أبيها الامرأة الخبيثة الحقودة ...فهي متوسطة الجمال الذي معظمه من المساحيق وعمليات التجميل...تغار من (ألمى) لجمالها الذي ورثته عن أمها ولاهتمام (عاصي رضا) بها فإنها خط أحمر لا يسمح لأحد بتجاوزه...تتربع على عرش قلبه...يفعل المستحيل لحمايتها....
كانت تلك تستغل انشغاله بأعماله ...تهددها وتخوّفها مدّعية بأن والدها سيطرد خالتها (فاتن) إذا علم بتصرفاتها هذه معها...

خالتها(فاتن) هي الحضن الدافئ والنور لظلامها هي نقطة ضعفها...كرّست حياتها للاهتمام بشقيقتها ومن ثمّ بابنتها...ليست جميلة الشكل لكن صفاء روحها وتواضعها وحكمتها تترك اثراً جميلاً لكل من خالطها....
لم تخبر ولا تحدّث أحداً بمعاملة زوجة أبيها لها خوفاً من فقدان خالتها...فهي لا تستطيع المجازفة بها لو كلّفها حياتها لأنها هي الأمل بحياتها مع أنها فتاة شفافة صادقة لا تكتم شيئاً في داخلها....
لقد تزوج (عاصي رضا) بعد وفاة زوجته مباشرةً حيث كان يرسم لذلك سابقاً رغم حبه وعشقه للأولى...لكن الجشع فاق كل المعايير، فـ(سوزي) هي ابنة أحد أبرز أصحاب المناصب الكبيرة الذين يخدمون مصالِحه...

دخلت (ألمى) غرفتها مكسورة الخاطر بعد شجارها مع زوجة أبيها وحرمانها من اللحظات التي أسعدتها...تنقمُ على حياتها...تشعرُ أنها انسانة مبرمجة لتعليمات الآخرين...تفكرُ بقريناتها في المدرسة كيف ينعمن بكامل الحرية...لو كان الأمر بيدها لبدّلت ثروتها بصديقةٍ تحبها....
تراكمت الهموم عليها فأجهشت بالبكاء...

طرقات متتالية على الباب حاولت اخفاءها بصمّ أذنيها تحت مخدتها لا تريد رؤية أحد هذه الساعة...فليتركوها وشأنها...ألا يحق لها حتى في غرفتها أخذ حريتها من دون برمجتهم اللعينة؟!...هل تذهب الى المريخ ليرتاحوا منها ؟! ...لكن يبدو من على الباب يصرّ... ولمّا لم يسمع ردّها دفعه مصمماً لإغاظتها وهذا أكثر ما يغذي أنانيته كوالدته الأفعى...
اقترب منها يلوح بيده التي تحمل اللعبة وهتف باستفزاز:

"انظري ماذا جلبت لي أمي"

رفعت عينيها المحتقنة بالدموع تنظر بألمٍ وحزنٍ ليس لأنها تريد لعبة فغرفتها مرصوصة بالألعاب ...بل لشدة احتياجها لحضن يحميها دون تردد لأم تقاتل العالم من أجلها... أشاحت وجهها عنه بكبرياء ...لا تريد أن ينال مبتغاه...امّا هو كان مصرّاً فأردف ساخراً:

" أمي تحبني وتفعل لي ما أريد وترافقني حيثُ أشاء..."

أطلق ضحكاته يحرك حاجبيه باستفزاز وأضاف:

" أما أنتِ والدك مشغول دائماً ولا يهتم بكِ...كنتِ بالأمس تتبجحين علينا بذهابك إلى مدينة الملاهي...مسكينة ألمى..."

حسناً هي لا تستطيع مواجهة والدته الأفعى لكن هذا الغليظ لن يمنعها عنه أحد...حسمت قرارها بعد أن لم تعد تتمالك نفسها وانقضّت على لعبته المتباهي بها وألقتها بعرض الحائط تكسرها...نظر لأشلاء لعبته مصدوماً ونفخ أوداجه ومد ذراعيه يشدّها من شعرها بغلٍّ وهي تحاول عضّه بأسنانها وتغرز أظافرها بيديه صارخة:

" اتركــــني...اتركـــني"



"كـــــــرم!!"

صرخت خالتها به بعد أن دخلت تتفحص مصدر الأصوات بالقرب من غرفتها...حاولت فضّ نزاعهما وأردفت بنبرة حادة:

"ماذا تفعل في غرفتها ؟!...أخرج ولا أريد رؤيتك هنا مرةً أخرى"


تقف بخبثٍ على الباب تشاهد بصمت حتى تختار اللحظة المناسبة لتتدخل ثم صاحت بحقد:

"ابني يدخل أينما يشاء...هذا قصر والدته وأنتِ دخيلة هنا"


"سأترك لك القصر الكئيب لتشبعي به...لقد سئمت منكم"


"خذيني خالتي أرجوكِ...لا أريد البقاء من دونك"

هتفت (ألمى) بتوسل بعد أن سمعت قرار خالتها(فاتن)

خطَت ببطء اتجاهها وابتسامتها لا تفارق مُحيَّاها ...جثت أمامها القرفصاء تضم كفيها الصغيران بقبضتيها وهمست بصوتٍ حنون:

" عزيزتي ألمى هذا بيتك ...أنت تبقين أينما يتواجد والدك"

لمعت عيناها وقالت بعتاب:

"أين هو أبي؟ أنا لا أراه!! يأتي متأخراً ويذهب باكراً...أرجوكِ خذيني"


" أعدك سآتي لزيارتك والمربية (سهيلة) ستهتم بكِ...اطمئني"

اخفضت رأسها الى الأسفل خضوعاً واستسلاماً ورفعت كفها الصغير تمسح دمعة انزلقت من عينها ثم اولتهم ظهرها وارتمت بجسدها النحيل على فراشها تدثر نفسها به وتتمتم بحسرةٍ مخنوقة:

"اذهبي خالتي...أنا اعلم لا أحد يحبني"


"لا يا صغيرتي...أنا احبك ووالدك يحبك وكذلك الخالة سهيلة تحبك ...ألا نكفي؟!"

همست لها برقةٍ ودنت منها تقبّلها وقالت بحماس لتغير مزاجها:

"هيا الحقي بي الى غرفتي سأعطيك شيئاً كنتُ أخبئه لكِ ريثما تكبرين...لكنني قررت اعطاءه لك الآن..."

قفزت (ألمى) متناسية آلامها كعادتها ,خاصة بعد أن غلبها فضولها وهتفت متحمسة:

"ماذا ستعطيني؟"

ابتسمت لبراءتها وأجابت:

" قلت الحقي بي وستعرفين"

ثم سبقتها تمرّ من جانب (سوزي) تخرج من الباب ترمقها باشمئزاز...

~~~~~~~~~~~~~~~

بعد أن أنهى عمله في شركته توجّه مجدداً الى الغرفة السرية بمرآبها ...ينتظر دحض الخبر من رجليّه اللذين لم يعودا منذ البارحة....
رفع هاتفه يجري اتصالاً سريعاً للمقر على الحدود لكن لا إشارة بسبب تشويشات بالخطوط الأرضية بعد ان تعرضت تلك المنطقة لعدة غارات أدت الى تلفها...
زفرَ أنفاسه المحبوسة طوال اليوم ماسكاً صدغيّه بكفيْه متمتماً بصوته الجهوري:

" يا رب ألّا يكون هذا صحيحاً يا صديقي..."

كان في هذه الغرفة أريكة جانبية قصَدَ الاستلقاء عليها ينتظر مجيء رسوليّه بالخبر اليقين...
غطّ بنومٍ عميقٍ دون إدراك لساعتين بعد أن جافاه ليومين كاملين...

استيقظ على حركة مقبض الباب ففزّ من مكانه بجسده الضخم واتجّه لفتحه بلهفةٍ...
ارتخت اطرافه عنوةً وجرّ قدميه يرتمي مجدداً على اريكته هروباً مما سيسمع بعد أن رأى ثلاثة وجوه شاحبه لا تبشّر في الخير...القى الرجل الثالث الذي رافقهما ليعطيه الحقيقة الصادمة بنفسه وهو من أصدقاء الثوار ومساعدهم على الصعيد الإعلامي والمعنوي دون الخوض بالمعارك:

" البقاء لله اخي (سليم)...إنا لله وإنا إليه راجعون"

امتقع وجهه وابتلع ريقه وبالكاد أخرج صوته بتحشرج يردّ:

"نسأل الله أن يخلفنا خيراً منه"

~~~~~~~~~~~~

غزلت لنا الأيام اسبوعاً كاملاً بعد ولادة شقيقي(شادي) منتظرين قدوم والدي من الحدود بفارغ الصبر...
كان آخر ما وصلنا منذ يومين أن الوضع مستقر في تلك الجهة الغربية على الحدود ولا مناوشات من الخصميْن مما جعلنا نطمئن عليه خصوصاً بعد اعلامنا من السيد (سليم الأسمر) ان انقطاع مكالماته معنا سببه تدمير شبكة الاتصالات الأرضية...
توقُّف إطلاق النار جاء بالتزامن مع توقُّف الامطار الغزيرة التي اغرقت البلاد ...امطار كانون اول...وكأنّهما اتفقا معاً ليعيدا لنا الحياة في مدينتنا الجبلية الخضراء بأشجارها معلنان عن افتتاح مدارسنا بعد اغلاق دام اسبوعين كاملين بفعل الحرب والطقس...
في هذا اليوم بالذات لم يزرني النوم بعد صلاة الفجر من شدة حماسي...ليس فقط لاشتياقي لمقاعد الدراسة ولقاء أصدقائي...إنما لخروجي للحريّة بعد ان كنتُ حبيس البيت وضقت ذرعاً بين حكايات النساء وبكاء شقيقي ودلال شقيقتي المفرط ودون ممارسة أيّ من هواياتي في الخارج...
استعددت مرتديّاً زيّ المدرسة الرسمي الخاص بالثانوية , أمّا الكسولة (دنيا) كانت خالتي تسّرح لها شعرها الترابي المموج وهي مسترسلة بنومها...
حملتُ لها حقيبتها وسحبتها من يدها لأوصلها لمدرستها في طريقي بعد أن تعذّر على سائقنا الخاص الحضور لظرف صحي...

"هيـــه هادي..."

التفتُّ إلى يساري بعد خروجي من البوابة الحديدية الضخمة الخاصة ببيتنا شبيه القلعة عند سماعي صفير ومناداة لاسمي...فكانا (سامي وأحمد) ينتظراني ليرافقاني للمدرسة...

"صباح الخير...ما هذا النشاط؟!"

القيتُ تحيّة الصباح متفاجئاً لوجودهما في هذا الوقت المبكر لأنهما آخر من يدخلان المدرسة بسبب كسلهما ولا مبالاتهما...

ضحك سامي وأشار نحوي هاتفاً:

"انتبه ستقع شقيقتك وهي تغفو متكئة على يدك"

احنيتُ رأسي فوجدتها متشبثة بكفي وتركنُ وجنتها عليه مستمرة بنومها...
ابتسمت ومسّدت وجنتها هامساً:

"دنيا أفيقي..."

اقترب (سامي) بمكرٍ يجثو أمامها ويهزّها على غفلةٍ لتجفل شاهقة وكأنّ دلو ماء بارد أريق عليها وسط قهقهاتهما فزجرت به مؤنباً:

" ماذا فعلت أيها الغليظ؟!...كدت توقف قلبها؟؟"

قال مستنكراً بتهكم ضاحكاً:

"تلك المدللـه يتوقف قلبها؟؟؟!!"

تشبثت أكثر بساقي ترمقه بنظراتٍ ناريةٍ من عينيها العسليّتين وتخرج لسانها بحقدٍ طفوليٍّ فاستقام بوقفته يمطّ ذراعيه للأعلى مضيفاً على تهكمه:

"هيه أنتما الاثنان ألا تتحملان مزاحاً؟!"

ونظر إلى (أحمد) مشيراً بسخريةٍ مصطنعة يتابع عرضه:

"أعان الله من سيتزوج بشقيقته فلسانها طويل ستنغّص عليه عيشته, هذا إن لم يغَلّفها بعبوةٍ من شدة حرصه عليها ويحتفظ بها كالخيار المخلل في أحد أرفف مطبخهم العريق..."

تفحّصت ساعة يدي وضربته بقبضتي على كتفه آمراً بجديّة:

"كفاك ثرثرة...هيا سنتأخر بسببكما"


(سامي) هو أعزّ صديق وتوأمي الروحي رغمَ اختلاف شخصياتنا الظاهر للعيان...
أنا أتّسمُ بالجدّ أسير على خطٍ ثابتٍ وهو بشخصية متقلبة حسب الظروف المحيطة به, أوقات يخيّل لنا أنه يعمل مهرّجاً على مسرح وتارةً يكون بمئة رجل وكأنه ضابطاً بالشرطة...

في اليوم الثاني من المدرسة دقّت عـ قا رب الساعة السابعة صباحاً ودقَّ معها باب البيت بقوةٍ لِتدقّ قلوبنا أملاً بقدوم الغائب أبي وعودته سالماً لنا...
كنتُ أنا الأسرع بينهم من شدة شوقي ولهفتي له, أريد معانقته واخباره عن كل شيء حصل معنا منذ غيابه...
فالعلاقة التي تجمعنا ليست مجرد أب وابنه...نحن كالأشقاء والأصدقاء وأكثر...

فتحتُ الباب وقبضت به جيداً من قوة اهتزازه وجميعهم خلفي...رياح عاتيّة تصطدم بأجسادنا...تلفح وجوهنا...ترفرف ملابسنا...تحاول اقتلاع جذورنا...
وقفنا مذهولين كأنّ على رؤوسنا الطير...أصنام بلا روح...قلب بلا نبضات لرؤية من يقف أمامنا...

فأدركت أنني أصبحتُ رجلاً...


**********( انتهى الفصل الأول )**********

5maha, bobosty2005, shezo and 9 others like this.

ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-21, 09:54 AM   #3

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي




اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...


للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html


حجم الغلاف رجاءً يكون بمقاس 610 × 790



نرجو الالتزام بحجم الفصل المطلوب ضمن القوانين
15 صفحة ورد بحجم خط 18




واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا الغوازي, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء



5maha, shezo, Adella rose and 2 others like this.

قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

رد مع اقتباس
قديم 07-10-21, 08:28 PM   #4

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,255
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قصص من وحي الاعضاء مشاهدة المشاركة



اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...


للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html


حجم الغلاف رجاءً يكون بمقاس 610 × 790



نرجو الالتزام بحجم الفصل المطلوب ضمن القوانين
15 صفحة ورد بحجم خط 18




واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا الغوازي, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء



شكرا لكم .....الفصل جاهز حسب القوانين

لكن اواجه مشكلة في وضع الغلاف والصور


ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-10-21, 11:07 PM   #5

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,094
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا.مبارك عزيزتي نزول روايتك الأولى
اخترت موضوع صعب كأول رواية لك ولكنك تبلين بلاءا حسنا.
حيث انك تناولت الكثير من الموضوعات والأشخاص والأماكن
تفاوتت فيها خلقيات الاشخاص وتوجهاتهم بين وطني يقاوم
وبين خانع باع وقبض الثمن ويحيا بالقصور.
تناولت طبيعة الاشخاص خاصة وهم صغار فتكون رودود فعلهم فطرية صادقة
كأهل بيت هادى ومنه إلي قصر عاصي والذى رغم ضلاله إلا ان به بشرا أيضا
اطفالا تتفاوت طبيعتهم واحلامهم بصرف النظر عن الكبار وشرور بعضهم.
والطيب دائما لا يجد له مكانا فينسحب مثل فاتن خالة ألمي.
اذ ما كان لها ان تذهب وتترك ابنة شقيقتها لزوجة أبيها الكارهة
فقد انتصرت لكرامتها بمغادرة القصر ولكنها هزمت أمان ألمي
ومنهم من غادر بكرامة واظنه غادر الدنيا كلها وهو والد هادى.
فالطفل لا يتحول رجلا إلا بموت أبيه هذا ما اعتقده.
بعالم تشرد فيه الحروب اشخاصا وتتيه اوطانا
وصرنا نسمع كلمة لاجئ عادى كصنف آخر من البشر
ولكن بلا امان بلا وطن بتسول ارضا أخرى تأويه غير احضان ودفء الوطن
مبارك لك ثانية الرواية واتمني لك التوفيق والنجاح وبدايتك مبشرة بالخير
بالقدرة علي التعامل مع عديد كبير من الأبطال واحداث متباينة
بلغة رصينة وحبكة جيدة واسلوب جذاب
دمتي بكل الخير والتوفيق من الله


shezo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-21, 03:20 AM   #6

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,255
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا.مبارك عزيزتي نزول روايتك الأولى
اخترت موضوع صعب كأول رواية لك ولكنك تبلين بلاءا حسنا.
حيث انك تناولت الكثير من الموضوعات والأشخاص والأماكن
تفاوتت فيها خلقيات الاشخاص وتوجهاتهم بين وطني يقاوم
وبين خانع باع وقبض الثمن ويحيا بالقصور.
تناولت طبيعة الاشخاص خاصة وهم صغار فتكون رودود فعلهم فطرية صادقة
كأهل بيت هادى ومنه إلي قصر عاصي والذى رغم ضلاله إلا ان به بشرا أيضا
اطفالا تتفاوت طبيعتهم واحلامهم بصرف النظر عن الكبار وشرور بعضهم.
والطيب دائما لا يجد له مكانا فينسحب مثل فاتن خالة ألمي.
اذ ما كان لها ان تذهب وتترك ابنة شقيقتها لزوجة أبيها الكارهة
فقد انتصرت لكرامتها بمغادرة القصر ولكنها هزمت أمان ألمي
ومنهم من غادر بكرامة واظنه غادر الدنيا كلها وهو والد هادى.
فالطفل لا يتحول رجلا إلا بموت أبيه هذا ما اعتقده.
بعالم تشرد فيه الحروب اشخاصا وتتيه اوطانا
وصرنا نسمع كلمة لاجئ عادى كصنف آخر من البشر
ولكن بلا امان بلا وطن بتسول ارضا أخرى تأويه غير احضان ودفء الوطن
مبارك لك ثانية الرواية واتمني لك التوفيق والنجاح وبدايتك مبشرة بالخير
بالقدرة علي التعامل مع عديد كبير من الأبطال واحداث متباينة
بلغة رصينة وحبكة جيدة واسلوب جذاب
دمتي بكل الخير والتوفيق من الله

بارك الله فيكِ على هذا الرد الداعم معنوياً....اسعدتني كلماتك حقيقةً....أتمنى ان اكون عند حسن ظنكم


أما بالنسبة للرواية ...هما بطلان رئيسيان هادي و ألمى ويتبعهما أبطال ثانويين على رأسهم جانب الشر عاصي رضا والآخرون مثل سليم الأسمر وفاتن وغيرهم الذين لهم دور فيها وسيظهرون تدريجياً حسب الاحداث...


شكرا لمرورك


ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-21, 04:02 AM   #7

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,255
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني ((الهجرة))


"أبي..."

"أبــي!!!"

ضاعت الكلمات بين ثلاثة حروف...لرؤية من يقف أمامنا...
نعم أنها هي حبيبته...هل يمكن أن أخطِئُها ؟!.... مستحيــــل.......هي بذاتها بالحروف المطرّزة عليها.... مشتقّه من أسماءنا (عائشة وهادي ودنيا)....بعد أن وُلدت شقيقتي جعل أمي تطرّز حروفنا تجمعها بكلمة (عهد)..
ابتلعت ريقي أحاول استيعاب المشهد...حدّقت بالواقف أمامي....رجل غريب في ريعان شبابه....ماذا تفعل بندقية أبي معه؟؟!!....وقع نظري على يده الأخرى....إنه مصحفه!!.....المصحف الذي لا يفارقه بمعاركه!!.....كان يضعه بالجيب الداخلي لسترته قرب قلبه , غلافه من المخمل الأخضر....
جحظت عيناي بعد أن لمحتُ لوناً أحمراً يدمغ على زاويته....
تعاقبت أنفاسي....أصابني الوجوم....اختلج شيئاً في صدري......


مـ مـ ما هذا ؟" "

كان صوت جدتي المخنوق الذي دفعني من الخلف بقوةٍ لأجتثّ السلاح والمصحف منه صارخاً:

"أين أبـــــي؟!....أجبنـــي!....هل هو آتي؟"

لم انتظر ردّه وانطلقت متخبطاً بخطواتي للخارج كغزالٍ صغيرٍ تائهٍ عن أمه...أبحث في حدقتيّ علّني أقتنص إشارة ترشدني إليه أو أشتم عطره الذي يسبقه ليطمئنَني على قدومه.....
هدأت الرياح التي اصطحبها معه مخلّفة فراغاً قاتلاً....

عدت أجرّ أقدامي...مسكت تلابيبه بقبضةٍ واحدةٍ...أكاد أنهار متوسلاً:

"أرجوك...أخبرنا أين أبي؟"

أسدل جفنيه يحاول إخفاء نظراته ثم أجابني بانكسار متلعثماً:

"السيد...السيد محيي الدين...استشهد....البقاء لله"

هل هو زلزال من تحتنا؟ أم انفجار بركاني يحرقنا؟! أم أطبقت
السماء على الأرض؟!
هي صرخات من خلفي اخترقت جدران البيت أحدثت اهتزازاً في المكان ....

ذهب عامود بيتنا ...رحلَ مصدر أماننا...كيف السبيل الى السعادة من بعده ؟.... آخر ليلة معنا قبل اسبوعين شدّد من احتضاننا...كان يمسّد على بطن أمي ويداعب أخي في جوف رحمها يسأله متى سينير حياتنا ....كم كان متحمساً للقائه !!...أما المدللة (دنيا) خرج ليشتري لها الحلويات والوقت متأخر والأمطار غزيرة ولم يبالي فتلك هي دنياه..... لا يناديها الا دنيانا ....أذكر مررت عنه في غرفة المعيشة كان يجهز بندقيته ويلمعها وكأنّها عروساً يوم زفافها ...ناداني وأجلسني جانبه....وضعها في حضني وقال

// هذه البندقية هي شرفنا فحافظ عليها من بعدي , قيمتها ترتفع عند استعمالها ضد الظلم... ولنصرة الحق, الدين, الوطن.. ولا قيمة لها اذا رفعتها بوجه ضعيف، أعزل، مظلوم، امرأة، عجوز وكل من يحمل في قلبه شرع الله \\

كانت عيناه تلمعان تحكيا حكاية بطل ,حكاية حب الوطن ,حكاية تسطّر الطريق لنصرة الحق والدين....هل يا ترى كان يشعر بدنوّ أجله؟؟!!....آااه يا أبي ...لو كنت أعلم بفراقنا الأبدي لقضيت تلك الليلة أنعم بأحضانك واتنفس أنفاسك ...لأخبرتك في كل ثانية كم أحبك وسأبقى احبك الى آخر نبضة في فؤادي...
~~~~~~~~~~~~~~

في بلاد الخارج تجلس بأريحية على الأريكة تضع ساقاً فوق الآخر ...تحتسي قهوتها مستمتعة...فهي بأقرب مكان لقلبها.... ببيت صديقتها (ايمان) التي تعرّفت عليها قبل أربع سنوات في مؤتمر يختص بشؤون المهاجرين واللاجئين ونشأت بينهما علاقة وطيدة...كانت من المهاجرين المقيمين في كندا وانتقلت الى تلك الدولة منذ عشر سنوات....لقد عوضها الله بشقيقة لم تلدها أمها بعد ان فقدت اختها (كريمة) والدة (ألمى)....


"كيف استطعتِ ترك ألمى؟"

سألت (ايمان) بتعجب فهي أكثر من تعلم ماذا تعني ابنة شقيقتها لها...ولن تتركها ولو على قطع رأسها!!

وضعت فنجانها الفارغ على الطاولة برقةٍ وأسندت ظهرها للوراء...تنهدت وقالت بثقة مستنكرة:

"أتظنين أنني اتركها بالفعل؟؟"

نظرت إليها بتساؤل تنتظر أن تفسر لها....فمدّت يدها تربّت على ساقها وتابعت:

"أريد أن أعاقب تلك الشمطاء عن طريق زوجها...فرغم بغضي له إلا أنني أدرك انه لن يتخلى عني"

تبسمت بسخرية وأضافت:

"ليس محبة لي طبعاً إنما للاهتمام بابنته فهو يرى مدى تعلّقها بي وهذا يخفف من حمله ...وأيضا لا يسمح لتلك بالاعتناء بها"


"كيف سيعاقبها ؟"

سألت بفضول...


"عندما يفتقدني ويعرف عن رحيلي بسببها وبالطبع سيرى أميرته منهارة سيخرج شياطينه عليها"
اجابت بمكر وضحكت تتخيّل انفجاره عليها فكم من مواقف شاهدته يعنّفها إذا مسّت أحد خطوطه الحمراء وكيف ان كانت مدللته (ألمى)...

تابعت (ايمان) بتحقيقها تظن أنها بمقابلة لكتابة مقال مع احدى الشخصيات الشهيرة:

“والآن ما هي خطتك؟؟"

ردت ببرود وثبات:

"انتظري ...قبل حلول المساء سيكون هنا معتذراً لعودتي من اجل ابنته"


"ويحــك"

هتفت باستنكار وأردفت:

"لا اظن انه سيأتي بنفسه فنحن نتكلم بالنهاية عن عاصي رضا المغرور المتعجرف"

صمتت لبرهة ثم أكملت:

"بالتأكيد سيرسل السائق"


"لننتظر ونرى"

قالت(فاتن)باختصار...


"اذاً لنرى"

أكّدت (ايمان) بتحدّي...

~~~~~~~~~~~~~

تناثرت الملفات أمامه بعد أن عصف بها غضباً....لا يصدق!!
قبل أيام قليلة أخبره عن إتمام الأمر بنجاح ويريد الحلوان!! ....ماذا تغير؟؟
هل كل مخططاتهم أصبحت هباءً منثورا؟!!....لقد سعى جاهدا ليزيل العقبات من طريقه حتى يصل لهدفه....شعرة واحده تفصله لتحقيق حلمه ...نهض عن كرسيه الضخم يضع يديه على خصريه ....صفع جبينه بقهر ...آخر مهماته كانت الأصعب!!....جازف وخاطر بها ....أنفق أموالاً طائلة لإنجازها......ليتلقى في النهاية اتصالاً آخراً من والد زوجته في عاصمة الوطن وهو رئيس الوزراء يخبره عن انفكاك الحكومة بعد انقلاب جنود الدولة عليها لتشتعل الحرب مجددا في مثلث زواياه ,الثوار ,الجنود وحلفاء الحكومة الحالية..!

مرّت ساعتان دون أن يبرح مكتبه....يحاول جمع شتاته...عليه العمل على ما تبقى من أمل....يهاتف هذا وذاك...يبحث ويخطط....

وبينما هو بمعركته الفكرية علا رنين هاتفه الأرضي...استَلّه دون تردد ليجيب:

" من معي.؟؟ "

"............"
كان هذا والد زوجته الذي عاود الاتصال به لحاجة....

لوّى فمه باشمئزاز فهذه المرة الأولى التي ينعته ببنيّ وتوقع أن يسمع طلباً ثقيلاً بعد هذه المقدمة الزائفة فردّ بنبرة زاجرة:

" نعم!!....ماذا تريد؟؟"

"........."

تعالت ضحكاته غيظاً وأجاب متهكماً:

" هل جننت؟!....بالطبع مستحيل"

"........."

"لا شأن لي بذلك!!......سوف اغلق الآن لديّ مشاكل أهم لأحلّها"

اغلق بوجهه قاطعا اخر رابط هاتفيّ به....

~~~~~~~~~~~
في قصر العنكبوت عاد ( عاصي رضا) بتثاقل عيناه تضيء بالأحمر تنذر وتحذّر من الاقتراب منه ....حتى انه لم ينتبه لعدم وجود أميرته التي تسارع لاستقباله والقاء نفسها في احضانه....صعد الى غرفته ينفث لهباً.....انتبهت زوجته للاشعارات الصادرة منه ....ازدردت ريقها رهبةً ...تسللت بهدوء تنزل تسبقه الى غرفة الطعام تجنّباً منه واستعداداً لتناول العشاء....لحق بها بعد وقت قصير وبدا على وجهه الاسترخاء بعد أن اخذ حماماً دافئاً......تجلس على يمينه زوجته وبجانبها ابنها (كرم) ومقابلاً لهما المربيّة السيدة (سهيلة)....بدأت الخادمة بتقديم اطباق الطعام....كان يتكئ بمرفقيه على الطاولة ويشبك كفيّه ببعضهما....رفع احد حاجبيه باستغراب بعد ان مرّ وقت قليل لوجوده وسأل موجهاً كلامه للخادمة:

"أين ألمى وفاتن؟؟"

ابتلعت ريقها ونظرت للجالسة أمامها والتي كانت تعطيها إشارات للصمت تنهاها عن الكلام.....ولما لم تجب وهمّت بالانصراف لفّ وجهه بتوجس لزوجته يكرر السؤال...حاولت التملّص بإشغال نفسها بسكب الطعام لابنها فصرخ بها :

" أظن أنني أتكلم معك....اجيبيني أين هما ؟؟"

تنحنحت المربيّة وشاركت الحديث مجيبة بهدوء:

"عذراً سيد عاصي.... السيدة الصغيرة ترفض الطعام لحزنها على ترك خالتها للمنزل"


"ماذا؟؟...فاتن تركت المنزل ؟؟....لمَ؟؟"

سأل بنبرة مرتفعة متعجباً وهو يوّزع نظراته بينهم يحاول سلب الإجابات من افواههم...

" نعم سيدي...بعد صراعها هي وألمى مع السيدة سوزي"

أجابت بتردد...


"صراع ؟!...ما السبب؟!"

قالها ولم ينتظر الإجابة من كليهما بعد أن فزّ متوجهاً للأعلى الى غرفة ابنته....


"عزيزتي."


" حلوتي..."


"حبيبتي لوما..."

نادى بها بحنان وهو يطرق الباب بلطف ثم ولج الى الداخل بعد أن سمع صوتها تأذن له بالدخول وجلس على طرف السرير بجانبها أحاط كتفيها بذراعه ...يمسّد على شعرها ويهمس لها:

" ما بك أميرتي حزينة؟؟...أخبريني وسأعاقب من كان السبب"

تربّعت على فراشها تواجهه وكتّفت ذراعيها قاطبة حاجبيها تسأل باستنكار:

"حقا؟....هل ستعاقبها؟؟"



"من هي؟"



أجابت بعبوس منفعلة:

"زوجتك أم كرم "

ضحك لانفعالاتها البريئة ولم يعلّق على اجابتها فهو لم يجبرها يوماً على الارتباط بها وبناء علاقة بينهما لأنها لم تهمه كزوجة ...وان كانت تتعامل معها برقيّ واحترام فذلك يعود الى شخصيتها الطيبة وتربية وتوجيهات خالتها والمربية لها....

سحبها الى حضنه يدفن وجهها بصدره عندما رأى احتقان عينيها بدموع القهر ,همس لها :

" حسنا صغيرتي اهدئي....اخبريني ماذا فعلت لكِ؟"

قصّت عليه الموقف بأكمله في الحديقة....قاطعها ناهراَ بلطف :

" حبيبتي لا يجوز أن تلعبي مع أولئك الخدم....من الممكن أن يضروكِ فبالتأكيد يغارون منك ..."

تنهد وأضاف بتجبّر :

"لا يؤتمن لأي شخص ليس من مستواكِ أميرتي....فجميعهم يسعون لأذيتنا من حقدهم وحسدهم على ما نملك.."

رفعت رأسها تنظر له دون أن تهتم لما قاله وتابعت:

"كانت تهددني دائماً بطردك لخالتي.....والآن فقدتها فيمكنني اخبارك كل شيء"

أخبرته بمعاملتها معها ومنعها من اللعب بغير غرفتها ونعتها بألفاظ بذيئة....كانت تسرد له روايتها ....تشدّ من احتضانه تستغل هذه الدقائق التي يتكرّم بها عليها يختصها وحدها دون ازعاجات خارجية فكم تحتاج لحضن يسندها ,يحتويها يشعرها بأنها ليست وحيدة ...حضن الأب أو الأخ الذي لا يقارن بآخر لأنه يعني القوة والأمان لكن لانشغاله بأموره يبقى احتياجها معلّق في الهواء....هي تتحدث وهو يصكّ على فكيّه ...دماؤه تغلي في عروقه...حاول السيطرة بدايةّ وفي النهاية خرج مسرعاً يهبط السلالم بخطوات كبيرة ...يتجه صوْب طاولة الطعام ...يمسك بذراع(سوزي) غير مكترث لمن حولها ...يضغط عليها بقوةٍ صارخاً:

"كيف تسمحين لنفسك بفعل ذلك لابنتي وأنا حذرتك بعدم التدخل في شؤونها ثم منذ متى يحق لك قرار من يبقى ومن يذهب ؟؟"

أجابت وهي تحافظ على برودها ..ترفع رأسها بغرور:

"أنا سيدة القصر والجميع هنا في غيابك تحت أمري...يبدو أنك نسيت ابنة من أكون.."


سحبت المربية (كرم) معها وتركتهما على انفراد.......


أفلت يدها يصفق كفاً بالآخر ..مطلقاً قهقهات ساخرة ثم استقام في وقفته وقال متهكماً:

"كنتِ.."

توسعت عيناها بفضول فتابع:

"كنتِ سابقاً ابنة رئيس الوزراء...أما الآن والدك بلا منصب بسبب انفكاك الحكومة وبما انه متورط ببعض الأعمال سيفر هاربا للخارج ويصبح مشرداً بعد الحجز على ممتلكاته"

سعل من شدة الضحك يضع يده عصدره وأضاف بغرور:

"مشغول حاليا يبحث عن مأوى يهاجر اليه.....تصوري ظنّ أنني سأستقبله في قصري ؟!"

سألت بصدمة:

"ماذا تقول؟..ألم توافق على ذلك؟!"


"بالطبع لا....هل مكتوب على بوابة قصري مأوى للمشردين؟!...يكفيني احتواء ابنته وحفيده من غير فائدة تُرجى "


"لم أكن أعلم أنكَ بتلك الدناءة والقذارة"

ردت عليه بازدراء...


"الطيور على اشكالها تقع ايتها القذرة"

ألقى جملته الأخيرة وتركها مدبراً لابنته ....وبعد لحظات نزل يمسك بيدها قاصداً الخارج...

~~~~~~~~~~~~~~

قرع جرس الشقة بإصرار بينما كانتا تتناولان وجبة العشاء بجوٍ أليف، دافئ، لا يخلو من مرح صديقتها (ايمان)....

"نعم نعم لقد جئت....لحظة"

هتفت (ايمان) وهي تمسك منديلاً تزيل عن فمها بقايا الطعام متوجهة لتفتح الباب....

نظرت بذهول للواقفين أمامها وحدثت نفسها "اذاً فاتن معها حق!!" .

دخل (عاصي رضا) مع صغيرته للاعتذار الجاف الذي كان مضطر له من اجل ابنته فقط وهذا يعد اذلالاً بحقه والّا لم يكن ليسأل عنها البتّة ...بعد انصرافهم أغلقت الباب واتكأت عليه بظهرها ...تكتّف ذراعيها وتحرّك اصبعيها على ذقنها شاردة بأفكارها تهمس بخفوت :

"هكذا اذاً يا سيد عاصي رضا....كنت اعتقد أن لا شخص يعنيك في الحياة ولا حتى ابنتك!!....فقط منصب ومال!!...ربما تكون هي السلاح الذي سنضربك به يوماً ما...من يعلم؟!......الأيام بيننا اذا أراد الله لنا ذلك..."

~~~~~~~~~~~

يومان ونحن في حالة توقف عن الحياة...كأنّ عـقـارب الساعة بقيت مكانها وأبقتنا معها....ننتظر وصول جثمانه الطاهر لنواريه الثرى في مدينته ومسقط رأسه ليحتضنه ترابها الذي أفنى عمره لأجله ...ليضاف شهيداً آخراً فخرا لبلدته....
جدتي دخلت في صدمة تركتها طريحة الفراش.....نبض الحياة أمي تأخذ المهدئات بعد الانهيار الذي أصابها....أخي الرضيع حُرِمَ من حليب امه بعد أن جفّ من حزنها وحدادها على زوجها, بطلها, سندها, أبيها وأخيها بل عائلتها بأكملها التي فقدتهم في الصغر...
ربما كنت أنا الأكثر تحملاً رغم حزني الدفين في كل شعيراتي الدموية.....
استجمعت قوايَ راضيا بقضاء الله لأتولى رعاية أختي , فخالتي (مريم) توّزع اهتمامها بين أمي و(شادي) الذي أجبر على تناول حليبه المصنّع من الزجاجة.....

جاء اليوم التالي المتفق عليه لاستلام الجثة....
جميع أهل البلدة والأصدقاء ومن يُكِنُّ لأبي المحبة والولاء ساروا في جنازة مهيبة تليق بانسان عاش ومات شريفاً خادماً للدين والوطن...

[[ أبــي...
مشيتُ خلفك شامخاً والبلبل يشدو بالغناء
فداءً للوطن حارساً لتُفتح أبواب السماء
بين النجوم وجهك متلألئاً كبدرٍ ساطع في بهاء
سيبقى اسمك خالداً شهيداً بصحبة الأنبياء ]]

~~~~~~~~~~~~

" لا اصدق انك تتعمد اهانتي!!...كيف تعيدها الى البيت؟!"

هتفت(سوزي) باستياء وهي تمشي خلفه تتبعه الى مكتبه بعد عودة (فاتن) الى القصر...

رد دون ان يلتفت لها:

"هذا بيتي أنا....اياك الاقتراب منها او من ابنتي...هما في حالهما وأنت وابنك في حالكما...لا أريد مشاكل....هذا ليس وقت الانشغال في تفاهاتكم جميعاً"

اخذت الجزء الأخير من كلامه وقالت بضيق:

"بالطبع فماذا تعني لك العائلة؟!...المهم هو الحصول على الأموال ونَيْل أعلى المناصب"

استدار خلف مكتبه يجلس على كرسيه..يقول ببرود متهكماً:

" اوه سيدة سوزي منذ متى تغيرت ميولك ولم تعد الأموال أكبر اهتماماتك؟!"

احمّر وجهها حرجا ..فتابع ببروده:

"ثم لا شأن لك بذلك.."

كان قد طفح الكيل معها وصلت ذروتها من الاهانات....فمن جهة كسر كلمتها امام(فاتن) ومن جهة أخرى رفض استقبال والدها في بيته حتى يصلح اموره....لقد تكلمت معه فور خروج زوجها وأمطرها الآخر بوابل من الاهانات ...يتبرأ منها... فبنظره لا نفع منها كابنة مادام لم تستطع اقناع زوجها بشأنه... قرر الرحيل الى ابنيه في هولندا مرغماً فهو لا يطيق زوجتيهما فإحداهما أجنبية والأخرى من عامة الشعب الذي رفض نسبها ولكن ابنه عصاه وتزوجها ورحل وها هو يتلقى نتائج افعاله وتربيته الفاشلة وسعيه وراء المظاهر الكاذبة ومال الحرام ...


" هل تعتقد أنك ستحصل على ما تسمو إليه؟!...انه حلم ابليس في دخول الجنة"


ألقت قذيفتها بغباء ففزّ من مكانه متجها نحوها.. يرمقها باحتقار.. يهدر بفظاظة:

"اصمتي يا وجه النحس!!...سأحصل على ما اريد وعندها ستكونين ملقاة مع والدك في الشارع"


" لا تثق بنفسك كثيرا وتنغر....لا بد من ظهور شخص ما يرسلك الى قعر الأرض لتعود في حال أسوأ مما كنت عليه قبل زواجك من (كريمة)...أوَتظن أن لا علم لي بماضيك؟؟"


دوت صفعة على خدها هزت الأرجاء من شدتها بعد أن أنهت كلامها بحماقة ...أيعقل انها لا تدري مع من تلعب؟!...فنقاط ضعفه المال , ابنته , وماضيه الغير مشرّف....تركها وخرج ينفث لهيباً من احشائه ...تعرّق جبينه قلقاً...سيتحدى الجميع ولن يسمح لأي شيء بالوقوف في طريقه والتأثير على أحلامه التي فعل المستحيل لأجلها....

هوَت (سوزي) بجسدها على أريكة موجودة في مكتبه... تتحسس مكان الصفعة....عيناها غارقتان بالدموع....تفكر بنفسها وابنها...أعادت شريط حياتها السابقة....ابتداءً من والد باعها وهي بعمر الزهور لرجل يكبرها بعشرين سنة من اجل المال لم تذق معه طعم السعادة ...كانت كمومس له يفرغ بها رغباته ثم يلقيها يذلها بابيها ويضربها وبالكاد استطاعت الانفصال عنه....
عادت مع ابنها لأهلها الذين اجبروا على استقبالها متثاقلين, مع أنهم من الأغنياء ولا ينقصهم شيئاً...طلب يدها(عاصي رضا) وكان بنظرها المنقذ من بطش والدها....تعترف بداخلها انها هنا على الأقل تعيش برفاهية وكامل الحرية مع ابنها بغض النظر انها مجرد كرسي في البيت بعين زوجها...لا تشعر بأنوثتها...لا كيان ولا وجود لها في صفحات حياته.....هي صفقة اعتقدها رابحة لغايته ولكنه خرج منها بخفيّ حُنيْن بعد طردِ والدها من منصبه....
كانت الصفعة بمثابة منبه لاستيقاظها من تهورها...عليها اصلاح ما افسدته قبل أن تصبح متسولة تجول الشوارع....
الآن ليس وقت البكاء على الاطلال...يجب أن تتحرك الى الامام...يجب ان تكون اقوى من اجل ابنها....بحثت في عقلها عن طرف خيط لضمان مستقبله....هي تعلم أن أكثر ما يعلّي شأنها بنظر زوجها هو احضار ولائم غنية بالصفقات الدسمة التي تغذي مشاريعه ومسار حياته....هكذا تكسب صفّه وتحافظ على مكانتها في بيته....
لمعت عينيها وأمالت زاوية فمها بمكر بعد أن وجدت ضالتها...
زفرت أنفاسها تستجمع قواها وصعدت الى حمام غرفتها تغسل وجهها بالماء البارد لتنتعش وتبدأ بتنفيذ مخططاتها بدايةً من رفع الهاتف لتدقّ لصديقتها:

" مرحبا...كيف حالك عزيزتي اسراء؟"


" أهلا بالغالية سوزي أنا بخير واشتاق لك كثيرا ما هي اخبارك؟"

استرسلت بالحديث مع (اسراء) صديقتها من الوطن التي لم تنقطع علاقتهما ابدا مع ان كل واحدة بدولة...هي زوجة رجل أعمال شهير يدعى (رائد السيد) ...يقيمون في استراليا حاليّاً...فهم دائمو التنقل بين البلدان ولهم ولدٌ وحيد اسمه (صلاح) البالغ من العمر اثني عشر عاماً.... قررت محاولة اقناعها للإقامة معها في تلك البلاد بعد ان اخبرتها سابقا باستيائها من وضعها فابنها يتعلم لغة يتقنها ثم ينتقلون الى دولة أخرى ولغة أخرى... وانهم يريدون اختيار بلد يستقرون بها....

"لم لا تأتون هنا ؟! بلد جميلة، متطورة، شعبها راقي والأهم تناسب أعمال زوجك.... يستطيع فتح مشاريع كما يحلو له...وربما يتشاركان هو وزوجي...وهكذا نلتقي انا وانت كالسابق وابنينا يصبحان صديقين"

أدلت بصنارتها لعلّ وعسى تُخرج السمكة الذهبية، فتحمست الأخرى هاتفة:

"لم تخطر في بالي سابقاً...من حسن الحظ أنك اتصلتِ بي فنحن كنا على وشك اتخاذ القرار.... سأخبره حين يعود وأعلمك بقرارنا..."

أغلقت الهاتف بعد ان ودعتا بعضهما ....انجزت مهمتها وفقط عليها الدعاء لتصيب صنارتها....

~~~~~~~~~~~~~~

جلس مقابلا له في شركته بعد أن دعاه لأمر عاجل....تبادلا أطراف الحديث العام....نهض السيد(سليم) يضع يديه على خصريه واقترب ينظر للخارج من نافذة مكتبه ثم تنحنح هاتفاً بصوته الجهوري:

" كما أخبرتك سابقاً....حان موعد سفرك"


"متى؟؟"

سأل السيد(ماجد) وهو صديق الثوار ومساعدهم إعلاميا ومعنويا والمرسال بين القادة السريين والمعسكر...

استدار نحوه ثم خطا ليجلس على الكرسي المحاذي له وقال:

"خلال يومين....."


"حسنا...أعطني وقتاً لأرتب أموري.."


"ألم تخبر عائلتك؟؟"


"بلى وهم مستعدون لذلك ,لكن تبّقى بعض الإجراءات الرسمية في المصرف وإخبار أهلي....فإرضاء والدتي واقناعها سيأخذ بعض الوقت لأنني لم افترق عنها من قبل."

~~~~~~~~~~~~~~~~

بعد أسبوع من وفاة أبي عادت أصوات الانفجارات تدوي في كل مكان...ليلة تلو ليلة والحرب تشتد.... قصفٌ هنا وضربٌ هناك!!...بيوت تهدم, أرواح تزهق , أطفال في حالة رعب, عائلات تتشتت, نساء تترمل , أمهات ثواكل...دُمرت بلدان كاملة!!...من سيعمّرها؟! من سيعيد الأزواج لنسائهم؟! من سيواسي الأمهات؟! من سيعوض الأطفال؟!
كان القصف مازال بعيداً عن منطقة سكننا , ولأن أمي لم تفِقْ من صدمتها بعد ...اضطرت عمتي(لبنى) وهي زوجة السيد(سليم الأسمر) صديق أبي ورفيق دربه ومخزن أسراره لأخذ جدتي التي تفاقم عليها المرض والانهيار الى بيتهم في مدينتهم الأقرب للحدود الجنوبية الغربية بعيداً عنا....
×
×
×
تلى الأسبوع أياماً قليلة ووصل الى مسامعنا اقتراب الجنود الى بلدتنا لأنها رحم ولادة الثوار ...بدأوا بالزحف الى مركزها لتدمير المقرات السرية وتهديد عائلاتهم.....

" خُذ شادي لتطعمه....والدتك مشغولة على الهاتف وعليّ الاهتمام في الطبيخ"

طلبت مني خالتي (مريم) الاهتمام به بعد أن رأتني متفرغاً لتتابع عملها في المطبخ ...ما لفت انتباهي هو انشغال امي على الهاتف!!....كانت قد بدأت بالتحسن منذ يومان....الغريب في الأمر انها ليس من عادتها الإطالة بالحديث عبر الهاتف!!....

أطعمتُ الصغير ورفعته على كتفي أربّت على ظهره بخفة ليتجشأ في حركة بتّ أعرفها...فمكوثي في البيت جعل مني حاضنة له ولشقيقتي....

التفتُّ الى يميني حيث الباب الواسع لغرفة المعيشة عند سماعي خطوات أمي وخالتي تقتربان منا.....كان وجه أمي شاحب ونظراتها تتكلم!!... ويبدو أيضا على خالتي أنها مثلي لم تفهم سبب سحبها معها الى هنا!!.....اقتربت مني تحمل أخي وجلست بجانبي وأنا اتأمل تقاسيمها أحاول قراءة ما يدور في رأسها....أومأت بعينيها لخالتي لتجلس فردت:

"لا يمكنني ترك الطبخة على النار....ستحترق"


"اذهب ياهادي واطفئ الموْقد وعد فوراً"

امرتني والدتي بصوت مرتجف...

اطفأته وعدتُ لمكاني ...فهتفت خالتي بتوجس:

" ما بكِ عائشة وجهك اصفرَّ بعد مكالمتك مع لبنى.."


" لم أكن أكلم لبنى بل زوجها السيد سليم"

ردت امي في الحال توضّح سبب شحوبها...


"السيد سليم؟؟!!....ليس من عادته الكلام معك مباشرة!!"

قالت خالتي باستغراب...فهو رجل ملتزم غيّور وبغياب والدي وبعد وفاته كانت عمتي(لبنى) همزة الوصل بينهما عندما يكون امراً طارئاً ليخبرنا به.....


"ماذا يريد عمي سليم؟!"

سألتُ بفضول.....

أخفضت أمي عينيها للأسفل وابتلعت لعابها وهمست بتلعثم:

"علينا..أن...أن نهاجر"


"ماذا؟!"

صرخت خالتي أما أنا كنت أترجم كلمتها في عقلي فتابعت بنبرة يائسة:

"أخبرني أن لا وقت لدينا...فالعساكر سيحاصرون الجبل خلال أيام قليلة وعلينا الاختيار بين الاستسلام لهم من غير مقاومة او النزوح الى مكان آمن حفاظاً على ارواحنا وشرفنا..."

تنهدت وأضافت:

"أنتم تعلمون الاستسلام يعني الاستسلام لبطشهم والله وحده يعلم ماذا سنواجه تحت أيدي أولئك الطغاة..."

رفعت وجهها اليّ نظرت بعيون دامعة ازدردت ريقها وأكملت:

" أنت شاب ومن الممكن أن يأخذوك الى التحقيق لتقر عن أشياء تعلمها ولا تعلمها ....ونحن نعرف ماهي اساليبهم لسحب الكلام او الاجبار على قول ما يريدون لصالحهم "

سكت الكلام...لم أجد أي تعليق يعبّر عن مشاعري....هل هذه حقيقة التي أسمعها؟!....من قرر ذلك؟!..أيمكنني أن أتنفس هواء غير هوائي الجبليّ؟!...ألا يدركون انني انا سمكة في بحر وبإخراجها سأنتهي؟!!...هل سأترك خمسة عشر سنة عشتها في بيتي وحارتي تذهب أدراج الرياح وكأنها لم تكن يوماً؟؟!....بل أصدقائي أيعقل أن افترق عنهم بعد أن اتفقنا لنكون معاً لآخر العمر , حتى أننا بنينا أحلاماً وصلت حدّ السماء !!.....بالله عليهم ماذا يهذون؟؟!!...هذه ترّهات لن أقبل بها !!!!


" كلا وألف كلا"

صرخت بعد عودتي لواقعي أحمل تلك الكلمات....

نظرت لي أمي نظرات رجاء , ضعف , وكأنّها تستنجد بي!!...اغرورقت عينيها بالدموع..ضمّت الصغير الى صدرها بقوةٍ وهمست بصوت مختنق:

"ارشدوني ماذا افعل ؟؟.....هل نجلس هنا ننتظر حتفنا؟!....إن متنا جميعاً فلا بأس, ذلك لا يهمني...أما....أما...."

بترت كلماتها وسط عبراتها وبدأت ترتعش توشك على الانهيار ثم رفعت صوتها تخفي ضعفها وراءه وتابعت :

"أما ان فقدت أحدكم سأموت في الحياة ...أنا لا أقوى على هذا...فلتشعروا بي ......ذهب حبيبي تاج رأسي وتركني اواجه هذه الصعاب لوحدي!!....يكفيني ما عانيت من رحيل الأحبة "

دفنت وجهها بأخي وعلا نحيبها ....كانت كل دمعة تقطر منها تغرز كخنجر في فؤادي وصوت بكائها يمزق روحي.....اقتربتُ منها أضمُ كتفيها بذراعي مقبّلاً رأسها هامساً باستسلام :

" كما تريدين يا نبض الحياة...فلترضي عنا... أرجوكِ لا تبكي"


خالتي تضمُ(دنيا) في حضنها بعد أن رأت الوجوم يعتريها من بكاء امي....


تظاهرتُ بالقوة وسألت:

"متى سنرحل ؟!! وهل يوجد حديث عن عودة أم أن علينا نسيان شيء اسمه وطن ومدينتنا الجبلية وقصرنا العريق؟!"

مسحت امي دموعها بأطراف اناملها وأجابت بين شهقاتها:

"بعد غدٍ ان شاء الله وبإذن الله سنعود عندما تهدأ الأوضاع ..هكذا وعدني السيد سليم.."

أملتُ فمي ببسمة ساخرة وقلت في سرّي "وهل من أملٍ لتهدأ الحرب مادام يتنفس على هذه الأرض الجبناء والأوغاد"
×
×
×
أشعلتُ النار بعد أن جمعتُ بعض الأغصان اليابسة الصغيرة أضعها بين الحجارة لأتدفأ, أنتظر وصول صديقاي (سامي وأحمد)...
كان الوقت هو العصر من اليوم التالي لقرار الهجرة في بيتنا....قمتُ بالاتصال بهما لنلتقي بأعزّ مكان على قلوبنا...جمَعَنا دوْماً لسنوات....كان عبارة عن مرتفع يطلّ على القسم الأسفل من مدينتنا , فتضاريسها تبدأ بالارتفاع تدريجياً حتى تصل حيّنا الموجود في أعلى نقطة منها المحاط بأشجار السرو الكثيفة وكأننا في غابة....
أما مكاننا هذا فهو بطريقٍ ترابيٍّ جانبيٍّ كأنه تلة صغيرة تزيّن رأس الجبل ونبتت فيه شجرة من أشجار الخروب دائمة الخضرة التي نستظل بها ...نجلس على صخور تحتها...نشاهد منظر الغروب منها ونتسابق في القاء الحجارة من يحصّل على أبعد نقطة....كانت هذه أفضل العابنا التحدّي....
كنتُ جالساً بسكون ..تارةً أحرّك النار بعودٍ رفيعٍ وتارةً أخرى أسرح بمنظر مدينتي الحبيبة.....

"السلام عليكم..."

ألقى (أحمد) التحية وتبعه (سامي)الغليظ بـ:

" ما بك تبدو كالأرملة التي فقدت زوجها لتوّها؟! ...بقي عليك أن تولوِل"

" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.....هيا اجلسا"

قلتُ وأنا أخفي نظراتي المحترقة عنهما....أتمالك نفسي.....

جلس كل منهما على جانبيّ ننظر بنفس الاتجاه الى الأمام....فتنحنحتُ لأحافظ على اتزان حبالي الصوتية قائلاً بدون مقدمات:

"سنهاجر.."

رمقني (احمد) بنظراتٍ مصدومة قاطعها (سامي) باستهزاء وهو يلوّح بيديه أمام وجهه :

"هِيـه هل صدقت هذا الأحمق أيها المغفل؟!...هو لا يمكن أن يتنفس غير هواء جبلنا"


"بلى...أنا لا أمزح"

قلت بصوت ضعيف.....


"لماذا؟!"

سأل (أحمد) بعتاب...


كان (سامي) يحدّق بجانب وجهي الأيمن حيث يتواجد فأجبتُ بقهرٍ ظهر بنبرتي:

"هذا قدرنا لنحمي أنفسنا.."

وعند آخر حرف غدرتني دمعة ظلّت عالقة محاصَرة في زاوية عيني اليمنى ...لمحها من كان بهذا الجانب فأدرك صدقَ قولي وأنقضّ يحاوطني بذراعيه وكأنه يحميني من الهروب ...انضمّ معنا (احمد) يحاوطنا نشبك أيدينا على أكتاف بعضنا ...نلصق جبهاتنا في بعضها ....نبكي بصمت دون أن ننبس ببنتِ شفة.....
دقائق ونحن نشد من احتضان بعضنا قطعتُها أنا ...أضربهما على كتفيهما ..أمسح دموعي مبتسماً بتصنع أجاهد لإخفاء احتضار روحي هاتفاً:

"ما بنا نبكي كالنساء؟؟....هيا امسحا دموعكما قبل أن يرانا احد ويشيع الخبر بالحيّ!!....لا تفرحا كثيراً سأعود قريباً ان شاء الله لأنكد عليكما عيشتكما"

ضحكا وعدّلا جلستهما وبدأت اسرد لهما تفاصيل رحلتنا ثم وصيتهما على بيتنا.....بقينا حتى الغروب وتفرّقنا عند بوابة منزلي بعد أن تعانقنا نودّع ونوصي أحدنا الآخر بالاعتناء بنفسه حتى نلتقي مجدداً....

دخلتُ بيتنا وارتميت على الأريكة في غرفة العائلة شارداً بالهجرة....

الهجرة؟!!

الهجرة هي كلمة ربطتها دائماً بالطيور المهاجرة بين الفصول...!!...كنت أشرحها لشقيقتي(دنيا) ونحن نراقب هجرتها في الخريف واستقبالها في الربيع....
أما هجرة بني البشر كنت أسمع عنها في وسائل الاعلام لأخوة لنا تهجّروا....بيننا وبينهم مسافات كبيرة.....أدعو لهم بصلاح الحال وأقلب المحطة من بعدها على برامج مسلية....فأنا أنعم بكامل الرفاهية في بيتي...احصل على كل ما أتمنى...بيت بارد في الحر ودافئ في البرد.....لا أكترث لشيء ....أصحابي حولي....أزور أقاربي...مطبخنا مليء بأشهى أنواع الطعام....لدينا مركبة فخمة...أدرس بأفضل المدارس....لم أشعر يوماً أو حتى أفكر ماذا عاشوا من تذوّقوها....

نعم الهجرة هي الآن مـ ـلاذّنا الوحيد لننجو اذا قدّر لنا ذلك....بعد أن اقنَعَنا زوج عمتي السيد(سليم الأسمر) بخطورة البقاء لانتمائنا لاسم القائد المجاهد (محيي الدين)....

كيف أصبح إسم أبي يشكّل خطراً علينا بعد أن كان مصدر الأمان الذي نفتخر به؟!.....أين كنا وأين وصلنا؟؟!!

آهات حبيسة تختلج صدري ..تضغط على أنفاسي...وددت لو أطلقتها لأرتاح!!....لكني خشيت على عائلتي فيكفيها ما فيها....

لا أريد لأمي أن تذبل مجدداً بعد عودتها للحياة رويداً رويداً بفضل الله ومن ثم دعم الأحباب...
خالتي العزيزة(مريم) لم تشأ تركنا بعد أن فقدت زوجها قبل سنوات عدة...كانت تلازم امي وتساندها رغم أنّها تصغرها بسنواتٍ...

" رتبتُ حقائبنا ووضعتها عند المدخل كي لا نتأخر في الصباح"

وجّهت أمي كلامها لخالتي التي نهضت من مكانها قائلة:

"حسناً وأنا سافرغ الخزنة من المال والمجوهرات..."

عند سماعي كلمة مجوهرات عدتُ في ذاكرتي لأيام ليست ببعيدة أسمع بها أمي تطلب المال من ابي لاقتنائها لتذخرها بحجة [قرشك الأبيض ليومك الأسود]....يبدو أنه جاء هذا اليوم الأسود لتَخْرُج هذه المجوهرات....

"أنا اريد أخذ بندقية أبي "

هتفت بها عند مروري من جانبها وهي معلّقة مكانها على الحائط فشهقت أمي بفزع ..تضع يدها على صدرها... عيناها تلمعان قائلة :

"مستحيل لن أسمح لك ....يكفي ما خسرنا"


"لكن يا امي هذه رائحة أبي وأوصاني بالمحافظة عليها..أرجوكِ"

قاطعتني بحزم:

" لا استطيع المجازفة بك وبأخوتك....ثم من قال لك أنهم سيسمحون لك بنقلها؟!....تحتاج لتصاريح!!....اقفل الموضوع"

زفرتُ بضيقٍ واستسلمت لقرارها ....دنوت منها أقبّل جبينها وقررت ايداعها بمكان آمن...
بعد منتصف الليل الجميع في سبات باستثنائي !!..أتململ في فراشي...أفكر بالغد والمستقبل المجهول....قبل أيام كنت أطير فرحاً لتحمّلي مسؤولية تافهة ...والآن بعشيةٍ وضحاها أصبحت رجل البيت لأرعى عائلة كاملة رغم صغر سني....
أثقلني التفكير وغلبني النوم في النهاية....


تعالت مآذن البلد بكلمة الله اكبر...
نعم الله اكبر على كل ظالم ..الله اكبر على من طغى وتجبّر...حي على الفلاح والصلاة خير من النوم....إنه موعد صلاة الفجر...

كانت امي في هذه الاثناء تطعم أخي (شادي) ...توجّهت الى المطبخ بعد أن نام الصغير لتغسل زجاجته ثم أقبلت لتوقظنا أنا وخالتي للصلاة وللاستعداد للانطلاق....

أشرقت شمس يومنا الأخير في وطننا لا نعلم ماذا يحمل في طيّاته!!

خرجتُ الى الحديقة قاصداً تلك الشجرة المباركة...شجرة زيتون كبيره معمّرة...حفرتُ تحتها واضعاً البندقية ناثراً التراب عليها بإحكام ومع نثراته تناثرت في قلبي غصّات...فهذا الموقف أعادني الى لحظة مواراة أبي الثرى...دفنتُ أبي ودفنتُ العهد معه...

لم أسمح لدمعي بالنزول...رفعت بصري ناظراً للسماء متذللاً لخالقها:

" ياا رب أنت العالم بحالي...ياا رب إني استودعك مِن أغلى ما أملك...ياارب أحيّني لليوم الذي سنطّهر به الوطن كما رغب أبي"

مسحتُ دمعة خانتني وتوكلت على الله داعيّاً:

" اللهم إنا نسألك خير ما في هذا اليوم ونعوذ بك من شره"

دلفتُ بيتي رافعاً رأسي بثقةٍ وقوةٍ لم أعهدهما من قبل....فاليوم يوم مصيريّ....يجب أن ابثّ الآمان لعائلتي وأُشعرهم أنهم بإمكانهم الاعتماد عليّ لأتولى رعايتهم من بعد الله....

وصلت مركبة تابعة للسيد(سليم الأسمر) كما اتفقنا لتقلّنا الى مرفأ السفن بعد أن رتّب أمورنا مع معارفه وقاموا بكافة إجراءات النقل الرسمية ودفع مبلغ طائل من المال لحجز مقاعد لنا بسفينةٍ على مستوى رفيع فيها شتّى وسائل الرفاهية....

وضعنا الحقائب في صندوق السيارة وركبتُ أنا المقعد الأمامي جانب السائق وبقية عائلتي في الخلف....لنسير على دربِ الهجرة!!

[[سلامٌ على مدينة تنفست هواءها , شربت ماءها ,سجدت على ترابها , أكلت من خيراتها , هاجرتُ منها ووعدي ألّا أنساها, فعمري ودمي كله فداؤها]]

********** (انتهى الفصل الثاني) **********

اللهم صلّ وسلّم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم


ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-21, 04:06 AM   #8

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,255
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني ((الهجرة))




"أبي..."

"أبــي!!!"

ضاعت الكلمات بين ثلاثة حروف...لرؤية من يقف أمامنا...
نعم أنها هي حبيبته...هل يمكن أن أخطِئُها ؟!.... مستحيــــل.......هي بذاتها بالحروف المطرّزة عليها.... مشتقّه من أسماءنا (عائشة وهادي ودنيا)....بعد أن وُلدت شقيقتي جعل أمي تطرّز حروفنا تجمعها بكلمة (عهد)..
ابتلعت ريقي أحاول استيعاب المشهد...حدّقت بالواقف أمامي....رجل غريب في ريعان شبابه....ماذا تفعل بندقية أبي معه؟؟!!....وقع نظري على يده الأخرى....إنه مصحفه!!.....المصحف الذي لا يفارقه بمعاركه!!.....كان يضعه بالجيب الداخلي لسترته قرب قلبه , غلافه من المخمل الأخضر....
جحظت عيناي بعد أن لمحتُ لوناً أحمراً يدمغ على زاويته....
تعاقبت أنفاسي....أصابني الوجوم....اختلج شيئاً في صدري......


مـ مـ ما هذا ؟" "

كان صوت جدتي المخنوق الذي دفعني من الخلف بقوةٍ لأجتثّ السلاح والمصحف منه صارخاً:

"أين أبـــــي؟!....أجبنـــي!....هل هو آتي؟"

لم انتظر ردّه وانطلقت متخبطاً بخطواتي للخارج كغزالٍ صغيرٍ تائهٍ عن أمه...أبحث في حدقتيّ علّني أقتنص إشارة ترشدني إليه أو أشتم عطره الذي يسبقه ليطمئنَني على قدومه.....
هدأت الرياح التي اصطحبها معه مخلّفة فراغاً قاتلاً....

عدت أجرّ أقدامي...مسكت تلابيبه بقبضةٍ واحدةٍ...أكاد أنهار متوسلاً:

"أرجوك...أخبرنا أين أبي؟"

أسدل جفنيه يحاول إخفاء نظراته ثم أجابني بانكسار متلعثماً:

"السيد...السيد محيي الدين...استشهد....البقاء لله"

هل هو زلزال من تحتنا؟ أم انفجار بركاني يحرقنا؟! أم أطبقت
السماء على الأرض؟!
هي صرخات من خلفي اخترقت جدران البيت أحدثت اهتزازاً في المكان ....

ذهب عامود بيتنا ...رحلَ مصدر أماننا...كيف السبيل الى السعادة من بعده ؟.... آخر ليلة معنا قبل اسبوعين شدّد من احتضاننا...كان يمسّد على بطن أمي ويداعب أخي في جوف رحمها يسأله متى سينير حياتنا ....كم كان متحمساً للقائه !!...أما المدللة (دنيا) خرج ليشتري لها الحلويات والوقت متأخر والأمطار غزيرة ولم يبالي فتلك هي دنياه..... لا يناديها الا دنيانا ....أذكر مررت عنه في غرفة المعيشة كان يجهز بندقيته ويلمعها وكأنّها عروساً يوم زفافها ...ناداني وأجلسني جانبه....وضعها في حضني وقال

// هذه البندقية هي شرفنا فحافظ عليها من بعدي , قيمتها ترتفع عند استعمالها ضد الظلم... ولنصرة الحق, الدين, الوطن.. ولا قيمة لها اذا رفعتها بوجه ضعيف، أعزل، مظلوم، امرأة، عجوز وكل من يحمل في قلبه شرع الله \\

كانت عيناه تلمعان تحكيا حكاية بطل ,حكاية حب الوطن ,حكاية تسطّر الطريق لنصرة الحق والدين....هل يا ترى كان يشعر بدنوّ أجله؟؟!!....آااه يا أبي ...لو كنت أعلم بفراقنا الأبدي لقضيت تلك الليلة أنعم بأحضانك واتنفس أنفاسك ...لأخبرتك في كل ثانية كم أحبك وسأبقى احبك الى آخر نبضة في فؤادي...
~~~~~~~~~~~~~~

في بلاد الخارج تجلس بأريحية على الأريكة تضع ساقاً فوق الآخر ...تحتسي قهوتها مستمتعة...فهي بأقرب مكان لقلبها.... ببيت صديقتها (ايمان) التي تعرّفت عليها قبل أربع سنوات في مؤتمر يختص بشؤون المهاجرين واللاجئين ونشأت بينهما علاقة وطيدة...كانت من المهاجرين المقيمين في كندا وانتقلت الى تلك الدولة منذ عشر سنوات....لقد عوضها الله بشقيقة لم تلدها أمها بعد ان فقدت اختها (كريمة) والدة (ألمى)....


"كيف استطعتِ ترك ألمى؟"

سألت (ايمان) بتعجب فهي أكثر من تعلم ماذا تعني ابنة شقيقتها لها...ولن تتركها ولو على قطع رأسها!!

وضعت فنجانها الفارغ على الطاولة برقةٍ وأسندت ظهرها للوراء...تنهدت وقالت بثقة مستنكرة:

"أتظنين أنني اتركها بالفعل؟؟"

نظرت إليها بتساؤل تنتظر أن تفسر لها....فمدّت يدها تربّت على ساقها وتابعت:

"أريد أن أعاقب تلك الشمطاء عن طريق زوجها...فرغم بغضي له إلا أنني أدرك انه لن يتخلى عني"

تبسمت بسخرية وأضافت:

"ليس محبة لي طبعاً إنما للاهتمام بابنته فهو يرى مدى تعلّقها بي وهذا يخفف من حمله ...وأيضا لا يسمح لتلك بالاعتناء بها"


"كيف سيعاقبها ؟"

سألت بفضول...


"عندما يفتقدني ويعرف عن رحيلي بسببها وبالطبع سيرى أميرته منهارة سيخرج شياطينه عليها"
اجابت بمكر وضحكت تتخيّل انفجاره عليها فكم من مواقف شاهدته يعنّفها إذا مسّت أحد خطوطه الحمراء وكيف ان كانت مدللته (ألمى)...

تابعت (ايمان) بتحقيقها تظن أنها بمقابلة لكتابة مقال مع احدى الشخصيات الشهيرة:

“والآن ما هي خطتك؟؟"

ردت ببرود وثبات:

"انتظري ...قبل حلول المساء سيكون هنا معتذراً لعودتي من اجل ابنته"


"ويحــك"

هتفت باستنكار وأردفت:

"لا اظن انه سيأتي بنفسه فنحن نتكلم بالنهاية عن عاصي رضا المغرور المتعجرف"

صمتت لبرهة ثم أكملت:

"بالتأكيد سيرسل السائق"


"لننتظر ونرى"

قالت(فاتن)باختصار...


"اذاً لنرى"

أكّدت (ايمان) بتحدّي...

~~~~~~~~~~~~~

تناثرت الملفات أمامه بعد أن عصف بها غضباً....لا يصدق!!
قبل أيام قليلة أخبره عن إتمام الأمر بنجاح ويريد الحلوان!! ....ماذا تغير؟؟
هل كل مخططاتهم أصبحت هباءً منثورا؟!!....لقد سعى جاهدا ليزيل العقبات من طريقه حتى يصل لهدفه....شعرة واحده تفصله لتحقيق حلمه ...نهض عن كرسيه الضخم يضع يديه على خصريه ....صفع جبينه بقهر ...آخر مهماته كانت الأصعب!!....جازف وخاطر بها ....أنفق أموالاً طائلة لإنجازها......ليتلقى في النهاية اتصالاً آخراً من والد زوجته في عاصمة الوطن وهو رئيس الوزراء يخبره عن انفكاك الحكومة بعد انقلاب جنود الدولة عليها لتشتعل الحرب مجددا في مثلث زواياه ,الثوار ,الجنود وحلفاء الحكومة الحالية..!

مرّت ساعتان دون أن يبرح مكتبه....يحاول جمع شتاته...عليه العمل على ما تبقى من أمل....يهاتف هذا وذاك...يبحث ويخطط....

وبينما هو بمعركته الفكرية علا رنين هاتفه الأرضي...استَلّه دون تردد ليجيب:

" من معي.؟؟ "

"............"
كان هذا والد زوجته الذي عاود الاتصال به لحاجة....

لوّى فمه باشمئزاز فهذه المرة الأولى التي ينعته ببنيّ وتوقع أن يسمع طلباً ثقيلاً بعد هذه المقدمة الزائفة فردّ بنبرة زاجرة:

" نعم!!....ماذا تريد؟؟"

"........."

تعالت ضحكاته غيظاً وأجاب متهكماً:

" هل جننت؟!....بالطبع مستحيل"

"........."

"لا شأن لي بذلك!!......سوف اغلق الآن لديّ مشاكل أهم لأحلّها"

اغلق بوجهه قاطعا اخر رابط هاتفيّ به....

~~~~~~~~~~~
في قصر العنكبوت عاد ( عاصي رضا) بتثاقل عيناه تضيء بالأحمر تنذر وتحذّر من الاقتراب منه ....حتى انه لم ينتبه لعدم وجود أميرته التي تسارع لاستقباله والقاء نفسها في احضانه....صعد الى غرفته ينفث لهباً.....انتبهت زوجته للاشعارات الصادرة منه ....ازدردت ريقها رهبةً ...تسللت بهدوء تنزل تسبقه الى غرفة الطعام تجنّباً منه واستعداداً لتناول العشاء....لحق بها بعد وقت قصير وبدا على وجهه الاسترخاء بعد أن اخذ حماماً دافئاً......تجلس على يمينه زوجته وبجانبها ابنها (كرم) ومقابلاً لهما المربيّة السيدة (سهيلة)....بدأت الخادمة بتقديم اطباق الطعام....كان يتكئ بمرفقيه على الطاولة ويشبك كفيّه ببعضهما....رفع احد حاجبيه باستغراب بعد ان مرّ وقت قليل لوجوده وسأل موجهاً كلامه للخادمة:

"أين ألمى وفاتن؟؟"

ابتلعت ريقها ونظرت للجالسة أمامها والتي كانت تعطيها إشارات للصمت تنهاها عن الكلام.....ولما لم تجب وهمّت بالانصراف لفّ وجهه بتوجس لزوجته يكرر السؤال...حاولت التملّص بإشغال نفسها بسكب الطعام لابنها فصرخ بها :

" أظن أنني أتكلم معك....اجيبيني أين هما ؟؟"

تنحنحت المربيّة وشاركت الحديث مجيبة بهدوء:

"عذراً سيد عاصي.... السيدة الصغيرة ترفض الطعام لحزنها على ترك خالتها للمنزل"


"ماذا؟؟...فاتن تركت المنزل ؟؟....لمَ؟؟"

سأل بنبرة مرتفعة متعجباً وهو يوّزع نظراته بينهم يحاول سلب الإجابات من افواههم...

" نعم سيدي...بعد صراعها هي وألمى مع السيدة سوزي"

أجابت بتردد...


"صراع ؟!...ما السبب؟!"

قالها ولم ينتظر الإجابة من كليهما بعد أن فزّ متوجهاً للأعلى الى غرفة ابنته....


"عزيزتي."


" حلوتي..."


"حبيبتي لوما..."

نادى بها بحنان وهو يطرق الباب بلطف ثم ولج الى الداخل بعد أن سمع صوتها تأذن له بالدخول وجلس على طرف السرير بجانبها أحاط كتفيها بذراعه ...يمسّد على شعرها ويهمس لها:

" ما بك أميرتي حزينة؟؟...أخبريني وسأعاقب من كان السبب"

تربّعت على فراشها تواجهه وكتّفت ذراعيها قاطبة حاجبيها تسأل باستنكار:

"حقا؟....هل ستعاقبها؟؟"



"من هي؟"



أجابت بعبوس منفعلة:

"زوجتك أم كرم "

ضحك لانفعالاتها البريئة ولم يعلّق على اجابتها فهو لم يجبرها يوماً على الارتباط بها وبناء علاقة بينهما لأنها لم تهمه كزوجة ...وان كانت تتعامل معها برقيّ واحترام فذلك يعود الى شخصيتها الطيبة وتربية وتوجيهات خالتها والمربية لها....

سحبها الى حضنه يدفن وجهها بصدره عندما رأى احتقان عينيها بدموع القهر ,همس لها :

" حسنا صغيرتي اهدئي....اخبريني ماذا فعلت لكِ؟"

قصّت عليه الموقف بأكمله في الحديقة....قاطعها ناهراَ بلطف :

" حبيبتي لا يجوز أن تلعبي مع أولئك الخدم....من الممكن أن يضروكِ فبالتأكيد يغارون منك ..."

تنهد وأضاف بتجبّر :

"لا يؤتمن لأي شخص ليس من مستواكِ أميرتي....فجميعهم يسعون لأذيتنا من حقدهم وحسدهم على ما نملك.."

رفعت رأسها تنظر له دون أن تهتم لما قاله وتابعت:

"كانت تهددني دائماً بطردك لخالتي.....والآن فقدتها فيمكنني اخبارك كل شيء"

أخبرته بمعاملتها معها ومنعها من اللعب بغير غرفتها ونعتها بألفاظ بذيئة....كانت تسرد له روايتها ....تشدّ من احتضانه تستغل هذه الدقائق التي يتكرّم بها عليها يختصها وحدها دون ازعاجات خارجية فكم تحتاج لحضن يسندها ,يحتويها يشعرها بأنها ليست وحيدة ...حضن الأب أو الأخ الذي لا يقارن بآخر لأنه يعني القوة والأمان لكن لانشغاله بأموره يبقى احتياجها معلّق في الهواء....هي تتحدث وهو يصكّ على فكيّه ...دماؤه تغلي في عروقه...حاول السيطرة بدايةّ وفي النهاية خرج مسرعاً يهبط السلالم بخطوات كبيرة ...يتجه صوْب طاولة الطعام ...يمسك بذراع(سوزي) غير مكترث لمن حولها ...يضغط عليها بقوةٍ صارخاً:

"كيف تسمحين لنفسك بفعل ذلك لابنتي وأنا حذرتك بعدم التدخل في شؤونها ثم منذ متى يحق لك قرار من يبقى ومن يذهب ؟؟"

أجابت وهي تحافظ على برودها ..ترفع رأسها بغرور:

"أنا سيدة القصر والجميع هنا في غيابك تحت أمري...يبدو أنك نسيت ابنة من أكون.."


سحبت المربية (كرم) معها وتركتهما على انفراد.......


أفلت يدها يصفق كفاً بالآخر ..مطلقاً قهقهات ساخرة ثم استقام في وقفته وقال متهكماً:

"كنتِ.."

توسعت عيناها بفضول فتابع:

"كنتِ سابقاً ابنة رئيس الوزراء...أما الآن والدك بلا منصب بسبب انفكاك الحكومة وبما انه متورط ببعض الأعمال سيفر هاربا للخارج ويصبح مشرداً بعد الحجز على ممتلكاته"

سعل من شدة الضحك يضع يده عصدره وأضاف بغرور:

"مشغول حاليا يبحث عن مأوى يهاجر اليه.....تصوري ظنّ أنني سأستقبله في قصري ؟!"

سألت بصدمة:

"ماذا تقول؟..ألم توافق على ذلك؟!"


"بالطبع لا....هل مكتوب على بوابة قصري مأوى للمشردين؟!...يكفيني احتواء ابنته وحفيده من غير فائدة تُرجى "


"لم أكن أعلم أنكَ بتلك الدناءة والقذارة"

ردت عليه بازدراء...


"الطيور على اشكالها تقع ايتها القذرة"

ألقى جملته الأخيرة وتركها مدبراً لابنته ....وبعد لحظات نزل يمسك بيدها قاصداً الخارج...

~~~~~~~~~~~~~~

قرع جرس الشقة بإصرار بينما كانتا تتناولان وجبة العشاء بجوٍ أليف، دافئ، لا يخلو من مرح صديقتها (ايمان)....

"نعم نعم لقد جئت....لحظة"

هتفت (ايمان) وهي تمسك منديلاً تزيل عن فمها بقايا الطعام متوجهة لتفتح الباب....

نظرت بذهول للواقفين أمامها وحدثت نفسها "اذاً فاتن معها حق!!" .

دخل (عاصي رضا) مع صغيرته للاعتذار الجاف الذي كان مضطر له من اجل ابنته فقط وهذا يعد اذلالاً بحقه والّا لم يكن ليسأل عنها البتّة ...بعد انصرافهم أغلقت الباب واتكأت عليه بظهرها ...تكتّف ذراعيها وتحرّك اصبعيها على ذقنها شاردة بأفكارها تهمس بخفوت :

"هكذا اذاً يا سيد عاصي رضا....كنت اعتقد أن لا شخص يعنيك في الحياة ولا حتى ابنتك!!....فقط منصب ومال!!...ربما تكون هي السلاح الذي سنضربك به يوماً ما...من يعلم؟!......الأيام بيننا اذا أراد الله لنا ذلك..."

~~~~~~~~~~~

يومان ونحن في حالة توقف عن الحياة...كأنّ عـقـارب الساعة بقيت مكانها وأبقتنا معها....ننتظر وصول جثمانه الطاهر لنواريه الثرى في مدينته ومسقط رأسه ليحتضنه ترابها الذي أفنى عمره لأجله ...ليضاف شهيداً آخراً فخرا لبلدته....
جدتي دخلت في صدمة تركتها طريحة الفراش.....نبض الحياة أمي تأخذ المهدئات بعد الانهيار الذي أصابها....أخي الرضيع حُرِمَ من حليب امه بعد أن جفّ من حزنها وحدادها على زوجها, بطلها, سندها, أبيها وأخيها بل عائلتها بأكملها التي فقدتهم في الصغر...
ربما كنت أنا الأكثر تحملاً رغم حزني الدفين في كل شعيراتي الدموية.....
استجمعت قوايَ راضيا بقضاء الله لأتولى رعاية أختي , فخالتي (مريم) توّزع اهتمامها بين أمي و(شادي) الذي أجبر على تناول حليبه المصنّع من الزجاجة.....

جاء اليوم التالي المتفق عليه لاستلام الجثة....
جميع أهل البلدة والأصدقاء ومن يُكِنُّ لأبي المحبة والولاء ساروا في جنازة مهيبة تليق بانسان عاش ومات شريفاً خادماً للدين والوطن...

[[ أبــي...
مشيتُ خلفك شامخاً والبلبل يشدو بالغناء
فداءً للوطن حارساً لتُفتح أبواب السماء
بين النجوم وجهك متلألئاً كبدرٍ ساطع في بهاء
سيبقى اسمك خالداً شهيداً بصحبة الأنبياء ]]

~~~~~~~~~~~~

" لا اصدق انك تتعمد اهانتي!!...كيف تعيدها الى البيت؟!"

هتفت(سوزي) باستياء وهي تمشي خلفه تتبعه الى مكتبه بعد عودة (فاتن) الى القصر...

رد دون ان يلتفت لها:

"هذا بيتي أنا....اياك الاقتراب منها او من ابنتي...هما في حالهما وأنت وابنك في حالكما...لا أريد مشاكل....هذا ليس وقت الانشغال في تفاهاتكم جميعاً"

اخذت الجزء الأخير من كلامه وقالت بضيق:

"بالطبع فماذا تعني لك العائلة؟!...المهم هو الحصول على الأموال ونَيْل أعلى المناصب"

استدار خلف مكتبه يجلس على كرسيه..يقول ببرود متهكماً:

" اوه سيدة سوزي منذ متى تغيرت ميولك ولم تعد الأموال أكبر اهتماماتك؟!"

احمّر وجهها حرجا ..فتابع ببروده:

"ثم لا شأن لك بذلك.."

كان قد طفح الكيل معها وصلت ذروتها من الاهانات....فمن جهة كسر كلمتها امام(فاتن) ومن جهة أخرى رفض استقبال والدها في بيته حتى يصلح اموره....لقد تكلمت معه فور خروج زوجها وأمطرها الآخر بوابل من الاهانات ...يتبرأ منها... فبنظره لا نفع منها كابنة مادام لم تستطع اقناع زوجها بشأنه... قرر الرحيل الى ابنيه في هولندا مرغماً فهو لا يطيق زوجتيهما فإحداهما أجنبية والأخرى من عامة الشعب الذي رفض نسبها ولكن ابنه عصاه وتزوجها ورحل وها هو يتلقى نتائج افعاله وتربيته الفاشلة وسعيه وراء المظاهر الكاذبة ومال الحرام ...


" هل تعتقد أنك ستحصل على ما تسمو إليه؟!...انه حلم ابليس في دخول الجنة"


ألقت قذيفتها بغباء ففزّ من مكانه متجها نحوها.. يرمقها باحتقار.. يهدر بفظاظة:

"اصمتي يا وجه النحس!!...سأحصل على ما اريد وعندها ستكونين ملقاة مع والدك في الشارع"


" لا تثق بنفسك كثيرا وتنغر....لا بد من ظهور شخص ما يرسلك الى قعر الأرض لتعود في حال أسوأ مما كنت عليه قبل زواجك من (كريمة)...أوَتظن أن لا علم لي بماضيك؟؟"


دوت صفعة على خدها هزت الأرجاء من شدتها بعد أن أنهت كلامها بحماقة ...أيعقل انها لا تدري مع من تلعب؟!...فنقاط ضعفه المال , ابنته , وماضيه الغير مشرّف....تركها وخرج ينفث لهيباً من احشائه ...تعرّق جبينه قلقاً...سيتحدى الجميع ولن يسمح لأي شيء بالوقوف في طريقه والتأثير على أحلامه التي فعل المستحيل لأجلها....

هوَت (سوزي) بجسدها على أريكة موجودة في مكتبه... تتحسس مكان الصفعة....عيناها غارقتان بالدموع....تفكر بنفسها وابنها...أعادت شريط حياتها السابقة....ابتداءً من والد باعها وهي بعمر الزهور لرجل يكبرها بعشرين سنة من اجل المال لم تذق معه طعم السعادة ...كانت كمومس له يفرغ بها رغباته ثم يلقيها يذلها بابيها ويضربها وبالكاد استطاعت الانفصال عنه....
عادت مع ابنها لأهلها الذين اجبروا على استقبالها متثاقلين, مع أنهم من الأغنياء ولا ينقصهم شيئاً...طلب يدها(عاصي رضا) وكان بنظرها المنقذ من بطش والدها....تعترف بداخلها انها هنا على الأقل تعيش برفاهية وكامل الحرية مع ابنها بغض النظر انها مجرد كرسي في البيت بعين زوجها...لا تشعر بأنوثتها...لا كيان ولا وجود لها في صفحات حياته.....هي صفقة اعتقدها رابحة لغايته ولكنه خرج منها بخفيّ حُنيْن بعد طردِ والدها من منصبه....
كانت الصفعة بمثابة منبه لاستيقاظها من تهورها...عليها اصلاح ما افسدته قبل أن تصبح متسولة تجول الشوارع....
الآن ليس وقت البكاء على الاطلال...يجب أن تتحرك الى الامام...يجب ان تكون اقوى من اجل ابنها....بحثت في عقلها عن طرف خيط لضمان مستقبله....هي تعلم أن أكثر ما يعلّي شأنها بنظر زوجها هو احضار ولائم غنية بالصفقات الدسمة التي تغذي مشاريعه ومسار حياته....هكذا تكسب صفّه وتحافظ على مكانتها في بيته....
لمعت عينيها وأمالت زاوية فمها بمكر بعد أن وجدت ضالتها...
زفرت أنفاسها تستجمع قواها وصعدت الى حمام غرفتها تغسل وجهها بالماء البارد لتنتعش وتبدأ بتنفيذ مخططاتها بدايةً من رفع الهاتف لتدقّ لصديقتها:

" مرحبا...كيف حالك عزيزتي اسراء؟"


" أهلا بالغالية سوزي أنا بخير واشتاق لك كثيرا ما هي اخبارك؟"

استرسلت بالحديث مع (اسراء) صديقتها من الوطن التي لم تنقطع علاقتهما ابدا مع ان كل واحدة بدولة...هي زوجة رجل أعمال شهير يدعى (رائد السيد) ...يقيمون في استراليا حاليّاً...فهم دائمو التنقل بين البلدان ولهم ولدٌ وحيد اسمه (صلاح) البالغ من العمر اثني عشر عاماً.... قررت محاولة اقناعها للإقامة معها في تلك البلاد بعد ان اخبرتها سابقا باستيائها من وضعها فابنها يتعلم لغة يتقنها ثم ينتقلون الى دولة أخرى ولغة أخرى... وانهم يريدون اختيار بلد يستقرون بها....

"لم لا تأتون هنا ؟! بلد جميلة، متطورة، شعبها راقي والأهم تناسب أعمال زوجك.... يستطيع فتح مشاريع كما يحلو له...وربما يتشاركان هو وزوجي...وهكذا نلتقي انا وانت كالسابق وابنينا يصبحان صديقين"

أدلت بصنارتها لعلّ وعسى تُخرج السمكة الذهبية، فتحمست الأخرى هاتفة:

"لم تخطر في بالي سابقاً...من حسن الحظ أنك اتصلتِ بي فنحن كنا على وشك اتخاذ القرار.... سأخبره حين يعود وأعلمك بقرارنا..."

أغلقت الهاتف بعد ان ودعتا بعضهما ....انجزت مهمتها وفقط عليها الدعاء لتصيب صنارتها....

~~~~~~~~~~~~~~

جلس مقابلا له في شركته بعد أن دعاه لأمر عاجل....تبادلا أطراف الحديث العام....نهض السيد(سليم) يضع يديه على خصريه واقترب ينظر للخارج من نافذة مكتبه ثم تنحنح هاتفاً بصوته الجهوري:

" كما أخبرتك سابقاً....حان موعد سفرك"


"متى؟؟"

سأل السيد(ماجد) وهو صديق الثوار ومساعدهم إعلاميا ومعنويا والمرسال بين القادة السريين والمعسكر...

استدار نحوه ثم خطا ليجلس على الكرسي المحاذي له وقال:

"خلال يومين....."


"حسنا...أعطني وقتاً لأرتب أموري.."


"ألم تخبر عائلتك؟؟"


"بلى وهم مستعدون لذلك ,لكن تبّقى بعض الإجراءات الرسمية في المصرف وإخبار أهلي....فإرضاء والدتي واقناعها سيأخذ بعض الوقت لأنني لم افترق عنها من قبل."

~~~~~~~~~~~~~~~~

بعد أسبوع من وفاة أبي عادت أصوات الانفجارات تدوي في كل مكان...ليلة تلو ليلة والحرب تشتد.... قصفٌ هنا وضربٌ هناك!!...بيوت تهدم, أرواح تزهق , أطفال في حالة رعب, عائلات تتشتت, نساء تترمل , أمهات ثواكل...دُمرت بلدان كاملة!!...من سيعمّرها؟! من سيعيد الأزواج لنسائهم؟! من سيواسي الأمهات؟! من سيعوض الأطفال؟!
كان القصف مازال بعيداً عن منطقة سكننا , ولأن أمي لم تفِقْ من صدمتها بعد ...اضطرت عمتي(لبنى) وهي زوجة السيد(سليم الأسمر) صديق أبي ورفيق دربه ومخزن أسراره لأخذ جدتي التي تفاقم عليها المرض والانهيار الى بيتهم في مدينتهم الأقرب للحدود الجنوبية الغربية بعيداً عنا....
×
×
×
تلى الأسبوع أياماً قليلة ووصل الى مسامعنا اقتراب الجنود الى بلدتنا لأنها رحم ولادة الثوار ...بدأوا بالزحف الى مركزها لتدمير المقرات السرية وتهديد عائلاتهم.....

" خُذ شادي لتطعمه....والدتك مشغولة على الهاتف وعليّ الاهتمام في الطبيخ"

طلبت مني خالتي (مريم) الاهتمام به بعد أن رأتني متفرغاً لتتابع عملها في المطبخ ...ما لفت انتباهي هو انشغال امي على الهاتف!!....كانت قد بدأت بالتحسن منذ يومان....الغريب في الأمر انها ليس من عادتها الإطالة بالحديث عبر الهاتف!!....

أطعمتُ الصغير ورفعته على كتفي أربّت على ظهره بخفة ليتجشأ في حركة بتّ أعرفها...فمكوثي في البيت جعل مني حاضنة له ولشقيقتي....

التفتُّ الى يميني حيث الباب الواسع لغرفة المعيشة عند سماعي خطوات أمي وخالتي تقتربان منا.....كان وجه أمي شاحب ونظراتها تتكلم!!... ويبدو أيضا على خالتي أنها مثلي لم تفهم سبب سحبها معها الى هنا!!.....اقتربت مني تحمل أخي وجلست بجانبي وأنا اتأمل تقاسيمها أحاول قراءة ما يدور في رأسها....أومأت بعينيها لخالتي لتجلس فردت:

"لا يمكنني ترك الطبخة على النار....ستحترق"


"اذهب ياهادي واطفئ الموْقد وعد فوراً"

امرتني والدتي بصوت مرتجف...

اطفأته وعدتُ لمكاني ...فهتفت خالتي بتوجس:

" ما بكِ عائشة وجهك اصفرَّ بعد مكالمتك مع لبنى.."


" لم أكن أكلم لبنى بل زوجها السيد سليم"

ردت امي في الحال توضّح سبب شحوبها...


"السيد سليم؟؟!!....ليس من عادته الكلام معك مباشرة!!"

قالت خالتي باستغراب...فهو رجل ملتزم غيّور وبغياب والدي وبعد وفاته كانت عمتي(لبنى) همزة الوصل بينهما عندما يكون امراً طارئاً ليخبرنا به.....


"ماذا يريد عمي سليم؟!"

سألتُ بفضول.....

أخفضت أمي عينيها للأسفل وابتلعت لعابها وهمست بتلعثم:

"علينا..أن...أن نهاجر"


"ماذا؟!"

صرخت خالتي أما أنا كنت أترجم كلمتها في عقلي فتابعت بنبرة يائسة:

"أخبرني أن لا وقت لدينا...فالعساكر سيحاصرون الجبل خلال أيام قليلة وعلينا الاختيار بين الاستسلام لهم من غير مقاومة او النزوح الى مكان آمن حفاظاً على ارواحنا وشرفنا..."

تنهدت وأضافت:

"أنتم تعلمون الاستسلام يعني الاستسلام لبطشهم والله وحده يعلم ماذا سنواجه تحت أيدي أولئك الطغاة..."

رفعت وجهها اليّ نظرت بعيون دامعة ازدردت ريقها وأكملت:

" أنت شاب ومن الممكن أن يأخذوك الى التحقيق لتقر عن أشياء تعلمها ولا تعلمها ....ونحن نعرف ماهي اساليبهم لسحب الكلام او الاجبار على قول ما يريدون لصالحهم "

سكت الكلام...لم أجد أي تعليق يعبّر عن مشاعري....هل هذه حقيقة التي أسمعها؟!....من قرر ذلك؟!..أيمكنني أن أتنفس هواء غير هوائي الجبليّ؟!...ألا يدركون انني انا سمكة في بحر وبإخراجها سأنتهي؟!!...هل سأترك خمسة عشر سنة عشتها في بيتي وحارتي تذهب أدراج الرياح وكأنها لم تكن يوماً؟؟!....بل أصدقائي أيعقل أن افترق عنهم بعد أن اتفقنا لنكون معاً لآخر العمر , حتى أننا بنينا أحلاماً وصلت حدّ السماء !!.....بالله عليهم ماذا يهذون؟؟!!...هذه ترّهات لن أقبل بها !!!!


" كلا وألف كلا"

صرخت بعد عودتي لواقعي أحمل تلك الكلمات....

نظرت لي أمي نظرات رجاء , ضعف , وكأنّها تستنجد بي!!...اغرورقت عينيها بالدموع..ضمّت الصغير الى صدرها بقوةٍ وهمست بصوت مختنق:

"ارشدوني ماذا افعل ؟؟.....هل نجلس هنا ننتظر حتفنا؟!....إن متنا جميعاً فلا بأس, ذلك لا يهمني...أما....أما...."

بترت كلماتها وسط عبراتها وبدأت ترتعش توشك على الانهيار ثم رفعت صوتها تخفي ضعفها وراءه وتابعت :

"أما ان فقدت أحدكم سأموت في الحياة ...أنا لا أقوى على هذا...فلتشعروا بي ......ذهب حبيبي تاج رأسي وتركني اواجه هذه الصعاب لوحدي!!....يكفيني ما عانيت من رحيل الأحبة "

دفنت وجهها بأخي وعلا نحيبها ....كانت كل دمعة تقطر منها تغرز كخنجر في فؤادي وصوت بكائها يمزق روحي.....اقتربتُ منها أضمُ كتفيها بذراعي مقبّلاً رأسها هامساً باستسلام :

" كما تريدين يا نبض الحياة...فلترضي عنا... أرجوكِ لا تبكي"


خالتي تضمُ(دنيا) في حضنها بعد أن رأت الوجوم يعتريها من بكاء امي....


تظاهرتُ بالقوة وسألت:

"متى سنرحل ؟!! وهل يوجد حديث عن عودة أم أن علينا نسيان شيء اسمه وطن ومدينتنا الجبلية وقصرنا العريق؟!"

مسحت امي دموعها بأطراف اناملها وأجابت بين شهقاتها:

"بعد غدٍ ان شاء الله وبإذن الله سنعود عندما تهدأ الأوضاع ..هكذا وعدني السيد سليم.."

أملتُ فمي ببسمة ساخرة وقلت في سرّي "وهل من أملٍ لتهدأ الحرب مادام يتنفس على هذه الأرض الجبناء والأوغاد"
×
×
×
أشعلتُ النار بعد أن جمعتُ بعض الأغصان اليابسة الصغيرة أضعها بين الحجارة لأتدفأ, أنتظر وصول صديقاي (سامي وأحمد)...
كان الوقت هو العصر من اليوم التالي لقرار الهجرة في بيتنا....قمتُ بالاتصال بهما لنلتقي بأعزّ مكان على قلوبنا...جمَعَنا دوْماً لسنوات....كان عبارة عن مرتفع يطلّ على القسم الأسفل من مدينتنا , فتضاريسها تبدأ بالارتفاع تدريجياً حتى تصل حيّنا الموجود في أعلى نقطة منها المحاط بأشجار السرو الكثيفة وكأننا في غابة....
أما مكاننا هذا فهو بطريقٍ ترابيٍّ جانبيٍّ كأنه تلة صغيرة تزيّن رأس الجبل ونبتت فيه شجرة من أشجار الخروب دائمة الخضرة التي نستظل بها ...نجلس على صخور تحتها...نشاهد منظر الغروب منها ونتسابق في القاء الحجارة من يحصّل على أبعد نقطة....كانت هذه أفضل العابنا التحدّي....
كنتُ جالساً بسكون ..تارةً أحرّك النار بعودٍ رفيعٍ وتارةً أخرى أسرح بمنظر مدينتي الحبيبة.....

"السلام عليكم..."

ألقى (أحمد) التحية وتبعه (سامي)الغليظ بـ:

" ما بك تبدو كالأرملة التي فقدت زوجها لتوّها؟! ...بقي عليك أن تولوِل"

" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.....هيا اجلسا"

قلتُ وأنا أخفي نظراتي المحترقة عنهما....أتمالك نفسي.....

جلس كل منهما على جانبيّ ننظر بنفس الاتجاه الى الأمام....فتنحنحتُ لأحافظ على اتزان حبالي الصوتية قائلاً بدون مقدمات:

"سنهاجر.."

رمقني (احمد) بنظراتٍ مصدومة قاطعها (سامي) باستهزاء وهو يلوّح بيديه أمام وجهه :

"هِيـه هل صدقت هذا الأحمق أيها المغفل؟!...هو لا يمكن أن يتنفس غير هواء جبلنا"


"بلى...أنا لا أمزح"

قلت بصوت ضعيف.....


"لماذا؟!"

سأل (أحمد) بعتاب...


كان (سامي) يحدّق بجانب وجهي الأيمن حيث يتواجد فأجبتُ بقهرٍ ظهر بنبرتي:

"هذا قدرنا لنحمي أنفسنا.."

وعند آخر حرف غدرتني دمعة ظلّت عالقة محاصَرة في زاوية عيني اليمنى ...لمحها من كان بهذا الجانب فأدرك صدقَ قولي وأنقضّ يحاوطني بذراعيه وكأنه يحميني من الهروب ...انضمّ معنا (احمد) يحاوطنا نشبك أيدينا على أكتاف بعضنا ...نلصق جبهاتنا في بعضها ....نبكي بصمت دون أن ننبس ببنتِ شفة.....
دقائق ونحن نشد من احتضان بعضنا قطعتُها أنا ...أضربهما على كتفيهما ..أمسح دموعي مبتسماً بتصنع أجاهد لإخفاء احتضار روحي هاتفاً:

"ما بنا نبكي كالنساء؟؟....هيا امسحا دموعكما قبل أن يرانا احد ويشيع الخبر بالحيّ!!....لا تفرحا كثيراً سأعود قريباً ان شاء الله لأنكد عليكما عيشتكما"

ضحكا وعدّلا جلستهما وبدأت اسرد لهما تفاصيل رحلتنا ثم وصيتهما على بيتنا.....بقينا حتى الغروب وتفرّقنا عند بوابة منزلي بعد أن تعانقنا نودّع ونوصي أحدنا الآخر بالاعتناء بنفسه حتى نلتقي مجدداً....

دخلتُ بيتنا وارتميت على الأريكة في غرفة العائلة شارداً بالهجرة....

الهجرة؟!!

الهجرة هي كلمة ربطتها دائماً بالطيور المهاجرة بين الفصول...!!...كنت أشرحها لشقيقتي(دنيا) ونحن نراقب هجرتها في الخريف واستقبالها في الربيع....
أما هجرة بني البشر كنت أسمع عنها في وسائل الاعلام لأخوة لنا تهجّروا....بيننا وبينهم مسافات كبيرة.....أدعو لهم بصلاح الحال وأقلب المحطة من بعدها على برامج مسلية....فأنا أنعم بكامل الرفاهية في بيتي...احصل على كل ما أتمنى...بيت بارد في الحر ودافئ في البرد.....لا أكترث لشيء ....أصحابي حولي....أزور أقاربي...مطبخنا مليء بأشهى أنواع الطعام....لدينا مركبة فخمة...أدرس بأفضل المدارس....لم أشعر يوماً أو حتى أفكر ماذا عاشوا من تذوّقوها....

نعم الهجرة هي الآن مـ ـلاذّنا الوحيد لننجو اذا قدّر لنا ذلك....بعد أن اقنَعَنا زوج عمتي السيد(سليم الأسمر) بخطورة البقاء لانتمائنا لاسم القائد المجاهد (محيي الدين)....

كيف أصبح إسم أبي يشكّل خطراً علينا بعد أن كان مصدر الأمان الذي نفتخر به؟!.....أين كنا وأين وصلنا؟؟!!

آهات حبيسة تختلج صدري ..تضغط على أنفاسي...وددت لو أطلقتها لأرتاح!!....لكني خشيت على عائلتي فيكفيها ما فيها....

لا أريد لأمي أن تذبل مجدداً بعد عودتها للحياة رويداً رويداً بفضل الله ومن ثم دعم الأحباب...
خالتي العزيزة(مريم) لم تشأ تركنا بعد أن فقدت زوجها قبل سنوات عدة...كانت تلازم امي وتساندها رغم أنّها تصغرها بسنواتٍ...

" رتبتُ حقائبنا ووضعتها عند المدخل كي لا نتأخر في الصباح"

وجّهت أمي كلامها لخالتي التي نهضت من مكانها قائلة:

"حسناً وأنا سافرغ الخزنة من المال والمجوهرات..."

عند سماعي كلمة مجوهرات عدتُ في ذاكرتي لأيام ليست ببعيدة أسمع بها أمي تطلب المال من ابي لاقتنائها لتذخرها بحجة [قرشك الأبيض ليومك الأسود]....يبدو أنه جاء هذا اليوم الأسود لتَخْرُج هذه المجوهرات....

"أنا اريد أخذ بندقية أبي "

هتفت بها عند مروري من جانبها وهي معلّقة مكانها على الحائط فشهقت أمي بفزع ..تضع يدها على صدرها... عيناها تلمعان قائلة :

"مستحيل لن أسمح لك ....يكفي ما خسرنا"


"لكن يا امي هذه رائحة أبي وأوصاني بالمحافظة عليها..أرجوكِ"

قاطعتني بحزم:

" لا استطيع المجازفة بك وبأخوتك....ثم من قال لك أنهم سيسمحون لك بنقلها؟!....تحتاج لتصاريح!!....اقفل الموضوع"

زفرتُ بضيقٍ واستسلمت لقرارها ....دنوت منها أقبّل جبينها وقررت ايداعها بمكان آمن...
بعد منتصف الليل الجميع في سبات باستثنائي !!..أتململ في فراشي...أفكر بالغد والمستقبل المجهول....قبل أيام كنت أطير فرحاً لتحمّلي مسؤولية تافهة ...والآن بعشيةٍ وضحاها أصبحت رجل البيت لأرعى عائلة كاملة رغم صغر سني....
أثقلني التفكير وغلبني النوم في النهاية....


تعالت مآذن البلد بكلمة الله اكبر...
نعم الله اكبر على كل ظالم ..الله اكبر على من طغى وتجبّر...حي على الفلاح والصلاة خير من النوم....إنه موعد صلاة الفجر...

كانت امي في هذه الاثناء تطعم أخي (شادي) ...توجّهت الى المطبخ بعد أن نام الصغير لتغسل زجاجته ثم أقبلت لتوقظنا أنا وخالتي للصلاة وللاستعداد للانطلاق....

أشرقت شمس يومنا الأخير في وطننا لا نعلم ماذا يحمل في طيّاته!!

خرجتُ الى الحديقة قاصداً تلك الشجرة المباركة...شجرة زيتون كبيره معمّرة...حفرتُ تحتها واضعاً البندقية ناثراً التراب عليها بإحكام ومع نثراته تناثرت في قلبي غصّات...فهذا الموقف أعادني الى لحظة مواراة أبي الثرى...دفنتُ أبي ودفنتُ العهد معه...

لم أسمح لدمعي بالنزول...رفعت بصري ناظراً للسماء متذللاً لخالقها:

" ياا رب أنت العالم بحالي...ياا رب إني استودعك مِن أغلى ما أملك...ياارب أحيّني لليوم الذي سنطّهر به الوطن كما رغب أبي"

مسحتُ دمعة خانتني وتوكلت على الله داعيّاً:

" اللهم إنا نسألك خير ما في هذا اليوم ونعوذ بك من شره"

دلفتُ بيتي رافعاً رأسي بثقةٍ وقوةٍ لم أعهدهما من قبل....فاليوم يوم مصيريّ....يجب أن ابثّ الآمان لعائلتي وأُشعرهم أنهم بإمكانهم الاعتماد عليّ لأتولى رعايتهم من بعد الله....

وصلت مركبة تابعة للسيد(سليم الأسمر) كما اتفقنا لتقلّنا الى مرفأ السفن بعد أن رتّب أمورنا مع معارفه وقاموا بكافة إجراءات النقل الرسمية ودفع مبلغ طائل من المال لحجز مقاعد لنا بسفينةٍ على مستوى رفيع فيها شتّى وسائل الرفاهية....

وضعنا الحقائب في صندوق السيارة وركبتُ أنا المقعد الأمامي جانب السائق وبقية عائلتي في الخلف....لنسير على دربِ الهجرة!!

[[سلامٌ على مدينة تنفست هواءها , شربت ماءها ,سجدت على ترابها , أكلت من خيراتها , هاجرتُ منها ووعدي ألّا أنساها, فعمري ودمي كله فداؤها]]

********** (انتهى الفصل الثاني) **********

اللهم صلّ وسلّم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم

5maha, bobosty2005, shezo and 3 others like this.

ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-21, 09:01 AM   #9

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,094
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا.صدق حدسي في موت السيد محي المناضل .
وبموته تتغير كل الأشياء حياة أسرة بالكامل ينضج فيها الصبي قبل الاوان وتواجه الزوجة عالما جديدا بمعايير جديدة فعليها الصراع للبقاء بعد ان إنهار العامود الذى كانوا يحتمون به وليت هذا العالم المنهار يظل راسخا فلا يغادرهم وطنا كما غادرهم رب الأسرة.
اما فاتن فقد إتضح انها ليست ركنا هشا يمكن الإطاحة به إذ لم يمض سويعات حتي أعادها عاصي من أجل عيون ألمي فهو فيما يخصها ابا صالحا محبا بصرف النظر عن أطماعه
ويستمر صراع المصالح والبقاء للأقوى ..سوزان تحاول ترسيخ وجودها معه بعد فقدان والدها لمنصبه وأيضا عن طريق المصالح واستجلاب الصفقات
في عالم الفاسدين كل شئ بثمن ولا عزاء للقيم والمثل العليا.
وها هي الإجابة فبمغادرة الاب عليهم مغادرة الوطن نجاة بأرواحهم متخلين عن عمرا عاشوه آمنين
ومن ثم تبدأرحلة الترحال واللجوء.
هي هجرة ليست كهجرة الطيور التي لا تلبث ان تعود لموطنها بينما من يهاجر وطنه مرغما لا يصبح له يوما وغدا ومستقبلا هي فقط اللحظة التي يحياها متمسكا بأهداب الحياة فاقدا كل سبل الحياة التي أجدتي وصفها علي لسان هادى وهو يودع بيته وحياته الآمنة.
ويضطر لدفن رمز البطولة ووصية والده وهي بندقيته الغاليةتحت شجرته العزيزة عله يرجع يوما وبستعيد فخر أبيه.
حلما بعالم الغيب فكثيرا من يرحل لا يعود
سلمت اناملك علي الفصل الجميل والمشاعر الصادقة التي تعبر بكل الالم والقهر والشتات علي اسرة كانت آمنة فغدت بين عشية وضحاها لاجئة تفقد أحضان الوطن.
إلي لقاء لك كل الحبx التقدير


shezo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-21, 03:52 PM   #10

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,255
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا.صدق حدسي في موت السيد محي المناضل .
وبموته تتغير كل الأشياء حياة أسرة بالكامل ينضج فيها الصبي قبل الاوان وتواجه الزوجة عالما جديدا بمعايير جديدة فعليها الصراع للبقاء بعد ان إنهار العامود الذى كانوا يحتمون به وليت هذا العالم المنهار يظل راسخا فلا يغادرهم وطنا كما غادرهم رب الأسرة.
اما فاتن فقد إتضح انها ليست ركنا هشا يمكن الإطاحة به إذ لم يمض سويعات حتي أعادها عاصي من أجل عيون ألمي فهو فيما يخصها ابا صالحا محبا بصرف النظر عن أطماعه
ويستمر صراع المصالح والبقاء للأقوى ..سوزان تحاول ترسيخ وجودها معه بعد فقدان والدها لمنصبه وأيضا عن طريق المصالح واستجلاب الصفقات
في عالم الفاسدين كل شئ بثمن ولا عزاء للقيم والمثل العليا.
وها هي الإجابة فبمغادرة الاب عليهم مغادرة الوطن نجاة بأرواحهم متخلين عن عمرا عاشوه آمنين
ومن ثم تبدأرحلة الترحال واللجوء.
هي هجرة ليست كهجرة الطيور التي لا تلبث ان تعود لموطنها بينما من يهاجر وطنه مرغما لا يصبح له يوما وغدا ومستقبلا هي فقط اللحظة التي يحياها متمسكا بأهداب الحياة فاقدا كل سبل الحياة التي أجدتي وصفها علي لسان هادى وهو يودع بيته وحياته الآمنة.
ويضطر لدفن رمز البطولة ووصية والده وهي بندقيته الغاليةتحت شجرته العزيزة عله يرجع يوما وبستعيد فخر أبيه.
حلما بعالم الغيب فكثيرا من يرحل لا يعود
سلمت اناملك علي الفصل الجميل والمشاعر الصادقة التي تعبر بكل الالم والقهر والشتات علي اسرة كانت آمنة فغدت بين عشية وضحاها لاجئة تفقد أحضان الوطن.
إلي لقاء لك كل الحبx التقدير
اهلا بكِ..نورتِ❤

نعم لقد صدق حدسك وتحليلك بالنسبة لموت الأب.👍

هادي رغم صغر سنه الّا انه واعي كفاية لمسؤولياته اتجاه عائلته...لقد نضج قبل أوانه لانه كان ملازماً لأبيه وتأثر منه لحد كبير........وفاتن كما قلتِ ليست ركناً هشاً انما هي حكيمة في تصرفاتها وردود أفعالها.....اما بالنسبه لعاصي رضا يحب ابنته بطريقة خاطئة ..فهي تحتاج منه الاحتواء والاحضان والمرافقة وليس الماديات وابعاد الاخرين عن طريقها حمايةً لها...وسنرى لاحقا الى أي حد ممكن ان يضحي في مصالحه من أجلها......سوزي هي صورة لزوجة الأب الأفعى الحاقدة ، الأنانية ، الباحثة عن مصالحها ومصالح ابنها فقط .........

نحن ننعَم بفضل الله بالامان والاستقرار في بيوتنا وعندما نخرج لرحلة او زيارة نشتاق بسرعة للعودة الى البيت ....فكيف الذي ترك حياته وبيته مرغماً....مهما كتبنا لا نعبر ذرة عن شعورهم...كان الله في عونهم وعوضهم كل الخير وأعادهم للوطن سالمين آمنين.....

أشكرك على مرورك الاكثر من رائع ولطف كلماتك ...بارك الله فيكِ🌷


ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:05 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.