الصدع العظيم (105)- قلوب خيالية [حصريًّا] للكاتبة نتالي جواد *الفصل 9*

[نتالي جواد]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تقديم مشرفة الرواية: Fatima Zahrae Azouz
تطفلي على تقديم روايات بقية الكاتبات نادر جدًّا، بل ويكاد يكون معدومًا، لكنني وجدت نفسي ها هنا بقلب هذا الموضوع، أحاول أن أخط بضع ثرثراتي دون أن أستفيض في الحديث كما أفعل عادةً عند تقديم رواياتي.
يشهد الله أنني أكن كل الحب والمودة لكاتبات القلوب، قديمات كن أو جديدات، مبتدئات كن أو مخضرمات، قرأت لهن أو لم أفعل ذلك لضيق الوقت، وذلك لإدراكي أن هذا الصرح مليء فقط بجواهر نفيسة في عالم الكتابة، لا يعرفها إلا منقب مغامر محب للمعرفة
معرفتي بنتالي كانت صدفة بحثة، بفضل هذه الرواية التي ستضعها الآن بين يديكم. أحببت روحها الجميلة، كما أحببت أسلوبها الأجمل، ولطالما أقررت بداخلي أن الأعمال الخيالية وكذا التاريخية لا يستطيع الكل كتابتها، كما لا يستطيع الكل مطالعتها.
لذا وجدت نفسي هاهنا أخبركم أن لكم موعد بين جنبات "الصدع العظيم" مع قصص مختلفة حتمًا، ستحبونها وتحبون كاتبتها كما تسللت إلى قلبي منذ مطالعتي السريعة لأول فصل.
وقبل أن أختم ثرثرتي، وددت أن أشكر فنانة القلوب المتفردة هدى خورشيد على تصميماتها الخلابة
أترككم مع تقديم الكاتبة:
* * * * *

متى بدأت الكتابة؟ أنا نفسي لا أعرف، أنا أكتب منذ الآن و الأمس وحتى غداً.
الصدع العظيم، الحقيقة أنها صدوعي أنا، أنا أؤمن بأن الروايات هي عوالم قائمة بالفعل، كانت أم ستكون لا يهم، ومنه أعرف أن شخصيات تلك الروايات تختارنا لنحكي عنها وعن آلامها، سعيدة جداً أنني كنت اختيارك أيها الملك اندريك.
نبذة عن شخصيات الصدع العظيم:
1ـ [آرتان اندريك] شخصيتي الأقرب لقلبي❤
لم أعلم بمصير ارتان حتى النهاية، لكنني رأيت في قدره الألم، ظننت أنني سأكون بخير حين تخط يدي نهايته، لكنه هو فقط من كان بخير.😔
2- [اسيلا]
تؤمن بأن خلف كل ظلام نور ساطع.
تبحث في ظلام ارتان عن تلك الشرارة التي أشعلتها أمها في حكايات الصغر. هو وحش الحكايات، التنين.. أرادت لها أمها أن تكره الوحش العظيم، لكن ماحدث هو العكس.
3- [جوليا]
صغيرة هشمتها مخاوف أبيها، قلبها وجد الحب، لكنه ما لبث أن فقده حين أصبحت حياتها تحت سطوة الإمبراطور اندريك.
4- [ماكس]
كل ما أراده أن يستعيد الشخص الوحيد الذي أحبه، لكنه يقلب الطاولة رأساً على عقب.
5- [مارلين]
أقسمت على أن تجعل حياته مثوىً للالم، أن تجعل سعادته حلماً صعب المنال...
6- [ريجار، ستار الليل]
هو الأبيض الأسود الذي نسج خيوط لعبته بمهارة عالية إلى أن اكتشف ما سيغير حياته
الرواية تدور أحداثها في إمبراطورية النجم الجنوبي: قــنــدالـــيــا. النجم الذي تحطمت أجزائه في حرب طاحنه، اليوم بعد خمس وثلاثون عاماً، إلامبراطور اندريك سيجمعه من جديد.
ما هي الأثمان التي سيدفعها ليحقق حلمه بالسلام؟؟ وأي سلام سيحققه وليد الحرب.
خيوط روايتي الأولى بين أيديكم، رواية نسجت بها عالماً لبث في أعماقي طويلاً ❤💜

كتابة وتأليف:: نتالي جواد
تدقيق ومراجعة لغوية:: Fatima Zahrae Azouz& Mina Regina
تصميم الغلاف الرئيسي، الفواصل والتواقيع:: هدى خورشيد
تنزيل الفصول:: Fatima Zahrae Azouz
إشراف الرواية:: Fatima Zahrae Azouz

كل يوم اثنين بإذن الله
المقدمة والفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث

الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر

بعد انتـــــهــــــــاء الروايـــــــة بإذن الله

لا تحرموا كاتبتنا من آرائكم وتعليقاتكم
في أمان الله وحفظه

[Fatima Zahrae Azouz]

ألف مبرووووك نتالي
إن شاء الله تلاقي الدعم اللي تستحقيه وتستحقه الرواية
متحمسة للرواية جدًّا
واثقة بروعة قلمك فكتابتها
منورة قلوب أحلام
تحياتي وودي
أمووووووووووووووووووه

[Fatima Zahrae Azouz]

المُقدمة
كُتب له مصيره وعليه أن يعيشه مرغمًا، سواء أحبه أم لم يفعل، نسجت له الحياة خيوطها، وصوبت نحوه رماحها، وخلقت له طريقًا للعيش يمشي عليه، لكنه التنين المُلتهب، ولن يرضى بـحياة لم يصنعها بنفسه.
* * * * * *
الـفـصـل الـأول: حـريـق
حصان أسود أصيل به لمعة وكأنه عملة معدنية حديثة الصُنع، يمشي بغرور على الطريق الحجرية وسط سوق المدينة، دافعًا الناس لترك أعمالهم ليتأكدوا من هوية الفارس المُهاب، ويتفحصونَ فخامة هيئتهِ الملوكية بردائه الأسود المثبت على كتفيه، على خصره سيف ذهبي الغمد، عريض، نُقش على غمده تنين مجنح ذو ذيل طويل يلتف على طول الغمد، حتى مقبض السيف الملكي كان رأس تنين مشرب بلون ذهبي لامع.
حوله هالةٌ من الغموض والهيبةِ الطّاغية، يسير خلفه ثلاثة صفوف من الجنود، ملامحهم ثابتة لكنها جزعة متجهمة، زيهم موحد، يمتطون أحصنةٍ متناسقةٍ في مشيها، متشابهة في لونها البني، موحدة في لون أسرجتها السوداء حتى أنك قد لا تفرق بينها لشدة تشابهها بينما تندمج في وقع أقدامها المتناغم على الأرض الحجرية.
اتساع أعين الناس المتجهمون وتوتر نظراتهم كان كافيًا ليظهر خوفهم من ذلك الرجل.
تداخلت الأصوات بهمس كفحيح الأفاعي السامة واختلطت نبراتهم الخافتة بالخوف والقهر معًا:
«ما الذي أتى بـ جلالة الإمبراطور إلينا؟ هو لم يأتي منذ مدة طويلة!»
رد الآخر بصوت بالكاد يُسمع:
«قُضي علينا حتمًا، إنه قاتلٌ لعين.»
فيما حذرهم الأخير مرتجفاً:
«اصمتوا، أغبياء قد يسمعكم.»
اقشعرت أبدانهم لتلك النظرات الباردة، نظراته اخترقت خبايا نفوسهم كاشفة سرائر قلوبهم وسوء ظنونهم فيه؛ اعتاد تلك النظرات لا بأس بها لشخص كان مولده لعنة على الجميع وقبلهم نفسه.
تنقل بين الممرات يتفحص أحوالهم، أو لعله يغذي نفسه بكرههم له، كلما مر على فوج تظاهروا بالعمل الجاد حتى لا يضطروا للنظر في عينيه، قد تغضبه نظراتهم دون قصدهم. لم تستريح قلوبهم حتى سلك طريقًا ترابيًا تاركًا المدينة وبيوتها المتقاربة وأسواقها المتزاحمة خلفه.

في مشهد مشابه، يقترب الناس من إمبراطورهم، يقدمون له هداياهم، ليس وكأنه يحتاجها، بل لقول نحن نحبك، لكن اليوم هنا هم يتحاشون ذلك قدر المستطاع.
وصل إلى بوابة خشبية مقوسة، أقل ما يُقال عنها عملاقة، موضوعة في قلب جدار حجري امتد على طول حدود عاصمة النجم الجنوبي "قنداليا". على كلتا الدفتين للبوابة يوجد نقش بارز لتنين مجنح ينفث النار من فمه، بدا كنقش أسطوري جميل وقديمً.
أشاح بنظراته عن النقش العتيق.
دفع الرجال البوابة بقوة، فَفُتحت لينقسم التنين المجنح إلى نصفين. أشار للحرس الذين لم يكن لوجودهم أي داعٍ منذ البداية بالمغادرة، انصاعوا لأوامره بامتنان شديد؛ فإن عودتهم إلى أهاليهم بينما أنفاسهم لا زالت تدخل وتخرج من صدورهم بعدما كانوا برفقة التنين بمثابة حظٌ عظيم.
اعتاد مرافقوه وجميع من يحتكون به أن يحملوا أرواحهم على كفوفهم، فهم لا يعلمون متى يفقدونها.
ما إن تخطى البوابة وأُغلقت خلفه، حتى أطلق العنان لذلك الحصان الأسود كي يُسابق الرياح التي كانت في أوج عصفها حين ذاك، انطلق الحصان بسرعته الخارقة، الصخور سُحقت تحت حوافره لشدة وقعه عليها؛ اطمأنت نفس "آرتان" عندما اختلى بنفسه برفقة حصانه، الآن يستطيع أن يكون على سجيته دون أن يسبب الأذى والخوف لأحد.
أرخى لجام "كارلوس" فأخذ الأخير يزيد من سرعته حتى بدا أنه كالبرق لا تكاد تراه حتى يختفي من ناظريك، انبعث بعنفوان بين الأودية العميقة، وسفوح الجبال الشامخة، عَبر السهول الخضراء الواسعة، وباطن الغابات الأخاذة، استمر انطلاقه الجامح لساعات دون توقف ولا يمكن أن يتوقف ما لم يُطلب منه ذلك، هو أيضًا في أمس الحاجة للحظات من الحرية.
شد الملك لجام جواده أثناء نزوله عن منحدر بسيط ليخفف سُرعته تدريجيًا، حتى توقف بجانب بُحيرة صافية ساحرة تسلُب الألباب لجمالها، تُشاهد ما في قاعها من حصى ونباتات دون أن تشوب عينيك شائبة، زُرقتها براقة، وازدادت جمالاً فوق جمال حين انعكس بريق غروب الشمس الآسر على مياهها الراكدة، لتمتزج بلون أرجواني جميل.
وثب عن ظهر حصانه الأسود بخفة فتبعثر شعره الفحمي بفعل حركته السريعة، أخذ يمسح على عنق كارلوس وجبهته:
«أحسنت صنعاً أيها الحر.»
صهل كارلوس بفخر وكأنه يتجاوب مع سيده الذي ترك لجامه ولم يربطه.
خطى نحو البحيرة الجذابة، وجلس على حافتها، نظر إلى انعكاس صورته في المياه الصافية، حدق في عيني نفسه وملامحه التي لا تختلف في جمودها عن الحجر، ليتذكر الماضي اللعين و تلك اللعنة التي يحملها بين جنبيه تنبض حية، عبرت بذاكرته نظرات الناس له وذلك الهم العظيم الذي يحمله منذ أن كان في الخامسة عشر من عمره. تبدلت ملامح وجهه الباردة بأخرى مرهقة تحمل تعب سنين طويلة ومعاناة لا يمكن مشاركتها مع أحد.
عبس وجهه ومد يده في الماء معكرًا انعكاس صورته متعمدًا، أخذ حفنة ماء باردة وغسل بها وجهه ليمسح بها عن نفسه تلك الذكريات التي داهمته، خلل يده في شعره يعيد ترتيبه بعد عبث الهواء به، وأخيرًا فرت من صدره المثقل بالهموم تنهيدة قصيرة.
* * * * * *

[Fatima Zahrae Azouz]

بخطوات سريعة نزلت آدلين الدرجات الأخيرة الفاصلة بينها وبين مبتغاها.
بتردد طرقت الباب الرمادي العتيق، ظهرت من خلفه عجوز قد تكور جسدها وانحنى عظمها. صدمت لبرهة من وقوف زوجة الإمبراطور على بابها في مثل هذه الوقت.
«جلالة الملكة آدلين؟! جلالتكِ هنا أمام بابي؟! لو أخبرتني لأتيت لحجرتكِ بنفسي.»
همست آدلين وهي تدخل لحجرة طبيبة القصر سيلفيا وتغلق الباب الثقيل خلفها:
«اخفضي صوتكِ أرجوكِ، لا أريد لأحد أن يعلم بقدومي إليكِ».
«كما تشائين جلالتكِ»
بعد أن دخلت وقبل جلوسها أخذت تقص على الطبيبة سيلفيا سبب قدومها والأمر الذي أفقدها لذة نومها وشغل بالها منذ فترة،
وبعد أن انتهت سألت قلقة ومتخوفة من هاجس يرعبها:
«ما الذي يحدث؟»
بينما استبشرت الطبيبة، تكدرت ادلين وقنطت، هذا ما توقعته..
تحاملت على نفسها، وأصرت على أن يتم فحصها لتتأكد، لبت لها الطبيبة رغبتها.
تلت صلواتها، دعت وتضرعت لكي يكون الأمر بعيداً عن توقعاتها، ما لبثت آمالها أن تلاشت حين أكدت لها الطبيبة أن داخلها روح أخرى، أخبرتها أنها محظوظة جداً لأنها ستنجب الوريث الأول الإمبراطورية العظيمة، وأنه استمرار لنسل آل اندريك العريق، وختمت:
«هنيئاً لكِ سيدتي، إن في داخلكِ نطفة مباركة»
حشرت دموعها، كلا، لا تريد، هذه نطفة من وحش عظيم وليست مباركة، كلا... كلا...
أجبرت نفسها على رسم ابتسامة صغيرة، رغم أن عينيها الذابلتين والممتلئتين بقطرات الدموع فضحتا أمرها، إلا أن الطبيبة عزت ذلك إلى فرحة الحمل المنتظر.
تركت الطبيبة، ومع إغلاق الباب انهمرت دموعها رقيقة خائفة، صعدت الدرج ببطء تحاول منح نفسها الوقت الكافي ليستوعب عقلها ما أخبرتها به سيلفيا، وأن الكابوس غدا حقيقية، ستنحب منه!! كلا.. لعله حُلم لعلها اخطأت، لكن هيهات كل شيء بدا واضحًا، كتمت نحيبها ودموعها تتساقط كزخات المطر:
«لا، لا يمكن، لا يمكن»
وضعت يدها على فمها تكتم شهقاتها ولم تحملها قدميها فجلست على عتبات الدرج تبكي مصيرها، فما حدث الآن تعتبره آدلين كابوس مُر لا يمكنها تحمله، لا يمكنها تحمله.
* * * * * *

[Fatima Zahrae Azouz]

بُني قصر قنداليا المحصن على سفح جبل شاهق، فبدا وكأنه جزء منه، تحوطه الأسوار العملاقة من كل الجهات عدا الخلف حيث ينتصب الجبل شامخًا، بدا البناء العظيم وكأنه شُيد بتعويذة سحرية لا تمت للعمل البشري بصلة، هنا حيث عاش الإمبراطور اندريك، وكل أسلافه من قبله، إنه عرين وحوش الجنوب، لكن الإمبراطور لا يمكث في عرينه طويلًا، أنه يغادر لأيام طويلة يختفي ولا أحد يعلم أين يذهب بعد أن تغلق خلفه بوابة الجدار.

في ذلك المساء تردد صدى الصرخات الهلعة في أرجاء القصر من خادمتين مذعورتين وأعينهم الجاحظة تنظر نحو جسد امرأة أكلته النيران واضطرمت به حتى كاد يتحول رمادًا، بدأت النيران تلتهم السجادة الحمراء من تحتها، وأخذت تمتد إلى الستائر والأثاث.
كانت حجرة غاية في الرقة، ستائر مخملية فاخرة، ولوحات جميلة، كل هذه التفاصيل كانت توحي بأن صاحبتها أكثر رقة من أن تقدم على هذه الفاجعة.
صاحت إحدى الخادمات بذعر مرتجفة:
«سيدة أدلين! ما الذي فعلته بنفسك!؟ لا سيدتي!»
دقائق معدودة حتى جاء الجنود بجرات ممتلئة بالماء، قذفوا بها جسد المرأة المشوه أولاً ثم باقي الأثاث الذي امتدت إليه ألسنة اللهب؛ بعد عدة جرات انطفأ الحريق وبقي الدخان يتصاعد ببطء.
اقشعرت أبدانهن لهول ما رأت أعينهن، أغلقت إحداهن باب الحجرة وهرعت أخرى تجري بين الردهات الطويلة، نزلت درجًا طويلًا ملتويًا بقيت تجري حتى وصلت مبتغاها فتحت الباب الأخضر القديم بقوة، قاطعة باندفاعها خلوة سيدة على عِتاب السبعين من عمرها. كانت تقرأ كتابها السميك بهدوء بعيدًا عن كل شيء حولها. بُعد حجرتها وضعف سمعها كانا كافيين لعزلها عن الخارج، لا تعلم بفعلة وحيدتها حتى اللحظة، رغم أنها استغربت عدم قدومها لرؤيتها كعادتها.
قالت الخادمة بنبرة هلعة، وهي تلتقط أنفاسها:
«آدلين يا سيدتي!»
فزعت السيدة من نبرة الخادمة الجزعة، أخذ قلبها ينبض بقوة، وكأنها أحست بما تريد قوله، نهضت بصعوبة وسقط منها الكتاب الذي كانت تقرأه
«ما بها ابنتي يا ليزا؟»
ترددت الخادمة ثم لفظت كلماتها وهي تجز على اسنانها فيما الدموع تتسرب من عينيها المغمضتين:
«لقد.. لقد انتحرت..آدلين سيدتي، لقد...»
اختل توازن العجوز، أظلمت عينيها وبدت غير مصدقة لما قالته الخادمة، وكأن دلو ماء في غاية البرودة قد سُكب عليها، بينما كل شيء داخلها تحول إلى درجة الغليان، أمسكت بأكتاف الخادمة تهزها:
«ماذا تقولين؟! ما الذي حدث؟! ماذا فعلت أدلين؟ وكيف تجرأتِ على ذكر اسم ابنتي والموت في جملة واحدة؟!»
«لقد أحرقت نفسها تواً.»
لم تقوى العجوز مارلين على نطق كلماتها، وأخذت تركض بسرعة لا تناسب سنها نحو غرفة ابنتها والخادمة تجري ورائها تحاول أن تمنعها من رؤية المنظر الذي لن تنساه أبدًا، وربما سيعيد تحريك خيوط الماضي الذي تناسته مارلين طويلاً.
ذاكرتها لا زالت قوية هي تتذكر كل ما فعلته، وتساءلت في تلك اللحظات: هل آدلين تدفع الثمن؟
وصلت للحجرة بعد سقوطها عدة مرات.
الخادمات قد تجمعن هناك، وجوههن ممتقعة بسواد، وقد هيمن الذعر عليهن جميعًا.
«لا ابنتي أدلين!»
خرجت صرخة متألمة من قلبها وهي تشاهد جسد ابنتها على الأرض والأبخرة تتصاعد منه، معلنة أنها النهاية في دور آدلين التي لم تعد تحتمل المزيد.
صرخت، وصرخت حتى شق الصراخ صدرها، وبلي صوتها. ابنتها! الشخص الوحيد الذي لم تلقي عليه بسوادها، كانت عونًا لها.. كانت منها، الآن تستسلم وتتركها، لكن إن كانت قد فضلت الموت على الحياة فهناك شخص واحد فقط مسؤول عن هذا، شخص واحد فقط يشكل الجحيم في حياة ابنتها.
«ارتان لن أسامحك ما قد حييت. لا ابنتي! ادلين! لقد قتلها الوحش، قتلها التنين الملتهب»
لم يكفيها غضبها، ولم يمدها بطاقة تقيم جسدها، هذت بكلماتها تلك، وفقدت وعيها أمام الكتلة المشوهة التي كانت طفلتها يومًا ما، آخر من تبقى من أطفالها.

انتشر الخبر في أرجاء القصر لكن لم يأبه به الكثير، ماذا يتوقعون من امرأة عاشت مع التنين ثلاثة عشر عاماً؟ ليست مثلهم بعيدة، هي كانت شريكته في حياته، ترى منه ما لم يراه غيرها، على كل الأحوال كانت الثلاثة عشر عاماً مدة تستحق التقدير.
* * * * * *

[Fatima Zahrae Azouz]

في مملكة أخرى، أرضها صحراوية شديدة الحرارة، توزع بعض الجنود حول خيمة كبيرة، فيما أنارت مشاعلهم مكان التخييم.
العيون تراقب بحذر، والسيوف جاهزة للاستعمال في أية لحظة.
داخل الخيمة كان هناك اجتماع صغير على ضوء الشموع، القائد ماكسينال يترأس الطاولة، الأجواء متوترة، المهمة طالت مدتها، الجميع ينتظر القرار.
تراقصت ظلال الرجال على جدران الخيمة المتحركة بفعل الرياح خارجًا.
هدر القائد:
«سنعود بعد بضعة أشهر. الأوضاع آمنة. تمت مهمتنا بنجاح، لكننا سنراقب الوضع، وننتظر أمر الملك كامال».
أصدر قراره، فيما تكدرت وجوه الحاضرين، لم يأبه بنظراتهم المعترضة على قراره طالما لم تتحرك ألسنتهم مبدية ذلك، نهض أخيرًا وقبل أن يخرج التفت آمرًا:
«ايندرا أرسل إلى الملك كامال، أبلغه بآخر التطورات».

قبل عدة أشهر أرسل ملك مملكة ميراسال القائد ماكس لتهدئة بعض الغاضبين في إحدى المقاطعات، كان من المفترض أن يقمع الناس، هكذا كانت الأوامر، لكنه صبر وحاول أن يفهم سبب غضبهم ويعالجه، وهكذا غاب ستة أشهر كاملة عن محبوبته.
رمقت عينيه القمر الفضي في السماء القاتمة، لانت ملامحه وأصبحت أكثر رقة حين انفرد بنفسه.
«لن يطول الوقت حتى أراها من جديد».
تنهدت روحه المتلهفة على رؤيتها، هو رجل يفترض به أن يحتمل كل الظروف، لكن هي...
* * * * * *
أصدر وتر القوس المشدود صوت يحي بأنه قد شد بقوة بذراع الفتاة السمراء ذات الشعر الغجري المتناثر على كتفيها، ببطء ومهارة عالية صوبت رأس السهم الخشبي نحو حلقة حديدية صغيرة وهي تغمض إحدى عينيها الذهبيتين وتحدد هدفها بالأخرى.
ابتسامة لاحت على ثغرها الصغير وهي تسمع دعاء الأطفال لتصيب الهدف، وكأنها أخطأته يومًا ما.
لحظة صمت سبقت انطلاقة السهم، ثم عبر الحلقة الحديدية بدقة، صاح بعدها الفتية فرحين ومصفقين، سلة التفاح من نصيبهم.
«رائع! فعلتها أسيلا».
كانت يدها لا تزال ممدودة بالقوس، ردتها إلى خصرها سريعًا والتفتت إلى الرجل العجوز الذي يحمل في يده سلة تفاح ممتلئة وشهية جدًا، قالت بنبرة متحدية:
«أنت، التفاح لنا الآن».
تقدم أحد الفتية ونشل السلة من يد الرجل، وهو يهز حاجبيه مستفزًا له:
«هات».
بعث منظر الأطفال وهم يستمتعون بأكل التفاح السرور في نفسها. تركتهم يأكلون وغادرت والرجل يتوعد من خلفها:
«غدًا سيكون التحدي أصعب، وسأرى كيف ستفوزين سيدة أسيلا!»
عندما عادت لكوخها الصغير وأصبحت وحدها زالت ابتسامتها وقد ابتعد الأطفال عنها ولا أحد هنا ليشهد على ذبولها، فرت من صدرها تنهيدة وهي ترمي بالقوس الذي لا يغادر يدها إلا نادرًا جانبًا، وجلست تتأمل النار التي أوقدتها فور عودتها، وأخذت تتأجج في عيدان الحطب مصدرة طقطقة عالية.
«النار… أحبها».
يا لي غرابة من تهواه قلوبنا!
في حين كانت النار كابوس عائلتها أحبتها هي.
تمددت في فراشها وأغمضت عينيها وفي رأسها تسمع صوت أمها يحكي لها:
" إنه التنين الملتهب، يحرق ويدمر، إنه لعنة بشعة ولد من رحم الشر، يعيش في أقصى الجنوب في عرين كالجبال..
إذا غضب فإنه…
إياك يا ابنتي..
إنه يأكل الصغار..
أتعلمين أنه بشع وذو حراشف وأنياب؟"
غاب وعيها وانقطع صوت أمها، وراحت تحلم بذلك التنين يجوب السماء نافثًا لناره، والحال اليوم أن أمها قد ذهبت وبقي التنين.

[Fatima Zahrae Azouz]

قراءة ممتعة
لا تحرموا كاتبتنا الجميلة من تعليقاتكم وتشجيعكم
شكر خاص للجميلة Mina Regina على تدقيقها للفصل

[Fatima Zahrae Azouz]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 2 والزوار 3)
‏Fatima Zahrae Azouz, ‏نتالي جواد


منورة الرواية بكاتبتها
لي عودة مع رفيوو الفصل الأول بعد تفرغي من أعمالي
أموووووووووووه

[ميس ناصر]

بداية مشوقة
احببت الاسلوب والوصف وبانتظار القادم 💜💜
بالتوفيق بأذن الله

[Fatima Zahrae Azouz]