آخر 10 مشاركات
صراع الحب (32) للكاتبة الرائعة: زاهرة *كاملهـ[مميزة]ــ* (الكاتـب : واثقة الخطى - )           »          الساحرة الغجرية (16) للكاتبة المميزة: لامارا *كاملة & مميزة* (الكاتـب : لامارا - )           »          نساء من هذا الزمان / للكاتبة سهر الليالي 84 ، مكتمله (الكاتـب : أناناسة - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          الستائر السوداء (الكاتـب : ررمد - )           »          بريق نقائك يأسرني *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : rontii - )           »          آلام قلب (70) للكاتبة: كيم لورانس .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          036 - قلب من ذهب - روايات عبير دار الكتاب العربى (الكاتـب : samahss - )           »          نبض فيض القلوب (الكاتـب : شروق منصور - )           »          سارية في البلاط الملكي * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : هديرر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree11394Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-12-22, 12:07 AM   #2441

ASOOMH
 
الصورة الرمزية ASOOMH

? العضوٌ??? » 407654
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » ASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك fox
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


شمس الشموس عاجبها وضعنا وحنا نحترق على الفصل🫠🫠🫠💔💔

ASOOMH غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-12-22, 12:19 AM   #2442

ام نود وريم

? العضوٌ??? » 487590
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » ام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة asoomh مشاهدة المشاركة
شمس الشموس عاجبها وضعنا وحنا نحترق على الفصل🫠🫠🫠💔💔
بالضبط عاجبها مره 💔💔💔
بس تمون حبيبتي مره 💔💔

tamy and زهر رمان like this.

ام نود وريم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-12-22, 12:26 AM   #2443

بسنت محمود

? العضوٌ??? » 480576
?  التسِجيلٌ » Nov 2020
? مشَارَ?اتْي » 141
?  نُقآطِيْ » بسنت محمود is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور
الحماس مليون وربي ❤️❤️

tamy and زهر رمان like this.

بسنت محمود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-12-22, 12:43 AM   #2444

smeha

? العضوٌ??? » 353431
?  التسِجيلٌ » Sep 2015
? مشَارَ?اتْي » 923
?  نُقآطِيْ » smeha has a reputation beyond reputesmeha has a reputation beyond reputesmeha has a reputation beyond reputesmeha has a reputation beyond reputesmeha has a reputation beyond reputesmeha has a reputation beyond reputesmeha has a reputation beyond reputesmeha has a reputation beyond reputesmeha has a reputation beyond reputesmeha has a reputation beyond reputesmeha has a reputation beyond repute
افتراضي

شو صار متى الفصل
تسجيل حضور

tamy and زهر رمان like this.

smeha غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-12-22, 01:04 AM   #2445

سامو احمد

? العضوٌ??? » 404298
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 93
?  نُقآطِيْ » سامو احمد is on a distinguished road
افتراضي

صارت 1 يا شيمو وانا متت النعس😭😭

سامو احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-12-22, 01:09 AM   #2446

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الحادي والأربعون




لحظات كانت لها وقع غريب، مزيج من الصدمة، وعدم الفهم، مع التشوش، مصاحبة لأعراض من عدم الاتزان والهلوسة العقلية. كلها كانت مجتمعة كي تجعل ريان في حالة فريدة من نوعها وهو يتقدم بخطوات بطيئة كالسائر فوق الهواء نحو الواقفين في استقباله. ولعدة ثواني لم يستطع رفع عينيه عن آية، ليس لشيء سوى أن يتأكد أن اللحظة حقيقية وما يحدث فيها واقعي. وهذه النظرات كانت كافية لإشعال غضب وغيرة سيد الذي كان متسمرًا هو الآخر يحاول فهم ما علاقة هذا الرجل الذي استحضره من الذاكرة بأخته ليزا.
في تلك الأثناء هتفت ليزا بفرحة حقيقية وهي تمنع نفسها من العدو نحو ريان ومعانقته بافتقاد "ريان هذا سُدسُد أخي"
(هذا سُدسُد أخي)
العبارة بدت وكأنها قد ترددت عدة مرات في رأسه بصوت مجسم، ثلاثي الأبعاد، وبحروف غريبة، ومخيفة، وصادمة وهو ينظر لسيد. في الوقت الذي توقف فيه الوقت بشكل غريب على الواقفين وهم يتطلعون في ريان بذهول. أما هو فحادت عيناه من سيد لآية مرة أخرى لمحاولة التأكد من قواه العقلية. نظرة كانت صريحة واضحة أمام سيد الذي فقد أعصابه وتريثه الذي طلبه من نفسه قبل ثواني كي يفهم ماذا يحدث، فما كان منه إلا أن هجم عليه يقول "ماذا تفعل هنا"
في لحظة كان أحمد يقف بينهما قبل أن يصل سيد لريان الذي لم يتحرك من مكانه ووقف يتطلع فيه بنظرات ذاهلة، ففزعت ليزا وأسرعت نحو ريان تمسك بذراعه قائلة بذعر "سُدسُد ماذا حدث؟"
أدار ريان وجهه يتطلع في وجهها لثوان وقد شُل تفكيره فأمسك سيد بذراع ليزا يسحبها ناحيته قائلًا "ابتعدي عن هذا الشخص"
وقفت آية في ارتباك شديد تتطلع في المشهد بذهول بينما قالت ليزا بغير استيعاب "سيد هذا الشخص الذي حدثتك عنه"
مد سيد يده وقبض على ملابس الأخير رغم وقوف أحمد بينهما وقال من بين أسنانه "تكلم بسرعة ماذا تريد من أختي.. ما هو غرضك بالضبط مما تفعل أيها الحقير"
اتسعت عينا ليزا وأخذت تحدق في أخيها ذاهلة بينما تدخل أحمد يقول وهو يتطلع حوله بعدما شكر ربه أن الموسيقى عالية "سيد أرجوك تماسك.. ماذا تفعل.. ستفسد الحفل وتفضحنا"
كلمات سيد أشعرت ريان بالإهانة فأبعد يده عن ملابسه بخشونة وصاح بغضب "لا تلمسني يا هذا واحفظ لسانك"
هم سيد بالهجوم عليه فكتمت كل من آية وليزا صرخة مذعورة، بينما دفع أحمد سيد للخلف يقول "سيد تماسك ماذا تفعل"
واستدار لريان يسأله "هل من الممكن أن أعرف سبب تواجدك هنا؟"
ظل ريان يتبادل النظرات الغاضبة مع سيد وصدره يعلو ويهبط من الانفعال ثم حرك أنظاره المصدومة نحو ليزا، ثم أحمد، ثم سيد الذي كان يقف يحجب آية عنه ثم استدار وتحرك مغادرًا على الفور.
هتفت ليزا بذهول "ريان"
لم يكن يسمع شيئًا، كان الطنين عاليًا في أذنيه، والصدمة أقوى من استيعابه فاستمر في خطواته الغاضبة وهو يفتح ربطة عنقه وأزرار القميص العلوية كي يسمح للهواء بالمرور إلى صدره.
نظرت ليزا لسيد بعينين دامعتين تقول "لماذا فعلت ذلك"
ورفعت فستانها قليًلا عن الأرض وأسرعت مهرولة خلفه، فأسرع سيد خلفها بينما تطلع أحمد في المكان حوله ليتأكد من أن الكل مشغول بالغناء والرقص مع العسيلي ثم نظر لآية الواقفة بصدمة وأسرع خلفهما.
في خارج القاعة نادت ليزا "ريان" وتطلعت حولها دون أن تجده ولم تدر أن الباب المؤدي للمرآب الواقع تحت الأرض كان على بعد خطوات منها، في الوقت الذي أمسك سيد بمعصمها يقول بلهجة آمرة "لا تتحركي من هنا"
استدارت إليه تسأله بانفعال "ماذا يحدث؟ لماذا تفعل ذلك"
قال بلهجة خطرة " هذا الشخص لا تتواصلي معه ولنا جلسة لأعرف بالضبط مدى علاقتك به"
ترقرقت الدموع في عينيها وهتفت بالإنجليزية بانفعال "لماذا تفعل ذلك.. لماذا تؤذيني"
لم يكن سيد بحاجة للترجمة فملامحها المتألمة واضحة بينما أقترب أحمد يقول "سيد تعال"
ظل الأخير يتطلع في أخته بنظرات غاضبة، فدفعه أحمد ثم سحبه بعيدًا لتسرع ليزا بإخراج هاتفها من حقيبتها وتتصل بريان. أخذ الهاتف يرن دون رد، فكررت المحاولة لثانية، وثالثة، ورابعة. في الوقت الذي ابتعد أحمد مع سيد حتى انعطفا إلى أول ممر بجوار القاعة ووقفا في نقطة هادئة تحت السماء المظلمة ليقول أحمد "ماذا حدث.. لماذا فعلت ذلك معه؟"
قبل أن يجيبه كانت آية التي لمحتهما يتحركان لتلك النقطة قد اقتربت وشعور عظيم بالصدمة والارتباك يسيطر عليها، فاندفع سيد تحت وقع نفس الصدمة وقبض على معصمها قائلًا "أخبريني بالضبط عن علاقة هذا الشخص بك"
اتسعت عيناها، بينما خلص أحمد معصم أخته من يد سيد ودفعه في صدره هادرًا "ماذا تعني! هل جننت يا سيد"
تمتم الأخير بعصبية "أنا أتحدث مع زوجتي لماذا تتدخل"
هدر أحمد بتحدٍ "سأتدخل كما يحلو لي.. ما معنى سؤالك عن علاقة هذا الشخص بها"
أدرك سيد عدم توفيقه في صياغة السؤال فصاح فيه بضيق "هل تظنني سأشك في آية يا متخلف"
لم تنجح عبارته في تهدئة أحمد الذي قال غاضبًا "ما معنى كلامك إذن!"
وقفت آية تحرك أنظارها بينهما بتوتر ليقول سيد لآية من فوق كتف أحمد "ألم يكن هذا الشخص معجبًا بك في الماضي.. أريد أن أعرف التفاصيل لأفهم ما علاقته بليزا الآن وما هدفه من التقرب منها"
تسمرت ليزا مكانها ووقفت على بعد خطوات منهم بعدما قادها صوتهم العالي إليهم، فقد قررت بعد عدة اتصالات لم يرد فيها ريان على الهاتف حتى أتتها الرسالة الصوتية بأنه مغلق أن تعرف من سيد لماذا تصرف بهذا الشكل معه، لكن ما التقطته أذناها جعلها تتسمر مكانها وهي تسمع آية تقول " من أين جئت بهذا الكلام"
هتف سيد محذرًا "آية.. أنا لست غبيًا وقد سبق ورأيت نظراته إليك في الماضي.. أريد أن أعرف تفاصيل الأمر كي أفهم مدى خطورة الوضع"
قالت آية بإنكار "عن أي وضع خطير تتحدث يا سيد"
قال سيد من بين أسنانه وقد استفزه مراوغتها "آية.. أنا متأكد من أنه كان معجبًا بك.. وأذكر كيف أن أمي إلهام كانت معجبة به هي الأخرى.. أنا لا أنسى أي شيء يخصك أبدًا"
قالت آية باندهاش حقيقي "حتى لو كان الأمر كذلك فقد مر عليه سنوات"
قال سيد بانفعال "وهذا يجعلني أشك في أنه قد يكون محاولة منه للانتقام أو رغبة في الوصول إليك.. ربما هو مريض نفسيًا"
أسرع أحمد بالرد بلهجة مستهجنة "من أين جئت بهذه النظرية بهذه السرعة؟ وما علاقة ليزا بهذا الطبيب أريد أن أفهم"
رد سيد "ليزا أخبرتني قبل يومين بأنها تعرفت على شاب في الخارج.. طبيب ويريد التقدم لخطبتها.. واليوم فاجأتني بدعوته للحفل لأجد هذا الشخص أمامي بعد كل هذه السنوات.. ماذا تظن أنت؟ أمر غير منطقي لأن يكون صدفة"
تسمرت ليزا تحدق في الأرض باتساع عينيها وهي تقف متقبضة مصدومة إلى جنبيها بينما ردت آية باندفاع "بصراحة لا أتوقع أن يكون الأمر كذلك.. ريان كان شخصًا عاقلًا"
أحس سيد برغبة في خنقها وهو يهدر فيها "هل تدافعين عنه!"
اختبأت لا إراديا خلف أخيها وهي ترد بجرأة "وماذا فيها.. أقول شهادة حق لم يكن عليك الانفعال وإفساد الموضوع ربما كان صادقًا مع ليزا"
جز سيد على أسنانه يحاول السيطرة على أعصابه بينما هتف أحمد "آية اصمتي"
صمتت تتطلع في سيد الذي كان يرمقها بنظرات نارية وهو يقول "أريد أن أعرف التفاصيل.. هل سبق وأن فاتحك بشيء بشأن مشاعره.. أريد أن أفهم قبل أن أقتله لجرأته بالمثول أمامي.. (وأضاف وهو يرفع قبضته ويعتصرها) ربي وحده يعلم كيف تماسكت كي لا أدق عنقه حينما كان يتطلع فيك غير عابئ بوجودي أو وجود أخيك"
تدخل أحمد يقول "أنا أرى أن هذا ليس وقتًا مناسبًا لذلك يا سيد.. بالله عليك حفل زفاف أختك بالداخل"
تمتم الأخير وهو يمسك برأسه الذي يغلي "رأسي سينفجر.. لا أصدق ما رأته عيناي"
"أنتِ! .. ريان كان معجبًا بك أنتِ"
استدار ثلاثتهم نحو ليزا التي رغم عدم التقاطها لبعض الكلمات بالعربية، لكن ما قالوه كان كافيًا لأن تفهم ما يحدث، فتطلع الجميع فيها وتفحم وجه آية ولم تجد ردًا مناسبًا، الأمر برمته صادم ولم تُمنح الوقت للتفكير أو تحليل أي شيء بعد. أما سيد فاقترب من أخته يقول وهو يقبض على ذراعها "أخبريني بتفاصيل علاقتك به بالضبط، وكيف تقابلتما"
تدخل أحمد من جديد ليقف بينهما قائًلا "سيد.. قلنا ليس هذا وقته"
ظلت ليزا تتطلع في أخيها بصدمة ولسانها معقود في الوقت الذي رن فيه هاتف أحمد فأسرع بالرد "نعم بانة"
سألته "أين أنت وهل سيد معك؟"
نظر لسيد يجيب "نعم سيد معي"
قالت بانة "أخبره أن الحفل على وشك الانتهاء وسيودعنا العروسان"
هز رأسه قائلًا "تمام.. حالًا سنكون عندكم.. سلام"
أنهى المكالمة وأمسك بذراع سيد الذي لم يزل يحدق في أخته وقال "تعال ولا تفسد على رحمة حفل زفافها.. لابد أن تكون موجودًا في وداعها"
وحين تخشب سيد أضاف وهو يدفعه ليجبره على الحركة "هيا يا بني آدم"
وأدار وجهه لآية يشير لها كي تتحرك، فأطاعت وهي تراقب سيد المكفهر الوجه والذي سحب نفسًا عميقًا وتحرك، فأشار أحمد لليزا قائلًا "هيا ليزا"
تحركت الأخيرة معهم ببطء وبطريقة آلية وهي تحدق في الأرض مفكرة، بينما قال أحمد لسيد "أعدل وجهك ولا تنكد على أختك وعريسها (ثم سأله) هل معك دواءك (وأدار رأسه يسأل آية التي تتبعهما ساهمة) هل معه دواؤه؟"
هزت آية رأسها وتمتمت بحشرجة "معي في الغرفة.. سأصعد لإحضاره إن احتاجه"
دخل سيد القاعة متقبضًا وخلفه أحمد بينما وقفت ليزا خارجها غير قادرة على الدخول فتوقفت آية بدورها وسألتها "ليزا ألن تدخلي"
نظرت إليها الأخيرة بنظرة جديدة، نظرة تختلف عن أي وقت مضى، واستعادت حديثه السابق عن الفتاة التي أحبها والتي كانت معجبة برجلٍ متزوج. تمزق قلبها، وحولته الغيرة التي قفزت من حيث لا تدري إلى كتلة من النار. كيف تحدث صدفة كهذه؟ أيكون تخمين سيد صحيحًا؟ وريان ارتبط بها من أجل آية؟ أو من أجل الانتقام؟ ما هذا الهراء الذي تفكر فيه؟ ريان!
تفحم وجه آية وأحست بالحرج من نظرات ليزا إليها، ولم تعرف كيف تتصرف، فقررت الانسحاب من أمامها. فهي الأخرى تحتاج لمساحة للاستيعاب وتحليل الموقف الغريب. فدخلت القاعة تاركة ليزا وحدها.
حاول سيد استعادة ابتسامته وهو يتطلع في الضيوف بينما وقف أحمد بجواره يفكر ويحلل ليقول سيد لآية "أين هي؟"
أشارت له على خارج القاعة، فأسرع سيد متقبضًا متحفزًا إلى باب القاعة، ليطلق أحمد زفرة نفاد صبر ويلحق به.
عند الباب توقف سيد وسرعان ما انطفأ جانب من شعوره الغاضب حينما لمح أخته تجلس منكسة الرأس على أحد أحواض الزرع الرخامية، تولي ظهرها للباب. وأحس في جلستها وجعًا وصدمة جعلاه يتراجع عن الاقتراب ويقف حائرًا لا يعرف كيف يتصرف. أدار وجهه ونظر للداخل حيث أخته رحمة التي بدأت في السلام على المدعوين والتقاط الصور هي وعريسها معهم وشعر بالتشتت بينهما وأحس بأنه بحاجة ماسة إليها في هذا الموقف الغريب.
بعد دقائق تحرك ليعود للقاعة باحثًا عن شخص مناسب للبقاء بجوار ليزا، واحتار في العثور عليه، فبالتأكيد ستكون آية آخر من يرسله للجلوس معها وبانة منشغلة بأخيها العريس وأروى ذهبت مع ماجدة، أما سيلا فتقف مع عمها وزوجته بجوار الطاولة التي يجلس عليها أبوها مع الدكتور عبد الله وغنيم نخلة والحاج أبراهيم سماحة فتحرج سيد من الذهاب إليها خاصة وأنه لم يسبق له التعامل معها بأي شكل.
لمح لُچَيْن تجلس وحدها عند إحدى الطاولات، فتشجع واقترب يقول "أنا آسف يا أم نوح.. هل من الممكن أن أطلب منك معروفًا"
تفاجأت به لُچَيْن فلم يسبق لهما أن تحدثا أبدًا فقالت "طبعًا تفضل"
قال سيد "تعرفين أختي ليزا أليس كذلك"
"نعم"
"تبدو متعبة قليلًا.. وأنا مشغول مع رحمة"
استقامت لُچَيْن واقفة على الفور وهي تقول "أين هي؟"
أشار لها سيد على باب القاعة، وشكرها ثم راقبها وهي تتحرك نحو الباب وبعدها توجه نحو رامز الذي يشير إليه كي يقترب حتى يلتقط معه الصور فرسم ابتسامة وذهب إليه.
في إحدى الشرفات الأرضية المطلة على الواجهة الخلفية للقاعة كان مروان يقف مع صقر يقول "بصراحة لا أتفق معك فيما تفكر فيه يا أبا فخر.. أنت بهذا الشكل تستسلم"
تمتم صقر يناقش الأمر بصوت عالٍ لعله يصل لقرار مريح "ربما لو أطلقت سراحها منحتها الفرصة للتفكير دون ضغط"
واجهه مروان بالقول "هل أنت مقتنع بما تقول؟"
سحب صقر أنظاره من الفراغ وحرك عينيه نحوه فرأى مروان الألم فيهما. ألم مزق صدره وهو يتمتم "دعني أصيغ السؤال بشكل آخر: هل ستقدر على فعلها؟"
ظل صقر يتطلع فيه لثوان، ثم بلع ريقه بصعوبة وعاد ليحدق في المدى المظلم أمامه مجيبًا بصوت هارب منه "ما دام من أجل مصلحتها عليّ أن أقدر"
أنزل مروان أنظاره ليتطلع في يد صقر التي يقبض بها على سياج الشرفة الحديدي، وأحس بأنه يوشك على أن يحطم مفاصله من قوة قبضته عليها فرفع أنظاره إليه وأخذ يراقبه في حيرة لا يجد ما يقوله ليساعده.
في الخارج اقتربت لُچَيْن من ليزا التي تجلس بكتفين متهدلين يديها في حجرها تمسك بالهاتف وتحدق فيه بذهول بينما عقلها يسترجع التفاصيل ويربطها ببعضها. وكلما وضحت الصورة وتواجهت بالحقيقة ازدادت صدمتها.
قالت لُچَيْن وهي تتفحصها "ليزا.. ما بك؟ هل أنت بخير؟ .. ليزا.. هل أنت بخير؟ بم تشعرين"
مدت يدها ورفعت ذقنها فقابلتها ليزا بنظراتها التائهة حتى أسرعت لُچَيْن بالجلوس بجوارها وكررت السؤال، لكن الأخرى لم ترد بل عادت لتتطلع في الهاتف في يدها.
أحست لُچَيْن بأنها مصدومة من شيء، وليست مريضة ونظرت للهاتف الذي تمسكه في حجرها وسألتها بالإنجليزية "هل تلقيت خبرًا سيئًا"
ظلت ليزا منكسة الرأس تربط الخيوط ببعضها، وتضع الأشخاص في المقاعد الفارغة في قصة ريان القديمة ثم ارتجفت وحضنت نفسها لتقول لُچَيْن على الفور وهي تترك المكان " تبدين بردانة.. سأبحث عن شال"
في نفس الوقت كانت منال تقول لصقر الواقف أمامها عند الطاولة الخاصة بهم "لا أعرف.. كنت في الحمام أنا والولدان وحين عدنا لم نجدها (ونظرت ناحية العروسين المتجمع حولهما عدد من المدعوين تقول) ربما ذهبت لتلتقط صورًا مع العروسين"
جز صقر على ضروسه واستدار يدقق في الجمع الواقف مع العروسين ثم تطلع في الحاضرين في القاعة، وتحرك نحو الباب ينوي البحث في الخارج.
تجاوز عددًا من شباب الحي أصدقاء رامز وشلة الخن العائدين من خارج القاعة يتضاحكون وخرج ليجدها قادمة فلم يتمالك نفسه وهدر فيها "أين كنت ولماذا خرجت دون إخبار أحد بمكانك"
اتسعت عيناها وردت باستنكار "ماذا حدث؟ لماذا أنت عصبي بهذا الشكل؟"
استفزه ردها فقال من بين أسنانه "أنا سألتك أسئلة ومنتظر الرد"
كبتها للغضب وشعورها بالألم من أسلوبه حرضا الدموع كي تتجمع في عينيها، تلك العادة التي تباغتها في أوقات غير مستحبة فتمتمت بحشرجة "ليزا مريضة وطلب مني أخوها أن أعتني بها.. وعائدة لأبحث لها عن شال"
عبس يسأل "من ليزا"
تجمعت الدموع أكثر في عينيها وأجلت صوتها مجيبة "أخت العروس"
صمت يتطلع في عينيها الدامعتين مستاء من نفسه وهو كالوحش يعتصر الوردة في قبضته دون قدرة على التوقف فقالت لُچَيْن "هل هناك تحقيق آخر أم أستطيع المرور؟"
انتبه لأنه يسد عليها الطريق، فأفسح لها المجال لتمر وتابعها بأنظاره وهي تتطلع فيمن تعرفه من الموجودات لترى من منهن لديها شال تستطيع اقتراضه، لكنها لم تجد شيئًا. في الوقت الذي اقتربت منها فيه آية تسألها بقلق "كيف حالها؟"
تعجبت لُچَيْن من أنها ليست معها لكنها ردت "إنها في حالة غريبة.. وأبحث لها عن شال فهي تشعر بالبرد.. لكنها رفضت الدخول (وتطلعت في آية تسأل) هل تعرفين ماذا حدث لها"
غمغمت آية "أنا مثلكم لا أعرف (وتطلعت حولها تقول وهي تفكر) لا أتوقع بأنني أحضرت شالًا معي من البيت فالجو ليس باردًا، ولكني سأصعد للغرفة لأبحث عن شيء مناسب"
اقترب سيد منهما يتطلع في لُچَيْن بتساؤل فقالت آية "سأصعد للغرفة لأبحث عن شال فليزا تبدو..."
قبل أن تكمل كان سيد يتجاوزهما ويقطع القاعة نحو الباب، مارًا بصقر الذي وقف يتطلع في زوجته، أما آية فلمحت أحمد وأسرعت إليه بعد استئذان لُچَيْن التي استدارت تتابعها بعينيها حتى اصطدمت عيناها بعينيّ صقر وعاد الألم ليمزق صدرها فما كان منها إلا أن تحركت في الاتجاه المعاكس نحو الحمام.
في الخارج أقترب سيد من أخته التي لا تزال تجلس ساهمة مصدومة منكسة الرأس فحلت الشفقة موضع الغضب في قلبه ومال عليها قائلًا بلهجة لينة "ليزا.. ليزا بم تشعرين"
رفعت مقلتيها نحوه بتعبير حائر النظرات، لا تعرف هل تكرهه أم تلتمس له العذر فالأمر برمته خارج حدود التصديق، ثم شردت من جديد تحدق في الفراغ.
أشفق على حالها وخلع سترة البدلة ووضعها على كتفيها ثم وقف يتطلع فيها بحيرة وارتباك. في نفس الوقت كان أحمد يقف عند باب القاعة يراقب الوضع من بعيد بعدما أخبرته آية التي وقفت خلف أخيها تراقب الموقف معه.
قالت آية " أحمد أنا في موقف صعب ولا أعرف ماذا أفعل"
عقد حاجبيه ونظر إليها يسألها "ماذا تعنين؟"
أمسكت بساعده وتحركت معه ليقفا في ركن ثم قالت بقلق "سيد بالتأكيد سيسأل عن التفاصيل حينما نعود للبيت فكما ترى يريد أن يفهم كيف حدث هذا الأمر"
سألها مستفهمًا "وماذا فيها؟"
ردت بعصبية "فيها أنني لا أعرف هل عليّ أن أخبره بأن ريان سبق وأن طلب يدي أم اكتفي فقط بالقول بأنه كان يلمح من بعيد"
"وما الفارق؟ لا أفهم"
غمغمت بمزيد من الشرح "الفارق أنه حينما يعلم بأن ريان كان ينوي نية جادة في الزواج مني ربما يمنعه هذا من أن يوافق عليه إن كان صادقًا بشأن ليزا"
غمغم أحمد "أممم"
أكملت آية "بصراحة لا أريد أن أحمل ذنب ليزا.. أراها متأثرة ومصدومة ولا أعرف كيف ومتى عرفته"
تمتم مفكرًا وهو يقف يديه في جيبي بنطاله "الأمر غريب بالفعل"
عقدت حاجبيها وهي تسأله "هل تصدق تصور سيد بأنه قد جاء لينتقم"
رد أحمد باستهجان "ينتقم مِن مَن! وهل أسأنا له في شيء.. هو طلب يدك وأنت رفضتيه وبعدها سافر.. ما يتصوره سيد هو فيلم هندي رديء"
هزت رأسها تقول مفكرة "أنا أيضًا أقول نفس الرأي.. فانطباعي عن ريان أنه شخص محترم وعاقل وقد بدا مصدومًا هو الآخر"
حرك أحمد رأسه بعدم تصديق يقول "بصراحة صدفة عجيبة جدًا.."
عادت لتقول بتوتر "المهم.. ماذا أفعل في رأيك هل أخبره؟"
نظر إليها في صمت يفكر ثم قال "أنا أرى ألا نتدخل بشيء في هذا الأمر ونراقب ما يحدث.. يكفي بأن تخبريه بأنه كان معجبًا بك فقط.. كما أنني لا أظن أن ريان هذا سيعود.. فقد بدا مصدومًا كما قلتِ"
دلكت أية جبينها بأناملها تتمتم "أنا لا أعرف بصراحة.. لازلت مصدومة حتى الآن.. عمومًا أتفق معك في أنه لا داعي لإثارة حفيظة سيد بأمر تقدمه لطلب يدي.. فهذا الموضوع سيجعل وضعي حساسًا مع ليزا حتى إن انقطعت صلتها بريان سيظل هذا الموضوع مؤلمًا لها.. يكفي بأني غير قادرة على التطلع في وجهها وكأنني قد ارتكبت جريمة في حقها"
قال أحمد بلهجة عاقلة "وما ذنبك أنت!"
غمغمت باستياء "أشعر بالضيق (وأضافت حانقة) لماذا أوضع في مواقف مثل هذه يا رب"
قال بلطف "اهدئي ودعينا نشاهد ما يحدث وإن تصرف معك سيد بعصبية بشأن هذا الموضوع في أي وقت اتصلي بي فورًا"
تطلعت في عينيه مبتسمة فكرر أحمد حديثه مؤكدًا عليها "هل سمعتِ اتصلي بي فورًا إن شعرت بأنه يفقد السيطرة على غيرته"
احجمت عن اخباره باقتناعها بأنه مهما حدث بينها وبين سيد، ومهما كان في أسوأ حالاته الغاضبة، لم ولن تخاف منه أبدًا، أو تشعر معه بالخطر، أحجمت عن قول ذلك حتى لا تثبط من حمائية أحمد تجاهها، فأسعد اللحظات هي التي تشعر فيها باهتمام أخيها ورعايته. وتدرك بأنه يحاول تعويضها عما حدث في الماضي.
طالعته بعينيها العسليتين بسعادة ثم اقتربت منه مبتسمة وأحاطت جذعه بذراعيها تسند رأسها على صدره فتمتم أحمد باعتراض "يا بنت.. نحن أمام الناس!"
قالت بابتسامة سعيدة ودلال أخوي "كل من في الحفل يعرف بأنك أخي"
في جانب آخر أطفأ صقر رماد سيجارته في منفضة السجائر الاسطوانية التي يقف بجوارها عند الممر المؤدي للحمامات وتطلع في ساعة يده وقد بدأ يشعر بالقلق من غيابها بالداخل.
أخرج هاتفه يهم بالاتصال بها حينما لمحها تخرج فتطلع في وجهها وعينيها المتورمتين من البكاء، بينما تفاجأت لُچَيْن بوجوده فأسرعت الخطى تتجاوزه وهي تشعر بالخزي من أنه سيكتشف حالتها المزرية.
لحق بها صقر يقول "هل كنت تبكين؟"
لم ترد واستمرت في إسراع خطاها فقال صقر "لُچَيْن ردي عليّ هل أفرغت ما في معدتك؟"
توقفت لحظة، ثم عادت واستأنفت السير تقول بلهجة ساخرة دون أن تنظر إليه "آه نسيت بأنك تحفظ كل عاداتي"
حاول القبض على معصمها فأفلتت يدها واستدارت إليه تقول محذرة "لا تلمسني"
كانت عيناها ناريتين وهي تناظره بتحدٍ ورغبة في الوقوف أمام القطار لعله يدهسها وتستريح من كل شيء. في الوقت الذي تطلع صقر في وجهها ورغم شعوره بالغضب من أسلوبها الذي لا يستسيغه إلا الغلبة كانت لقلبه المشفق عليها فقال بهدوء يواري بركانًا ثائرًا بداخله "تعالي لنتمشى في الهواء ونتحدث لُچَيْن"
هتفت بعصبية "لماذا؟ هل هناك توبيخًا آخر تنوي أن توجهه لي!"
تقبض إلى جنبيه وطحن ضروسه فاستدارت وهي تضيف باقتضاب "سأذهب للاطمئنان على ليزا"
راقبها وهي تتحرك نحو باب القاعة ثم تحرك ببطء خلفها، ليجد سيد قد ترك أخته معها وتحرك عائدًا، فتمتم صقر حينما اقترب سيد "ألف لا بأس عليها هل تحتاج لطبيب؟"
ربت سيد على عضده يرد بامتنان "إنها مرهقة لا أكثر"
في الركن الواقف فيه العروسان أبعدت رحمة يد رامز الواقف خلفها عن خصرها بمجرد أن انتهى المصور من التقاط الصور فتطلع فيها رامز يهمس "ماذا هناك؟"
كان يحدق في عينيها عن قرب وتلك الوضعية التي طلبها المصور بأن يحضنها من الخلف جعلته ملتصقا بها فابتعدت وتطلعت حولها هامسة "رامز"
رد وهو يدعي البراءة "نعم"
قالت بخفوت "نحن أمام الناس"
حملق في زينة وجهها وحجابه الأبيض الرقيق ثم مال يهمس بشقاوة بجوار أذنها "تقصدين أن أنتظر حتى نصعد لغرفتنا بعد قليل"
احمر وجهها وتطلعت في الخالة سوسو والتي تقترب مع شامل ابنها ومعهما بانة فاعتدل رامز وسلم على شامل الذي تمنى له حياة سعيدة بينما قبلت سوسو رحمة تقول "مبارك يا عروس تبدين رائعة بسم الله ما شاء الله"
غمغمت الأخيرة ببعض عبارات الشكر وردت على تهنئة شامل ثم وقفت تثرثر مع بانة وسوسو وهي ترى شامل يشاكس رامز ويضحكان.
بعد دقائق ابتعدت سوسو مع ابنها بينما اقتربت بانة من أخيها وعانقته فضمها إليه وهي تقول "مبارك لك يا حبيبي.. ليكتب لك الله السعادة بقدر ما صبرت واحتسبت.. وليعوضك خيرًا"
ربت رامز على ظهرها وهو يتمتم بحنان "يمامتي البيضاء لا حرمني الله منك"
اقترب مروان مع سيلا ووقف بجوار أخيه يقول "صورة لنا نحن الثلاثة من فضلكم"
ابتعدت بانة عن العريس وهي تمسح دموعها ووقفت بينه وبين مروان والتُقطت لهما صورة مميزة في كل مرة سيرونها في المستقبل سيعودون بالذاكرة للحظة معينة عانوا فيها من تباريح الفراق والفقد، صورة هي نهاية طرق وعرة عبروها فرادى حتى التقوا في لحظة مثل هذه اجتمعوا فيها في موعد مع الفرح.
في صورة أخرى جاورت العروس عريسها ووقفت سيلا بجوار مروان وأحمد مع بانة والتقطت عدسة المصور الصورة لتسأل رحمة بعدها "أين ليزا لم أرها منذ مدة وسألت عنها أكثر من مرة"
تقابلت عيناها مع عيني زهرة الواقفة مشغولة بإرسال صورها وصور الحفل لصاحباتها وسألتها عن ليزا فحركت الأخيرة كتفيها بلا أدري.
قالت سيلا وهي تتطلع حولها "أنا أيضًا لا أعرف أين اختفت هل أتصل بها؟"
اقترب سيد يقول "ليزا تعاني من صداع شديد أجبرها على الصعود لغرفتها لتستريح لبعض الوقت"
عقدت رحمة حاجبيها بقلق فأضاف سيد بابتسامة " طلبت مني أن أخبرها حينما يقترب الحفل من الانتهاء كي تنزل، لكني أنوي بأن أتركها لتستريح فقد بدت مجهدة جدًا"
قالت رحمة بشفقة "هذا حقيقي لقد أجهدت نفسها اليوم معي"
اقترب عبد الله الخازن، فأسرع رامز إليه ليقابله في نصف المسافة. تطلع الأول في وجه ابنه وتأمل أناقته وتلك الفرحة التي تطل من عينيه مستعيدًا حالته المبهجة للروح طوال الحفل وتمتم "بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير"
مال رامز يلثم ظاهر يد أبيه، فربت عبد الله على رأسه وهو يحبس دموعه ليعتدل رامز ويعانقه بتأثر حاول ألا يظهر عليه. اقترب منهما مروان ودون مقدمات عانق أخاه، ورغم تماسك رامز تجاه الجميع ومحاولته لتجنب أي لحظات مؤثرة طوال الحفل وما أكثرها منذ بداية اليوم إلا أنه لم يستطع فعل ذلك مع مروان، فأطال في عناقه في محاولة للسيطرة على هجوم وشيك للدموع، بينما ابتسم الأخر وربت على ظهره وهو يشعر بتأثره وارتجافه.
تمتم رامز هامسًا بحشرجة "كانت اللحظة سينقصها الكثير لو لم تكن حاضرًا فيها يا فراس.. بل إنني لا أعرف كيف كنت سأقتنص من الفرح وأنت لست معي"
لمس حديثه قلب فراس وتلجم لسانه، ليضيف رامز "لولا وجودك ما اكتملت فرحتي يا أخي"
قال مروان وقد أصابته عدوى الدموع "وأنا لم تكتمل حياتي إلا بوجودكم يا أخي.. لا حرمني الله منك ولا منهم"
عانقت سيلا العروس متمنية لها حياة سعيدة والتقطت معها وبانة بعض الصور بينما تقدم صقر ليحضن العريس في حضن رجولي ويربت على ظهره بمحبة فقال رامز بامتنان" أتعبناك يا أبا فخر فأنت أكثر الناس تعبًا بقرار تعجيل زفافي.. ولولاك لما استطعت تحضير كل شيء"
قال صقر بلهجة ساخرة كي يهرب من اللحظات المؤثرة " ما هذا الأدب يا عبد الله! هل أثمرت في ابنك التربية"
تنحنح رامز يقول وهو يعدل من سترة البدلة بخيلاء " عشت يا أبا فخر.. لابد من أن أمثل أمام الناس مدى تقديري لعمي حبيبي"
ضحك عبد الله ثم قال "هيا يا عريس اذهب مع عروسك"
هتف رامز "أنا أريد أن أذهب منذ بداية الحفل ورحمة التي تمنعني"
احمر وجه الأخيرة وهي تقترب بحياء من حميها الذي تمتم بما شاء الله وقربها إليه يقبل جبينها ثم قال "مبارك يا ابنتي"
غمغمت بالشكر برقة تزيدها جمالا فقال رامز وهو يمسك بمعصمها "أنا أقول يكفي هذا القدر ولنصعد أنا وهي لجناحنا (وهتف بصوت عال للموجودين بالقاعة) شكرًا يا جماعة لمجيئكم وتهانيكم وتصبحون على خير"
كان يتوقع من سيد أي رد معترض، لكن الأخير بدا ساهمًا مشغول البال ولم يعقب، أما زهرة فتركت الهاتف وانتبهت لحقيقة أن رحمة ستغادر ولن تعود معها للبيت، أمر لم تستوعبه إلا اللحظة فتملكها شعور بالخوف ووقفت تحدق في أختها بينما قالت بانة لأخيها باعتراض "انتظر الزفة"
غمغم رامز متفاجئًا "زفة مرة أخرى!"
انكمشت سيلا بجوار مروان بتأهب من سيرة الزفة بينما قال الأخير وهو ينظر لصقر "نعم.. أعتقد أن هناك زفة في نهاية الحفل أثناء مغادرتكما للقاعة"
غمغم رامز وهو يهم بالتحرك مع عروسه "من الممكن أن تزف أنت والدكتورة بدلا منا"
رفع مروان حاجبًا بينما نظرت رحمة لسيد الذي اقترب منها، تطلعت في وجهه متفحصة فمال يحضنها بقوة متمنيًا أن يستطيع اخبارها بما حدث فهي الأقرب لليزا والتي ستستطيع معرفة التفاصيل منها. غمغمت رحمة "لا حرمني الله منك يا أخي"
"مبارك يا رحمة" قالها بحشرجة ثم قبل جبينها مضيفًا "أتمنى لك كل الخير يا حبيبتي"
بعدها وقفت آية أمامها وتعانقتا ومجددًا شعرت رحمة بشيء غريب فيها هي الأخرى فقد توقعت أن تشاكسها آية في لحظة كهذه كما فعلت ليلة أمس وأغاظتها بأنها ستترك لها سيد، لكن آية كانت عاقلة وهادئة أكثر من اللازم. لتغرق رحمة بعدها في حضن إلهام التي أسرت لها ببعض الكلمات المشجعة في أذنها فقالت رحمة بتأثر "لا حرمني الله من حنانك الذي لم يشعرني للحظة بغياب المرحومة أمي، وجزاك الله الجنة يا خالتي على كل ما فعلتيه معي"
دمعت عينا إلهام وقالت بابتسامة تشع بالطيبة " أنت ابنتي.. وكلكم أولادي (ونظرت حولها تقول) أين ليزا وزهرة"
أخبروها عن الكذبة التي اخترعها سيد عن ليزا بينما اقتربت زهرة مع وعد فعانقتها الأولى ووقفت زهرة تتطلع فيهما قائلة " هل سأعود للبيت وحدي؟"
نظرت إليها رحمة وتمتمت بتأثر وهي تحضنها " سأغيب بضعة أيام ثم أعود لأسكن في نفس العمارة"
ظلت زهرة تحدق فيها فعانقتها رحمة مرة أخرى بتأثر قبل أن تأخذها إلهام مبتعدة حينما بدأت زهرة في البكاء.
فقد رامز صبره ومل من الانتظار فقبض على معصم رحمة التي تتابع أختها مع إلهام ثم لوح للموجودين وترك القاعة وغادر وهو يمسك بيد رحمة التي كانت تسير بجواره وقد بدأ قلبها بالخفق بسرعة فاستدارت لتتطلع في باب القاعة حيث بانة وسيد ومروان وسيلا وتمتمت "قلبي قلق على ليزا وزهرة"
قال رامز وهو يستدعي المصعد " ألم يخبروك أن ليزا لديها صداع.. بالتأكيد نامت من الإرهاق.. أما زهرة فالخالة إلهام قادرة على احتوائها لا تقلقي"
تطلعت من بعيد في وجه سيد الذي كان الحزن في قلبه مضاعفًا اللحظة، لكنه من أجل سعادتها يحتمل أي شيء. لوحت له فرفع يده ملوحًا ببطء، ليرفع رامز يده يلوح له ببعض الإغاظة التي لم يكترث بها الثاني وبمجرد أن دخل العروسان المصعد سقطت ابتسامته مهشمة عند قدميه واستدار فورًا كي يعود إلى ليزا.
في المصعد وقف العروسان متجاورين يتطلعان في بابه لثوان قبل أن يحرك كل منهما مقلتيه نحو الآخر ودون سابق إنذار ضحكا في نفس الوقت فأسرعت رحمة بالاستدارة لتوليه ظهرها ليقول رامز وهو يراها تكاد أن تلصق وجهها في جدار المصعد "هل أنت معاقبة فتضعين وجهك في الحائط؟"
لم ترد، كانت تضحك بخفوت، فحمد ربه لأنها حتى الآن متماسكة فلن ينكر بأن توترها يزيد من توتره خاصة وهو يحمل عبء الليلة الأولى بينهما بسبب خجلها الشديد.
مال عليها من الخلف يقول "تمنحينني ظهرك بدلًا من أن تعانقيني"
وقف المصعد في الطابق المطلوب فخطا خارجه وتطلع فيها وهي لا تزال على حالها فقال باندهاش "هل تنوين المبيت في المصعد؟"
هزت رأسها بالنفي، لكنها لم تتحرك كانت محرجة للغاية فباغتها رامز بأن دخل وحملها فوق ذراعيه. فأطلقت رحمة صرخة مباغتة كتمتها على الفور وغمغمت "رامز"
قال وهو يخرج من المصعد ويسير بها في الممر "حلمت بهذه اللحظة التي سأحملك فيها.. لحظة يجمعنا فيها الله في مكان واحد"
تعلقت بعنقه وأغمضت عينيها عنه وقلبها يحاول التعامل مع حضوره القوي الذي يغمرها به اللحظة، بينما دندن رامز وهو يمشي بها في الممر "ونجيب صبيان ونجيب بنات"
غمغمت بخفوت محرج "رامز"
ابتسم يقول "لست أنا من يقول ذلك.. بل العسيلي"
توقف أمام باب الجناح، وتسمر لثوان دون حركة ففتحت عينيها تنظر إليه لتجده يقول "مفتاح الغرفة في جيبي كيف سأخرجه الآن"
كان يأكل وجهها القريب منه بنظراته الجائعة، فأخفضت عينيها عنه بحياء تتمتم "أنزلني إذن"
لاح التردد على وجهه ثم أنزلها، فتابعت تعبيرات وجهه التي جنحت فجأة للجدية بينما أخرج رامز البطاقة الذكية وفتح الباب ثم قال وهو يسمح لها بالمرور "تفضلي يا أميرتي"
رفعت فستانها المنفوش عن الأرض ودخلت بتردد، ثم توقفت على بعد خطوتين باضطراب وهي تتطلع في الجناح، بينما أغلق رامز الباب خلفهما فنظرت إليه تسأله "لماذا تضايقت حينما أخبرتك بأن تنزلني"
تمتم بلهجة جادة "أنا حاليًا في حالة من عدم تصديق.. ولهذا راودني شعور بالخوف وأنا أنزلك من أن تكون المرة الأخيرة التي أحملك فيها.. وأعتقد أن هذا الشعور سيلازمني لفترة حتى أعتاد على الفرح بعدما رافقت الحزن لوقت طويل"
غلبها التأثر من حديثه المؤلم فأسرعت تحضن وجهه بكفيها باندفاع شعوري غلب تحفظها وهي تقول "لا تقل هذا يا حبيبي.. أعدك بأن تفعل كل ما تشتهيه وأن أمنحك كل ما أقدر عليه ليسعدك"
غمرته موجة من السعادة وقال بشقاوة "قلتِ يا (من)؟ أعيديها مرة أخرى"
انتبهت لما قالته واشتعل وجهها فأبعدت كفيها عنه وقبضتهما في الهواء ثم استدارت أمام عينيه ورفعت فستانها وهربت نحو الداخل، اتسعت عينا رامز وأسرع خلفها فأحاط ذراعيه حولها من الخلف يعتقل خصرها ضاحكًا وهو يقول "إلى أين ستهربين"
أغمضت عينيها ومالت بوجهها للأمام تخفيه بكفيها مغمغمة "رامز دعني وإلا سأفقد وعيي"
رفع حاجبًا ونظر لجانب وجهها قائلًا "هل تهددينني!"
راقبها وهي تهز رأسها بالإيجاب فمال يهمس بجوار أذنها "لا بأس لقد أحضرت معي زجاجة عطر له رائحة قوية.. وطلبت من الفندق أرسال بصلة"
أبعدت يدها عن وجهها تقول باستنكار "بصل!"
رد مؤكدًا "نعم.. حتى أستطيع إفاقتك إن فقدت الوعي.. (وأضاف بمزيد من التفكه) هذا بالإضافة لاستعداد طاقم طبي كامل في مستشفى قريب من هنا لاتصالي في أية لحظة"
أدارت وجهها إليه تقول عاقدة حاجبيها "أنت تمزح معي أليس كذلك"
ألصق جبينه بجبينها يقول هامسًا "بالطبع أمزح معك فمن مصلحتي أن تفقدي الوعي حتى أحصل على ما أريد دون مقاومة ودون (رامز) "
نطقها برقة مبالغ فيها وأخذ يراقب جفنيها المسبلين وهي تحاول أبعاده عنها هامسة "رامز ابتعد أنت وعدتني لن تفعل شيئا لا أحبه"
سألها وهو يحاول تلجيم مشاعره نحوها "وهل لا تحبين اقترابي منك اللحظة"
استمرت في ابعاد يده عن خصرها وهي تقول "لم أقل ذلك، ولكن... ولكن ابتعد أرجوك"
قالتها بترجٍ فأحس بتوترها وفك ذراعيه عن خصرها يقول "انتظري علينا بالقيام بشيء هام قبل أن أغرق معك في العسل"
نظرت إليه وهو يخرج هاتفه من جيبه فسألته "بمن ستتصل"
قال بتسل وهو يضغط على الاسم "بالمطبخ كي يحضروا البصل"
عبست تتطلع في وجهه ثم قالت "رامز قل الصدق"
قلد صوتها الرقيق متهكما "رامز قل الصدق (ثم رفع الهاتف على أذنه يقول) أبو ماجد طمئننا على الأخبار"
وقفت أمامه تتابعه بترقب بينما قال وائل بقلق وهو يتطلع في باب إحدى الغرف "لازالوا معها بالداخل وأنا أوشك على الموت"
"بعيد الشر عنك "
تمتم وائل بمحبة "العقبى لك حينما يرزقك الله بالخلف الصالح"
قال رامز "إن شاء الله ستلد بألف سلامة وسيصل ماجد باشا"
تمتم وائل "وجهك وجه السعد يا عريس.. ولولا أني قد نذرت أن أسمي ماجد إن رزقني الله بولد لكنت أسميته رامز تيمنًا بمصادفة تاريخ ولادته مع تاريخ زفافك"
ضحك رامز يقول "حبيبي يا أبا ماجد.. جبر الله بخاطرك.. على أية حال سنطمئن عليكم أنا ورحمة إن شاء الله"
غمغم وائل بهمس " المهم أن ترفع رأسنا الليلة"
أحمر وجه رامز ولم يعلق، بل تمتم "إن شاء الله"
بمجرد أن أحست رحمة بأنه على وشك إنهاء المكالمة، همت بالهرب من أمامه في الوقت الذي كان فيه رامز قد أغلق الخط فأسرع بوأد محاولتها ولف خصرها بذراعه يحضنها من الخلف مجددًا وهو يقول "إلى أين؟"
غطت وجهها بكفيها وتمتمت "أتركني حتى أبدل ملابسي.. أرجوك"
همس "بشرط"
صمتت فاستطرد قائلا "أحملك حتى غرفة النوم"
ظلت على صمتها واخفائها لوجهها فأضاف "هذا شرطي كي أتركك تبدلين ملابسك في غير وجودي"
قالت بصوت مكتوم "في الحمام"
تمتم مدعيًا الغباء "تريدين أن نبدل ملابسنا معًا في الحمام"
"رامز" قالتها بخفوت يكاد لا يسمع لولا أن قلبه حاد السمع فضحك ثم حملها مما اضطرها لإبعاد يديها عن وجهها والتعلق بعنقه وهو يتحرك بها إلى غرفة النوم.
ظلت مسبلة الأهداب، مقطوعة الأنفاس، متسارعة النبضات حتى توقف يسألها "ما رأيك في هذا"
سألته دون أن ترفع جفنيها "أي شيء"
"انظري إلى يمينك"
حركت أنظارها جهة اليمين قبل أن تتسع عينيها وتقول "ما هذا"
أنزلها فوقفت تتطلع باتساع عينيها للسرير المحاط بستائر ناعمة تجعله يشبه الخيمة تغطي ما بداخلها فاستدارت لرامز وعلى وجهها علامات الاندهاش ليقول وهو يقترب منها "حتى تشعري بالخصوصية.. ربما خفف ذلك من شعورك بالخجل معي (وأضاف بمناغشة) أعتقد بأنه قد أصبح عندي عقدة نفسية من الستائر التي كانت تحجبك عني فأردت أن نكون أنا وأنت خلف الستائر محجوبون عن الدنيا وما فيها"
احمر وجهها وتأثرت بشكل السرير الذي بدى كسرائر الأميرات فتمتمت "شكله جميل جدًا"
قال هامسًا وهو يرفع يديه ليسحب الدبابيس من طرحتها "لقد أخترت هذا الفندق لأنه أثري وبه غرف على الطراز القديم"
ارتبكت وهو ينزع الدبابيس، ورغم اضطرابها الذي تحاول جاهدة التعامل معه حتى لا تفسد الليلة أخذت تساعده في إنزال الدبابيس حين برطم رامز بعد دقيقة قائلًا "ما كل هذه الدبابيس!"
ابتسمت في خجل، بينما استمر رامز في فك اللفائف من فوق رأسها بعدما تخلص من الطرحة حتى انكشف شعرها أخيرًا أمامه.
وضع القماش الناعم جانبًا بينما أسبلت رحمة رموشها باضطراب ليسحب رامز دبوس شعرها فينسدل شعرها المتوسط الطول بنعومته ولونه الذي يميل للحمرة، فيفقده المزيد من الصبر الذي وعد نفسه به، لكن بعض الوعود خلقت كي تسقط في لحظات كهذه.
أدخل أصابعه في شعرها وحضن صدغيها بكفيه مقربًا وجهه منها حتى اختلطت الأنفاس وهو يهمس "إن كان هناك من سيفقد الوعي الليلة فهو بالتأكيد قلبي المتلهف لضمك يا رحمة"
بدأت أنفاسها في التسارع لحضوره القوي أمامها، يلمسها ويلفحها بأنفاسه العطرة، فأخذت تفرك كفيها بارتباك لجم قليلًا من الحاح الشوق واللهفة بداخله، وعانقها هامسًا "أخيرًا يا رحمة.. أخيرًا سأسكن دفئك وأغرق في قلبك حتى أموت فيك"
رغم ارتجافها إلا أن حضنه كان مريحًا، دافئًا وداعمًا. ضمها رامز أكثر وهو يدفن وجهه بين كتفها ورقبتها ويستنشق عبيرها فغمغمت وهي تشعر بحركة كفه على جسدها "أنت وعدتني أن أبدل ملابسي وحدي"
لم يتركها لكنه أبعد وجهه يقول بابتسامة شقية "كم تدفعين"
خفق قلبها لوسامته ولعينيه الوامضتين بالمشاعر فأسبلت أهدابها تتمتم باعتراض "اشترطت أن تحملني وفعلت"
قال بإنكار "أنا حملتك! لم يحدث"
رفعت جفنيها إليه فكشفت له عن نافذتي روحها وهي تقول بخفوت "رامز أرجوك "
نزلت أنظاره من عينيها إلى طلاء شفتيها الذي يغريه من أول الحفل وسحب نفسًا عميقًا لعله يستطيع سحب نفسه بعيدًا عنها ثم قال "حاضر، ولكن لا تتأخري، توضئي وبعدها سأتوضأ أنا لنصلي"
تركها مرغمًا وغادر الغرفة فأسرعت رحمة برفع فستانها والذهاب نحو الخزانة لالتقاط حقيبة صغيرة قد أعدتها مسبقًا وتحركت بخطوات مسرعة نحو الحمام
××××
بعدما ودع عبد الله الحاج غنيم وزوجته وابنه شامل مال عابد على أبي فراس قائلًا "نحتاج لأن نتحدث في أمر هام جدًا وحساس يا دكتور عبد الله"
صدق حدس أبي فراس حينما خمن بأن عابد لم يأت فقط للتهنئة وتقديم الواجب ولا إرضاءً لفضوله نحو عائلة زوج ابنته وإنما هناك ما يريد أن يتحدث فيه، فتبادل النظرات مع ضاحي ثم نادى على مروان الذي لبى النداء وأقترب منهم فقال عبد الله "تفضل يا عابد بك أي موضوع أردت أن تتحدث فيه؟"
امتقع وجه الأخير واختلس نظرة نحو ابراهيم سماحة فقال عبد الله "الحاج ابراهيم منا فلا تقلق وتحدث بحرية"
جلس أربعتهم عابد وضاحي وعبد الله وابراهيم بينما بقي مروان وصقر واقفين بجوار الطاولة، ليقول عابد بصوت خافت ومن بين أسنانه "هلا أفهمتموني ماذا ستفعلون بشأن هوية مروان أقصد فراس"
تكلم عبد الله موضحًا "نحن تقدمنا للمحكمة في بلدنا برفع دعوى لمعرفة ملابسات القبض عليه وحبسه دون ذنب وخبر إعلان وفاته وذلك القبر المزيف الذي كتبوا عليه اسمه وأوهمونا بأنه هو"
اقشعر بدن عابد وهو يسمع سيرة القبر ثم قال بضيق "إذن لن نستطيع الإعلان أنك والد مروان الآن (وتمتم من بين أسنانه) حتى اسمه.. ماذا سنفعل في اسمه حينما تستردون هويته الحقيقية"
اقترح ضاحي "من الممكن أن نقول بأن له اسم شهرة هو مروان"
تدخل عبد الله يقول "أخي صقر اسمه الحقيقي ياسين وهذا الأمر منتشر بين كثير من الناس"
نظر عابد لصقر الذي يرمقه بعبوس وتحفظ منذ بداية الحفل ثم لضاحي يشاركه أفكاره قائلًا "موضوع تغيير هوية مروان سينتشر في المدينة بما يسيء لمصالحنا"
تدخل ابراهيم يقول "لا أتوقع بأن الأمر بهذا السوء يا عابد بك"
رد عابد بإصرار "نحن في مدينة صغيرة يا حاج ابراهيم ولسنا في العاصمة الواسعة التي يذوب فيها أي خبر"
تمتم ضاحي مفكرًا "عابد لديه حق.. ولهذا علينا أن نفكر في الموضوع جيدًا"
قال إبراهيم " إن سمحتم لي بقول رأيي.. فأنا أقترح أن يبقى الأمر على ما هو عليه حتى يحصل فراس على حكم من المحكمة بأنه على قيد الحياة ويسترد فيها هويته رسميًا"
ساد الصمت للحظات حتى قطعه مروان يقول بضيق "هل هذا يعني بأني لن أخبر الناس عن وجود أهلي"
رفع ضاحي أنظاره إليه يقول "لا مفر من التأجيل.. يبقى الوضع على ما هو عليه وإن سألك أحد تقول أقارب لك"
أنزل مروان أنظاره يسكب حزنه في عيني والده الذي ابتسم له رغم الألم في صدره ثم ربت على ساعده يقول "يكفيني أن أراك أمام عينيّ حتى لو لم تحمل اسمي"
بلع مروان المرارة في حلقه بينما تطلع فيه صقر بشفقة وذلك الشعور بالغضب المكبوت الذي يتملكه والرغبة في الانتقام له يسيطر عليه ليقول عبد الله بعزم وإصرار "لكن هذا ليس آخر الأمر.. إنها فترة مؤقتة وأنا لن استسلم ولن أسكت على حقك تأكد من هذا"
مال مروان يقبل رأس أبيه، بينما فكر عابد في أولاده وحرك عينيه في المكان الذي رحل أغلب ضيوفه وسأل "أين سيلا؟"
رد مروان "ذهبت إلى الحمام"
في نفس اللحظة دخلت سيلا عائدة من الحمام وتقابلت نظراتها مع عابد فأسرعت بخفضها وهي تقترب من الطاولة التي يجتمعون فيها. ليستقيم عابد وهو يقول بامتعاض وعدم رضا "إن جد جديد في أمر هوية مروان أخبروني أنا مضطر للاستئذان"
قال عبد الله وهو يستقيم واقفًا وكذلك ضاحي وإبراهيم "كانت زيارة كريمة منك يا عابد بك اسعدتنا كثيرًا"
مد عابد يده ليسلم على يد عبد الله الممدودة، لكنه احتفظ بملامحه العابسة ثم سلم على الحاج ابراهيم سماحة ببعض الود فقد تعرف عليه في بداية الحفل كرجل أعمال له اسم في سوق الأثاث، كما تعرف على غنيم نخلة وفهم بأنه من أثرياء الوافدين للبلد.
سأله ضاحي "هل ستبيت في العاصمة؟"
رد عابد باقتضاب "لا سأعود الآن"
قال ابراهيم "في هذا الوقت المتأخر؟"
رد عابد "لدي عمل في الصباح الباكر"
ليقول ضاحي "ما دمت ستسافر فدعني أسافر معك بسيارتي أنا وسندس ولا داعي لانتظار الصباح.. نحتاج فقط لأن نمر على الفندق لنأخذ حقيبتنا"
ونظر لمروان الذي نظر لسيلا فهزت رأسها ليقول مروان "ونحن سنعود معكم.. فلا أحب القيادة في الليل لكن ما دمنا سنكون صحبة على الطريق فلنعد الليلة بدلا من الصباح.. أعطنا بعض الوقت حتى نحضر من غرفتنا الحقيبة"
××××
نظر إليها رامز بعدما انتهيا من الصلاة، ومال يقبل جبينها ثم فك ربطة الحجاب ليكشف عن شعرها.
حين أحس بتوترها تمتم "رغم توقي الشديد إلى التوحد معكِ.. لكني أعدك بأني لن أفعل شيئًا لا تريدينه.. لهذا خففي من توترك يا رحمة"
كان رأسها منكسًا أمامه فهزته ليرفع رامز وجهها بأصابعه كي يشرق عليه بسناه ورقته وينظر لجفنيها الرقيقين وهو يهمس "دعيني أقبلك دون توتر منك.. فلو تعلمين مدى الشوق الذي يعذبني لأشفقتِ عليّ"
مال بوجهه يقبل شفتيها برقة هي أبعد ما تكون عما يجيش في صدره من انفعالات، ثم احتواها بين ذراعيه في حضن دافئ دون أن يترك شفتيها اللتين لا تساعدانه على أن يظل متحكمًا في أعصابه. بعد ثوان شدد من عناقه لها متأوهًا باسمها وهو يبثها قليلًا من الشوق فحرضه استسلامها وذوبانها بين ذراعيه على التمادي.
أنفاسه، ولمساته، ورائحة عطره ورجولته الطاغية، وذلك الحضن الحار التائق الذي يسكب شوقه في أعصابها حولها إلى قطعة من الهلام، حتى قلبها أصبح هلاًما على وشك الذوبان من حرارة قلبه العالية. وجُل ما كان يشغلها أكثر من خجلها الشديد، ألا تفقد وعيها أمام هذه الجرعة القوية منه. لا تعرف متى وقف رامز ورفعها فوق ذراعيه، غير أنها تشبثت بعنقه في لحظة تمسك بالحياة ومع هذا لم تستطع مواجهة نظراته، فلم تكن بهذه القوة كي تفعلها خاصة وهي تكافح من أجل عدم افساد اللحظة فأخفت وجهها في رقبته بحياء وخوف من شيء مجهول يقترب نحوها. تشبثت به فذاب قلبه أضعافًا، كيف يصمد أمام هذه الرقة والعذوبة وذلك الحياء الذي هو نقطة ضعفه كرجل.
عانقها رامز هامسًا "أكاد من فرط رقتك أذوب يا رحمة"
تحرك بها نحو السرير مضيفًا "تعالي إلى مخبأنا السري" قالها يباعد بين الستائر ثم انحنى بها فوق السرير يقبلها بشغف مكبوت آن الأوان لإطلاق سراحه، فعادت الستائر إلى مكانها تخفي خلفها سر من أسرار رجل وأمرأته.
××××
قالت آية لسيد "لماذا لا تتركني أذهب في أي سيارة ذاهبة لحي سماحة بدلًا من سيارتك"
غمغم بعبوس "ماذا تقولين"
قالت بعصبية "يا سيد أنا أشعر بالضيق من أجل ليزا ولا أريد أن أثقل عليها برؤيتي وهي في هذه الحالة.. تبدو مصدومة"
قالتها وهي تتطلع في إلهام وبانة وزهرة الواقفات مع ليزا على بعد أمتار في حديقة الفندق، فقال سيد بضيق "أين ستركبين.. كل السيارات الذاهبة للحي ممتلئة خاصة في عدم وجود سيارتي عمرو ووائل"
قالت وهي تتطلع حولها "سأركب مع أحمد وبانة"
قال وقد أوشك صبره أن ينفد "آية.. أحمد سيأخذ الخالة أنجيل والخالة عفاف في سيارته بالإضافة لبانة"
وقفت تتطلع فيه بحيرة، بينما فركت نغم عينيها ترغب في النوم فقال سيد وهو يقود آية وتوأميه نحو السيارة "اركبي يا آية بالله عليك يكفيني ما أنا فيه"
تمتمت وقد ازداد شعورها بالضيق "سأكون في المقعد الخلفي مع زهرة ونغم وباسل"
تحرك سيد نحو ليزا التي لا تزال صامتة تحدق في الفراغ وسألها "هل تشعرين بشيء يؤلمك؟"
رفعت رأسها إليه وسألته تسحب نفسها من غابات التيه "صعدت رحمة مع عريسها إلى الجناح"
هز سيد رأسه وقال "وسألت عنك.. أخبرتها بأنك متوعكة.. هيا بنا لنعود للبيت وهناك لنا حديث مطول"
هزت رأسها بلا معنى، ونهضت تمسك بيد زهرة التي تحركت معها هي وبانة بينما هتفت إلهام بحمائية "ماذا حدث لها يا سيد البنت تنطق بصعوبة؟"
بلع ريقه يتمتم "أنا لا أعرف شيئًا يا أمي"
لم يكن حديثه كذبًا، فقد عبر عما يشعر به من صدمة وارتباك وحزن يكوي قلبه على حالة أخته المصدومة.
راقبت إلهام ليزا وهي تسير بشكل آلي غريب حتى أن سترة سيد التي كانت تتدثر بها كادت أن تسقط من عليها دون أن تكترث لها لولًا أن بانة عدلتها لها ثم أجلستها داخل السيارة ثم عادت لسيد بلهجة متوعدة "لو كنت أحزنتها يا سيد"
قال الأخير باختناق "سيد تعب من كل شيء يا أمي.. سيد لا يبحث عن المشاكل، وإنما هي التي تبحث عنه"
لم تفهم إلهام ما يقول، لكنها أحست به في مزاج عكر ولم يخف عليها تأثره بزفاف رحمة فقالت وهي تربت على صدره "خيرًا بإذن الله"
خرجت سيلا مع مروان إلى باحة الفندق ثم عقدت حاجبيها تتطلع في الواقفين وسألت بانة التي تركت ليزا في السيارة "أليست هذه ليزا"
قالت بانة " نعم تبدو متعبة"
عقدت سيلا حاجبيها ونظرت لمروان ثم تحركت نحو سيارة سيد لتتفقد ليزا، مالت تنظر إليها عبر النافذة تنادي عليها، فأدارت ليزا وجهها إليها بنظرات فارغة لتسأل سيلا بقلق "هل أنت مريضة هل يؤلمك شيء؟"
رفعت ليزا قبضتها ببطء ووضعتها على قلبها، في الوقت الذي جلس فيه سيد في المقعد المجاور لأخته فأحست سيلا بالحرج وقالت "سأتصل بك"
لم ترد ليزا وإنما تطلعت أمامها، فاضطرت سيلا حينما شغل سيد السيارة للابتعاد عن النافذة وهي تتطلع فيه بضيق لعدم احترامه لوجودها، لكنها لم تكن تدرِ بأنه لم يكن واعيًا لما يفعل. كان مثل أخته وكأنه قد ضرب على رأسه بحجر، حتى آية لم تكن بحال جيد وهي تلوح لسيلا ترسم ابتسامة على وجهها.
تحركت سيارة سيد، وبكى باسل لأن زهرة أخذت مكانه بجوار النافذة فانفعلت آية عليه تقول "باسل كف عن البكاء"
انفجر الصغير بالبكاء فتشنج سيد ورمقها عبر المرآة بنظرات غير راضية، ثم عاد ليتطلع أمامه بعدما اختلس نظرة نحو ليزا الشاردة دون أي رد فعل.
××××
"مبارك"
قالتها الممرضة التي خرجت كي تبشر وائل وأسرته، فتوقفت أنجيل الصغيرة عن البكاء الذي يلازمها منذ بداية أعراض الولادة على والدتها ورفعت رأسها عن حضن أختها بينما سأل وائل "كيف حالها؟"
ردت الممرضة "الأم بخير والطبيبة ستخرج وتطمئنكم حالًا"
نظرت أروى لعمرو في راحة، ثم طلبت منه أن يعطيها جنة التي نامت على ذراعه حتى تنيمها على حجرها وتغلق عليها سترة عمرو التي تتدثر بها بسبب مكيف المستشفى العالي بالنسبة لها، بينما دس وائل يده في جيبه وأخرج اكرامية منحها للممرضة كحلوان فشكرته وتحركت مبتعدة. ليقول أمير وهو يقترب ليعانق أخيه "حمدًا لله على سلامتهما"
ربت وائل على ظهره صامتًا والكلمات مشلولة فوق لسانه فلا يزال يشعر بالتوتر وصرخات ماجدة باسمه تتردد في أذنه فتعذبه. حين خرجت الطبيبة من الغرفة بعد قليل بلع وائل ريقه وهي تقول بابتسامة "مبروك يا أبا ماجد حمدًا لله على سلامتهما"
سألها بارتجاف "هي بخير يا دكتورة؟"
ردت مؤكدة "هي والوليد بخير"
تمتم وائل مبتسمًا "أنا عند وعدي لك.. وأرسلت للشباب بالمحل ليحضروا هديتك من الذهب كما وعدتك"
ضحكت تقول "أ لازلت تذكر"
قال مؤكدًا "أنا وعدتك ولا أخلف وعدي أبدًا"
قالها وهو يتجاوزها نحو الغرفة، فأسرع بالدخول ووقف يتطلع في ماجدة ذات الوجه الشاحب والتي تبتسم له بإنهاك سعيدة بتلك السعادة على وجهه. أسرع نحوها يحضن وجهها بين كفيه هامسًا "حمدا لله على سلامتك يا حبيبتي"
همست بوهن "نشكر ربنًا.. كدت أن أموت"
قرصت الدموع عينيه وقال بنبرة رجولية متهدجة بالمشاعر "بعيد الشر عليك.. أموت أنا فداء لك"
قالها وهو يميل عليها ويلصق جبينه بجبينها فقالت ماجدة وهي تمسح بكفها على مؤخرة رأسه "لا تأتي بسيرة الموت أرجوك"
صوت نحنحة صدر من أمير ثم قال "هلا أعطيتنا فرصة لنرحب بماجد وبعدها سنترككما في رواية الحب العاطفية التي تعيشونها!"
ابتعد وائل عن ماجدة يتلفت حوله قائلًا حينما وجد سرير الطفل خاليًا "أين هو؟"
ابتسمت وقبل أن ترد صدر صوت يشبه المواء الخافت، فنظر وائل إلى جانبها الآخر تحت الغطاء باتساع عينيه.
حاولت ماجدة من استلقائها أن تحمله فغمز أمير الواقف عند باب الغرفة لزوجته التي أخرجت هاتفها تسجل اللحظة، أما ميري وأنجيل فاقتربتا من سرير أمهما ببطء تطالعان ذلك الكائن الصغير الذي حملته ماجدة تعدل من لفته البيضاء وقربته من وائل.
ازدادت زرقة عيني وائل واتسع بؤبؤهما في ذهول وهو يتطلع فيه فمالت ماجدة تطبع قبلة على جبين الصغير ثم ناولته لأبيه الذي تفاجأ به فوق ذراعيه. خفيف، طري، أصلع الرأس إلا من بعض الشعيرات الصفراء في المنتصف، ذو وجه أبيض ويجاهد لفتح عينيه.
غمغمت ميري وهي تطل برأسها "على ما يبدو أنه يحاول فتح عينيه"
تمتمت ماجدة بوهن " أتمنى أن تكون عيناه زرقاوين مثل أبيه"
بحركة لا إرادية رفع وائل كفه الذي يرتعش وظلل فوق عيني الصغير يحجب عنه الضوء، حتى نجح الصغير في فتح عينيه ببطء وبدا وكأنه يتطلع في وجه أبيه بتشوش. فتجمد وائل يحملق فيه بينما هتفت أنجيل الصغيرة " عيناه بلون غريب وغير محدد"
تمتمت ميري " أتوقع ستكون زرقاء فهكذا كان لون عينيّ الذي رأيته في الصور التي تسجل لحظة مولدنا.. ألا تذكرين"
خفق قلب وائل بقوة وتمتم بخفوت متهدج مبعثر الحروف "ماجد.. وائل.. موريس.. وصل.. يا بشر"
قالها ثم أجهش بالبكاء..
××××
دخلت السيارات حي سماحة تباعًا في ذاك الوقت المتأخر من الليل فترجلت لُچَيْن والولدان أمام بيت الخازن ثم عبد الله من سيارة إبراهيم سماحة وشكره أبو فراس بامتنان متمنيًا له ليلة سعيدة، ليتحرك بعدها الحاج سماحة متوجها إلى بيته فصف السيارة تحته ونزلت إلهام ومعها شمس.
بعد دقائق أنزل أحمد بانة وعزالدين النائم على كتفها أمام بيت سماحة ثم تحرك إلى البناية التي يسكن فيها عمرو ووالدته، فترجلت عفاف ومعها عبد الرحمن الذي يتساقط من النوم ليسألها أحمد إن كان يحمل الصغير حتى الشقة، فشكرته وهي تسحب عبد الرحمن معها نحو مصعد البناية.
نظر أحمد للخالة أنجيل في المقعد الخلفي عبر المرآة الأمامية وقال بمداعبة "لم يبق إلا أنا وأنت يا جميل"
كانت تتطلع في هاتفها على صورة وصلتها للتو ثم قالت بسعادة "ولدت ماجدة.. لماذا أوهموني إذن بأنها لن تلد قبل الصباح وطلبوا مني الانتظار في البيت"
قال أحمد بابتسامة "وصل ماجد؟ ألف حمد لله على سلامته"
رفعت أنجيل أنظارها تقول "ولد يا أحمد.. أريد أن أذهب للمستشفى.. لابد أن أرى حفيدي وبالطبع لن أنتظر حتى يعودوا للبيت"
رفع أحمد حاجبيه وتمتم متفاجئًا "الآن!"
في الوقت نفسه وأمام البناية التي يسكن فيها سيد ترجلت ليزا من المقعد الأمامي لسيارة سيد وقد سقطت السترة التي كانت فوق كتفيها على المقعد، وتحركت ساهمة بخطوات بطيئة حتى المصعد دون النظر لأحد أمام أنظار آية التي ترجلت من المقعد الخلفي وكذلك زهرة التي هرولت خلف أختها.
أنزل سيد نغم بينما التقطت آية سترته من المقعد الأمامي ثم حملت باسل الذي نام في الطريق وانتظرت زوجها حتى صف السيارة وأخذ منها باسل يحمله.
بعد قليل كان سيد يخرج من غرفة نوم طفليه بعدما وضع ابنه فيها وبحث عن آية وتلك النار التي أشعلها ظهور ريان لم تهدأ في صدره بعد. في الوقت الذي خرجت فيه آية من الحمام بعدما تخلصت من الكعب العالي وخلعت حجابها فأمسك بمعصمها يسحبها نحو الصالة قائلًا "تعالي وأخبريني بالتفصيل"
قالت بعصبية "سيد لا تكبر الموضوع"
قال من بين أسنانه "آية.. أريد أن أعرف كل شيء تعرفينه عن هذا الشخص وهل فاتحك بشيء من قبل"
تمتمت بمراوغة مكشوفة أمام عينيه "أنت تفترض من رأسك أشياء غير حقيقية"
قال بلهجة محذرة " أنا لست غبيًا كي لا أرى نظرات الإعجاب السابقة في عينيه"
هتفت مجادلة "حتى لو كانت كذلك.. هو الآن قادم من أجل ليزا على حسب ما فهمت"
قال يطحن ضروسه "هذا الأمر عجيب ولابد أن أعرف تفاصيله وما الذي يخطط له بالضبط.. ووقتها لن أرحمه"
تطلعت فيه باستنكار وهو يتحرك نحو الشقة الأخرى وخشيت من أن يتشاجر مع ليزا مثل المرة الماضية فأسرعت بالاتصال بأخيها الذي رد بسرعة "هل حدث شيء؟"
قالت باختناق "حاول معرفة أي معلومة مني وبعدها ذهب للشقة الأخرى"
تمتم أحمد "أنا من الأساس كنت سأتصل به لولا اتصالك اذهبي الآن"
طرق سيد على باب غرفة ليزا فلم ترد ليقول بصوت لا يخلو من الضيق "دعيني اطمئن عليك على الأقل ليزا.. أنا لست ضد سعادتك، لكن هذا الشخص مثلما سمعتِ كان يحوم حول زوجتي.. كيف يكون لقاؤه بك صدفة (وركل الباب غاضبًا حينما لم يتلقَ ردًا) أريد أن أعرف تفاصيل علاقتك به بدلًا من أن أذهب إليه وأقتله"
انكمشت ليزا جالسة فوق السرير وحضنت ركبتيها تحدق في الفراغ بارتجاف وهي تتساءل ذاهلة: هل يتحدث بصدق؟ هل من الممكن أن يقتل ريان؟ أم أنه يبالغ؟ فلا تشعر بأنها قادرة على الحكم على شيء بشكل سليم، فبعد الذي حدث كل شيء مشوش وغير مفهوم.
خرجت زهرة من غرفتها تقول لسيد بانفعال "أنا لا أفهم ماذا حدث، ولكني أراها في حال لا يسمح بما تفعل"
تفاجأ سيد بمنطقها السليم وعاد قلبه للين فسألها "هل كانت تبكي؟"
هزت رأسها بالنفي، في الوقت الذي ارتعش الهاتف في جيب سيد فأسرع بإخراجه وتطلع فيه عابسًا وهو يسمع رسالة صوتية من ليزا بدا فيها صوتها متحشرجًا مهزوزًا وهي تقول "لا يوجد شيء يستحق أن تقتله بسببه.. ودعني وشأني الآن أرجوك"
طحن ضروسه وهدر وهو يضرب على الباب "على الأقل افتحي الباب كي تطمئن عليك زهرة"
رن هاتفه فأسرع بالرد بضيق "نعم أحمد"
قال الثاني "أنا ذاهب لوائل بالمستشفى"
تمتم سيد "الآن"
رد أحمد "نعم فالخالة أنجيل لم تصعد لشقتها ومصرة على الذهاب لرؤية حفيدها.. لماذا لا تأتي معنا"
صمت سيد يحاول جمع شتات آمره، وأدرك بأنه لن يخرج بشيء من ليزا الليلة ولن يستطيع النوم في نفس الوقت رغم اجهاده الشديد فقال لزهرة بحشرجة وهو يتحرك مغادرًا "حاولي اقناعها بفتح الباب لتطمئني عليها وتطمئنيني.. (ونظر في عينيها مضيفًا) زهرة.. ليس أمامي سواك لهذه المهمة فلا تنامي قبل أن تطمئنيني"
هزت رأسها، فوقف عند باب الشقة يتطلع في باب غرفة ليزا بقلب قلق ثم غادر يغلق الباب خلفه وهو يقول لأحمد " انتظرني أنا قادم معكما"
××××
قَبّل خيط الدموع فوق وجهها ثم طبع قبلة أخرى فوق عينيها المغمضتين طيلة اللحظات الماضية وهمس من بين أنفاسه التي تبحث عن هدوء ما بعد العاصفة "لماذا هذه الدموع يا رحمة.. ألم تؤكدي لي أنك لا تتألمين"
رفعت كفها لتخفي عينيها دون رد فقال بهمس رجولي يدغدغ أعصابها "هل تشعرين بالخجل"
هزت رأسها ولفت رأسها دون أن تفتح عينيها لتخفي وجهها في صدره العاري فتمتم رامز بابتسامة سعيدة وهو يلف جسدها بالغطاء ويضمها إليه "أنت أحلى من خيالي وأحلامي يا رحمة.. أنت قطعة من الجنة.. لم أكن أبالغ حينما قلت بأنك عوضي.. عوضي الجميل"
لم تقل شيئًا، كانت لا تزال في حالة من الطفو ولم تستقر على الأرض بعد، لكنها استقرت على صدره العضلي من طوفان المشاعر الذي كان قويًا على قلبها الضعيف قبل قليل، وحاولت جمع أشلائها والسيطرة على ذلك الشعور المزعج بالحرج الشديد وهي تخفي وجهها في صدره ليزيد رامز من إخفائها بين حنايا جسده، ومن إحكام الغطاء حولهما وأغمض عينيه يغمغم من بين لهاثه " مبارك يا حبيبتي.. كنت قلقًا عليك من نفسي ومن لهفتي التي وجدت صعوبة شديدة في كبحها.. مبارك علينا اكتمالنا ببعضنا يا رحمة.. يشهد الله لم أشعر بهذا القدر من السعادة من قبل.. اللهم أدم علينا ذلك الرباط ولا تفرق بيننا أبدًا.. اللهم آمين"
××××
بعد ساعتين
أغلق صقر بوابة البيت الهادئ تمامًا وقد خمن بأن الجميع قد خلدوا للنوم. فقد انتهز فرصة عدم وجود مكان في السيارة العائدة للحي واستقل وحده سيارة أجرة ونزل بالقرب من الحي يكمل المسافة سائرًا على الأقدام متعمدًا تأخير وصوله حتى لا تقابله لُچَيْن أو تقابل طوفان الأفكار والمشاعر المتضاربة الذي يسيطر عليه ويشعر بالخطر من نفسه.
تحرك ببطء وصدره مثقل بقلب مهموم متجهًا إلى الطابق الأرضي، فأغلقت لُچَيْن نافذة المطبخ التي تطل على ساحة البيت ونكست رأسها بضيق ثم ارتكنت إلى إحدى الخزائن في حالة من الشلل التام.
كانت تظن من قبل بأنها في قاع البئر المظلم، لكنها اللحظة تختبر سقوطًا جديدًا إلى أعماق أكثر ظلمة من سابقتها، تسبح في بحر من ظلام دامس دون مقاومة في استسلام تام للسقوط وقد أنهكها التعب.
بعد قليل خرجت من المطبخ وهي لا تزال بفستان الحفل، ورغم دموعها التي تغرق وجهها وقفت لدقائق تعدل من وضع السجادة المعوجة، ثم المفرش فوق طاولة السفرة. في الوقت الذي فتح فيه صقر باب الشقة وتسمر متفاجئًا بأنها لا تزال مستيقظة.
ارتج قلبها من سباته وتملكها شعور بالرهبة ترتبط بوجوده بينما جرت عيني صقر عليها من رأسها حتى أخمص قدميها وهو يقول "ماذا تفعلين في هذا الوقت"
كانت بفستان الحفل، حافية القدمين وشعرها مطلق بحريته على ظهرها، فأسرعت لُچَيْن بمسح دموعها بسرعة وهي تداري وجهها عنه وغمغمت بخفوت "لا شيء خرجت لأرتب الصالة حتى أستطيع النوم براحة"
دموعها كوت قلبه بالحزن وأشعرته بذاك الشعور الذي يتهم فيه نفسه بأنه مجرم، أما لُچَيْن فأسرعت بالتوجه نحو غرفتها دون المزيد من الكلام.
بمجرد أن مرت من أمامه، وقبل أن تصل للممر المؤدي للغرف كان صقر قد لحق بها ولف ذراعيه حولها من الخلف يضمهًا إليه. ذراع يحيط بكتفيها، والآخر بخصرها في حضن حار الأشواق أجفلها.
ارتج قلبها بدوي عالٍ وهو يستشعر نبض قلبه القوي الملاصق لظهرها. ولبضع ثوان لم يستطع صقر النطق. وقف مهزومًا أمام مشاعره التي حركته نحوها دون تفكير وقد أفقده ملمس جسدها البض بين ذراعيه التحكم في أعصابه للحظات فدفن وجهه في شعرها وهمس "لحظات من فضلك.. امنحيني بضع لحظات فقط وبعدها سأبتعد"
صدمت لُچَيْن بحديثه المترجِ، وصدمت أكثر وهي تشعر به يعتصرها بين ضلوعه ويغرق وجهه أكثر في شعرها، أما صقر فاستنشق عبيرها وملأ به صدره ثم همس بلهجة تنافس حضنه في الحرارة "أنا.. لا أحب أن أحزنك.. وأستاء بشدة من نفسي حينما أغضبك.. لكنك لا تساعديني كي لا أفعل"
تحركت كفاه بالتزامن مع كلماته فوق خصرها وعلى عضدها يتحسس جسدها باشتياق صدمها ادراكه بينما واصل صقر الهمس الحار المعذب "أنت لا تهونين علي أبدًا يا لُچَيْن.. رغم قسوة قلبك وجحودك لا تهونين.. فساعديني كي أحتمل الوضع الصعب الذي نحن فيه"
"ياسين"
همستها بخفوت فخفق قلبه للنداء لكنه تحامل على نفسه المعذبة بعدما استيقظ كبرياؤه من غفوة قصيرة، وفك ذراعيه ثم سحب نفسه مبتعدًا عنها. وبدلًا من أن يعود للخلف إلى حيث باب الشقة محجمًا عما جعله يصعد وهو احضار ملابس بيتية، أسرع هاربًا بارتباك نحو غرفته تاركًا لُچَيْن يكاد قلبها أن يحطم صدرها من هديره المعذب فوقفت لبضع دقائق ذاهلة دون فهم.
ما معنى ما حدث وما قاله؟ إن ما فعله يهزم تلك النظرية التي بنت عليها موقفًا كاملًا ضده. فشكت لوهلة في أنه يتلاعب بها، وتملكها شعور بالظلم، وآخر بالغيظ.
أما صقر فجلس على طرف السرير مستاءً من نفسه ومن ضعفه أمامها قبل دقائق، وأخذ كبرياؤه يعنفه، كيف تنازل؟ كيف أذله الشوق أمامها؟ وكيف يلح قلبه الآن للعودة إليها واستعطافها كي تنظر لحالته بعين العطف.
"شِخْت يا صقر وستلعب بك الصغيرة"
ضرب بقبضته على السرير بجواره وهو يجز على أسنانه ويعض على قلبه وهم بالاتصال بمروان حينما اقتحمت لُچَيْن عليه الغرفة باندفاع.
رفع أنظاره إليها قائلًا بغضب يداري به جرح كرامته الذي ينزف "اخرجي من فضلك"
قالت بعصبية "لن أخرج"
ناظرها بنظرات خطرة وهي تغلق الباب وتقول بإصرار "لن أخرج حتى نتكلم"
قال بضيق "ليس هذا وقته"
هتفت بإصرار وهي تضرب بقدمها في الأرض "بل وقته وستسمعني يا صقر"
قال من بين أسنانه وهو يكبت رغبة في الصياح في وجهها "اخفضي صوتك حتى لا توقظين من في البيت"
غمغمت "تمام سأخفض صوتي.. ولكن لا تهرب"
عقد حاجبيه يقول باستنكار "أنا لا أهرب"
ساد الصمت لثوان وكلاهما يحدق في الآخر متحفزًا حتى قالت لُچَيْن بلهجة مباشرة "هلا أخبرتني ما هذا الذي قلته وفعلته بالخارج"
بلع ريقه ورد بكبرياء وهو يستقيم واقفًا ويهم بمغادرة الغرفة "كان خطأً اعتذر عنه"
تحركت خطوتين لتواجهه بالقول "لن تذهب قبل أن أنتهي من حديثي.. (وهمست باستنكار) أنت تتهمني بالقسوة! .. أنا القاسية!"
طحن ضروسه وعاد ليجلس على السرير يرد "نعم أنت قاسية القلب"
رمشت بعينيها عدة مرات والعصبية التي تكبتها تأكلها من الداخل، فتفجرت الدموع من عينيها تقول بحشرجة "بل أنت هو القاسي.. أنت السبب فيما أنا فيه الآن من معاناة وعذاب"
اتسعت عيناه وقال ساخرًا "أنت تتعذبين! لماذا؟ هل طلبتُ منكِ الانفصال؟ هل طلبتُ منكِ أن يبقى كل منا في غرفة وأن نعيش فقط من أجل الأولاد؟"
نزلت دموعها صامتة وهي تواجهه بالقول بانفعال مكبوت "فعلت أسوأ من ذلك.. كذبت عليّ"
أسرع بالرد مدافعًا عن نفسه "لم أتعمد ذلك، ولكن ظروف زواجنا هي ما فرضت هذا الوضع.. (وأضاف باتهام صريح) وأنت انتهزت الفرصة للابتعاد.. لم يكن عليك انتظار حجة يا لُچَيْن.. كنت أخبرتني من بداية زواجنا بأنك لا تريدينني وأنك قد تزوجتني لأن الظروف فرضت عليك ذلك"
انهمر المزيد من الدموع الصامتة التي مزقت قلبه وزادت من وطيس المعركة التي تدور بداخله بين غضب وشفقة بينما قالت لُچَيْن باختناق "أنت لا تقدر ما أنا فيه"
قال غاضبًا "بل أنت من لا تقدرين شيئًا"
صاحت باستنكار وهي تقترب منه "أنا!! .. أنا من يقال لي هذا الكلام!.. (وأضافت بلهجة متألمة) أنت كسرتني يا ياسين.. حطمتني"
أضافت بلهجتها ألمًا فوق ألم قلبه فقال باندهاش "لمَ كل هذا لا أفهم! ما هي المشكلة أني زوج رجوة"
هتفت بانفعال "المشكلة أنها شخص له قدر كبير عندي.. إنها مثلي الأعلى"
ناظرها بذهول يحاول الفهم ثم تمتم "لازلت لا أفهم المشكلة"
تحركت عيناها في الغرفة بتوتر وكأنها تبحث عن الكلمات ثم عادت إليه تقول "المشكلة كانت في البداية وبعيدًا عن الصدمة هي عدم استساغتي لفكرة أن أكون زوجة زوج صديقتي"
صمت يحاول استيعاب تدفق الأفكار المربك الذي تسكبه في وجهه بينما أضافت لُچَيْن "والمشكلة الأخرى أنك وضعتني في منافسة مع إنسانة مميزة"
"منافسة!"
قالها متفاجئًا فردت لُچَيْن مؤكدة "نعم.. هل تظن بأن الأمر عادي بالنسبة لي أن تكون قد سبق لك الزواج بأخرى.. هل تظن بأن أفكاري لم تذهب إليها قبل معرفتي لهويتها؟"
هتف باستنكار "ولماذا لم تذهب أفكاري أنا لهوية زوجك الراحل"
صمتت وبلعت ريقها فأضاف بغضب "لو تركت العنان لأفكاري مثلك يا لُچَيْن، لقادتني إلى منطقة خطرة ستحيل حياتك معي للجحيم، لكني لن أسمح لنفسي بالانزلاق إلى هذا الفخ احترامًا لقدسية الموت"
قالت مجادلة "أنت تعرف بأن المرحوم لم يعش معي إلا شهرين"
هتف والدماء تغلي في رأسه "ابنك أمامي طوال النهار وهذا يكفي لإشعال النار في قلبي لو كنت صغير العقل.. وصدقيني لو حدث ذلك ستتأذين بشدة"
أحست بالإهانة فقالت مدافعة عن نفسها "أنا لست صغيرة العقل إنها طبيعة الأنثى.. كما أن طول علاقتك بالمرحومة من قبل أن أعرف هويتها يدفعني دون أي شيء للفضول لمعرفة من تكون وما شكل العلاقة بينكما.. لأصدم بهذه الحقيقة"
رمش بعينيه بعصبية يحاول فهم أي شيء مما تقول ثم سأل بعدم فهم "أية حقيقة؟"
واجهته بالقول "أنك أحببتها"
رد معترفًا "هذه حقيقة"
غار صدرها بالغيرة رغمًا عنها فاندفعت تقترب منه وتقف أمامه قائلة بغضب "وتقولها أمامي!"
رفع أنظاره إليها يقول باندهاش "ألم ترفضيني.. لماذا لا تعجبك تلك الحقيقة إذن"
أمسكت برأسها تشعر بالعجز في توصيل ما تريده ثم قالت بلهجة مرة " ربما لأنني لن أستطيع منافستها في قلبك"
تفاجأ بما قالت ورد عليها باستنكار "هل اطلعتِ على قلبي كي تقرري ذلك"
انفعلت بالرد المتألم "إنه لأمر بديهي.. فلست رجوة كاظم ولن أكون مثلها"
صمت يستوعب ما تقوله ثم سألها "لماذا تريدين أن تكوني مثلها"
"كي أنافسها في قلبك"
نطقتها بصوت متهدج ومسحت بعدها دمعة سقطت فجأة فصمت صقر يتطلع فيها ذاهلًا متفاجئًا بردها الذي يقلب موازين الموقف بينهما ثم هتف بصدمة شديدة "أنتِ تشعرين بالغيرة.. هل هذه هي المشكلة؟ أنك تغارين من المرحومة؟"
آلمها سماع الحقيقة وأحست بالخزي من نفسها فاختنق صوتها بالبكاء وهي تقول "أنت السبب.. أنت من علقتني بك.. أنت من ظهرت في حياتي البائسة تطلب مني أن أعتمد عليك، أن تكون جزءًا من حياتي.. أنت السبب فيما أنا فيه.. ولهذا أكرهك.. أكرهك من كل قلبي"
سألها وقد شعر بالتشوش "تكرهينني أم تغارين عليّ"
قالت بلهجة متألمة "أكرهك لأنك حطمتني حينما جعلتني أرغب فيما كنت زاهدة فيه.. أكرهك لأنك جعلتني أتقبل ما كان بالنسبة لي من رابع المستحيلات.. أكرهك لأنك تشعرني بالذنب"
أزعجه حديثها المتألم وقال باستنكار "الذنب! أي ذنب! أنتِ امرأتي على سنة الله ورسوله"
قالت وهي تمسح المزيد من الدموع عن وجهها بعصبية "ذنب أن أكون معك.. وذنب أن أحرمك من حقوقك.. وذنب أن أشعر بالضيق منها لأنها سبقتني إليك.. هل رأيت أعظم من ذلك ذنبًا.. أحبُها وأحترمها ورغم ذلك يأكلني قلبي لأن لها هذا الاحترام والمقام عندك.. أرأيت كيف سقتني للجنون"
صمت يتطلع فيها لبرهة ثم هتف غاضبًا "أنت تغارين عليّ!.. كل هذا الجحيم الذي عشنا فيه لأنك تغارين عليّ"
تكتفت وردت بكبرياء "من حقي أن أتمنى أن تكون لي"
"أنا لك "
قالها بغضب فصاحت بعصبية "كاذب.. تقول هذا الكلام من باب المجاملة"
شعر بالرغبة في تحطيم رأسها حتى يتخلص من أفكارها اللعينة لكنه تماسك وهو يستعيد حديث مروان السابق له بأن عليه أن يتحدث معها وأن يعبر لها عن مشاعره، ربما كان هذا هو جزء من المشكلة فرد عليها "لو تعرفيني حق المعرفة لما قلت هذا الكلام.. فأنا فاشل في المجاملة"
الصدق الذي استشعرته في حديثه أخافها من رفع سقف توقعاتها فقالت بشك "تريد أن تقول بأنك تحبني؟"
رد بهدوء "سلي قلبك"
واجهته بالقول "احترت فيك"
حرك كتفيه يسأل "ما الذي يحير"
ردت "كل شيء.. ألم تحبها؟"
أجابها على الفور "طبعًا"
عبست تقول باستهجان "إذن كيف تقول بأنك تحبني"
رد بثقة "هكذا قدر الله لي.. بعد الفاجعة لم أسعَ لأي علاقة مع امرأة أخرى، لم أفعل سوى عد الأيام المتبقية لرحيلي من هذا العالم.. حتى جاءت اللحظة التي منحني الله فيها قلبًا جديدًا وزرع فيه حبك"
هتفت بغيرة واستنكار "كيف تحبنا نحن الاثنتين!"
فرضت ابتسامة نفسها على زاوية شفتيه وهو يرد ببساطة كادت أن تجلطها "هذا ما حدث"
استفزها برده وبشبح تلك الابتسامة على شفتيه فضربته بقبضتها على كتفه بغيظ، ضربة، والثانية، فأمسك بقبضتها قبل أن تضرب الثالثة وقربها منه حتى وقفت بين ساقيه ثم رفع وجهه إليها يضيف بهدوء "المرحومة في مكان ومنزلة أفضل مني ومنك الآن.. لم يعد لها وجود مادي بين الأحياء.. لقد أخذت أولادها معها وارتقوا لمنزلة أعلى.. واحترمت أنا الذكرى.. أكان عليّ أن أدفن نفسي بعدهم؟ صدقيني فعلت ذلك لعشر سنوات ولم أمت وفي الوقت نفسه لم أعش"
صمتت تطالعه بشفقة وخيل إليها أن عينيه تلمعان بالدموع ليضيف صقر بنفس النبرة الهادئة " اختفاء المرحومة من عالم الأحياء ترك مكانها فراغًا عظيمًا.. لو كنتِ عادية يا لُچَيْن ما ملأتِ فراغ شخصية استثنائية على حد وصفك.. ولو كنتِ عادية لم أكن لالتفت لك ولا أصبر عليك بعدما جربت الحياة مع شخص استثنائي كما تقولين"
لمس حديثه قلبها وخافت من التصديق فهمست "اسكت"
استمر بالقول "هل تلوميني لأني قررت أن أعيش من جديد! .. عليك بلوم نفسك أولًا فأنت من أعدتني للحياة.. إن كان هناك من هو مخطئ هو أنت"
همست وهي تطل عليه من علو "اسكت"
تأمل وجهها في الضوء الخافت بعدما فرض شعرها ساترا على الجانبين وقال "ألا ترين بصمات القدر في قصة معرفتي بك؟ ألا تعد هذه القصة كتلك القصص الخاصة بالعشق التي كنت تطالبين بها.. اشتقت لصوتك بالمناسبة"
"اسكت"
همستها بترجٍ وسقطت قطرات من دموعها على وجهه وهي تحدق فيه فرفع كفه يبعد شلال شعرها إلى خلف أذنها ويمسح دموعها هامسًا بحرارة "اشتقت لك حد الموت لُچَيْن"
ارتج قلبها في صدرها وهمهمت باكية "أسكت يا ياسين أحاول الاستيعاب"
أسكتها هو حينما سحب رأسها لأسفل والتقط شفتيها بين شفتيه، فشتت انتباهها وأقنعها بإلقاء أسلحتها وسط ساحة المعركة في استسلام متعادل لا انتصار، ولا خسارة، استسلام متخم بالمشاعر وبجمرات الشوق واللهفة.
أطلق صقر سراح شفتيها وسحبها لتجلس على حجره وأخذ يوزع قبلاته المتلهفة على أنحاء وجهها ورقبتها فأخذ كفاها يتحركان بلهفة على رأسه ورقبته وكتفيه وظهره باشتياق فلم يجد صقر لديه من الصبر ما يعينه على التمهل، خاصة وهي تذوب بين ذراعيه وشفتيه بلهفة أشعلت جنون الرغبة في أعصابه، فأخذ يبحث عن سحاب الفستان بغير صبر، ولم تكن هي أقل منه لهفة وجنونًا وقد فقدت عقلها وفقدت معه النطق وكلاهما يسعى للتوحد مع الآخر. فقليل الشوق لوعة، وكثيره وَصَب وعذاب. وهذا التوق منها وتلك اللهفة فجّرا براكين العشق وصهرا كل الحواجز بينهما بشكل مؤقت.
بعد بعض الوقت هدأت العاصفة، وعادت الأرواح إلى أرض الواقع فُفض العناق وهدأت الجمرات في انتظار لعاصفة أخرى لتزيد من اشتعالها. قبل صقر رقبتها بعدما سقى وردته وارتوى منها، فلملمت لُچَيْن أشلائها من أرض المعركة ثم تحركت مبتعدة وأولته ظهرها وبدأت في نشيج صامت.
تطلع صقر في ظهرها العاري الذي توليه له ومزق نشيجها قلبه فتحرك يمحو المسافات التي خلفتها بابتعادها وحضنها يدفن وجهه في شلالات شعرها هامسًا بترج "لا تبتعدي ولا تأخذي الدفء معك"
أمسكت لُچَيْن بكفه الكبير تشبك أصابعها في أصابعه في إدبار زائف تحاول به تخفيف ذلك الشعور بالذنب الذي يلف أصابعه حول عنقها اللحظة بعدما ذهبت سكرة الغرام، فهي لم تستسلم له فقط قبل قليل وإنما سكبت في قلبه شوقها، ونهلت مما أجاد به عليها. وقد كان كريمًا معطاءً كعادته معها.
تمتم صقر هامسًا بجوار أذنها "أنت ترغبين بي لُچَيْن لستُ غرًا كي لا أدرك ذلك. كل لحظة مرت بيننا قبل قليل أثبتت لي بكل الأدلة والبراهين ما خفي عني بغبائي بأنك تريدينني.. وكم كنتُ منتظرًا للحظة التي أتوصل فيها لتلك الحقيقة بأنك تحبينني.. لهذا أحمد الله على ذلك وأشكره على أنه لم يكسر قلبي.. فلا تكسريه أنت بابتعادك يا لُچَيْن"
كلماته زادت من نحيبها، وزادت من شحن مشاعرها بكل ما هو متناقض، حلو ومر، راحة وعذاب، حرب وسلام بينما همس صقر مضيفًا "أنا لا أعرف ما هو الذنب الذي تتحدثين عنه، ولكن إن كان هناك ذنب سأحمله عنك، وإن كان هناك عقاب سأتلقاه أنا بدلًا منك.. أما أنت فعيشي وأزهري وتألقي"
رفعت كفه الذي تحضنه إلى شفتيها وقبلته فتمتم صقر من بين لهاثه الساخن "أنا لا أفهم منطقك.. ولا قادر على استيعاب مدى وجعك الذي ألمسه اللحظة ولن أرهق نفسي في فهمه فعلى ما يبدو هو تفكير أنثوي سأعجز عن الإلمام به، لكن أعدك بأن أحاول التعايش معه، كشخص ناجٍ من محنة فتقبل قدره، والحياة علمتني أن أخضع للقدر والنصيب.. وحمدًا لله أن من زرع حبك في قلبي زرعه في قلبك.. حمدًا لله"
كتمت بكائها بغير تصديق لما تسمعه، فأجبرها صقر على أن تستدير إليه ولم يعطها الفرصة وهو يبعد شعرها عن وجهها ويرفعها لتنام فوق صدره ويتمتم "الحمد لله الذي لم يكسر بخاطري"
××××
عانقت أروى ماجدة التي قالت لها بامتنان "لن أنسى لك بأنك تركت الحفل وبقيت طوال الليل معي يا أروى لا حرمني الله منك"
تمتمت الأخيرة وهي تبتعد عنها "لا تقولي هذا الكلام.. كما أنك سبق وأن كنت بجواري وقت ولادتي لجنة"
تدخلت أنجيل الكبيرة التي تجلس على أحد المقاعد "لا حرمنا الله من بعضنا.. وبارك لنا فيما رزق (ثم قالت لأنجيل الصغيرة) أريني مرة أخرى المقطع المصور الخاص بوائل حينما رأى ماجد"
في خارج الغرفة قال عمرو الذي يحمل ابنته النائمة على كتفه "انظروا إليه إنه يشبه وائل لدرجة مخيفة.. ينقصه لحية صفراء وأن نتأكد من أن لون عينيه أزرق"
ابتسم وائل الذي لا يزال يحمل ابنه بين ذراعيه. فلم يترك أحدًا ليحمله أكثر من دقائق، حتى أمه التي أتت متلهفة لرؤية حفيدها فعل معها نفس الشيء.
علق أحمد على ما قاله عمرو بتعليق وقح جعل وائل وعمرو وأمير يضحكون، أما سيد فكان ساهمًا يرسم ابتسامة لا تصل إلى عينيه. فتطلع فيه وائل يقول "ما بك؟"
غمغم سيد "لا شيء أنا سعيد من أجلك يا اكسلانس.. بارك الله لك في ماجد"
غمغم وائل بتوجس "هذا الأدب يشعرني بالقلق عليك"
قالها ونظر لأحمد باستفهام، فصمت الأخير دون تعقيب ليعود وائل بعينيه لسيد فعقب عمرو مشاكسًا "يبدو أنه قد بكى بالدموع في وداع رحمة مثل أي أم رؤوم"
ضحكوا جميعًا حتى سيد اغتصب ضحكة لم ترح قلب وائل الذي ظل يحدق فيه حتى أشار له سيد بعينيه على ابنه.
أنزل وائل أنظاره للصغير الذي بدا عليه الانزعاج من أصواتهم فقال وائل ضاحكًا "تمام يا باشا نعتذر"
تثاءب الصغير وتمطى فقال سيد معلقًا "يبدو بالفعل ابن الاكسلانس"
أما الأخير فعادت الدموع إلى عينيه ومال يطبع قبلة أبوية على جبينه الناعم.
××××
دخل رامز إلى غرفة النوم عائدًا من الحمام ثم تطلع فيها بعدما بدلت ملابسها لقميص طويل من الساتان العسلي له كمين صغيرين وتجلس على الأريكة بعدما فشلت في النوم.
لقد حاول معها لأن تسترخي بين ذراعيه لكنها لم تقدر فأطلق سراحها وترك لها الغرفة كي تبدل ملابسها.
قابلته بابتسامتها القادرة على ايهامه بأن كوكب الأرض يعمه السلام، فاقترب ونام على الأريكة يضع رأسه فوق فخذها متمتمًا "صدقت حينما قلت بأن الليلة الماضية ليست آخر عهدي بالنوم على الأريكة"
قالت شاعرة بالذنب "لماذا لا تنام على السرير"
غمغم ساخرًا وهو يرفع أنظاره إليها "لن أفعل وحدي.. بالله عليك شخص لم ينم عليه منذ سنوات اقتربت من العشرة سينام وحده كيف!"
تمتمت بسرعة "تمام.. هيا بنا لننام"
سألها بشقاوة " في حضني؟"
احمر وجهها وهزت رأسها بالإيجاب فواجهها بالقول "ستضغطين على نفسك مثلما فعلت لإتمام زواجنا؟"
تمتمت موضحة "لا.. أنا.. (صمتت قليلا ثم قالت) لم يحتمل قلبي كسر فرحتك.. لكني والله كنت معك بكل نفسي"
أمسك بكفها يضعه على صدره ورفع أنظاره إليها وهي مشرفة عليه من علو قائلًا "أعلم يا رحمة بكل ما يخصك"
ابتسمت له وقالت "هيا لتنام على السرير"
اعتدل على جانبه يولي وجهه لظهر الأريكة وغمغم وهو يمسك بيدها فوق صدره "هكذا سأنام حتى تقرري العودة للسرير "
مسدت على شعره وذاكرتها تستعيد تلك اللحظات الخاصة بينهما، فتملكتها السعادة لأنها لم تستجب للحظات الاغماء التي زارتها أكثر من مرة بين ذراعيه.
بدا على رامز أنه أكثر استرخاء، وذراته تستقبل لمساتها على شعره ووجهه وتستقبل ذاك الحنان الذي ذاق طعمه الحقيقي وهي في حضنه قبل بضع ساعات ويتساءل في سره إن كانت تفعل به ذلك وهي لا تزال تتعثر في حياء العروس ماذا ستفعل به حينما يزول عنها ذلك الخجل!
إنه يتوق لفعلها ثانية، فالشوق الذي أطفأه في حضنها عاد للاشتعال من جديد لكنه يحاول ضبط أعصابه مراعاة لحالتها فيكفي أن الليلة مرت دون أن تقلقه عليها، فعلى ما يبدو قد شحنت أعصابها بقوة كي لا تفسد الليلة.
ابتسم وهو مغمض العينين، فحبيبته لينة كالحلوى التي تذوب في الفم، لكنها قوية حينما يقتضي الأمر.
مالت رحمة بعد دقائق تقبل رأسه وهي تغدق عليه من حنان قلبها غير مصدقة لأنها معه في مكان واحد دون حواجز. وهمست "يا حبيب الروح.. ملكت قلبي بطيفك، وملكت أمري بنظرة منك، وأصبحتُ ملك يمينك بعهد الهوى"
فتح رامز عينيه، ثم رفع أنظاره إليها فانتبهت رحمة لما تفوهت به. رفع رأسه عنها واعتدل يتطلع فيها، فغطت وجهها بكفيها تتمتم "شعرت بأني أرغب في كتابتها في دفتري ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أنطقها"
جاش صدره بالمشاعر وفقد ذلك الانضباط في أعصابه، فاقترب بجسده منها يهمس بصوت متهدج "رحمة"
أبعد كفيها عن وجهها الأحمر وهمس "انظري إلي"
فتحت عينيها بعد ثوان تتطلع في عينيه العميقتين ولم تستطع الصمود أمامهما فعادت لإغلاقهما وقلبها يعود للقصف في صدرها، فحضن رامز وجهها يقول بصوت لا يعلو عن الهمس "هل أخبرتك من قبل بأن ما تصفينه من مشاعر تجاهي يرمم ما هدم مني، ويرتق شروخ روحي"
فتحت عينيها وقد بدأت أنفاسه الساخنة تمهد لها القادم بينما مال رامز على شفتيها يتذوق المزيد من الحلوى التي تمحو طعم المر الملازم له، ثم انتقلت قبلاته لرقبتها بعد برهة قبل أن يستقيم واقفًا ويحملها فوق ذراعيه.
تمسكت بعنقه وخبأت وجهها في رقبته ليهمس رامز بشقاوة "أريد أن أسمع مرة أخرى ما قلتيه قبل قليل، وبدلًا من أن تكتبيه في دفترك أكتبيه على صدري أو أخبريه لشفتي"
قالها وعاد بها إلى مخبأهما السري كي ينصهرا بالغرام خلف الستائر.
××××
كيف حدث ذلك؟
وكيف لم ينتبه للتفاصيل التي كانت تخبره بها؟ لكن من أين له أن يتوقع أن ذلك الحي الشعبي الذي تقصده هو الحي الذي تسكن فيه آية سماحة؟ لقد أخبرته بأن زوجة أخيها مذيعة بالراديو لكن من أين له أن يربط هذا بها؟ وهل لا يوجد في البلد سواها مذيعة راديو؟ وكيف كان سيعرف أن أخاها هو ذلك الضخم غير الودود الذي كانت تحبه آية؟ إنه لم يعرف من الأساس بأنها قد تزوجته، خاصة وأنه قد نسي الموضوع حتى أنه نسي أن يسأل أخته عن مصيرها.
أهذا فنان؟ أيمكن أن يكون ذلك الضخم ملحنًا ذا حس فني؟!
كانت الأفكار تتفجر في رأسه كصواريخ العيد وهو يجلس في سيارته الواقفة أمام فيلا الدكتور سراج علم الدين، منكس الرأس يلصق جبينه بعجلة القيادة دون حراك وقد مر عليه وقت طويل وهو على هذه الهيئة.
حين يستعيد فيما بعد هذه الليلة لن يعرف أبدًا ولن يتذكر كيف قاد سيارته ووصل إلى هنا، فلا يذكر شيئًا بالمرة منذ انفعاله وصدمته ومغادرته للفندق يترنح من وقع الصدمة.
كل ما يدور في رأسه هو استيعاب ما حدث، واسترجاع تفاصيل قيلت له ولم ينتبه لها. رؤيته لآية الليلة كان كابوسًا، ليس لشيء سوى أنها مصيبة وحلت فوق رأسه بصلتها بشقيق ليزا.
هل ما حدث حقيقيًا؟ هل عاشه بالفعل؟
لقد ذهب على جناحي الشوق لمقابلة شقيق ليزا متشوقًا لأن يطلب منه موعدًا للحديث معه في أمر ارتباطه بأخته. وكان يرسم في ذهنه شكلًا مختلفًا لأسرتها، فتوقع أن يكون أخوها ملحنًا شعبيًا من تلك الفئة الجاهلة بالفن التي تلحن أغانٍ تناسب فئات تعودت على التلوث السمعي، لكنه بعدما رآه وتذكره، وبعدما علم بأنه يناسب عائلة سماحة، وبعدما استرجع مكانة والد آية وعنجهية أخيها لا يظن أن أخا ليزا بهذا المستوى الذي رسمه في رأسه.
يا الله! أخو ليزا هو زوج آية سماحة!
ولكن لماذا تصرف معه بهذه الطريقة العنيفة؟ أمن الممكن أن تكون آية قد أخبرته بأنه كان معجبًا بها؟ هجومه عليه بهذا الشكل ليس له تفسير آخر غير أنه يعرف.
عاد للشك، هل ما يعيشه حقيقيًا؟ هل عاد للوطن بالفعل؟ وهل ذهب لليزا وقابل أخاها؟
رفع رأسه عن المقود وتطلع حوله في الهدوء القاتل وقد اقترب الفجر على البزوغ. يسيطر عليه شعور بأنه قد انفصل عن نفسه، وكأنه يشاهد فيلمًا عنه.
نجحت حقيقة بعينها في الوصول لإدراكه وسط غياهب التيه في رأسه فتساءل: ماذا حدث لليزا؟ هل علمت بمن كانت آية سماحة؟ وهل سيمنعها ذلك الوحش من التواصل معه؟
"ليزا"
قالها بادراك متأخر وقد بدأ في استعادة اتزانه العقلي وبحث عن الهاتف في جيوبه، ونفس الشعور يلح بأنه يشاهد نفسه وهو يفعل ما يفعل.
أخرج الهاتف من جيبه مغلقًا وقد فرغت بطاريته، فأسرع بالبحث عن البطارية الإضافية ووصلها به، وبمجرد أن استجاب لأمر الفتح جاءه إشعارات بمحاولتها الاتصال به فأسرع بالاتصال بها، لكن هاتفها هي هذه المرة كان مغلقًا، فسقط قلبه بين قدميه وقد بدأ يستوعب أبعاد الموقف الحقيقية، أبعاد ما بعد الصدمة.
××××




نهاية الفصل الحادي والأربعين


والكاتبة في إجازة
حتى يوم الجمعة 6 يناير 2023


مع حبي
شموسة


Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 17-12-22, 01:57 AM   #2447

butterfly.z

? العضوٌ??? » 259141
?  التسِجيلٌ » Aug 2012
? مشَارَ?اتْي » 619
?  نُقآطِيْ » butterfly.z is on a distinguished road
افتراضي

فصل رائع رائع وكله مشاعر واحاسيس جميل جدا
اجازة سعيده ♥

tamy likes this.

butterfly.z غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-12-22, 02:59 AM   #2448

ام نود وريم

? العضوٌ??? » 487590
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » ام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة asoomh مشاهدة المشاركة
شمس الشموس عاجبها وضعنا وحنا نحترق على الفصل🫠🫠🫠💔💔
بالضبط عاجبها مره 💔💔💔
بس تمون حبيبتي مره 💔💔


ام نود وريم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-12-22, 03:28 AM   #2449

سناء يافي

? العضوٌ??? » 497803
?  التسِجيلٌ » Jan 2022
? مشَارَ?اتْي » 447
?  نُقآطِيْ » سناء يافي is on a distinguished road
افتراضي سكنت خمائل قلبك

اخيرا رامز ورحمة التنين احلى من بعض
قدوم ماجد الصغير وفرحة واىل المنتظر شعور حلو

ليزا وريان وفرحة ما تمت الموضوع معقد وصعب بس انشالله منشوف الحل وليزا وريان بيجتمتوا ببعض تسلم ايدك وإجازة سعيدة


سناء يافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-12-22, 03:32 AM   #2450

فايوليت س

? العضوٌ??? » 476647
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 258
?  نُقآطِيْ » فايوليت س is on a distinguished road
افتراضي

الفصل رائع جدا
عجبني أخيرا تصالح لجين و صقر.......وكيف عابد لان شوية وحضر وتكلم مع عبدالله....... و مسكين سيد هو في ايش ولا ايه مشدود من كل طرف....... ما أعرف ايش اعبر عن هذا الفصل صراحة حبيته جدا و كان حلو.....
متحمسة للفصل القادم

kaj likes this.

فايوليت س غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:37 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.