آخر 10 مشاركات
فجر يلوح بمشكاة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Lamees othman - )           »          371 - رمال الحب المتحركة - ديانا هاملتون (الكاتـب : عنووود - )           »          زوج لا ينسى (45) للكاتبة: ميشيل ريد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          [تحميل]غار الغرام ،"الرواية الثالثة" للكاتبة / نبض أفكاري "مميزة" ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          مذكرات مغتربات "متميزة ومكتملة " (الكاتـب : maroska - )           »          داويني ببلسم روحك (1) .. سلسلة بيت الحكايا *متميزه و مكتملة* (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          نيران الجوى (2) .. * متميزه ومكتملة * سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          تسألينني عن المذاق ! (4) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          متاهات بين أروقة العشق(1) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > القصص القصيرة (وحي الاعضاء)

Like Tree2Likes
  • 1 Post By مروة سالم
  • 1 Post By مروة سالم
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-01-22, 03:23 PM   #1

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Elk هواجس غسق - قصة قصيرة


هواجس غسق
قصة قصيرة

مساء الخير..

حبيت أهنيكو بمناسبة العام الجديد وأدعو للجميع بعام سعيد مليء بالحب والسعادة والسلام وبعيدا عن الفقد والألم والمرض والحزن..

طبعا محبيتش أجي بيد فارغة.. فقلت أنزلكم قصة قصيرة تدعو للأمل والإيمان بعوض ربنا مهما كان الاختبار ثقيلا وصعبا


تفضلوا بقراءة قصتي القصيرة وأرجو أن تعجبكم..

حابة بس أشكر مريم زهرة صديقتي العزيزة على تصميم الغلاف الرائع ده..

ملحوظة القصة ليست حصرية



استيقظت غسق من نومها متملمة شاعرة بتكسر في أنحاء مختلفة من جسدها نتيجة تكوم الغطاء والتفافه حول أطرافها بسبب صراعاتها الدائمة مع كوابيسها خلال النوم.. فقد مضى أمد بعيد منذ أن استمتعت بنومٍ هانئ بلا منغصات..

بنفس محبطة وروح خاملة وجسد يكاد يخلو من الطاقة، نهضت من فراشها استعدادا ليوم جديد آخر، وهي تغمغم بضيق معبرة عن نقمتها على حالها الذي لا تجد من خلاله آية راحة.. فهي من جهة تعمل في مهنة رتيبة خالية من الإبداع والتحديات برغم أنها تدر عليها دخلا شهريا كبيرا نوعا ما..

ومن جهة ثانية، لا تشعر بأي حافز ولا تجد أي مصدر للسعادة في حياتها البائسة رغم تخطيها سن الثلاثين واستقرارها مهنيا وماديا..
بعد أن اغتسلت وارتدت حلة كلاسيكية فاخرة كونها الزي الرسمي لها كنائبة رئيس قسم بأحد البنوك الكبرى، تجاوزت تناول وجبة الإفطار ممنية نفسها بالمرور على المقهى الشهير المواجه لمقر عملها لاحتساء كوب من (الشوكو كراميل موكا).. رافضة الاعتراف أنها تريد أن تسرع الخطى نحو المقهى.. فقط لكي تلتقي به.. غوث..



في المقهى، كان غوث قد أنهى اجتماعه مع الندل والعمال موزعا المهام عليهم، قبل أن يرتدي المئزر مستعدا للوقوف على ماكينة القهوة في الوردية الصباحية متنكرا كأحد الندل في عادة دأب عليها منذ حوالي ثلاثة أشهر، حينما التقى غسق لأول مرة..
في ذلك اليوم لم يتعمد غوث خداعها، ولكنه بالفعل كان قد اضطر لأن يحل مكان أحد العاملين لديه والذي اعتذر عن ورديته بسبب ظروف عائلية طارئة..

وقتها، كان يتخذ موقعه عند آلة صنع القهوة السريعة ويقوم بالفعل بتسليم بعض الأكواب التي انتهى من إعدادها بنكهات مختلفة لأحد الزبائن الذي سيصطحبها بدوره للعمل لكي يحتسيها مع زملاؤه في الشركة الملاصقة للمقهى كما فهم غوث من محادثتهما القصيرة، وحينها شاهدها للمرة الأولى..
غسق..

ورغم أنه لم يكن يعلم اسمها حينها، إلا أن ما شعر به تجاهها بعد تلك النظرة الأولى، أكد له أن من المستحيل أن يناسبها اسم آخر..

فهي كانت تبدو كمن يشتعل من الداخل بألوان مختلفة من المعاناة رغم الغيوم الداكنة التي تحيط بها وترافق خطواتها، فتُلزم كل من تقع عيناه عليها بالصمت المهيب حتى تقرر هي إسدال ستائر روحها المنهكة والرحيل في صمت، تاركة خلفها غيمات ضبابية داكنة تشيعها بنفس الأسى الذي تحبسه داخل روحها..

تلك الفكرة عصرت قلبه بقبضة مؤلمة، لأنه كان يعلم أن انسحاب الغسق من المشهد يعني إتمام الغروب واستسلام الشمس للرحيل لتعلن موت النهار، وبعدها يبسط الليل الحالك ستائره ليعم الظلام وترتعد النفوس بانسحاب الدفء مع قناديل الشمس صاخبة الألوان..

في لقائهما القدري الأول.. كانت غسق ترتدي بدلة رسمية باللون البيج الكريمي التي كشفت بوضوح عن نحافة جسدها، بينما غطت وجهها المرهق بطبقة ثقيلة من كريم الأساس والكونسيلر لإخفاء هالاتها الداكنة، بينما تزينت بأحمر الشفاه والماسكرا لتبدو أكثر إشراقا..

لكنه لم ينخدع بمظهرها الأنيق ومكياجها المتقن، حيث كانت عيناها زائغتين وغائرتين بما يعكس بوضوح معاناتها من الأرق المزمن..

ولكونه طبيب نفسي، ألزم نفسه بتلك العادة اليومية بالعروج أولا على المقهى لكي يقضي ساعاته الصباحية في المكان الذي ورثه عن والده الراحل قبل أن يتوجه لعيادته واستقبال حالاته بذهن صافٍ..
فقد اعتاد غوث على تدريب حواسه ومهاراته من خلال مراقبة زبائنه ومحاولة استكشاف دواخلهم.. خاصة من تبدو عليهم آثار معاركهم مع الحياة بشكل جلي.. مثلها تماما..

فندوب روحها تعكس بوضوح هزيمتها المذلة أمام ما وضعته الحياة أمامها من اختبارات..

تُرى ماذا كان اختبارها؟ وكيف أخفقت فيه؟ ولماذا استسلمت للهزيمة هكذا؟
أم تراها مهووسة بالفوز، فلم تتقبل الخسارة حتى سحقتها الحياة تماما تحت سنابك حوافرها القاسية!!
في ذلك اليوم، تحدثت بنبرة منهكة حاولت إكسابها بعض الصلابة العملية، حين أملته طلبها بنبرة عملية جافة: (ريستريتوو بدون سكر لو سمحت)..

ابتسم غوث وأجابها بنبرة منغمة كبائع متمرس: (الريستريتوو في الصباح ثقيلة على المعدة ومرة للغاية.. ما رأيك أن تجربي الدوبيو خاصتنا مع بعض الحليب لتخفيف مرارتها)

تأففت غسق ونهرته قائلة: (لم أسألك أن تقترح عليّ مشروبا صباحيا على ذوقك.. بل طلبت طلبا محددا سأدفع ثمنه من مالي الخاص.. فلمَ لا تنفذه بدون استطراد وتعفيني من مقترحاتك الخاصة؟)..

طالعها غوث بنظرة محتدة، لكنه كان ممتنا للفرصة التي جعلتها تغرس عينيها في مقلتيه مباشرة، فكانت تلك اللحظات كفيلة بأن تكشف ما يعتمل بداخلها كمرآة عالية السطوع..

ولما اكتشف أنه قد أطال النظر، أطرق جفنيه والتفت نحو آلة صنع القهوة لينشغل بإعداد طلبها وهو يعب من رائحة البن الفواحة التي صارت عشقه الخاص..

حين انتهى، وضع غوث الكوب أمامها، وبجواره كوب آخر من القهوة ذات التركيز الأقل بنكهة الشوكولاتة والكراميل، ثم قال: (لا بأس.. يمكنك أن تجربي ذلك النوع كترضية من المحل على إزعاجي لحضرتك سابقا.. وربما إذا أعجبتك تطلبينها غدا.. اسمها شوكو كراميل موكا)..

منحته غسق ثمن كوب القهوة خاصتها، ثم تناولت الكوب الذي أهداه لها ورمته في حاوية القمامة المجاورة للماكينة، بينما أمسكت كوبها وغادرت المقهى دون أن تعقب..

ما لم يعلمه غوث ذلك اليوم، أن غسق كانت تؤنب نفسها على تصرفها الغليظ طوال الطريق إلى مكتبها، متسائلة بينها وبين نفسها لماذا أصبحت مؤخرا تقابل كل محاولات التودد إليها أو التصرف معها بلطف ورفق بطريقة محتدة باترة....!

فهي مقتنعة تماما أن خلف كل لين ورفق تقبع أفعى ناعمة الملمس ولكن حادة الأنياب.. تتحين اللحظة المناسبة للانقضاض.. والفتك.. فباتت غسق لا تأمن أحدا وتمنع الآخرين أن يقتربوا من محيطها الخاص مهما بدا عليهم من حسن نية..
أما غوث الذي كان ينتظر وصول غسق اليوم بنفس موعدها تماما في الثامنة والنصف صباحا، كدأبها طوال الأشهر الماضية، والتي ظلت خلالها تصر على تكرار طلبها باحتساء القهوة المرة مضاعفة التركيز من الكافيين، بينما يستسلم هو لتقديم طلبها باعتيادية وشكل عملي دون أن يحاول دفعها للحديث أو تغيير طلبها مرة أخرى بعد أن أهانته بقذف مشروبه الذي أعده خصيصا من أجلها في القمامة بذاك اللقاء الأول.. إلى أن جاء اليوم الذي بدأت فيه الأمور تتغير شيئا فشيئا..



كان غوث قد اعتاد على أن يبدأ يومه كنادل في مقهاه، مستمتعا بتقديم كوب القهوة الصباحي لكل العملاء الذين يتوافدون على المكان الذي يقع في قلب منطقة تجارية تحتضن الكثير من الشركات والبنوك في محيطها..

لا ينكر غوث أن إعداد القهوة بنكهاتها المختلفة أضحى عشقا خاصا به، منذ أن أصر والده على تدريبه على صناعتها خلال عطلاته الصيفية حين كان طالبا بالثانوية العامة وحتى بعد أن التحق بكلية الطب بقسم الطب النفسي..

فالقهوة صارت له، مثل الحياة.. تعلم من إعدادها الصبر وارتشف مرارتها ودأب على تلوين دكنتها بنكهات شهية تزيدها حلاوة ولا تخلصها من سماتها الأصلية كمنبه طبيعي للجسم يصل بعشاقه إلى درجة الإدمان..
ولأن القهوة شريكة البوح والسهر وحتى الحداد والخذلان، فقد كانت معلما رائعا له..

فالقهوة تكتسب مرارتها من مراحل إعدادها بدء من رفع حبوبها على النار وتحميصها ثم سحقها وخلطها بالماء بمقادير معينة في ركوة أو ماكينة مخصصة لا يشاركها فيها مشروب آخر، فتُترك في درجة حرارة معينة حتى الغليان.. وهنا تصل لتمام النضج فيفوح عبقها ويحلو مذاقها.

وهكذا نحن أيضا في معركتنا مع الحياة.. نعافر ونقاوم وننهزم ونُسحق حتى ننضج بخبراتنا ونصبح أكثر قدرة على التحمل والمواجهة بعد أن تصهرنا نيرانها وتكسبنا سمات جديدة فتترك علينا عبقا ومذاقا فريدا يميز كل منا فيصبح له نكهته الخاصة..
ومن خلال اختيارات زبائنه، يكاد غوث يحلل شخصياتهم واختياراتهم في الحياة، وهذا الأمر ليس له علاقة بمهنته كطبيب نفسي، وإنما بفراسته وقدرته على استقراء نفوس المحيطين به مهما كانت درجة غموضهم وتكتمهم..

حين جاءت غسق صباح اليوم، كان تبدو أكثر أناقة وهي تتهادى بخطواتها، مهتمة بلمسات خاصة من الاكسسوار تضيف لإطلالتها تميزا ونعومة، كما صففت شعرها بشكل مموج لمنحه بعض الحيوية، لكنه انتبه كالعادة لصفحة عينيها التي لا تخفي الحقيقة..
هي تعاني في صمت..

كان غوث يعلم جيدا أن انجذابه نحوها ليس فقط بسبب هالتها الغامضة ووهنها الذي تجيد إخفاءه خلف طيات إطلالتها الأنيقة وزينة وجهها المتقنة، وإنما لأن هناك نبتة صغيرة شديدة الخضار نمت خلف الأضلع وعند الوتين.. وهو لم يكن يملك سوى أن يرويها يوميا بمرأى الحبيبة.. حتى وإن لم تكن هي تدري شيئا عن المكانة التي تحتلها في قلبه الذي صار يخفق بتناغم خاص كلما لاح طيفها أمام ناظريه..

متجاهلا كل ما يعتمل بداخله وبنفس إصراره على سبر أغوارها، هم بتجهيز مشروبها الصباحي المعتاد دون أن يمنحها أي اهتمام خاص يدفعها للتهرب منه او غلق بوابات روحها أمامه..

لكن قبل أن يشرع بإعداد المشروب، بادرته غسق بطلبها بنبرة تبدو باردة ولكن يكتنفها التوسل، وليس أدرى منه من اكتشاف اختلاجات قلبها وتوترات كيانها بعد أن ظل يتابعها عن كثب بشكل يومي: (أريد تجربة قهوتك خفيفة التركيز.. تلك المنكهة بالشوكولاتة والكراميل وبتركيز أقل من الكافيين)
بنبرة متسلية، جاوبها غوث قائلا: (القهوة مع صديق هي الفعل الأكمل.. صحيح؟)

بترته غسق بتعليقها بنبرة شديدة الترفع، تخلت بها عن التردد الذي شاب نبرتها قبل لحظات: (والقهوة مع كتاب هي الفعل الأسلم)..

باغتها غوث مهاجما: (لكنكِ حاليا أبعد ما تكونين عن السلام.. ألستِ كذلك؟ تبدين كمن عادت من معركة طويلة منهكة بعد أن مُنيت بهزيمة نكراء.. وبالتأكيد لن يكون من الأسلم دفن مرارة الهزيمة بين ضفتيّ كتاب بينما يمكنك اقتسامها مع صديق)..

أطرقت غسق بصمت ولم تعقب، فوضع هو الكوب أمامها متشبسا بنفس السكون..

ارتشفت غسق رشفة من قهوتها بينما انشغل غوث بمتابعة تأثير مذاقها عليها، حيث أسدلت جفنيها ببطء وارتخت قسمات وجهها التي توردت قليلا بفعل سخونة المشروب ومذاقه الغني اللذيذ، ثم اتسعت شفتيها المنغلقتين ببسمة خفيفة غامضة تماما كالموناليزا بينما سحبت بعض الأنفاس المعبأة برائحة البن لكي تربت على روحها، وتؤكد لها أنها رغم كل شيء لا زالت حية، قبل أن تتحرك حنجرتها بإغواء غير مقصود وهي تتجرع ما ارتشفته لتوها، ثم انتبهت لاستسلامها للحظات من النشوى، فاستعادت هيئتها الجادة وأحكمت قناع الرزانة على وجهها، لكن طيف هواجسها أطل برأسه القبيح، فاندفعت مواجهة غوث وهي تحدثه بنبرة تجمع بين المرارة والغنج.. وذلك السكون المقبض الذي يحف قبور الموتى بمهابة: (أعشق الشوكولاتة.. حتى أنني أتخيل نفسي أموت حبا بها.. كأن أموت مثلا بسبب حساسية زائدة من الشوكولاتة.. ستكون ميتة شاعرية.. صحيح؟)

سحب غوث الكوب من يدها بسرعة وعلامات الفزع تسكن مقلتيه، وسألها بقلق وتوجس وبنبرة عصبية متلهفة، حتى أن الكلمات تكاد تصطدم ببعضها وهو يهتف: (هل لديكِ حساسية من الشوكولاتة؟ لمٓ لم تخبريني قبل أن أعد الكوب؟ بل أنتِ من طلبتيه بنفسك) ليختم كلامه بنظرات متشككة مرتابة..

التوتر الذي ظهر جليا على وجه غوث، أصاب غسق بنوع من الرضا لم تجد له تفسيرا بداخلها، لكنها ردت بتسلية: (لا.. اطمئن وأعد لي قهوتي.. لا أعاني من الحساسية للشوكولاتة)، ثم مدت يدها لتنزع الكوب عن قبضته وهي تتمم كلامها بنبرة ميتة: (ولكنني أحاول تخيل الطريقة الأنسب لموتي..)

صمت غوث لدقيقة متفرسا في ملامحها، وهو يحاول استقراء ما تقصده بكلماتها، ولما فشل في استنباط الأمر، سألها مباشرة بجزع لم يفلح في مداراته: (هل ستموتين؟ هل تعانين من مرض ما؟ أهذا سبب هيئتك المجهدة؟)

فغرت غسق فمها دهشة وهي تسأل نفسها.. كيف لاحظ إجهادها؟ ألم تنجح في إخفائه بالقدر الكافي خلف زينة وجهها واكسسواراتها البراقة؟

لكنها تجاهلت تلك النبضة في خافقها التي ألحت عليها أن تصارحه.. أن تكشف له خبيئتها.. وهي تستصرخها وتلومها لأنها تصر على التستر بالصمت وترك ما يجتاحها ليأكلها من الداخل ببطء..

وبرعونة وعند، كانا هما العمودين اللذين تستند عليهما طوال السنوات الماضية، استعادت غسق رباطة جأشها، وردت بنبرة متسلية: (لا.. أنا فقط لدي انبهار بالموت.. أو هواجس الموت.. كل أحلامي أثناء موتي أرى نفسي من خلالها أموت بطريقة مختلفة كل ليلة.. وحتى أثناء صحوي لا أفكر إلا بالموت..)

التقط غوث كلماتها مفكرا.. الهوس بالموت.. هو ذلك التعلّق المرضي بفكرة الموت واللحظات الأخيرة في حياة الإنسان.. وإن كان الأمر قد اتخذ في الحضارات القديمة طابع التقديس مثل الحضارة الفرعونية التي صنعت من "أوزوريس" رمزت للأبدية والخلود بعد موته غدرا، وجعلت "أنوبيس" هو حارس الموتى في العالم السفلي حيث مستقرهم الأخير، وكذلك الحضارة اللاتينية، حيث تخصص بعض دول أمريكا الجنوبية والوسطى يوما للاحتفال بالموتى..

لكن أن يصل الأمر لحد التفكير الدائم بالموت، فهو ولا وشك أحد نتائج الاكتئاب وأبرز مؤشراته وضوحا..

وغوث إن كان ينجذب لغسق كطبيب نفسي لاحظ بعض علامات الاكتئاب لديها، فإن حديثها عن الموت بهذه الطريقة.. يعني أن الأمر قد يخرج عن السيطرة ما لم يتم احتواؤه فورا والبدء في العلاج..

لكن.. هل ترغب هي حقا في الخضوع للعلاج والنجاة من بين براثن المرض الذي يفتك بالنفوس بلا رحمة؟

تنحنح غوث، ثم سألها متخذا التسلية واللا مبالاة درع لإخفاء ما يدور برأسه: (لأكون صادقا.. لم أصادف أبدا من يتحدث عن الموت في ساعات الصباح الأولى وخلال احتسائه قهوة زكية منعشة غنية بالشوكولاتة.. أنتِ امرأة فريدة يا آنسة غسق.. ولكنني مستمع جيد.. يمكنكِ أن تخبريني ما تشائين وأنا كصندوق أسود.. سأستمع فقط ولن أعلق)

ضحكت غسق، ثم قالت ساخرة: (وهل سيسمح لك مديرك بالوقوف والتسامر معي بدلا من متابعة عملك؟)

رد هو بمرح: (لنقل فقط أن لدي وساطة.. ولن ينهرني المدير أو يخصم لي من راتبي.. فهو يميل لتعيين عمال أكثر من حاجة المقهى حتى لا يقف الزبائن في الانتظار طويلا.. وبالتالي سنجد من يغطي مكاني بدون مشكلة.. كما أنهم يدينون لي بالكثير من فترات الراحة.. فلمَ لا أستغلها الآن؟)

علّقت غسق بمرح: (يبدو أن وساطتك قوية.. لا بأس.. إذا كان لديك ربع ساعة.. يمكننا أن نتمشى قليلا حول البناية.. سأسبقك للخارج)، ثم حملت كوبها وتحركت للخارج وهي تسأل نفسها بدهشة عما تفعله الآن..!

لماذا ستسمح لأحدهم بالاقتراب منها الآن؟ بل لماذا اتخذت قرارها بالإفصاح بعد أن ضاق قلبها بما يحمله؟
هل لأنه تسلل الليلة الماضية لكوابيسها فأفسد مجراها الطبيعي، فلم تنته بموتها كالمعتاد وإنما بمساعدته لها على الفرار والنجاة؟

بعد دقائق، كان غوث قد خلع مئزره وتبعها للخارج، فبادرته غسق بنبرتها الجامدة: (لا تجعل ذهنك يخبرك أن الأمر مميز.. أنا فقط.. اخترت أن أرضي بعضا من فضولك تجاهي وأسكب لديك بعض القطرات الزائدة التي تخنق دواخلي.. وبالنهاية أنت شخص غريب.. ولهذا فإن البوح لك سيكون هو الحل المثالي، خاصة إذا كان الثمن ألا أطأ المقهى مجددا بعد اليوم)..

ورغم النبرة القوية الواثقة لكلماتها إلا أنها بداخلها كانت تشعر بمرارة الفقد الوشيك، وهي تعلم أن إظهار وجهها الحقيقي أمام عامل المقهى الغريب سيكون ثمنه تخليها عن عادتها اليومية الوحيدة التي تريحها وتعطيها فسحة من السكينة بعيدا عن الحقيقة التي تغمرها وتخنق أنفاسها..

التقط غوث طرف الحديث بعد أن لاحظ غيمة الحزن التي ظللت مقلتيها لثوانٍ قبل أن تنقشع بسرعة رهيبة بعد أن استعادت غسق سيطرتها ووجهها البارد المعتاد، ليقول بنبرة ليّنة: (عندما يصل الإنسان لقمة قنوطه، يرسل له الله إشارة ما تخبره أن الطريق ليس مسدودا كما يظن، وأنه فقط إن تماسك وقرر أن يستكمل عبور النتوءات والحفر التي تعاكس خطواته، فإنه سيصل لبر الأمان، فقط إذا قرر التحلي بالشجاعة واختيار الاستمرار في السعي بدلا من الاستسلام لرثاء الذات.. المواجهة هي الحل)..
شهقت غسق بصوت خفيض، ثم عاودت استحكام قبضتها على انفعالاتها وسألته بلا مبالاة: (عفوا.. لم ألتقط الإشارة ها هنا.. هل لك أن تشير إليها؟)، ليمنحها غوث ابتسامة واسعة أضاء لها وجهه، وهو يقول بنبرة مازحة: ( كلانا يبدأ اسمه بنفس الحرف.. أوليست تلك إشارة كافية؟)

ضحكت غسق بعفوية متخلية لأول مرة عن شخصيتها الحذرة وتصرفاتها المحسوبة، لكنها فوجئت بغوث يمد يده ليصافحها، قائلا بنبرة واثقة: (غوث سامي عبد الحي.. خمس وثلاثون عاما.. مالك مقهى "سكيتو مانو" ولست فقط نادلا به.. ولهذا استغليت نفوذي)..

ابتسمت غسق، وفضول غريب يلفها.. فضول غاب عنها لأشهر.. بل لسنوات، كانت خلالها لا تكترث لشيء أو لأحد.. تريد فقط الانزواء والانعزال عن الآخرين.. واجترار خيبتها ولململة أذيال فضيحتها حتى ينساها الجميع..

سألته مكللة نبرتها بذلك الاهتمام النابض بالحياة: (سكيتو مانو؟ ما هذا الاسم الغريب؟)..

بنبرة مبتهجة بها بعض الحنين والفخر، قال غوث: (اسم المقهى من اختيار أبي رحمه الله.. فهو من أسس المكان.. وأنا فقط ورثته.. أما عن اختياره للاسم، فإنه جاء مركبا من كلمتين من الثقافة الشعبية يُطلق كلا منهما على نكهة معينة للقهوة داخل المقاهي الشعبية.. فسكيتو هي القهوة السادة.. أما مانو فهي القهوة المختلطة بالحليب.. تماما مثل الاسبريسو واللاتيه.. ولكن بالنسخة الشعبية)..
ضحكت غسق بخفة من وصفه الطريف، وقبل أن تسحب كفها بعد أن أنهت مصافحته، باغتها غوث بكلماته الجادة مشددا أصابعه على أناملها: (هكذا لم أعد غريبا.. وبالتالي لن يمكنك التخلص مني بعد أن تبدئي البوح)..

امتقع وجه غسق غضبا، لكن عينيها ومضتا بالتحدي، وهي تعلق بنبرة لا تحتمل الجدال: (لنرَ إن كنت ستصر على رأيك بعد أن أكمل بوحي.. أم ستبتعد عني ركضا)، ثم أكملت همسا لم يصل لمسامعه: (كما فعل الجميع)..

قبل أن يتمكن غوث من التعليق على كلماتها الغامضة التي زادته توجسا وحيرة، شرعت هي بتقديم نفسها قائلة: (غسق صفي هشام زيان)، سكتت قليلا وتوسعت ابتسامتها التي تبدو سعيدة في ظاهرها، ومريرة في باطنها، لتكمل: (صفي ليس اسم والدي بل هو جزء من اسمي المركب)..

رفع غوث حاجبيه مندهشا، وهو يشعر أن وراء الأمر لغز هو سبب نزف روحها، ولم تخيب هي ظنه، حيث تابعت: (أوتعلم غسق ليس اسمي الحقيقي.. أقصد ليس الاسم الذي وُلدت به وتسجّل في شهادة ميلادي.. فقد كان اسمي "صباح".. ولكنني غيرته لغسق في كل الدوائر الرسمية.. أتريد أن تعرف القصة؟)

هز غوث رأسه موافقا، رافضا الحديث حتى لا تدفعها كلماته للتردد فتتوقف عن البوح، لكنه قرأ في عينيها أنها قد اتخذت القرار بالفعل، حيث قالت: (لا أريد أن أحكي تلك القصة اليوم.. فربما لا تسعفك شجاعتك على تحمل ما ستلتقطه أذناك .. لمَ لا نعود لحكاياتي الأثيرة عن الموت؟)

حاول غوث التماسك والتظاهر بعدم التلهف لمعرفة قصتها حتى لا يستحثها على الحديث، فتقرر هي إعادته غريبا والابتعاد عنه للأبد قبل أن يسمعها.. ويساعدها، فرد بنبرة متعاطفة: (لا بأس.. احكي ما تشائين)..

ابتسمت له غسق هذه المرة بلا خبث، وقالت بعد أن تفرست بملامحه لثوانٍ: (تبدو من نبرتك وطريقتك كالطبيب النفسي تماما)..

ازدرد غوث لعابه ببطء كيلا تلاحظ هي اضطراب خواطره، فقد شعر بطريقة ما أنه إن أفصح عن مهنته الحقيقية، فإنها ستهرب منه للأبد.. لكنه أشار لها بالحديث، بينما أخذا يتابعان سيرهما في الطريق الممتد أمامهما..

عادت غسق لنبرتها الميتة المقبضة التي حاولت تغليفها بلون من ألوان المزح، وهي تحكي عن أمنية أخرى بالموت: (أتعلم؟ الليلة الماضية حلمت بطريقة أخرى للوفاة.. توصيل تيار كهربي بحوض الاستحمام الممتلئ بالماء ثم الاستلقاء فيه وتلقي النبضات الكهربية القاتلة على دفعات.. أو ربما دفعة واحدة.. لا أدري..)، لكنها ضغطت بأعجوبة على مكابح بوحها قبل أن تعترف له أنه قد اقتحم كابوسها كفارس خيالي يمتطي خيلا خرافيا، جاء ركض لفصل الكهرباء قبل أن تصيبها صعقاتها القاتلة..

شهق غوث بارتياع، فصمتت غسق قليلا، ثم تابعت: (لكنني استيقظت بقلب مقبوض ونفس مختنقة.. لأنني شعرت أنها طريقة عنيفة للغاية للرحيل.. كما أنها غير ساترة لأنني إذا طبقتها سأموت وملابسي ملاصقة لجسدي ومبللة.. لم أحب الأمر.. لا أريد أن أموت عارية أو شبه عارية.. لذلك شطبت أيضا فكرة الانتحار بالقفز في النهر.. كما أنني سباحة ماهرة.. بالتأكيد، سأجبن بعد أن يتسلل الماء لرئتيّ، فتغلبني غريزة البقاء وأضطر وقتها للعوم حتى بر الأمان)..

رغم استطرادها في الحديث عن الطرق البشعة للانتحار، إلا أن غوث لاحظ أمرا واحدا مبشرا.. أن غسق عندما تسرد أفكارها عن الموت، فإنها تفند كل طريقة وتشير لعيوبها ومساوئها، وكأنها تجبن عن تنفيذ ما يعتمل برأسها.. وهذا في حد ذاته شيء إيجابي.. كونها مازالت تقاوم.. حتى لو بأمر من عقلها الباطن..
استغلت غسق شرود غوث والتزامه الصمت، فأمسكت بخيط الحديث من جديد وتابعت: (أما طريقة الانتحار المفضلة لديّ.. فهي استنشاق الغاز.. في الحقيقة تلك الطريقة شاهدتها في فيلم قديم لسعاد حسني أكسبتها بعض الرومانسية والشاعرية في نظري، حيث نثرت الزهور على فراشها وفتحت أنبوبة الغاز وهي تظن أن الغاز سيتسرب للمكان وتموت مختنقة، واستلقت بين زهراتها بعد أن كتبت رسالة الوداع.. لكن لحظها السيء كانت إسطوانة الغاز فارغة فلم يفلح مسعاها.. ربما إذا أردت تطبيقها، يجب أن أتأكد أولا أن إسطوانتي ممتلئة)..

حاول غوث إكساب صوته بعض المرح رغم انقباض قلبه وتوتر مشاعره الغارقة في قلقها، فقال: (ألا توجد لديكِ طرق أبسط من تلك للموت؟ تبدو لي مجهدة وتحتاج إعداد مسبق)..

التمعت عينا غسق بشيء غير مفهوم.. وكأنما اندماج غوث في الحديث معها عن الانتحار بدون أن جزع أو رهبة أو نفور يمنحها نوعا من الدعم المستتر، فتابعت بحماس: (ما رأيك في الطريقة التي تُوفيت بها الفنانة الراحلة بالفعل؟.. تجذبني للغاية فكرة أن يحلّق الشخص في الفضاء ويترك للجاذبية الأرضية مهمة سحبه إلى القاع حيث المستقر النهائي.. السكينة بعد الصخب.. السلام بعد الجنون)..

انفعل غوث، فلم يستطع الحفاظ على قناع الهدوء واللا مبالاة، فرد بخشونة غير متعمدة: (لكن ملابسات موتها كانت مختلفة عن نظرتك للأمور.. فالكثير من المؤشرات في تحقيقات الوفاة تؤكد أنها تعرضت للدفع وماتت مقتولة.. برغم معاناتها النفسية في الفترة الأخيرة من حياتها)..

ناظرته غسق مطولا محاولة استنباط ما يرمي إليه من كلماته، فقرأت بوضوح الاهتمام في عينيه..

تبا.. لماذا يهتم؟
لقد تصالحت تماما مع فكرة أنه لا أحد يكترث لحالها ولن يهتم أحد بها مطلقا، فالجميع ينسحبون من حياتها ويبتعدون أسرع من ارتداد طرف العين، أما من يبقون.. فهؤلاء يتلكؤون فقط ريثما ينتهون من التنمر عليها بعد أن يفشوا خبيئتها التي أستأمنتهم على تفاصيلها، فيفضحوا سرها بدون ان توخزهم ضمائرهم الناعسة..
فهل كان غوث صادقا عندما ألمح أن الله قد وضعه في طريقها في أكثر لحظاتها قنوطا كي يمسك بيدها وينتشلها من مرار حياتها وسقم روحها؟

هل تصدّق حقا أن لوجعها نهاية؟
لقد تعبت.. تعبت كثيرا وهي عالقة في دوامة من الخزي والعار لا فكاك منها.. فهل آن الأوان لروحها أن تستكين أخيرا؟

هل تثق فيه وترمي عليه أحمالها فيشاطرها ما يثقل كاهليها ويطبق على روحها فيخنق أنفاسها؟ أم أن اللحظة التي ستشهد بوحها بالفعل ستكون هي لحظة خذلان أخرى؟

وهل هي قادرة على تحمل تبعات خذلان جديد؟
شردت بذهنها لما مرت به قبل حوالي عام.. عندما كانت أكثر قدرة على المقاومة بروحها المثابرة، قبل أن تستسلم لبوادر عشق لاح في الأفق، وسلّمت خبيئتها لمن ظنته يوما شريك العمر، فهرب بعد خمس دقائق فقط من اعترافها المخزي ..

لاحظ غوث أن غسق قد توقفت فجأة عن السير وتصنّمت في مكانها كتمثال قُد من صخر من جرانيت شديد الصلابة، بينما تموّجت على صفحة عينيها العديد من الانفعالات التي كانت شاردة فيها قبل أن تحسم أمرها وتطالعه بنظرات عازمة..

في تلك اللحظات، كانت غسق قد اتخذت قرارها..
ستتخذه أنيسا.. ستروي له عما يؤرق مضجعها ويفتك بقلبها.. فإما أن يصبح سندا أو يرحل كالباقين..
بكل عزم، هتفت غسق بنبرة قوية: (هل تريد أن تعرف قصة صباح قبل أن تتحول لغسق؟)
أومأ غوث برأسه موافقا، فمدت هي أناملها تطوّق معصمه وتسحبه إلى أريكة خشبية قاسية تطل على كورنيش النيل، فجلست إلى أحد طرفيها بينما استقر هو إلى جوارها، وكلٌ منهما يطالع صفحة النهر الهادئة أمامه قبل أن يعلو الموج بدفع الرياح، فتبدأ بالتزامن غسق بوحها..

ظل غوث يستمع لها دون أن يقاطعها أو حتى يبادر بالنظر لعينيها كي لا يجفلها فتفقد هي شجاعتها وتتوقف عن الحديث، لكن قطعهما ارتفاع رنين هاتفها بمكالمة من مديرها في العمل يسألها عن سر تأخرها لساعة كاملة رغم علمها بموعد اجتماعها الذي شارف على البدء، فنهضت هي تسرع الخطى عائدة لمقر الشركة وغوث يتبعها مهرولا، فلا يشيّعهما سوى الصمت..

حين وصلا لمحيط المقهى أولا، خرج أحد العمال وهو يهتف بـ غوث: (أين كنت يا دكتور غوث.. لقد اتصل المركز عدة مرات على هاتفك المحمول الذي نسيته بالداخل.. فاضطررنا في النهاية لاستقبال المكالمة، حيث طلب منا مساعدك إبلاغك أن علي مريض الوسواس القهري قام بتخريب حديقة المركز ويقتلع نبتاتها وزهورها لخوفه من لسعات الحشرات، حتى سالت الدماء من أصابعه.. وتم نقله إلى المستشفى المجاورة لتقطيب جروحه.. لكنه أصيب بحالة هيستيرية عندما عاد لغرفته بالمركز وبدأ بتحطيم محتوياتها وأخذ يصرخ مطالبا برؤيتك)..

هتفت غسق بجزع وبصوت متهدج من الصدمة: (هل.. أنت.. طبيب.. نفسي؟)..

وقبل أن يبادر غوث بالرد، ركضت بخطى واثبة صوب مقر عملها..



مر شهر كامل، ثلاثون يوما منذ ذلك اليوم الذي تلقت فيه غسق صفعة بيد غوث المخادعة، فقد أيقنت أن تقربه منها لم يكن بغرض الصداقة أو حتى بوادر انجذاب عاطفي، وإنما هو شعور اعتيادي يجتاحه كلما قابل حالة جديدة تستفزه ليبدأ معها رحلة علاج تنتهي بشعوره بنشوة الانتصار..
فقد أقامت بحثا سريعا عبر شبكة الانترنت لتكتشف الحساب الخاص بمركزه النفسي وفهمت من تعليقات المتابعين مدى براعته وإتقانه لعمله..
لكن شعورها بمرارة الخداع، جعلها تقاطع المقهى..

أما غوث، فلم يستسلم لانسحابها المحزن، بل دأب على إرسال كوبين من القهوة يوميا بنفس الرسالة.. (إذا كنتِ تريدين الغرق في ظلام كوابيسك والاستسلام لأوجاعك فاجعلي نكهة السكيتو المرة رفيقة لكِ تشكين لها أحزانك.. أما إذا كنتِ تريدين المقاومة وإعادة الألوان والبهجة لأيامك.. فاستمتعي بمذاق نكهة المانو المحلاة.. لقد أضفت لكِ صوص الشوكولا مستغلا الوساطة كالعادة.. وأنتظر زيارتك عندما تكونين مستعدة)..

مع دخول اليوم الأول من الشهر التالي، لم يستطع غوث الانتظار أكثر بعد أن تقطعت أحبال صبره وازداد قلقه على غسق، خاصة بعد ما كشفته له عن مأساتها الخاصة، فقرر أن يبادر بإنهاء تلك القطيعة.. فقام بتجهيز كوبيّ القهوة وقام بتغليفهما مع قطعة من لفائف القرفة وأخرى من حلوى البراونيز الداكنة، ثم أشار لأحد مساعديه باتخاذ موقعه على ماكينة صنع القهوة، معلنا أنه سيقوم بنفسه بتوصيل طلبية إلى عميل في مقر البنك المواجه..

لكن غوثا لم ينس أن يتخلص من مئزره وقميص العمل المطبوع عليه شعار المقهى، وبدّل ملابسه إلى قميصٍ عصري أنيق مع سترة شبابية بلون الكاكاو فزاد وسامة وجاذبية خاصة مع ما يحمله بين راحتيه.. وبالتالي لاحقته الأنظار والتفت الأعناق صوبه في كل خطوة كان يخطوها صوب غسقه.. أسيرة الغروب التي سقطت ضحية للظلام في لحظة مريرة زوت لها الشمس خزيا ولم تشرق بعدها..

كانت غسق منهمكة في عملها بغرفتها الصغيرة المجاورة لغرفة مديرها، فلم تنتبه لهمسات وتعليقات زملائها في القاعة الأمامية برغم الحاجز الزجاجي الذي يفصل غرفتها عن مكاتبهم والذي يتيح لها بوضوح رؤية ما يحدث أمامها.. فقط إذا رفعت عينيها قليلا عن شاشة حاسوبها، وهو ما لم تفعله تلك الغافلة المجدة في عملها..

وحين سمعت طرقا خفيفا على الباب، أذنت بشرود بالدخول، قبل أن تباغتها رائحة القهوة الغنية، فرفعت رأسها لتصطدم بصاحب الابتسامة المبهجة والنظرات المسالمة المريحة للأعصاب..
تلك النظرات التي تشعرك أن كل شيء سيكون على ما يرام إذا تحليت بالثقة والصبر بما يكفي..

اتسعت ابتسامة غوث وهو يضع الصينية التي تحوي القهوة على جانب مكتبها، ثم همس بنبرة ليّنة: (طلب خاص بعلم الوصول.. نحتاج لتوقيع حضرتك)..

قاومت غسق الابتسامة وحافظت على نظراتها المحايدة، وهي تسأله بتوبيخ ساخر مستتر: (توقيع لماذا؟ ألن تستغل وساطتك كالمعتاد؟)

رد غوث بجدية: (فقط وقعي الإيصال)، فنفذت هي كي تجاريه في وهمه، لكنه رفع الورقة أمامها وقال بغلظة: (هكذا وقعتِ إقرارا بالعودة لزيارتنا في المقهى يوميا بدء من الغد، وإلا يحق لي رفع دعوى تعويض بمبلغ نصف مليون جنيه)..

شهقت غسق بنبرة تمثيلية، ثم قالت مهددة: (هذا تزوير.. سأبلغ السلطات واتخذ ضدك إجراء قانونيا)..

قاطعها غوث بثقة: (القانون لا يحمي المغلفين)..

شردت غسق قليلا، وهاتف بداخلها يرد "ولا يحمي الأبرياء الذين تلوثت سمعتهم بفعل تصرفات الأقربين"، ثم اختفى المزح عن وجهها الذي استعادت قسماته صرامتها التي ظللته لأكثر من عامٍ.. منذ تلك اللحظة المشؤومة التي انقلبت فيها حياتها رأسا على عقب، ففقدت كل عناصر أمانها واستقرارها وكذلك براءتها وثقتها في الآخرين..
أخذت غسق تنهر نفسها متسائلة "ما الذي تفعله الآن؟ ولماذا استقبلته بنوع من المرح بدلا من طرده خارج محيط المكان بل خارج حياتها تماما؟ ماذا تنتظر منه؟ هل يستحق أن تأتمنه على سلامتها النفسية بعد أن أثبت لها استحقاقه للثقة بمحافظته على سرها الذي كشفته له في لحظة ضعف؟ أم ترفع أسوار مقاومتها أمامه بعد أن اكتشفت خديعته واستغلاله لها لكي يرضي فضوله المهني ورغبته في مساعدتها بدافع طبي بحت؟"،

أما غوث، فظل واقفا أمامها محافظا على نفس الابتسامة الهادئة، ومتجنبا لأي رد فعل أو تصرف، خاصة وأن الحائط الزجاجي الفاصل يكشف لمن يجلسون خارجا كل ما يحدث داخل المكتب.. فتركها تتمتع ببضع دقائق من الشرود، كي تستوعب وجوده هنا وتتأكد أنه لا يخطط للابتعاد مهما تشبثت بالمقاطعة أو حاولت دفعه للرحيل..

في النهاية، نهضت غسق، وهي تحمل كوبيّ القهوة، فمنحته واحدا وأخذت الثاني، ثم قاسمته قطعتي الحلوى، فظلا يحتسيان القهوة ويتناولان الكعك بصمت مشترك.. لكنه ليس مقبضا هذه المرة بل كان مشبعا بالأمل، خاصة بعد أن قالت غسق: (أريد أن أرتاح.. لقد تعبت كثيرا.. لا أستطيع أن أعيش حياتي هكذا.. لا أريد أن أفكر فقط بالموت في كل لحظة.. أريد أن أسعد.. أن أستمتع بمباهج الحياة.. أن أخطط للمستقبل.. لا أريد أن أظل وحيدة حتى اللحظة الأخيرة.. أريد الفكاك من هذا الذنب الذي لم أرتكبه)، ثم سالت دموعها بعد أن تهدج صوتها حسرة بآخر كلماتها، فهمس غوث معقبا: (إذًا لابد أن تقبلي العلاج.. فورا)
هتفت غسق بتعب واستسلام: (قبلت..)

رد غوث بنبرة عملية: (ولكي ينجح العلاج ويؤتِ ثماره.. يجب أن يباشرك طبيب آخر.. فأنا لن أستطيع مساعدتك، بينما مشاعري الخاصة نحوكِ تؤثر على أفكاري)...

همست غسق متسائلة بانفعال: (مشاعرك الخاصة؟)

ابتسم غوث تلك الابتسامة اللطيفة التي تربت عليك دون أن تلمسك، ثم قال: (لا تتظاهري أنكِ لم تدركي بعد أن هناك شيئا خاصا يحدث بيننا.. لكنه يتوارى خلف كل الحصون والأسوار التي تتخفين خلفها برغم أنكِ كشفتِ لي بالفعل عن السر الذي يحني عنقك.. لكنني أتطلع إلى تحطيم كل تلك العقبات فور أن تسيري خطوات كافية من التعافي لينشأ حبنا قويا لا يخشى الظروف)..

هتفت غسق بلا تصديق: (حبنا؟ والناس؟)

صاح غوث بإصرار: (تبا للناس.. الناس هم سبب تكدس الحالات لديّ في المركز.. لو تركوا الآخرين بحالهم لما شكى أحد من هم ولا عانى من أذى.. سنحارب معا كلام الناس.. ولكن لن يحدث ذلك قبل أن تستعيدي أنتِ قوتك)

أومأت غسق برأسها موافقة، ولمعة جديدة تلف حدقتيها تزيدهما ثقة وبأسا وتضيئهما بالكثير من الأمل، فابتسم غوث من جديد، وهو يهتف بمرح: (سأضطر للمغادرة الآن لأن وساطتي لا تشمل مصاحبتك في عملك طوال اليوم.. هكذا سأخسر عملي بالمقهى والآخر بالمركز.. سأنتظرك غدا لتمري عليّ بالمقهى، لنتوجه معا للمركز وأقدمك للطبيب الذي سيتولى حالتك.. فلا تنسي أن تحصلي على إجازة غدا من عملك)..



في اليوم التالي، وعقب المقابلة الصباحية داخل المقهى واحتساء كوب القهوة الدافئ، رافقت غسق غوثا إلى مقر مركز الصحة النفسية الذي يديره بمشاركة عدد من زملائه، حيث قدّمها إلى زميله الدكتور حامد السقا الذي يفوقه خبرة خاصة في علاج حالات الاكتئاب، ثم تركهما معا وتوجه هو لمتابعة حالاته..
حين انفرد الدكتور حامد بغسق، سألها بنبرة ودودة متعاطفة: (لقد أخبرني الدكتور غوث نبذة بسيطة عن مشكلتك.. فهل تريدين أنتِ الحديث وكشف المزيد من التفاصيل حتى نضع يدنا على جذورها ونبدأ رحلتنا في تفكيك خيوطها لتودعي ذلك الحمل الذي يثقلك)..

بدأت غسق حديثها بقولها: (اسمي غسق صفي هشام زيان.. لكن هذا لم يكن هو اسمي الذي وُلدت به.. اسمي الحقيقي كان صباح هشام زيان.. وإذا لم يكن الاسم يثير لديك أي خاطر، فدعني أنعش ذاكرتك قليلا.. أبي هو هشام زيان.. المجرم الذي تم إلقاء القبض عليه بعد اعتدائه على طفلة قاصر قبل بضعة أعوام، وافتضح أمره بعد أن تم نشر مقطع فيديو بتفاصيل الواقعة عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.. وبالتبعية غيّم العار عليّ وقيدني بأصفاده الصدئة لأنني أحمل اسمه)..

تنهدت غسق ببطء وهي تحاول السيطرة على سيل الدموع الذي نزفته عيناها حدادا على سمعتها التي احترقت بعد فعلة أبيها المذمومة، حيث تابعت: (في البداية لم أفهم أبعاد الكارثة جيدا.. وظننت المجتمع سيفرّق بين تصرفاتي وسمعة والدي، ولكن بمرور الوقت اكتشفت أن فعلته تظلل رأسي أينما حللت، كغيمة سوداء مطيرة معبأة بنفايات عطنة فلا تهطل سوى بالخزي والعار)..

زفرت غسق، فأشار لها الطبيب بالمتابعة بعد أن قرّب منها صندوق المناديل الورقية، لكنها تجاهلته وأكملت: (في البداية كنت أتسلح بالقوة والتجاهل.. غير عابئة بألسنة الانتقادات ، فأصم أذنيّ.. ولكن عندما وصل الأمر للنبذ والتحامل بل ومحاولة حرماني من حقوقي الطبيعية في العمل والحياة، خاصة بعد أن سقطت والدتي ضحية للتنمر والإساءات فأصيبت بنوبة قلبية أودت بحياتها.. قررت أن أحاول لملمة شتات نفسي، ولم يكن لدي خطة وقتها سوى بتغيير اسمي ومحاولة الانسلاخ من عاري بالفصل بين اسمي واسمه)..

أمسكت غسق بمنديل ورقي بأنامل مرتعشة، وأخذت تجفف دمعاتها، ثم تنهدت وارتشفت بعض الماء، قبل أن تتابع: (كان اسمي كصباح هشام زيان متداولا بكثافة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبالتالي كان يتم رفض عملي بأي وظيفة نظرا لسمعة والدي، فقررت تغيير اسمي لاسم مركب فيظن الناس بشكل مستتر أن النصف الثاني من اسمي هو اسم والدي.. لذلك اخترت غسق صفي، وهكذا أهرب من اسم صباح هشام زيان وأودع تلك الهوية للأبد)

رد الدكتور حامد بنبرة مشجعة: (عظيم.. إذاً ماذا حدث بعد ذلك ودفعك للتفكير فقط في الموت؟)

نهضت غسق من جلستها، وظلت تتحرك في محيط الغرفة، وهي تتحدث بنبرة أليمة: (ما حدث أنني وقعتُ في الحب.. كنت قد نجحت في العمل ببنك أجنبي شهير وانشغلت كثيرا بمنح العمل جُل طاقتي فتمت ترقيتي سريعا.. بعدها نمت قصة حب سريعة بيني وبين أحد زملائي.. كان يتمتع بنظرة متفتحة وبشخصية حنونة.. أو هذا ما ظننته، وعندما ألمح لرغبته في طلب يدي، كشفت له عن ماضيّ الأسود متسلحة بالأمل بعد أن مات أبي بمحبسه الذي كان يقضي فيه فترة عقوبته بالسجن المشدد بتهمة هتك عرض قاصر.. فكان رده هو الابتعاد عني بأسرع ما يستطيع.. حتى أنه طلب الانتقال لفرع آخر للبنك.. وبعدها قطع كل سبل التواصل معه إلى أن علمت خبر خطوبته من إحدى زميلاتنا من الفرع الآخر)..

عاودت غسق الجلوس على مقعدها متهاوية بتعب، ثم أكملت: (وقتها عدت للانزواء والابتعاد عن الجميع.. آثرت العيش في الظل والارتكان للظلام، وهنا بدأت تراودني تلك الأحلام المتعلقة بالموت، ثم تطور الأمور بمرور الوقت إلى سيطرة خيالات الموت على ساعات صحوي أيضا.. لم أجرؤ أن أحكي لأحد.. بالأساس لم يكن أحد بحياتي حتى يستمع إليّ.. إلى أن اقتحم غوث حياتي متعمدا)..

كافأها الدكتور حامد بابتسامة رفيقة، ثم سألها بنبرة عملية: (إذًا هل أنتِ مستعدة للاستماع لتشخيصك وخطة العلاج التي سنعمل عليها سويا؟)

أومأت غسق برأسها بتردد، فقال دكتور حامد: (مبدئيا، يجب أن تعرفي أن المرض النفسي تماما مثل المرض العضوي.. يتم تشخيصه ثم تحديد طريقة العلاج ومداها الزمني المحتمل، وهو ليس عيبا أو يعني أن صاحبه مجنون ويجب احتجازه بمستشفى الأمراض العصبية والنفسية.. أحيانا يطلب بعض مرضانا البقاء داخل المركز بحثا عن بيئة آمنة لتهدئة أعصابهم والابتعاد عن ضغوط الحياة ومنغصاتها، لكن حالتك لا تستوجب هذا الأمر.. أنتِ تعانين من الاكتئاب الذي يستتبعه التفكير المتواتر في الموت والانزواء عن الوسط، ولكن بالعلاج المناسب ستستعيدين روحك المقبلة على الحياة)..
سألته غسق بفضول: (وكيف سيتم العلاج؟ هل سأخذ عقاقير مهدئة وما شابه؟)

رد الطبيب: (في البداية، سنعقد جلسات مكثفة تكشفين من خلالها مكنونات صدرك وتتخلصين من كل الأعباء التي تراكمت على صدرك فأثقلت أنفاسك.. وبالتزامن مع تلك الجلسات سنجرب بعض التغيرات البسيطة في أسلوب حياتك المعتاد (..

صمت الدكتور حامد لبرهة، ثم تابع: (وإذا لم نحصل على النتائج المرجوة، قد ندخل بعض العقاقير في مرحلة تالية من العلاج.. لكنني لا أظن أنك قد تحتاجينها إذا حصلتِ على الدعم المعنوي اللازم، وهو ما يقدمه لكِ الدكتور غوث كما فهمت.. بالإضافة بالطبع لبعض جلسات العلاج الجماعي من خلال مجموعات للفضفضة وتبادل الهموم مع من هم يمرون بمثل ظروفك)

سألته غسق بتردد: (وما هي التغيرات التي تقترحها لتغيير أسلوب حياتي؟)..

أجاب الدكتور حامد: (مبدئيا سنهتم بالتغذية والنوم بشكل كافٍ، ولكي تلتزمي بعادات غذائية وتخصصي ساعات كافية للراحة، فإن عليك أيضا ممارسة نشاط رياضي يسحب طاقتك السلبية فيجعلك أكثر رغبة في النوم وتناول طعامك.. لذلك أقترح مبدئيا أن تمارسي رياضة اليوجا، فهي تساعد على الاستقرار النفسي.. كما يمكنك تجربة تدريبات الإيروبكس والزومبا بضعة أيام في الأسبوع.. وسيكون عليك أيضا تقليل معدل استهلاكك للقهوة مهما كان عشقك لها)

حمل الدكتور حامد كأس الماء الموضوع إلى يمينه، وارتشف القليل من الماء مؤثرا استغلال فترة الصمت التي فرضها للحظات كي تستوعب غسق كل ما قاله، لكنه تابع بنبرة صارمة: (لكن كل تلك الخطوات لن تفلح أبدا في علاجك ما لم تقنعي نفسك أولا.. أنك غير مذنبة ولا تدينين لأحد بشيء.. ليس عليك التفسير أو الاعتذار.. بل ليس عليك حتى الاعتراف.. ما اقترفه والدك لا يجب أن يكون هو الواقعة الوحيدة المحددة لحياتك.. الكثيرون يخطئون ويكملون حياتهم.. فما بالك أنتِ التي لم ترتكبي أي خطأ بل كنتِ ضحية، فقد تدمرت حياتك المستقرة وفقدتِ والدتك ثم خطيبك وخسرتِ سمعتك فبترتِ اسم والدك من بطاقة هويتك بحيلة قانونية ذكية.. ما سنركز عليه خلال الجلسات الأولى للعلاج هو تأكيد تلك الحقيقة حتى تقتنعي بها فلا تتزعزع مهما مررتِ بظروف صعبة أو تعرضتِ للتنمر أو الإساءة.. وبعد ذلك سنكمل العلاج خطوة خطوة معا حتى تتخلصي تماما من خيالات الموت التي تحاول بسط سيطرتها على حياتك لتلونها بدكنة الظلام المقبض)..



مرت ستة أشهر منذ بدأت غسق جلساتها العلاجية مع الدكتور حامد، والتي أتبعتها بحضور مجموعات العلاج الجماعي التي استمعت من خلالها لقصص كثيرة أكثر وطأة من مأساتها الخاصة فأيقنت بشكل واقعي أن (من يرى بلايا الناس.. تهون عليه بلاياه مهما كانت قاسية)..

الآن، أصبح لغسق نظام يومي تسير عليه، حيث تقسم ساعاتها ما بين العمل وجلسات اليوجا والتأمل وكذلك الأنشطة الخيرية التي انغمست فيها مؤخرا لدعم الأطفال الأيتام، وبالطبع أضحت تقتطع بضع دقائق يومية لشريك التعافي.. غوث.. الذي أرسله الله لها في أشد لحظاتها ظلمة حتى يكون غوثا لها يعينها على النهوض من كبوة كادت تقصم ظهرها فتتركها للأبد بلا حول ولا قوة..

واليوم، قرر غوث أن يبادرها بطلب يدها رسميا، حيث أغلق المقهى تماما لساعتين وزينه بالبالونات الملونة بدرجات مختلفة من البني كمثل درجات أكواب القهوة المختلفة، ثم زين إحدى الطاولات بالزهور وصنع كعكة على شكل قلبين متداخلين، وحين وصلت غسق لكي تتسامر معه قليلا وتحصل على كوبها اليومي من القهوة، فوجئت بما أعده غوث من أجلها ومبادرته بطلب يدها..

لكن، غوث لمح في عينيها الرفض، فرد بحمائية: (أنا لا أحصل على إذنك.. أنا أخبرك فقط أنك ستصبحين زوجتي خلال أشهر قليلة من الآن.. وموافقتك هي تحصيل حاصل.. أعلم كل ما يجول برأسك.. ولن أقبل آية محاولة منك للتنصل)..

ردت غسق متسائلة بكلمات حزينة سبقتها الدموع: (وماذا ستفعل إذا علم أهلك القصة؟)

أجاب غوث بنبرة قوية تخلو من ذرة واحدة من التشكك: (أولا أنا شاب يتيم الأبوين.. ثانيا لماذا علينا أن نفضح ما ستره الله لأهلي؟ أنت الآن غسق صفي.. موظفة مهمة بأحد البنوك الأجنبية.. شابة مكافحة يتيمة الأبوين.. سأطلبك من خالك في بلدته ونقيم زفافنا أمام الجميع وسنضع الماضي كله خلف ظهرنا.. ليس علينا أن نعاني للأبد بسبب أخطاء الآخرين..)

تركت غسق العنان لدموعها وهي تحتضن كفيه بين راحتيها، ثم همست بنبرة غلّفها العشق الجارف: (أحبك.. أحبك لأنك وقفت بجانبي حين فر الآخرين.. أحبك لأنك فتحت لي باب القفص الذي كنت سجينته لسنوات.. لأنك منحتني الفرصة للتعافي.. صحيح أنك لم تعالجني بنفسك لكنك من مددت يدك لي لتسحبني من ظلمتي وتخرجني من قفص العار الذي كانت حياتي مكبلة بداخله فلا أفكر إلا في الموت.. الآن أعترف أمامك أنني لم أعد أفكر في الموت.. بل أفكر في المستقبل.. أريد تأسيس أسرة.. أسرة طبيعية مستقرة وسعيدة.. سأجعل حياتك هانئة.. صدقني سأفعل)..

أجابها غوث بسعادة: (أعلم.. وستفعلين)، قبل أن يلتقط يدها اليسرى ليضع في بنصرها حلقة ذهبية محفورا عليها حرف الغين المشترك بين اسميهما، ثم وضع على معصمها سوارا محفورا عليه عبارة (لنودع القهوة المرة ونحتسيها حلوة بنكهة أيامنا القادمة)..


تمت بحمد الله

سنة سعيدة على الجميع

قلب من ورق likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة مروة سالم ; 01-01-22 الساعة 03:54 PM
مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-01-22, 04:55 PM   #2

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,962
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

كل عام وانت وكل احبابك واحلى منتدى بكل القيمين عليه والعضوات بالف خير
جاري القراءة تسلم ايدك يارب


Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-01-22, 04:59 PM   #3

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Ektimal yasine مشاهدة المشاركة
كل عام وانت وكل احبابك واحلى منتدى بكل القيمين عليه والعضوات بالف خير
جاري القراءة تسلم ايدك يارب
أجمعين يا رب..

أرجو أن تنال إعجابك.. وسأنتظر رأيك


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-01-22, 05:44 PM   #4

ebti

مشرفة منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية ebti

? العضوٌ??? » 262524
?  التسِجيلٌ » Sep 2012
? مشَارَ?اتْي » 14,201
?  نُقآطِيْ » ebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الفل والياسمين... كل عام وانت طيبة وبخير...

تم نقل قصتك لان مكانها هو قسم القصص القصيرة والصفحة الرئيسية ل منتدى قصص من وحي الاعضاء هي فقط للروايات التي تحت التنزيل...


ebti غير متواجد حالياً  
التوقيع
إن كرماء الأصل كالغصن المثمر كلما حمل ثماراً تواضع وانحنى"
هكذا عرفتك عزيزتي um soso و هكذا تبقين في قلبي شكراً جزيلاً لك على الصورة الرمزية...

رد مع اقتباس
قديم 01-01-22, 07:08 PM   #5

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ebti مشاهدة المشاركة
مساء الفل والياسمين... كل عام وانت طيبة وبخير...

تم نقل قصتك لان مكانها هو قسم القصص القصيرة والصفحة الرئيسية ل منتدى قصص من وحي الاعضاء هي فقط للروايات التي تحت التنزيل...
مساء الفل.. وانتِ بألف خير

لا بأس..


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-01-22, 08:34 PM   #6

وردة فضية

? العضوٌ??? » 494163
?  التسِجيلٌ » Oct 2021
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » وردة فضية is on a distinguished road
افتراضي

حبيت القصة اوي
صغيرة بس مركزة ودافية اوي برائحة القهوة

الفكرة جميلة وشخصية غوث حلوة اوي واسمه ف محله وحتى غسق اللي كانت صباح
اسماء الشخصيات بتعكس حكايتهم

قرأتها وانا اشرب القهوة


وردة فضية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-01-22, 12:34 PM   #7

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وردة فضية مشاهدة المشاركة
حبيت القصة اوي
صغيرة بس مركزة ودافية اوي برائحة القهوة

الفكرة جميلة وشخصية غوث حلوة اوي واسمه ف محله وحتى غسق اللي كانت صباح
اسماء الشخصيات بتعكس حكايتهم

قرأتها وانا اشرب القهوة
شكرا حبيبتي.. سعيدة أنها أعجبتك


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-01-22, 04:26 PM   #8

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,962
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

هواجس غسق
حكت هواجس غسق ياللي اتاخدت مع امها بذنب والدها الم.غ.ت.ص.ب للاسف لساتنا مجتمعات عاطفتنا ما بتخلينا نفرق بين الجاني وعيلتو الجرم.كبير اكيد لكن شو ذنبهم يحملوه لغسق والدتها فعلا رب العالمين بعتلها غوث ليغيثها من توهانها ويطلعها من يأسها شاءت الصدف انو طبيب نفسي وهوي الاقدر عا تفهم هواجسها وطبيعتها وزاد.حبو الها خوفو عليها
بحب لما بتغوصي بالنفس البشرية بهالابداع والجمال والاحساس رووعة تسلم ايدك يارب


Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-01-22, 04:51 PM   #9

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Ektimal yasine مشاهدة المشاركة
هواجس غسق
حكت هواجس غسق ياللي اتاخدت مع امها بذنب والدها الم.غ.ت.ص.ب للاسف لساتنا مجتمعات عاطفتنا ما بتخلينا نفرق بين الجاني وعيلتو الجرم.كبير اكيد لكن شو ذنبهم يحملوه لغسق والدتها فعلا رب العالمين بعتلها غوث ليغيثها من توهانها ويطلعها من يأسها شاءت الصدف انو طبيب نفسي وهوي الاقدر عا تفهم هواجسها وطبيعتها وزاد.حبو الها خوفو عليها
بحب لما بتغوصي بالنفس البشرية بهالابداع والجمال والاحساس رووعة تسلم ايدك يارب
تسلمي حبيبتي مراجعة تثلج الصدر

كل ما أتمناه إنه إن لم يستطع الإنسان مساندة آخر في لحظات سقوطه.. على الأقل يغض الطرف عن الشماتة فيه والانتقاص منه.. جميعنا معرضون لاختبارات لا قبل لنا بها.. لماذا نقسو على بعض بهذه الصورة؟؟


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:45 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.