آخر 10 مشاركات
رحلة امل *مميزة*,*مكتملة* (الكاتـب : maroska - )           »          [تحميل] حمقاء ملكت ماكرا للكاتبة/ منال ابراهيم ( جنة الاحلام ) "مصريه "( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          الزواج الملكي (109) للكاتبة: فيونا هود_ستيوارت.... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          السرقة العجيبة - ارسين لوبين (الكاتـب : فرح - )           »          أجمل الأفلام القصيرة..«خاسب الدبابه يا غبى منك ليه».. (الكاتـب : اسفة - )           »          بحر الأسود (1) .. * متميزة ومكتملة * سلسلة سِباع آل تميم تزأر (الكاتـب : Aurora - )           »          ❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          وخُلقتِ مِن ضِلعي الأعوجُا=خذني بقايا جروح ارجوك داويني * مميزة * (الكاتـب : قال الزهر آآآه - )           »          عشق من قلـب الصوارم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : عاشقةديرتها - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree3726Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم يوم أمس, 09:30 AM   #901

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الخامس والأربعون
***
تباينت أفعاله عمّا سبق، رغم الليلة التي سبقت الولادة ويوم الولادة نفسه وما تلاه بعدة أيام، لم يدم الأمر، تبددت هالة الوردية التي حاوطها بها، لم يعدها إلى بيته، فبعد انتهاء فترة مكوثها بالمشفى والتي استمرت ليوم وليلة أعادها إلى بيتها وبيت زكريا وأمها، شعرت فيما يتوقف بالسيارة أمام هذا البيت كأنه ينتزعها من عالم دافئ جدرانه مخملية إلى آخر بارد تكاد تنسحق بداخله بلا حيلة، حمل زكريا أغراضها وبنور حملت وتين وهو تولى أمرها، رغم أنها كانت بحالة صحية جيدة تستطيع السير وحدها إلا أنه دعمها وساعدها ضامًا إياها إليه، ذراعه طوقت خصرها ولم يفلت يدهاحتى وصلت إلى في فراشها بعدما صعد بها لشقتهما التي بدأ فيها كل شيء، انقبض قلبها فيما يفتح الباب ويقودها للداخل، انشغل كلٌ بعمله، أمها دخلت شقتها بالطابق السفلي وشرعت في تحضير العشاء للجميع وزكريا مع بنور اهتما بوتين حتى نامت في المهد الصغير المجاور للفراش وهبطا للأسفل حين جاء والده وقضوا وقتهم جميعًا بالأسفل، تركوه معها تمامًا، الجميع ترك له مهمته كاملة، ساعدها في نزع ملابسها داخل الحمام، تغلب على بقايا الخجل وأمارات التعب لديها وأجلسها على حافة المغطس، كان قد طوى كُميه وهمّ بضبط ماء الصنبور الدافئ، استسلمت لحنو أنامله واعترتها رغبة عارمة في البكاء، لم تستجيب لها وظلت مطرقة بلا حراك، أزاح عن كاهلها أحمال التعب وهدهد جلد كتفيها بالماء الدافئ، قام بغسل شعرها وتخللت أصابعه خلاله برفق، بدا منهمكًا في ذلك حد أنها لم تقاطعه حتى انتهى تمامًا وجفف شعرها بمنشقة صغيرها قبل أن يساعدها في ارتداء ما تيسر من ثيابها ودثرها بمنشفة كبيرة وقادها للخارج، لم يخفِ امتنانه لها رغم كل شيء، حين وصلا إلى باب الغرفة ووجدا فراش الرضيعة ملاصق لفراشهما ابتسم لها وربت على كتفها بخفة هامسًا:
ـ هذا أروع ما حدث.
ارتجفت البسمة على ثغرها، في غياب الجميع ظللها بغيماته الحانية، لم تجسر على سؤاله لماذا أتى بها إلى هنا ولم يأخذها إلى بيته، احتفظت بسؤالها لإشفاقها على نفسها من الإجابة، دفعها بخفة للداخل وأجلسها على حافة الفراش، أحضر لها ملابسها الشتوية وأزاح عنها المنشفة ببطء وألبسها إياها بعملية، تأملته بتمعن، لم تفلت منه نظرة لجسدها تثير حفيظتها، كل ما فعله هو مساعدة وتغاضي تام عن أي شيء آخر، جفف خصلاتها بمجفف الشعر وصففه لها في ذيل حصان انسيابي وحين جلست على الفراش وأسندت ظهرها لوسائده جذب الغطاء الناعم إليها، منحها ابتسامة عطوف ولم يبخل على وتين بمثلها:
ـ أمي أرضعتها قنينة الحليب كاملة لتنامي أنتِ جيدًا.
سحبت الهواء إلى رئتيها ببطء، عجزت عن تشكيل حروفها لاختلاط المشاعر عليها، أومأت له بخفة واحتفظت بصمتها، لوح لها فيما يتقهقر للخلف:
ـ سأحضر لكِ الطعام.
نزل للأسفل فوجد والده الذي زارها في المشفى واطمأن عليها وعلى وتين قبل أن يخبرهم أنه سيزورها مساء ويرحل، وجد زوجة عمه قد أعدت لها العشاء ورصت أطباقه على صينية صغيرة حملها إليها وصعد من جديد، وجدها أوشكت على الاستسلام للنعاس فأجبرها على تناول نذر يسير من الطعام، ولمّا انتهت نامت بعمق.
قضى ليلته جوار وتين التي استيقظت بعد نوم أمها، وقتها شعر أن الزمن لابد أن يتوقف والعالم لابد أن يهدأ وتخفت أصواته، لم يجد في نفسه الرغبة لفعل شيء آخر سوى حملها بين يديها، ضئيلة كريشة وهشة وبالغة الرقة، تأملها منحسرة بسمته، هي ثمرة حبه الوحيدة، لا يود إنجاب غيرها حتى، تستحق أن تستأثر لنفسها بأبوته، حانت من عينيه التفاتة إلى طاهرة الغافية بسكينة أمامه، رفّت أجفانه بثقل، هي كالماء العسر، موجود أمامه لكنه غير متاح بالنسبة له لكثرة شوائبه، احتفظ ب وتين في حضنه، وتبسم محياه، وعدها سرًا أن يظل حضنه هو حصنها الآمن طالما أنه على قيد الحياة.
***
يتبع..


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم يوم أمس, 09:31 AM   #902

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

قالها عبر الهاتف دون مقدمات:
ـ لابد أن نتزوج يا ملاذ، يجب أن تسكني بيتنا معي، ليس مهمًا ما سيحدث بعد ذلك المهم هو أن تأتي قريبًا.
خجلت بشدة، تعبيره يشي بالكثير، لديها الرغبة ذاتها لن تنكر ذلك، لكنها تتوجس بالفعل من النتيجة، لا تشك في حبها وتُفرط في شكوكها تجاه الظروف التي تجمعهما، سألها مستغلًا صمتها:
ـ هل أطلب من الشيخ ونحدد الموعد؟
أجابته بخفوت:
ـ لا بأس.
تلاعب بحروفه:
ـ حددي الموعد.
عضت شفتها ببطء:
ـ حدده أنتَ.
هدهدت ضحكته الخافتة مسامعها:
ـ الفتيات هنّ من يحددن موعد الزفاف.
تخضب وجهها بحمرة القرمز وقبضت على مقدمة ثوبها المنزلي، سلك عقلها في اتجاه خطر وتذكرت زر ثوبها التي انتزعه دون قصد في أثناء فورة شغفه المفاجئة، تلاحقت أنفاسها وكبحتها بحسم:
ـ بعد ثلاثة أسابيع موعد مناسب.
في المساء تجاورا أمام أبيها، جلست بجانبه منكمشة تضم كفيها متلاحمين على ساقها، سمعت معاوية يخبر والدها بثقة:
ـ نريد تحديد موعد الزفاف، كل شيء في بيتنا جاهز تقريبًا.
نقل الشيخ عمران بصره بينهما بعدم رضا، وهز رأسه نفيًا:
ـ ليس الآن.
رفعت وجهها لأعلى بحدة مصدومة بينما معاوية تحفز محله وتساءل بجدية من أثر المفاجئة فكلاهما توقع ترحيب عارم:
ـ لماذا؟
أشاح الشيخ بوجهه معرضًا عنهما:
ـ حين تنضجنا وتستطيعا إدارة شئون حياتكما...
توقف وحدق فيهما بنظرة ثاقبة اخترقت دواخلهما:
ـ وقتها نزوجكما.
رفع معاوية ذقنه لأعلى وضم شفتيه بغيظ، ثم استعاد رباطة جأشه من جديد وحدثه بعقلانية:
ـ سنتزوج من أجل أن نتعايش معًا ونتمرن على إدارة الحياة سويًا يا شيخ.
قابله الشيخ بنظرة غامضة وملاذ حارت بينهما فسألها والدها مباشرة:
ـ ما رأيك يا أستاذة ملاذ.
قضمت شفتيها حرجًا وأخفضت رأسها مجيبة إياه بخفوت:
ـ ما تراه مناسبًا يا أبي.
ابتسم الشيخ حتى انتقلت إلى معاوية عدوى بسمته وعلق فيما يحرك كتفيه بلا حيلة:
ـ أعانك الله يا بني، الأستاذة لا تعرف ماذا تريد.
تدخلت فجأة وعارضته بعفوية:
ـ بل أعرف.
ارتفع حاجبا أبيها دهشة فيما استدار معاوية إليها كليًا، غرقت في الحرج من جديد فتمتمت بحذر:
ـ معاوية محق، لابد أن نتعايش ونجد طرقًا لمواجهة المشكلات معًا.
أومأ لهما باستحسان ونهض في نية واضحة للخروج من الحجرة:
ـ على بركة الله، اتفقا على الموعد.
خافت أن يخبره بالموعد الذي حددته مسبقًا لكن معاوية صمت عن هذا وأشار إليها بتهذيب:
ـ الموعد الذي يناسبكم.
تم اختيار اليوم وطبع دعوات الزفاف ومن بعدها أضحت العائلة على قدم وساق لإتمام ترتيبات الزفاف كلها،تحدد أيضًا اليوم السابق للزفاف كيوم لحفل الحناء الذي تحتفل به عائلة العروس وعائلة العريس على حد سواء، وتجمع الأصدقاء، أوصل فاروق طاهرة وحدها بعد الاطمئنان على وتين مع جدتها، كانت قد تعافت تقريبًا وعادت لممارسة حياتها الطبيعية، وجدت بيت ملاذ يعج بالنسوة والفتيات، صديقات الدراسة والجارات وكل من تعرفهن تقريبًا إلا أن بصرها تركز على واحدة فقط، زمزم المجاورة لملاذ، ترتدي ثوبًا عصريًا وحجابًا يناسبه وتتعامل مع الناس من حولها بهدوء شديد، اندهشت منها وتخطت بعض النساء حتى وصلت إلى ملاذ البادية اليوم كالبدر في ثوب سهرة وردي أنيق وزينتها خفيفة تتناغم مع تصفيفة شعرها الانسيابية، توجهت إليها وعانقتها بمحبة ثم احتفظت ملاذ ببسمتها فيما تراقب تلاقي صديقتي الطفولة المبكرة، مدت زمزم كفها إليها بشيء من عتاب:
ـ كيف حالك يا طاهرة؟.
ترددت طاهرة في مصافحتها فشعرت زمزم بالضيق وأعادت كفها إلى جانبها إلا أن طاهرة باغتتها بعناق حار، طفرت من عيني طاهرة عبرات طفيفة وهمست بلوعة صدمتها قبلهما:
ـ زمزم.
حاوطتها زمزم بعاطفة صادقة كما ذراعيها الذين ضما طاهرة بحنين الصداقة الجارف، انتهى العناق وتقابلتا كل بشعور مغاير، كأن زمزم قد عادت من سفر طويل وطاهرة لم تكن تدرك أنها كانت في الانتظار، قدمت طاهرة اعتذراها الضمني في مبادرة قبول حقيقية:
ـ ملاذ ستغادر إلى بيت زوجها، ولن يتبقَ سوى نحن.
ضحكت ملاذ بخفوت وتخصرت:
ـ أبيع العالم من أجل معاوية بالتأكيد.
ضحكت الصديقتان ورمقتاها دون اندهاش، أشارت طاهرة إليها وحدثت زمزم متواطئة:
ـ لو تعرفي جنونها به؟
تمتمت زمزم باسمة:
ـ أعرف، رأيتها تتردد على الصيدلية عدة مرات، كانت تترصده وتظن ألا أحد يلاحظ ذلك.
شهقت كل من طاهرة وملاذ التي أخفت فمها بكفها متوسعة العينين:
ـ الجميع كان يلاحظ عداه.
شاركتها طاهرة استغرابها وغمغمت مشيرة إلى زمزم:
ـ الأغرب أن طرح البحر لاحظت ذلك.
لم يستغرب أحد من وصفها أو يرفضه بل انطلقت ضحكة زمزم بفخر:
ـ طرح البحر كانت تراقب الجميع أحيانًا.
أشعلت فضولها فتساءلت طاهرة مضيقة عينيها:
ـ وماذا تعرفين عني؟
هزت زمزم رأسها بخفة:
ـ لا أعرف شيئًا، أخبريني أنتِ عن ابنتك وعن الطبيب.
فرقعت طاهرة بإصبعها وقالت بشقاوة:
ـ ليس قبل أن تخبريني عن الشيخ.
شهقت وارتدت رأسها للخلف ضاحكة:
ـ كيف أوقعتِ هذا الرجل في شباكك يا مخبولة.
انطلقت ضحكات الثلاث صديقات وغمزتها زمزم متصنعة الثقة:
ـ خفة العقل توقع أعتى الرجال.
ضحكت طاهرة باستمتاع ثم انحسرت ضحكتها واتشح وجهها بجدية وسألتها:
ـ أخبريني حقًا، كيف حدث، أنتِ والشيخ جبر!
دارت بعينيها في كل اتجاه بدهشة حقيقية:
ـ شيء غير متوقع أبدًا.
للعجب وافقتها زمزم، هزت رأسها ببطء وتمتمت صادقة:
ـ لا أعرف كيف وقع هو..
استلت أنفاسها وملأت بها صدرها ثم تمتمت:
ـ الذي أعرفه أنا هو أنني لا أرى غيره.
تدخلت ملاذ الصامتة منذ البداية بسماحتها المعتادة وربتت على كتف زمزم:
ـ ربما أراد الله حمايتها وتعويضها يا طاهرة فأرسل لها أفضل رجل في قريتنا.
أومأت مرة واحدة قبل أن تتحفز وتتصلب رأسها وتلوي شفتيها بغيظ مفتعل:
ـ من قال إنه أفضل رجل في القرية، لابد أن هناك من هو أفضل منه.
كتفت ملاذ ذراعيها أمام صدرها وتحدتها بحاجب مرفوع:
ـ من!، الطبيب المسكين؟، الرجل الذي لن نعثر على مثله لو أحرقنا كل القش!
مطت طاهرة شفتيها دون إجابة فمالت ملاذ إلى أذن صديقتها وهمست:
ـ لا تخبري أحدًا بأنه كان يساعدك في أكثر أمورك خصوصية وأنتِ في المشفى يا طاهرة حتى لا يحسدونك عليه.
قطبت طاهرة وابتعدت عنها ترفع كفها مفرودة الأصابع الخمس في وجهها:
ـ لن يحسدني غيرك!
تخصرت بعدها ورمقتها صعودًا وهبوطًا وقلبت عينيها باستخفاف:
ـ اتركينا وشأننا وفكري في معاوية فقط.
***
يتبع..


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم يوم أمس, 09:32 AM   #903

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

عند معاوية استقبلوا العائلة التي تترامى على حدود قرية الهلالي كما دواخلها، في ليلة شتوية خفيفة البرودة تم استقبال الرجال في الجزء الجانبي خارج المنزل، ملحق له واسع ومفتوح به بعض أشجار الموالح والمانجو، والنساء في الجزء الأمامي والمنزل المفتوحة أبوابه على مصراعيها، بالخلف توافد أصدقاء معاوية وأقاربه وانتهى به الأمر يستقبل لكمة قاسية زلزلت فكه بألم حاد، استغرق الأمر بضع ثوانٍ قبل أن يردها لوجه أحمد فتدمي شفتيه، تتالت اللكمات فتوقف الجمع من حولهما يسلطون أنظارهم عليهما مندهشين، لم يكفا عن المشاجرة إلا حين انتبها لمراقبة من حولهم فتعانقنا!
وفي العناق همس أحمد بغلظة:
ـ المرة القادمة لن تفلت من يدي.
كز معاوية على أسنانه بعنف:
ـ هذا إن لم أقطع يدك قبلها.
تباعدا وكل يطلق الشرر للآخر دون هوادة، تهكم أحمد الذي أدار عينيها حولهما ساخرًا من المبالغة فى الاحتفال:
ـ عقد قران معاوية، حفل زفاف معاوية، أليس هناك سوى معاوية؟!
زم معاوية شفتيها ورمقه صعودًا وهبوطًا بلا مبالاة:
ـ إن كنت وجدت من تقبل بك لكنا الآن نحتفل بك!
لم يقصدها معاوية لكنها هزّت بعنف كيان أحمد الذي ابتلعها سريعًا ورمقه باستخفاف:
ـ إذا كنت أنتَ قد وجدت من تقبل بك رغم ماضيك ال....
لم يتفوه بها لكن الاشمئزاز على وجهه أوضحها تمامًا مما جعل معاوية يواجهه بقسوة:
ـ لستَ أفضل مني الآن، لقد توبت الحمد لله.
أشار بيده تجاه أحمد باستهانة:
ـ لكن لو أعرف أنك ستكررها حتى الآن لقتلتك أولًا ثم توجهت لله بالتوبة على كل ذنوبي بعدها.
أخرج أحمد علبة تبغه من جيب سترته السوادء الأنيقة وأشعل إحداها يستل منها الدخان ثم ينفثه ببطء، مما استدعى غيظ معاوية وسؤاله:
ـ لماذا أتيت الآن وأنتَ تكرهني إلى هذا الحد؟
التوى ثغر أحمد بخبث وأشار برأسه للخلف:
ـ أتيت لرؤية حبيبتي!
وقبل أن يتدارك معاوية الأمر وينهال عليها باللكمات المبرحة كان أحمد قد رمى بلفافة التبغ المشتعلة وفرّ راكضًا في اتجاه البيت، ومن خلفه معاوية قطع المسافة في وقت قياسي، ركضا فأشعلا انتباه وفضول النسوة المتوجدات أمام المنزل، علقت نادرة الجالسة على مقعد خارجي جوار قمر:
ـ يا خيبتك يا قمر.
راقبتهما قمر بقلق فسمعت عبلة الواقفة جوار المقعد تزفر وتتمتم بغضب:
ـ كان يومًا لم يشرق له شمسًا ذاك اليوم الذي أرضعتِ فيه معاوية.
أضافت الفتاة بعض الغيظ على حروفها:
ـ جلبتِ لنا ألم الرأس بسببه يا أمي.
رفعت قمر وجهها إلى ابنتها ترمقها:
ـ بفضلي صار لكِ ثلاثة إخوة رجال.
لوت عبلة شفتيها وصبت تركيزها على مراقبتهما فيما يركضان أمامها مثل الصبية.
توقف أحمد أخيرًا ففعل معاوية بدوره والاثنان لم يكفا عن اللهاث، تقابلا بالغيظ والغضب الذي يحملانه لبعضهما بعضًا، سأله معاوية:
ـ ماذا فعلنا لك أنا وسلامة حتى تحقد علينا بتلك الطريقة؟
استدعى أحمد صلابة الملامح وصرّ على أسنانه:
ـ لستما بتلك القيمة فلا تبالغ.
زفر معاوية بعنف فأجابه أحمد الذي لاحظ خروجها من المنزل دون انتباه له:
ـ ورغم ذلك فأنتما تقفان في حلقي وتمنعان فرح عني.
استنكر معاوية بلكمة قاسية سددها لصدر أحمق الذي اهتز محل:
ـ ألم تفهم بعد؟... هي من تمنع نفسها ولن تقبل بك وأنتَ بتلك الحقارة.
تجهم وجه أحمد الذي تزايد ضيقه:
ـ من أخبرك بهذا؟.
اتشح صوته ببعض المكر والتوت شفتاه بقسوة:
ـ ألا يمكن أنها تكون على تواصل معي وتستقبل رسائلي وتبادلني مشاعري دون علمك وعلم أخيك الأحمق؟
اختلج فك معاوية الذي تصلبت عيناه كعيني صقر جارح، أخرج أحمد هاتفه من جيب سترته وأشهره أمامه بخيلاء مقيتة:
ـ يجب أن ترى بنفسك.
تأججت نيران الغضب والحمية في صدر معاوية، الذي مارس على نفسه أقصى درجات ضبط النفس حتى لا يدفنه محله، شرع أحمد في كتابة رسالته وقراءتها في الوقت ذاته
" سارقة قلبي، الأسوأ من أنك أخت سلامة هو أنكِ أخت معاوية، ما رأيك أن أداهمك وآخذك لي وبعدها نتفاوض"
السوء الحقيقي ليس أن يكون أحمد في نظر معاوية بتلك الجرأة والقذارة في الضغط عليه بل أن تشاركه فرح في ذلك، سيطر على وجهته الصلبة بأعجوبة وراح يحدق في وجه أخيه الغارق في التسلية، تساءل كيف يكون أخوه بعد كل هذا، ضاعت كل شفقته عليه السابقة ورأه يشير جانبًا:
ـ حبيبتي تقف هناك، ستصلها رسالتي في التو وسوف تخرج هاتفها وتقرأها أمامك وأنتَ ستقف عاجزًا هنا لن تستطيع فعل شيء.
التفت صوبها، بعين ثاقبة راقبها، نسمة هدوء تام قد أحاطت به جعلته يتأملها، تقف برفقة مرح وبعض الفتيات بثوب زاهٍ تضحك كأنها لا تحمل همًا، في يدها هاتفها كعادتها، لا يُحرك ساكنًا، مرت لحظات عديدة جعلت أحمد نفسه يتململ وتنتابه الشكوك، اتسعت ابتسامة معاوية، أكثر من عشر دقائق مروا وهي على حالها، تتحدث وتضحك وتشارك الفتيات وقفتهن الرائقة، استدار معاوية إلى أحمد محتفظًا ببسمته، تجاوز شكوكه لحظيًا وكايده بالمثل عاقدًا ذراعيه أمام صدره:
ـ أنتَ وحدك في هذا حبيبي، ربما معكَ رقم هاتفها لكن الأكيد أنك على قائمة الحظر.
وجد أن خذلان فرح له أبلغ رد عليه، تركه وحيدًا وتوجه صوب البيت وركز بصره عليها، حين اقترب لاحظ الفارق، من المسافة البعيدة تبدو هادئة مسترخية لا تأبه بشيء، لكن حين اقترب منها فهم.
تعمد ألا يصلها وقصد جلسة نادرة وقمر ونسوة العائلة المجاورين للفتيات، جلس بينهم حين تلقفته أياديهن، جاور قمر تحديدًا فاستقبلته فرحة، تركت عبلة جلستها وسارت خلفه وجلست جواره، استسلم لمزاحهن بشأن عروسه وباله ظل منشغلًا بفرح المتصلبة جوار أختها تبتسم بتكلف شديد، غير أن أصابعها منقبضة على هاتفها المغلق بقلق مفضوح، بعد نصف ساعة نهض وتركهن ودلف إلى داخل المنزل، طلب من هاجر التي قابلته في منتصف الردهة مع بعض الضيفات أن تطلب من فرح أن تأتي إليه لكنه وجدها تأتي بنفسها دون طلب، بدت متخبطة ساقاها يكادان يلتفان وتسقط أرضًا، سمعته يتحدث مع هاجر بشأنها فمنحتها ابتسامة بسيطةفيما تتقدم من الخلف:
ـ أخبريه أنني أتيت يا ست هاجر.
ابتسمت له أيضًا ومع رجفة بسمتها تصلبت ملامحه وعيناه بغضب مكتوم:
ـ أريد بعض الأغراض من حجرتي هنا إلى الشقة بالأعلى.
انسحب من بينهن بهدوء فتبعته مطرقة، اجتاز الحجرة وفعلت بدورها حتى أغلقت الباب، وقف محله يطالعه مباشرة، لم تراوغه لحظة واحدة كانت صريحة وواضحة كليًا، قدمت له هاتفها بعدما ضغطت زر فتحه وتمتمت بخفوت مخفضة رأسها:
ـ حين رأيته يكتب شيء على هاتفه ويتحدث معك بطريقة غريبة لم أرتح لهذا الأمر فأغلقت هاتفي سريعًا وتصنعت اللا مبالاة.
توسعت عينا معاوية من الصدمة وكاد يضرب رأسها في الجدار فيما يستلم منها الهاتف إلا أنها قالت بخزي وحرقة:
ـ لا أعرف كيف أتخلص منه.
زفر بعنف ونقر على شاشة الهاتف بعصبية، وثوانٍ قليلة سبقت وصول الرسالة، حدق في الشاشة بوجه متجمد وعينين تفضيان بالتوعد،
مرر طرف سبابته لأسفل فظهرت له كل رسائل أحمد التي لا تمحوها فرح وتحتفظ بها كأنها أعظم أسرارها، لم ترد على إحدها لكن علامة وصولها ظاهرة، تستقبل رسائله بصمت وهذا يكفي بالنسبة لأحمد بالطبع، تدافع الدم حارًا إلى رأس معاوية وأقرّ بحروف جامدة:
ـ يتحرش بكِ بتلك الرسائل.
قالها ضامًا قبضته أمامها، لم تخافه بل عوّلت على تفهمه لها وربما لأحمد نفسه، كبحت دبيب أنفاسها، حتى احتقن وجهها، لم تجسر على رفع عينيها له، تهربت بما يكفي حتى نزعها من غيابها ساخطًا:
ـ إلى أين يا فرح، ألم يكفي ما حدث إلى الآن؟
همست بقنوط:
ـ يكفي يا معاوية.
عضت شفتها وظلت متهربة:
ـ أنا آسفة لأننا أفسدنا لكَ الحفل.
ضرب جانب رأسها بخفة:
ـ منذ متى وأنتَ مهذبة ومراعية يا عنزة.
ابتسمت رغم أنفها، ببطء رفعت رأسها لأعلى فتقابلا على حافة غير ثابتة، بادر خلالها بجدية:
ـ وقاحته معي ليست جديدة، أنا معتاد على هذا.
ترك فاصل قصير ثم عاد يضيف بمشاعر صادقة:
ـ لكنه أخي في النهاية، مهما فعل لن أنسى هذا.
اغرورقت عيناها بعبرات مفاجئة، جعلته يُصدم بحق، فرح لا تمنح مشاعرها ذاك الحيز أبدًا، أخفض صوته كأنه يتواطأ معها:
ـ ولأنه أخي أنا لدي استعداد لمساعدته.
رمشت دون فهم فتقدم منها وجذب ذراعها إليه ضمها بخفة ثم حررها ومسد جانب رأسها:
ـ إذا أردتِ بإمكاننا إيجاد طريقة.
كأن أفعى لدغتها دون مقدمات، انتفضت محلها ورفضت رفضًا قاطعًا استغربه معاوية:
ـ لا لا أنا لا أريد هذا، صدقني أنا لا أريد الزواج به.
قطب معاوية بين حاجبيه وانفعل فجأة:
ـ إذًا ماذا؟
قلص جزء من غضبه وهادنها قدر استطاعته:
ـ لماذا تقبلين منه تلك الرسائل؟
رمشت بثقل وتلحفت بصمتها، ترك لها مساحتها كاملة حتى خرجت من سكوتها بتعبير بدت غريبًا في عينيه، تحول لونها لآخر داكن فهم أنها تمارس أقصى ما تستطيع لتظل ثابتة أمامه هكذا:
ـ سأقوم بحظر رقمه ولن أمنحه أي فرصة للتواصل معي.
تأملها بهدوء، ونادى اسمها برفق:
ـ فرح.
توجهت ببطء صوب الباب في نية واضحة لغلق ذاك النقاش الذي لن يفضي لنهاية مرضية، أمسكت بمقبض الباب وقبل أن تديره تسلحت بصلابتها وقوتها في الرفض:
ـ شخص غير مؤتمن، لابد ألا نعوّل عليه.
أدارت المقبض وفتحت الباب لتخرج تاركة إياه من خلفها حائرًا، في قرارة نفسها يعرف أن خطأ أحمد لا يقارن ببشاعة أفعاله السابقة ومع هذا قد حاز على ملاذ وأحمد لايزال يتخبط حد أنه لا يعرف كيف يعيدها إليه أو يجعلهم يتعاطفون معه بشكل كامل، منه سيل أفكاره عند هذا الحد فلا الوقت مناسب ولا لديه ما يقدمه في ظل رفض فرح المستمر.

***
يتبع..


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم يوم أمس, 09:33 AM   #904

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

رغم الإرهاق الشديد استيقظت باكرة، تململت وحاولت الزحف بعيدًا عنه حتى تهبط الفراش دون أن تزعجه، لكن قبضته القوية استحوذت على خصرها وجمدتها محلها، تسلل صوته الخشن المشبع بالنعاش إليها:
ـ إلى أين يا ست الحسن؟.
أشرق وجهها بالبسمة الهادئة ومدت أناملها إلى خصلاته الكثيفة تداعبها برفق وحنان:
ـ إلى الأسفل، لدينا عمل كثير اليوم.
زمجر بخفة وضرب رأسه بخفة:
ـ إزعاج، مزعجين، هذه العائلة لا تنفك عن إزعاجي ليل نهار.
توسعت البسمة على ثغرها واقتربت بجسدها منه تغمره بالدفء الأصيل فيها، اختطفت من جبينه قبلة سريعة:
ـ تعيش وتحاوطنا بوجودك حولنا.
ضحك بخفوت وغاص رأسه في وسادته أكثر:
ـ تحدثي عن نفسك فقط.
ضاعفت من قربها حد التصاقها به ونثرت القبلات على جبينه ثم أشرفت عليه من علو:
ـ أتحدث عن نفسي، تعيش وتحاوطني بوجودك حولي.
لفّ ذراعيه حول خصرها ولثم عنقها بخفة ثم قرر التمادي، شعرت بتسلل يده إلى رقبته يداعبها بحسية تعرف جيدًا أنها تسبق عاصفة هوجاء وقرب يزلزل صباحها فانتفضت وابتعدت عنه ضاحكة:
ـ انتظر للمساء.
أشاح بوجهه للجهة الأخرى وزفر بغير رضى:
ـ هناك مليون امرأة في الأسفل تساعد أمي.
أدار وجهه إليها غامزًا:
ـ لكن أنا لي زوجة واحدة فقط.
هبطت ووقفت أرضًا ترمقه من خلف رموشها عينيها الناعسة:
ـ في المساء سأكون متفرغة وعقلي غير منشغل مثل الآن.
استقام جالسًا وأعلن اعتراضه:
ـ لن أصبر للمساء.
تركت محلها وتحركت صوب الخزانة فتحت بابها وحاولت صرف تفكيره عن هذا، أخرجت منه ثوبًا أنيقًا داخل غلافه ثم استدارت وعادت إليه من جديد، سارعت بالوصول به إلى الفراش متحمسة وأشارت إلى الثوب فيما تخرجه من غلافه وتظهره له:
ـ انظر!، سأرتدي هذا في الحفل.
ومضت عيناه حين حطت على الثوب، تأمله بروية ثم نقل بصره إلى هاجر مستنكرًا:
ـ هذه غلالة يا ست هاجر!
صدمها برد فعله فتفقدت الثوب من جديد صعودًا وهبوطًا ثم عادت إليه:
ـ هذا ثوب سهرة يا سلامة.
كتف ذارعيه أمام صدره:
ـ بل غلالة فاضحة لا يجب أن تخرجي بها إلى الردهة حتى.
شهقت وارتدت للخلف خطوة دون أن تحيد ببصرها عنه:
ـ ثوب سهرة، كل النساء ترتدي مثله.
لامست الثوب الأسود المحتشم بأطراف أناملها، مغلق تمامًا وأكمامه طويلة غير أن تطريزه بالغ الرقة، تساءلت:
ـ هل هو سيء حقًا.
تنازل عن جلسته وأزاح الغطاء عنه ثم مد قدميه ونزل إلى الأرض مثلها، سار إليها ووقف مقابلًا لها، تفقد الثوب مثلها، مرت أنامله عليه بإعجاب حقيقي:
ـ بل رائع!
تصلبت حدقتاها دهشة وانتظرت تبريره الذي أتى به سريعًا:
ـ أثواب السهرة أراها على النساء أثواب سهرة لكن عليكِ أنتَ أراها غير ذلك.
حرك كتفاه بخفة:
ـ لا أدري هل العيب في تلك الأثواب أم في خيالي أنا.
ضربت صدره بخفة:
ـ في خيالك بالتأكيد.
أمسكت كفه وقادته إلى الخزانة وفتحت بابها من جديد، عادت الثوب محله وأشأرت إلى ثيابها الجديدة، صرّت على أسنانها:
ـ هيا اختر معي شيء مناسب لا يحفز خيالك الإباحي يا أفندينا.
لفّ خصرها بذراعيه وحملها لأعلى فترنحت ساقاها في الهواء وانطلقت ضحكاتها الرنانة، همس لأذنها قبل أن يلثم شحمتها بتطلب:
ـ أنتِ من تحفز خيالي، دعينا لا نتهم الملابس بأشياء مخجلة.
***
يتبع..


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم يوم أمس, 09:34 AM   #905

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

في منتصف النهار..
اختل توازنها فجأة ونهضت دون مقدمات استجابة للهاجس الكريه ما انفك يطاردها منذ وعت من غفوتها صباحًا، استطاعت بأعجوبة السيطرة عليه وتجاهله حتى انقضت تلك الساعات لكنها في لحظة يأس غير محسوبة استسلمت..
لاحظت فرح الجالسة جوارها على الأريكة الجانبية في صالة مركز التجميل الفسيحة، لاحظت انتفاضتها المفاجئة واستقامت قلقة تسألها:
ـ ماذا بكِ يا ملاذ، ما خطبك؟
تلعثمت ملاذ فيما تعيد خصلاتها المصففة لخلف أذنها بتوتر ملحوظ:
ـ لا شيء، أنا بخير.
لم تفِ إجابتها بالغرض فتقدمت منها فرح تمسد عضدها برفق:
ـ ربما تكونين قلقة بعض الشيء من حفل الزفاف؟
رمشت ملاذ عدة مرات، ليس هذا ما يثير قلقها البتة، ازدردت لعابها ببطء وأومأت لها دون تعقيب، تراجعت للخلف قليلًا باحثة عن هاتفها بداخل حقيبتها، وجدته وافتعلت ابتسامة شابها التشوش لعدم إتقانها:
ـ سأتحدث مع معاوية وأعود بعد قليل.
بللت شفتها بطرف لسانها وانسحبت بهدوء، تفقدت الممر الداخلي للمركز وطلب من إحدى عاملاته بتهذيب:
أريد مكان فارغ من فضلك.
أشهرت هاتفها لها:
ـ مكالمة هاتفية.
هزت العاملة رأسها متفهمة وأشارت صوب حجرة داخلية:
ـ هذه إحدى غرف تبديل الملابس، تفضلي.
شكرتها وسارت حيت وجهتها المرأة، دلفت إلى الغرفة وأغلقت بابها عليها، اعتصرت أجفانها فيما تتوجه صوب مقعد وثير هو الوحيد الذي يحتل الساحة الفارغة حولها، لاذت به وتهالكت عليه بزفرة صاخبة، لامست وجهها الناعم المستعد لمساحيق التجميل الخفيفة وضمت شفتيها فيما تنقر على شاشة الهاتف باحثة عن رقمه، بعد رنين مترقب تسلل إليها صوته الحنون، به شيء من عبث والكثير من الشوق الواضح وضوح الشمس:
ـ الليلة سأخبرك بكل أسراري....
تلونت وجنتاها بحمرة قانية، أوشكت على اعتياد جرأته لكن في موقف كهذا لم تكن بحالة تسمح لمزاحه الجرئ، أطرقت بصمت فقطب حين وصله هسيس أنفاسها الحار وسألها عابثا:
ـ شعرتِ بالخجل؟
داعبتها ضحكاته المنطلقة ومشاكسته لها:
ـ ظننت أننا تخطينا مرحلة الخجل!
همست بتردد:
ـ ليس هذا، أنا لستُ خجلى.
زادت قطبة جبينه ودارت عيناه على حدود سقف حجرته الأبيض:
ـ إذًا ما الأمر؟
عضت شفتيها، أرهقتها الشكوك وآن لها أن تفضي له بها، سألته بصوت خافت مرتجفة نبرته:
ـ هل ستأتي يا معاوية؟
استغرب طريقتها وصمت تمامًا فراحت توضح له:
ـ هل ستأتي زفافنا ونستكمل ما بدأناه معًا؟
جاوبها صمته، وتجهمه التام، كان مستلقيًا على فراشه ينظر لأعلى متصلبة حدقتيه، لعن ضعفه الذي جعل الشكوك تخترق حصونها، لجأ للهزل كي يصرف تفكيرها عن تلك الهواجس:
ـ أخبريني يا ملاذ، تحبين شعري طويلًا أم أقصه؟
قالها فيما يجذب مقدمة خصلاته التي استطالت كثيرًا، سمع نهدة يأسها فانحرف لما هو أكثر جرأة:
ـ هل تفضلين جذب خصلاتي تعبيرًا عن شعورك معي؟
احترقت وجنتاها بعد فورة الخجل التي باغتتها إثر تلميحه، همست اسمه في محاولة يائسة لردعه:
ـ معاوية، تحدث بجدية.
استعان بحكمة بالغة فيما ينتقي كلماته:
ـ بإمكاني مخالفة كل المواعيد إلا موعدك أنتِ يا ملاذ.
ترددت الأنفاس في صدرها وطفرت عيناها بعبرات مالحة:
ـ اعذرني، لقد... لقد...
لجم لسانها، عجزت عن تبرير مخاوفها، وفهمها من مكانه الثابت، تعهد لنفسه أن ينسيها كل الأذى الذي طالها بسببه، زفر أنفاسه الحارة فذكرها بنهم قبلاته ولذتها، عضت شفتيها حتى كادت تدميها فاستدرك بدلًا عنها:
ـ لقد أخفتك، أليس كذلك؟
ران عليهما الصمت، أصاب الحقيقة دون مراوغة لكنه لم يرتكن كثيرًا لحالة الحزن العميق التي تصاحب تلك الذكرى التي جمعتهما في بيت المزرعة وعاد يمازحها من جديد:
ـ سأستحم وأبدل ملابسي فقط وآتي إليكِ، لا تقلقي حبيبتي الليلة ستموتين عشقًا بين يدي.
تأوهت بخفوت وتجاوبت مع مزاحه بضحة خافتة جعلت ابتسامته تنحسر فيسألها:
ـ هل أخبرتك من قبل أنني أحبك وأنكِ موطن قلبي وملاذ روحي؟
ضحكت من جديد:
ـ أخبرتني بذلك كثيرًا.
شاركها ضحكها الهادئ:
ـ سأخبرك أكثر منه في المساء.
بدد جزءًا من مخاوفها وتبقى الطفيف منه حتى المساء، بعد أن تحضرت تمامًا وارتدت ثوب زفافها غمرها بعض القلق، ليس بيدها فكلما طمأنت نفسها وبثت بداخلها ثقتها فيه عادت الشكوك تغزوها دون حيلة، لاحظت فرح اضطرابها وجلست جوارها على الأريكة بعد أن تحضرت بدورها:
ـ ثوبك رائع يا ملاذ، اختيار معاوية يناسبك بشدة.
لاح طيف البسمة على محياها وشعور عارم بالامتنان صاحب ردها:
ـ شكرًا لكِ لأنكِ أتيتِ معي اليوم يا فرح.
لم تأخذ فرح وقتها في الإجابة حتى رن هاتفها، تفقدت المُلح في الرنين ثم رفعت وجهها عن الشاشة ضاحكة:
ـ لقد أتى أخى!
انتفض قلب ملاذ مع سؤالها المتشكك:
ـ هل أتى بالفعل؟
اندهشت فرح ونهضت أمامها:
ـ وما الذي سيمنعه!
استقامت ملاذ متنهدة والرجفة العميقة تسرى غازية كل أوصالها وحركت كتفيها متصنعة الهدوء:
ـ لا شيء.
بعد قليل كانت فرح تدفعها إلى الصالة المرفقة للمركز لالتقاط صور النظرة الأولى لهما بعد ارتداء ثياب العرس، استجابت لها ملاذ ضاحكة ووقفت باضطراب تفرك كفيها في انتظاره، من المفترض أن يأتي الآن من الخلف ويحاول رؤيتها، بعد أقل من خمس ثوانٍ تسلل إليها عطره، بل ارتجف خافقها حين شعر به!
وقتها لم تستطع الانتظار حتى يحاول، استدارت بنفسها وأفسدت اللقاء برمته، تأملته فيما تسير إليه، أكثر أناقة مما تصورت، حلته الكلاسيكية السوداء أوشكت على التهام منه جزءًا كما يقول المثل الدارج، تغلبت على ثقل ثوبها حتى وصلته، قابلها ببسمة واسعة ومد لها كفيه، لم يتوقع منها أقل من ذلك، ملاذ هي منبع العطاء وبئر الحب الذي حاز عليه دون جدارة، التقط يديها بابتسامة خلابة أشعلت جذوة الحب في قلبها، توقف عن التبسم وحدثها بجدية هامسًا:
ـ ملاذ، هذه آخر مرة أسألك، هل أنتِ واثقة من ذلك!
وجم وجهها فجأة، تحولت ملامحها لصلادة ولاحت عليها بوادر الغضب فيما تجذب يديها منه تعيدها إليها:
ـ معاوية!، إن كنت تريد الفرار هربًا، تفضل الآن، لن أوقفك.
تجعدت تقاسيم وجهها مع شهقة خافتة مفتعلة:
ـ ماذا، هل أنا المخطئ لأنني أهتم لأمرك وأخاف على مشاعرك؟
زمت شفتيها بضيق حقيقي وأشاحت بوجهها بعيدًا عنه، تجاوز كل ذلك حين شعر أنه زاد الأمر وأضحى كل ما يتفوه به يزيد الأمر سوءًا، قبض على خصرها فجأة وقربها منه تحت صدمة وشهقات فرح وعاملات مركز التجميل ولتحسين صورة ما حدث أوقفها جواره دون التخلي عن خصرها، احترقت وجنتاها خجلًا وأطرقت توبخه:
ـ إما هذا أو ذاك!!، أليس لديكَ بعض الحلول الوسط!
ضحك بخفوت ومال إلى أذنها همس لها بما ضاعف خجلها وجعلها تكز على أسنانها وتنهره سرًا، وكل ذلك كان مسجلًا عبر آلة تصوير في بين يدي فرح التي شرعت منذ البداية في تسجيل اللقاء.
فرح التي جاش قلبها بالمشاعر، معاوية يشبه أحمد بشكل ما، ابتلعت مرارتها ككل مرة يجول بخاطرها وظلت تحدق بهما رغم الخجل الذي غزاها بسبب مراقبتها لهما.
***
توافد ضيوف الزفاف واكتظ مرأب النادي الضخم بالسيارات، تم حجز قاعتين منفصلين إحداهما للرجال والأخرى للنساء كما طلبت عائلة العروس، بعد ما حدث الأمس أسرها أحمد في قلبه، بعد مغادرة معاوية للبيت تم وصول الرسالة ولا يعرف إن كانت فرح رأتها وحدها أم إنه رأها أيضًا، وفي الحالتين لم ينتصر لم كما يفترض، قصد الضغط على معاوية ليجبره على مساعدته عنوة، اختلطت الأفكار في رأسه، رجال عائلته يمرون من جواره ويبادلهم التحية، والنسوة أيضًا، وهو على حاله يستند إلى حائط المدخل الشاسع يثني ساقه للخلف ويرتكز بقدمه على الحائط أيضًا، حالة من الشرود الظاهرية ومن خلفها الكثير من عدم الراحة، انتبه لدلوف شخص يعرفه جيدًا، اعتدل في وقفته وراقبه عن كثب، توسعت ابتسامته مع اتساع عينيه، استغرب وجوده في هذا المكان وآخر معلوماته أنه في الخارج منذ فترة طويلة، انتظره حتى صعد الدرج القصير وتجاوز المدخل الراقي، والآخر أيضًا لاحظ وجوده، انعطف وبدل طريقه، توجه إليه باسمًا بدوره وفتح ذراعيه فيما يقطع المسافة ويهتف:
ـ ابن الهلالي العاق!
فتح أحمد ذراعيه بالمثل وعانقه بحرارة، تعالت ضحكاته فيما يرحب به:
ـ دكتور مازن قطعة واحدة؟
ابتعد مازن يعدل من سترة حُلته الأنيقة ويرفع ذقنه لأعلى بخيلاء تنافي تواضعه المفترض:
ـ أجل قطعة واحدة، لقد نلت شرف رؤيتي.
أظهر له أحمد سعادته لذاك اللقاء غير المتوقع، وأشار للداخل:
ـ تبع من أنتَ؟
أجابه مازن باسمًا بهدوء:
ـ لدي تخوف من أن نكون قد جئنا للسبب نفسه.
تساءل أحمد بحاجب مرفوع:
ـ ألا تعرف اسم العريس؟
هز مازن رأسه بلا مبالاة:
ـ لا أهتم بتلك الأمور التافهة.
ضيق أحمد عينيه، هناك شيء غامق يلف صديقه القديم، تغير تعبير بطريقة مثيرة للفضول، شيء جعله يقر:
ـ معاوية الهلالي، أخي!
قالها بسخرية مبطنة مما جعل مازن يلوح بكفه باستهانة:
ـ لقد زارنا الرعب والتهديد يا رجل.
انتاب أحمد الفضول والشكوك مما جعله يميل إليه متواطئًا:
ـ لو شئت أفسدت لكَ الحفل.
أوقف مازن كفه بينهما بحزم وقال برصانة شديدة:
ـ ليس لتلك الدرجة، ملاذ ابنة خالي وهي تستحق الأفضل.
أطرق أحمد لحظة وتمتم:
ـ معاوية جيد، أعتقد أنه يحبها بجنون.
تجهم وجه مازن وحذره بسبابته:
ـ لا تنسى إنها ابنة خالي.
ضحك أحمد بخفوت:
ـ لم أقل شيئًا يعيبها.
أسكت مازن عن الرد صوت طرق ناعم لحذاء أنثوي قطع عليه كل الطرق، لا يعرف لمَ التفت ولمَ ضاعت منه الحروف، كل ما يعرفه أن ذاك الصوت الأثير ناداه ليضمها بنظرة مفاجئة، أتت كغيرها للحفل، توالي وصول الفتيات في اللحظات القصيرة التي وقفها برفقة أحمد لكن وحدها استطاعت إجباره على الالتفات والانتباه الكامل، ترك أحمد وحيدًا وقطع ثلاث خطوات، راقب أحمد المشهد من الخلف بعين خبيرة، فتاة بالغة الفتنة والجاذبية تأتي برفقة امرأة تكبرها سنًا كأنها والدتها تتحرك ببطء وبحركة أنثوية مغوية تثير رغبة صديقه في القفز صوبها، وصديقه قفز بالفعل في أقل من خمس ثوانٍ كان يعترض طريقها، استطاع أن يستمع إلى الحديث الدائر من تلك المسافة القريبة، سمعهما جيدًا، في البداية يتفاجئ ويتمتم باسمها:
ـ دكتورة رنا!
ثم تتلعثم الفتاة من أثر المفاجأة وتترنح بخفة قبل أن تثبت أمامه، لم يرى أحمد ملامح وجه مازن لكن رأى ملامحها كليًا، عضت شفتيها مرتين مما جعل أحمد يبتسم بدوره ويتذكر فرح، رغم اختلاف الملامح وبعض الأشياء فهذه تبدو خجولة بعض الشيء، تتراجع للخلف كلما قطع مازن صوبها بعض الإنشات، عرّفته بالمرأة المجاورة لها، وتبادلت معه كلمات قصيرة، قبل أن تلوح له بتوتر وتواصل طريقها في حرج، لاحظ أحمد تسمر مازن محله واستدارة وجهه تجاه الطريق الذي سلكته، وكرجل يعرف الرجال جيدًا توقع أن تنخفض نظرة مازن قليلًا كي يتابع مشيتها بأريحية، وبالفعل حين تحرك أحمد ليقف بمحاذاة صديقه وجد عينيه قد انخفضت مع انحناءات الفتاة!
ضحك أحمد بشدة حتى أغلق فمه بكفه حتى لاحظ مازن ذلك والتفت إليه بحدة:
ـ ماذا؟
أشار أحمد صوب الجهة التي سلكتها الفتاة برفقة خالتها كما فهم وأزاح كفه عن فمه:
ـ حبيبتك هذه؟
استنكر مازن متسع العينين:
ـ اخرس يا سافل.
لوى أحمد شفتيه وأشار بظهر أنامله السبابة والوسطى إلى نحره:
ـ حنجرتك حبيبي تبدلت، حين تحدثت معها صوتك ازداد خشونة وأصبح مثل صوت ذكر الضفدع في موسم التزاوج.
شعر مازن بالصدمة لوهلة حتى انفجرت ضحكاته:
ـ حقًا!
أومأ له أحمد وشاركه الضحك:
ـ ماذا بكَ؟، ألم تشعر بنفسك، كلما تراجعت الفتاة للخلف اقتربت أنتَ منها بطريقة مباشرة.
ضرب مازن رأسه:
ـ أنتَ فهمت خطأ، كنت أعتذر لها، لقد تشاجرت معها قبل فترة قصيرة.
هز أحمد رأسه بطريقة درامية وحثه على المتابعة:
ـ أكمل ، أكمل.
تنهد مازن وحانت منه التفاتة للخلف:
ـ ليست حبيبتي كما افترضت أنتَ بعقلك المائل للأشياء المنحرفة.
كز أحمد على أسنانه ومازحه:
ـ هل غضبت لأنني رأيت حبيبتك!
زفر مازن بغيظ:
ـ اعتبرها حبيبتي لا بأس.
اتشحت نظرته بالمكر فيما يتساءل: ـ ـ ـ وأنتَ هل لديكَ حبيبة؟
دارت عينا أحمد لأعلى وأجابه صادقًا:
ـ لدي بالطبع.
شهق مازن واستفهم:
ـ حقًا، أهي هنا؟
مطّ أحمد شفتيه:
ـ بالداخل.
تلفت مازن صوب قاعة الزفاف المجاورة:
ـ أين هي، أخبرني.
استنكر أحمد بغيظ:
ـ لماذا!
تمتم بلا مبالاة:
ـ بالتأكيد لن أدعك تراها!
ظل يتمازحان هكذا حتى مر أكثر من ربع ساعة واكتظ المكان بالضيوف في الداخل، حتى أتى معاوية بعروسه وأوصلها إلى القاعة الداخلية وعاد إليهم.
فانضما إلى الرجال بالداخل وبدأ الحفل..
***
ساوره القلق، لم تظهر في الخارج رغم مرور الكثير من الوقت، رفع يده يتفقد ساعة معصمه، زفر عابسًا وتلفت حوله، لا شيء يثير الرغبة في البقاء، عرس ممل يليق بمعاوية، ازداد عبوسه فهو بذلك يتجنى على معاوية، معاوية في الحقيقة أكثر صخبًا من هذا الزفاف الهادئ أكثر من اللازم، بعد انتظار طويل ومراقبة حثيثة للممر الخارجي الموازي لقاعة الرجال مرت حبيبته بصمت، تصلبت حدقتاه فيما تشيعانها وتتهاديان معها كما يتهادى موج البحر في الليالي الصيفية، رغم أن الطقس شتاء وكل شجون الحب قد تجمعت في صدره، تلفّت حوله من جديد، وقد سرت أمواج الدماء ساخنة عبر أوردته وفاجئه دفء أنساه الشتاء وكل ما يمت له بصلة، بحثت عيناه خصيصًا عن سلامة فوجده في محل بعيد نسبيًا في الجهة الأخرى من القاعة، محاط برجال عائلتهم وبعض من أقارب العروس، ومن بينهم حسن!، حسن الذي تواطأ مع أخيه سرًا ومن طرف خفي أشار له أن يأخذ وقته فهو ظهيره ها هنا ولن يخذله، تنفس أحمد الصعداء ونهض معدلًا من سترة حلته الأنيقة، تحرك بطريقة عادية نسبيًا وترك مازن جالسًا وحده، تجنب التسرع في المغادرة كيلا يلفت الأنظار إليه.
سار عبر الممر الخارجي حانت منه التفاتة صوب قاعة النساء التي لا تقل مللًا عن التي تركها لتوه، تنبعث منها أناشيد وقورة لكنها تظل بعيدة تمامًا عن أجواء عائلته، ابتعد عن أبواب القاعات وقطع مسافة قصيرة إلى الجهة الأخرى من النادي الضخم، قد عرف مسبقًا موقع الحمام وترك الأمر للصدفة، توقع أن تغادر القاعة لسبب ما وخدمه القدر لحسن حظه، توجه حيث سارت فرح قبل قليل وتفاجأ بوجود مرح جوارها، كيف لم يلحظ وجودها قبلًا!
توقفت فرح تحدق فيه بدهشة ملحوظة إلا أن مرح بدت غير مندهشة بل لمعت عيناها بظفر ما رغم لمحة القلق التي اعتلت وجهها، انسحبت ببطء بعد ربتة خفيفة على كتف فرح، فرح التي اتسعت عيناها فيما تتبع أنامل الأخرى ثم تتبعتها ذاتها فيما ترحل دون مقدمات، اشتعل غضبها ورمته بنظرة ساخطة قبل أن تهم بالرحيل، أولته ظهرها وخطت أولى خطوات مغادرتها فعلًا لكنها أوقفها بتهديد صريح:
ـ أقسم لكِ لو اتخذتِ خطوة جديدة سأعرقل سيرك بقدمي وأسقطك أرضًا.
شهقت مصدومة وتوقفت محلها، أدارت رأسها للخلف لتترابط النظرات بالتحدي المتبادل، لانت عيناه وتقدم منها ببطء استفزها، وعلى تحديقها المستاء ظلت، بل تجهم وجهها أكثر فيما تستفهم:
ـ ماذا ستفعل؟!
بالغ في تحديها واتشحت تعابيره بالجدية:
ـ سأسقطك أرضًا وأفسد هذه الزينة وهذا ال...
حين هبطت عيناه إلى ثوبها توسعت عيناه فجأة، بدا شريرًا يود الفتك بها، أخفض صوته ورأسه يسألها بفحيح:
ـ ما هذا الثوب!
رمشت عدة مرات وأشاحت بوجهها عنه تضم شفتيها المطليين بلون منعش:
ـ ما به ثوبي؟
أجاب سؤالها يكز على أسنانه بغيظ وغضب:
ـ الثوب مشدود على خصرك.
أشار خلفه دون رفع رأسه عنها:
ـ كم رجل بالداخل رأى كل هذا؟
كان يتحدث بحسرة حقيقة لا يفتعل غيرته لأنه يشتعل بها حقيقة، واجهته بجسارة من لا تخافه البتة، حركت عينيها بملل إلى السقف المرتفع:
ـ لم يره الكثيرون، الزفاف منفصل.
في هاته اللحظة انتبهت، تحولت دهشتها الوليدة لحروف منطوقة حين أشارت لقميصه النيلي المطابق للون ثوبها والذي ناسب محيط صدره وتناغم مع حلته الرمادية الداكنة، فهم ما توصل إليه عقلها وحاول صرفها عنه، أسند كفه لخصره وأشار إليها صعودًا وهبوطًا:
ـ لا تغيري الموضوع، من سمح لك بارتداء هذا الشيء؟
ضيقت عينيها متسائلة:
ـ من أخبرك بلون ثوبي حتى ترتدي ما يتطابق معه.
ارتبك لحظة ثم تمالك نفسه وزفر ليجيبها بوقاحة:
ـ لو أعرف أن الثوب بهذا المظهر لمزقته قبل أن ترتديه.
زجرته بغيظ وتباعدت عدة خطوات تكز على أسنانها فقد تمهل في تمشيط قدها بنظراته الفاحصة، فتمتمت بغل:
ـ تفعل الآن أكثر مما قد يفعله غيرك إن رأني به.
قطع المسافة ليستحوذ على مجال رؤيتها ورحاب قلبها فمهما أنكرت، له وقع يصيبها برعشة تكاد تغافلها وتغادر قلبها إلى جسدها بأكمله، تهكم حين شعر بتهربها، أخبرها الحقيقة عارية دون بذل أدنى مجهود لإخفائها:
ـ هل ظننتِ أن حبي لكِ حبًا عذريًا أفلاطوني بتلك السخافة!
دحض كل الأحلام الساذجة بحروف أكثر وقاحة:
ـ لا حبيبتي أنتِ مخطئة، أنا أحبك كرجل يحب امرأة ويود الزواج بها.
شعر أنه تمادى فتراجع بعض الشيء يطلق بصره بعيدًا عنها حماية لها وله، وهي لا تقل جرأة عنه بل تدهشه في كل الأوقات، تحركت في اتجاهه بخفة وتوقفت على بعد مناسب فلن تلتصق به كالسابق ولن تسمح له بلمس ضعفها، رمقته صعودًا وهبوطًا ببرود أجادت افتعاله:
ـ أحمد!.. أنتَ لم تكن هكذا، لم تكن وقحًا معي إلى هذا الحد، كنت تحافظ على هامش احترام بيننا، لا أتذكر أنك علّقت على ثيابي أو تفحصت ملامح جسدي قبلًا مثلما تفعل الآن.
ازدردت لعابها ببطء ثم استطردت:
ـ حتى عندما أهديتني الخلخال ورفضته أنا لأنه يحمل أكثر مما تحتمل علاقتنا وقتها أنت تفهمت ذلك وتقلبت رفضي ببساطة.
ساد الارتباك بضع لحظات، الألم واضح في صوتها، لا تخطئه أذنه، وكل ما فيها يتحداه، شرد قليلًا، سمح لخياله بالجموح، إن حاز بها سيمكنه تطويقها بذراعيه، وضمها إليه بل وسحبها إلى قلبه وغلق أبوابه عليها، رمش بخفة واعتقل بصرها دون مجهود:
ـ ماذا تفعلين في العاشرة مساء كل ليلة؟
اهتزت مقلتاها لوهلة جعلت قلبه ينتفض، أشاحت بوجهها عنه متهربة:
ـ ماذا سأفعل مثلا؟
عادت له بوجهها تزجزه:
ـ أتصفح محاضراتي أو أخلد للنوم.
سألها بشيء من الرجاء:
ـ ألا تنتظريني وقتها كما أخبرتك في الخطاب؟
أجادت إنقاذ نفسها برسم تعبير متعالٍ:
ـ خطاب ماذا؟
بدا حائرًا يكاد يصدقها، ربما لم تفتح رسالته ولم تهتم البتة، تقوس كتفاه بعض الشيء ورقق صوته فيما يجيبها:
ـ كتبت لكِ رسالة، ألم تصلك؟
عمّ صمت مترقب بينهما قطعته تضرب جبينها بأطراف أصابعها:
ـ آااه تذكرت، ذاك الظرف الذي أتى به حسن.
توحشت نظرتها فجأة ومال ثغرها باستهزاء متعمد:
ـ لقد ألقيت به في سلة القمامة.
رفعت أحد حاجبيها متشفية:
ـ أنت تعرف، أنا لا أنظر خلف ظهري. إن قررت الرحيل.
استطاعت حصر مقدار الوجع الذي اكتنف محياه، شيء يشبه فقدان الأمل وحلول اليأس قد تملكه، ازدرد لعابه ببطء وحسرة:
ـ سلة القمامة يا فرح؟
لم تخطئ الرجفة في صوته ولا الحزن العميق في عينيه،
سيطرت على اضطراب صدرها والطرق العنيف الذي نبع من صميم قلبها وشحذت واجهة صلبة لتبدو للرآي لها عادية، حمحمت بخفوت قبل أن تتشكل حروفها ببحة صوت أثيرة أضحت مصاحبة لكل ما تفوه لها:
ـ أحمد.
وكان لاسمه الوقع الكافي الذي يحطم ما تبقى له من حصون وأدرعة:
ـ نعم يا فرح.
فرّت من لقاء العينين والقلوب الكاشف لكل ما تدخره لنفسها، رمشت مرة واحدة وتجهمت ملامحها كليًا:
ـ أريد أن نتجازو هذا الوهم الذي سقطنا فيه معًا.
قطب جبينه ولم يجسر على الاستفهام فسارعت بإضافتها القاتلة:
ـ أنتَ لستَ عاطفيًا وأنا كما تعرف لا أبالي بكل تلك الأشياء الساذجة.
ضغط على شفتيه المضمومين مسبقًا، ازدرد لعابه من جديد بغصة شملته بكل جوارحه فتبسمت ولا يعرف من أين أتت بتلك البسمة القاسية في وقت كهذا فتحرق آخر قشة بينهما:
ـ علينا أن ننسى كل الحماقات التي اقرفناها مسبقًا ونتعامل بشكل متحضر من أجل عائلتنا على الأقل.
رفّت أجفانه ببطء فيما يدحض كل مزاعمها:
ـ لكنني أحبك يا فرح، لجأت إليكِ لشعوري الدائم بالوحشة وحين رحلتِ عني هنا أوحشتني إلى حد لا تتصورينه.
خُيل له أن شفتيها قد تقوستا بحزن دفين سارعت تهيل عليه كل ثرى الأرض وما حولها، وتلاشى كل ذلك حين انطلقت ضحكاتها الرنانة والتي كبحتها بأعجوبة:
ـ لا تهول الأمر يا أحمد، لقد كنا حمقى فقط.
لوحت له فيما تتباعد خطواتها عنه:
ـ انتبه لنفسك ونتقابل في مناسبات سعيدة مقبلة، وداعًا.
اعتصر أجفانه بقوة وكذّب أذنيه، بالتأكيد لم تقل وداعًا ولم تنهي كل شيء كأنه لم يقتحم قلبها ويسكنه يومًا، وصوت سلامة الحازم أتى سريعًا اخترق تلك الفقاعة التي جمعتهما:
ـ ما الأمر؟
توقفت فرح محلها تزيح عن كاهلها الحرج:
ـ مرح هي السبب، تركتني هنا وهربت للداخل.
تقدم منهما يستهدف أحمد بشظايا الغضب، استقبلها أحمد بجسارة، ولحفظ ماء وجهه أمامها وأمام أخيها الذي يتبجح بسيطرته البالغة، قابله في منتصف الطريق وانتهج سياسة قلب الطاولة:
ـ كيف تركتها تغادر المنزل بهذا الثوب يا سلامة؟
ودون أن ينقل سلامة بصره إلى أخته احتفظ بجموده وزجره غاضبًا:
ـ وما شأنك بها؟
تنهدت فرح بصوت مسموع وتجنبت النظر صوب أحمد، أمسكت بعضد أخيها تضغط عليه بخفة:
ـ هو مخبول لا تلتف له، هيا نعود للزفاف.
تجاوز فظاظته وأجاب سلامة بصلف هو أصيل في تكوينه:
ـ أغار عليها، هذه آخر مرة أسمح لها بالخروج من المنزل بهذا الابتذال.
تركهما متسمرين كأن على رأسيهما الطير وهرول للداخل فقابله مازن على باب القاعة باسمًا بتسلية وسبغ صوته بنعومة مفتعلة:
ـ أحمد!
تضاعف غيظ أحمد وكز على أسنانه فيما يجاوره في السير والعودة للداخل:
ـ ماذا؟
حمحم مازن وهمس له متشفيًا:
ـ فتاتك تلفك على أصابعها.
زفر أحمد زفرته المكتومة:
ـ وماذا أيضًا.
ابتسم مازن وأطرق:
ـ لا أفهم ما بينكما كليًا، لكنني تنصتُ عليكما.
زجره أحمد بغيظ مهول فاستطرد مازن دون أن يتراجع:
ـ لا أعرف لماذا ترفضك بينما تنجذب إليكَ هكذا.
توقف أحمد محله وأخبره بجدية:
ـ لا تنفك عن قول أنها لم تحبني قط.
ابتسم مازن بهدوء:
ـ ربما تحبك أكثر مما تفعل أنت.
صمتا كليًا فعلق مازن بتهذيب:
ـ لا أود التدخل لكن ربما تحتاج منك بعض التفسيرات التي تصلح ما بينكما.
وقتها ابتسم أحمد فجأة وقال:
ـ تصور يا مازن إنها تغضب مني لأنني أريد الزواج بها ثم الزواج عليها بعد فترة.
اندهش مازن، اندهش حقًا بضع ثوانٍ من الصدمة سبقت تعليقه:
ـ البيّاعة!
أومأ أحمد مؤكدًا ثم أردف:
ـ وتتضايق مني لأنني لا أطيقك أخويها، هي أخت معاوية، أخي الذي أكرهه بشدة، وأخت سلامة الذي يشبه الطاووس الذي رأيته بالخارج هذا.
عقب مازن مسايرًا:
ـ المجرمة!
ثم أضاف:
ـ هذه الفتاة ضيعت من يدها كنزًا.
ضرب صدر أحمد بلكمة قاسية:
ـ أنتَ تستحق الرجم، ربنا نجدها...
سأله ضاحكًا:
ـ ما اسمها؟
أجابه أحمد بمطة شفاه واثقة:
ـ أم سليم.
***
في الطابق العلوي هناك مقهى كبير، عدة مقاهي مختلفة من بينهم الذي قصده حسن ومرح، له شرفة مفتوحة على إحد الحدائق، انفرد بها فيها، وترك بينهما مسافة قصيرة وكوبين من المثلجات، هكذا تم الأمر، طلب منها أن تشاركه تناول المثلجات وتركت عُرس أخيها لأجل ذلك، أخبرها أنه يريد ربع الساعة فقط، ليخبرها فيما، فيما يتأمل روعة عيناها السوداوين المتألق فيهما شعورها الوليد به:
ـ أحبك.
أسبلت أهدابها وغصت بملعقة المثلجات التي تناولت لتوها تحت السماء المغلقة لطقس بارد، تناول من كوبها ملعقة وابتسم:
ـ أحبك.
حمحمت بخفوت دون رفع عينيها إليه، عضت شفتها السفلى فأخفض صوته يحذرها:
ـ لا تعضي شفتيك هكذا!
رفع وجهها إليه ببطء فرأى عبراتها تغلف سواد قاتم لا نهاية له، همست برجفة ملحوظة:
ـ هيا نعود.
داعب حلقة الزواج التي تزين بنصر يمناها دون لمس جلد يدها، زادت رعشتها وقبض كفها جوار صدرها:
ـ مرح.
أجابته بخفوت:
ـ نعم.
تنهد بعمق:
ـ طلبت من سلامة أن نعقد قراننا بعد أسبوعين من الآن.
تفاجأت بذلك وتوالى رمشها فبرر لها بجدية:
ـ أود التعامل معكِ بأريحية، أوصلك للجامعة والتحدث معكِ براحة.
نبض قلبها بشدة، يحفر حولها قنوات عميقة ويغمرها بالماء، لا يترك لها مجالًا للهرب، أشاحت بوجهها عنه واختبأت خلف صمتها، سألها بهدوء:
ـ موافقة على ذلك؟
خافت أن تفضحها لهفتها، بشكل ما تشعر أنها مكشوفة أمامه، مشاعرها مفضوحة كما ماضيها الذي يعرفه!
سألته بنظرة حائرة:
ـ هل أنتَ نفسك موافق يا حسن؟
يداعب اسمه بصوتها شغاف قلبه وأذنه فيبستم، تنطق الحاء مخففة مختلطة بالهاء فتبدو بالغة الرقة، ابتسم وانحنى إليها يكاد يقرب رأسه من رأسها، تناول من كوبها مرة جديدة بملعقة الصغيرة:
ـ أخبرتك أنني أحبك.
تلفت حوله فوجد بعض رواد المقهى جالسين في أماكنهم، عاد إليها ضاحكًا:
ـ هل أهتف وأخبر الناس بذلك.
ابتسمت برقتها المعتادة:
ـ لا تفعل، لقد سمعتك.
تناول من كوبها مرة أخيرة:
ـ المفترض أن تتمسكي بي يا مرح، أنتِ تشبهين سلامة الهلالي كما أخبرتك مرارًا.
طلّ من عينيها شقاوة وليدة:
ـ لكنك تحبني رغم ذلك.
ملأ صدره بعبير يحاوطها، اطمأن لوجودها وشعوره بما يجيش داخل صدرها، سألها غامزًا:
ـ أجواء الزفاف بالأسفل ألا تثير رغبتك في الزواج مثلهما.
تخضبت وجنتاها بحمرة داكنة، تناغمت مع بشرتها المائلة للسمرة الخفيفة:
ـ قليلًا.
التقطها منها واحتفظ بها:
ـ جيد!، لنتزوج أيضًا.
توسعت عيناها وشردت للسماء المفتوحة:
ـ أنتَ تجازف.
شد عوده لأعلى فترك لها مساحة تأمله، مشطت ملامحه، يشبهها بعض الشيء ويزيد خشونة محببة، ربما يتطابق لون بشريتهما وأعينهما ولون الشعر الأسود الداكن أيضًا، إلا أن لحيته النابتة رائعة بشدة، ابتسمت رغم أنفها، فأخفض وجهه قليلًا يسألها مناوشًا:
ـ لا تقولي إنكِ وقعتِ في حبي أيضًا.
انسحبت ببطء حتى توجهت صوب باب الشرفة المفتوح للداخل في نية واضحة للهرب، حدق في هروبها متسع العينين فألقت عليه سمهما قبل رحيلها المدروس:
ـ أجل، وقعت.
تركته متسمرًا في حالة لم يسبق له الوصول إليها، جنّ جنون نبضاته وارتفع صدره وهبط، هرول خلفها وأثار ريبة الجالسين حوله ولم يجدها حين هبط للطابق السفلي.
***
حين خطت خطوتها الأولى داخل شقتهما وبعد غلق الباب عليهما استعاد قلبها وبال نبضة الحب الأولى، كم كان حبه موجعًا، كم كان انتظارها أشد وجعًا، اختلج صدرها بمشاعر متدفقة، مال بصرها إليه، على حاله شديد الجاذبية يستطيع جرفها إلى أقصى عمق بعد السقوط به، ابتسم لها بحنان وانحنى قليلًا باسطًا يده لها:
ـ تفضلي يا صاحبة السمو.
رفرفت أهدابها ببطء فيما تطوف عيناها حولهما:
ـ أنا أحلم؟
اتسعت بسمته العاشقة:
ـ سأقرصك أو أعضك أو أُقبلك، إن أردتِ التأكد أنها حقيقة أنا في خدمتك.
تخضبت وجنتاها بحمرة خفيفة ظهرت رغم مساحيق التجميل التي أبرزت فتنة ملامحها، تهربت بالتشاغل بمطالعة البيت، أسرتها تصميماته الحميمية، مشطت الردهة الفسيحة وعادت له متسعة العينين واضح فيهما الانبهار:
ـ ما هذه الروعة!
رفع وجهه لأعلى ثم أخفض بصره تجاهها:
ـ هذا أقل شيء.
مد يده لها طالبًا يدها فأهدتها إليه فيما تزيح وجهها بعيدًا غارقة في الخجل، لثم ظهر كفها بحسية أرجفتها كليًا، كادت تنتفض لولا أنه سحبها إليه، شملها بذراعيه وضمها إلى صدره وأطلق تنهيدة ارتياح:
ـ مرحبًا بكِ في قلبي حبيبتي.
احتوى رعشتها بين ضلوعه وحررهكا لحظة قبل أن ينحنى قليلًا ويحملها لأعلى، ضحكت بصوت مسموع:
ـ سأعتاد الدلال.
شدد قبضتيه على ظهرها وخلف ركبتيها وزاد من ضمها إليه، سار بها للداخل واجتاز الممر الطويل الذي أفضى بهما إلى غرفة نوم تشبه غرف الأحلام، أنزلها أرضًا وترك لها حرية التجول داخل الغرفة، تأملت الفراش الوثير النائم بأناقة في المنتصف ومن حوله فراغ شديد الدفء، دارت حول نفسها بانبهار تمر على تفاصيل الستائر الحريرية البيضاء والباب الداخلي الذي فهمت أنه يفضي لغرفة تبديل للملابس ثم انتقل بصرها إلى طاولة الزينة، كل شيء حولها مبهر خطف أنفاسها، تنهدت وعبرت له ببساطة عما شعرت به:
ـ أشعر أنها غرفتي حقًا.
استهدفته بنظرة مغوية فيما تخفض ذقنها فتنال منه عيناها بوله:
ـ أشعر بالراحة والسعادة هنا.
استجاب لغوايتها واقترب يتحرر من سترة حلته الرسمية ورمى بها على الفراش المنخفض أتبعها بربطة العنق ثم حلّ ثلاثة من أزرار قميصه الأبيض تحت ترقب نظراتها له، لم يستئذن في اقترابه وببطء حررها من وشاحها ومقتنياته اللامعة تركها متسمرة محلها وتوجه صوب طاولة الزينة وضع عليها كل أشيائها ثم عاد إليها، تفحص هيئتها، شعرها معقوص للخلف برقة وثوبها يحتضن حنايا جسدها ويهبط أسفل خصرها باتساع ناعم، اهتدى لها بابتسامة رائقة:
ـ تشبهين الأميرات.
ضرب جبينه بكلا كفيه عدة مرات متتالية وتأوه دهشة:
ـ ماذا فعلت لأحوز عليكِ؟
تخصرت وتصنعت التعالي فيما تشرئب بأطراف قدميها فتشد عودها ويذوب أسير انسيابية خصرها، ودون مقدمات اقتنص ذاك الخصر بكفه واستأثر بها في عناق تلاه اختلال اتزان أنفاسها إثر قبلته التي بدأت عميقة متطلبة، أخذ أنفاسها في فسحة بدت بلا رجعة، تحرقت بأشواقها وبادلته القبلة حتى غمرها دوار جعلها تترنح، لم يكتفِ إلا بضربات قبضتيها لصدره، استفاق وخفف من وطأة اجتياح شفتيه، تركها تلهث ويرتفع صدرها يعلو ويهبط من فرط انفعالها واندفاع الدم الحار عبر أوردتها، وبخته بلطف فيما تعض شفتيها وتتقهقر بعيدًا عنه:
ـ كدت تقضي عليّ تمامًا.
تبسم بمكر دون إزاحة عينيه عن مرمى شفتيها:
ـ هذه تمارين تنفس فقط.
هدّلت كتفياها وتنهدت بصوت مسموع:
ـ ألا تريد تناول العشاء؟
تتبعها فيما تسير بلا هدى ويلازمها ثوب عرسها الذي تدور تنورته معها كلما انتهجت الدوران،
استطاع اقتناصها ومنع سيرها المتوتر، عانق خصرها بكف وزحفت الأخرى إلى سحاب ثوبها، فتحه ببطء فعضت شفتيها خجلًا فيما تدفعه برفق للخلف:
ـ أرجوك.
رفع كلا حاجبيه وتبسم ضاحكًا فيما يستجيب لها ويترك لها مساحتها الخاصة، تخللت أنامله خصلاته الطويلة عند تراجعه:
ـ حسنًا، سأذهب للمطبخ، أنا جائع.
انحنى قليلًا ولوح لها بيده كما يلوحون ترحابًا بالملكات:
ـ خذي راحتك في بيتك تمامًا، حبيبتي.
استدار وغادر بصمت، ترك نبضاتها ثائرة وقلبها في حالة يرثى لها، زفرت بعمق قبل أن تسير خلفه وتنتظر حتى خروجه من الغرفة لتغلق الباب على نفسها وتستند بظهرها للباب المغلق وتنظر للسقف ببسمة حالمة،
تحركت بعدها إلى خزانتها الداخلية، شعرت بغرابة واختلاف تنسيق الملابس المختلف عمّا أخبرته به رباب التي نسقتهم بنفسها، تجاوزت دهشتها وحررت نفسها من ثياب العرس وارتدت ثوبًا منزليًا من الحرير ووقفت أمام المرأة، نظفت وجهها من مساحيق التجميل وصففت خصلاتها الحرة فجمعتها على كتفها ليسترسل بانسيابية مُرضية، نظرت لنفسها في المرآة بصمت، ارتعشت شفتاها بترقب، تعرف أن الليلة طويلة وأن كل شيء ليس على مايرام، قلبها يخفق بشدة وروحها تأمرها بالبقاء والاستسلام للبداية الجديدة، تحركت بخفة للخارج وازدردت لعابها حين سمعته ينادي باسمها عند قطعها للمر ببطء، أسرعت خطواتها إليه مقطبة حتى وجدته أمامها، جالسًا على مقعد المطبخ المرتفع أمام رخامته المستطيلة للمنتصف، كان جبينه منعقدًا ينظر متشككًا، أمامه طبق كبير به طعام جوار عدة أطباق أخرى كانت مغطاة قبل قليل وقام برفع الأغطية عنها:
ـ ما هذا يا ملاذ؟
رمشت عدة مرات، وتقدمت منه متسائلة:
ـ ماذا تقصد؟
أشار بعينيه لمحتوى الطبق الرابض أمامه:
ـ هذا حمام.
سألها كأنه يجهل ما يراه ويحتاج للتأكد:
ـ هل أحضرتم هذا الطعام من بيتكم إلى هنا؟
أومأت مندهشة منه فتلك عادة متوارثة، عشاء الزوج ليلة الزفاف تصنعه عائلة الزوجة، نقلت بصرها منه إلى الطبق والعكس عدة مرات وأجابته باستسلام:
ـ أجل.
انطلقت ضحكاته فجأة ورفع وجهه للسقف شاردًا دون التخلي عن بسمته:
ـ وأمي تعرف بأمر الحمام هذا؟
زادت دهشتها فحركت كتفيها بلا معنى:
ـ لا أعرف.
هز رأسه ببطء، ثم جذب الطبق إليه واستحوذ عليه:
ـ حسنًا، أنا أحب تناول الحمام.
شرع في تناول الطعام بهدوء تحت تفحصها المصدوم، لا تعرف ماذا حدث كي يسألها تلك الأسئلة، سارت إلى زجاجة الماء وبحثت عن كأسٍ لتحضر لها بعض الماء، التفتت ترمقه من خلف ظهرها، يأكل باهتمام وعلى شفتيه ابتسامة مشاكسة لا تعرف سببها، سألها حين لاحظ تأملها له:
ـ أتعرفين مصير كل من يتناول الحمام من عائلتنا ليلة زفافه؟
زوت ما بين حاجبيها وهزت رأسها نفيًا:
ـ لا.
تقدمت منه وصبت الماء في الكأس وقدمته له ثم سألته بفضول:
ـ ما الأمر؟
تشاغل بنزع اللحم من صدر الحمامة الشهية في يده:
ـ هناك شائعة تقول إن كل رجل من عائلتنا يتناول الحمام ليلة زفافه سيواجه في تلك الليلة مصيرًا بائسًا.
انقبض صدرها بشعور كريه جعلها تستغفر الله في سرها وتتمتم:
ـ لا تتفوه بأي شيء سلبي، بشروا ولا تنفروا حبيبي.
وضع ما بيده في الصحن من جديد ثم تطلع إليها بامتنان وحب بالغين، تبسم محياه فيما يستهدف عمق عينيها وصميم قلبها:
ـ هل أنتِ هنا حقًا يا ملاذ أم أنا أحلم؟
دارت حول الرخامة البيضاء ببطء حتى وصلت وتوقفت جواره، حاوطت ظهره بذراعها والتصقت به، همست قرب أذنه بخفة:
ـ هنا حبيبي، هنا، أين عساني أكون مثلًا، أقسمت على ألا أتركك وها أنا أفي بالقسم.
تأملها صامتًا، هي بداية العشق ومتنهاه، موطنه الذي حُرِّم عليه وعاد إليها بعد كل الملاحم المقيتة التي خاضها حتى يصلها.
تلمست أناملها طريقها إلى خصلاته، زحفت إليها بخفة، مررتها خلالها بتؤدة، ترابطت الأعين بفورة حب خالصة، وخزته عيناه، تجمعت فيها بوادر زخات بسيطة، جعلته يعتصرها بقوة، عضت شفتها وابتسمت:
ـ لا تقول إنكِ ستبكي يا معاوية!
كانت تمازحه تمامًا، جعلته يضحك بخفوت وتهتز كتفاه فيما يباعد ما بين أجفانه:
ـ أجنحة الحمام طرفت عيني فقط.
رفعت أحد حاجبيها ضاحكة:
ـ حقًا!
أبعدت يديها عنه وحررته تمامًا لينهض ويقابلها، أشرف عليها من علو ففارق الطول بينهما ملحوظ، طال تحديقه في ملامح وجهها قبل أن يتراجع للخلف:
ـ سأغسل يدي وأعود للغرفة حتى أخذ ملابسي للحمام.
تركها وحيدة في منتصف المطبخ الشاسع الذي لا تعرف تفاصيله بعد، قد تولت أختاها أمر تنظيمه، أنيق بشدة على طراز عصري خلاب، هزت رأسها باسمة باستحسان وغادرت صوب غرفتهما لتنتظره ليخرج من الحمام، قطعت المسافة التي وجدتها طويلة عند عوتها وفتحت باب الغرفة لتدلف إليها ويغمرها سحرها، مرت ربع الساعة حتى شعرت بخطواته من خلفها، اقشعر بدنها فجأة حين غمرها دفء حضوره، سارعت بالهرب فباغتها بالقبض على كفها قبل فرارها وضحك بقوة:
ـ أين ستهربين يا صاحبة السمو، ليس هناك مكان تخبئين فيه.
استسلمت لعناق يده وتوقفت محلها، أسبلت أهدابه متنهدة، لم يفلتها وقادها للداخل يقرص وجنتها بخفة:
ـ تحضري للصلاة.
حدقت فيه دون رمش، خصلاته ندية وملابسه المنزلية أنيقة رغم بساطتها، هزت رأسها عدة مرات تزدرد لعابها متوترة، أخذت ما يلزمها من ثياب وتوجهت صوب الحمام، غسلت عنها إرهاق اليوم بأكمله وخرجت بكامل ملابس الصلاة ووجه مشرق ومنتعش، وجدته قد قام بافتراش الأرض بسجادتي صلاة، خفق قلبها، ستصلي خلفه بعد كل ما مر عليهما، أرخت جفونها وتقدمت لتقف محلها، انتهيا من أداء الصلاة والدعاء ونهضا يطويان السجادتين، حركت يدها بطيئة مرتجفة في قمة ترقبها وحركة يده سريعة منظمة انتهت به يضع السجادة المطوية محلها ويجذب خاصتها ويلفها ثم يعيد السجادة فوق أختها ويعود لملاذ يتفحصها دون خجل، نظرة متأججة سكنت عينيه بسببها تراجعت للخلف قليلًا حتى استندت بظهرها للحائط المجاورة للباب، تعلق بمحياه ابتسامة هادئة، وعيناه فاضتا بمشاعره الخطرة، دنا منها حتى أسند كفه للحائط أعلاها وقبض فجأة على كفها، تهربت قدر استطاعتها، طافت عيناها في كل الأماكن متجنبة إياه، كانت فاشلة في تصنع اللامبالاة فقلبها طرق صدرها بعنف جعله يعلو ويهبط دون هوادة، وأنفاسها ثارت بجنون مسموع، انحنى صوبها بثبات جعلهما يبدوان كصياد وفريسة سهلة الالتهام والمضغ، حدّثها بصوت عميق:
ـ موطن قلبي وملاذ روحي.
رمشت على وشك فقدان الوعي، صوته يداعب عمق قلبها، يهدهد شغافه ويحببها في الأسر، انتوى اقتناص القبلة ثم التهام صاحبتها دفعة واحدة وتمهل قبل تقبيل جبينها بمحبة خالصة.
كانت اللحظة حاسمة تقتضي بضع خطوات قبل اكتماله بها لكن كل شيء قد توقف حين طُرق جرس الشقة فأوقفه قبل مس شفتيها مباشرة، تراجع واستقام يدير وجهها جانبًا متسائلًا بهزلية تامة:
ـ هل تنتظرين أحدًا؟
رغم توترها العارم كبحت بسمتها الوشيكة وهزت رأسها نفيًا فيما تغمض عينيها، زفر بعمق وهدل كتفيه فيما يعض شفتيه غيظًا:
ـ مرحبًا بكِ في سيرك الهلالي.
انفلتت ضحكتها فتردد صوتها الناعم وجعله يتخلى عن جموده ويبتسم بالفعل، ثم يستطرد:
ـ وهذه فقرة المهرج.
تقهقر للوراء وخرج من الغرفة ليصل للردهة الخارجية ثم يفتح باب الشقة، لم تسمع ملاذ الهمهمات التي تتبعتها في أثاء خروجها البطيء خلفه، سمعته يسأل بقلق ملحوظ:
ـ ماذا حدث لها تحدثي.
سمعت فرح تخبره بصوت مهزوز:
ـ لا أعرف ما حدث لها، فقدت الوعي وسلامة يحاول الاتصال بطبيب.
عاد للداخل بسرعة فوجدها أمامه تطالعه باهتمام، أجاب سؤالها غير المنطوق بعبوس والكثير من القلق:
ـ أمي متعبة يا ملاذ، سأهبط إليها الآن.
هزت رأسها عدة مرات متفهمة ليتركها ويستدير مغادرًا في عجل، ضمت شفتيها ودارت عيناها حولها، كانت لا تزال مرتدية مئزر الصلاة، تأكدت من وضع حجايها ونظرت لنفسها عبر مرآة الصالة الملتصقة بالحائط، وجهها خالٍ من أي مساحيق تجميل، بعد نصف الساعة من الجلوس المتردد على مقعد الردهة الوثير حسمت أمرها واستقامت، عليها الهبوط والاطمئنان عليها رغم الحرج الذي وقعت فيه، التقطت سلسلة المفاتيح المعلقة في مشجب أنيق في أحد الجوانب، وقد فهمت تلقائيًا أنه مفتاح الشقة، وضعته في راحة يدها واندهشت من علّاقته المميزة، هو مفتاح واحد فقط مرتبط بحلقة فضية مع حرف الميم باللغة الإنجليزية له نهايتين، نهاية تكمل حروف اسمها ونهاية تكمل حروف اسمه، وحرف الميم المشترك ذاك مزخزف بأناقة يحتوي على ألوان قوس قزح المبهجة، تمامًا يشبه توقيعها على دفترها الأثير الذي أخذه رهينته!
ياله من رجل يستطيع الاستحواذ على مشاعرها بتفاصيل فريدة، لم ترى مثلها قبلًا، تنهدت وأطبقت أجفانها باسمة، كم تحبه وتستقبل كل تلك الأشياء بعشق رحب يليق به.
فتحت الباب ومرت لتغلقه بهدوء وتهبط الدرج، شاب خطواتها بعض التردد فيما تستكمل نزولها، ليست معتادة على ذلك وتعتبر دلوفها فجأة مجرد اقتحام لخلوتهم، تنفست بصوت مسموع حتى وصلت إلى الباب الأرضي المفتوح على ردهة فسيحة، قبضت على مفتاحها تتلمس منه بعض الثقة لتطرق الباب بخفة، لم يسمعها أحد لكنها سمعت جلبتهم ومحاولتهم الاطمئنان على والدتهم بالداخل، أعادت طرقها لكن بحدة أشد حتى خفت صوتهم وخرجت لها مرح تميل برأسها متوجسة، ما إن رأتها حتى ابتسمت وهرولت إليها تمسك بيديها تطمئنها:
ـ الحمد لله يا ملاذ أمي استفاقت.
جذبتها للداخل لتجهز على ترددها كليًا:
ـ اقتربي كلنا هنا.
استجابت لها ودلفت برفقتها على استحياء، أخفت رأسها فيما تجتاز باب الحجرة وتلقي بالتحية، ردوها عليها بترحاب صادق، سمح لها دخولها بالمرور على التفاصيل حولها، الطابق الأرضي شديد النظافة والترتيب، وفراش حماتها قابع في أحد جوانب حجرتها، تحتله المرأة البادي عليها أمارات التعب والإرهاق، ومعاوية يشرع في حقنها بمحلول طبي، زوجها الذي حانت منه التفاتة وبسمة صوبها قبل أن يعود لعمله مرحبًا بها:
ـ تفضلي يا ملاذ، ستعادين علينا لا تقلقي.
وجدت هاجر تقف جوار زوجها وفرح الشاحبة تقضم أظافرها، تبدو لها الأكثر قلقًا فيما بينهم، أفسح لها سلامة المجال بعد همسة منزعجة لزوجته التي كبحت بسمتها واستقبلتها بهدوء:
ـ تعالي هنا اطمئني عليها بنفسك.
ربتت على عضدها مشجعة في محاولة لإزالة عنها بعض الحرج البادي على محياها، انسحبت هاجر للخلف فوجدت ملاذ نفسها بين معاوية المنشغل بسيران المحلول الطبي وفرح المتوترة، ابتسمت بكياسة فيما تحدث نادرة برفق:
ـ لا بأس عليكِ خالتي.
بادلتها نادرة ابتسامة واهنة ونظرة اعتذار صامتة، كان رأسها مستكين لوسادتها وشعرها الرمادي مصفف للخلف بعناية، أشارت لها لتجلس فانصاعت لتلتزم طرف الفراش وتراقب بصمت.
شملت نادرة ابنها وعروسه الخجلة ببسمة رائقة قبل أن تستكين وتهدأ عند عبور المحلول لدمها، خرج الجميع من الحجرة وتركوا معاوية ووالدته فقط، والدته التي أشارت له من طرف خفي:
ـ هيا اصعد مع زوجتك، أنا بخير.
تغضن جبينه فيما يرفض بلطف:
ـ ليس قبل أن أطمئن عليكِ.
تبسم محيا ملاذ بسماحة:
ـ سنبقى معكِ لبعض الوقت.
استدار معاوية لها بحزم باسمًا:
ـ بإمكانك الصعود يا ملاذ الآن، سأطمئن عليها وأعود.
قضمت شفتيها حرجًا، وهي بالأصل في حالة مزرية، لم تشعر بالراحة منذ هبوطها فحمحمت بخفوت:
ـ حسنًا.
نهضت ودون إدراك مست كتفه فتصلت تحت أناملها الدافئة، أشاحت أمه بوجهها باسمة وتمتمت بشيء في سرها:
غادرت ملاذ مطرقة وألقت على الجالسين في الردهة بالخارج تحية خافتة قبل أن تعود أدراجها وتصعد سُلم المنزل إلى شقتها بالأعلى.
بعد الـتأكد من رحيلها نهض سلامة ينهب الخطوات صوب فرح التي استدعت معاوية:
ـ هل أنتِ غبية أم ماذا؟، كنا سنطلب لها طبيبًا، لا أحد عاقل يزعج أناس ليلة زفافهم.
كزت على أسنانها وابتعدت عن مرماه فصاح معاوية من الداخل:
ـ اترك العنزة وشأنها.
تأفف سلامة فيما ينضم إليهما بالداخل وتتبعه وهاجر والتوأمتين، وامتعض بشدة:
ـ ما كان عليك الاستجابة لها، كنا نتصرف بدونك.
ربت معاوية على كف أمه:
ـ من الجيد أنني أتيت.
تدخلت نادرة حازمة:
ـ اذهب إلى شقتك يا سلامة، استرح بعض الوقت وسأطرده حالما ينتهي هذا المحلول.
غمره الضيق فيما ينسحب وتتبعه هاجر تاركين أمه التي بدأت تستعيد بعض من عافيتها وحولها إخوته الثلاثة.
ومر وقت، لا يدرى كم تحديدًا، أخذ حمامًا دافئًا بالأعلى وساعدته هاجر ليسترخي بلمسات مساج حانيه لعضلات ظهره وكتفيه، ثم أطعمته بيدها وضمته تهدأ من نوبة قلقه على والدته، رفع معصمه يتفقد الوقت من خلال ساعته، قطب قليلًا مر أكثر من ثلاث ساعات، عاتب نفسه لتأخرها على أمه كل هذا الوقت، قد قرر أن يبيت ليلته جوارها حتى يطمئن عليها كليًا، فتح الباب واجتازه بهدوء وتوجه صوب حجرة والدته، وصعقه ما رأه أمام عينيه، فركهما بقوة وفرق أجفانه يتأكد من المصيبة التي حلّت عليهم، فعريس الهناء قد استلقى جوار والدته النائمة وغفى كليًا!
يا لها من ورطة وكارثة لن يغفرها له ما مر من وقت، هرول إليه يهزه بعنف:
ـ استيقظ يا خيبتها.
أفزعه وأيقظ أمه التي حدقت فيه بعينين محمرين من أثر النعاس، ومعاوية تساءل دون الخروج التام من حالة النعاس:
ـ ما الأمر، أين أنا؟
رمقه سلامة من علو بازدراء وغضب:
ـ جوار أمك، قضيت ليلة زفافك جوار أمك.
ضربت نادرة رأسها بيأس:
ـ يا خيبتك في ولادك يا نادرة.
لوح لها سلامة بقلة تهذيب:
ـ اصمتي يا نادرة، دلالك هو السبب ما كان عليكِ الإغماء في ليلة كتلك.
انفجر معاوية ضاحكًا واستقام متربعًا على الفراش جوارها.
ـ خراب ليالي الزفاف طقس عائلي، نقلق فقط إن مرت الليلة بسلام.
قالها فيما يهبط الفراش وينحني يلثم رأس أمه التي ضمته إليها برفق وربتت على ظهره، واستقام جوار أخيه متسائلًا بعبث:
ـ كم الساعة الآن، هل انتهى الوقت أم أستطيع التعويض في الوقت بدل الضائع.
كان رد سلامة لكمة قاسية كادت تخلع كتفه وتفسد الأمر تمامًا، شزره بازدراء:
ـ اغرب من وجهي قبل أن أحطم وجهك المستفز هذ.
استجاب معاوية الذي غادرهما وتركهما يتبادلان نظراتهما بصمت.
صعد الدرج دون سخط فقد تعلم ألا يعترض على القدر، تنفس بعمق حين وجد مفتاح الباب معلقًا فيه فأداره برفق وافتر ثغره عن ابتسامة سعيدة، بالتأكيد أعجبتها العلّاقة المميزة التي تحملهما معًا وتحمل ذكرى دافئة لن ينساها، فتح الباب وقابله سكون ورائحة دهان حديث مختلطة مع عطور هادئة، أغلق الباب وتحرك للداخل بحيوية، تعمد ألا ينادي باسمها ليراها دون تنبيه
وبالفعل وصل إلى غرفتهما وقابله ضوءها الخافت، تقدم منها حتى وقف أمام الفراش الذي تتدثر بأغطيته، تغط في نوم عميق يتسلل صوت أنفها بخفوت، تأملها بصدمة قبل أن ينفجر ضاحكًا، ملاذ تشخر في أثناء نومها.
تجاوز تلت الصدمة مع ملاحظته خروج قدمها من نهاية الدثار انحنى قليلًا يلامسها برفق، لانت عيناه وتفرقت شفتاه بلهاث خفيف، ملمس قدمها ناعم كالحرير دفعه لمداعبتها بحنو وتتلكأ أنامله على باطنها باسمًا، قبل أن ينحني أكثر ويقبلها ثم يمررها على جانب لحيته مغمضًا عينيه
وضع قدمها محلها وتأكد من تغطيتها ثم انعطف قليلًا وسار للأمام لينضم لها على الفراش الوثير، وينخفض تحت الاغطية معها مستندًا على ذراعه يناظرها بشوق، شعرت به فرفت أجفانها المتعانقة، رموشها السخية تحركت بتوتر وخفة، اتسعت بسمة، يود تصديق وجودها ولا شيء يساعده، راح يتأملها، يغوص في تفاصيل وجهها الفاتن، خداها محمران حمرة طبيعية وشفتيها غواية خالصة.
تنفس بصوت مسموع، يود إيقاظها واستئناف ما لم يبدأ لكنه تعقل، فالقرب الأول يحتاج طقوسًا خاصة
لن يباغتها هكذا أو يقطع عليها غفوتها
يريد الرغبة والوعي مشتركين ليتشاركا اللحظة الأروع بكل تفاصيلها
تململت أمامه فجأة قبل أن تسأله بصوت ناعم:
ـ أتيت حبيبي!
تهادى العشق على وجهه:
ـ أجل موطني أتيت.
تفرقت أجفانها تحدق به تتأمله وتذوب كليًا، سُمرته الدافئة وملامحه المحببة يذوبان كل الحواجز، تأوهت مغمضة عينيها هانئة:
ـ رباه، كم أنتَ وسيم!
ضحك بخفوت، تبدو كمغيبة وصوتها شبه النائم مثير للجنون والعشق
وضع رأسه على الوسادة أخيرًا، ومد ذراعيه لها يفتح لها أفقًا رحبًا من الشوق والوله:
ـ هيا، تعالي هنا.
ترددت لحظة قبل أن تزحف إليه ببطء تضم نفسها إليه رغم نعيمها في الدفء أكثر منه، وهمست برقة:
ـ الطقس بارد في الخارج.
ـ لكنكِ دافئة.
حاوطها كلها وقبّل جبينها، واستسلم لفردوس عناقها حتى اخطفه الوسن مثلها.
انتهى الفصل
ولا تزال للحكايا بقايا.


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:23 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.