آخر 10 مشاركات
الغرق فى القرآن (الكاتـب : الحكم لله - )           »          دَوَاعِي أَمْنِيَّة .. مُشَدَّدَة *مكتملة* ( كوميديا رومانسية ) (الكاتـب : منال سالم - )           »          الأقصر بلدنا ( متجدّد ) (الكاتـب : العبادي - )           »          12- حصاد الندم - ساره كرافن (الكاتـب : فرح - )           »          رسائل بريديه .. الى شخص ما ...! * مميزة * (الكاتـب : كاسر التيم - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          [تحميل]فصليه لظالم وحش بقلم / سقين الشمري "عراقيه" ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          إمرأة لرجل واحد (2) * مميزة و مكتملة * .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > سلاسل الروايات المصريه > منتدى سلاسل روايات مصرية للجيب

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-02-22, 06:37 PM   #1

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile10 عفريتة قطار منتصف الليل _ سالى عادل



عفريتة قطار منتصف الليل

الجزء الأول
عندما يجن الليل على مسافري قطار منتصف الليل، يصير لبعضهم أمنيات مشروعة جدًا...
تمنيتُ لو لا أضطر للعمل الليلة،
تمنيتُ لو آخذ فاصلاً من الراحة فوق كتف جاري في المقعد..
تمنيتُ لو أريح رأسي فلا يسألني من أنتِ، أو ماذا تفعلين، أو ما الذي رمى بكِ فوق صدري الحين!
ترى، أمنيات بسيطة جدًا..
لن تجعل حياتك أسعد،
لكنها ستجعل تعاستك ألذ،
وهو أقصى ما أطمح إليه،
في حياتي الجديدة بعد الموت.
~
ألمح أحدهم يغادر مقعده إلى الحمّام بنهاية العربة، أتذكّر أن هناك شيئًا ضروريًا عليّ القيام به في الحمام.. شيئًا من النوع الذي من غير اللائق الإفصاح عنه، إن فُهِمَ ضمنًا بالكلام. أتوجه إلى هناك.
~
تمنيتُ أشياء وأشياء،
وما أسهل الأمنيات...!
تمنيتُ لو لم يقع ما وقع بحياتي الأولى،
أو لا يقع ما سيقع في الثانية،
وكلّها أمنيات!
وهل قد أُنصِفتُ في الأولى لأُنصَف في الثانية؟
فما هي إلاّ ترهات!
ومع ذلك.. فقد تمنيتُ...
تمنيتُ ألاّ يتعجب من تصرفي، ويغفر لامرأة ربما لا يلتقيها بعدها، أن أثار إعجابها..
تمنيتُ أن ينسى العادات والتقاليد للرجال السُمر الشُّداد..
ينسى الزوجة والأولاد،
ويتذكر لحظة من رفع الكُلفَة بين غريب وغريبة،
لم يعرفها أو تعرفه،
بأكثر من معرفة القطارات،
فأثار بها الأمنيات.
دعه لا يتساءل عن سر نظارة منتصف الليل، أو معطف الصيف الطويل، لامرأة تبدو من بحري، على قطار الصعيد.
دعه يتغافل عن الشعر العصي الثائر وقد أرادته طيّعًا منسدلاً ليخفي ما استطاع من وجهها!
دعه لا ينتبه لما ظهر منها وكان عظيم، أو خفي وكان أعظم!
ليته يتخلّى ـ لمرّة في عمره القصير ـ عمّا يصح، وما يُقال.
ليته يقوم بعمل رومانسي أكثر من خيالاتها، ليته يقوم بعمل يُفاجئ نفسه قَبْلها، ليته يقوم بعمل يندم عليه بعدها.
ليته يجرؤ أن ينعم بلحظة خالصة مع امرأة لم يكن ليحلم بها في خياله، وقد صارت بين يديْه بمعجزة!
أميل برأسي إليه،
يدير رأسه إليّ...
كل ذبذبات أفكاري وصلت إليه،
كل موجات طاقاتي حاوطته،
وقد شمّ الفيرمونات...
أوْسدَ رأسي صدره وربّتَ عليّ...
يمكنني أن أقول إن الحياة كريمة اليوم،
إن الحياة كريمة بعد الموت،
وإنني حصلتُ على ما تمنيتُ،
وقبل أن أنعم بما جنيتُ، خرق المُحصّل أذني سائلاً:
- تذاكر!
ولمّا تغافلتُ، نقر كتفي سائلاً:
- تذاكر!
ولمّا تغابيْتُ، نظر للسيّد الذي بصحبتي سائلاً:
- تذاكر!
فقطع لي على الرحب تذكرة، تأمّلتُ الدُّبلة بيده بينما يخفض المحفظة، ولمّا رحل اللحوح، نظرتُ له وقلت:
- أنت رجل كريم وحنون، فلماذا تخون؟
دار بعينه مُفكّرًا:
- لا أعرف.... لقد تزوجتُ صغيرًا.. أشعر أني على متن قطار لم أرغب في الصعود إليه، وأن الطريق مرسوم لا أرغب بالمضي فيه، لماذا لا أنزل؟ لأن هناك مسافرين في عنقي، وقد قطعتُ تذاكرهم وسأوصلهم إلى بر الأمان، لن أتراجع الآن، لكنني لستُ في أسعد حال، ويحق لمثلي أن يتساءل: "سعادتي أيْن؟".. إنها أزمة منتصف العمر على ما يبدو، فقد قرأتُ عنها.
ثم نظر إليّ مديرًا السؤال:
- وأنتِ؟
- أنا! أشعر كأنني على قطار وحدي، وهذا القطار هو عمري، أتلفتُ حولي.. أين الذي صاحبني على الحلو والمرّ؟ أين الذي عاهدني لنهاية العمر؟ وجدتُ أني أتناول حقيبتي، وأرتدي حذائي الذي كنتُ قد تخففتُ منه، وأستعد للنزول رغمًا عنّي، ألآن؟ أليس بكّيرًا؟ دعوني أكمل المسير! دعوني أفهم ما يصير! ودون أي تفسير، أمرني الخاطر أن: هذه محطتكِ، لا تقاومي، هذه محطتكِ، وستنزلين.
أضحك وأقول:
- شيئًا مثل أزمة نهاية العمر، إذا كنتَ قد قرأتَ عنها.
هزّ رأسه في فراغ قائلاً:
- لا أظن.
أيّدته بالإجابة:
- ولا أنا! دعكَ منها، واتبعني إلى الحمّام.
ثم خطوتُ في دلال.
~
أحاول أن أدخن سيجارة في المسافة بين العربتين،
غير أني لا أجد القدّاحة،
تمتد إليّ يد بقدّاحة،
لا أدري من أين ظهرت،
أجفل،
أخفض نظارتي الشمسية وأتأمل صاحب اليد الهزيلة بنظرة فاحصة من أعلى لأسفل،
شيئًا بنظرتي جعله يبدو كخلة أسنان مرتعشة في جلباب أبيض،
أخفض السيجارة وأعلن:
- أقلعتُ.
يعود إلى مقعده يركض.
~
على رأس العربة، أدير رأسي وأسأل نفسي: إلى أين تتجهين؟ أإلى اليسار أم إلى اليمين، أغلب الرؤوس نائمات مائلات غير داريات بما صار أو يصير، فأين الرؤوس التي قد أينعت لحصادها، وحان وقت قطافها؟ لكم تصير المهنة شاقة بعد حين! أتجه إلى الرأس الوسيم.
- أتسمح؟
يرفع رأسه عن أوراقٍ يطالعها على الضوء الخافت، وينظر من تحت عويناته السميكة متسائلاً:
- أفندم؟
- هذا مكاني!
وأشير إلى حيث يجلس بالصفّ الأول إلى جوار الشبّاك، فيتبسم بسمة شك ويسأل:
- وكيف ذاك!
أسأله بتحدٍ:
- أتكذّب امرأة حسناء؟
يتلفت حوله سائلاً:
- وأين هي المرأة الحسناء؟
أبتلع الإهانة بغصّة:
- لن أُعقّب عليكَ، فقد رأيتُ رجالاً أضعف ملاحظةً من ذاك!
ثم أعيد الحوار إلى نصابه:
- أتسمح؟
- أين هي تذكرتكِ؟
أجيب:
- تذكرتي قطعها لي الرجل الذي كنتُ أجلسُ إلى جواره هناك.....
أقطع حديثي لمّا أُدرِك إنني أُدِين نفسي بالكلام، ولكنّه لم يكن ليفوّت هذا الإعتراف، فقال:
- إذًا، كنتِ تجلسين إلى جواره حين قطعتِ التذكرة، فكيف هذا مقعدكِ؟
لكني كنتُ قد مللتُ هذه المجادلة، أنا لستُ كاذبة، هذا كان مقعدي في يوم من الأيام، وأحبُّ أن أعيد الذكريات، لكنّه لن يفهم شيئًا من ذاك! أحسم الأمر بعبارة واحدة:
- هذا مكاني، وإن كنتَ تؤمن أن هذا مكانكَ أيضًا، فسيكون علينا أن نتشارك المقعد لبضع ساعات!
برقَتْ عيناه للحظة، ثم جمع أوراقه وحاجياته وانتقل إلى المقعد المجاور صامتًا، وعاد ليدس أنفه بالأوراق، تسللتُ برشاقة من أمام ساقيْه إلى مقعد الشبّاك.
جلستُ في زهوٍ، ووضعتُ ساقًا إلى ساق، ألوّح له بالسيجارة في يدي، وأسأل:
- قدّاحة؟
قال بسخافة:
- لا أدخّن.
قلتُ بسماجة:
- أحسن!
وأخرجتُ له لساني باستفزاز، أدير رأسي أنظر من الشبّاك، هناك لفحة من البرد في ليل الصيف لا يشعر بها سوى الشيوخ والمرضى والأموات، تختلج أوصالي من اللفحة فيعجبني ذاك، أتخذها ذريعة وأسأل:
- هل يمكنكَ أن تغلق الشباك؟
يضع الأوراق ويعبر ساقاي نحو الشباك، يسدّه بجسده طولاً وعرضًا، وبحركة واحدة من ذراعه القوية يُسقِط الضلفة، ويعود فيجلس إلى جواري متابعًا المطالعة.
تمنيتُ لو يخلع الجاكيت فيحاوط به كتفيّ،
تمنيتُ لو يأخذ يدي فيدفئها بين يديْه،
تمنيتُ لو يمسح عويناته فلا تتضبب بالتراب نظرتي لعينيْه!
وهذا أهوَن الأمر!
لكن عويناته الطبّية مُنهمِكة بأوراقٍ علمية بعنوان: "كيف تعرف المريض النفسي من أول نظرة" ، أمّا عيناه فتطالعني بالخفاء من أسفل العوينات. نظرة إلى الأوراق، ثم نظرة ـ على استحياء ـ إليّ، نظرة إلى الأوراق، ثم نظرة ـ مثل المثقاب ـ إليّ. أضبطه متلبسًا بالنظرة السافرة، فأبادله نظرة متسائلة:
- كيف؟
- أيّ كيف؟
- كيف تعرف المريض النفسي من أول نظرة؟
يضحك مملسًا لحيته الناعمة:
- يشبهكِ!
- إلى أي حد؟
- حد التطابق!
لا يدهشني الرد، ولكن أستزيد:
- وما هي العلامات؟
يبسط يديه في تلقائية:
- يبدو وكأنما لا ينتمي للمكان، يميل لإخفاء مشاعره عن طريق إخفاء عينيه، يطيل شعره لمداراة ملامحه. يحك وجهه كثيرًا لتقليل التوتر، ولا يُبدي تعاطفًا مع الآخرين..
- وكل هذا منطبق عليّ؟
- ماذا ترين؟
أحك وجنتي:
- صدقَتَ، ولكن.. ألا ترى أن هذه الصفات تنطبق أيضًا عليكَ!
يبدو متفاجئًا، يرجع برأسه للوراء متسائلاً:
- وكيف ذاك؟
أعدد على أصابعي:
- غريب.. لا تشبِه الرُّكاب بهيئتكَ والبذلة، تُخفي عينيكَ بالعوينات، تُخفي ملامحكَ باللحية، تتلمس وجهكَ كثيرًا، والأهم: لا تبالي بالحسنِ حين تراه رأى العين.
ثم أجذبه من لحيته مضيفةً:
- وأزيدكَ من الشعر بيْتًا: إنّ المريض النفسي ينجذبُ لأمثاله من المرضى النفسيين!
يُزيح أصابعي عن لحيته، ويقول في هدوء:
- جميل، ولكن حظ أوفر في المرة القادمة، فإنني أنا الطبيب النفسي، ولستُ المريض.
تهتز رأسي ضاحكة:
- حيلة ماهرة، لإيهام الآخرين أنك خلف المدفع ولستَ أمامه، أنتَ الذي تعالجهم فكيف تصير منهم، حتى ولو بالخطأ قد صرتَ منهم، فإنكَ ستعالج نفسك دون مساعدة منهم، دعني أسألك يا دوك: ما هو شعور الطبيب النفسي حين يكون العاقل الوحيد وسط عالم من المجانين؟ أليس شيئًا يدعو للجنون؟!
يضرب كفيه ساخرًا:
- عظيم! كل الطرق عندكِ تؤدي للجنون!
أصححه:
- بل تؤدي للحمّام.
تصدمه الكلمة:
- ماذا!
أطمئنه:
- أنا لا أبالي إن كنتَ طبيبًا نفسيًا أو مجنونًا، لا أبحث عن زوج يدوم العمر، إنها ليلة واحدة يا دوك!
ثم أهمس في أذنه:
- اتبعني.
لكنّه يقول كالمنوم:
- لن أتبعكِ، وهذا يُثبِتُ أنني لستُ مجنونًا، فإنها ليلة لن يطلع لها صبح!
لا أستطيع إنكار الأمر، ولكن يقتلني الفضول ـ مجازًا لأنني مقتولة من قبل ـ فأسأله:
- وكيف عرِفتَ؟
- رأيتكِ مرتيْن تدخلين إلى الحمام مع رجال، وتخرجين من دونهم.. أتساءل: لكم رجل يتسع ذلك الحمام المسكين؟
أهرش شعري الكثيف:
- يا لها من ورطة! وأنا التي كنتُ أظنكَ لا ترفع العيْن!
يكرر على مسامعي ذات السؤال بإيقاع رتيب:
- أين هذان الرَجُلان؟ أين هذان الرَجُلان؟
- وكأنكَ تهتم! أنت حتى لم تبدِ التعاطف أو تحاول إنقاذهما حين كان من الممكن لكَ.
يكرر وكأنما لن يسمع إلاّ إجابة سؤاله:
- أقول لكِ: أين الرجُلان؟ أين الرجُلان؟
- ولماذا لا تشدّ قامتك وتمدّ ساقيْك نحو الحمام، وترى أنتَ؟
تخترق نظرته عويناته وعويناتي وأعماق نفسي مع عبارة:
- لأن هذا ما تنتظرينه بالضبط.
أحب اللعب على المكشوف، كما أحبُّ أحيانًا أن أحلّ اللغز.. أرجع برأسي للوراء، وأقول:
- تقولون عن المرأة لغز، ولكن الرَجُل هو اللغز الحقيقي، وكل لغز بحاجة إلى حل، ولكن الرجل لا يحب التفكير في الحل، يريد أن تمنحه إيّاه المرأة من دون جهد، لماذا لا تجهد نفسك وتُعمِل عقلك قليلاً لتصل إلى الحل؟
يثبّت على عيني نظرة تخفي ما خلفها من أفكار في العقل، وهذا أيضًا لغز، أستند إلى ظهر المقعد وأتركه في ألغازه وأنا في ألغازي حين يبين لأحدنا حل! ولكن أنتبه على أحد الركّاب قد استيقظ من النوم وقطع طريقه عابرًا مقاعدنا بالصف الأول نحو الحمام، اشرأبّ بعنقي وأهتف به قبل أن يفتح الباب:
- مشغول! هذا الحمام مشغول، لماذا لا تجرّب الآخر بالمقطورة التالية؟
استجاب الرجل، وأنزل يده عن المقبض، قبل أن يهتف جاري في المقعد:
- بل خالٍ، إنه خالٍ، فلتستخدمه إذا أردتَ.
ثم أدار عنقه لي وقال:
- يبدو أنكِ لم تنتبهي لمن كان بالداخل وخرج!
بادلته نظرة حقد، وأومأ المسافر شاكرًا، ثم دخل مُغلِقًا الباب خلفه.
مرت دقائق من الترقب طويلة، لم يُنزِل فيها الطبيب عينه عن الباب، ولم أُنزِل عيني عنه، وبرغم الصراع الدائر من تحت الطاولة، إلاّ أنني تمنيتُ...
تمنيتُ أن يتجاوز العداء إلى أن نصبح أحبّاء،
تمنيتُ ألاّ يسعى لحل اللغز وإنما أزرار معطفي،
تمنيتُ أن يتصرف كرجل نبيل خرج في موعد مع امرأة حسناء...
أمّا النبيل فكان ليفعل الكثير،
وأمّا هو، فكان ليسأل باستعلاء:
"وأين هي المرأة الحسناء؟!"
دارت أكرة الباب ببطء، وانتبهتُ على الرأس الوسيم يشِب، وشعرتُ بحواسه تُشحَذ حتى لقد لمحتُ أذنه تتحرك، شفاهه تختلج، وأنفه تتسع تنافس عينه المتسعة مثل قلب محب.. علقت عين الطبيب بالرجل الذي خرج من باب الحمام، وليس الذي يدخل إلى الحمام، كالذي يخرج منه!
يُتبَع..




MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-02-22, 06:38 PM   #2

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الجزء الثاني
دارت أكرة الباب ببطء، وانتبهتُ على الرأس الوسيم يشِب، وشعرتُ بحواسه تُشحَذ حتى لقد لمحتُ أذنه تتحرك، شفاهه تختلج، وأنفه تتسع تنافس عينه المتسعة مثل قلب محب.. علقت عين الطبيب بالرجل الذي خرج من باب الحمام، وليس الذي يدخل إلى الحمام، كالذي يخرج منه!
أمّا هذا فكان مثله بالضبط، نفس الرتابة اليومية، نفس النظرة الخاوية، والخطوة التي تتهادى ببطء، لم يبدُ كرجل وجد جثة في مرحاض، ناهيكَ عن جثّتين، لم يتغير شيئًا في سحنته، إلاّ أن صار مرتاحًا عن ذي قبل!
نظر لي الطبيب وقال:
- هذا غريب! الحمّام ضيّق، فأين أخفيتِ الجثّتيْن؟
أجبته بتلقائية:
- وما الغريب في هذا، إن كان الحمّام ضيّق، فأرض الله واسعة، هذا... إن كان هناك جثّتان!
- كل ما تقولين هو لغز في لغز!
أهز رأسي في عجب:
- ألم تعد تفرّق ما بين اللغز وحل اللغز؟ كنّا نقول إن كل رجل هو لغز، فإذا حللتَ اللغز، فلن تعد بحاجة إليه، ارمهِ من الشبّاك وابحث عن آخر. وإذا استعصى عليْك، فلا تشغل بالك به، ارمهِ من الشبّاك وابحث عن آخر.
ثم أثبّت عينيّ في عينيْه وأسأل:
- فهل أجبتُ سؤالكَ؟
تتسع عينه سائلاً:
- هل للحمّام شباك؟
- بحري، على قطار الوجه القبلي، وهواؤه يرد الروح، لكن لم تنتفع به الجثث منزوعة الروح! أليس هذا أيضًا لغزًا؟
- لا تتوقعي أن أتستر عليكِ.
نفيتُ برأسي:
- لا أتوقع منكَ أي شيء، أخبرتُكَ إنها مسألة ليلة لا أكثر، معرفة قطارات يا دوك!
- لماذا تفعلين هذا؟
- أجب أنتَ، ألستَ أنتَ الطبيب النفسي؟
- هل تعترفين بمرضكِ النفسي؟
أرجع رأسي للوراء وأضحك:
- لقد اعترفتُ لكَ بما هو أخطر، فلو أعلم عن نفسي مرضًا نفسيًا لما عززته عليكَ!
- لا أستطيع مساعدتكِ ما لم تعترفي بحاجتكِ إليّ!
أسأل مستنكرة:
- وهل طلبتُ منكَ المساعدة؟!
ينظر إليّ بغيْظ، فأنظر بلهوٍ، وأستدرك:
- أو بالأحرى، ليست هذه المساعدة التي أطلبها منكَ!
يضن بالرد، يعود لبسط أوراقه في صمت. أُليّن صوتي في أغنية تنادي المسافر وحده أن يعود، أقطع الأغنية وأطلق سُبّة، لو كان بمِزاجه لكان عاد من غير دعوة! أتشاغل بالنظر إلى النافذة، نظرة فارغة، نظرة فاحصة، نظرة وكفى! لقد اكتفيتُ، هناك أشياء أكثر إثارة بالكون، وأنتَ لستَ آخر رجل بالكون، ألملم ثوبي وأقف محاولة تجاوزه، لكنه يبسط ساقيْه أمام قدمي يعوقني:
- إلى أين؟
- سأذهب أشمّ الهواء!
- شمّيه من الشبّاك.
- هذا المقعد لا يناسبني.
- هذا مقعد تذكرتكِ، أتذكرين؟
أسأل بتبجُّح:
- هل أنا مقبوضٌ عليّ؟
- لن تتحركي من جانبي حتى أسلمكِ للأمن بالمحطة التالية.
تُدهشني إجابته، ولكني أتقبلها بصدر رحب:
- موافقة ولكن، اجعل رحلتي شيّقة حتى مكتب الأمن؛ فأنتَ ممل حد الموت، وأنا خيْر من يفهم بالموت، لا إلى الحمام رافقتني، ولا السيجارة أشعلتَ لي، ولا حتى حديثًا تحدثتَ!
نظر إليّ حتى انتهيتُ، ثم طالع أوراقه بصمت.
~
أتثاءب في رتابة، أفركُ عيني من تحت النظارة السوداء، أدير رأسي أتطلع إليه، ولازال منهمكًا بقراءاته...
تمنيتُ لو أطوي أوراقه وأزيح عويناته وأسأله بغنج: ألم تكتفِ من العمل بعد؟
تمنيتُ لو أجد القداحة فأشعِل الشمعات وأدعوه إلى عشاء رومانسيّ،
تمنيتُ لو يحلق لحيته الكثيفة، فلا توخز بشرتي الملساء، سابقًا.
ينتبه إلى نظراتي منزوعة الحياء، فيسأل على استحياء:
- لماذا لا تخلعين هذه النظارة السوداء؟
- لأنني أخجل.
يضحك حدّ البكاء، ثم يقول:
- ألازلتِ لا ترغبين بالمساعدة؟ إنني قطعتُ عهدًا بمساعدة مرضاي بمجرد طلبهم مهما تكلف الأمر، والطلب عهد.
أهز برأسي نافية:
- ليست مسألة أنني لا أريد المساعدة، بل أنت لا تستطيعها يا دوك.
- ولماذا تفترضين ذلك؟
- لأني في حياتي السابقة، لم أسمع عن طبيب نفسي يساعد ميّتة عائدة.
يومئ برأسه باهتمام:
- حينها لأشخّصكِ بمتلازمة كوتارد.
- متلازمة من؟
- كوتارد، هذه أول امرأة يكتشفون عندها الحالة.. إنها متلازمة الجثة الحية، حيث يظن المريض إنّه ميّت يدب على قدميْن، يعتقد أنه مات ولكن لسبب ما ترفض الجثة أن ترقد في سلام.
- يا سلام! بل أنتَ اسمع منّي.. إذا أخبرتكَ الجثة إنها حيّة، فلتصدّقها يا دوك!
يهمهم موافقًا:
- حسنًا، ولكن، هل هناك جثة تتجول في قطار عوضًا عن مكوثها في قبر؟
- إذا ماتت تحت القطار، فأين ستتجول يا دوك؟
- وهل من المنطقي أن تسعى جثة لإشباع غرائزها؟
- وهل من المنطقي أن تسعى لإشباع غرائزكَ أنتَ؟
- وهل هناك جثة تدخّن سيجارة؟
ألوّح بسيجارتي النيئة منذ أمسكتها:
- وهل رأيتني دخّنتها يا دوك؟!
يهتز لا أدري أمن الضحك أم سريان القطار:
- أرأيتِ؟ لأسباب مثل هذه يُسمّون المريض النفسي مجنونًا!
- الحياة أبسط من هذا، لا تعقّدها يا دوك: إنني امرأة تحبُّ الحياة، حيّةً أو بعد الموت. وعلى أي حال، أنا لا أقول بأنني جثة، أنا حتى لا أظن أنه قد تبقى من جسدي شيئًا يملأ قصعة، ولكن لا بأس، فالروح أبقى وأهم.
- هل تقولين بأنكِ شبح؟
أومئ في حرج:
- ليس أكثر شيء أفخر به، ولكن.. هذا ما حدث.
يهرش برأسه مأخوذًا:
- مثير للاهتمام، حينها سأعدّل تشخيصي إلى فصام..
يستدرك:
- بل ذُهان، لحظة.. بل فصام، فصام..
يسرد وكأنما يحاول إقناع نفسه:
- بلى، فصام، كما يظن أحدهم أنه المهدي المنتظر، أو عميل سري، أو رأس نفرتيتي! ضلالات تسيطر على الرأس وتبدو للمريض هي الحقيقة المُطلقة، مع دعم من هلاوس سمعية وبصرية وشمّية وقدر من الأوهام والشكوك والظنون يدعم حجته، ولا مانع أن يبدو طبيعيًا في أوقات أخرى، وإلاّ.. فكيف يُشكك الناس بأنفسهم، إن لم يكن بمقدوره ـ في بعض الأحيان ـ أن يكون أعقل منهم!
- إذا فتحتَ الباب لهذه الإحتمالات فلن تصدّق أحدًا أبدًا، هل زوجي هو زوجي حقًا، أم شخص آخر؟ هل الذي زوّجنا مأذون، أم زواجنا باطل؟ هل سائق القطار مُرخَّص أم هارب من مصحّة... ولربما سيكون عليكَ أنت أن تثبتَ أنك طبيب نفسي ولستَ مريضًا فصاميًا يا دوك!
يضحك في سماجة:
- ولماذا قد أكون؟
أشير إلى الأوراق:
- لأنك مطابق للمواصفات، وبالإضافة إلى هذا فأنت لا تعرف ألف باء الطب النفسي؛ أنت تهين مرضاك، لا تخبرهم أنك تصدقهم، لا تتعاطف معهم، بل وتخبرهم إنهم مجانين يا دوك!
لو بقيَتْ عندي دماء لكانت غلت في عروقي، فقد كنتُ امرأة حارة الدماء في حياة عيني، أهبُّ واقفة فيمسك بمعصمي، أستدير إليه فيبادرني متلجلجًا:
- إنّ.. يدكِ باردة كالثلج، لابد أنكِ ميّتة تحت قطار.
تعجبني بديهته، أجلس ضاحكة:
- منافق، ولكنك خفيف الظل.
- لا تتمادي كثيرًا، فهناك احتمالية لا بأس بها أنكِ تدّعين هذا للإفلات من جرائمكِ.
أقول بمطّ المقطع:
- ثـــــانيةً!
فيقول ضاحكًا:
- لا بأس، لا تدققي كثيرًا، إنها معرفة ليلة واحدة، معرفة قطارات، أليس كذلك؟
- بلى، إلاّ إذا.....!
- "إلاّ إذا" ماذا؟
- صرنا زملاء عالم آخر يا دوك!
تسقط بسمته، وينظر لي بِجِد.
~
أستغل صدمته بحقيقتي في محاولة الإفلات منه، أستأذنه في نعومة، فيسأل:
- إلى أين؟
أقول بثقة وكأن الكلمة لا تستدعي أية خلفية:
- إلى الحمام.
يقول بحزم:
- لا يوجد حمام.
فأقول ببراءة:
- لا تسيء فهمي.. أنا أطالب بحقي في الذهاب إلى بيت الراحة.
- الأشباح لا تحتاج إلى بيت الراحة، أمّا إن كنتِ مُصرّة، سيكون عليكِ أن تتصرفي هنا!
أهتف متأففة:
- عار عليك! هل يوجد رجل نبيل بالكوْن يقول هذا لامرأة حسناء؟
يلقيها بوجهي من جديد:
- وأين هي المرأة الحسناء؟
أشيح بوجهي عنه:
- هذا ما أنتَ فالحٌ به!
تمر لحظات ثقيلة، أدبدب بقدمي في توتر، يمر عامل البوفيه دافعًا عربة مشروباته أمامه، فيتزايد التوتر حتى لأشعر بجسدي سينفجر، فأُقذفه بنظراتي وأشيّعه بلعناتي:
- ابن الحرام، معلون في الأولين والآخرين، أتمنى له أن يتعفن في الجحيم!
ينظر لي الطبيب بدهشة فائقة:
- لِمَ كل هذا؟ لماذا تسبّين وتلعنين الغرباء المُسالمين؟!
أنظر له كما أنظر لبقرة برأسيْن:
- غريب أمركَ يا دوك! أنا أقتل الغرباء المُسالمين، وأنت تتعجب أنني ألعنهم في الجحيم؟
راجع نفسه متأملاً الحُجّة، فانتهزتُ الفرصة، وهممتُ بالمغادرة، لكنّه بادرني بأن قبض معصمي بفعل منعكس:
- إلى أين؟
- وأين سأذهبُ منكَ؟ إننا على قطار واحد لو لم تلحظ بعد!
- أنا لا أثق بكِ من هنا حتّى باب الحمّام.
أدفع التهمة نافيةً:
- لا، لا، لقد راحَتْ الحاجة للحمّام، إنما سأذهب للمطبخ لإيجاد شُعلة.
يصيح بفهم:
- آها... بل أنتِ ذاهبةً خلف عامل البوفيه المسكين، لا أدري ماذا فعل لكِ حتى تحقدين عليه بهذا الشكل، أخشى أن أفسد عليكِ الأمسية، ولكن لو تحركتِ قيْد أنملة، لما انتظرتُ حتى المحطة التالية، ولضربتُ جرس الإنذار، وأوقفتُ القطار، وسلّمتكِ إلى الشرطة مباشرة.
جلستُ أرتطم بالكرسي، إنني لا أملك زمام نفسي، وإن بدا عليّ الغضب ولكني لستُ بغاضبة. إنني أنصاع لأمره بالرغم من أنني لستُ قليلة الحيلة، وهو يقود أمري بالرغم من أنه ليس زوجي. وأنا أعلمُ ذلك، ولكني تمنيتُ...
تمنيتُ أن ينسى البذاءة التي خرجت عن لساني الذي يأكله الدود..
تمنيتُ أن يطلب مني أن أخلع نظّارتي فيتغزّل بعينيّ التي يكسوها البياض،
تمنيتُ أن يمد يده فيداعب خصلات شعري الذي لن يلبث يتساقط بين أنامله..
أما وهناك رجال لن يفعلوا شيئًا من هذا ولو انتظرتُ لآخر العمر،
أما وقد نفذ بالفعل العمر،
فلأتطوع أنا بالأمر..
وقفتُ،
فأعاد السؤال عليّ في ملل:
- إلى أين أنتِ ذاهبة؟
- بل أنا عائدة.
- من أين؟
- من الموت.
- أوَتظنين بأنني ابتلعتُ الأمر؟
أعقص شعري إلى أعلى، فتبرز خثرات الدماء على جبيني في مواضع الصدم، أخلع معطفي رويدًا فتتبدى حزوز القطار على جسدي شبرًا بشبر، أخلع نظّارتي وأميل أرصده ببياض عينيّ في سواد عينيْه عينًا بعين، فهل صدّقتَ؟
~
"هل صدّقتَ؟"
يدوّي السؤال بعقله، يرسل إشارات بالقشعريرة، يرتج لها ـ أمامي ـ جسده البض، ليس الذي يحيى كالميت بلا شك، لكنني لا أعاني عقدة نقص، لا أنقم على أحد إن عاش أو انقضى، وهذه مُزحة بالطبع! فبعد أن آخذ بثأري لن أنقم على شخص، فأنا شبح ولستُ ملاكًا من بعد أو قبل!
تبدو عليه الصدمة، يلوّح بأصابعه أمام وجهي إن كنتُ أرى ما يلوّح به، دعكَ من البياض، ولكن يمكنني أن أرى بعمق رئتيكَ، فـ "بصرُكَ اليوم حديد" يا دوك!
يضرب كفيْه في ذهول، ثم يقول:
- في هذه الحالة لن أستطيع مساعدتكِ، ومن يستطيع مساعدة الموتى! هذا.... إن صدَقْتِ!
أبادله نظرة طويلة ثم أقول:
- وماذا.... إن طلبتُ؟
يمسك برأسه ويكرر متضررًا:
- الطلبُ عهد، الطلبُ عهد! أكره ألاّ أقوم بواجبي على أكمل وجه.
ثم وَلوَل فاقدًا وقاره ومُحدِّثًا نفسه كما لو أنني لستُ مرئيّة، فهذا عيبُ أن تُفصِح عن حقيقتكَ الشبحيّة... راح يردد:
- ويلكَ يا مدحت! هذا يوم من اثنين، إمّا يوم نحسكَ حيث تطلع الجرائد بوفاة طبيب نفسي لسبب غامض تحت عجلات القطار، أو يوم سعدكَ حيث تكتشف مريضًا لم تكتشفه من قبلكَ كُتب الطِب!
أومئ في خيبة أمل قائلةً:
- إذًا اسمك مدحت، هاه!
أمد يدي مصافحة:
- معك عزّة.
يتردد في المصافحة، ومعه عذره بالطبع، ويقول مشمئزًا:
- عزّة؟ ألم تجدي غير هذا الاسم؟
أجد أني أقول:
- هو اسمٌ من بين الأسماء! لماذا تشاكسني، لا أفهم! وهل أنت الذي اسمكَ "هيثم"!
يشكو في خيبة أمل:
- متلازمة عزة؟! ليس شيّقًا.. ليس دراميًا كفاية، لن يجتذب اهتمام الذين رأوا وسمعوا كل شئ عن الطب النفسيّ، ولكن، لا بأس..
أبادره مقاطعةً:
- أ.. لا تنسَ، إمّا هذا، أو "انتحار مدحت الطبيب النفسي تحت عجلات القطار بالأمس" يا فضيحة الطب النفسيّ! عارٌ عليْك!
ثم أستغرق بالضحك من غير صوت.
~
يُتبَع..


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-02-22, 06:39 PM   #3

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الجزء الثالث
يشكو في خيبة أمل:
- متلازمة عزة؟! ليس شيّقًا.. ليس دراميًا كفاية، لن يجتذب اهتمام الذين رأوا وسمعوا كل شئ عن الطب النفسيّ، ولكن، لا بأس..
أبادره مقاطعةً:
- أ.. لا تنسَ، إمّا هذا، أو "انتحار مدحت الطبيب النفسي تحت عجلات القطار بالأمس" يا فضيحة الطب النفسيّ! عارٌ عليْك!
ثم أستغرق بالضحك من غير صوت.
~
استعدتُ حشمتي، وهيبتي، وتلفحتُ بالمعطف.. مر عامل البوفيه يتبختر بعربته، ومادمتُ لن أذهب إليه في مطبخه، فلأقطعن قدمه عن مقطورتي، هتفتُ به من قذاله:
- أنتَ!
فالتفتَ سائلاً:
- مَن؟ أنا؟
- وهل يوجد غيركَ يُخايلنا في كل وقت؟
- أيُّ خدمة يا مدام؟
- بل أنا التي ستخدمكَ اليوم، فقط احضر لي حبل كراتين، وسأريكَ كيف أخدمك..
قال وكأنما يتمنى لو كان أخطأ السمع:
- ماذا؟
أجبتُ مؤكدةً:
- حبل كراتين، ويكون ثخينًا!
بدا بلا حركة للحظة، وكأنما قد مات واقفًا، ثم مال يتفحص ملامحي للحظة، وكأنما قد مات مائلاً، ثم وفي اللحظة التالية اندفع راكضًا هاربًا صارخًا بعلو الصوت:
- لا، لا، ليس أنتِ! ليس أنتِ!
تدغدغ صرخاته روحي للضحك، فأضحك كما لم أضحك قبل الموت! وأميل إلى جاري سائلةً:
- أتراهني ألَّن نرى وجهه ثانيةً اليوم؟
نظر لي مدحت وقال ذاهلاً:
- ماذا بينكِ وبينه؟ أراهن أنّك تعزّينه جدًا!
أومأتُ مؤكدةً:
- جدًّا.. ولو تركتني أقوم لأريتُكَ إلى أي حدّ!
ثم أغالب الضحك بينما أقول:
- كلمّا أتذكر طريقته في الركض المذعور لا أتمالك نفسي من الضحك!
نظرتُ إلى مدحت الذي تفلتت ضحكاته بالمثل، ثم أطلقتُ زفرة نهاية الضحك وتمنيتُ..
تمنيتُ لو يخفض لي جناحه مثل وسادة تحتضن كل إخفاقاتي وخيْباتي وعذابي فلا يتذمر أن أفسدَتْ ملابسه دموعي.
تمنيتُ لو أغمض عيني وأغط في نوم لا يوقظني منه إهتزاز القطار، أو إزعاج المسافرين، أو الكوابيس التي يقتلني فيها غرباء لا يعرفونني ولا أعرفهم بأكثر من معرفة القطارات!
تمنيتُ لو أستطيع أن أفتح قلبي لأبح بكل ما لم أبح به في سابق عهدي، أو بعد موتي، وكان الذي قادني للموت.
فهل تحقق ما تمنيتُ؟
يستخرج من جيْبه قلمًا، ويستعد لتدوين ملاحظاته، سائلاً:
- هل نبدأ الجلسة؟
أومأتُ في ملائكية مثل زوجة مطيعة وأطرقتُ، فسألني:
- ماذا تفعلين بالقطار؟
- أُمضّي الوقت بالإنتظار..
- بانتظار مَن؟
- مَنْ سيركب بعد محطتيْن.
- ومَن هو؟
أقول بنبرة بديهية:
- قاتلي بالطبع!
يقول بنبرة آلية:
- وكيف قُتلتِ؟
أقول باقتضاب:
- نصيب.
- وكيف وقع النصيب؟
- مثل كل الأقدار السارية!
يترك القلم، ويستدير إليّ بجذعه:
- اسمعي، أنتِ امتلكتِ عهدي بطلبكِ مساعدتي، أنا لا أتطفل عليكِ، أنا أهتم لأمركِ وشفائكِ وسلامكِ النفسي، من قبل الكشف العلمي، وأراهن عليكِ بعمري، ويجب أن تتأكدي أن سرّكِ محفوظ ببئر عميق، يموت الطبيب قبل أن يخرج السرّ، وأنّي لكِ سلامًا لا يضّر.
- وهذا ما أردتُ سماعه بالضبط، ولكن صدّقني، مثل كل الأقدار السارية، لن تصدّها مهما حذرتَ!
~
مثل أي بنت تريد أن تعيش قصة حب،
مثل أي فراشة تنجذب للضوْء،
مثل أي فريسة تنخدع بالفخ...
هذه القصة لا تَقدَم أبدًا...
الحب هو الحب،
والموت هو الموت،
وإذا أردتَ أن تجدد، فسينحصر تجديدكَ بطريقة الموت!
كنتُ صبية من القاهرة أُغرِمْتُ برجل صعيديّ قوي الشكيمة وشاربه جميل، لماذا يأتي إلى القاهرة بانتظام؟ ينجز أعمالاً. ما هي بالضبط؟ لا أعلم.
لماذا يقابلني كثيرًا؟ لأنه يحبني. لماذا لا يتزوجني إن كان يحبني؟ لا أعلم.
وعندما تفاقم الأمر وأصبحتُ حُبلى، وأخبرته إننا يجب أن نتزوج قبل أن يُفتَضح الأمر، أخبرني أن هذا بالضبط ما يفكّر به. لماذا لم أتوقع إجابته؟ لأنني أعرفه. لماذا صدّقته مع أنني أعرفه؟ لا أعلم.
طلب مني أن أسافر يوميْن للصعيد لمقابلة عائلته، على أن أخفي الأمر عن أسرتي وأدّعي بأنني في رحلة جامعية بإجازة الصيف، وقد شككتُ بالأمر لكنني سافرتُ، لماذا شككتُ بالأمر؟ لأنه مريب. لماذا سافرتُ مع هذا؟ لا أعلم.
ركبتُ القطار و....
يقاطعني مدحت:
- وهنا قام بقتـ.......
أقاطعه:
- لا.
التقيتُ عائلته، ورحبَتْ بي ترحابًا مبالَغًا به، كل ما أطلب مجابًا، كل ما أحلم واقعًا، حتى برتقال الصيف الذي توحمته أتوا به، لماذا توحمتُ البرتقال؟ لأنني أحبّه. كيف أتوا به في الصيف؟ لا أعلم!
قضيتُ أيامًا من الدلال لن أنكر أنها أعجبتني؟ لماذا يدللوني لهذا الحد؟ لأنهم يريدون شيئًا مني. ماذا يريدون منّي؟ لا أعلم.
وقد أخبرني أنه سيتزوجني على أن أبقى معه بالصعيد، ونخفي الزيجة عن الغرباء بما فيهم أهلي، ولا أعود لأهلي. تسألني: ماذا كان ردّكِ؟ أقول لكَ: وافقتُ. تسألني: لماذا؟ أقول لكَ: لا أعلم.
اليومان امتدا إلى سبعة أشهر، وقد عقدنا الزواج بالفعل، وحين وضعتُ طفلي أخبرني أن هناك شيخًا يجب أن نسافر إليه فنأخذ بركته في أقاصي الصعيد. لماذا نحتاج إلى بركته؟ من أجل المولود. لماذا طاوعته وأنا النُفَساء؟ أنتَ تعلم أني لا أعلم.
ركبنا القطار و....
يقاطعني مدحت بعشَم:
- وهنا قام بقـ.......
أقاطعه بحسم:
- لا.
وصلنا إلى الشيْخ، فكان مشعوّذًا كما يقول الكتاب، انتزعوا مني ابني أول شيء، ثم جلسنا ثلاثتنا في غرفة أشبه بالقبر، يحرسهم أجلاف من الإنس والجن، وتحدثا عن أن هناك كنزًا يحرسه رَصَد، وأن الرَصَد لن يصرفه إلاّ الدم، أن الدم لطفل، وأن الطفل من النسل!
يتحدثان عن دم طاهر يجب أن يُراق كقربان، ودم نجس ـ على النقيض ـ هو قربان كتأكيد، وشياطين إرضاؤهم مستحيل، ومحرمات تُرشِّي الشياطين، وبما أننا تزوجنا بالفعل، فإن المحرمات يجب أن تكون مع الشيْخ!
هذه المرة لن أقبل، هذه المرة سأفعل أي شيء، لكنهم أكثر منّي في كل شيء، وقد تكالبوا عليّ.
وبعد أن نالوا منيّ، أخبره الشيْخ أنني قد عرفتُ فوق اللازم، وأنني يجب أن أٌقتَل، فأخبره زوجي أنه لا يستطيع أن يَقتل، لأنه ـ حبيبي ـ رقيق القلب. فأخبره الشيْخ أن شياطينه ستتكفل بالأمر.
سحبني من يدي، أو جرّني جرَّا، حيث لم تحتملني قدمي، بينما أولولُ وأنادي على ابني، فضربني حتى أفقدني وعيي، ووضعني في القطار...
يقاطعني مدحت:
- لا شك أنه هنا قام بقـ.......
ابتلعَ الجملة، حين نظرتُ له بغِلظة، ولم أُجِب.
قضيتُ ليالٍ من الذهول، أصرخ بمنتصف الليل، أبحث عن طفلي بالأركان، وأنتظر عقاب الشياطين، فقد أوكل الشيْخ مقتلي إليهم، لماذا أوكل مقتلي إليهم؟ لأنهم جديرون بذلك. لماذا لم يقتلوني حتى الآن؟ لا أعلم. كما ولا آمنُ عقاب الله من بعد ما اقترفتُ من آثام. أطالب بالعودة إلى أهلي، بعد أن تأكدتُ من ذبح ابني، كل ما أطلب أن يتركوني أعود لأمي، وقد أقسمتُ ملء حلقي أنني لن أبوح بشيء.
وقد ركبنا أخيرًا القطار عائديْن. لماذا وافق على رجوعي لأمي؟ لأنه أراد بكل ما يملك الخلاص مني. ولماذا يوصلني بنفسه إن أراد الخلاص مني؟ لا أعلم.
يبتسم مدحت ابتسامة ظَفر:
- وهنا إذًا....
أقاطعه بغيْظ:
- تعالَ احكِ أنتَ حكايتي يا مدحت، ما دمتَ تعرف كل شيء تعالَ أنتَ...!
يحكُّ ذقنه، وينتظر الحكي..
جهنم!
جهنم الحمراء!
ما إن اتخذتُ مقعدي في الصف الأول حتى اشتعلَتْ النيران من حولي أحر من نار جهنم، ولا يكتمل المشهد من دون الشياطين! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! تراقصت الشياطين ذوي القرون الطويلة والعيون الحمراء حول النيران، مُنقّلين سيقانهم المُستعارة من التيوس والماعز، في حركات حادة وفجائية تضرب الأرض بقوّة ثم تربّت عليها تربيت رقيق، مثل الفُشار تلسعه النيران فيقفز، ثم يعود يتسوّى على الجانبين.. فيما بدا لي كتمرين إحماء!
أردتُ أن أفتح فمي لأصرخ ولكنه كان كما لو أُحيكَ بإبرة وخيْط، أردتُ أن أهب من مقعدي أو أنزل عن القطار الرابض مثل العمل السيء، لكن وكأنما تسلسلت أطرافي بقيْد!
بقيَتْ أسناني تصطك داخل فمي المغلق، وأطرافي ترتجف في سلاسل أسمع صليلها وأرى عُقَدها، وأعلم أنها ليست هنالك، مثل النيران، مثل الشياطين، مثل تمرين الفُشار الراقص، لو كان رآهم غيري لما بقي في القطار من أحد، لكنهم لي وحدي، دون أي أحد!
حتى زوجي، بقي غافلاً إلى جواري، لا يفصلني عنه سوى شبر واحد، لكنه لا يدري شيئًا عن ذلك..
تمنيتُ لو يدير رأسه للحظة، فيفهم من عيني ما حلّ بحالي..
تمنيتُ لو يوقف المهزلة ويعلن: هذه زوجتي، وأنا دمي حامٍ.
تمنيتُ لو عاد الزمن إلى مرحلة الحب الغاشم، حين كنتُ أسأله: أتحبني؟ فيجيب: نعم، وأسأله: أستتزوجني؟ فيقول: لا أعلم.
بقيتُ أحاول الإفلات، أو لفت الإنتباه على أقل تقدير، ولكني عرفتُ ـ بالطريق العسير ـ أن الإهتمام لا يُطلَب. دوّت صافرة الإنطلاق، وارتفعت الأيادي بتلويحات الوداع، فلا هناك أحد لوّح لي، ولا أنا بقادرة على التلويح في القيْد!
ولكن وبمجرد انطلاق القطار، خفّت قبضة القيود، وكأن خيط فمي قد أُرخِي قليلاً، فما الحاجة للقيود والقطار زنزانة، قضبانها تسير وأنت بالداخل! ارتفعت النيران حتى السقف، واتسعت ابتسامات الشياطين على وجوههم، فما بدت أفضل مما كانت عليه! تسارعت الخطوات الراقصة، وتقافزوا مع النيران أيهم يخرق السقف!
فككتُ القيود وجذبتُ الخيط، قفزتُ من مقعدي وصرختُ:
- حريق! حريق! أوقفوا القطار! أوقفوا القطار.. الشياطين معنا على ذات الرحلة! شياطين بذيول، شياطين بقرون، وعيونهم حمراء...
ألوّح بيديّ يمنة ويسرة:
- ها هم! ها هم!
اتسعت أعين زوجي، ولأول مرة ـ منذ زواجنا ـ ينظر لي بهذا العمق! كل الأعناق اشرأبت والأعين تطالعني كما تطالع قردًا بسيرك! والشياطين على المقاعد الفارغة تنظر إلى حيث أشير بشوْق!
هبّ زوجي يهدّئني، ويعيدني إلى المقعد:
- اهدئي، اجلسي، ليس هناك شيئًا، لا يوجد شيء!
لكني بقيتُ أحاول إقناعهم، وهو ما فسّره البعض بأني أحاول إزعاجهم، فاقترحوا تقييدي لنهاية الرحلة، ونظروا إلى زوجي فأومأ أن: "على الرحب والسعة". لم يصدّقوا أنني لو أحتاج قيودًا لما تخلصتُ من قيود الشياطين، لم يصدّقوا أنني لستُ من الطراز الذي يُلفِّق شياطين، وكيف أصفهم بدقّة إن لم أرهم رأى العين، ولكن تُكلِّم من؟!
انهالت زجاجات المياه على رأسي، والحوقلات المُتصعِّبة، جنبًا إلى جنب مع اللعنات المُصوَّبَة. أحضروا بعضًا من خيوط كروشيه كانت على حِجر مسافرة، ثم نظروا لزوجي كزيادة تأكيد، فأشار بيديه أن: "على بركة الله.". تكاتفوا عليّ وقيّدوني من جديد، نظرتُ إلى الخيوط التي كان من الممكن أن تكون كوفيّه أو بلوفرًا لو إلتقينا في ظرف آخر، قدّرتُ أن فكّها لن يكون عسيرًا، لكن تكاتف الخيوط مع بعضها كان مُبهرًا، وللسخرية ـ فإن قيْد الشياطين كان أضعف من قيْد البشر. فكرتُ حينًا ثم طلعتُ بحلّ ماكر..
يُتبَع..


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-02-22, 07:37 PM   #4

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الجزء الرابع
نظرتُ إلى الخيوط التي كان من الممكن أن تكون كوفيّه أو بلوفر لو إلتقينا في ظرف آخر، قدّرتُ أن فكّها لن يكون عسيرًا، لكن تكاتف الخيوط مع بعضها كان مُبهرًا، وللسخرية ـ فإن قيْد الشياطين كان أضعف من قيْد البشر. فكرتُ حينًا ثم طلعتُ بحلّ ماكر..
تمثُّلتُ الهدوء، وأعلنتُ:
- لقد اختفوا! إن الشياطين قد اختفوا، ولكن، يا تُرى هل وُجِدوا من الأصل؟
ضحكتُ في تباسط:
- يا لي من مجنونة حقًا! بل إنهم لم يوجدوا أصلاً، إنها حالة تأتيني لدقيقة وتروح، ثم لا تأتي بعدها إلاّ كل عاميْن.. أعطانا وأعطاكم طول العمر!
تكاثفَتْ العيون عليّ بشك، فأزحتها برفق:
- أعتذر منكم، أقلقتكم عليّ، لكنني بخير، شكرًا لكم، أنا بخير.
نزلَتْ الأيادي عنّي، وتشاوروا أن يحلّوا قيودي ويروا ما أنا فاعلة.. وإذا أخطأتُ يقيّدوني من جديد، أنا لن أطير!
حلّوا القيود، وهدأ الضجيج، فيما علت صيحات الإعجاب من الشياطين، حتى إن أحدهم قد همس بأذني:
- يا ابنة الشياطين!
تبسمتُ بتواضع، وأومأتُ باقتضاب أن شكرًا، ثم جلستُ أفكر فيما أفعل...
صهد النيران يلفحني، لكني لا أشتكي.. لقد تأخر عقابهم حتى أوهمتُ نفسي بأن وعيد الشيْخ كان ترهيبًا لا أكثر، وصدّقتُ وهمي حتى نسيتُ الوعيد، فأبى الوفيّ إلاّ أن يذكّرني بما نسيت.
رفعتُ نظرة استعطاف إلى زوجي، فبادلني نظرة كالجليد، كان منخفضًا في المقعد وكأنما يريد أن يختفي فيه، فقد تم إحراجه بما يكفي، ولا ينقصه المزيد.. يريد أن يقنعني بأنه يشعر!
أشيح بوجهي إلى الشباك، إلى بعيد.. إلى كل الأشجار ذوات الجذور الثابتات والأغصان الباسقات المتسارعات المتضائلات المتلاشيات لتظهر من جديد، أحسدها، يا ليتني مكانها، يا ليتني على الجانب الآخر من الشبّاك، من البُعَداء، من الصعيد.. وما نفع كلمة يا ليت!
يخفت وهج النيران في خلفية رؤيتي، ويتوهج من الجانب الآخر من الشبّاك.. أنظر بتمعن، أنظر بتحفظ، أرفع يدي أخفي عيني، أنظر من بين شقوق أصابعي إلى الشياطين ذوي الجذور الثابتات والأغصان الباسقات المتسارعات المتضائلات المتلاشيات لتظهر من جديد.
أدير رأسي إلى الداخل: هدوء من الصمت الجاثم، اختفى الجحيم وتمرغ القطار في نعيم من الملل القاتل. أعود أنظر من الشبّاك.. يكوّر كل منهم كرة من النيران ويقذف بها نحوي، بعضهم لا يجيد التصويب، بعضها وشيك، أتحاشاهم للوراء بحركات تلقائية، أدير رأسي لزوجي وأضبط صوتي على نغمة النفاق:
- إذا تفضلتَ، هل يمكنك أن تغلق الشبّاك من أجلي؟
- لماذا؟ إن الجو حار.
أنفي:
- بل خمدت النيران.
يؤكد:
- بل الجو نار! نار!
أتمالك أعصابي، وأقول من تحت ضروسي:
- حقًا؟ فلماذا أنت بارد هكذا؟ قم فاغلق الشبّاك، هذا آخر طلب أطلبه منكَ.
يوازن الأمر في رأسه، فيجد أنه من العدل أن يكون لي طلب أخير، ولو كان الطلب بهذه البساطة، فهو رابح كبير. يقوم بتراخٍ، يسعل بفحولة، يهندم ملابسه ببطء، يُملِّس شاربه بزهو، يمد يديه إلى ضلفة الشبّاك، لكنّها تستعصي عليه، يحاول مرة، بعد مرة، ثمّ في لحظة، يحاول بكلتا يديْه، وهي اللحظة التي يندفع فيها شيطان من العدم برمح ذي رؤوس ثلاثية يمرره قبل أن ينغلق الشبّاك ـ بسبب تلكؤ بعلي ـ مستهدفًا زمّارة رقبتي.
طعنني طعنة كانت أصابتني لولا أن قفزتُ من مقعدي صارخة صراخًا أرجّح أنه أزعج المسافرين، وإلاّ فلِمَ عزموا بالإجماع على تقييدي من جديد؟
تطوّع عامل البوفيه الذي لا يجد عملاً يعمله سوى أن يتبختر طيلة الوقت بعربة المشروبات وأعلن:
- عندي بالمطبخ حبل ثخين! سأجلب لكم الحبل الذي يربط كراتين المشروبات الغازية.
ثم أضاف بنباهة ألمعية:
- وبالمرّة إذا كان أحدكم يرغب في بعض المشروبات الغازيّة!
علت صيحات الانتصار وتضاربت الأكف في الهواء يهنئون بعضهم بهذا النصر المبين! بينما إلتفتُّ في جزعِ إلى عامل البوفيه أخبره:
- لا، شكرًا، عندنا خيوط كروشيه تفي بالغرض!
ودُرتُ أُقسِم على المسافرين واحدًا واحدًا:
- لا! لا تقيّدوني، أُقسٍم: سأكون مهذبة، لن أزعجكم ثانيةً، صدّقوني، جرّبوني، لن أزعجكم ثانيةً!
أمّا زوجي، فكان ينظر إلى الجانب الآخر وكأن الأمر لا يخصّه، لو عليْه لكان فرّ من مقعده إلى مقعد أكثر هدوءً، ولكنهم كانوا ليُعيدونه: "إلى أين يا خفيف الظل؟ أليست هذه معكَ؟"
قطعتُ توسلاتي حين ظهر الذي ينتظر مصيبة ليشبع لطمًا، حاملاً حبلاً أغلظ من قلوب هؤلاء الأجلاف، وتعاونوا على شدّ وثاقي بفرحة، كما يتعاونون على البرّ والتقوى، ولم يفتني أن أحدج عامل البوفيه بنظرة وعيد، فتحاشى نظرتي قائلاً:
- أيُّ خدمة يا مدام؟
- بل أنا التي ستخدمك، وعهد مني أن أرد جمائلك!
أما زوجي، فلم أتكبد عناء النظر إليه، وقد قطعتُ عهدًا على نفسي ألاّ أنظر ثانيةً لمن سقط من عيْني، لكني لم أكن أعلم أني لن أفيَ بعهدي سوى لدقيقات.
ألصق وجهي بالشباك، كل شيء هادئ ولذلك فإن قلبي يرتجف بانتظار العاصفة، أسمع غطيطًا ثقيلاً خلف أذني، أشعر زفيرًا حارًا يلفح عنقي، أدير رأسي فجأة، أجد زوجي مائل الوجه في وضع النوم، دعوتُ له بخراب البيت، أن استطاع النوم في هذا الجو!
في ظرف آخر، كنتُ لأسعد برأسه المائلة على كتفي، ولكنّي لا أطيقه بصدق! أدير رأسي إلى الشبّاك ثانيةً.. يصبح الغطيط أكثر ثِقلاً، والزفير يلسعني بسوْط، أدير رأسي بسرعة، أجد رأسه مائلاً في نفس الوضع، غيْر أن عينيه مُفنجَلتان متقدتان جاحظتان باتجاهي. أجفل، ولكني أحافظ على ثباتي فوق ما أنا مُثبَّتَة، يحدجني بنظرات جامدة لثوان كفيلة بأن تذيب أعصابي، تذكّرني بآثامي، أتصفحها واحدة واحدة، علّني أعرف أيُّها أوجب عليّ هذه النظرة المتوعدة: يوم نسيتُ أن أغسل جواربه، يوم صرختُ أثناء الولادة، أم يوم أكلتُ الجُبن الذي كان بالثلاجة؟
تنقلب عينه، يختفي سوادها، بياضها، سوادها، بياضها، سوادها.. دافينشي يرسم بالضوء والظلال، وقد أجهد تعاقب اللونين ـ مع التركيز ـ عيني، ولمّا أستطع أن أفوّت المشهد.
يستحيل السواد ألوانًا أكثر بهجة، يتلون بؤبؤ عينيه بألوان الطيف السبعة، أحتاج دقيقة حتى أتذكر ما كان بالأصل لونها: أجل، أسود مثل الليلة التي لاقيته بها.
تتراوح عيناه بين الجحوظ والغوْر في أعماق الجمجمة، تخرج خارج رأسه حتى لأقول سيأكلني بها، وتسرح داخل رأسه حتى لأقول: تعالَيّ هنا!
يُثبّت بؤبؤيْه عليّ لثوانٍ أخرى، أقبض أنفاسي ولا أجرؤ أن أُنفّس بكلمة، ثم يسقط البؤبؤان في تجويف العينيْن دفعةً واحدةً، يدوران في كل الإتجاهات مثل xxxxب ساعة ـ مثل أعصابي ـ تالفة!
أُغمِض عيني، فقد أقسمتُ ألاّ أنظر إليه ثانية، لكن الشوْق يغلبني فأتلصص من بين فرجات جفنيّ، فإذا بالبؤبؤيْن يتلونان بالأحمر، ثم يقطران بمدمعيّ عينيْه دمًا...
لا أميّز إن كنتُ واهمةً، أو نائمةً، أو كانوا يتلبسونه، أو يُخايلوني، أو كان يكيدني، أو هذه طريقته في خطب ودّي والمصالحة، وبالنظر إلى مستوى ذكائه، فإن الإحتمال الأخير ليس مُستَبعدًا.
تحوَلُّ عينه اليمنى، ثم تصير اليسرى هي الحولاء، ثم تستقر عيناه الاثنتان على ذبابة حطّت على أنفه فجأة. أكتم ضحكة.
أمن المفترض أن أرتعب أم أضحك من هذا العرض الذي استغرق في تنفيذه قدرًا من النظر إليّ أكثر مما استهلكه في عمر زواجنا! لا أبحث عن إجابات! أدير وجهي للجانب الآخر وأقرر تجاهله عملاً بمقوله: "عتاب النذل اجتنابه".
~
يُداعب النعاس جفني، فأسلّمه عيني كاملة، ليس النوم فكرة سيئة ولا الأحلام قاتلة، حتى إذا تم قتلي، ستكون أكثر قتلة آمنة، ولا يتسنى لي أن أرى وجه قاتلي، تسقط عيني غافلة.. هذا أنت، وهذه أنا. وتلك البرتقالة شاهدة على حبنا. يقشّر لي برتقالة الصيف بأنامله، يفصصها بشغف، ويطعمني في فمي، أتمنع في دلال: "لستُ بقادرة."، يقسم عليّ بالطلاق أن آكلها ألاّ يولد ابننا بفصوص في وجهه. ثم يميل يهمس في أذني: "أحبك"!
أصحو فزِعة! أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم!
تتعالى ضحكات الشياطين، ويتغامزون، أفيق فأجد أني قد أوحشتهم، وارتصوا أمامي صفًا يستعرضون عضلاتهم، يضرب أولاهم كفه بكف التالي فيصافح التالي فالتالي وصولاً للآخر الذي تقدّم معلنًا:
- والآن، مضى الهزل وحان الجد، وقد أعددنا لكِ حفلة للختام ستعجبكِ جدًا.
اغرورقَتْ عيني من الفرحة، ولسان حالي يقول: "إبهروني!". حاولتُ التأكد من قيودي على سبيل الاستعداد لأية كارثة، لكن وضعها طمأنني أنها ثابتة.
تقدّم الأول وقد دسّ ساقي العنزة في حذاء طويل، وبنطال يحمل على جانبيه غمدًا لمسدسيْن مع قبعة تخفي عينيه، أمّا المسدسان فكانا في كلتا يديْه. انقبض قلبي وانكمشتُ، ولكن حين قرعَتْ الطبول، وشرع في رقصة ذكّرتني بالـ ’كاوبوي‘، أرخيتُ أعصابي واستمتعتُ لمجرد أنه لم يصوّب تجاهي، وكان ذلك حتى بدأ بالتصويب تجاهي: بوم! بوم! سقطتُ في المقعد، وسقط رأسي في الياقة لا أدري لأين! ثم نفخ في المسدّسيْن وغمز بعينه رافعًا القبّعة على سبيل التحية:
- أرجو ألاّ أكونُ قد قتلتكِ!
بحثتُ عن رأسي فأومأتُ له به، ثم رحتُ أديره لأتفقد موضع الطلقتيْن، فإذا بهما بظهر مقعدي غائرتيْن مثل العينيْن المفقوأتيْن!
تراجع إلى مكانه في الصف، فيما يتقدم التالي في تنورة مُلونَة قصيرة، فرقص حول قدر مغليّ رقصة الهنود الحمر، وقبل أن تنتهي الموسيقى أو آخذ حذري كان قد رفع القدر بقوّة هائلة وقذفني بالماء المغلي، تساقط عند قدمي فجذبتهما على الفور وقد سال جلد حذائي، وارتفع إصبعي الكبير معترضًا على تعرّيه. أسرع الشيطان بالاعتذار:
- آسف، أردتُ أن أرش مياه لتلطيف الجو..
أومأتُ بابتسامة مذعورة:
- لا عليكَ.
ثم سببتُ ـ في سرّي ـ والديْه. تقدم الثالث وقد دوّت موسيقى شعبية، فأخرج مطواتيْن من جيْب الجينز الذي يُظهر ملابسه الداخلية، وانسجم في رقصة حماسية، فقلتُ هذه هيّ. إحدى المطواتيْن في عيني والأخرى في الثانية، تحاشيتُ النظر إليه بقدر ما أستطيع، لكنّه أصر على أن يدخل مجال بصري حتى أني وجدته جالسًا في حِجْري، ولازالت يداه تتلويان بالمطواتيْن في إلتواءات أفعوانية. ثم رفع يديْه لأعلى يتبعهما بصره بينما يعزّم تعزيمات شيطانية، تمتمتُ بالشهادتيْن وتمنيتُ أن يكون أعمىً كي يخطئ التصويب من هذه المسافة القريبة، سقطَتْ يداه بالمطواتيْن تنغرسان بجانبي المقعد عوضًا عن جانبي عزّة، وقد أومأ وأخفض رأسه معتذرًا:
- سامحيني، لا أجيد التصويب، فأنا أحوَل كما ترين.
دققتُ النظر فإذا به أقرب شيء لما تمنيتُ أول مرة، فقلتُ يا ليتني تمنيتُ ثروة، أومأتُ وشيعته بلعناتي في سرّي وأعلنتُ جملة:
- لا بأس ولكن، فلتُفتِّح في المرة التالية!
نزل عن رجلي راجعًا فيما يتقدم آخر، إلى متى سنبقى في هذا الغم! أحصيتهم بعيني فإذا بهم يفوقون العَشَرة.
اكتسى الراقص الجديد بالجلباب الصعيدي ورقص بالعصا في حين تؤكد الموسيقى أن البنت بيضاء وأنه لا حيلة له في ذلك! أهز رأسي مع النغمات بابتسامة خفيفة بينما أنا مُقيّدَة من رأسي إلى قدميّ في حذاء مفتوح، مع حفنة شياطين موهوبين، ومسافرين ساديين، وزوج ديوث في قطار يسري مثل القدر فوق الرقاب لا شيء يوقفه ولو بقطع الرقاب، حقًا إن الإحساس بالعجز أمام بياض البنت لهو أمر قاهر!
لكن الرقصة تكون عاطفية حين يتشاركها اثنان، ورقصة التحطيب الحقيقية يلزمها اثنبْن، واحد يضرب والثاني يصد، أو واحد يَضرِب والثاني يُضرَب في صمت، أو واحد يضغط بالعصا عند العنق، والثاني يحشرج يغرغر لا يقدر على النطق، وحين انكسرَتْ العصا من موضع الضغط، ارتبك واعتذر وطلب السماح، لكنني كنت منشغلة بإلتقاط أنفاسي والسعال ومحاولة استعادة النطق. وإنني لأعجب من قدرتكم على طلب الغفران يا رفاق، أمّا الأعجب، فإنني أسامحكم، ليس ثأري معكم، وهذا إن دلّ فإنما يدل على أني أملك أكبر قلبًا بالكون!
وقف الراقص الجديد بالمايوه ضامًا ذراعيْه لأعلى على أطراف حافريّ العنزة، هذا باليه لا شكّ فيه، لكن مع وجود هذا المايوه، أقول بإنه باليه مائي. انسالت المياه تحاوطه في مربع صغير وكأنما بشكل رمزي، وتتبعه إذا مال أو قفز أو رقص البجعة. دعنا لا ننظر إلى نصف الكوب الفارغ، وهو أنني سأموت غرقى، فلننظر إلى نصفه الممتلئ، وهو أني لن أموت عطشى.
أنهى رقصته، ومال يحَيّيني بيد أمامه ويد خلف ظهره، لم أجد يدًا تصفّق، فنقرتُ بأظافري على مساند المقعد، ولكنه حين استقام أشار إلى مربع المياه لكي ينطلق باتجاهي، وقد أطاع، ولكن لصغر حجمه فلم يصل أبعد من كتفي، فأعلنتُ في رعونة:
- لم يصل لرأسي فضلاً عن عنقي، كنتَ بارعًا في الرقصة، ولكن أصحابك أدّوا أحسن منك في القَتْلَة.
قلتُها ثم زممتُ فمي، ليتني سمعتُ لأمي حين قالت: "فكّري قبل أن تتكلمي"، بدا على وجهه غضب طفوليّ، فيما بدا أنني أحرجته أمام زملائه، ولم يكن ليعترض لو أننا منفرديْن، بادرته بسرعة:
- آسفة، أمازحكَ، صدّقني، أمازحكَ، لقد كنتَ بارعًا في الرقصة وفي القَتْلَة.
ثم أشرأببتُ بعنقي على سبيل الاحتياط، وفي لحظة وجدته عند رأسي يدفعه إلى المربع أسفل مني، حتى لقد كدتُ ـ قبل أن أموت غرقًا ـ أن أموت بكسر الرقبة، فأدركتُ بأنه لم يقبل الإعتذار، وهو ما دفعني للمقاومة بإصرار، ليس لأني لا أحب الموت، ولكني لا أحب أن أموت وشيطان غاضب عليّ. ماذا أقول؟ أكبر قلب بالكوْن! استر نفسكَ يا عزيزي ألاّ تُصاب بالبرد!
وقبل أن تصعد آخر فقاعة من الهواء إلى السطح، أرخى قبضته، فأطللتُ برأسي أعبّ الهواء عبًّا وأسعل البحر، أدرتُ رأسي إلى زوجي أول شيء، لقد أشرفتُ على الهلاكِ بسببه بضع مرّة، وهو نائم كملاك يغط في النوم. من أين يأتي بضمير لهذا السِلْم، لابد أنه هو أكبر قلب بالكوْن!
يتبادل الشيطان مع رفاقه ضحكة، ثم يتحدث إليّ:
- لا تعتذري ولا أعتذر، فأنا أيضًا أمازحكِ.
أبتسم في عصبية:
- جيّد أن وضعنا حدًّا للإعتذارات، ولكن دعونا نضع حدًّا للمزاح كذلك، أميّ دائمًا كانت تقول لإخوتي: "لا تمزحوا بمدّ اليد"، لا داعي للمزاح الثقيل يا رفاق، أنتم مثل إخوتي!
ثم أليّن رقبتي التي تحجّرتْ بين الترقوتيْن، وأعدل رأسي الذي يجثم مثل همّ فوق كتفيّ! انسابت الموسيقى الصوفية إلى أذنيّ، وكأنما قد جاءت في وقتها بالضبط، تربّت على روحي وتزيح الهموم عن كتفي، وانطلق راقص التنورة يدور في الفضاء ويرتقي في أنشودة من العشق الإلهي، وليس أغرب شيطانًا يدّعي العشق الإلهي، فولي نعمته المشعوذ من قبله طالما تشدق بكونه شيْخًا!
لا يجب أن أتشتت بالشيطان أو الشيْخ، أريد أن أحصل على دقيقة من الراحة النفسية وحدي مع الرقصة الصوفية، حتى لو انتهت باختناق أنفاسي تحت طبقات التنورة الكثيفة، أرأيتَ، ها أنا أشتت نفسي ثانية!
ولكنه قد خالف ظنّي ولم يحاول بأي شكل أن يخنقني أو يجتث عنقي أو يقصف عمري، وهو الأمر الذي لم يشعرني بالراحة بالضبط! فكيْد الشيطان ليس ضحلاً إلى هذا الحد!
كل ما فعل أن اندمج أكثر بالرقصة، دار في تجلٍّ، رفع يديه في خشوع، ثم خلع إحدى تنوراته وكوّرها على هيئة رضيع يشاركه الرقصة، هزّ رأسه في انسجام، نما بكاء خفيض شتت انتباهه، علا البكاء حتى طغى على الموسيقى وبدّل مزاجه وقاطع الرقصة، لكن، من أين يصدر هذا البكاء؟ والأهم من ذلك: كيف أشعر أني أميّزه من بكاءات الأطفال؟!
هتفت:
- ابني!
يُتبع..


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-02-22, 03:41 PM   #5

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الجزء الخامس والأخير
كل ما فعل أن اندمج أكثر بالرقصة، دار في تجلٍّ، رفع يديه في خشوع، ثم خلع إحدى تنوراته وكوّرها على هيئة رضيع يشاركه الرقصة، هزّ رأسه في انسجام، نما بكاء خفيض شتت انتباهه، علا البكاء حتى طغى على الموسيقى وبدّل مزاجه وقاطع الرقصة، لكن، من أين يصدر هذا البكاء؟ والأهم من ذلك: كيف أشعر أني أميّزه من بكاءات الأطفال؟!
هتفت:
- ابني!
توقف الراقص عن الرقصة، وتوقفت الموسيقى فجأة، وفقط دوّى صراخ رضيعي فوق ذراع الشيطان، دع يدك عنه أيها المعلون، هدهدَه لثوانٍ، لم ينتج عنها سوى المزيد من الصراخ. هتفتُ بملء حلقي:
- ابني، هذا ابني، اعطني ابني، لا تلسمه بيدكَ يا أحقر الجان!
كانت هذه هي المرة الأولى التي علا فيها صوتي منذ تقييدي بهذه الحبال، وكنتُ قبلها أهمس أو أكتفي بالإيماءات، انتفض زوجي مستيقظًا، وما كان لسود القلوب من مسافري القطار أن يفوتوا هذه الفرصة، فانطلقوا متأففين ومعترضين ومقترحين ما هو أسود من قلوبهم العَفِنَة، وقبل أن يتمادوا في الاقتراحات أعلنتُ:
- حلم! يبدو أنني غفوتُ، وكلنا مُعرَّضون للأحلام، ولا تنكروا أني مهذبة منذ بداية الحفلة.
قلتُها بينما عيني تتبع الشيطان الذي استغل السِجال، وذوى ابني في ثوبه، وانطلق مبتعدًا حتى اختفى في الحمّام. وبسرعة انطلق الشيطان التالي يقفز قفزات بهلوانية ويعتلي حبلاً نُصب بمنتصف الحَلَبَة، يدوّر برتقالات الصيف بين يديه فتقع واحدة، بينما يوازن ـ فوق الحبل ـ ساقيّ العنزة، وكنتُ لأتابعه بشغف في ظروف أخرى، لولا أن انشغل جُلّ عقلي بابني الذي رأيته ـ بأمّ عينيّ ـ حيًّا. هتفتُ في الجمع الذي لا يزال يلغط بسيرتي:
- الحمّام، أريد الذهاب للحمّام بسرعة.
انشق القوم بين مؤيد ومعارض للفكرة، فألححتُ وكررتُ مائة مرة:
- أريد أن أذهب للحمام، من حقي أن أذهب للحمام، القانون يكفل الذهاب للحمام بسرعة، بسرعة، وإلاّ سأُغرِق الدنيا، أكرر، سأغرق الدنيا، ولا يلومن أحد نفسه على رائحة العَرَبة.
أتم لاعب السيرك فقرته في بؤس، ونزل يحيي جمهوره في إحباط، فجمهوره ’منحصر‘ بأمور أخرى. وبدلاً من أن يغضب لانشغال جمهوره، عليه أن يفرح ألّم يشاهد أحد فقرته الفاشلة. جاملته بهزّة رأس بينما لساني لا يزال يردد: "بسرعة"، فلكم أعرف ما قد يولّده الإحباط من إنفجار. أعلنتُ للمسافرين الذين لا يزالون يلوكون لحمي ميْتة:
- عندي اقتراح بمليون جنيهًا، يخلصّكم مني ويأمنكم شري ويضمن لكم رحلة هنيّة، احبسوني في الحمام لآخر الرحلة، احبسوني بسرعة، بسرعة.
مدّ الشيطان يده فطوى الحبل الكان ممتدًا، وحمله وتقدم نحوي، بينما أصدّه ممتنة:
- لا شكرًا، لديّ حبلاً خاصًا بي، لا أريد حبالاً أخرى!
لكن الوقت قد فات، وإذا بالحبل حول عنقي يتخذ مقاسه بالتمام، أحاول إلتقاط أنفاسي أو الكلام:
- حسنًا، لقد لعبنا بالحبل وكل شيء على ما يرام، يكفي وإلاّ ينقلب الهزل جدًا وتقع الفأس في الرأس، وأنت لا تريد هذا أيها الشيطان البهلوان.
أستدرك بسرعة:
- أقصد الفنّان! الفنّان!
قلتُ هذا وأكثر، فاشتد الخناق أكثر، حتى لقد صرختُ من بين الحشرجات:
- سأموت، هذه المرّة سأموت بجِدّ، ارخِ الحبل، ارخِ الحبل، ألا تمزح مثل رفاقك؟ ألستَ خفيف الظل مثلهم؟ لا تستعجل القتل، لا تكن أنانيًا يا رفيق، لم أرَ رقصات أصحابكَ بعد!
يجذب بعزم قوته حتى لأستشعر الحبل داخل عنقي وليس خارجه، وأرى بعيني الجاحظة اختلاجات عروقه النافرة بينما يستجمع قوته، أزوم من بين السكرات بكلمة أو اثنتين:
- الحمّام، بسرعة، بسرعة.
يستشعر الجمع الذي وقف يشاهدني ـ مِثل الفُرجَةـ أنها قد تكون آخر كلمة، يندفع أحدهم يفك قيودي من باب الرأفة، أو ربما خوفًا من العُقبى، يتخبط الرجل بالشيطان دون أن يراه يمنة ويسرة، ينزعج الشيطان ويستشيط غضبًا، فلا يبدو أسوأ مما كان عليه، يترك الحبل ويمضي في خيْبة، لابد أن هذا الشيطان البليد الذي كان يجلس بآخر الصف، ويُذنّبه المدرسون للحائط ويداه لأعلى.
سُحقًا لك أيها الغبيّ، أشك أن التعليمات جاءت أن يروّعني ولا يقتل، ولكن كيف وهو الأبله ألا يُبدِل الفِعلة، لقد أمتني بالكاد وأرهقتني الميْتة، وفي طريقي إلى الحمام أتحسس عنقي وأتمنى دُشًّا من الماء الساخن على سبيل المزحة.
أسير فيعلو الحفيف، أتوقف فيقف، ألتفتُ فلا أحد. أحني رأسي فإذا بالحبل أسفل منّي، يتمثل البله كألَّم يتبعني. أمعن النظر بثبات، يُمعِن النظر بعناد، وترتفع مقدمته في فحيح كمقدمة كوبرا، أقطع الطريق إلى الحمّام في خطوة، وأغلق الباب بدَفعة. يعلو الهمس ولا أرى أحدًا:
- جئتِ إلى الحمّام أي جئتِ بيتنا، لا مرحبًا بكِ ولا تتركيننا.
أعالج الباب فور سماعي العبارة فلا يستجيب، أجذبه أدفعه أهوي عليه بقبضتي تؤلمني، أشعر أن هذا هو الزمان والمكان المناسبيْن للبكاء، أبكي، يبكي، طفلي الرضيع يبكي، يصرخ، يزوم.. أصمت، أسترق السمع.. أتتبع مصدر الصوت الذي لا مصدر له، أدُور، أنحني، أتفحص حتى الضلفة، المرحاض، السلّة.. لا انكشف الأنين المكتوم ولا انقضى. يتسلل الحبل من عقب الباب، أشهق وألتصق بالحائط، لكنه لا يبالي، يزحف كألَّم يرني، وكأنه لم يأتِ من أجلي إلى هنا.. يتقدم مباشرة نحو الشبّاك، يتوقف، يتلفت وكأنما يُودّع الأحباء، ثم ينسل طرفه إلى الخارج، وطرفه الآخر بالأعلى.. تُشعل الفكرة رأسي فجأة، أهتف:
- ابني!
أندفع إلى الشبّاك فإذا برضيعي مُدلّىً بطرف الحبل، تغزوني المشاعر بالجُملة، مشاعر حارّة: ابني حيّ، وأنا على شفا قَتْلة.. وحيدي بناحية من الحبل وأنا بناحية الحبل الأخرى، رضيعي ضعيف، وأنا أضعف من نملة، ولكن ليس هذه المرة، أستجمع طاقتي وأجذب الحبل بقوّة:
- تشبّث، اصمد، ماما هنا، ماما هنا...
يعلو أنين الطفل الذي لا ذنب له، إلاّ أنا. أثبّت قبضتي على الحبل وأجذب بسرعة، ولكنّه وكلما جذبته أكثر، تدلّى أكثر، حتى ليكاد يقع تحت القطار، أدعه رغمًا عنّي، قلبي لا يطاوعني، لكنني مُضطرّة، وإن كانت الأمور تعمل بالعكس، فسأعكس المحاولة، أرخي الحبل رويدًا للأسفل، هكذا الأمور تعمل، يرتفع الطفل رويدًا لأعلى، أبتسم وعيني تدمع، أرخيه أكثر، فأكثر، لكنّ الذي ارتخى من الحبل وجد عملاً أفضل، إلتف حول عنق الرضيع راسمًا عُقدة.. أجذبه فيتدلى، أرخيه فينعقد على عنقه! يعلو صراخ الطفل، وأبكي بنحيب مرتفع!
جرى الحبل من بين يديّ بسرعة لم أتمالكه، عقد العقدة وهوى إلى الأسفل، اختفى عن عيني ابني وقطعة مني، وتلطخ القطار بلحمي ودمي، صرخت صرخات صعقتني وزلزتني، واندفعتُ بنصف جسدي من الشبّاك أنظر. لكن صوتًا أرجعني، صوتًا صعقني وزلزني بأكثر من صوتي:
- جئتِ إلى الحمام أي جئتِ بيتنا، لا مرحبًا بكِ ولا ترحلين عنّا.
منحتِنا قطعةً منكِ قربانًا لنا، لا قبِلنا قربانكِ ولا تأخذيه منَا.
صرختِ في بيتنا أي استدعيتنا، لا لبيناك ولا كُفيتِ شرّنا.
وامتلأ الحمّام بكيانات حقيقية، دعكَ من سابق الشياطين الهزلية، هؤلاء قادة عالم سفلية.. أنا كنتُ هشّة، ومنظرهم كان مرعبًا..
لا أرغب بالنظر إليهم، وبالنظر إلى ابني أرغب..
بحثتُ بعيني عن ابني خارج الشبّاك، بحثتُ بنصف جسدي الأعلى، ثم بكامل جسدي أسفل القطار الدامي.
~
انتظرَ مدحت حتى أتممتُ حديثي وسأل:
- وهنا إذًا....؟
رفعتُ عيني إليه وزممتُ شفاهي في ضيق:
- أجل.
- ومنذ ذلك الحين وأنتِ.........؟
أنتظر أن يكمل سؤاله لكنه لا يفعل، فأقول ثائرة:
- وأنا ماذا؟ لماذا لا تكمل أسئلتكَ عوضًا عن أن تتركني أستنتج؟
- مهلاً، أنا فقط أحاول أن أراعي مشاعرك. ربما تتحسسين للكلمة.
- أبدًا، ميتْة، أنا ميتْة، هل أُخرِج لك شهادة وفاتي؟
- وأين تعلقينها يا حسرة؟
ألملم أطراف ثوبي، وأهمّ مغادرةً بينما أقول:
- أتدري.. كانت سهرة جيدة ولكن ـ ياللخسارة ـ انتهت السهرة.
يقول متباسطًا:
- انتطري، أنا أمزح معكِ، تقبلين مزاحًا من الشياطين ولا تقبلين من بني الآدميين! اخبريني ماذا حدث بعدها؟
- لا شيء، ها أنا إلى جوارك هنا.. أخرج على خط الصعيد في انتظار ما لا يجيئ، في انتظار أن يصعد مرة، مهما تأخر، فمصيره أن يصعد مرة، وحينها سأكون جاهزة.
- ما الذي ستفعلينه معه؟
أشيح بوجهي عنه:
- سئمتُ أسئلتكَ الساذجة.
- فما ذنب هؤلاء الذين تخلصتِ منهم؟ أعتقد أن هذا سؤالاً ألمعيًّا.
أهزّ رأسي في لا مبالاة:
- أتسلى، أجد لنفسي شَغْلة.. فالأشباح ـ كالأحياء على المعاش ـ تتحول شغلتهم بدوام كامل إلى تنغيص حياة الآخرين. وإن واحدًا من المسافرين لم يتحلَّ بالرحمة، فلربما تُصادِف قَتْلتي واحدًا كان يستحقها!
ينفي برأسه في أسف:
- ليست الإجابة المُثلى، أنا سمعتكِ طويلاً وعليكِ أن تسمعيني مرّة.
يميل بجسده تجاهي ويوليني اهتمامه مضيفًا:
- أنتِ طلبتِ مني، والطلب عهد، وها أنا أوفِّ مهما تطلب الأمر، أصدّقكِ، لا أبلغ عنكِ، لا أُسلِمك، وأحدّثكِ من القلب إلى القلب..
أنتِ تمرين بكرب ما بعد الصدمة، إنه يصيب الذين تعرضوا لتجربة هددت حياتهم وأوشكتهم على الموت، فكيف بالذين ماتوا بالفعل!
أنا أشعر بكِ، أشعر بقدر الذعر، قدر التضحية والغدر، قدر العذاب لحبيبة وزوجة وأم، ولكنكِ بخير، أنتِ الآن أفضل من ذي قبل. لن يستطيع أحد أن يؤذيكِ بأكثر مما وقع بالفعل، كل الآلام أصبحت من الماضي، لقد تخطيتِ عتبة أكبر خوف بحياة الكل، وهو الموت، ووجدتِ بأنكِ سلمتِ من الضُّر، بل ولكِ اليد العليا بالأمر.
وكما طلبتِ فأنا أطلب منكِ والطلب عهد، أن تنسيه وتتابعي حياتكِ بسلامٍ في العالم الآخر، ولاشك أنه أجمل من الحاضر، ولربما يعدّونكِ شهيدة هنالك.
أنفي برأسي في أسى:
- أوَلا تظن أنني تمنيتُ؟
تمنيتُ لو كان قلبه أحنّ على وجعي قليلاً،
تمنيتُ لو كانت مروءته أحمى على عِرضي قليلاً،
تمنيتُ لو لم يقتل ابنه ويقتلني قليلاً،
أما والأمر كذلك،
فما تفعلُ الأمنياتُ في كل ذلك؟!
لقد اضطررتُ إلى الثأر.
يصححني:
- ليس من إضطرار هنالك، إنه اختياركِ، ولو أخطأتِ الاختيار مرة فليس من الحكمة أن تُعيدي الكرّة. لا تلوّثي الأُخرى كما لوّثتِ ـ في الأولى ـ حياتكِ، إنه يمنع انتقالكِ، يعوق انسجامكِ، ولن تكون سعادتكِ بانتقامكِ، ولا بقتل الأبرياء كذلك، ولكن بإرتقائك، بحب نفسكِ ومسامحة الحقد والسمو فوق آلامكِ.
أتملى في قسامة ملامحه، وطريقته في صوْغ الكلمة، وأقول:
- اسمع، لقد بدأتُ أميل لك، نظراتك الطيبة، وعباراتك الحنون، وخوفكَ عليّ...
يقاطعني بتلقائية:
- عاديّ، عاديّ، تعلق المريضة بطبيبها النفسيّ أمر عاديّ، ولكن..
أقاطعه بسرعة:
- ما رأيك أن أقتلكَ ونبقى معًا على خط الصعيد للأبد؟
ينتبه ويتفحص للحظة بوجهي، ثم يقول بصوت مرتجف:
- لا أعتقد أن هذا حلاً مطروحًا أو واردًا.
- لا بأس، لا ضغينة هنالك، ولكن كان ولابد أن أطرح الفكرة كي لا أندم على فوات ذلك.
ينفض عن رأسه ترهاتي ويقول:
- لا توجد حياة بدون ألم، كل منّا عنده الجرح الخاص به، وكل منّا يحيا بهامش من الوجع، يصاحبه مثل مرض مزمن كصديق مخلص لا يتخيل الحياة من دونه، وكلما تذكرتِ جُرحكِ الذي كان زوجكِ، تذكري أنكِ كنتِ الأفضل، وأنكِ عفوتِ مع مقدرتكِ على النيْل منه. وبرأيي المتواضع، هذا هو السبيل الوحيد للخروج الآمن من دوّامة الإنتقام التي يقع بها أصحاب الميتات الشنيعة أمثالك..
ثم ينتبه إلى أنه لا يتحدث كلامًا علميًا، فيستدرك:
- هذا إذا افترضنا ذلك.
أحني رأسي في أسف، فيرفع ذقني بأنامله:
- هل اتفقنا؟
- على ماذا؟
- أن تعاهديني على ألا تقتلي أحدًا بعد الآن، وتذهبي فتعيشي حياتكِ الحلوة العليا بعيدًا عن هذه الدنيا السُفلى؟
- قبل أن أعاهدكَ، هل أنتَ متأكد أنكَ لا تريديني أن أقتلك فنبقى معًا على خط الصعيد للأبد؟
يومئ باسمًا:
- متأكد.
أميل برأسي مستسلمة:
- أعلم ذلك، ولكن كان يجب أن أسأل كي لا أندم على فوات ذلك.
يُسبّل عينيْه، مكررًا:
- أتعاهديني؟
فقط لو لا يُسبّل عينيْه هكذا.. أماطل بصعوبة:
- قبل أن أعاهدكَ...
يرجع برأسه منزعجًا:
- ماذا أيضًا؟
- هناك شخص كنتُ عاهدته أيضًا، ويجب أن أوفِّ بعهدي...
- ومن هو؟
- الفتى الأرعن بالبوفيه، عاهدته أن أردّ خدماته، وسيستغرق الأمر دقيقة لا أكثر.
يبتسم لا مباليًا، ويتناول أناملي بين أنامله، ويسأل:
- وهل يوجد امرأة حسناء تجاري بعقلها عقل فتىً أرعن؟
تسري الكهرباء من يده إلى يدي مع الضغطة، وما حيلتي حيال جلسة العلاج بالكهرباء، أقول على استحياء:
- وأين هي المرأة الحسناء؟
- هي أمامي، فقط لو عاهدتِني..
لم يعد من بُدٍّ من المقاومة، أقول كالمُنوَّمة:
- أعاهدكَ.
- المحطة التالية على بُعد دقيقة..
يقيمني، يُلبِسني النظارة الشمسية، يضم المعطف على جسدي، ويعلّق على كتفي حقيبتي قائلاً:
- أريدكِ أن تشعري بالحماسة، أنتِ أتممتِ اختباراتكِ وحصلتِ على الإجازة، امرحي في العطلة، اطلعي في رحلة، تمايلي في خِفّة.. وحين ألقاكِ ـ بعد عمر طويل ـ في العالم الآخر، أراكِ وقد صاحَبَتكِ السعادة.
يمدّ يده مودّعًا، ألتقط يده متسائلة:
- أمتأكد أنكَ.....
يومئ بشكل حاسم:
- واثق.
يتوقف القطار، أتقدم نحو الباب محاولةً عدم الإلتفات للوراء، لا أحبّ لحظات الوداع، ولكن عنقي يخونني على الباب، يلتوي للخلف مختطفةً نظرة أخيرة إلى مُنقذِي الحالم، وبرغم الفراق، يغمرني إحساس بالسَكِينة.. أرفع يدي ملوّحةً فيبادلني التلويح، وقبل أن أدير رأسي أجد أني اصطدمتُ بمسافر صاعد.
أسترق من تحت نظّارتي نظري،0 ترفُّ عيني، يصعد الدم إلى رأسي، ها قد وصلَ أخيرًا زوجي!
تجمدتُ مكاني لحظة، عمل عقلي بسرعة:
عاهدته، بلى، عاهدته.
قتلني، وأنا سامحته.
عاهدته، ظالم عهده.
قتلني، وما سامحته،
عاهدته، بلى، ونقضته.
قتلني، وأنا قتلته.
أفيق على صوته:
- أتسمحين؟
- عفوًا؟
- إنكِ تعوقين صعودي.
أبادره قبل أن يسبقني بها:
- عذرًا، أشعر كأني أعرفكَ.
يملّس شاربه الجميل متأملاً:
- غريبة! وأنا عندي نفس الشعور..
- فلماذا لا نتعرف منذ البدء؟ لقد خرجتُ لتدخين سيجارة لا أكثر.
- وأين تجلسين إذًا؟
- في أي عربة غير هذه.
يتعجب:
- أيّ عربة!
- لا تعوّل على الأمر، أي مقعدان بعيدانِ سيفيانِ بالغرض.
أشبك ذراعي بذراعه وأخترق القطار، يخطو جواري بفخر، أسأله على سبيل إذابة الثلج:
- وهل أنت متزوج؟
- يا ليْت!
- إذًا أنتَ تثمّن الزواج..
- جدًا! ما أجمل دفء الأسرة، ودلال الزوجة، وتنطيط الأولاد!
- بالتأكيد، بالتأكيد، وهل ستخبرني عن ذاك؟
يسألني بزهو:
- وأنتِ، ما سبب مرافقتكِ لي؟
- والله لو تسألني عن سبب إعجابي بكَ، أقول: سَفَه بنات! ولو تسألني عن سبب قبضي عليْكَ، أقول لكَ: ستعلم.
(تمت)
~


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:42 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.