آخر 10 مشاركات
236-واحة القلب -جيسيكا هارت -عبير مكتبة مدبولي (الكاتـب : Just Faith - )           »          1-لمن يسهر القمر؟-آن هامبسون -كنوز أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          الضحية البريئة (24) للكاتبة: Abby Green *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          هل يصفح القلب؟-قلوب شرقية(33)-[حصرياً]للكاتبة:: Asma Ahmed(كاملة)*مميزة* (الكاتـب : Asmaa Ahmad - )           »          ستظل .. عذرائي الأخيرة / للكاتبة ياسمين عادل ، مصرية (الكاتـب : لامارا - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          إلى مغتصبي...بعد التحية! *مميزة ومكتملة *(2) .. سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          [تحميل]رواية قل متى ستحبني؟!!/ للكاتبة شيماءمحمد ShiMoOo، مصرية (الكاتـب : Just Faith - )           »          16- انت وحدك - ناتالى فوكس . حصريا" (الكاتـب : فرح - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree12256Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-07-22, 07:38 PM   #451

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile21 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الخامسة عشرة: القسم الأول





الدفتر الثاني
(مهلا بالأذى لو كنت عاشقا)


عزيزي القارئ، هل اكتملت لديك الصورة بعد انتهائك من مطالعة الدفتر الأول؟ هل علمت حقيقة كل ما حدث قبلا، فتسبب بهذا الخواء بأرواح معذبة ونفوس هشة؟
لا أظن أنك تعرف كل شيء بعد..
فهناك أشياء لم تُروى بعد، والراوي في جعبته الكثير.. فأبطالنا حاولوا اتقان فن الخداع، والعمل على إخفاء أخطاء فادحة وحماقات صادمة وخسارات موجعة..
مثل سطر محذوف، لا يُفهم النص بدونه.. مثل رمز مطموس، لا تُفك الشفرة بدونه.. مثل قطعة بازل مفقودة، بغيابها لا يمكن أن يُحل اللغز .. أو كمثل صورة كاملة، اختفت بعض تفاصيلها فأصبح التاريخ محرفا..
لكن تحريا للإنصاف، سنزيح الغطاء عما كان، لربما نمهد معا طريقا لما سيكون، ونساعد سُكان دفاتر العشق في التسلق من غياهب الخسران إلى غيمات البهجة بألوان الربيع الزاهية بالفرح بعد ترتيب قصاصاتهم المبعثرة حتى لا يغادرنا الهوى ويستوطن محله الجوى..
عزيزي القارئ، هذا هو ما ينتظرك بين جنبات هذا الدفتر، إذ كان لزاما علينا أن نبحر في رحلة إلى الماضي، فنستعيد الذكرى لتتضح الحقيقة..
فالراوي لن يكون منصفا ما لم يعرض كل ما في جعبته من خبايا وأسرار، ليأخذ كل ذي حق حقه..

ماذا تريد من الحب؟
أن تكتمل.. أم تتملك؟
لو كنت عاشقا، لا تكن أنانيا، بل كن صبورا..
لو كنت عاشقا، لا تكن ظالما، بل كن سخيا..
وفي لحظة الخلاف، لا تمزق صفحات الهوى، فتخلف وراءك ندبة بشعة لا تندمل..
أيها البحر، لا تدفن أمواج العشق تحت رمال شطآن قلبك القاسية، ولا تجبرها على مغادرة ضفافك..
يا عنيدا مجافيا، لا تدفع شادن صغيرة بصلف وجفاء لتموت كمدا وتحرق جنان قلبها الخضراء..
أيها العاشق الحائر، لا تتردد فتجني على حب خالد ليستحيل لمحض ذكرى، فتختبر التيه بحثا عن ظلال عشق أفلت من بين أصابعك..
يا مغامرا شديد الاعتداد، لا تفقد شذى وردتك فتودع المرح ما تبقى من حياتك و لا تحرم زهور الغرام من أريج يمنحها الحياة.. واحذر كيلا ينضب عذب الهوى ، ويخبو هدير العشق بوتين القلب، فينبض بإحباط ترنيمة لهيفة، كئيبة الإيقاع ومغتمة النغمات..
تذكّر أن كل لحظة هوى تضحي بها، لن تعوضها مائة تنهيدة وجع ولا ألف صرخة أنين يكتمها صدرك فيصرخها الناي الحزين..
مهلا بالأذى لو كنت عاشقا..!




القصاصة الخامسة عشر
(قبل الطوفان)



متوترة، قلقة، مشوبة بالقلق.. هكذاالبدايات..
الحذر والحرص يكونان هما أوفى رفيقين لك خوفا من المخاطرة عند كل بداية.. والتفكير المستمر في الخسائر المتوقعة يقوض فرحة الإنجاز الوشيك..
لكن الحياة، ما هي إلا كتاب ضخم يحوي آلاف الصفحات، كل صفحة تمثل يوما من حياتنا.. نضع بها بضع قصاصات لأهم ما جرى به..
نلون قصاصات الفرح بحماس وسعادة، ونغلف قصاصات الحزن والخذلان بأٌطر رمادية أو شرائط سوداء بمرارة الحداد..
في النهاية، تتأرجح صفحات حياتنا بين تلك القصاصات، فتلخص تاريخنا كلنا لمن يهتم بمطالعتها..
وقبل أن يبتلعنا طوفان الحياة بجبروته، علينا أن نملأ صفحات حياتنا بقصاصات الفرح لتكون ذخيرتنا في الأيام العجاف..




سبعون يوما قضاها بعيدا عن أسرته..
كم يشتاق إلى الجميع.. يوبخ نفسه كثيرا لأنه لم يتمكن من حضور ولادة زوجته لابنتهما التي كان يتوق إلى تقبيل وجنتها وتشمم شذاها لأول مرة عندما تخرج لنور العالم.. لكن ماذا عساه يفعل وقد كانت تفصل بينه وبينهما بحار ومحيطات؟..
فقد انشغل القبطان عبد الجليل الحلواني بقيادة باخرته التجارية في المحيط الهادي على حافة الشواطئ الأسترالية، تمهيدا لنقل البضائع المشحونة إلى القارة البعيدة من مصانع الإنتاج في وسط وجنوب آسيا..
كان عمله يفرض عليه أن يغيب أغلب شهور السنة في رحلات طويلة ومرهقة، ثم يعود لوطنه في عطلة طويلة يذيب فيها شوقه لأسرته الصغيرة..
زوجته لطيفة كانت تعتني جيدا بالمنزل في غيابه، فتربية ولديهما نادر الذي يبلغ من العمر اثني عشر سنة، ونبيل صاحب الثمانية أعوام، كانت ملقاة على عاتقها تماما في ظل غيابه شبه الدائم..
وهو يشتاق للجميع.. كان تفكيره منشغلا طوال الأيام الماضية باقتراب موعد وضع طفلته، يريد أن يطمئن عليها.. بل كان يرجو أن تتأخر ولادتها لبضعة أيام حتى يصل لأرض الوطن بسلام ويرافقها..
لكنه لم يكن محظوظا هذه المرة، إذ تلقى صباح اليوم مكالمة قصيرة من شقيقه عبد المنصف يخبره أن زوجته قد وضعت منذ عدة ساعات ابنتهما الصغرى..
كان يظن أنه سيكون في القاهرة قبل موعد الولادة بأيام وفقا لحساباته، لكن النزقة الصغيرة أبت الانتظار وقررت الخروج للدنيا قبل عودته إلى الوطن واستقبالها بنفسه..
مازال أمامه يومان حتى يصل لميناء السويس، وبعدها يعود إلى القاهرة في رحلة قصيرة بالسيارة، تطوع عدنان الديب صديق العائلة والذي تربطه به صلة قرابة بعيدة بترتيبها، حيث أصرت زوجته السيدة فاطمة على السفر للقاهرة لتهئنة زوجته، وكذلك زيارة شقيقتيها فايزة وفريال اللتين تقيمان في القاهرة مع زوجيهما وبناتهما..
زوجته تشكو كثيرا من غيابه الذي يطول لبضعة أشهر في كل مرة، رغم أنه قد أطلعها على تفاصيل عمله قبل الزواج، ووقتها أخبرته أنها لا تمانع ذلك، لكن يبدو أنها قد تعبت بعد مرور كل تلك السنوات وهي تتولى بالكامل مسئولية الأسرة..
يعلم أنها تتحمل عبئا كبيرا بمفردها، وتسد مكانه بقوة وعزم يجعلان تقديره لها مضاعفا، وحبه لها لا يتزعزع.. لكن الأمر أثر كثيرا على شخصيتها التي تغيرت رويدا رويدا بمرور الوقت، فأصبحت صارمة جادة عملية، وتنحت العاطفة والرقة بوجدانها إلى مراتب دنيا..
لكنه لن يشكو، يكفي أنها تحمي عائلته وتصون اسمه في غيابه.. لن يجد امرأة مثلها برغم أنه قد لف العالم بأكلمه..
فقط يتمنى لو استحضرت اللطف في شخصيتها كما نصيبه كبير باسمها..
أما ابنته، قطعة الحلوى التي ستبهج حياته وتضيئها، فقد اختار لها اسمها بالفعل (شادِن).. تيمنا باسم والدته..
ليس حرصا منه على إرضاء والدته – وإن كان لا يرى عيبا في ذلك – لكنه يحب هذا الاسم المميز الذي يحمل معاني جميلة على الرغم من كونه غير شائع، ويتمنى أن تكبر ابنته متميزة كاسمها وتتحلى بأوصافه..
فـــــ شادن تعني (رؤية الفرح)، ويُطلق أيضا على صغير الغزال.. وهو كــأب، لا يرجو سوى أن تعانق نبتة قلبه السرور والسعادة طوال حياتها، وأن تركض من مغامرة لمغامرة وتختبر كل بهجة يمكن أن تقدمها لها الحياة.. وأن تمتلك عينين واسعتين، تكونان نافذتين لها على العالم وعلى قلوب الناس، فتعرف الطيب من الخبيث وتحمي نفسها من أصحاب النفوس المريضة والحاقدين والحاسدين..
سيدللها كثيرا، ولن يسمح لشقيقيها أن يحولاها لنسخة جافة تتصرف بجلافة وحدة مثلهما.. سيحرص على أن تتنعم بكونها فتاة، وتعيش كل مرحلة من حياتها كما يجب وأن ترتشف من كأس الأحلام حتى الارتواء، وسيكون إلى جانبها طوال الطريق يشجعها حين تنجح، ويحميها من السقوط، وإن تعثرت.. يسندها..


يتبــــــــــــــــــــــ ـــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-07-22, 07:41 PM   #452

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الخامسة عشرة: القسم الثاني

(أمورتي الحلوة بقت طعمة، بقت طعمة ولها سحر جديد
لها خفة روح لما بتضحك بتروح لبعيد
معذورة يا ناس لو خبيتها من العيد للعيد
لو شوفتوا جمالها هتحتاروا
البيض والسمر هيدارو
والحب هتحصل فيه أزمة وتسعيرته بتزيد)


كانت فايزة تداعب ابنتها أمواج التي شارفت على بلوغ العامين من عمرها، وتدللها بغنائها بأمومة صادقة، بعد أن تنحت بها إلى أريكة ثنائية صغيرة تستند إلى جدار أحد أركان غرفة نوم سلفتها لطيفة التي عادت للتو من المستشفى إلى بيتها بعد أن وضعت ابنتها الثالثة بعد عملية ولادة مرهقة..
قاطع غناء فايزة صوت سلفتها لطيفة التي رغم إجهادها الشديد لم تتخلص بعد من ميلها للتهكم، فقالت بنبرة ضعيفة: "أما زلتِ تدللينها حتى بعد أن أتمت عامين من عمرها؟ ألم تكبر على تلك المعاملة؟"
ردت فايزة تعارضها: "وأدللها لآخر العمر.. ليس أغلى منها أحد لقلبي"..
مطت لطيفة شفتيها، ثم قالت بتعب: "أظن أن التدليل الزائد يفسد الأطفال.. أنسب طريقة للتربية هي فرض القواعد وجعلهم يلتزمون بها.. مبدأ الثواب والعقاب يجعل تنشئة الأطفال عملية منظمة وفعالة.. وهذا ما أفعله مع الصبيين نادر ونبيل"..
عارضتها فايزة من جديد، حين هتفت: "الصرامة لا تخلق شخصية للطفل.. بل تجعله مطيعا كالروبوت.. غير قادر على التصرف بمفرده خارج حزمة القواعد المفروضة عليه.. كما أن ابنتي عمرها عامين فقط.. ما الذي يمكن أن يفسدها بأغنية أطفال وبضع تربيتات ودغدغات؟"..
وتأكيدا على كلامها، قرّبت فايزة وجهها من ابنتها وأخذت تدغدغها بأنفها وشفتيها بعفوية تبهج القلب، خاصة مع تجاوب صغيرتها بإطلاقها الضحكات العميقة الرنانة..
ناظرت لطيفة طفلتها الوليدة التي كانت ترقد إلى جوارها كدمية صغيرة في لفة ضخمة من الأقمشة، ثم همست بتعب: "أنا آسفة.. فقط أشعر بالقلق والتوتر.. لا أعرف كيف سأتحمل مسئولية تربية ورعاية طفلة ثالثة بمفردي.. لقد تعبت كثيرا في تنشئة الصبيين، وإن كان نادر أهدأ من نبيل نوعا ما، لكنهما كثيرا الركض وطاقتهما لا تهدأ أبدأ.. هذه الصغيرة جاءت كخطأ غير مخطط له.. كنت أظن أن وسيلة منع الحمل طويلة المدى ستكون فعالة.. لكنني فوجئت بحملي بها"..
مجفلة من وصف لطيفة لوليدتها بأنها (خطأ غير مخطط له)، تنهدت فايزة ثم تحركت تنزل صغيرتها أمواج - المميزة شكلا واسما - إلى أرضية الغرفة لتزحف وتتقلب عليها، ثم ناظرت لطيفة، وقالت بنبرة متعاطفة: "أعرف أن الأمر قد يكون مرهقا.. يعلم الله أن رعاية أمواج كانت عبئا كبيرا خاصة مع انشغالي في عملي، لكن شقيقتيّ فريال وفاطمة كانتا تساعدان أحيانا.. حتى أمي كانت تساعد في بعض الوقت رغم كبر عمرها.. وأنتِ أيضا لم تقصري في مساعدتي بخبرتك ونصائحكِ.. لذا أخبرك أن السنوات ستمر سريعا"..
أرجعت لطيفة ظهرها لتستند على مسند سريرها، ثم همست: "تعبت كثيرا.. عبد الجليل غائب طوال الوقت.. أشعر أنني قد كبرت على مجهود رعاية طفلة رضيعة"..
نهضت فايزة من جلستها، وتحركت صوب السرير لتجلس على طرفه، وتمسك يد سلفتها، وتقول: "ما رأيك أن تحضري مربية تساعدك على تربيتها.. أو حتى عاملة منزلية للتنظيف والطهي وأنت تتفرغين لتربية الأطفال"..
ردت لطيفة ممانعة: "لا أريد أن أدخل نسوة البيت والأولاد أشرفوا على سن المراهقة.. تعلمين أن هذا العمر حساس"..
لم يعجب فايزة كلام لطيفة، كونها تعرف أن السبب الحقيقي لمعارضتها هو حبها للسيطرة التامة، لذا قالت: "أنتِ تبالغين في تقدير الأمور.. نبيل طفل صغير، ونادر قد دخل لتوه عمره المراهقة.. ولن يصل لسن البلوغ قبل بضع سنوات على الأقل.. لذا هو يعد طفلا أيضا.. والمربية ستساعدك لعامين فقط، وبعدها تكملين أنتِ رعاية الطفلة"..
شردت لطيفة قليلا، ثم قالت بعد عدة دقائق: "سأفكر في الأمر وأستشير عبد الجليل أيضا"..
هتفت فايزة بحماس مغيرة الموضوع: "فاطمة ستحضر مع زوجها عدنان لزيارتك وتهنئتك.. لقد أصرت عليه لكي تقنعه بالسفر معه للقاهرة وستقضي لديّ هنا عدة أيام قبل أن يرجع لإعادتها للسويس مرة أخرى"..
باهتمام سألتها لطيفة: "هل من المناسب السفر لها الآن؟، لقد أنجبت طفلها منذ ما يقل عن شهرين"..
قالت فايزة: "الجو حاليا لطيف، والرحلة لن تكون مرهقة لهما.. يمكن لفاطمة وبحر النوم في السيارة بينما ينشغل عدنان بالقيادة والحديث مع سيادة القبطان.. أختي تشعر بالوحدة لأنها تعيش في مدينة أخرى، وتريد أن تحتفل بقدوم بحر بشكل أكبر بيننا.. تعتبره عوضا من الله بعد ولادتها لطفلها الأول فاقدا للروح لا يتنفس ولا ينبض قلبه"..
علقت لطيفة بتعاطف: "بصراحة أختك فاطمة إنسانة صبورة ومؤمنة.. لقد تقبلت الأمر بنفس راضية وعوضها الله بعد أقل من عامين"..
ابتسمت فايزة بشجن وقالت: "كانت تخبرني دائما خلال حملها الأول أنها ستنجب ولدا لكي يتزوج ابنتي بعد أن سبقته بالميلاد بأسبوعين، ولكن بعد أن ولدته ساكنا بلا حياة، استعوضت أمرها لله حتى منحها العوض الجميل"..
ضحكت فايزة بتسلٍ قبل أن تكمل: "والآن تخبرني أنها لا تزال عند وعدها.. وأنها ستزوج بحر لأمواج"..


يتبـــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-07-22, 07:43 PM   #453

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الخامسة عشرة: القسم الثالث

بعد أيام قليلة، امتلأ منزل عبد الجليل الحلواني بالأقارب والمعارف احتفالا بمرور أسبوع على مولد الصغيرة شادن، في طقس مصري مميز يتوارثه الأجيال على مر السنين..
كانت فايزة قد طلبت من شقيقتها الكبرى فريال إحضار طفلتيها مرح صاحبة الخمسة أعوام وشذى التي تصغرها بعام ونصف تقريبا، وذلك للاستمتاع بأجواء الاحتفال، وكذلك اللعب مع أمواج ومقابلة الصغير بحر ابن خالتهما فاطمة التي تقطن في مدينة السويس ولا يتسنى لهن زيارتها بشكل دائم..
جلست فايزة بين فاطمة وفريال، وأخذت تبادلهما الحديث بحب، وبدا واضحا أن اشتياقها للاجتماع بهما لم يخمد بعد رغم أن فاطمة وصغيرها يحتلان غرفة الضيوف ببيتها منذ خمسة أيام تقريبا..
كانت فريال تحمل بحر وتهدهده قليلا كي يغيب في النوم حتى تضعه بالغرفة الداخلية قبل أن يبدأ صخب الاحتفال بــ فقرات (السبوع) وفقا للطقوس المصرية.. أما فاطمة، فقد كانت تحمل بين أحضانها أمواج التي لم تجد فتاة يتناسب اسمها مع هيئتها وملامحها.. مثلها..
بعمر الشهرين، كانت عبارة عن دمية صغيرة بشعر مموج تتناثر خصلاته حول عينيها وجبينها، أما عيناها، فكان الضوء يشاغبهما بأشعته البراقة، فتغلق أجفانها قليلا قبل أن تعطي لمن يناظرها لمحة صغيرة عن جمال المجرّتين الساكنتين في مقلتيها بدرجات متباينة من الأزرق..
تبدو بكليتها كمخلوقة صغيرة خرجت من عالم الأساطير لتخطف قلوب الناظرين..
تمتمت فاطمة ببعض الأدعية للمولودة، ثم رددت المعوذتين لحمايتها من الحسد، قبل أن تقول مداعبة بصوت مرتفع قليلا كي يصل لأختها الكبرى، قاصدة أن تغيظها: "مرحبا يا ذات الاسم الغريب والعيون الأغرب.. أحب شعرك ورائحتك.. لقد أنجبت لك بحرا ليكون حاميا وحارسا.. سيتوه في عينيك الساحرتين اللتين ستفقدانه عقله.. سأجعله يصبح مهندسا للتعدين مثل والده.. وتعيشان معنا بالسويس.. ما رأيكِ؟؟"..
رفعت فاطمة وجه الطفلة قرب شفتيها لتلثم وجنتيها عدة مرات قبل أن تهمس لها بصوت خفيض بعيدا عن مسامع أختيها: "لا يمكنني أن أشكو من غرابة اسمك بعد الآن يا قلب خالتكِ أنتِ.. لقد أسميته تيمنا بكِ، وبالتالي لن يمكنك الرفض حين تكبرين.. ولا تتعللي بأنك تكبرينه بعامين.. سأتأكد من أن أربيه ليكون رجلا كاملا حتى يملأ عينيكِ.. أظن أنك ستكبرين ذات شخصية قوية كوالدتكِ.. لذا سأضع الأمر في اعتباري منذ الآن.. فقط لا تسمحي لأحد آخر أن يدخل قلبك حتى يصبح هو مستعدا لك.. فتملكينه للأبد"..
اقتربت فايزة من أختها، وسألتها بدهشة: "ماذا تهمسين في أذنيّ ابنتي يا (بطوط)؟"..
ابتسمت أختها وقالت: "كنت أسألها عن سر غرابة لون عينيها يا (وزة).. لا أفهم إن كان رماديا أم أزرق أم أخضر.. بصراحة يحيرني الأمر في كل مرة أنظر إليها"..
قالت فايزة بابتسامة مرحة: "عيناها عبارة عن حلقات متماوجة الألوان بدرجات الأزرق حين يقع عليهما الضوء، ويصبح بدرجات باهتة للأزرق وأقرب للفضي والرمادي بعيدا عن الضوء.. هل لاحظتِ أن كلتيّ العينين غير متطابقتي اللون؟ ناهيك عن تغير اللون حسب الإضاءة.. لهذا أسميتها أمواج.. لأن عينيها تحاكيان تماما انعكاس أشعة الشمس على الأمواج في مختلف فترات النهار فيتبدل لونها بين الأزرق والفضي والأخضر"..
رددت فاطمة: "ما شاء الله.. لا قوة إلا بالله.. تبارك الله أحسن الخالقين.. حفظها الله لنا وجعلها قرة أعيننا"..
رددت فايزة : "آمين"، ثم تابعت: "أتعلمين يا بطوط.. منذ بضعة أشهر ذهبت بها لطبيب عيون.. لقد خفت عليها أن تكون هناك مشكلة ما ببصرها ونحن لم ننتبه، لكن الطبيب طمأنني أنها تعاني من عيب خلقي.. يُسمى متلازمة تغير لون القزحية الجزئي.. وذلك لأسباب جينية، لكنه لا يؤثر على قوة بصرها"..
في تلك اللحظات، قاطع حديثهما اقتراب ابن عم أمواج - الصبي نبيل - الذي مد ذراعيه وهتف بحماس: "أريد حمل جنية البحر"..
رددت أمها تؤنبه بمزح: "لا تسميها هكذا.. لا أريد أن تخاف منها زميلاتها في المدرسة حين تكبر.. يكفيها اسمها الذي بالتأكيد سيلفت الأنظار إليها"..
قال نبيل ممازحا بشغب يميز شخصيته: "لكن الاسم يليق بها كثيرا.. إنها تشبه الجنيات.. وأثق أنها حين تكبر.. ستتعبنا كثيرا في حمايتها من معاكسات الشباب"..
ردت فاطمة بحمائية: "لا تقلق حول هذا الأمر.. ابني بحر سيعتني بها"..
ضحك نبيل ممازحا، ثم رد ساخرا: "هل ذلك الرضيع سينجح في حمايتها؟ لندعو فقط أن يكون قادرا على مواجهتها عندما يكبران.. وأنا ونادر وسفيان سنتولى أمر حمايتها"..
سألته فايزة باهتمام: "من سفيان هذا؟"
ابتسم نبيل بصدق، ثم قال: "إنه صديقي المقرب.. وبمثابة أخي الثاني.. لقد ذكّرتِني.. سأذهب لأبدل ملابسي كي أهرب من هذا البيت وأتسلل للتسكع معه فور أن يبدأ الاحتفال"..
جاءه صوت أمه الصارم من خلفه: "تهرب إلى أين أيها الشيطان الصغير؟"
تجمد نبيل للحظة، ثم تمالك نفسه واستدار ليواجه والدته بحيوية قائلا: "يا أمي لا أحب الأجواء العائلية تلك.. واحتفالات غريبة مثل (دق الهون) وإشعال الشموع والبخور ونثر ذرات الملح في الأجواء"..
سألته أمه بنبرة عاتبة: "إذًا لن تحضر (سبوع) أختك؟"
قال نبيل بنبرة ممتعضة: "سأحضر يا أمي، وبعدها سأركض للخارج برفقة سفيان.. لدينا مباراة لكرة القدم في مركز الشباب"..
هتفت أمه تنهره: "لا أفهم سر إصراركما على اللعب في مركز الشباب، بينما والداكما يمتلكان عضوية عائلية في النادي الاجتماعي..
ضرب نبيل قبضته إلى صدره، وقال بنبرة رجولية: "مركز الشباب يقع في نفس شارعنا، ونذهب إليه ركضا.. كما أننا لسنا طفلين طريين.. نحن رجلان والأطفال في النادي مدللين ودبقين للغاية.. كالبسبوسة"..
هتفت أمه بدهشة: "طريين؟ بسبوسة؟ رجلان؟ ولد!!! أنا قلت من قبل أن سفيان هذا تأثيره عليك سيء.. يا بني أنت ابن قبطان بحري وهو ابن تاجر منسوجات.. لا أعرف كيف تنسجم معه كل هذا القدر؟"
تجهمت ملامح نبيل، وبدا أنه يفهم جيدا ما ترمي إليه والدته، حيث رد بصرامة يحسم مسألة رغبتها في عزله عن صديقه المقرب: "سفيان أخي يا أمي.. وعمي عاصم يحبني كثيرا"..
أثارت كلمات لطيفة امتعاض فايزة وفاطمة اللتين تفرغتا للاستماع إلى مناقشتها مع ابنها بعد أن غادرت فريال ببحر للغرفة المجاورة كي تضعه بالفراش لينام قليلا بعيدا عن الصخب..
بنبرة مشفقة لا تخلو من الاستياء، همست فاطمة في أذن أختها الكبرى: "الحمد لله أنني قد أرضعت شادن عدة مرات خلال الأيام الماضية كيلا يجوز زواجها من بحر فيما بعد.. لا أريد أن نناسب تلك المرأة.. والله ما جئت اليوم سوى احتراما لزوجها القبطان عبد الجليل.. لقد تعبت من لقائها خلال الأيام الماضية.. تصيبني بالتوتر بتحكماتها وصرامتها"..
علقت فايزة هامسة: "هي لا تقصد التقليل من شأن أسرة عاصم مرتجي، لكنها حانقة لأن تأثير سفيان على نبيل كبير، ويكاد ينجح في ضرب كل القواعد الصارمة التي تفرضها على طفليها"..
رددت فاطمة مندهشة: "لا أفهم لماذا تسعى إلى السيطرة على أولادها بهذا الشكل؟ نبيل طفل مهذب.. لم أرَ منه تصرفا سيئا"..
رمقت فايزة نبيل بتعاطف، ثم أعادت أنظارها صوب شقيقتها قبل أن تقول: "لا تلوميها يا فاطمة.. ظروفها حقا ليست بسيطة.. المرأة تربي ولدين بمفردها وزوجها يغيب غالبية شهور السنة.. بالطبع ستتصرف معهما بصرامة حتى لا تفسد أخلاقهما برفقة السوء.. كما أنها تخشى أن يلومها أحد إذا أساء نادر أو نبيل التصرف.. نادر طفل مطيع لا يركز سوى في مذاكرته فقط.. أما نبيل فهو مشاكس صغير ومفتعل للمقالب.. لا أدري كيف سيصبح عند يصل لسن المراهقة؟ لذا فإنها تحاول إحكام قبضتها عليه قبل أن يتعرف إلى رفقة سيئة تدفعه لارتكاب الحماقات"..
عند تلك اللحظات، قاطعتهما فريال التي انضمت إليهما، حيث قالت: "هناك أمر أريد أن أحدثكما عنه، ولكنني أرجأت الحديث حتى آخر لحظة كيلا تفسد الأجواء بالنسبة لكِ يا فاطمة"..
قالت فريال كلماتها الأخيرة وهي تخص فاطمة بنظراتها، فرفعت الأخيرة حاجبيها واتسعت حدقتاها تساؤلا، فأكملت الأولى: "لقد جاءتنا فرصة للسفر للعراق لنعمل في التدريس الجامعي هناك، وندير أيضا فريقا للبحث العلمي في مجال علم الفيروسات"..
تساءلت فاطمة بقنوط: "أتتركيننا وتتغربين؟"، فهي تعلم أن شقيقتها تميل للموافقة طالما أنها أفصحت عن تفاصيل الأمر، وإلا لكانت رفضته منذ البداية ولم تحدّثهما عنه..
قالت فايزة بنبرة محايدة: "إن كانت الفرصة جيدة لكما، فسافرا لبضع سنوات.. اختبرا الحياة خارج مصر، وإذا شعرتما بالحنين، عودا فورا"..
عاودت فاطمة الاعتراض قائلة: "والبنتان.. هل ستربيهما بالخارج؟"
ابتسمت فريال وسألت مستنكرة: "هل سأترك مرح وشذى بينكما لتعتنيا بهما أم لأمي؟ إن حالتها الصحية تتراجع شيئا فشيئا.. لن أجعلها تتحمل هذا العبء.. سنسافر برفقة الطفلين وإذا لم يعجبنا الوضع سنعود للعمل هنا في أكاديمية البحث العلمي"..
بعدها، انقطعت المحادثة قسرا حين بدأت أغنيات الاحتفال بالمولود تنطلق من جهاز التسجيل لتنتشر البهجة في الأجواء، وتبدأ طقوس السبوع..
كان نادر يجلس في أحد الأركان يتابع المشاهد المبهجة وفي يده مجلة مخصصة للأطفال لتبسيط العلوم، يطالعها بنصف تركيز، رافضا بعناد أن يضعها جانبا وينشغل بالكامل في الاحتفال..
أما نبيل، فقد أمضى بضع دقائق يتابع ما يجري، قبل أن يصل صديقه سفيان الذي أصر على مشاهدة طقس تخطي السيدة لطيفة والدة نبيل بأقدامها سبعة مرات جيئة وذهابا حول طفلتها القابعة في غربال معدني، ملفوفة في ملابس وردية جديدة، قبل أن يتساءل بفضول: "لماذا يضعون سكينا بجوار المولودة؟"
رد صديقه: "لا أدري.. هي عادات غريبة"..
سمعتهما الدكتورة فريال، فقالت: "هذا ليس تخصصي العلمي تحديدا ولكن تلك العادة متوارثة لآلاف السنين منذ عهد قدماء المصريين، حين كانت النسوة يقمن بهذا الطقس لحماية أطفالهن من سم العقرب الذي كان يهاجم الأطفال خاصة في الأماكن الريفية حول الزراعات.. كما أن هز الغربال هدفه تنقية الطفل من الشوائب كي تكون أخلاقه عالية"..
صمتت بعدها قليلا، قبل أن تواجه نبيل بنظرات متفحصة ظاهرها المرح، ثم تسأله: "هل تم هز غربالك يا نبيل؟؟"..
هرش نبيل رأسه بامتعاض ولم يرد، بينما منح سفيان الطفلة نظرة أخيرة قبل أن يسأل صديقه: "ما هو اسمها؟"
قال نبيل بعد أن مط شفتيه: "شادن"..
ردد سفيان الاسم همسا ثم قال: "غريب"..
كانا يتحركان إلى الخارج وينزلان درجات السلم خلسة، حين قال نبيل: "أبي اختار اسمها على اسم جدتي.. يقول إن معناه غزالة صغيرة.. لكنني لا أستسيغ نطقه.. سأسميها شادي.. كان يجب أن تكون صبيا على كل حال لتكمل المثلث معي أنا ونادر"..
هز سفيان كتفيه بعدم اكتراث، ليتنافس كلاهما في الركض صوب مركز الشباب الذي يقع عند نهاية الشارع.. ولما وصلا وجدا مجموعة من أطفال المنطقة ينتظرون لكي يلعبوا جميعا مباراة تنافسية في كرة القدم على أرض الملعب المغطى بالحشائش داخل المركز..
تم تقسيم الفريقين سريعا، ثم بدأت المنافسة مشتعلة، حين أحرز سفيان ثلاثة أهداف متتالية كونه الأكبر عمرا بين اللاعبين، فهو قد أتم التاسعة من عمره منذ حوالي ثلاثة أسابيع بينما أغلب الأطفال تتراوح أعمارهم بين السادسة والثامنة..
بعد قليل، تجمع لاعبو الفريق المنافس بأحد أطراف الملعب وتحدثوا معا في مداولة سرية.. ولمّا تم استئناف اللعب، بدؤوا في اللعب بعنف مستهدفين سفيان تارة بدفعه، وأخرى بعرقلته.. ثم تكرر الأمر أكثر من مرة في محاولة منهم لإصابته كي يغادر الملعب وتتوقف هيمنة فريقه على اللعب والنتيجة..
ظل سفيان محافظا على صبره مذكّرا نفسه أنهم يصغرون سنا وبنية جسدية، لكن عندما تكررت محاولات إيذائه، انفعل وركض نحو أحد الأطفال لمواجهته، فما كان من الأخير سوى الركض حول الملعب حتى عثر على ضالته، فانحنى وأمسك بحجر من الركام الغليظ، واستعد لكي يصوبه نحو سفيان الذي كان قد تشتت تركيزه، حين بدأ طفل آخر بالشجار معه.. فكان نبيل هو من لاحظ الأمر، فأسرع في نفس اللحظة التي قذف فيها الطفل الحجر، بالوقوف أمام سفيان لكي يحميه قبل أن يصيب الحجر إحدى عينيه، فارتطم الحجر برأسه هو من الخلف، لينهمر منها الدم نافرا..
حين انتبه سفيان على صوت صرخة نبيل متألما، ورأى الطفل يركض محاولا مغادرة المركز، سارع بالجري خلفه بسرعة كبيرة، وعندما اقترب منه بمسافة كافية قفز ليركله بقدمه، فسقط الطفل على الأرض، ليقفز فوقه سفيان ويهم بلكمه بقبضتيه بعشوائية، وهو يسبه بكلمات بذيئة، حتى جاء أحد المشرفين عندما انتبه لتطور الوضع، فركض لتفريقهما..
سارع سفيان يركض مجددا صوب صديقه، ثم خلع فانلته الرمادية لكي يمسح بها الدماء عن رأس صديقه، حتى جاء المشرف وأخذهما إلى غرفة الأخصائي الاجتماعي، والأخير أخرج حقيبة الاسعافات الأولية، وشرع في تطهير الجرح ووضع لاصقة طبية عليه، وطلب منهما العودة للبيت على مهلٍ..
في الطريق، كان سفيان صامتا تماما يكتفي فقط بمناظرة صديقه من وقت لآخر بترقب، ففهم نبيل أنه يشعر بالذنب جراء ما حدث، فهمس محاولا تلطيف الأجواء: "أنا بخير يا سفيان.. لا تقلق.. لقد توقفت الدماء تماما والمشرف أعطاني صندوقا من العصير"..
قال سفيان بنبرة مبتئسة: "أنا خائف.. بالتأكيد والدتك ستصرخ فزعا عندما تراك هكذا وستتصل بأمي وتقول لها (ابعدي ابنك عن ابني).. وأنت صديقي الوحيد يا نبيل.. أنا حتى لا أمتلك أخوة.. وجميع أقاربي في بلدتنا الريفية"..
يعرف نبيل أن صديقه الذي يكبره بنحو عامٍ وبضعة أشهر وحيد، خاصة بعد انتقالهما لهذا الحي مؤخرا بعد أن انتعشت تجارة والده في القاهرة، لذا وضع يده على عضد صديقه مطمئنا، وقال بنبرة قوية وكأنه يمنحه تعهدا: "لا تخف يا صاحبي.. لا يوجد شيء يمكنه أن يفرقنا عن بعضنا"..
ابتسم سفيان بتردد ليكملا طريقهما صوب منزليهما المتجاورين، حيث كان ذهن نبيل منشغلا بترتيب كذبة مقنعة لوالدته كي تظن أنه هو من افتعل المشاجرة وأصيب ولم يكن لسفيان دخل في الأمر على الإطلاق..


يتبــــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-07-22, 07:45 PM   #454

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الخامسة عشرة: القسم الرابع

بعد سنوات قليلة
كانت لطيفة تقوم بتصفيف شعر ابنتها المجعد بعجالة، استعدادا لإرسالها إلى المدرسة مع جارتها منال التي تقوم يوميا بتوصيل شادن مع ابنتها زهو إلى المدرسة على أن يقوم نادر أو نبيل بالمرور على مدرستهما وإعادتهما بعد انتهاء اليوم الدراسي..
أخذت لطيفة تمرر المشط بسرعة عبر خصلات ابنتها فتؤلمها بشدة، بينما الصغيرة تجلس بين ساقيها مستسلمة تقاوم شعورها بالوجع، حتى زفرت ارتياحا بعد أن انتهت والدتها من تجديل شعرها في شكل جديلة خلفية ووضعت به شريطة حريرية حمراء، تزامنا مع ارتفاع صوت طرقٍ على باب الشقة..
أسرعت لطيفة لكي تفتح الباب وهي تضع الشطائر بداخل كيس بلاستيكي نظيف في حقيبة ابنتها، ثم وضعتها على ظهرها، ثم التقطت الصغيرة حاوية الماء البلاستيكية خاصتها والمصممة على هيئة روبوت، لتفتح أمها الباب، فتلتقي الصغيرة صديقتها وجارتها زهو التي تقطن مع والدتها في الطابق الأعلى وتشاركها الدراسة بنفس الصف الدراسي رغم أنها تصغرها بحوالي عام كامل، ذلك أن شادن قد تأخرت عاما كاملا في التقديم للالتحاق بالدراسة بسبب تطبيق شروط سن القيد..
تمتمت لطيفة بتحية الصباح وكلمات مقتضبة لتشكر منال على تطوعها بتوصيل ابنتها الصغرى، بعدها سارعت لإيقاظ نادر لكي يذهب إلى الجامعة، فقد التحق مؤخرا بكلية الطب، وتقريبا يمنح دراسته كل وقته كونه يريد أن يصبح طبيبا متخصصا في الأمراض المناعية، حتى أنه يخطط لاستكمال دراساته العليا في الخارج..
والدته لا تزال تجد صعوبة في التأقلم مع فكرة أن ابنها البكري يريد – أيضا – أن يبتعد عنها مثل والده، رغم أنه أخبرها عن حلمه قبل سعيه لتنفيذه بفترة كافية كي تتقبل الأمر.. لكنها ليست بقادرة على أن تتركه يغادر لبلد آخر يبعده عن وطنه مسافات قصية..
إن كانت قد تحملت فراق والده كل تلك السنوات، فذلك لأنه كان يعود كل بضعة أشهر لكنف بيته، وهي نفسها كانت شابة صغيرة لديها من العزم والقوة الكثير، لكنها استهلكت كل ما لديها من طاقة في تنشئة ثلاثة أطفال وعوضّتهما غياب الأب.. ولم تعد قادرة على أن تبذل المزيد من الشوق انتظارا لابن يعود لزيارة سريعة لمدة أسبوع كل سنتين، هذا إن لم تختطفه الغربة فيقسو قلبه ويتلكأ في العودة للزيارة عاما بعد عام..
لكنها على الجانب الآخر، لن تتمكن من الوقوف أمام طموحاته العلمية، خاصة وأنه يسعى إليها منذ كان طفلا صغيرا ينفق وقته ومصروفه على قراءة المطبوعات العلمية المخصصة للأطفال، ويستعير من المكتبة العامة في الحي ثلاثة كتب كل أسبوع.. ورغم ذلك لم يقصر أبدا في تحصيله العلمي، كما لم يرهقها بمشاكساته كشقيقه الأصغر نبيل الذي كانت تنشئته صعبة جدا خاصة مع مخالطته الدائمة لسفيان وانبهاره التام به..
حين دلفت إلى داخل غرفة ابنيها، وجدت نادر قد استيقظ بالفعل وبدّل ملابسه وانشغل بجمع كتبه وأدواته للتوجه للكلية، أما نبيل فما زال يغط في نومه..
ابتسمت الأم لنادر وتمتمت بتحية الصباح داعية له بيوم جميل، ثم تحركت صوب الآخر ونزعت عنه الغطاء، ثم صفعته بكفها بقسوة على مؤخرته، وهي تهتف: "استيقظ يا بغل"..
تململ نبيل في نومه وحاول جذب الغطاء مجددا، لكن أمه أبعدته بعيدا عن متناول يده، وهي تهتف بنبرة متسلطة: "هل تظنني لم أسمعك عندما تسللت عند منتصف الليل إلى غرفة المعيشة لكي تلعب على جهاز الأتاري؟.. أقسم أن أحطمه إن لم تركز في دروسك.. العام القادم ستكون في الصف الثالث الثانوي.. وإذا لم تهتم أكثر بدروسك.. سأبيعه لبائع الروبابيكيا"..
نهض نبيل وعلى وجهه علامات الاستياء، فأخذ يهرش في رأسه ويتثاءب بتكاسل قبل أن يقول بنبرة ناعسة: "صباح النور يا أمي.. ما هذا الصباح الرائع؟ هل تشاجرتِ مع أحد؟؟ هل عاد أبي؟"
ضربته لطيفة على رأسه وقالت ناهرة: "يا وقح.. أبوك لن يعود قبل منتصف الأسبوع المقبل.. ولم أتشاجر مع أحد لكن حالك لا يعجبني.. دراجاتك متدنية"..
تمطى نبيل بتعب، ثم قال بصوت متحشرج قليلا من أثر النوم: "والله يا أمي درجاتي جيدة.. مستواي متوسط.. لستُ عبقريا مثل نادر"..
نهض نبيل من فراشه، وتحرك صوب الباب ساحبا منشفته في الطريق، وهو يكمل: "كما أنني أنوي الالتحاق بالكلية الحربية مع سفيان.. ولا أحتاج للتفوق العلمي الشديد بقدر تمتعي باللياقة البدنية.. وهذا ما أهتم به حاليا"..
تبعته أمه للخارج، وقالت بامتعاض: "لن أسمح لك بالانضمام إليها.. ستدخل الكلية البحرية مثل والدك"..
رد نبيل منهيا الحديث قبل أن يغلق باب الحمام عليه: "سنرى"..


يتبـــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-07-22, 07:47 PM   #455

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:jded: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الخامسة عشرة: القسم الخامس

بعد أن انتهى اليوم الدراسي، غادر سفيان ونبيل مبنى المدرسة، وتوجها صوب محل البقالة، فاشترى نبيل بعضا من قطع الشوكولاتة والمقرمشات، ليسأله سفيان متوقعا الإجابة: "هل سنذهب لمدرسة شادي اليوم؟ طالما اشتريت الحلوى، فهذا يعني أننا سنمر عليها"..
رد نبيل بعد أن دس كيس المسليات في حقيبة ظهره: "أجل.. سنمر عليها ونعيدها وصديقتها زهو ابنة جارتنا إلى البيت، ثم نذهب لمركز الشباب للتدريب.. أنت ستسبقني للكلية ولكنني أحتاج للحفاظ على لياقتي أيضا"..
قال سفيان وهو يجاريه في السير خطوة بخطوة: "لا بأس.. كلها عام وتلحق بي.. هكذا سأصير قائدك يا ولد"، ثم رفع كفه يعبث بشعر صديقه المموج..
ابتسم نبيل بسخافة، ورفع قدمه يركله بجانبها ركلة قوية أصابت ظهر سفيان، ثم ركض ليلحق به الأخير قاصدا الانتقام، لكن نبيل تراجع فورا واعتذر له، فسامحه الأخير بعد أن لكمه بكتفه لكمة لم يضع بها كل قوته..
حين وصلا للمدرسة، كانت زهو تجلس إلى جوار شادن على مقعدين منخفضين، وقبل أن يتحرك نحوهما نبيل، نادته إحدى المشرفات ومنحته خطابا ليسلمه إلى والدته..
كانت شادن متوترة، لكنها حاولت التصرف بجمود وعدم اكتراث.. ولمّا لاحظ نبيل حالتها، أخرج كيس الحلوى وأعطاه لها، وقال بنبرة دافئة: "أحضرت لكِ وزهو بعض الحلوى.. هيا كلي.. أنت صغيرة جدا.. أريدك أن تكبري يا شادي وتصبحي جزء من مثلثنا العائلي"..
أخرجت شادن كيسا من المقرمشات، ومنحت واحدا لصديقتها، بينما حمل نبيل حقيبتها على ظهره من الجهة الأخرى ليسير حاملا حقيبتين، فحذا سفيان حذوه وحمل حقيبة زهو، لتسير الصديقتين الهوينى تتناولان المقرمشات وتتمازحان بحرية..
تنهد نبيل مبتهجا وهو يرى مزاج أخته يتغير للأفضل بمرور الوقت.. وتابع الجميع السير إلى أن وصلوا إلى البناية التي يتشاركون سُكناها جميعا مع عائلاتهم..
هتف سفيان: "سأوصل زهو لأمها وأضع حقيبتي في بيتنا وأبدل ملابسي وأمر عليك لنذهب للمركز"..
أومأ له نبيل الذي وقف مع شقيقته أمام باب شقتهما، ومد يده يضغط زر الجرس، ثم دلف إلى الداخل، تتبعه أخته حين فتحت والدتهما البيت.. وضع الحقيبتين أرضا، وأخرج الخطاب ومنحه لأمه، التي سارعت بقرائته، قبل أن تزجر ابنتها بنظرات نارية، وهي تهتف: "المعلمة تشكو من عدم تركيزك في الشرح.. لماذا لا تنتهين خلال الشرح.. ها؟ تقول إن اختبار نصف العام سيكون شفهيا ومع ذلك لا تضمن نجاحك بسبب ضعف استيعابك"..
ارتجفت شفتا شادن، وكانت بالفعل على شفا البكاء، فسارع نبيل يقول: "أمي.. إنها في الصف الأول الابتدائي.. والمدرسة ملزمة بتصعيدها للصف الثاني بلا رسوب.. لماذا يثيرون مشكلة منذ الآن؟"..
التفتت له أمه ورمقته بنظرات محتدة، ثم قالت: "هذا لأنني طلبت من معلمة الصف تقارير أداء عن مدى تحصيل أختك التي لم يتقدم مستواها خلال الأشهر الماضية على الرغم من التحاقها بالروضة لعام ونصف قبل أن تنضم للصف الأول الابتدائي.. لا أعلم ما الذي ينبغي أن أفعله بعد حتى تنجح في دراستها!!"..
لم يعجب نبيل طريقة أمه الصارمة في التعامل مع شادن ولومها المستمر لها لأنها ليست متفوقة في دراستها.. فهو نفسه ظل يقاومها كثيرا حتى يئست من محاولة السيطرة عليه، ولكن أخته تبدو ضعيفة أمامها ولا تستطيع أن تنقذ نفسها من توبيخ أمها، لصغر سنها وعدم إدراكها لسبب ما تفعله..
يعلم نبيل جيدا أن والدته تنشد الكمال فيما يخص أبناءها، كي يشيد الجميع بقدراتها الفائقة على تنشئة أطفالها بصورة مثالية رائعة في غياب والدهم..
هو ممتن لتفاني أمه في رعايتهم، ولكنه لا يملك أن يشعر أنها في بعض الأحيان تخنقهم دون أن تشعر..
تجاهلت لطيفة كلمات نبيل، وتحركت صوب الهاتف الأرضي الذي ارتفع رنينه لكي تستقبل المكالمة..
وما أن رفعت السماعة حتى أتاها صوت جارتها منال تطلب منها إرسال شادن مع كتبها لكي تذاكر لها مع زهو..
تحركت لطيفة ترص بعض قطع البسكويت الذي أعدته خلال تواجد أطفالها في المدرسة، ثم طلبت من نبيل أن يرافق شادن إلى شقة الجارة ويقدم لها طبق المخبوزات، حيث همست وهي تغلق باب الشقة خلفهما: "لا أريد أن يبقى لها جميلٌ لدينا"..
تحرك نبيل مع شادن إلى الشقة العلوية، وشكر جارتهما على اهتمامها بتدريس شادن مع ابنتها، وأعطاها طبق المخبوزات، ثم تحرك إلى الطابق الأعلى الذي يسكنه سفيان مع والديه عاصم ونبية..
حين ضغط نبيل الجرس، خرج إليه سفيان يعتذر له عن الذهاب معه إلى مركز الشباب، لأن والدته ستذهب اليوم في استشارة للطبيب الذي طلب منها إجراء بعض الأشعة بعد أن زارته قبل أيام لإصابتها بتنميل وإرتعاش في كفيها..
شعر نبيل أن صديقه يحاول إخفاء توتره، فقال له: "لِمَ لا تتصل بخالتك سميحة كي تمر عليكما"، فهو يعلم جيدا أن علاقة سفيان بخالته تتخطى الحدود العائلية المعروفة إلى درجة معينة من التفاهم الذي يدخل في نطاق الصداقة، فهو يرتاح فعلا في الحديث إلى خالته وكأنها أخته الكبرى.. كونه الابن الوحيد لوالديه..
تحرك سفيان للجلوس على إحدى درجات السلم الرخامية الباردة، فتهاوى نبيل إلى جواره، وهو يشعر أن صديقه بحاجة للفضفضة..
قال سفيان بعد فترة من الصمت: "منذ تمت خطوبة خالتي سميحة قبل أشهر، وهي مقلة كثيرا في السفر إلينا من الفيوم.. صحيح أنها تكبرني بحوالي ثماني عشرة سنة إلا أنها تعتبر الأقرب إليّ من أفراد العائلة بعد أمي.. أنت تعلم يا نبيل أنني لا أختلط كثيرا بأقاربي في البلدة.. كما أنه لا يوجد صديق لي غيرك أنت وهي.. لكن بعد خطوبتها هذه المرة، صارت تحاول إرضاء خطيبها الجديد بعد فسخ خطوبتها مرتين من قبل"..
كان نبيل يعرف القليل عن الخالة سميحة من حديث سفيان عنها، فالعائلة تعتبرها المتمردة، كونها أصرت على استكمال تعليمها الجامعي، بل والعمل كمحاسبة في مزرعة لإنتاج الدواجن والمنتجات الحيوانية..
وحين أصرت على الحضور للقاهرة وإكمال دراستها العليا، وافق والداها على مضض، حتى حصلت بالفعل على الماجيستير، وعندما طلبت الإقامة في القاهرة كشقيقتها من أجل العمل بأحد البنوك الكبرى، عارض أفراد العائلة الأمر، حتى بعد أن اقترحت أختها الكبرى نبية التي تكبرها بأربع سنوات أن تسمح لها بالإقامة لديها في شقتها، أو تؤسس لها شقة منفصلة بنفس البناية لتكون إلى جوارها وتعتني بها بنفسها..
في ذلك الوقت، تمت خطبة سميحة للمرة الأولى من أحد شباب العائلة، ولكن مع إصرارها على استكمال دراستها والعمل، تم فسخ الخطبة، ثم تكرر الأمر مرة أخرى مع عريس من خارج العائلة ولم يحدث توافق بينهما أيضا.. وهذه هي المرة الثالثة التي يتم خطبتها بها، وهي على ما يبدو تحاول باستماتة إنجاح الأمور مع خطيبها كيلا تكتسب سمعة كونها الفتاة التي يتركها خطبائها، فلا تجد عريسا لها في المستقبل..
قال نبيل بعد أن طال شروده متفكرا في ذلك الوضع: "يجب أن تقدر ظروفها يا سفيان.. لقد تخطت منتصف الثلاثينات من عمرها ولم تتزوج بعد.. عليها أن تتنازل كثيرا لإرضاء خطيبها كيلا يتركها.. لا أظن أن عائلة والدتك ستتساهل معها إذا فشلت زيجتها للمرة الثالثة.. تعلم أن تلك الأمور في القرى يتم النظر إليها بطريقة مختلفة عن المدن"..
أومأ سفيان رأسه، وقال: "معك حق.. لكنني خائف.. أمي ليست بخير.. لقد أسقطت صينية الشاي قبل يومين وكادت أن تحرق ساقيها بالكامل لولا عناية الله بها"..
ربت نبيل على كتف صديق عمره، وقال: "ما رأيك أن نذهب لأداء صلاة العصر في مسجد الحي وندعو لوالدتك بالسلامة والشفاء من ذلك المرض"..
أومأ سفيان من جديد، فقال نبيل: "إذًا لننتظر حتى يذهب والداك إلى الطبيب ونتحرك خلفهما"..
بعد قليل، سار سفيان ونبيل صوب المسجد.. وبعد الوضوء، انتظرا صلاة الجماعة، حيث أمسك كلا منهما بمصحف وبدأ يقرأ فيه بعض آيات الذكر الحكيم في صمت، إلى أن رفع الإمام آذان الإقامة، لتبدأ الصلاة..
بعد الصلاة، همس سفيان لصاحبه: "سأسأل الشيخ أن يدعو لأمي"، وبالفعل اقترب منه وأخذ يتحدث معه همسا، ثم ربت الشيخ على كتفه وتمتم ببعض الأدعية خفوتا..
ولمّا عاد سفيان لصديقه، سأله الأخير: "ماذا قال الشيخ؟"
رد سفيان: "قال إنه سيدعو لها وطلب مني أن أؤدي ركعتين قضاء حاجة.. وأن أدعو لأمي بالشفاء"، ثم نهض بالفعل لكي يصلي، فنهض نبيل وأخذ يصلي ويدعو لوالدة صديقه، ثم عادا إلى المنزل في انتظار عودة والديّ سفيان..
بعد حوالي ساعتين، كان عاصم مرتجي والد سفيان يمسك بيد زوجته ويخرجان من المصعد، ليجدا سفيان ونبيل يجلسان على الدرج، فنهض الأول متوترا، وهو يسأل متلهفا: "ماذا قال الطبيب يا أبي؟"
أخرج والده سلسلة المفاتيح، وفتح باب الشقة، ثم أدخل زوجته، وأشار للصديقين بالدخول، وقال: "هيا يا نبيل للداخل.. لقد حل المساء، والدرج لا شك أصبح باردا للغاية"..
رد نبيل بحرج: " سأنزل لشقة عمو سمير الصاوي لأعيد شادن لشقتنا.. بالإذن"، ثم تحرك بالفعل صوب الدرج ينزل بخطوات مسرعة ليمنح عائلة سفيان بعض الخصوصية..
دلف عاصم مرتجي إلى الداخل، وأغلق الباب خلفه، فسأله سفيان بإلحاح قلق: "طمئني يا أبي"..
قال والده بنبرة حاول أن يجردها من القلق الذي وجد له مستقرا داخل صدره منذ غادرا عيادة الطبيب: "تحتاج لجراحة تسليك أوتار.. طلب منها الطبيب بعض التحاليل للاطمئنان على مؤشراتها الحيوية قبل أن يحدد موعد الجراحة.. تعلم أن والدتك مريضة سكر وتحتاج لعناية خاصة"..
أومأ سفيان برأسه وأرخى جفونه كيلا يفضحه التوتر الذي سكن مقلتيه منذ نطق والدته كلمة (جراحة)، ثم تحرك مسرعا صوب والدته يمنحها عناقا داعما، ويغادر لغرفته..
أما عاصم، فقد تمتم مسلما أمره لخالقه: "لله الأمر من قبل ومن بعد"..

يتبــــــــــــــــــــــ ع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-07-22, 07:48 PM   #456

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الخامسة عشرة: القسم السادس

بعد عدة أيام، كان عاصم قد اصطحب زوجته نبية مرة أخرى لزيارة الطبيب مرة أخرى لتحديد موعد الجراحة، غير أنهما لم يكونا على استعداد أبدا لما هتف به الطبيب، وذلك حين قال: "هل أنتِ حامل يا سيدة نبية؟"
شهقت نبية مصدومة ولم تعقب، بينما هتف الزوج: "ماذا؟ حامل كيف؟"
رد الطبيب: "نتائج التحاليل تشير لذلك، وإن كانت حامل بالفعل سنضطر لإرجاء الجراحة حتى تضع طفلها وتتعافى من الولادة.. اسمع يا سيد عاصم.. هناك عيادة نسائية في الطابق الأعلى.. يمكنكما أن تمرا عليها وتجريا الفحص.. ولكن التحاليل أمامي تشير إلى إيجابية الحمل"..
تبادل الزوجان النظرات المندهشة، بينما غالبت الدموع عينيّ نبية التي نهضت بارتعاش فسارع زوجها لكي يسندها، قبل أن يشكر الطبيب باقتضاب ويقود زوجته للخارج، ثم صعدا الطابق الإضافي إلى أن وصلا للعيادة النسائية، ولما حان دورهما، أخرج الزوج التحاليل لتقرأها الطبيبة، وشرح لها الموقف، فقالت: "سلامتك يا مدام نبية.. مؤشرات التحاليل تشير للحمل بالفعل.. لطفا اصعدي إلى سرير الكشف كي أفحصك"..
ساعدت الممرضة الزوجة لكي تتمدد على السرير وتزيح ملابسها لتكشف عن منطقة البطن، قبل أن تبدأ الطبيبة في فحصها بجهاز الموجات فوق الصوتية، ثم همست باندهاش: "أنتِ في منتصف الشهر الرابع تقريبا.. كيف لم تعرفي بالأمر؟ ألم تنتبهي لتأخر دورتك الشهرية كل هذا الوقت؟ أو تنتابك أعراض الوحام؟؟"
كانت نبية عاجزة عن تمالك أعصابها من هول المفاجأة، لكنها أجابت بحرج: "إن دورتي غير منتظمة أساسا.. وحملي نادر.. لقد حملت بابني الأكبر بعد أكثر من ثلاث سنوات متصلة من العلاج.. وبعدها لم أتناول موانع الحمل مطلقا، ولم أحمل أبدا حتى الآن.. لقد تخطيتُ الأربعين بالفعل، وكنت أظنني أعاني من ضعف أو ربما بداية انقطاع الحيض.. لا أدري.. فقط لم أهتم بالأمر، خاصة مع مشكلة يديّ"..
ردت الطبيبة: "لا بأس.. سنقوم بمتابعة حالتك منذ الآن وحتى موعد الولادة.. فأنتِ مريضة سكر.. بالطبع ستضطرين لتأجيل جراحة تسليك الأوتار حتى ما بعد الولادة بسلام"..
أومأت نبية ثم نهضت لكي تغادر السرير بعد أن تمتمت الطبيبة أنها قد انتهت بالفعل من فحصها..
بعد أن عدّلت نبية ثيابها وتحركت كي تجلس أمام مكتب الطبيبة التي وصفت لها بعض المقويات الغذائية، وطالبتها بالتمهل في الأعمال المنزلية بسبب مشكلة يديها أيضا، نهضت نبية تومئ برأسها غير قادرة على الرد من هول المفاجأة، فشكر زوجها الطبيبة، ثم أمسك يدها التي كانت ترتجف وقادها للخارج..
نزل الزوجان درجات السلم متمهليْن وما زالت غير قادرة على السيطرة على ارتعاش يديها اللتين يعانقهما زوجها عاصم بكفه الضخم، قبل أن تهمس له بصوت مغلف بالانبهار: "لا أصدق يا عاصم.. أنا حامل مرة أخرى.. هل تصدق؟ بعد كل هذا العمر"..
قالت عاصم: "الحمد لله.. لقد كنا حزينيْن بسبب الجراحة المفاجئة لكن الله بدل حزننا فرحا وبشرنا بحملك في وقتٍ غير متوقع.. أنتِ مازلت صغيرة يا نبية.. لكننا تزوجنا في سن صغيرة.. كم صرنا معا.. ها؟"
ردت نبية بحرج: "قرابة ثلاث وعشرين سنة يا عاصم"..
قال هو يغازلها كي يخلصها من توترها: "وشعرت أنهم ثلاثة وعشرين يوما فقط.. أي أننا مازلنا في شهر العسل"..
ضحكت نبية بخجل، ثم دعت له بصدق: "لا حرمني الله منك"، ليردد هو: "ولا حرمني منكِ يا رفيقة عمري"..
بعد رحلة قصيرة بالسيارة، وصلا إلى المنزل ليبشر الأب ابنه سفيان بخبر حملها، فأخذ الأخير يقبّل أمه عدة مرات وهو يهتف: "لقد صليت ودعوت لكِ يا أمي.. لقد قبل الله دعوتي.. أنا سعيد جدا.. سأخبر نبيل"، ثم انطلق يغادر المنزل وينزل الدرج مسرعا حتى شقة صديقه، ليخبره خبر حمل والدته..
كانت لطيفة تجلس في غرفة المعيشة مع زوجها عبد الجليل الذي عاد من رحلته الأخيرة صباح الأمس يحتسيان القهوة ويشاهدان مسلسل (ملك روحي)، فالتقطت مسامعها ما قاله سفيان لابنها بغرفة الاستقبال عن حمل والدته، لتهمس لنفسها ساخرة: "وأنا التي كنت أقول عن شادن غلطة حين أنجبتها بعد ثماني سنوات من إنجاب نبيل.. هل تحمل بعد أن صار عمر ابنها سبعة عشر عاما؟ "
وصل سؤالها الاستنكاري إلى مسامع زوجها، فقال بنبرة ممازحة لا تخلو من توبيخ: "توقفي عن انتقاد الآخرين.. أنت لا تعلمين شيئا عن ظروفهم.. لا أدري حتى سببا لتجاهلك للسيدة نبية أغلب الوقت"..
ردت لطيفة بغرورٍ لا مبرر له: "هي لم تكمل تعليمها.. اكتفت بالشهادة الثانوية.. كما أنها قروية.. وزوجها تاجر.. أرجح أنه لم يتلقى تعليما جامعيا أيضا"..
قال زوجها بنبرة غاضبة: "السيد عاصم رجل محترم وذو هيبة وعقله يزن بلدا.. وهو ليس أميا بالمناسبة لكنه رجل تجارة وهذا لا يعيبه.. أما زوجته فقد اكتفت بالتعليم الثانوي لأنها وافقت على الزواج وأرادت التفرغ لتأسيس أسرة.. وهذا لا يعيبها أيضا.. هذه حياتها.. تسيّرها كما تشاء.. كما أنهما ربيا ابنهما كما يجب.. فماذا تريدين أكثر حتى تمنحيهما الرضا السامي؟"..
بنظرات حانقة، أمسكت لطيفة فنجان قهوتها وأخذت ترتشفه دون رد..

يتبـــــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-07-22, 07:50 PM   #457

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
1111 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الخامسة عشرة: القسم السابع

مرت الأشهر التالية سريعا، حيث قام سفيان بالفعل بتقديم أوراق التحاقه بالكلية الحربية، وبالفعل نجح في اجتياز الاختبارات البدنية وتم قبوله بالكلية، بينما وصل نبيل إلى الصف الثالث الثانوي الحاسم قبل أن ينضم للكلية الحربية تماما كصديقه..
وفي بقعة قريبة من العاصمة، وتحديدا في حي الزمالك العريق، كانت الدكتورة رقية تجلس في غرفة الجلوس مع ابنها الوحيد آدم الذي يصغرها بنحو أربعين سنة..
كان آدم يجلس مطأطئ الرأس يحمل في يده شهادة نجاحه بالصف الأول الثانوي، والذي أنهاه بالترتيب الثالث ضمن كل طلاب المدرسة، لكن والدته كانت تناظره بغضب، وهتفت توبخه: "لقد نقصت ثمانية وثلاثين درجة كاملة.. أغلبها في المواد العلمية.. لا يهمني كونك من أوائل المدرسة.. بهذه الدرجات أنت لن تستطيع الالتحاق بكلية الطب.. وهذا ما لا أقبله"..
غمغم آدم بكلمة اعتذار بينما كسا الاحمرار وجهه محاولا السيطرة على مشاعره، فتابعت أمه: "اسمع.. سنلغي رحلة المصيف.. ستقضي الصيف بالكامل في المذاكرة والتحصيل.. سأحضر لك مدرسين للرياضيات والكيمياء والفيزياء والأحياء حتى تكون مستعدا للعامين المقبلين.. لن أدعك تدمر حلمك بالالتحاق بكلية الطب وإكمال مسيرة العائلة"..
همس آدم بصوت مختنق غير مسموع: (ولكنه ليس حلمي أنا)..
لاحظت أمه امتعاضه وضيقه، فاقتربت منه تلثم جبينه وتضمه بين ذراعيها، ثم همست في أذنيه بنبرة دافئة: "تذكر يا حبيب أمك أنني أفعل ذلك حتى تحظى بالمكانة المرموقة التي تستحقها بين أفراد العائلة وداخل المجتمع، وحتى ترث ذلك الإرث الضخم الذي جهزناه لك أنا ووالدك"..
سحب آدم نفسا طويلا يعيد به الحياة لرئتيه، ثم زفره بصوت خفيض، قبل أن يردد بطاعة: "تمام"، ليتحرك بعدها ببطء نحو غرفته، فيمد يده يسحب درج مكتبه ليخرجه بالكامل، ثم يخرج من تلك الفتحة السحرية بداخل أعمدة المكتب، صندوقه السحري الخاص..

بعد أسابيع قليلة، وبينما كان سفيان يعد العدة للانضمام للكلية الحربية لبدء الدراسة، كانت والدته تجهز لوضع طفلها الثاني، فجاءت خالته سميحة وجدته لأمه من البلدة لمؤازرة والدته ورعايتها بعد الولادة..
أما هو فقد انصرف ذهنه تماما عن الإعداد للالتحاق بالكلية، وانشغل بولادة أمه المتعثرة، حيث تم احتجازها بالمستشفى قبل أيام من الولادة لإصابتها بمضاعفات تهدد سلامتها..
حين دخلت للخضوع للجراحة القيصرية، لم يكن الأطباء مطمئين تماما لمدى نجاح الجراحة.. وبعد مرور أكثر من ثلاث ساعات، خرج أحدهم بوجه قاتم وتعبيرات آسفة ينقل للموجودين خبر وفاة الأم ونجاة الجنين..
موجة قاسية من الحزن والحداد غمرت بيت (آل مرتجي)، وخلّفت وراءها الجميع في حالة صدمة.. لم يفرح أحد بميلاد الطفل الجديد.. ولم يهتم أحد بكيفية العناية به، فالأب يعيش صدمة فادحة، والابن لا يزال شابا صغيرا لم يودّع المراهقة بعد، وأمامه التزام الدراسة بكلية تفرض على المنتمين إليها الإقامة بداخل جنباتها طوال العام..
مرت عدة أيام، والحزن لا يزال يخيم على العائلة بالكامل، واضطرت الجدة وخالة الصغير لاصطحابه معهما إلى البلدة للعناية به إلى أن يخرج الأب من حزنه..
بعد مرور أسبوع آخر، توجه الأب لمكتب السجل المدني لتسجيل ابنه في سجلات المواليد، ولما سألته الموظفة المختصة عن الاسم، قال بنبرة مريرة: "إيلاف عاصم مرتجي"، متذكرا أن هذا الاسم قد اختارته نبية بعد مشاورة أختها سميحة التي اقترحت عليها عدة أسماء جديدة ومختلفة، ثم زفر متمتما بالدعاء لها بالرحمة، مبتلعا غصة في حلقه لم تتخذ لها سُكنى بجوفه إلا بعد رحيل زوجته..
سافر بعد ذلك عاصم بصحبة ابنه الأكبر للبلدة لاستعادة الابن الأصغر، وذلك عندما وجد الأجواء مشتعلة في بيت أهل زوجته، حيث كان عريس سميحة قد حضر لفسخ الخطوبة مع والده بعد أن أخبرته خطيبته بشكل مباشر أنها لن تستطيع التخلي عن تربية ابن شقيقتها الرضيع، فأخبرها هو أنه لن يبدأ حياته برعاية طفل رجل غريب.. ليتخذا قرارهما بالانفصال..
كانت والدة سميحة منهارة في البكاء، تنتحب على سوء حظ ابنتيها، فإحداهما غادرت دنيانا قبل أن تبصر وليدها الصغير، والثانية فشلت في الزواج مرة بعد مرة حتى كبرت بالعمر وفقا لأعراف وتقاليد البلدة، وبالتأكيد لن يأتيها خاطبون جدد بعد أن أعلنت بشكل صريح أن رعاية الصغير مسئوليتها، فوالدتها الآن قد تخطت الستين من عمرها ببضع سنوات، ولا تتحمل بمفردها مشقة رعاية طفلٍ رضيع..
حين غادر الخاطب مع والده، انتحى عاصم بحميه جانبا، ثم حادثه بتهذيب: "أنا آسف يا حج لأنني سببت لكم كل تلك المتاعب.. والله لو كنت أعرف أن هذا الوضع سيسبب لكم مشكلة، ما كنتُ قبلت أن تصطحبه سميحة للقرية وتفسد حياتها هكذا.. اسمع، سأبحث عن امرأة من البلدة كي أتزوجها بعد بضعة أسابيع حتى تستعيد سميحة حياتها من جديد"..
قبل أن يرد والد سميحة عليه، جاء صوت ابنته من الخارج تهتف بعناد وهي تحمل ابن أختها وتهدهده ليوقف بكاءه: "لن أترك إيلاف لامرأة غريبة تربيه.. لن يربيه أحدٌ غيري"..
تنحنح عاصم بحرج، ثم ناظر حماه مجددا، وقال بنبرة خفيضة: "إن لم يكن لديك مانع يا عمي.. وإن كانت هي موافقة، فأنا يشرفني الزواج من ابنتك سميحة في الوقت الذي تحددوه.. لا أريد إفساد حياتها أكثر من ذلك.. سألبي كل طلباتها، وإن كانت رافضة للأمر، فلن يسعني سوى استعادة ابني والبحث عن سيدة تقبل ظروفي لمساعدتي في تربيته.. لقد جئت اليوم خصيصا لاستعادته"..
همس الأب بتعب وحزن: "لله الأمر من قبل ومن بعد.. لا حول ولا قوة إلا بالله"..
أما سفيان الذي سمع بعضا من تلك المحادثة من موقعه إلى جوار جدته، فقد نهض فجأة كالملسوع، وخرج من بوابة المنزل الريفي الواسعة، وهرع يركض بين حقول الذرة مخبئا دموعه التي أغرقت خديه عن الجميع..
ظل يركض إلى أن غلبه التعب، فتهاوى على ركبتيه متألما، يبكي أمه التي رحلت عنه قبل أن يشبع من حنانها..


يتبـــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-07-22, 07:52 PM   #458

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
New1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الخامسة عشرة: القسم الثامن

و عامان آخران مرا بعد
صباح منعش وجميل، تجمع تحت سمائه صغار العائلة الذين يحتفلون بنجاحهم الدراسي..
توجه نبيل إلى النادي وبصحبته شادن وزهو وأمواج وذلك الصغير بحر ابن خالة أمواج والذي أصبح بطريقة لا يفهمها أخا لشادن أيضا..
همس نبيل لنفسه: (بالرضاعة يقولون.. وهل تحتاج شادن لمزيد من الأخوة ولديها أنا ونادر؟ لا أحب هذا الولد.. كلما أتى للقاهرة مع أسرته يلتصق بأمواج وشادن.. وخصوصا أمواج رغم أنها تكبره بعامين وتتصرف مع المحيطين بها كزعيمة القبيلة)..
يفهم أن أمواج ابنة وحيدة ولا تمتلك نفس المرونة التي تتمتع بها شادن كونها أخت صغرى لشابين أكبر منها، فتحظى بتدليلهما وحمايتهما، لكن زهو أيضا ابنة وحيدة ولا تتصرف بنفس التملك والاعتداد كأمواج.. غير أن بحر ذاك لا يبدو أنه يمانع.. وكأنه يستمتع بالجلوس مع الفتيات، خاصة وأن شقيقه فرات يصغره بأكثر من خمس سنوات..
ابتسم نبيل بسخف، ساخرا من اسميّ ابنيّ عدنان الديب، فأحدهما بحر مالح والآخر نهر عذب..
عائلة غريبة وأسماء مبالغ فيها..
هكذا فكر نبيل، وهو يجلس برفقة بحر والفتيات على إحدى الطاولات في انتظار حضور سفيان، فقد كان وصديقه في عطلة قصيرة من الكلية وسيسارعان بالعودة إليها خلال أيام قليلة..
سأل نبيل بحر الذي يصغره بحوالي ثماني سنوات: "أليس لك أصدقاء أولاد؟"
رد بحر بعفوية: "لديّ بعض الأصدقاء بالمدرسة والحي بالسويس.. وهناك فرات أخي الصغير"..
عاود نبيل سؤاله باستفزاز: "ولماذا تجلس بين الفتيات إذًا؟ ألستَ رجلا؟"
رمقه بحر بنظرة منفعلة، لكنه عقد ذراعيه أمامه وقال بحمائية "هذه أختي.. وهذه ابنة خالتي.. وتلك أيضا بمنزلة أختي"، مشيرا لكل واحدة منهن بذقنه بالترتيب ، قاصدا شادن وأمواج وزهو..
تدخلت أمواج باندفاعها المعهود، تتحدث بتوبيخ مستتر: "لماذا تضايق ابن خالتي يا نبيل؟"
قال نبيل بغيظ: "نادِني أبيه"..
ضحكت أمواج بسخافة، ثم قالت: "شايدز التي تصغرني بعامين لا تناديك أبيه.. وأنا بالتأكيد لن أفعل"..
قبل أن يرد نبيل، جاءه من الخلف صوت سفيان يضحك باستمتاع، وهو يقول: "ألن تكف عن مضايقة الجميع يا غليظ.. لقد أفحمتك الطفلة والله"..
ردت أمواج بامتعاض: "لستُ طفلة"..
ضحك سفيان مجددا، وقال: "بل آنسة صغيرة.. هيا لأشتري لكم المثلجات"..
تحرك الجميع صوب ركن الحلوى والمثلجات، وانتقى الأطفال ما يريدون، ثم طلب سفيان لنفسه ولصديقه بعض الحلوى، وجلسا يتحدثان بعيدا عن الأطفال الذين بدؤوا في الركض على المنطقة العشبية المحيطة..
بدأ نبيل الحديث بسؤاله: "هل ذهبت لزيارة إيلاف؟"
رد سفيان بامتعاض: "أجل.. هو بخير"..
سأله نبيل مستنكرا: "فقط بخير؟"
قال سفيان: "بخير بالنسبة لرضيع يتيم، جاء للدنيا في اللحظة التي رحلت فيها أمه عنها"..
ناظره نبيل بغيظ، وقال مفندا حزن سفيان المستتر: "وبالنسبة لمن وجد أما بديلة منذ اللحظة التي حُرم فيها من أمه.. أمٌ لم تقصر معه نهائيا وتربيه بما يرضي الله"..
هتف سفيان حانقا: "هي خالته على أي حال.. لن تكرهه أو تؤذيه"..
أكمل نبيل نيابة عنه: "ولهذا السبب تحديدا تزوجها والدك.. ولا يمكنك أن تلومه.. وهي بالمناسبة خالتك أيضا.. وكانت صديقتك المقربة حتى عامين مضيا.. قبل أن تنبذها أنت"..
زفر سفيان ونهض واقفا، وهو يقول بعدائية: "ذلك حين اكتشفت كم هي أنانية"..
سحبه نبيل للجلوس مجددا، ثم قال: "هل فكرت مثلا أنك قد تكون أنانيا أيضا؟"
رد سفيان: "هي تقريبا من أدخلت فكرة الزواج بذهن أبي.. وكأنها من طلبته بنفسها"..
قال نبيل: "ولكنها لم ترتكب إثما يا سفيان.. ووالدك كان مصيره للزواج بالنهاية.. هل كنت تفضل أن يعاني إيلاف في أشهر حياته الأولى حتى يجد والدك امرأة غيرها؟ ولماذا تريد امرأة غيرها أساسا؟ من سيكون أحن عليه منها؟"
باعتراض طفولي، قال سفيان: "لم يكن عليها أن تأخذ مكان أمي.. هي ليست أمي"..
قال نبيل: "أحيانا أتساءل من فينا الأكبر عمرا.. لماذا لا تنظر للأمور بموضوعية؟ هي لا تحاول أن تحتل مكانة أمك.. ولكنها تريد أن تعوّض غيابها وأنت تجعل مهمتها صعبة"..
رد سفيان: "لا أريد منها شيئا.. ولهذا انفصلت عنهما وتشبثت بالإقامة بشقة أمي فور أن عقد والدي قرانه عليها، لينتقل معها وإيلاف إلى شقة أخرى بنفس الحي"..
تمتم نبيل بأسف: "أظن أنك لم تتخطى حتى الآن وفاة والدتك.. أنت لا تجيد التعامل مع شعور الفقد يا صديقي"

يتبـــــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-07-22, 07:53 PM   #459

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الخامسة عشرة: القسم التاسع

في صباح اليوم التالي، سارعت آمال بترتيب دفاتر الانصراف وتدوين ملاحظاتها حول عاملات المصنع بعد دقائق من موعد الانصراف..
كانت معتادة على التأخر قليلا في عملها بعد انتهاء الوردية، إما للاجتماع بمدير المصنع أو للنظر في شكاوى وطلبات العاملات كما يحتم عملها كمشرفة عاملات، ولكنها تصر اليوم على الرحيل مبكرا للاحتفال بتفوق ابنتها الوحيدة ذكرى..
لقد حصدت الشهادة الابتدائية بمجموع كبير جعلها الأولى على الإدارة التعليمية بأكملها، وتم تكريمها من جانب إدارة مدرستها ومنحها جائزة مادية كبيرة..
كان زوجها جمال شعبان يريد وضع يده على تلك الجائزة، لكنها منعته من الاقتراب منها وتدمير فرحة ابنته بأول إنجاز لها في الحياة، لذا سارعت واشترت لها قرطين جميلين من الذهب الخالص لترتديهما في مدرستها الإعدادية بدلا من القرطين المصنوعين من الحديد المطلي بطبقة لامعة من الفضة..
واليوم ستطهو لها بيدها حلواها المفضلة (أم علي)، حتى أنها ستمر على المتجر القريب من المنزل وتشتري لها القليل من المكسرات لتزينها بها..
سيكون اليوم رائع.. ستمنح ابنتها أفضل ذكرى..
حين وصلت آمال شقتها البسيطة بإحدى البنايات في منطقة شعبية متاخمة لحي حلمية الزيتون بوسط القاهرة، كانت ذكرى تجلس متكئة على أريكة متهالكة، تطالع كتابا مخصصا للأطفال كانت قد حصلت عليه مع بضعة كتب أخرى كمكافآت تفوق خلال مشاركاتها الدورية في المسابقات المدرسية على مستوى المحافظة، خصوصا في العلوم والرياضيات..
سارعت آمال لاحتضان ابنتها وأخرجت القرطين الذهبين ووضعتهما بأذنيها وأخذت تغدق على وجنتيها وجبينها القبلات وهي تتمتم بتلاوة المعوذات، فابنتها كانت رائعة الجمال بوجه ممتلئ صبوح وشعر ناعم منسدل طبيعيا بحيوية وكأنها تعتني به بأغلى المستحضرات..
حين ذهبت آمال إلى المطبخ، تبعتها ذكرى لتساعدها، لكن والدتها رفضت قائلة: "أنتِ أميرتي.. واليوم ستتلقين معاملة الأميرات يا روحي.. ستجلسين تستمتعين بيومك بينما أُعد لك حلوى (أم علي)"..
صفقت ذكرى بكفيها بغبطة، ثم منحت أمها عناقا قويا قبل أن تعود لأريكتها تستكمل القراءة..
بعد قليل، عاد الأب من الخارج، فتوجهت هي نحوه وسألته بصوت خفيض: "هل وجدت عملا اليوم؟"
رد ممتعضا: "لم أجد شيئا يناسبني.. قلت لكِ من البداية.. أنتظر أن يجد لي أخي عملا معه في الخليج.. هذا البلد لم يعد فيه عمل لأحد"..
قالت آمال بضيق حاولت إخفاءه خلف نبرتها المهادنة: "البلد مليئة بالفرص لمن يبحث عن عمل جاد.. لا من يبحثون عن وظيفة مفصلة على متطلباتهم.. يجب أن تتنازل قليلا يا أبا ذكرى كي تعثر على وظيفة ثابتة حتى لو بشكل مؤقت"..
رد جمال ممتعضا: "قلت لكِ لم أجد شيئا يناسبني.. ماذا تريدنني أن أعمل؟ عاملا في مستوصف أم موظفا في السكة الحديد؟"
تنهدت آمال بتعب، وقالت: "أي شيء.. البيت له احتياجاته التي لا تنتهي وأنت عاطل عن العمل منذ أكثر من ثلاث سنوات.. ابنتك ستلتحق بالمرحلة الإعدادية وتحتاج لمصروفات الدراسة والزي المدرسي وحقيبة جديدة.. هي ليست أقل من زميلاتها.. بل هي الأفضل على الإطلاق.. الأنجح والأذكى والأجمل"، ثم همست بنبرة حزينة لم تصل لمسامع زوجها: (لولا أن قدرها أوقعها في أب متواكل مثلك)..
زفر جمال ممتعضا، وقال منهيا الكلام: "سأبحث عن عمل آخر.. حضّري لي الحمام"، ثم تحرك في طريقه للحمام ولم يفته النظر إلى ابنته التي تزين وجهها بقرطيها الجديدين بضيق، فأخذ يهمس لنفسه:
(ما كان لي الزواج.. كان يجب عليّ أن أعيش حرا بعيدا عن النكد والقرف)..


يتبــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-07-22, 07:55 PM   #460

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الخامسة عشرة: القسم الأخير

وفي شقته الفاخرة في حي الزمالك، كان الدكتور طاهر عزازي قد أقام حفلا كبيرا بمناسبة انضمام ابنه الوحيد آدم إلى كلية الطب بعد أن أمضى العامين الماضيين منكبا على المذاكرة والتحصيل تحت إشراف ورقابة صارمة من والدته الدكتورة رقية..
كان الحفل يشمل حضورا مكثفا من آل عزازي، حتى لتظن أن الحفل هو بالأساس حلقة دراسية للأطباء لمناقشة أطروحة علمية أو كشف طبي جديد، وليس جلسة عائلية دافئة..
وتلك الأجواء البادرة، جعلت آدم يتسلل إلى الحمام الإضافي في الطابق العلوي من الشقة ذات المستويين، ويخرج من جيبه صندوقه السحري.. كنزه الخاص، وأغلى ألعابه.. عبوة التبغ التي ينفث فيها أوجاعه وإحباطاته..
بدأ آدم يدخن سرا منذ أن التحق عامين تقريبا دون أن يعلم أحد من أفراد أسرته عن الأمر، فكان يتسلل إلى الحمامات داخل المدرسة والبيت لكي ينفث توتره واحتراق أعصابه مع دخان تبغه، ثم يتناول العلكة أو يغسل أسنانه بالفرشاة والمعجون لإخفاء الأمر.. ولم ينسى بالطبع نثر القليل من العطر على صدره وكتفيه كيلا يلتقط أحد رائحة التبغ..
التقط لفافة، وأشعلها، ليبدأ في تدخينها على عجالة حتى أنهاها تماما، ثم أخرج لفافة أخرى، وأخذ ينفثها ببطء هذه المرة، إلى أن انتهى منها، ثم التقط بقايا اللفافتين وتخلص منهما في مقعد المرحاض، قبل أن يسحب عليهما الماء لإخفاء آثار فعلته..
بعد أن تأكد من استعادته لهيئته الكاملة في المرآة، عاد مجددا للانخراط في الحفل وتلقي عبارات التهنئة من أفراد عائلته الضخمة الذين لا يراهم سوى في مثل تلك التجمعات فقط، بينما لا يعرف شيئا عنهم في الواقع..
أخذ يتحرك ويبتسم ويرد بكل العبارات الصحيحة، وبداخله يشعر أنه محتجز داخل غرفة بيضاء ضيقة تنبعث منها رائحة المطهرات..
غرفة ساكنة باردة لا حياة فيها.. هذه الغرفة تحتل قلبه بهيمنة ساحقة..


نهاية القصاصة
قراءة سعيدة


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:12 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.