آخر 10 مشاركات
567 - قانون التجاذب - بيني جوردان - قلوب دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          راسين في الحلال .. كوميديا رومانسية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : منال سالم - )           »          مهجورة في الجنة(162) للكاتبة:Susan Stephens (كاملة+الرابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          القرار الصعب (ريما وعبد المحسن) / للكاتبة روح الشمالي ، مكتملة (الكاتـب : أمانى* - )           »          ملك لمصاص الدماء (11) للكاتبة Rachel Lee الجزء الأول من سلسلة التملك .. كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          حنينٌ بقلبي (الكاتـب : عمر الغياب - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          أسيـ الغرام ـاد -ج2 من سلسلة أسياد الغرام- لفاتنة الرومانسية: عبير قائــد *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          قلبي فداك (14) للكاتبة: Maggie Cox *كاملة+روبط* (الكاتـب : monaaa - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree12256Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-08-22, 08:15 PM   #551

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile21 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة التاسعة عشرة: القسم الأول


القصاصة التاسعة عشر
(نبتة خضراء)


نبتة خضراء يانعة، لونها السلسال يتغير كلما لامسها رذاذ الماء ورجفت أوراقها..
نبتة متمردة، تحب المغامرة جذورها تأبى أن تعانق أرضا لم ترتضيها، وأساسها غير متين لأنها لم تعانق بعد توأمها، فتتثبت معه في بقعتهما ليصنعا معا جنتهما الأبدية.. لكنها تجاهلت المعتاد وهزمت المنطق، فحققت المستحيل، ونمت حيث لم يسبقها أحدٌ من قبل.. في قلب البحر..
نبتة صغيرة تجوب الدنيا كرحالة تبحث عن وطنها الذي تلقي عليه رحالها وتستقر فتتحول لشجرة وارفة، بل مرج ضخم.. بعد أن تطوع الأعاصير لسطوتها..
جامحة لم تضرب جذورها في الأرض لأنها تعلم أين هي بقعتها المقدر لها الارتحال إليها.. نبتة عازمة أجبرت البحر على الانصياع لسلطانها، فترعرت بقلبه وأزهرت على صفحته، وأسرت شطآنه ومراسيه.. حتى أنوائه تأتمر بأمرها..
أنّى له أن يخبرها الآن أنها زهرة لوتس نمت شيطانيا حيث لا يجوز لها.. وما لم تلذ بالفرار إلى أرض خصبة أو بحيرة عذبة، فإن مياهه المالحة ستأكل جذورها الهشة وتتلفها لتفقد أريجها الأخاذ ولونها البراق، وتؤول إلى ذبول حتمي..




خمسة أشهر مرت منذ ذلك اليوم الذي علمت فيه زهو بالصدفة أن نبيل يكّن لها مشاعر جارفة خاصة، وأنه قد طلب يدها بالفعل من والدها..
حتى الآن، لم تغفر زهو لأمها اخفاءها الأمر عنها، واضطرارها لاكتشافه وسط صخب وضجيج المناقشة المحتدمة في غرفة الاستقبال بمنزل عائلتها..
صدمة عصفت بأفكارها منذ ذلك اليوم، وحتى الآن ولم تستطع التعاطي مع الفكرة، لأنها لم تفكر أبدا أن نبيل قد ينظر إليها بخصوصية بخلاف كونه الأخ الأكبر لصديقة عمرها شادن، والتي هي بمثابة شقيقتها..
أي أنه أيضا يجب أن يكون بمنزلة أخيها.. صحيح؟
غير صحيح..
للوهلة الأولى، وجدت زهو الفكرة غريبة وغير مألوفة.. و.....
هي ونبيل.. عروسان؟
تجاهلت تسلل الدماء باندفاع لذيذ إلى وجنتيها الممتلئتين، وتابعت تفكر في تلك الرجفة التي أصابت قلبها حين تخيلتهما معا في نفس الصورة..
حين اكتشفت إصراره على الزواج منها، وتحمله لتوبيخ والدتها المستتر له، لدرجة أنه قد طلب يدها أكثر من مرة.. شعرت زهو أن شيئا ما بداخلها قد تغير..
وكأنه قد تم رفع الستار عن كنز دفين كان يختبئ خلف ضلوعها كل تلك السنوات، أيقونة نادرة من المشاعر التي لم تعلم كنهها إلا بعد أن انفتحت خبيئتها بكلمات سحرية تلقتها على نحو مفاجئ وغير متوقع..
بمجرد أن مرت كلماته على مسامعها، تسللت لقلبها فكانت بمثابة حل لغز الرموز التي تحميه من تيارات الهوى وعواصفه، لتجد نفسها فجأة قد تحررت من قالب طفولي فقد القدرة على احتواء حواسها بعد أن عانقت الشباب، لتجد لنفسها قالبا أكثر ملائمة يعدها بثوبٍ أبيضٍ مرصعٍ بماسات العشق..
لكن، هل تناسبها قياساته؟ وهناك من تقف متربصة ممسكة بمقص ضخم تهدد بتمزيقه لقصاصات قبل أن تهنأ بارتدائه والتنعم بملمسه وعبقه وروعة حمايته لها..
خلال تلك الأشهر الخمس، غاب نبيل خارج البلاد في مهمة عسكرية جديدة، ورغم أنها لم تواجه والدتها بعد بما علمته بالصدفة حينما سمعت الحوار الدائر بينها ووالدها ونبيل، ورغم محاولتها الانشغال بالدراسة، إلا أنها قد تعقبت هذا التعثر في انتظام نبضاتها كلما أتت شادن على الحديث عن أخيها مؤخرا، حتى وإن كانت تسرد على مسامعها مقلبا سخيفا من ذكريات الماضي..
في النهاية، شعرت أن ذلك المدعو نبيل الحلواني قد حجز لنفسه رواقا صغيرا بين أروقة قلبها، وقد تدلت من سقيفته ثريا مضيئة بمصابيح النيون البراقة والتي تشكلت كلٌ منها بأحرف اسمه..
كعادتها بين فينة وأخرى، احتمت بغرفتها التي أصبحت تحتويها مؤخرا لفترات أطول من المعتاد عندما تشعر بضعف غريب ولذيذ يعتريها فتتجنب مواجهة شادن كيلا تفضحها نظراتها الوجلة..
تجلس زهو الآن شاردة ضائعة في سراديب أفكارها تحاول لملمة شتاتها والعودة إلى الواقع، فلم تفلح إلا بعد مساعدة خارجية جاءت على هيئة نغمة تنبيه أصدرها برنامج المحادثات المرئية على حاسوبها المحمول، ليتبعه إشعار طلب الانضمام لمحادثة جماعية جديدة..
مرتبكة، وكأنها قد ضُبطت بالجرم المشهود.. مترقبة، وكأنها ستتلقى تفسيرا لما تمر به من انفعالات متناقضة ومضطربة، ضغطت زهو على زر رفض استقبال المحادثة، ثم نهضت تستعد لموعد تدريب "الرقص النقري" في النادي الرياضي مع (الكابتن أمواج)، والمقرر خلال ثلاث ساعات من الآن.. لن يمكنها أن تقاطع شادن لفترة أطول، وإلا ستبدأ في استجوابها.. ووقتها، ستخرج منها كل الأجوبة، لأنها لا تفلح أبدا في إخفاء شيءٍ عنها، كما أنها لا تجيد الكذب من الأساس..
على الجانب الآخر، انضمت أمواج وشادن للمحادثة الجماعية مع الشقيقتين شذى ومرح التي رفضت زهو لتوها الانضمام إليها، حيث سارعت الأولى تهتف بحماس: "ابنتا خالتي المهاجرتان I miss you, little whales".. (أفتقدكما أيها الحوتين الصغيرين)..
تبادلت الفتيات الضحك، لتقول مرح بخبث تخرجه بين حينٍ وآخر بعيدا عن طبيعتها الهادئة وشخصيتها العملية بحكم طبيعة مجالها الجادة: "لو علم أبي الدكتور مصطفى والي أستاذ علم المناعة أنكِ تسمينه (حوتا) لمجرد التشابه في النطق بين الكلمتين بالعربية والإنجليزية.. سيتصل بعمي عبد المنصف ويشكوكِ إليه"..
التقطت أمواج خصلة من شعرها المموج، ولفّت سبابتها حولها، وهي تقول برتابة: "ولكنكِ لن تخبرينه وستحفظين سري.. وإلا سأخبر أبي عن الاسم السري الذي تطلقه شذى عليه.. وما تنادي به طنط لطيفة سرا"..
شهقت شذى وجحظت عيناها بذعر، بينما فغرت شادن فمها دهشة وتساءلت بفضول: "ماذا؟ أمي؟ ما اللقب الذي ألصقتِه بأمي يا شذى؟.. انطقي"..
حرّكت شذى عينيها يمنة ويسرة بتوتر، قبل أن تعاود النظر إلى أمواج وشرارات الغيظ تتسلل من بين رموشها، ثم أطرقت رأسها وقال بنبرة محرجة تكاد تتعثر بين كل كلمة وأخرى: "كنت.... أسميها.... لطيفة.... الـــــــــ ظريفة"..
كادت أن تقول (السخيفة).. وهو الاسم الحقيقي الذي تطلقه عليها منذ شاهدت بنفسها طريقة تعاملها الجامدة مع ابنتها، لكنها بالطبع لن تتصرف بتنمر وعدم تهذيب، فتقولها على الملأ متسببة بألم لشادن التي انطلقت في نوبة من الضحك العفوي شاركتها به الفتيات، ثم علقت تقول بعدم تصديق: "ظريفة؟؟ ليت أمي تسمعك تقولين إنها ظريفة... لا بأس يا شذى.. كنت أظن الأمر أسوأ من ذلك"..
رفعت أمواج عينيها لشذى وحركت حاجبيها بتلاعب، بينما أطرقت الأخرى رأسها وتوردت وجنتيها حرجا، فابنة خالتها فايزة تعرف جيدا تلك الكلمة التي تصف بها زوجة العم عبد الجليل..
بعد لحظات من الصمت، هتفت مرح تقول: "أين البنت زهو؟ لِمَ رفضت المحادثة؟"
ردت شادن بتفكّر: "لا أعرف.. ولا أعرف ما بها في الفترة الأخيرة!!.. أشعر أن بها شيء قد تغير.. كما أنها...."
هتفت أمواج بحيرة: "أنها ماذا؟"
حرّكت شادن كفيها بعدم حيلة، ثم ردت: "أصبحت تتجنب زيارتي في منزلنا.. وكلما دعوتها ترفض وتتعلل بانشغالها... أساسا منذ التحقت كلٌ منا بكلية مختلفة، أصبحت لقاءاتنا غير منتظمة.. وبالفترة الأخيرة، لم أعد أراها تقريبا إلا في تدريبات اليوجا أو الرقص بالنادي"..
ردت أمواج بعد ثوانٍ من التأمل: "غريبة.. هل تشاجرتما مثلا؟؟ يا الله.. أنتما لم تتشاجرا منذ مئة عام مثلا"..
ابتسمت شادن بحنين لصديقتها الأقرب، وقالت: "لا والله.. تعلمين أننا نتفاهم جيدا وليست بيننا تلك المنافسة بين الصديقات.. لا أتذكر أنني فعلتُ شيئا لمضايقتها مؤخرا"، وأطرقت رأسها تبتلع باقي كلماتها التي همس بها قلبها بوجل..
(كنتُ في حداد على روحي المهشمة، أحاول ترميمها فتجرحني شظايا بلورها المحطم.. حتى الآن لم أتعافى تماما.. فكيف بي أجرح أحدا بكلمة، وأنا أكثر من تعرف كيف يمكن للكلمة أن تمزق شخصا لعمرٍ بأكمله)..
لاحظت أمواج شرود ابنة عمها، فقالت بنبرة داعمة: "لا بأس.. اليوم سنسألها خلال التدريب"..
هتفت شذى بعفوية: "أتدريان؟ لقد حجزت أنا ومرح في مركز هنا لتعليم الرقص النقري.. سنتعلمه أيضا حتى نشارككما نفس الهواية ولو عن بُعد.. أعجبتني فكرة أنه يجمع بين حركات الرقص والرياضة للمحافظة على رشاقة القوام وليونته.. نتعلم منكِ يا كابتن Mu-Ji"..
ردت أمواج بنبرة حماسية: "جربا ممارسة اليوجا أيضا.. صدقاني.. ستتغير حياتكما تماما، فتأثيرها لا يتوقف على الرشاقة فقط، بل تمنح العقل السكينة والسلام النفسي بعيدا عن فوضى الأفكار الصارخة به"..
قالت مرح بتفكه: "لا أفهم ما سر عشقك لليوجا بهذا الشكل!!.. لدرجة تعيينك مدربة في النادي رغم أنكِ لم تتخرجي بعد.. هل بالأمر وساطة؟"، أنهت سؤالها الأخير بنبرة متواطئة مازحة وكأنها تسأل عن سر حربي خطير.. جانب جديد من شخصيتها التي تشبه اسمها، والذي لا تظهره سوى مع أقرب الأقربين..
حرّكت أمواج أصابعها بين شعرها المموج المنطلق على ضفتي كتفيها بحرية، تمنحه بعض الكثافة والحيوية، ثم قالت: "في الحقيقة.. كانت ممارستي لليوجا منذ البداية ذات فائدة علاجية.. لاحظت أمي منذ صغري مدى تمردي واندفاعي.. وكنت حتى أميل للعصبية في ردود أفعالي ربما بسبب كوني ابنة وحيدة بلا أخوة تتعلم معهم المشاركة والتنازل.. بدأت تبحث عن حلول للأمر داخل كتب تربية وتأسيس الأطفال، فقرأت أن اليوجا تساعد على الاسترخاء وتحقيق الاتزان النفسي وتقلل التهور والحاجة إلى القيام بتصرفات طائشة بهدف لفت الانتباه.. أرشدتني إلى بداية الطريق، وأنا تمسكت به لما أحدثه من أثر على نموي العقلي وتطور شخصيتي.. وحين ازداد شغفي بها وتقدمت كثيرا، حصلت على دورة تدريبية بمركز (مولانا آزاد) الثقافي الهندي، ثم تقدمت للوظيفة في النادي وتم قبولي.. أمامي عام ونصف فقط للتخرج على أي حال"..
سألتها شادن بفضول تخفي خلفه بعض الحسرة: "ألم يغضب والدكِ لأنكِ ابتعدت كثيرا عن مجاله كأكاديمي؟ وربما يتسبب عملك خلال فترة الدراسة في موقفٍ محرجٍ له من أصحاب الفكر الضيق!!"..
ابتسمت أمواج بتعاطف.. تفهم مغزى سؤالها جيدا.. البعض قد يخوض سيرتها بكلمات سيئة، كونها تعمل مدربة يوجا في مركز رياضي بينما لا تزال طالبة.. سيقولون والدها لا يستطيع الإنفاق عليها، لذا لجأت للعمل.. أو يقولون فتاة متمردة متحررة تريد الاستقلال بحياتها والخروج من سيطرة عائلتها ولا تحترم الكبار.. تهين أبوها الأكاديمي بعملٍ لا يليق به..
خرجت من شرودها، تعاود الابتسام وهي تردد نفس الكلمات التي ألقاها والدها على مسامعها حين تحدثت معه لأول مرة عن اختياراتها لمستقبلها المهني ومسار حياتها: "أبي قال لي.. أنتِ لستِ قيّمة على إرثٍ تضطرين لحراسته بالإجبار.. ليس لأنني أحب عملي الأكاديمي في الجامعة، سأجبرك على أن تكوني امتدادا لي وأنتِ لا تمتلكين شغفا للأمر.. يمكنكِ أن تصبحي امتدادي في الدنيا بسيرتك الطيبة وعملك الجاد، أيا كان المجال الذي ستختارينه.. سأدعمكِ دائما وسأقف خلفكِ أهتف لكِ وأؤازركِ لترتقي سلم الحياة درجة درجة حتى تحققين المجد الذي يليق بكِ"..
ساد صمتٌ طويل بين الفتيات الأربعة، فمرح وشذى تربتا في كنف عائلة منحتهما نفس الحرية، فاختارت إحداهما طب الأسنان، بينما ركزت الثانية على استغلال جمالها لتحقق لقبا رسميا يتوج نظرتها الواثقة لنفسها، واكتفت فقط بدراسة الأعمال، كونها لا تميل أبدا للاكتفاء فقط بحياتها الاجتماعية والشهرة التي نالتها بخوضها منافسات مسابقة (ملكات الجمال)..
أما شادن، صاحبة الوجع الكامن والابتسامة القانعة، فقد أخفت حسرتها بكل ما أوتيت من قوةٍ.. ستذرف دمعات الخذلان في وقتٍ آخرٍ.. حين تنفرد بنفسها فلا تثير شفقة أحدٍ..
ليس بعد الآن، وبعد ما كان.. لن تضع نفسها من جديد في موقفٍ تتلقى فيه نظرات الإشفاق ممن حولها.. ستنهض وتعلو فوق أوجاعها..
هتفت مرح تقول بحماس مبددة التوتر السائد: "لم أخبركن يا بنات.. تلك الغليظة صاحبة (تاج الجمال) جاءها الكثير من الخُطباء، وهي من تتدلل وترفض.. أتصدقن؟ جاءها طالبو القرب من مصر ومن بعض أصدقائنا العرب المقيمين هنا أيضا.. ولكنها من تمانع"..
أطرقت شادن رأسها أرضا تخفي شعورها الذاتي بالشفقة الذي أصبح يلازمها منذ ذلك اليوم المشؤوم الذي تأكدت فيه أنها – أبدا - لن تلفت نظر أحد.. وبرغم اعترافها أنها ما زالت صغيرة نوعا ما على الزواج، إلا أن محاصرة والدتها لها تخنقها، كما أن خسارتها الخاصة في معترك الغرام – وإن كان سرية – إلا أنها لا زالت تحرق حلقها بغصة مريرة..
أما أمواج، فقد سبح ذهنها بعيدا نحو البحر.. صوب ذلك الذي منذ التحاقه بالكلية، لم يكلف نفسه عناء محادثتها هاتفيا أو حتى إرسال رسالة قصيرة ليطمئنها عليه.. لكنها تجاهلت أنين خافت بقلبها، وأخفت ما تحس به من شجن، لتتمتم ببعض الكلمات التي تحث شذى على فعل ما تشعر أنه الأفضل لها حاليا، وألا تتسرع في مسألة الزواج، خاصة وأنها لم تحدد بعد أين تريد أن تستقر مع أسفار عائلتها المتعاقبة..
في ختام المحادثة، هتفت مرح بنبرتها الرائقة: "كل عام وأنتما بخير .. أبلغا زهو تهنئنا بقرب حلول شهر رمضان.. ونحن سنهاتف فايزة وفاطمة ولطيفة"..
بانتهاء المحادثة، استرخت شادن في سريرها تفكر هل سيأتي نبيل للإفطار مع العائلة أول أيام شهر رمضان، أم أن سفره لقارة بعيدة سيحرمهم لقائه هذا العام أيضا!!
ومن بين شرود أفكارها، انتبهت شادن لأول مرة، أن شقيقيها قد اختارا الابتعاد عن الوطن مثل والدهما، وإن كان نادر قد فضّل الهجرة والاستقرار كليا في كندا، فإن نبيل قد حذا حذو والده بالابتعاد المتقطع، ووجد لنفسه مهنة تفرض عليه السفر لبضعة أشهر لأقاصي الأرض قبل العودة لعدة أيام يشبع فيها شوقه لعائلته ليغادر ثانية..
وإن كانت مهنة والدها كقبطان بحري لباخرة عملاقة لنقل البضائع لا تنطوي على نفس المخاطر التي تميز عمل أخيها – وصديق عمره.. فشعرت في تلك اللحظات بانقباض قلبها، فدعت الله برجاء مخلص أن يحفظهما وأمثالهما من الشباب..
أما أمواج، فقد ثارت أنواؤها لتحوّل مزاجها المعتدل إلى ساخط بشكل مفاجئ، حين تلقت خطابا بريديا اكتشفت أنه مُرسل لها من مقر تدريبات الكلية الحربية، فعلمت من صاحبه قبل حتى أن تفتحه..
ورغم ما يعتمل بداخلها من انفعالات جارفة، إلا أنها تسلمت الخطاب بفتور زائف وجمود مفتعل من والدتها التي أعطتها له وهي تناظرها بعينين تحاولان استقراء انفعالاتها، لتسارع إلى غرفتها بخطوات رتيبة لا توازي أبدا ضربات قلبها المتلهفة التي تتحين لحظة قراءتها للخطاب، وكأنها حين تفتح المظروف سيتجسد من بين ثناياه من خط الكلمات بيديه..
فتحت أمواج المظروف لتسقط منه حفنة من الأوراق المالية المطوية بعناية، لكنها تجاهلتها وأمسكت بنص الخطاب، لتمر بعينيها على الأسطر، قبل أن تهتف بحنق: (ما هذا البرود؟ هل هذا كل شيء؟)..
عاودت أمواج النظر إلى السطور لتقرأها بصوت عالٍ، وكأنها حين تنطق الكلمات بلسانها، سيتغير فحواها..
كان بحر قد كتب:
(ابنة خالتي أمواج..
تحية طيبة وبعد..
أكتبُ إليكِ لأهنئك بحلول شهر رمضان الكريم، حيث لن أتمكن من زيارتك هذا العام لكي أهديكِ فانوسكِ الملون كما عودتّكِ كل عام.. ولذا فقد وضعت مبلغا ماليا داخل المظروف لكي تنتقي واحدا على ذوقكِ.. ولا تنسي أن تشتري واحدا آخر لشادن أيضا.. وثالثا لزهو.. ولكن انتقي لنفسك واحدا مميزا.. ليكن باللون الأزرق.. لا تنسي أن تشربي القليل من الماء قبل رفع أذان الفجر حتى لا تصبحي عطشى طوال ساعات النهار.. فأنا لن أتمكن من تذكيرك كما المعتاد.. وكُلي جيدا على السحور..
سلامي لفايزة ومنصف..
إلى اللقاء)..
رمت أمواج المظروف والخطاب بعنف على الفراش، وهي تهتف بانفعال ماطة شفتيها: "يا لك من سخيف.. لم توجّه لي كلمة واحدة خاصة.. بل وتطلب مني أن أشتري لزهو وشادن أيضا نيابة عنك.. بقى أن أشتري أيضا لصديقاتنا الأخريات من النادي.. سخيف"..
زفرت أمواج بضيق وهي تهز رأسها غير قادرة على تبديد شعورها بالغيظ، ثم تحركت تحمل الخطاب وتربت عليه بكفها وتلثمه بقبلة ناعمة، قبل أن تضعه بين خطاباته التي كان يرسلها لها مع الهدايا خلال سفرها وعائلتها للخليج، في صندوق خاص تخصصه لأغلى أشيائها، وتحفظه بالرف العلوي داخل خزانة ملابسها..


يتبــــــــــــــــــــــ ــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 08-08-22, 08:17 PM   #552

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة التاسعة عشرة: القسم الثاني

لم تشأ أن تتحرك من الكلية إلى المستشفى مباشرة دون أن تمر على منزلها أولا لكي تأخذ صندوق الطعام الذي جهزته والدتها.. فقد أعدت اليوم الكشري، وأصرت عليها ذكرى أن تضع لها كمية كبيرة داخل أكبر صندوق طعام تمتلكه، متعللة بأنها ستعود جائعة من الكلية، وستحتاج لأن تأكل أكثر من مرة في مناوبتها المسائية..
سارعت ذكرى تحمل الحقيبة التي وضعت بها صندوق الطعام مع بعض الأطباق والملاعق، وركضت فورا لتلحق بالمستشفى دون أن تفكر حتى في تبديل ملابسها..
ستتأخر قليلا.. لا بأس.. الأمر يستحق..
فور أن وصلت للمستشفى وبدلت ثيابها للزي الموحد الخاص بعملها، حرصت على التعطر بالقليل من عطرها الخفيف من ماركة محلية معروفة بمنتجاتها ذات الجودة المقبولة بسعر زهيد..
لكن، هذا أقصى ما تستطيعه حاليا بدخلها المنخفض.. فذكرى، وإن تخلت عن كل رغبة لها في أن تكون أميرة متوجة، فإن هذا لا يعني ألا تدلل نفسها قليلا من وقتٍ لآخر بإمكاناتها المتاحة..
سارعت تضع بعضا من بودرة الخدود لتمنح وجهها بعض التورد فتختفي آثار الإجهاد عنه، ثم وضعت القليل من مرطب الشفاه بمستخلص الكرز، ولفت شعرها في شكل كعكة علوية غير منتظمة وزينتها بدبوس فضي..
لا تحب أن تبالغ في إطلالاتها داخل مجال عملها لكي تتجنب محاولات التحرش من أصحاب النفوس الضعيفة وعديمي التهذيب واللياقة، لكنها اليوم بشكلٍ خاصٍ أرادت أن تشعر أنها بالفعل جميلة، فلديها مأدبة، هي صاحبتها..
أنهت أولا جولتها على النزلاء من المرضى المسجلين بقسم أمراض القلب والأوعية الدموية الذي تم نقلها إليه مؤخرا بناء على طلب منها لمنحهم الأدوية وسحب عينات التحاليل التي طلبها الأطباء المعالجون وتسليمها للمعمل، ثم سارعت تحمل طعامها وتحركت به صوب قسم جراحات العظام، حيث كان ينتظرها الدكتور حسن تحسين رئيس القسم وتلميذه.. الدكتور آدم عزازي..
فور أن دلفت ذكرى إلى الداخل، هتف الدكتور حسن بتوبيخ مفتعل: "تأخرتِ يا ذكرى.. لقد انتظرتك طويلا لأتذوق طبق الكشري من يد والدتكِ كما وعدتيني.. هل كان عليّ الانتظار كل هذا الوقت؟"
همّت ذكرى تضع ما تمسك به على الطاولة، ولكن سبقها الدكتور آدم يحمل عنها الكيس الضخم، ويمنحها ابتسامة ترحيب، فقالت باعتذار: "آسفة والله يا دكتور.. لقد حاولت ألا أتأخر في الكلية ولكن طرأ أمر ما"..
رفع آدم حاجبه وتحركت مقلتاه بفضول، لكنه لم يصغ التساؤل الذي يطل منهما في شكل كلمات، فتنحنحت ذكرى وقالت مردفة: "أصيب أحد زملائنا بأزمة صحية مفاجئة في نهاية المحاضرة الأخيرة.. في البداية لم نفهم ما به، إذ أصابته تشنجات، إلى أن اتضح أنه مريض صرع، فطلبنا له سيارة إسعاف وظللنا معه حتى تم نقله إلى أقرب مستشفى"..
قال الدكتور حسن بتأثر واضح: "شفاه الله وعافاه.. أرجو أن يكون بخير الآن"..
سارعت ذكرى ترد بحماس: "الحمد لله.. لقد هاتفنا زميلنا علي الذي رافقه بسيارة الاسعاف، وأخبرنا أنه قد تلقى العلاج وهدأ تماما واستقرت حالته"..
لم يبدِ آدم أي رد فعل على ما سردته ذكرى، إذ ظل واقفا يستمع لما تقوله بوجه صلب لم يتحرك فيه سوى فكه، إثر اصطكاك أسنانه..
التفّت هي تسكب الطعام في الأطباق، وتضيف إليه الصلصة الحارة بالثوم لتنتشر رائحتها في الأجواء، ثم قدّمت طبقا للدكتور حسن، وهي تقول بترقب: "تذوق وأخبرني رأيك"، فتلقاه بابتسامة مترقبة وعينين تلمعان باشتهاء، وكأنه لم يتذوق هذا الصنف منذ سنوات لا يذكر عددها..
استدارت لآدم تمنحه طبقه، والذي ما أن داعبت رائحة مزيج محتوياته أنفه، حتى تغيرت ملامح وجهه التي انتقلت من الامتعاض إلى اللذة المرتقبة، وسارع يملأ الملعقة ويدسها في فمه، ليلوك الطعام مغمضا عينيه باستمتاع حقيقي، بينما تراقبه ذكرى بسعادة..
أما الدكتور حسن، فقد تناول بضع ملاعق متتالية، قبل أن يقول: "ألذ كشري تذوقته في حياتي.. أتعرفين؟.. أحيانا أشتهي تلك الأطباق اللذيذة، ولكنني لا أحب تناولها من مطاعم الأكلات الشعبية.. لا يكون مذاقها طازجا كتلك المعدة في البيت.. كانت والدتي رحمها الله تعده لنا من وقت لآخر"..
تمتمت ذكرى بالدعاء لوالدته بالرحمة، قبل أن تمسك طبقها وتبدأ تناول بعض الملاعق منه، قبل أن يتابع دكتور حسن بعد أن دس بفمه بضع ملاعق أخرى متتالية: "يا الله.. كم مضى من الوقت منذ تذوقت طبق كشري بهذا الطعم الرائع!! أربع سنوات؟ خمس؟ عموما أشكرك كثيرا على هذه الفرصة الرائعة.. أريد تناول الطبق كاملا أقسم بالله، ولكنني أعاني من مشاكل في القولون والعدس سيصيبني بعسر الهضم.. لكنه كان لذيذا بحق.. سلمت يداكِ.. الآن سأطير إلى عيادة المعادي.. لا تنسي موعدنا غدا في عيادة المنيل"..
أومأت ذكرى برأسها، ثم أطرقت نظراتها تتصنع التركيز في تناول طعامها، خاصة بعد أن غادر الدكتور حسن ليتركها بمفردها مع الدكتور آدم..
كانت ذكرى تنتظر أن يبدي رأيه في طعام والدتها.. لكنه ظل معانقا للصمت، لا يصدر منه سوى بعض أصوات الإعجاب التي كانت تخرج منه عفويا كلما تناول ملعقة من الكشري، حتى أنه أضاف المزيد من الأرز والصلصة الحارة لطبقه، قبل أن يستأنف تناوله بنفس التلذذ..
هذه ليست المرة الأولى التي تدعو فيها ذكرى الدكتور آدم ليشاركها طعامها، فمنذ لاحظت أنه لا يتناول شيئا داخل المستشفى تقريبا سوى مشروبات الطاقة والقهوة المركزة مع لفافات تبغه، شعرت نحوه بشفقة لا تدري مبعثها، فبدأت تمنحه بعضا من طعامها كلما تقاطعت مواعيد مناوباته مع مناوباتها طوال الأشهر الستة الماضية..
وحين كانت تحضر من منزلها طعاما منزليا شهيا من صنع أمها، كانت تمدد الدعوة أيضا للدكتور حسن الذي منحها فرصة عمل مثالية ضاعفت دخلها وسهلت عليها الإنفاق على دراستها وعلاج والدتها أيضا..
أما هو، فكان يتلقى عطاياها السخية بفرحة طفل يتناول المثلجات في الأعياد..
في الحقيقة، كان يتلقى أي اهتمام من جانبها، كطفل محروم حظى بلعبة فارهة لم يكن يحلم باقتنائها، ولم يعرف قبل أن تسقط بين يديه كم كان يحتاجها..
لم يكن يدري أنه يفتقد لوجود صديق هكذا طوال حياته.. فهو خلال رحلته للتفوق في الدراسة ليصل لكلية الطب، لم تسمح له والدته باتخاذ أصدقاء حتى لا يتحولوا لعامل إلهاء عن الأهداف التي وضعتها لمستقبله، فنشأ هو غير مكترث بامتلاك صديق فعلي يتبادل معه الحديث ويشعر به..
أما شباب العائلة الذين كانوا يماثلونه في العمر، لم يشعر تجاه أيهم بنوعٍ من الانسجام، خاصة أنه لم يكن يلتقي بهم إلا في تلك الحفلات العائلية التي تشبه المؤتمرات الطبية..
كان الدكتور حسن تحسين الذي يكبره بحوالي ثلاثة عشر عاما، أقرب ما يعرفه لمعنى الصداقة، لكنه حين قابل هذه الفتاة التي تبدو كحلوى غزل البنات القطنية، شعر أن هناك نوعا جديدا من البهجة لم يتسلل لحياته من قبل..
ورغم الحزن المحتجز بين أسوار مقلتيها دون أن يدري له سببا، فإن البهجة التي تحيط بها في كل خطوة، تنقل إليه عدوى مماثلة، ليشعر أنه في حضرتها يصبح.. أصغر.. أخف..
أفضل..
آدم عزازي يصبح في أفضل نسخة ممكنة منه عندما تكون هي في الجوار..
ليس لديه تفسير للأمر، ولا يهتم.. المهم أن تلك الصداقة التي جمعت بينهما منذ قتلت لأجله ذلك الوحش المرعب الصغير، قد خلخلت كومة الكآبة التي تثقل قلبه، ونفضتها عنه شيئا فشيئا، لتصبح ابتسامته أكثر اتساعا، ونظراته أكثر إضاءة.. ومزاجه في محله، دون الحاجة للقهوة والتبغ وركوب الدراجات النارية بأقصى سرعة..
بعد بعض الوقت، سألته ذكرى بفضول من لم يتحمل الانتظار لثانية أخرى: "ما رأيك؟"
ابتلع آدم الطعام، ثم مد يده يسحب منديلا ورقيا يمسح به شفتيه، ثم قال: "لذيذ جدا.. لم آكل بهذا القدر خلال وجبة واحدة منذ وقتٍ طويل.. يبدو أنني سأضطر لزيارة النادي منتصف هذا الأسبوع من أجل جلسة تدريب استثنائية.. عدة لفات من السباحة ستخلصني بالتأكيد من أثار هذا المزيج الجبار على لياقتي البدنية"..
ردت ذكرى بانزعاج: "لكنك لا تأكل كثيرا يا دكتور آدم"..
ناظرها آدم لثانيتين، ثم قال بنبرته الواثقة الاعتيادية: "لست معتادا على تناول الكثير من الطعام أو حتى تعدد الوجبات يوميا.. وجبة واحدة تكفيني.. الحياة بها متع أهم من الطعام"..
أومأت ذكرى تؤيده، فهي نفسها تمتلك عشرات الأحلام التي تشعر أنها حين تجرب أيا منها، ستكون أكثر سعادة مما لو تناولت أشهى الوجبات في أفخم المطاعم.. بل سيكون الطعام وقتها هو آخر ما تفكر به..
تنحنح آدم، ثم سألها بترقب وفضول نجح في إخفائهما خلف زجاج نظارته الطبية العصرية الأنيقة: "ما قصة زميلك هذا؟ قلتي ما اسمه؟؟ عليّ؟"
همّت ذكرى تجمع بقايا الطعام حتى تترك الغرفة نظيفة قبل أن تعود لعملها في قسم أمراض القلب، ثم قالت وهي تعطيه ظهرها: "علي إنسان شهم للغاية يساعدنا كثير في تصوير المذكرات وتسجيلنا في محاضرات العملي في مواعيد تناسبنا.. فأغلبنا يعمل بالفعل، وليس متفرغا كليا للدراسة.. ولكن بنفس الوقت.. لا يمكننا أن نهجر الكلية ونتخلى عن الحضور حتى نكتسب المزيد من المهارات لنرتقي في عملنا"..
همهم آدم، وسألها بنبرة سخيفة: "وماذا أيضا؟"
انتبهت ذكرى لأن مزاجه قد تغير، فقالت بنبرة جامدة لا تشي بشيء: "لا شيء.. هذا كل شيء.. أستأذنك.. سأعود للقسم"..
تخلى آدم عن وقفته الجامدة، وهتف بنزق طفولي: "انتظري لحظة"، ثم تحرك صوب الباب، وقبل أن يغادر، استدار نحوها يرمقها بنظرة محذرة، ثم هتف يأمرها رافعا سبابته: "انتظري هنا ولا تغادري قبل أن أعود"..
انشغلت ذكرى الدقائق التالية في فتح النافذة لتهوية الغرفة قليلا حتى تضيع رائحة الثوم من المكان ثم نثرت القليل من رذاذ معطر الجو، ثم وقفت أمام النافذة التي تطل على الشارع الرئيسي المواجه للمبنى، تستنشق النسيم وتحاول الاسترخاء..
تشعر بالإجهاد لكنها غير غاضبة..
كلما رسمت الابتسامة على وجه آدم الجاد تحس أن غيمة وردية تحيط بها.. وكأن ما تبذله من مجهود في مدّه بالطاقة الإيجابية، ينعكس عليها بشكل مضاعف..
أخرجها من فضولها، هتاف حانق من خلفها: "أغلقي هذه النافذة فورا قبل أن يقفز منها برص آخر"..
شهقت ذكرى بفزع، فهي لم تنتبه لدخوله الغرفة، لكنها سارعت تغلق الشباك وهي تداري عنه ضحكاتها الصامتة، حيث تذكرت الموقف الذي جمع بينهما فيما سبق في لقائهما الأول..
حين التفتت ذكرى، وجدت آدم يمسك بيديه صندوقا مغلفا بورق ملون، وقال بنبرة لا مبالية وهو يمد يديه نحوها: "هذا لكِ"..
فتحت ذكرى الصندوق لتجد بداخله فانوسا عصريا باللون الوردي مرسوما على سطحه وجه طفلة جميلة تضع طوقا على شعرها يبدو كتاج الأميرات..
لم تتمالك ذكرى دمعتين انسابتا ببطء على ممرات وجنتيها الذابلتين بفعل سنوات من الخذلان جفت لها مروج وجهها بعد أن هجرتها النضارة والحيوية التي لا يكتسبها الإنسان إلا بفعل المدح والدعم اللا مشروط من والديه..
دمعتان، كانتا بمثابة قطرتي ندى ترويان ظمأها للاهتمام والحنان، بدلا من أن تصبغ وجنتيها بالمزيد من صبغة الجفاف والحرمان، فوقف آدم أمامها يتتبع الانفعالات المختلفة التي ارتسمت على صفحة وجهها وهو غير قادر على تفسيرها تماما، شاعرا بالضيق لأن هديته قد أزعجتها..
ابتسامة براقة أضاءت لها عيناها وتفتح لها قلبها وأشرق وجهها كألف شمس، بددت شكوكه وكشفت له بلا شك أنها راضية عما فعله، فبادلها الابتسامة بأخرى مشاكسة هز لها كتفيه كطفل نابه أخبروه أنه قد نال جائزة التفوق على مستوى المدرسة كلها..
بنبرة هاربة يكسوها الانبهار، قالت ذكرى: "هذه أول مرة يشتري أحد شيئا خصيصا لأجلي"..
رفع آدم حاجبيه وفغرت عينيه دهشة، ثم سألها بعدم تصديق: "تقصدين كهدية؟ حتى والديك؟"
اختفت السعادة عن وجه ذكرى الذي عادت ملامحه للذبول، وكأن قوة مظلمة خفية قد امتصت الحياة من داخلها، ثم ردت بنبرة أسيفة: "أمي خارج أية معادلة.. أمي أضاعت عمرها كله تحاول أن تنشئني بأفضل شكل.. أن تعوض كل ما حرمني أبي منه.. تصور أنها تناديني (أميرتي) منذ طفولتي.. وكانت دوما تخبرني أنني أجمل ما في حياتها.. تخبرني أنني قد خُلقت لأكون أميرة... لكنني وُلدت في زمن غير زمني"..
ناظرها آدم يتطلع في هيئتها البسيطة بملابس العمل بتفحص، ويتخيل كيف كان ليصبح شكلها إذا كانت تعتمد إطلالة فاخرة تتكلف بضعة آلاف من الجنيهات بتوقيع واحدٍ من دور الأزياء العالمية المعروفة، لكنه عاد وهز رأسه يطرد تلك الفكرة، مدققا النظر بها من جديد.. ليلاحظ لأول مرة تلك الهالة التي تحيط بها..
كانت ذكرى تقف بقامة مستقيمة منتظمة ووجه معتدل غير منكس، وأنف مرفوع بإباء، بينما قسمات وجهها تعكس ذلك الجمال الكلاسيكي الذي يجعلها تشبه جميلات العصر الفيكتوري في أشهر اللوحات والتماثيل بعصر ما بعد النهضة الأوربية، خاصة مع بشرتها المرمرية وامتلاء وجهها..
نهر آدم نفسه لربطه رقي الفرد بارتفاع وضعه المادي والاجتماعي، فتلك التي تشخص أمامه الآن، مثال حي للأنفة والسناء برغم ضيق ذات اليد..
تنهد، ثم منحها ابتسامة فوضوية، وقال بمشاعبة تسيطر عليه دائما في حضرتها: "أميرة.. ها؟"..
أطرقت ذكرى وجهها بوجلٍ واتسعت ابتسامتها، قبل أن يتابع هو بفضول: "وماذا عن والدكِ إذًا؟"
هربت الابتسامة من وجهها، وقالت بسخط بعد أن برقت عيناها بشراسة مشوبة بالنفور: "أبي؟ أبي؟ هذا الرجل لا يربطني به سوى أن اسمه يتبع اسمي في شهادة الميلاد.. أبي لم يمنحني شيئا قط.. لا هدية ولا نفقات ضرورية لتعليمي أو لشراء ملابس جديدة.. ولا حتى مجرد ابتسامة أو عناق أو ربتة على كتفي تطمئني في لحظة وجع.. لم يمنحني شيئا قط"..
فغر آدم شفتيه.. لا يكاد يستوعب ما تسرده ذكرى الآن، فهو وإن كان يختنق من اهتمام والديه المتزايد به – خاصة والدته التي تتدخل في كل تفصيلة صغيرة تخصه - إلا أنه كان يتصور أن هذا هو الطبيعي، خاصة وأن ذكرى أيضا ابنة وحيدة لوالديها ومن المألوف أن يهتم الآباء بأبنائهم بشكل زائد في حالات مشابهة.. أما أن يرفع الأب يده تماما عن ابنته الوحيدة، فهذا شيء غير معقول وضد الفطرة..
همس يسألها مداريا الكثير من الإشفاق الذي سيطر عليه اللحظة: "لهذه الدرجة؟ هل هو متزوج من سيدة أخرى ولديه أبناء آخرون يعتني بهم؟"
ضحكة قصيرة ساخرة صدرت عن ذكرى، ثم قالت: "لا.. هو لا يعتني سوى بنفسه فقط.. وليته يفعل ذلك بعيدا عن الآخرين، بل يفرض عليهم تلبية احتياجاته التي لا تنتهي"..
عقد آدم ذراعيه أمامه.. وقبل أن يرد، أطرقت ذكرى رأسها بأسف، وقالت بحسرة: "لو أسرد لك آخر ذكرى تجمعني به قبل طلاق والدتي منه.. لن تصدق أنه قد يفعل ذلك"..
شعر آدم بحاجتها للفضفضة، لإخراج ذلك النزف الدامي من داخلها حتى تهدأ نفسها قليلا، فأشار لها لتتابع، فقالت بنفس نبرتها الكسيرة وعيناها تناظران الأفق بنظرة شاردة وكأنها قد سقطت من جديد في قلب الذكرى: "كان ذلك حين نلت شهادتي الاعدادية بتفوق.. يومها ركضت نحو بيتنا لأحتفل وأتجهز للالتحاق بالثانوية العامة كخطوة أولى نحو تحقيق حلمي بأن أصبح طبيبة.. لكنني حين عدت للمنزل وجدته يتشاجر مع والدتي للمرة الأخيرة.. يتشاجر معها بنفور وضيق، معلنا أنه قد اتخذ قراره بتطليقها بعد تشخيص مرضها المزمن الذي يأكل من قوتها يوما بعد يوم"..
زفر آدم بانفعال، لا يدري كيف له أن يخفف عنها ذلك الوجع الذي استقر بقلبها منذ طفولتها، لكنها تابعت بنبرة عملية بعد أن تنحنحت تجلي صوتها لتتخلص من بوادر حشرجة.. تصرف ظنته بسيطا، لكنه وشى بأنها لا تريد أن تستلم للبكاء وإطلاق سراح الدموع الحبيسة بصدرها، ثم تابعت: " كان ذلك هو أتعس يوم في حياتي.. كان عليّ أن أتنبأ بالأمر بعد أن تعرضت لذلك الحادث المفاجئ حين اصطدمت بي دراجة نارية وأنا عائدة للمنزل.. فأنا لا تكتمل لي فرحة أبدا.. حتى الحلوى الصيفية المثلجة التي كانت تلقيتها في ذلك اليوم كاعتذار، وتقبلتها وكأنها تهنئة خاصة من القدر، لم أهنأ بها"..
طالعها آدم بعدم فهم، فابتسمت هي بمرارة، ثم قالت بنبرة تبدو طفولية لكنها غارقة في البؤس: "تصور أن يعطيك غرييا قطعة مثلجات كنوع من الاعتذار على اصطدامه بك بدراجته النارية، فيختطفها والدك من بين يديك ليلتهمها هو"..
فغر آدم شفتيه واتسعت عيناه بإدراك يتصارع مع عدم التصديق لتلك المصادفة المبهرة، وهتف يسألها وهو يرفع سبابته بترقب: "هل كان ذلك الشاب الذي يقود دراجة نارية يرتدي خوذة رزقاء في ذلك الحي الشعبي المقابل لحي الزمالك؟؟ هل أنتِ من سقطتِ أمام دراجتي عند المنعطف بتنورتك الواسعة، تحتضنين ملفا بين يديك؟"..
اتسعت عينا ذكرى، وشهقت غير مصدقة، ثم سألته بانشداه: "أكان هذا أنت؟ يا إلهي.. لا أصدق"
أومأ آدم برأسه ونبضات قلبه تعلو بفرحة غير مفهومة.. ربما كان السبب أنه كلما ناظرها كان يشعر أنه قد قابلها من قبل، والآن فقط اكتشف مبعث ذلك الاحساس..
طرد عن صوته ذلك الشجن الغريب الذي التصق به، وقال بنبرة هادئة: "إذًا أنا مدين لكِ ببعض المثلجات طالما لم تتناولين تلك التي قدّمتها لكِ أول مرة"..
عاد العبوس لوجه ذكرى، وهي تردد بحزم: "لستَ مدينا لي بشيء.. بل أبي هو المدين لي بكل شيء.. لن أسامحه أبدا"..
كلمات ذكرى جعلت آدم لأول مرة يفكر في وضعه مع والديه.. عليه أن يكون ممتنا لرعايتهما له واهتمامهما بالوقوف خلفه لكي يبني لنفسه مستقبلا باهرا يؤمّن حياته، حتى وإن كانا يبالغان في ملاحقته وتوجيه خطواته..
هتف بنبرة بهيجة مخرجا القليل من حماسه الطفولي، ليغير من أجواء الجلسة التي انقلبت تماما: "ذكرى.. أنتِ صديقتي الوحيدة.. لذا سأغرقك بالمثلجات من الآن فصاعدا.. وأريني كيف ستعترضي.. انظري كم مرة أطعمتني من أطباق والدتك الشهية.. دعيني أرد لكِ بعضا من السعادة التي تنثريها حولي في شكل وجبات مسربة لو تدري عنها الدكتورة رقية لكانت قد طالبت بنفيك إلى صحراء سيبيريا الجليدية بتوصية إبقائك مع دب قطبي يصارعك حتى يفوز أحدكما، مع وضعي أنا تحت الإقامة الجبرية في مطبخ منزلنا لا أتناول سوى ما تعده طباختنا من أكلات صحية لا طعم لها"..
ضحكت ذكرى، وقالت بعفوية: "يبدو أن والدتك صعبة للغاية"..
قال هو بنبرة جادة: "ليس لديكِ فكرة"..
استمرت ذكرى تحكي للدكتور آدم تفاصيل أخرى عن طلاق والديها واضطرارها للالتحاق بمدرسة التمريض حتى تحصل على وظيفة سريعا وتتمكن من الإنفاق على علاج والدتها، فقرر آدم أن يطلب من الدكتور حسن أن يرفع لها أجرها قليلا بعد أن يحكي له القليل عن ظروفها..
بعد أن طال البوح الذي نسيت معه مرور الوقت وتأخرها على استئناف مناوبتها، رن هاتفها بمكالمة من إحدى زميلاتها في القسم تستدعيها من أجل بعض المستجدات، فخرجت ذكرى تحتضن فانوسها بفرحة طفولية بيدها، وبيدها الأخرى تمسك كيسا يحتوي الأطباق المستعملة، بينما يشيّعها آدم بنظرة تأملية تحمل الكثير من الإعجاب بما رآه منها.. شكلا وروحا.. شاعرا لأول مرة بأن أنفاسه تخرج من بين رئتيه بشكل أيسر.. وكأن رئتيه قد تمددتا إثر شعور جديد بالراحة يلفه كليا..
سكينة لم تعرفها روحه من قبل، لكن نفسه قد ألفتها على الفور وكأنها كانت تتوق لها منذ آلاف السنين..


يتبــــــــــــــــــــــ ـــبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 08-08-22, 08:20 PM   #553

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة التاسعة عشرة: القسم الثالث

بعد عدة أسابيع، حطت طائرة على مهبط القاعدة الجوية، ليغادرها شابان غابا عن الوطن لأشهر عدة في مهمة إغاثة ودعم عاجلة بإحدى البقاع بقارة أمريكا الجنوبية على مشارف حزام الغابات المتاخم للمحيط الهادي..
تحرك نبيل إلى جوار سفيان صوب سيارة والد الأخير، والذي كان ينتظر وصولهما لأرض الوطن بشوق أب يفتقد ابنه ليس فقط خلال أشهر ماضية وإنما منذ سنوات عدة..
وبرغم تحسن علاقتما كثيرا في السنوات الأخيرة، إلا أن عاصم مرتجي لا يزال يشعر أن مسألة زواجه من سميحة لم تخفت آثارها بعد عن ابنه..
فسفيان لا يزال يمتنع عن التعامل مع خالته بنفس الانسجام الذي كان يجمعهما قبل زواجها من والده.. يعلم عاصم أنها كانت شخصه المفضل في فترة طفولته، حتى أنه كان يعتبرها بمثابة شقيقته الكبرى وصديقته، ولكن ما حدث لاحقا قد جعله يتجنبها بشكل صريح.. حتى أنه مازال يصر على عدم الإقامة في بيت والده في التجمع السكني الذي انتقلت إليه العائلة حديثا، مفضلا الإقامة بشقة والديه بالحي القديم .. ولهذا، كان الأب مصرا هذه المرة على إقناع ابنه بأن ينتقل للعيش معهم أو يتزوج وينشئ أسرته الخاصة كيلا يظل منعزلا وحيدا في كل مرة يعود فيها من غربته..
تبادل الأب مع ابنه وصديقه العناق بشوق حقيقي، وتمتم بالحمد لعودتهما سالمين، شاعرا أن قلبه الذي يسكنه التوتر في كل مرة يغيب فيها ابنه وحتى يعود، قد استكان واستعاد إيقاعه الهادئ..
بعد رحلة قصيرة بالسيارة في شوارع القاهرة غير المكتظة في تلك الساعة المتأخرة من الليل، وصل عاصم إلى مشارف التجمع السكني، حين قال سفيان بتعب: "خذني إلى البيت يا أبي"..
رد أبوه بحسم: "هذا بيتك أيضا.. أنت تحتاج للراحة ووجبة منزلية ساخنة.. ألا تشتاق لإيلاف ودانة؟"
أغمض سفيان عينيه بتعب غير قادر على المجادلة، فهمهم بالتأكيد، بينما ربت نبيل الذي كان يجلس بالمقعد الخلفي على كتفه، وقال بنبرة مشجعة: "كن قريبا يا سفيان.. ربما أحتاجك غدا"..
بفضول أبوي تخالطه الشهامة، سأل عاصم: "ما الأمر يا بني؟ هل هناك شيء؟ أتحتاج المساعدة؟"
رد نبيل بعد ابتسامة محرجة: "لا ياعمي.. كل شيء بخير.. فقط سأتقدم للزواج من زهو جارتنا وأخشى أن يرفض والدها"..
هلل عاصم بفرحة حقيقية وأخذ يقول: "ما شاء الله.. والله أسرة الأستاذ سمير الصاوي تُشرف أي عائلة.. مبارك.. مبارك.. تمّم الله لكما على خير"، ثم ربت على ساق ابنه وقال بتفاؤل: "العقبى لك يا حبيبي"..
استرخى سفيان في جلسته ملتزما الصمت، فتحوّل انتباه الأب لنبيل، وسأله بتركيز: "لكن لِم قد يرفض الأستاذ سمير طلبك؟"
تنهد نبيل بتعب، ثم قال: "من جهة، الفتاة مازالت صغيرة.. بالكاد أكملت التاسعة عشر من عمرها، ومن جهة أخرى.. وهذا الأصعب، فوالدتها ترفض أن تكون السيدة أمي الغالية هي حماة ابنتها الوحيدة"..
رفع عاصم كفه عن المقود، وهرش شعره بتفكير، متمتما: "هذا فعلا هو الجزء الأصعب.. أظن عليك أن تقدم الضمانات اللازمة لأسرة البنت أنها ستحيا معك بشكل مستقل عن حماتها"..
رد نبيل بعزم: "هذا ما أنوي عمله بالتأكيد"..
كان عاصم قد دخل التجمع السكني بالفعل، واقترب بسيارته من منزل نبيل، فقال قبل أن يتوقف بالسيارة: "عندما تذهب لطلب يدها.. خذ والدك وعمك أيضا.. وهكذا لن تكون لديه فرصة لاختصار المقابلة معك، فيصبح لديك الوقت لعرض وجهة نظرك.. كما أن والدك وعمك سيدعمانك بالتأكيد، وبالتالي تنجحون في إقناعه بإتمام الخطبة"..
قال نبيل بامتنان: "فكرة جيدة.. ليكتب الله الخير لنا.. شكرا عماه"..
بعد أن ترّجل نبيل من السيارة متوجها لبيت عائلته، أكمل عاصم قيادته بينما بدأ يتحدث لابنه بنبرة هادئة: "وأنت يا بني"..
استدار سفيان لوالده، وسأله بتململ من يعرف الإجابة: "وأنا ماذا؟"
رد الأب سائلا بحماس: "ألا توجد من تضع عينيك عليها وتريد أن تصاحبني لطلب يدها؟"
منحه سفيان ابتسامة ملولة، وأجاب بكلمة واحدة: "لا"..
تنهد والده وقال: "إذًا لأجعل سميحة ترشدنا إلى الفتيات غير المتزوجات في دائرة معارفنا.. ونتقدم لخطبة إحداهن.. ما رأيك بشادن أخت نبيل؟"..
جحظت عينا سفيان، ولحسن حظه أنه ينظر أمامه بينما كان والده منشغلا بالقيادة، فلم يلاحظ رد فعله، قبل أن يكسو الملل نظراته، وهو يستدير نحو والده قائلا بلا مبالاة: "صغيرة جدا.. وأساسا أنا لا أفكر في الزواج حاليا"..
سأله والده بغيظ: "لِمَ لا؟ شاب طول بعرض مثل الحائط.. لماذا تعزف عن الزواج؟ أنت في السابعة والعشرين من عمرك.. متى ستبدأ حياتك؟"
تنهد سفيان، وقال: "أبي.. لقد بدأت حياتي واستقرت بالفعل.. أنا سعيد بها كما هي.. لا أريد المزيد من المسئوليات في حياتي.. أريد أن أركز في عملي لأقتنص رتبة الرائد قريبا وأصبح أصغر رائد في الإدارة كلها"..
هتف والده بحنق: "أنت وطموحك هذا.. اسمع.. لن أتركك هكذا يا سفيان.. أتظنني لا أرى كم أنت وحيد؟؟.. لماذا لا تنفض ذلك الحزن العتيق عن كاهلك وتستمتع بشبابك يا بني؟؟.. أريد أن أرى حفيدي وأدلـله"
تنهد سفيان وهمس بتعب: "صدقني.. لستُ مستعدا بعد.. ربما.. لاحقا"..
اعتصر والده المقود بكفيه وقال بنبرة مستسلمة: "لله الأمر من قبل ومن بعد"..


يتبــــــــــــــــــــــ ـــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 08-08-22, 08:24 PM   #554

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة التاسعة عشرة: القسم الرابع

مساء اليوم التالي، كان سمير الصاوي، يجلس أمام نبيل الحلواني ووالده وعمه بغرفة الاستقبال بمنزله، وإلى جواره زوجته منال، أما زهو التي انتابها الفضول لمعرفة أسباب تلك الزيارة وإن كانت تتوقعها، فكانت تقف على مقربة من غرفة الاستقبال تسترق السمع لما يدور بالداخل..
كان نبيل قد بدأ الحديث بنبرة مهذبة، حيث قال: "لقد جئت أجدد طلب يد الآنسة زهو ابنة حضرتك يا عمي.. وأنا مستعد للاستماع لكل طلبات وشروط حضرتك"..
ناظره سمير بتفحص، معجبا بإصراره، خاصة وأنه قد قدِم هذه المرة ومعه دعم قوي ممثلا في والده وعمه، ثم قال بنبرة حانية غير مفتعلة نهائيا: "لقد تربيت على يديّ يا بُني، واليوم أراك – تبارك الله - رجلا ولا أفضل"..
ابتسم نبيل بامتنان، لكن البسمة ذبلت على شفتيه، حين استأنف سمير الصاوي قائلا: "ولكن ابنتنا ما زالت صغيرة على تحمل مسئولية تأسيس أسرة"..
تنحنح نبيل، ثم قال: "أعلم يا عمي.. ولست متعجلا لإتمام الزفاف، ولكنني أخشى بصراحة أن تتم خطبتها لشاب آخر خلال سفري"..
استعاد سمير طرف الحديث، ليقول بتحفظ: "وهذا السبب الآخر الذي يجعلني أتحفظ على طلبك هذا يا نبيل"..
سأل عبد الجليل الحلواني: "ماذا تقصد يا سمير؟"، ليرد جاره وصديقه: "في الحقيقة مهنة ابننا نبيل خطِرة وحياته غير سهلة.. كيف سيستقر وهو يسافر عدة مرات خلال السنة، والفترة التي يقيمها هنا لا تزيد عن شهرين فقط طوال العام.. وبشكل متقطع بعد"..
قال نبيل متحفزا: "الأعمار بيديّ الله يا عمي.. لكل أجل كتاب.. كما أن كل مهنة ولها متاعبها ومخاطرها.. وعملي ليس أكثر خطورة من غيره.. الطبيب والصيدلي مثلا يمكن أن تصيبهما العدوى.. والمهندس يمكن أن يسقط عن رافعة خشبية أو يصاب بصعق كهربي.. وغيرهم الكثيرون.. كما أن الحوادث القدرية المفجعة تملأ صفحات الجرائد وشاشات التلفاز.. لا توجد ضمانات في الحياة، ورغم ذلك، فإن إدارة (حفظ السلام الدولي) تعتبر أقل خطرا من غيرها نوعا ما"..
تدخل عبد الجليل يقول: "أما بالنسبة لسفره أغلب شهور السنة، فالكثير من الشباب يسافرون للعمل بعيدا عن منازلهم لأسباب مختلفة، مثل مهندسي التعدين مثلا، والأطباء المعينيين في المناطق النائية، وحتى من يسافرون للعمل بالدول المجاورة.. حتى أنا نفسي عملي يقتضي السفر لعدة أشهر طوال السنة.. وقد تزوجت وأنجبت ثلاثة من الأبناء، وحياتي مستقرة والحمد لله"..
ارتشف سمير بعض العصير لكي يمتص تحفز ضيوفه، ثم قال موجها كلامه لنبيل بنبرة عقلانية: "يشرفنا للغاية نسب عائلة الحلواني فنحن عشرة عمر، ولكن بصراحة التحفظ الرئيسي لديّ أنا ووالدتها كما تعرف هو صعوبة التأقلم بين ابنتنا زهو والسيدة والدتك.. فابنتي خجول وشخصيتها هادئة"..
استشعرت منال حرج زوجها من الحديث عن لطيفة أمام زوجها وابنها وسلفها أيضا، فتدخلت تقول: "السيدة لطيفة هي عشرة عمر.. وقد ربت ثلاثة شباب مثل الزهور، يشار لهم بالبنان.. ولكن يا نبيل أنت تعلم جيدا أن والدتك شخصيتها.. قوية كثيرا.. وصريحة بشكل زائد.. وابنتي حساسة ورقيقة.. لا تتحمل الضغط العصبي والانتقادات ولا تجيد الدفاع عن نفسها أحيانا.. لن أتحمل وجعها إذا... "
تنحنح سمير، فابتلعت منال باقي كلماتها بجوفها، قبل أن يقول عبد الجليل: "يا سمير يا صديقي.. أنت تعلم أن نبيل ليس مهزوزا ولا مترددا.. وبالتالي، لن يسمح لأن تتعرض زهو لمضايقات غير مقصودة من لطيفة.. كما أنكِ يا مدام منال تعلمين جيدا كم لطيفة طيبة، لكنها فقط.. حازمة بعض الشيء.. ولكي نحقق لكِ الضمانات اللازمة لكي يطمئن قلبكِ على ابنتك، فإن نبيل سيستقل بحياته بعيدا عن بيتنا.. أي سيكون له منزله الخاص، وهكذا لن يكون بإمكان أحد التدخل في حياته مع زوجته.. وما سيحدث بينهما سيظل بينهما"..
التقط سمير أطراف الحديث، وقال: "يا سيادة القبطان.. أنت تعلم أن نبيل ابننا.. ويشرفنا أن تتحول الصداقة لروابط عائلية أعمق وأقوى تمتد لأجيال قادمة.. لكنني فقط أعرض مخاوفي أمامك حتى لا يحدث مستقبلا ما قد يضر بعلاقتنا التي مر عليها سنوات عديدة، ولا أقبل أن يعكر صفوها شيء"..
هنا، تحدث الدكتور عبد المنصف لأول مرة، وقال: "إذًا، لا يوجد خلاف هنا.. نبيل وعروسه سيعيشان ببيت منفصل، وهو ووالده سيضمنان عدم مضايقة العروس بأي شكل.. نقرأ الفاتحة؟"..
ابتسم سمير، وقال بدبلوماسية: "لا يوجد خلاف.. لكننا أيضا لم نتأكد بعد من موافقة العروس.. فكما تعلم يا نبيل.. نحن لم نفاتحها في الأمر عندما جئت لزيارتنا المرة الماضية، بعد سوء التفاهم الذي حدث"..
تنحنح نبيل حرجا، وأمسك بكأس الماء يرتشف بعضا منه حتى يرطب الجفاف المفاجئ الذي أصاب حلقه، ثم قال بنبرة معتذرة: "لقد توترت كثيرا بالمرة الماضية.. أعتذر إن كنتُ قد ضايقتكم"..
رد سمير بسماحة: "لا بأس.. لم يحدث شيء"..
سأل عبد الجليل متحمسا: "إذا ما رأيك يا سمير؟ إذا حصلنا على موافقة العروس.. هل لديك تحفظات أخرى؟ الشبكة والمهر وتلك الأمور بالتأكيد لن نختلف عليها.. فزهو ابنتنا ومثل شادن وأمواج تماما"..
ابتسم سمير وقال: "زهو ابنتكم ونبيل ابننا.. أنا فقط لدي شرط واحد"..
رفع نبيل حاجبيه متسائلا، وقد لاح التوتر على ملامحه، فترفّق به سمير وقال موضحا: "شرطي أن يتم عقد القران والزفاف بعد أن تتم زهو دراستها الجامعية أي بعد ثلاث سنوات وبضعة أشهر .. لأنك تسافر لفترات طويلة، وأريد لفترة الخطوبة أن تطول لمدة كافية لكي تتعودا على بعض.. هذا بالطبع بعد أن أستمع لموافقتها"..
ناظر عبد الجليل ابنه، الذي أومأ موافقا على شرط والد عروسه، فقال لجاره: "على بركة الله.. بالطبع أنت تعلم أن شقة نبيل متوفرة في تلك البناية الواقعة بالقرب من المركز التجاري.. سنبدأ تجهيزها حين يقترب موعد الزفاف بإذن الله"..
في تلك الأثناء، ابتعدت زهو بخفة عن غرفة الاستقبال حتى وصلت إلى غرفتها، فأغلقت الباب عليها، ورفعت أناملها الباردة تتحسس وجنتيها المشتعلتين..
شعور غريب بالاضطراب يسيطر عليها، لكنه لم يكن مخيفا أو مزعجا..
ابتسمت بخجل، وعضت شفتيها تحاول السيطرة على ذلك الخدر اللذيذ الذي أصابها عندما اكتشفت مدى تمسك نبيل بها، لدرجة أنه قد طلب يدها أكثر من مرة، وهذه المرة جاء متحصنا بوالده وعمه ليدعماه ويساهما في إقناع والدها بقبول فكرة زواجهما..
أنزلت زهو يديها عن وجنتيها المتوردتين، ثم شهقت بهلع وهي تستعيد كلمات والدها حين أخبر وليد أنه سيستمع لموافقتها أولا..
أن تكون زوجة لنبيل الحلواني.. الفكرة ليست سيئة أبدا.. فكرّت زهو، ثم همست ببراءة يخالطها الحماس: "إذا وافقتُ على نبيل.. ستكون Shades أختي فعليا"، ثم بترت تلك الفكرة حين تذكرت حديث والديها عن والدة نبيل..
أمها كما يبدو لا تعجبها فكرة أن تكون لطيفة حماتها..
هي فعلا تخاف كثيرا من والدة صديقتها، لكنها ليست قليلة التهذيب حتى تتشاحن معها، ستنجح في إرضائها.. وإن فشلت، ستتجنب مواجهتها في الأوقات التي يسافر فيها نبيل..
أجل.. فكرة جيدة..
تهاوت زهو جالسة على سريرها بإحباط وتشكك، فهي قد عايشت السيدة لطيفة على مدار تلك السنوات وأكثر من تعرف أسلوبها الجاف وكلماتها الحادة.. حتى ابنتها شادن لا تسلم من توبيخها وتقريعها..
هل فعلا إذا تزوجت من نبيل.. ستتحمل تصرفات والدته ولسانها الحاد؟
في تلك الأثناء، اقتحمت منال الغرفة، ثم تقدمت لتجلس إلى جوار ها، قتقول برفق: "لقد انصرف الضيوف.. هل تعرفين سبب زيارة نبيل وعائلته؟"
هزت زهو رأسها نفيا بارتباك، فعلّقت أمها بإدراك: "غريب.. أشعر أنني لمحتك قبل قليل أمام غرفة الضيوف"..
أطرقت زهو رأسها بحرج، ولم تعقب، فلم تشأ والدتها أن تزيد من شعورها بالخجل، فتحدثت مباشرة تقول: "لقد جاؤوا لطلب يدك للزواج من نبيل.. ما رأيك؟"
أدارت زهو وجهها للاتجاه المعاكس، فرفعت والدتها كفها لتحتضن فكيها بين أصابعها وتعيد عينيها لتتواجها مباشرة مع مقلتيها، قبل أن تقول: "أجيبيني يا زووز... هل يعجبك نبيل؟"
توردت وجنتا زهو، لكنها التزمت الصمت، فقالت أمها: "الشاب تبارك الله.. لا غبار عليه.. ولكنني أخشى عليكِ من لطيفة"..
بتردد، تحدثت زهو ، تقول: "لكنها يا أمي لن تتقصدني بالكلام اللاذع.. إنها حتى تتكلم مع شادن بنفس الطريقة وتوجعها كلماتها"..
هتفت أمها بنزق بعد أن أنزلت أصابعها: "وأنت ابنتنا الوحيدة.. ولم تري في هذا المنزل إلا الدلال.. لم يوبخك والدك قط.. ولم يرفع يده عليكِ أبدا.. أنت وحيدتنا وفرحة عمرنا.. وأخشى أن تتعامل لطيفة معك بصرامة وتطيل لسانها.. ووقتها لن يمنعني عنها أحد"..
ردت زهو بدفاعية: "لكن نبيل شخصيته قوية يا أمي.. وكان يقف ضد والدته كلما رآها تضايق شادن بكلماتها.. بالتأكيد سيحميني منها.. وأنا لن أفتعل شيئا يغضبها"..
ابتسمت أمها وقالت بنبرة تقريرية لا يشوبها فضول التساؤل: "إذًا.. أنتِ لا تمانعين الزواج منه"..
بادلتها زهو الابتسام ولم ترد، فقالت الأم: "على كل حالٍ.. سنطيل فترة الخطوبة قدر المستطاع.. بيني وبينك.. فترة الخطوبة لن تكون اختبارا لنبيل بقدر ما ستكون اختبارا للطيفة نفسها.. إذا تسببت بتصرفاتها في إفساد الأمر.. فمن الجيد أن ينتهي قبل الزواج.. أما إذا تعاملت معكِ بالحسنى، ونجح نبيل في احتوائها وإبعادها عن محاولة السيطرة على علاقتكما.. سنزفك إليه كأجمل عروس"، ثم احتضنت ابنتها وقبّلت وجنتيها، وأخذت تربت على شعرها الأملس، وهي تقول: "كبرتِ يا زهو وصرتِ عروس"..


يتبـــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 08-08-22, 08:26 PM   #555

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
1111 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة التاسعة عشرة: القسم الخامس

الأجواء في بيت آل عبد الجليل الحلواني لم تكن مشابهة تماما لتلك التي تسيطر على بيت آل الصاوي الذي تفصله عن جيرانه بضعة بنايات معدودة..
جالسا أمام والدته في غرفة الجلوس، حاول نبيل أن يجبر نفسه على الالتزام بالهدوء بينما كانت مشتعلة بالغضب، ولا تجد من تطلق ألسنة لهيبها المستعر عليه، سوى ابنها الشاب..
كان نبيل قد عاد مع والده قبل نحو ساعة ونصف، ولا يزال أسيرا لتلك الجلسة العاجلة التي تشبه في توترها جلسات مجلس الأمن الدولي إبان أزمة سياسية عاصفة بين اثنتين من القوى الكبرى في العالم.. يستمع لثرثرة أمه المنفعلة عن عروسه بكلمات انتقادية مغيظة، جعلته يتعاطف كثيرا مع حماته المستقبلية التي تتحفظ على زواجه بابنتها بسبب.. لطيفة..
بنبرة هادئة، قال نبيل مهادنا أمه: "لا أفهم حتى الآن ما سبب غضبك يا لطيفة"
ردت أمه منفعلة: "كنتُ أظنُ أنني من سأختار لك عروسك بعد أن ذهب نادر واختار تلك الكندية الشقراء لتكون عروسه.. فتاة غريبة عنا ولا تشاركنا نفس العادات والتقاليد"..
قال نبيل: "وأنا اخترت سمراء مصرية تربت بيننا وعلى يديكِ يا أمي.. نعرفها هي وعائلتها منذ ما يقارب عشرين عاما.. لا أفهم حقا لِمَ أنتِ غاضبة بهذا القدر؟"
فتحت لطيفة فمها، ثم أغلقته، ثم فتحته مجددا، لتقول بحنق: "هذه الفتاة لا تعجبني.. أنظر كيف أوقعتك على أسنانك!!.. إنها لا تليق بك وحسب"..
تنهد نبيل بإعياء، وقال: "إنما أعجبني فيها رقتها وحياءها يا أمي.. كيف تقولين هذا؟ الفتاة هادئة وصوتها خفيض.. وليست لها صداقات بعيدا عن شادي وموچي"..
هتفت أمه بحنق: "حتى موچي تلك.. تقدم إليها عدة شباب لطلب يدها، وهي من تتدلل عليهم.. أما أختك المسكينة، فلا يهتم بها أحد"..
زفر نبيل بضيق، وقال بنبرة لائمة: "إذًا هذا هو السبب الحقيقي لمعار ضتك.. أن زهو ستسبق شادن بالزواج، لأن أختي لم يتقدم أحد لطلب يدها بعد.. يا أمي.. يا أم اللطف كله.. شادن لا تزال صغيرة، وحتى زهو صغيرة، ولكنني عمدت إلى الحديث لوالدها كيلا يسبقني إليها أحد.. بالنهاية، الزواج رزق مقدر من الله بموعدٍ محددٍ.. حين يأتي نصيب شادن ستتزوج.. لا تضغطي عليها أو تقارني بينها وبين غيرها.. بالكاد خرجت الفتاة من اكتئابها الغريب الذي لاحقها الصيف الماضي"..
في تلك الأثناء، كانت شادن تتدرب في غرفتها على بعض حركات (المواي تاي) المعروفة أيضا بـ (الملاكمة التايلاندية).. وذلك بعد أن انتقلت إلى مسامعها فتات كلمات من الحديث الدائر بالخارج بين نبيل ووالدتهما..
الضجيج الصاخب حولها وداخل رأسها أيضا، جعلها تشعر أنها تحتاج في تلك اللحظات للاستقرار النفسي الذي تجلبه عليها ممارستها لتلك الرياضة القتالية..
لا تزال أمها تركز كل تفكيرها على مسألة تزويجها بأيٍ كان.. المهم أن تتساوى في نظرها مع قريناتها.. وفي سبيل سعيها اللحوح نحو تحقيق ذلك الهدف، ظلت لطيفة تدفعها طوال الوقت لإبراز جمالها وأنوثتها الشحيحين لاقتناص العريس المناسب..
أو قل .. المغفل الذي سيرضى بها..
هي لا تملك أنوثة زهو المتفجرة ولا حياءها الطبيعي، لتلفت انتباه رجل مثل أخيها نبيل.. ولا حتى تمتلك الشخصية النارية المتمردة والعيون الساحرة اللذين تتمتع بهما أمواج، لدرجة أن بحر المتخبط في مشاعره قد سقط أسيرا لهدير الموج في عينيها، دون حتى أن يدري بعد..
ابتسمت شادن وهي تتذكر ، كيف تبدّل حال بحرٍ منذ التحق بالكلية الحربية، وكأنه قد فوجئ بالمشاعر التي تتضخم في صدره نحو ابنة خالته، لدرجة أنه قد صار يمتنع عن زيارة خالته طوال الأشهر الماضية، وأمسى يكتفي فقط بالسؤال عن الفتاتين من خلال الرسائل الالكترونية القصيرة، فضلا عن الخطابات الباهتة التي يرسلها لأمواج من وقتٍ لآخر..
أمواج تظنه لا يهتم بها، ولا يدري شيئا عن مشاعرها المتنامية تجاهه، لكن شادن تعرف أكثر.. فقط تحتفظ بما تعرفه لنفسها، ولا تشاركه مع أحد.. حتى أنها تعرف أيضا أن زهو الرقيقة الهادئة قد فتحت لنبيل ممرا يؤدي مباشرة إلى بوابة قلبها.. فإذا سار الخطوة الأولى في التوقيت المناسب، سيحتله دون عناء يُذكر..
أما هي.. لا أحد..
فتاة غير مرئية.. كيان ضاغط على من حولها.. عبء ينأى الجميع عن تحمله..
لكن ما يوجعها، أنها لم تفعل شيئا لتستحق هذا الأمر..
هي تريد أن تعيش حياة بسيطة، تتسيدها بخياراتها وقراراتها دون أن تضطر لاتباع خطط من أمها..
بعد رفض سفيان لمشاعرها بأقسى طريقة، لم تعد حقا مهتمة بمن قد يأتي بعده.. أو حتى إذا لم يأتِ أحدٌ بعده..
يبدو أن قلبها قد انكمش تماما كمظلة مغلقة على ما بداخلها من مشاعر تجاهه.. لا هي تطرد تلك المشاعر وتعيد لقلبها رتابته المألوفة، ولا هي تفتح المظلة لكي يتنشق قلبها نسيما جديدا، يطرد عنه أسى التجربة السابقة، ويمهد الطريق لساكنٍ جديدٍ..
ظلت شادن تضرب ساقها لأعلى عدة مرات بتقنية (Kao Tone)، وهي تصرخ غضبها ويأسها وهزيمتها أمام الحياة في مبتدأ معاركها، إلى أن أنهكها التعب بعد عدة محاولات، فارتخت تجلس على الأرض على ركبتيها وسحبت المنشفة لتمسح العرق المتصبب عن جبينها، ثم نهضت صوب غرفة الاستحمام..
ستأخذ حماما، وتمر على زهو ليذهبا معا لتمرين اليوجا مع أمواج..


يتبـــــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 08-08-22, 08:28 PM   #556

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:jded: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة التاسعة عشرة: القسم السادس

مرت بضعة أيام منذ عاد لمدينته في إجازة قصيرة قبل أن يعود لتدريباته ودراسته في الكلية الحربية..
ورغم أنه قضى الأيام الأولى من عطلته في الاستمتاع بنزهات عديدة منعشة على صفحة الخليج بصحبة أفراد عائلته على متن قارب حديث استأجره والده من أجل الاسترخاء مع ابنيه وزوجته، إلا أن بحر لم ينجح في تبديد الغيمة الكئيبة التي كانت تظلله أينما حل، فلم يفلح سوى في كبح عواصف نزقة كانت تتحين الفرصة للعصف بكيانه..
كان يشتاقها بشدة، لكنه لا يملك أن يتخلص من هذا الاشتياق بأية وسيلة..
ما السبب الذي سيسوقه لوالديها إذا قرر تبديد الشوق، ووقف على عتبة بابهم في زيارة مفاجئة؟ هل ستكون موجودة بالبيت أصلا وقتها؟ هل ستحسن استقباله بعد معاملته الباردة لها طوال الأشهر الماضية؟؟
منذ أن حرّم على نفسه مكالمتها هاتفيا، والشوق بداخله يتضاعف وكأنه جذوة من نار زكتها الوحشة، فتحولت لهيبا متأججا لا يتسع صدره له..
سيسخرون منه.. سيقولون.. ( هذا الصغير قد اشرأب بعنقه ليطالع من لا يليق بها)..
(الصغير بدلا من أن يعتني بابنة خالته كشقيقة له، قد شغفها حبا وأوقعها في شراكه)..
(طامع متسلق يريد استغلال عائلة خالته من أجل زيجة سهلة غير مكلفة)..
أو الأسوأ.. سيتهمونها هي بالإيقاع به في حبائلها المتداخلة كأنثى عنكبوت شديدة الحيلة وقوية البأس..
أو سيقولون.. (أمواج تلقنّه فنون التمرد)..
(أمواج تعلن العصيان على المنطق والواقع وتعشق من يصغرها بعامين)..
(فتى لا يزال يحاول القفز من قطار المراهقة ليختبر حقيقة الحياة عبر قطار الشباب على قضبان شديدة الانحناء لا تنبئ بأي استقرار في القريب العاجل.. ما له ومال ساحات الغرام ونزالات الهوى؟)
فكرة فاشلة.. والتمسك بها معركة خاسرة..
بحر ليس له من أمواجه نصيب..
حاولت أمه التحايل على الزمان والمكان بإنجابه بعدها بعامين ومنحه الاسم الذي من المفترض أن يربطه بها للأبد، لكنها في سبيل أمنيتها الغالية التي زرعتها بالأفق كتعويذة أُلقيت لحظة اكتمال القمر وانعكاس صفحته الفضية على الماء لتستقر بأعمق نقطة في قلبه.. قد تحولت للعنة حلت بذلك الذئب الأرعن.. فأصبح كل ما يخصها هو المحرك الرئيسي لحياته..
لكن تاريخ الأساطير والميثولوجيا لم يذكر أبدا عن لعنة تحولت إلى هبة عزيزة.. لم يحدث أبدا أن أحب سيد البحار جنية الماء، فانتهيا إلى نهاية مُرضية زينتها السعادة الأبدية.. لم تنجح أبدا قطة مهما كانت شرسة وجامحة في أن تصبح وليفة الذئب، ليتقبلها القطيع من حولهما..
قُضيّ الأمر..
لا مزيد من تلك الأحلام الوهمية..
التعلّق في حالته ذنب.. والأمل وهم كبير.. والإفصاح.. كارثة..
وبينما كان بحر منسدحا على فراشه تتلاطمه أفكاره الجنونية، جلست أمه في غرفة الجلوس تراجع نماذج للاختبارات الشهرية في مدرستها، كونها المدرسة الأولى المشرفة على مادة الدراسات الاجتماعية، وذلك حين انطلق هاتفها برنين صاخب، فاستقبلت المكالمة بسعادة بعد أن لمحت هوية المتصلة، وهي تهتف: "أهلا بمن نسيت أختها تماما.. هل تذكرتيني الآن فقط يا فايزة؟"
ردت فايزة بابتهاج جليّ: "والله اشتقت إليكِ كثيرا يا أختي الغالية.. اسمعي لديّ خبر مذهل.. نبيل سيخطب.. لن تصدقي من هي العروس؟"..
قالت فاطمة بنبرة مبتهجة في ظاهرها، ومتوجسة في باطنها: "والله نبيل ونعم الشباب.. من المحظوظة؟"، وبداخلها تهمس بالدعاء ألا يكون نبيل قد عقد العزم على خطبة ابنة عمه أمواج، فأنقذتها أختها من مخاوفها، قائلة: "زهو جارتنا وصديقة البنات"..
أطلقت فاطمة زغرودة عفوية، تفجرت كردٍ فعل لتوترها، فضحكت فايزة وعلّقت بسعادة وتفاؤل: "العقبى لبحر وفرات يا حبيبتي.. وبإذن الله المرة القادمة نبارك لشادن وأمواج"..
تمتمت فاطمة تكرر دعاءها، قبل أن تستطرد أختها مجددا: "والله يا فاطمة أمواج يأتيها الكثير من الخاطبين.. تعرفين أنها تكبر زهو بحوالي عامين ونصف.. وشادن بعامين.. وشارفت على إتمام دراستها الجامعية، ولكنها هي من تتمنع"..
قالت فاطمة بنبرة شابها بعض القلق: "كل شيء نصيب يا فايزة"، ثم رفعت وجهها لتكتشف أن بحر قد أطل من غرفته مسرعا شاعرا بالفضول بعد أن استمع لزغرودتها المجلجلة، فأنهت هي حديثها مع أختها سريعا، حين أخبرتها الأخيرة أن لطيفة ستتصل بها لاحقا لتدعوها لحفل الخطبة فور أن يتم الاتفاق بين والديّ العروسين..
فور أن وضعت فاطمة السماعة، هتف بحر متسائلا بتوتر، وهو يشعر أن قلبه قد سقط بقدميه بينما يتردد صدى نبضاته بأذنيه فيكاد يصمه مسامعه: "لِمَ تزغردين يا أمي؟ هل.. ترقى أبي في عمله؟"
حين أنهى تساؤله مترددا، أشفقت أمه عليه، فهي تعرف ما بداخله، وتكاد تكون متيقنة من مشاعر أمواج تجاه ابنها، فهي قد لاحظت كيف تناظره ابنة شقيقتها خلسة.. تتطلع إليه بعينين تحدهما القلوب الوردية والفراشات الأرجوانية والزنابق المائية، كلما ظنت أنها بمأمن من عيون الآخرين..
منحته ابتسامة متعاطفة، وقالت بنبرة حيادية: "نبيل سيخطب"..
وجهه الأسمر المتورد، كسته ظلمة قاتمة اكفهرت لها ملامحه، وكأن الدماء التي تسري بين شرايينه قد تلوثت ببقعٍ زيتية كثيفة القوام، تعوق تدفق الدماء بسلاسة لقلبه ورأسه، وتجعله على وشك فقدان الوعي لولا بعض التماسك والعناد..
تلاحقت أنفاسه، لكنه جاهد ليحاول أن يبقى ثابتا أمام أمه، فتهاوى على أقرب مقعد، وهو يسأل بنبرة مهتزة وأنفاس ضائعة: "مــــ..ن.. من العروس؟"
قالت أمه بنفس نبرتها: "زهو"، إذ لم تتحمل أن تتلاعب به بعد أن شاهدت رد فعله المؤلم، خوفا من أن تكون العروس أمواج..
التفتت فاطمة تجمع أوراقها ودفاترها، وهي تتمتم بالدعاء أن يكتب الله لهما الخير وأن يجمعهما معا عما قريب.. فلا مجال أن تجالسه الآن وهو في حالته تلك.. هو لن يفصح، وهي لن تحرجه بالسؤال..
أما بحر، فقد نهض عن مقعده برعونة، وصاح: "أمي.. سأخرج قليلا"، ثم سحب سترته، وأطلق ساقيه نحو مكانه المفضل..
كهف الذئب..
وهناك قفز أولا إلى الماء، يناطحها وتناطحه، حتى أخمد الكثير من توتره واستعاد شيئا من سيطرته على نفسه، ثم هرول للكهف يستكشف جانبا جديدا منه، بذهن غير صافٍ كليا.. لا تسيطر عليه سوى فكرة واحدة..
(يجب أن أتعوّد على فكرة فراقها.. ذات يومٍ ستُزف لرجل آخر وسأكون حاضرا بأول الصفوف أؤدي واجبي نحوها)..
هكذا ظل يحدّث نفسه مرارا وتكرارا، وكأنها ترنيمة نجاة.. أو لعنة مضادة..


يتبــــــــــــــــــــــ ــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 08-08-22, 08:31 PM   #557

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
New1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة التاسعة عشرة: القسم السابع والأخير

بعد حوالي ثلاث سنوات، كانت حياة الجميع على وشك التغير..
فهناك من هم على أعتاب التخرج، وهناك من يستعدون لتأسيس حياة أسرية، وهناك من سينتقلون من غربة لغربة..
البداية كانت مع أمواج التي احتفلت بالفعل بتخرجها قبل نحو عامين، واليوم قد تسلمت عملها رسميا كمدربة يوجا بدوام كامل في النادي الرياضي الذي يقع بمحيط التجمع السكني، وذلك بعد أن أنهت دورات تدريبية متقدمة..
أما زهو التي تخرجت في كلية التجارة، فهي تنشغل حاليا بتجهيز عش الزوجية الذي ستنتقل إليه قريبا فور زفافها إلى نبيل الحلواني الذي سيعود من أمريكا الجنوبية قريبا من أجل الاحتفال.. فهي قد قررت ألا تنشغل ببدء مشوار العمل الآن، وهي تعلم أنها لن تكمل فيه لاحقا..
فيما بدأت شادن البحث عن روضة قريبة للأطفال، لكي تبدأ ممارسة عملها الذي كانت تتوق إليه منذ أن التحقت بكلية رياض الأطفال.. ورغم معارضة والدتها، فإن دعم والدها الذي خرج إلى المعاش مؤخرا، يجعلها تعانق أحلامها دون تردد أو خوف.. خاصة وأن أخويها نادر ونبيل يؤيدان قراراتها أيضا.. لكنها حتى الآن لم تجد فرصة حقيقية للعمل..
واليوم، تجمعت الفتيات داخل النادي الاجتماعي بحضور بحر الديب الذي أنهى مؤخرا اختباراته وتدريباته النهائية في الكلية الحربية وينتظر فقط الإعلان عن موعد حفل التخرج وتدريبات العرض العسكري الخاص به..
كانت أمواج طوال الجلسة تحاول دفعه لأن يخصها بالحديث بأي شكل، لكنه كان يتجنبها تماما، وكأنه قد ارتحل لشواطئ أخرى وجد فيها مستقره، فأخذت تستفزه بالحديث إلى الفتيات وتوجيه إشارات مستترة له، علّها تنجح في مضايقته فيصدر أي رد فعل..
قالت أمواج بحنق مصطنع: "أووف.. لقد مللت.. الكابتن شهاب مدرب الزومبا بات كثير التلميحات مؤخرا، وقد اختنقت من محاصرته لي"..
ردت شادن بتواطؤ، وقد استشفت ما تحاول أمواج فعله: "ألم يتوقف عن سخافاته تلك؟ إن كان يريد أن يطلب يدكِ رسميا.. لِم لا يفعل فحسب؟"
رفعت أمواج أصابعها تتلاعب بها بخصلات شعرها المموج، وقالت: "لأنني صددته بالطبع.. هو يعلم بلا شك أن فكرة ارتباطنا غير واردة، ورغم ذلك لا يتوقف عن محاصرته لي.. يظن أن إلحاحه سيجعلني أغير رأيي"..
كانت دماء بحر تغلي حرفيا، ورغم ذلك، فإنه قد ذكّر نفسه بما اعتزم القيام به قبل سنوات..
أن يتقبل فكرة أنها ستكون لرجل غيره يوما ما.. فهو حتى وإن ملأ عينيها، لن ينجح في إقناع والدها بأن يبارك زواجهما..
بعفوية ودون أن تدري شيئا عن ذلك التحدي الصامت، سألت زهو: "وأنت يا بحر.. ألم يرفرف الحب على قلبك؟"
تنحنح بحر، ثم اعتدل في جلسته ليملأ مقعده بخيلاء مصطنع، قبل أن يقول: "لم يرفرف بل هدر كموجة عاصفة زلزلت الأجواء، وأعادت ترتيب شواطئي"..
ابتسمت زهو ابتسامة لطيفة للصورة التي رسمها في ذهنها بأوصافه، قبل أن تسأله بفضول: "حقا؟ أخبرنا"..
اتسعت ابتسامة بحر بخيلاء، ثم قال: "في الحقيقة.. هناك فتاة تشغل بالي منذ فترة"..
"من؟ من؟"..
جاء الهتاف المندفع المتشبع بالفضول المشوب بالتحذير من جانب أمواج، وقد أصابها الضيق فجأة وشعرت أن الغضب سيخرج من أذنيها كزوج من الأفاعي السامة لتلتف حول رقبة بحر فتزهق آخر أنفاسه..
اصطدمت عينا بحر البنيتان بخاصتها الزرقاوين اللتين تناطحت بداخلهما الأمواج تحت أضواء شمس الظهيرة، فقال بنبرة رتيبة تناقض الحرب الطاحنة الدائرة بين الأحداق: "رنا جارتنا"..
فغرت شادن شفتيها دهشة، بينما وضعت كفها أسفل الطاولة على ركبة أمواج لكي تمنحها الدعم وتهدئ من اشتعال الشرارات الكهربية التي كانت تنبعث منها في تلك الأثناء، ثم قالت: "لم تحدثنا عن رنا تلك من قبل.. متى تعرفت عليها؟ ولماذا أخفيت الأمر علينا؟"
بنبرة لا مبالية، قال بحر وقد تراجع في مقعده ليجلس باسترخاء: "لأن الأمر ما زال جديدا نوعا ما.. أي أنني لا أخطط لطلب يدها قريبا.. هي جارتنا في السويس.. وتعرفت إليها بالصدفة في عطلتي قبل الماضية.. كانت تزورنا في البيت.. وتحدثنا قليلا، ثم شعرت بشرارة ما"، منهيا كلامه بوضع كفه المفرود على صدره، وكأنه اعتراف صريح بأن الحب قد سكن قلبه أخيرا، وكأن كل ما كان قبله، كان مجرد وهم سيطر على عقله الباطن خلال ساعة من القيلولة في فصل الصيف.. ورغم ذلك، فإنه عجز عن الاستمرار في النظر إلى عينيها، كارها أن يشاهد فيهما انعكاس صورته وهو يسعى برعونة لكسر قلبها الغالي.. يعلم على وجه اليقين أن أي خدش يطال قلبها، يجعل النزف بداخله مضاعفا..
بعفوية، قالت زهو: "رائع.. أرجو أن يتمم الله لكما على خير"، لكنها حين أنهت كلامها لاحظت وجه شادن المكفهر، وتغضن وجه أمواج وكأن بركانا خاملا قد تعرّض لتغيرات جيولوجية أشعلت نشاطه فجأة وأضحى على وشك الانفجار، فأمسكت بكوب العصير الخاص بها ترتشف منه بتوتر، وهي تفكر في وسيلة تهدئ بها الأجواء التي ازدادت معدلاتها توترا بمؤشرات مقلقة..
قبل أن تفلح زهو في الإتيان بأية فكرة، نهضت أمواج عن مقعدها بحدة وسحبت هاتفها، ثم غادرت الطاولة وهي تغمغم أنها بحاجة لإجراء مكالمة هاتفية عاجلة، ليشيّعها بحر بنظرات متألمة.. ورغم هدير قلبه الغاضب يوبخه بنبضاته المتسارعة بجنون، إلا أنه كان يهنئ نفسه داخليا على تمكّنه من تحقيق ما جاء إلى هنا اليوم تحديدا لتنفيذه..
أن يصرف أية فكرة محتملة لديها عن إمكانية ارتباطهما.. كان عليه أن يبدد أحلامها كاملة، لأنه لا يظن أنه قادر على السير في دروب المستحيل، والجميع من حوله سيعارضه..
على الجانب الآخر، كان سفيان عرضة لاستحقاق جديد أمام والده، الذي استدعاه لمكتبه فور أن حطت قدماه داخل منزل العائلة، حيث أخبره بحنق وبنبرة لا تحتمل الجدال: " لقد صبرت كثيرا عليك.. والآن وقد شارفت على الثلاثين من عمرك.. لن أسمح لك بالمزيد من المماطلة.. حتى صديقك الذي يصغرك بعامٍ كاملٍ، سيحتفل بزفافه.. اسمع يا سفيان.. لن تمر هذه العطلة دون أن تخطب عروسا لك.. وإلا ستعرف جيدا ما معنى غضب الأب!!"..
وفي منزله بحي الزمالك الراقي، كان آدم في مواجهة نارية أخرى مع والديه، حيث هتفت أمه الدكتورة رقية بنفاد صبر: "لا يمكنك أن تؤجل مسألة الزواج أكثر من ذلك يا آدم.. لقد جهزت لك ملفا به صور وبيانات ست فتيات من دائرة معارفنا.. كما أن هناك سالي ابنة خالك وضحى ابنة عمتك.. أي ثمانية مرشحات كاملات، كل واحدة منهن تليق بك.. أريد أن أعرف قرارك النهائي خلال نهاية الأسبوع على الأكثر"..
هتف آدم بنزق: "ثلاثة أيام لا تكفي يا أمي لهذا القرار"..
فكّرت أمه قليلا وكادت أن تعارضه لأنها تعرف أنه يسعى للمماطلة، لكن والده الدكتور طاهر قد تدخل قائلا: "إذًا أمامك حتى نهاية الأسبوع التالي يا دكتور.. وستكون هدية خطوبتك هي العيادة التي كنت تطمح إليها.. سنزودها بكل ما تحتاجه.. وحين يتم زفافك.. سنبدأ مشروع العمر الخاص بك.. سنقيم مركزا متكاملا لجراحات العظام والتأهيل البدني.. ستكون أشهر طبيب للرياضيين في مصر.. وبدلا من أن يسافروا لألمانيا وفرنسا وأمريكا.. سيتلقون العلاج هنا على يديك"..
أنهى الأب كلماته بنبرة متفاخرة بابنه الذي حقق له ووالدته كل الأهداف التي رسماها لمستقبله، دون أن يلاحظ انصراف ذهن ابنه لأفكار أخرى تتعلق بفتاة بوجه مستدير وعينين بريئتين تشعان ذكاء وأنفة في نفس الوقت، وابتسامة غنّاء تقطر عسلا ..
تُرى.. هل يصارح والديه الآن أن العروس التي يحلم كشريكة لحياته ومستقبلة هي الممرضة ذكرى جمال.. وليست امرأة سواها؟؟




نهاية القصاصة
قراءة ممتعة


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 08-08-22, 09:01 PM   #558

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

انا مش هتكلم على المتابعة الصامتة ولا قلة التفاعل.. اظن واضح ليكم المجهود المبذول في الرواية علشان تطلع بمستوى لائق.. ارجو أن يكون الدعم مساويا للمجهود

مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 08-08-22, 10:02 PM   #559

Nour fekry94

? العضوٌ??? » 461550
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 339
?  نُقآطِيْ » Nour fekry94 is on a distinguished road
افتراضي

الفصل هايل يا مروة هايل تسلم ايدك ♥️♥️♥️♥️♥️
آدم وذكرى الثنائي المفضل ليا 🥺♥️♥️♥️
وبحر كلاون كبير 🙂🙂
وسفيان شكله هيتجوز الفصل الجاي 🥺
تسلم ايدك ومستنية الفصول الجاية جدا ♥️♥️♥️


Nour fekry94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-08-22, 11:09 PM   #560

سناء يافي

? العضوٌ??? » 497803
?  التسِجيلٌ » Jan 2022
? مشَارَ?اتْي » 447
?  نُقآطِيْ » سناء يافي is on a distinguished road
افتراضي وانكوت صفحة الهوى

قبل ما اقرا الفصل الي اكيد حيكون حلو ونتابع أحداث الرواية بهنيكي من قلبي وانا معجبة بكتاباتك وشكرا

سناء يافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:49 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.