آخر 10 مشاركات
جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          زهر جبينها المكلل- قلوب أحلام غربية (118) [حصريا] للكاتبة Hya Ssin *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : Hya ssin - )           »          المز الغامض بسلامته - قلوب أحلام زائرة - للكاتبة Nor BLack *كاملة&الروابط* (الكاتـب : Nor BLack - )           »          مابين الحب والعقاب (6)للرائعة: مورا أسامة *إعادة تنزيل من المقدمة إلى ف5* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          واثق الخطى ملكاً فى قلبي *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : حياتى هى خواتى - )           »          مذكرات مقاتلة شرسة -[فصحى ] الكاتبة //إيمان حسن-مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          رغبات حائرة (168) للكاتبة Heidi Rice .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          دموع زهرة الأوركيديا للكاتبة raja tortorici(( حصرية لروايتي فقط )) مميزة ... مكتملة (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          أسيـ الغرام ـاد -ج2 من سلسلة أسياد الغرام- لفاتنة الرومانسية: عبير قائــد *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          قطار الحنين لن يأتي *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : رُقيّة - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree12256Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-08-22, 06:56 PM   #571

قلوب نابضة بالإيمان

? العضوٌ??? » 484184
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 67
?  نُقآطِيْ » قلوب نابضة بالإيمان is on a distinguished road
افتراضي


فصل رائع واقتباس جميل في انتظار جديدك سلمت يمناك

قلوب نابضة بالإيمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-22, 07:57 PM   #572

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile21 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة العشرون: القسم الأول

القصاصة العشرون

(ما لم تسرده الأساطير)



أبيات شعر الغرام، صفحات الروايات الرومانسية، المشاهد العاطفية بالأفلام، وحتى كلمات الغرام والهيام بالأغاني.. كلها تتواطأ ضدك..
كل أدبيات الهوى تسرد لك الجانب الأنيق فقط من الحكاية.. تلمّع الصورة، بل تلوّنها وتزينها حتى تكاد تختفي معالمها الأصلية خلف ما تم تصديره لك..
وأنت – كأحمق ملعون – تخطو بقدميك في فخ الهوى المبهر بتفاصيله، والمرعب بأهواله.. تتقدم بحماس دون أن تدري شيئا عما ستلاقيه فعليا بدنيا الغرام..
لكنني سأنقذك من الوهم يا مسكين.. فقط اسمح لي أن أصطحبك في جولة سريعة لتكتشف الحقيقة..
مُر عبر سطور هذه القصاصة، وطالع ما لم تسرده الأساطير..




شتاء جليدي.. طقس عاصف لا يُطاق..
رفعت ياقة معطفها الثقيل بعد أن دثرت رقبتها جيدا بوشاحها الصوفي الثقيل ورفعته إلى شفتيها وأنفها ليصد عنها الهواء المندفع كشظايا زجاج تكاد تُدمي وجنتها الذهبية العاشقة للشمس..
كانت تعلم أن زيارتها للعاصمة الاسكتلندية إدنبرة في هذا التوقيت فكرة سيئة بسبب برودة الطقس الشديدة في ظل موجة عاصفة من الرياح القطبية..
(على من تكذبين؟).. وبخت شذى والي نفسها، فهي تعلم جيدا وعن تجربة أن زيارة أية بقعة باسكتلندا في أي وقت من العام هي أسوأ فكرة قد تخطر على بالها، خاصة وأنها من ذوات الدماء المدارية الحارة، ومهما طالت إقامتها في أوروبا، فإنها لن تتعود أبدا على برودة الطقس الذي تخاصمه الشمس طوال شهور السنة إلا من بضعة أيام بمحض رحمة إلهية بساكنيها كيلا تتجمد الدماء في عروقهم..
لكنها لم تكن مؤخرا في أوج حظها، فقد استجابت لدعوة صديقتها البريطانية دارسي لتمضية عطلة نهاية الأسبوع معها في زيارة بعض معالم مدينة إدنبرة حيث تزور الأخيرة أقارب والدتها، قبل أن يفترق طريقيهما، فدارسي ستذهب خلال شهر إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراستها العليا في مجال الاقتصاد، بينما ستنتقل شذى مع عائلتها إلى منطقة الخليج العربي من جديد، وتحديدا مدينة دبي، حيث ستستقر عائلتها أخيرا بعد تخرجها وأختها مرح، وتلقي والديها دعوة للإشراف على تأسيس أكاديمية علمية ضخمة هناك..
سيكون على آل (مصطفى والي) العروج على مصر أولا من أجل حضور حفل زفاف نبيل وزهو خلال ثلاثة أشهر من الآن..
نبيل وزهو.. مين يصدق؟..
أصغر فتاة بفرقة الفتيات ستتزوج أولا.. بل وأوقعها النصيب في نبيل الحلواني.. زينة شباب العائلة، والذي اتضح أنه كان يخفي حبا عظيما لها طوال السنوات الماضية احتراما لاعتبارات الجيرة بين عائلتيهما، حتى أنه قد طلب يدها من والدها أكثر من مرة، وظل الأخير يرجئ الأمر ، إلى أن منحه موافقته في النهاية بعد أن وافقت ابنته..
خرجت شذى من شرودها عندما أشارت دارسي بحماس نحو متجر للهدايا في منطقة (الميل الملكي) بقلب إدنبرة، والتي تعتبر أشهر أحياء العاصمة وأكثرها حيوية وصخبا، حيث تعج بالمتاجر والمطاعم والمزارات السياحية القريبة من قلعة إدنبرة وقصر (هولي رود هاوس) واللتين عرجت عليهما الفتاتان بالفعل في الصباح ضمن نزهتهما السياحية..
قالت دارسي بفرح وهي تشير نحو أحد المعروضات عبر واجهة زجاجية:
“Look at this lovely sequin dress. It gives the vibe of old chic, does it not?”
"أنظري إلى هذا الفستان الجميل المزين بالخرز.. يبدو كنموذج للأناقة الكلاسيكية.. أليس صحيحا؟"
ردت شذى بنصف اهتمام بعد أن تفحصت الفستان:
“Yes, indeed”
"بالفعل"
تابعت دارسي تسألها بابتهاج:
“Do you think it will fit me? Can we buy it for a bargain price? I’ll give it a new home in my wardrobe”
"هل تعتقدين أنه سيناسب قياساتي؟ هل يمكننا شراءه بسعر منخفض.. سأجعل خزانتي موطنا جديدا له"..
ردت شذى بنبرة واقعية تبدد حماس صديقتها:
“Oi. Girl.. I think it’s very expensive for your budget.. Don’t get too attached”.
"مهلا يا فتاة... أعتقد أنه غالٍ بالنسبة لميزانيتك.. لا تتعلقي به كثيرا"
مطت دارسي شفتيها، وأبعدت خصلة متمردة خلف أذنها، ثم قال بإحباط:
“You’re right.. Let me at least try it on”.
"معك حقِ.. لكن على الأقل دعيني أجربه عليّ"..
هزت شذى رأسها موافقة، وأشارت نحو مدخل المتجر قائلة:
“Sure.. Lets get inside the store”
"بالتأكيد.. لندلف إلى داخل المتجر"
بعد أن انتهت دارسي من تجربة الفستان الذي كان تصميمه رائعا على قوامها ولكن سعره مرتفع للغاية، كونه مطرز يدويا، قادت صديقتها المصرية صوب أحد المطاعم ليتناولا طعام الغداء وهي تهتف بحماس:
“This is my true surprise for you.. This restaurant actually serves Egyptian and Arab dishes”
"هذه هي مفاجأتي الحقيقية لكِ.. هذا المطعم يقدم أطباقا مصرية وعربية"..
صفقت شذى بكفيها بسرور وقفزت في مكانها، قبل أن تقول:
“Fantastic. Let’s get inside.. I crave Egyptian food.. My mother rarely cooks from our local cuisine.. Only in Ramadan and Bairams, may be”
"رائع.. لندلف للداخل.. أشتهي الطعام المصري.. أمي لا تطبخ أكلاتنا المحلية كثيرا.. ربما في رمضان فقط والأعياد"..
حين جلستا إلى إحدى الطاولات المطلة على الميدان الفسيح، اقترب منهما نادل شاب في بداية العشرينات من عمره، يتسم بملامحه الأوروبية بشعره الأحمر، ولكن شيئا ما بملامحه أشعرها بألفة غريبة، فأطالت النظر إليه، مما جعله يرفع حاجبيه مندهشا وهو يناولهما قائمتي الطعام، لكنه قال بلكنة اسكتلندية ثقيلة:
“Welcome to Cairo Tidy Scran.. How may I help you, mi ladies? ”
"أهلا بكما في مطعم (أطعمة القاهرة اللذيذة).. كيف يمكنني مساعدتكما.. سيدتيّ؟"
أخذت دارسي تقلب في قائمة الطعام.. ترى صورا لأطباق من المطبخ المصري وأسفلها أسماؤها بحروف انجليزية، وقبل أن تطلب من صديقتها أن تقترح عليها الأطباق الأشهى، هتفت شذى وعينيها تبرقان بالفرحة: "يا الله.. يوجد هنا طواجن بامية باللحم.. وملوخية بالثوم.. وبسلة بالجزر.. وحتى يوجد أيضا كشري.. لا بد أن نتذوق الكشري حتما"..
فغر الشاب شفتيه وجحظت عيناه دهشة، قبل أن يسألها باللهجة المصرية المنغمة قليلا بتأثير تواجده في دولة أوربية: "مصرية.. أنتِ مصرية؟"
كان هذا دور شذى كي تعانقها الدهشة، حيث هتفت بعد أن أغمضت عينيها وفتحتهما عدة مرات: "هل تحدثت لتوك بالعربية؟ بل باللهجة المصرية؟"
هنا تدخلت دارسي قبل أن يخرج كلاهما من صدمته كليا، حين قالت بلكنتها البريطانية الأنيقة:
“Let me introduce you two.. This is my dear friend Shaza Waley.. and this is my other dear friend Tamer Gameel, who I met in London two years ago where he was studying in Chef Academy London and obviously, both of you are Egyptian”
"دعاني أقدّم أحدكما للآخر.. هذه صديقتي العزيزة شذى والي.. وهذا صديقي العزيز الآخر تامر جميل.. والذي تعرفت إليه في لندن قبل عامين حيث كان يدرس في أكاديمية Chef Academy London.. وكما هو واضح.. كلاكما مصريان"..
تبادلا التحيات بانبهار حقيقي، فقد اعتادت شذى على مقابلة الكثير من أبناء الجالية العربية في لندن، لكنها كانت تعلم أن تواجد العرب في اسكتلندا محدود للغاية، ولم تتوقع أبدا أن تقابل مصريا هنا.. أشارت دارسي لتامر بالجلوس، فسحب مقعدا وجلس قبالتهما يطالع شذى بانبهار، فهتفت الأخيرة فيه بنبرة مازحة بلهجتها المصرية التي كانت تبحث عن مجالٍ لتطل من خلاله خارج حدود شفتيها بعيدا عن حديثها المعتاد مع أفراد أسرتها: "ما لك تنظر لي وكأنني قطعة أثرية بالمتحف؟"
ابتسم تامر مشدوها، ثم قال: "والله.. لولا أنني أعرف التقاليد المصرية وتعاليم ديننا لكنت غمرتك بأحضاني الآن عوضا عن كل أفراد عائلتي الذين لا ألتقي بهم إلا مرة كل عدة أعوام.. يا إلهي كم أشتاق للوطن"..
كانت نبرته مكسوة بالحنين فخرجت بعض الأحرف مضطربة مشدودة بين أوتار الشجن، فازدرد ريقه، وأقسم بيقين من سينفذ أمنيته حتما: "يوما ما سأستقر في مصر.. ولن يلومني أحد"..
كان تامر يحرص على الحديث بالعربية وكأن صوته يشتاق لتشكيل تلك الكلمات، ولسانه يتوق لنطقها منغمة باللهجة المصرية، فقالت شذى منبهرة: "بإذن الله تحقق حلمك.. أنا أيضا من الطيور المهاجرة.. لكنني لا أسعى تحديدا للاستقرار بالوطن.. لأن معي أسرتي.. لا أتنقل بدونهم"..
هنا، نهضت دارسي عن مقعدها، وقالت بعد أن منحتهما ابتسامة صافية:
“You two just sit here and talk it out about your origins, while I go window-shopping for a while.. Shaza, just call me when you order our food and it’s served.. I want to try your local dishes”
"اجلسا هنا وتحدثا عن أصولكما ريثما أتجول وأشاهد المعروضات في واجهات المتاجر.. وأنتِ يا شذي.. اتصلي بي فور أن يتم تجهيز الطعام وتقديمه.. أريد تجربة أطباقكم المحلية"، ثم حملت حقيبتها وغادرت المتجر، تشيعها أصوات الاثنين يتمتمان بكلمات وداعية..
تبادل كلٌ منهما الحديث عن عائلته ومسقط رأسه ومتى كانت المرة الأخيرة التي زار فيها مصر، إلى أن قالت شذى باستدراك: "سأزور مصر خلال ثلاثة أشهر قبل أن أسافر مع أسرتي إلى دبي للاستقرار بها لعدة سنوات بعد.. لقد تنقلنا طوال عقد أو أكثر بين عدة دول ما بين الشرق الأوسط وأوروبا"..
قال تامر بذهول: "دبي.. ها؟ يا للمصادفة.. لقد جاءتني فرصة عمل لمطعم intercontinental.. لكني مازلت أدرس الأمر.. عائلتي الاسكتلندية لا تريدني أن أغادر.. وعائلتي المصرية تريدني أن أعود لأحضانها.. وأنا لم أحدد قراري بعد"..
لمحت هي طيفا يعبر بسماء عينيه الزرقاوين فيشعلهما ببريق خاص، فهتفت بتواطؤ من يمتلك نفس الروح الحيوية بداخله: "وأنت تتوق لمغامرة بعيدا عن الجميع.. صحيح؟"
ابتسم تامر، وقال: "لستِ جميلة فقط.. بل وذكية أيضا"..
حركت شذى كتفيها باعتداد، وقالت: "إذا بحثت عبر شبكة الانترنت عن شذى والي، ستكتشف أنني ملكة جمال متوجة في الوطن.. أما بالنسبة للذكاء.. فهو وراثة في العائلة، عائلتي كلها علماء، وأنا قد درست الاقتصاد وإدارة الأعمال.. وأتعامل مع الأرقام بنفس السلاسة التي تتعامل معها مع تقطيع الطماطم"..
منحها تامر ابتسامة متسلية، مبديا إعجابه بشخصيتها الواثقة المتميزة، فتابعت هي بهدوء: " ربما إذا جئت لدبي يوما ما.. نلتقي مصادفة؟"..
ضحك تامر وأومأ برأسه معجبا بفكرتها..
عادا لتبادل الحديث لبضع دقائق أخرى قبل أن يقول تامر بنبرة آسفة: "لحسن الحظ أن المطعم لأبي.. وإلا لكنتُ قد طُردتُ من عملي اليوم.. أتعلمين؟ من النادر أن يرتاد مطعمنا هنا في إدنبرة مصريون.. ولكن في فرعنا الآخر في لندن.. هناك الكثير من المصريين.. يا إلهي لا أصدق.. اشتقت للحديث لشخص مصري وجها لوجه غير أبي.. جميع أقاربنا أحدثهم عبر سكايب.. حتى الشيخ الذي يدرّسني الإسلام ليس مصريا"..
ابتسمت شذى وقالت: "أظن الأمر أصعب بالنسبة لك كونك نشأت هنا، فلا تجد أقارب كثر لتحدثهم بالعربية.. ربما عليك فعلا السفر لدبي.. أو للقاهرة"..
تمتم تامر بالموافقة، ثم نهض يعد لها أشهى الأطباق المصرية بنفسه..


يتبـــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 15-08-22, 08:01 PM   #573

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة العشرون: القسم الثاني

في منزل آل (طاهر عزازي) بحي الزمالك الراقي، تجمع الأقارب والمعارف من أجل الاحتفال بقبول رسالة الدكتور آدم عزازي من أجل الحصول على درجة الماجيستير.. لكي يصبح (أخصائيا) لجراحات العظام، والمكافأة هي عيادة مجهزة، جهزها له والده بكل ما تحتاجه من أجهزة ومعدات..
والثمن... روحه..
الحفل في ظاهره احتفال بالنجاح، وفي باطنه، هو لحظة الاستحقاق..
على آدم انتقاء عروس من بين الشابات الحاضرات للحفل، واللاتي تخطين جميعا المعايير الصارمة التي وضعتها أمه من أجل عروس المستقبل لابن الدكتور طاهر عزازي..
طالع آدم المحيط بابتسامة ثلجية مصطنعة، وبرأسه يستحضر بعض المشاهد من فيلم رسوم متحركة قديم، كان فيه الأمير يقف نفس وقفته تماما يطالع كل الأميرات والنبيلات اللاتي حضرن للحفل بعد أن أعلن والده الملك أنه يبحث له عن عروس تشاركه العرش..
غير أن الفيلم كان رحيما بالبطل، حينما اقتحمت حفله حسناء خلابة الملامح وساحرة الطلة، خطفت قلبه ولم تترك له خلفها سوى فردة حذاء زجاجية، فمكث شاردا لأسابيع يبحث عنها في كل المملكة، مقسما أنه لن يتزوج سواها..
اتسعت ابتسامة آدم هذه المرة، ووصلت أطرافها لعينيه، وهو يفكر في (سندريلا) خاصته.. لا تزور شفتيه ضحكة حقيقية تشعل عينيه بوهج الحياة إلا حين تمر صاحبة الأثر الملكي على خاطره..
يقف يطالع الفراغ كالمسحور.. يرى بعين خياله ذكرى تقتحم الحفل الآن، لتقف في مواجهة الجميع وتعلن نفسها توأم الروح وشريكة المستقبل.. ملكة على قلبه وحياته تحارب إلى جانبه يدا بيدٍ، وليغضب من يغضب..
إذا فعلتها حقا، فإنه مستعد أن يذهب معها لأقاصي صحراء (سيبيريا) الجليدية، أو يهيم معها في غابات (تايجا)، بل إنه لن يتردد إذا طلبت منه القفز معها إلى بؤرة بركان (تامو ماسيف)..
تحولت ابتسامة آدم إلى أخرى هازئة.. لم يكن يسخر من أحد سوى نفسه..
هل عليه أن ينتظر أن تخوض ذكرى حروبه نيابة عنه؟ إنه حتى لم يتطوع بالاعتراف لها بحبه..
كم عرفها؟ أربع سنوات؟ خمس؟
هل يفرق العدد؟
ما يهم هو ما يعتمل بقلبه منذ يوم قتلت (البرص) لأجله.. بل منذ كاد أن يصدمها بدراجته النارية قبل أكثر من ثماني سنوات..
هو أكثر من يعرف أن ذكرى تحتل مساحة ضخمة بقلبه، لكنه كان يعزو هذا الاحساس دائما لمجرد ارتياح لشخصها الرائع، أو صداقة عفوية نمت في محيط العمل وتوطدت بسبب شعور كلٍ منهما بالوحدة لأنه لا يمتلك أخوة.. أو حتى أصدقاء فعليين..
كلٌ منهما سحقته الحياة بطريقتها.. هي برضوخها وتخليها عن حلم العمر تحت وطأة المسئولية ورعايتها لوالدتها المريضة، وهو بالتزامه بطاعة والديه وتحقيق آمالهما له في الحياة، ساعيا نحو تحقيق حلمٍ لا يخصه ولكنه وجد نفسه مستغرقا فيه بكليته..
ربما كانت ذكرى فعلا هي أمنيته الوحيدة بعيدا عن خطط العائلة وأهدافها.. ولكن، هل يمكن لمن اعتاد الطاعة والتسليم أن يتمرد الآن؟؟..
هل يمكن لآدم أن يعلن العصيان ويتذوق الفاكهة المحرمة، حتى وإن كان الثمن هو طرده من الجنة؟
قاطع شروده، اقتراب والدته الدكتورة رقية التي همست بأذنه تنبهه: "حبيب ماما.. هاك فرصتك يا بطل.. تخيّر فتاتك المفضلة واترك لي الباقي"، ثم لفّت ذراعها حوله تطوقه وتدور به ليطالع المرشحات الفاتنات كاملات الأوصاف من وجهة نظرها..
دون حذر، مدّت الدكتورة رقية ذراعها الحر لتشير بكفها نحو إحدى الفتيات، وهي تهمس بأذنه قائلة: "انظر لسالي ابنة خالك.. سمراء جذابة شعرها أسود حريري وقوامها أنثوي مبهر.. تشبه سعاد حسني في مجدها.. وتلك ضحى ابنة عمتك.. طويلة وممشوقة القوام بشعرها البني القصير.. تتمتع بجاذبية خاصة.. وهذه رحاب ابنة صديقتي الدكتورة هالة.. هي معك بالمستشفى العام بالمناسبة.. لكنها بالطبع في قسم أمراض العيون.. وتلك أمنية عزازي حفيدة ابن عم والدك.. وهي متخصصة في أمراض الجهاز البولي.. وتلك.."
تنهد آدم، وقال بنزق: "كفى يا ماما.. تتحدثين وكأننا نقيم مؤتمرا لتعيين أطباء في مستشفى تخصصي جديد.. بالأساس لم أحصل على الماجيستير بعد.. لا أفهم سبب الاستعجال"..
زجرته أمه، وقالت لائمة: " لا نريد لابن عائلة عزازي أن يتقاعس عن أقرانه من أبناء العائلة.. أريدك أن تحصل على درجة الماجيستير تزامنا مع قدوم حفيدي يا نور عين ماما"، ثم رفعت كفها وقرّبته من وجنته، فأمسكه آدم بتحفز قبل أن تقرص خده أمام الحضور، ليقبّل كفها، وينزله إلى جانبها، ليمر بعدها بعينيه على الحضور، محاولا استقراء إذا ما كان أحدهم قد شاهد عرضها المحرج قبل قليل..
تنهد آدم متململا، وقال بمهادنة: "لا تحدثيني عن تخصصاتهن.. أريد أن أتعرف عليهن.. أريد أن أعرف كل واحدة على حدة.. أهدافها، طموحاتها"..
ردت أمه تلاحق تذبذبه: "ولهذا أعطيتك ملفا يتضمن بيانات تفصيلية عن جميعهن"..
مط آدم شفتيه بغيظ، لكنه تمالك نفسه، وقال في النهاية: "أمي.. أريد أن أكتشف شخصية كل واحدة.. فيلمها المفضل.. أغنيتها المفضلة.. هوايتها.. طعامها المفضل.. نكتتها المفضلة"..
فغرت الدكتورة فمها، وسألت مصعوقة تقاطعه قبل أن يستطرد: "نكتتها.. المفضلة؟ هل هذا ما يهمك عند اختيارك لعروسك يا دكتور آدم عزازي"..
زفر آدم وحرّك رأسه متململا شاعرا أنها فعلا لا تفهمه ولا تقدّر معاييره لاختيار شريكة العمر حتى وإن بدت لها تافهة، ثم قال: "لا يهم.. اختاري أية واحدة يا ماما.. ولكنني لا أريد زوجة من داخل العائلة.. لا أريد الزواج من إحدى قريباتي"..
ابتسمت أمه، وقالت: "إذًا.. هي رحاب.. صدقني.. هي تناسبك كثيرا"..
ابتسم آدم بآلية، وقال الرد الذي تتوقعه أمه: "بالتأكيد.. تناسبني كثيرا"، ثم صمت للحظة، وقال مترددا: "ولكن.. ماما.. لا أريد أن نتحدث مع عائلتها في شيء اليوم.. أريد الحفل أن يظل هادئا هكذا لنهايته.. بعدها نحدد موعدا مع أسرتها ونذهب لخطبتها رسميا.. فقط امنحيني بضعة أسابيع لأرتب أموري أولا"..
ناظرته أمه باستفهام تشعر بتغيره نوعا ما، تخشى أن يغلبه تذبذبه ويتحول لعنادٍ قلما يظهره، ولكن عندما يتمسك به، فإنه يصعب من العسير تغيير قراره، مثل تلك المرة التي أصر فيها على اقتناء الدراجة النارية، وتلك الأخيرة التي عمد إلى اختيار تخصص غير الذي كانت ترتئيه الأنسب له، لذا قالت مهادنة:"لا بأس"، عاقدة العزم أن تتحرى الأمر دون أن ينتبه ابنها الوحيد، الذي باتت تلمس تغيرا ملحوظا عليه مؤخرا، ولا تدري له سببا بعد..


يتبــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 15-08-22, 08:06 PM   #574

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة العشرون: القسم الثالث

في السويس، كانت الاستعدادات في بيت عدنان الديب تتم على قدمٍ وساق، حيث يتم الاحتفال بتخرج بحر الابن الأكبر للعائلة في الكلية الحربية..
كانت الأسرة قد دعت الأقارب في القاهرة، ومددت الدعوة أيضا إلى أسرة سمير الصاوي، احتفالا بانضمام زهو إلى العائلة بخطوبتها إلى نبيل..
وقد وصلت أسرة عبد المنصف الحلواني منذ الأمس، كي تساعد فايزة أختها فاطمة في إعداداتها للحفل الكبير، بينما سيصل مساء اليوم آل عبد الجليل الحلواني ترافقهم زهو فقط، بعد أن اعتذرت والداها عن الحضور.. على أن يعود الجميع للقاهرة صباح الغد..
ومنذ حطت أمواج قدميها داخل حدود مدينة السويس بالأمس، وهي تتوق لكي تنفرد بخالتها فاطمة كي تسألها عن جارتهم، تلك التي أعلن بحر أنه ينوي طلب يدها..
ماذا كان اسمها؟
"رنا".. هتفت أمواج الاسم من بين شفتيها بفحيح ممتعض.. كنوّة بحرية بالكاد تستطيع السيطرة على نفسها كيلا تنفجر مغرقة الشطآن بـألسنة غضبها الزرقاء..
لا.. لن تستطيع الانتظار أطول من ذلك.. ستواجه خالتها مستفسرة عن الأمر، وبعدها ليكن ما يكون..
دلفت أمواج إلى المطبخ، حيث تقف خالتها أمام الموقد تعد بعض أصناف المقليات، بينما كانت والدتها فايزة تجلس إلى طاولة جانبية تقوم بنقش بعض المعجنات وترتيبها في صواني الفرن..
وقفت خلف والدتها كيلا تراها، ثم نادت خالتها ومنحتها غمزة قبل أن تقول وهي تشير لها بكفها كي تتبعها للخارج: "بطووووط.. لا أجد المطحنة القديمة في غرفة التخزين.. تعالي ساعديني في العثور عليها كي أطحن المكسرات، فتلك الجديدة مشبعة برائحة التوابل"..
ردت خالتها بنبرة خرجت تمثيلية بعض الشيء: "حسنا.. اذهبي وانتظريني بغرفة التخزين، وسألحق بكِ فور أن أرفع السمبوسة عن الزيت وأغلق الموقد"..
بعد قليل، انتبهت أمواج التي كانت شاردة تتذكر آخر مقابلة جمعتها ببحر في النادي بالقاهرة بعد نهاية الدراسة واستعداده لحفل التخرج.. كانت تهتز غضبا ككبركان نشط على وشك الانفجار، ولكنها أجبرت نفسها على أن تهدأ وتستكين كيلا يسبقها جنون وتفتعل فضيحة بأن تقفز أعلى المنضدة وتطبق بكفيها على رقبته فلا تتركه إلا بعد أن يعتذر عن نطق اسم (رنا) على لسانه أو يزهق أنفاسه الأخيرة دونها..
خرجت من شرودها بتلك الصورة شديدة العنف، حين استقرت خالتها إلى جانبها على مقعد قديم، وربتت بكفها بحنو على ظهرها، ثم سألتها بتعاطف واهتمام: "لِمَ أنتِ غاضبة يا حبيبة خالتك؟ ماذا بكِ يا أمواج البحر؟؟"..
لم تسألها كيف عرفت.. بالتأكيد يبدو الغضب على وجهها لوحة بارزة من التجهم والعبوس والرغبة في ارتكاب جريمة عنيفة.. لذا ردت بنزق: "بحر"، وكأن الكلمة هي إجابة اللغز.. ثم أطرقت رأسها بخجل وتنحنحت، قبل أن ترفع عينيها مجددا لتلمح نظرة متعاطفة مشوبة بالحذر، لتسأل خالتها بحزن حاولت إخفاءه خلف ستار عدم المبالاة: "من رنا جارتكم تلك يا بطة؟"
استرعى خالتها كم الترقب المشوب بالقلق، المحتجز بين مقلتيها، فلم تفهم قصدها للوهلة الأولى، لكنها ردت عندما استوعبت السؤال: "جارتنا من؟ لا أذكر لنا جارة بهذا الاسم.. لِمَ تسألين؟"
قالت أمواج بضيق والكلمات نفسها تخرج من فمها تلسعها: "بحر قال إنه يحب جارته رنا وأنه يخطط لطلب يدها، وأنهما قد تعارفا عندما جاءت لزيارتكم عدة مرات هنا في البيت"..
ضحكت فاطمة بعفوية، ثم ردت: "والله يا ابنتي.. لا يزورنا في هذا البيت سوى أطفال في سن العاشرة، وربما أكبر قليلا.. هؤلاء هم تلاميذ الدروس الخصوصية خاصتي من الصف الخامس الابتدائي وحتى الثاني الإعدادي.. وهم من أبناء المنطقة ويأتون بمفردهم.. لا يقوم أحد بتوصيلهم.. وبالتالي لا أعرف من رنا تلك التي أخبركِ بحر عنها؟؟"..
حين أنهت فاطمة حديثها ورمقت أمواج بنظرة تعاطف، تمتمت بصوت خفيض بكلمات متوعدة لبحر لكذبه على ابنة خالته.. وحبيبته..
وهي أكثر من يعلم.. لكنها فقط لا تفهم لماذا يصر على إبعادها عنه ذلك الأحمق بينما كاد يبكي أو يسقط مغشيا عليه حين ظن أن نبيل سيخطبها!!
سألتها أمواج مجددا بتشكك: "هل أنتِ أكيدة يا خالتي؟"، وقد كللت وجهها نظرات مترددة بعيدة تماما عن طبيعتها الواثقة..
ردت خالتها بتأكيد وتفهم: "أكيدة يا ابنتي.. لكنني لا أعرف لماذا فعل بحر هذا"..
رفعت أمواج حاجبيها لثوانٍ، وكأنها قد وجدت التفسير الذي كان ناقصا لتكتمل الصورة واضحة أمامها، قبل أن تناظر خالتها بعينين اشتعل أزرقهما بنيران الوعيد بانتقامٍ، ثم قالت بيقين: "أما أنا.. فأعرف حتما.. أين هو الآن؟"
نهضت خالتها، وتحركت صوب باب الغرفة، وهي تقول: "ذهب لإحضار بعض أصناف الأسماك الطازجة لأجهز لكم وليمة الغداء.. يا ليت لطيفة وعائلتها يأتون قبل المساء ليتناولوا أشهى الأطباق من صنع يديّ.. لكن، لا بأس.. سأصر عليهما ألا يغادروا غدا إلا بعد تناول طعام الغداء"..
عندما اقتربا من المطبخ، كان جرس الباب يعلو بصخب، قبل أن ينفتح الباب من الخارج، فيدخل بحر حاملا عدة أكياس بلاستيكية، مناظرا أمواج وأمه بلا مبالاة، قبل أن تسأله الأولى بفتور: "لماذا ترن الجرس إذا كنت ستفتح الباب بنفسك؟"
رد بحر ببديهية: "لأن لدينا ضيفات من النسوة يا ذكية.. حتى وإن كنتِ قريبتي وأمكِ خالتي.. لا يجب أن اقتحم المنزل بدون استئذان"..
حدجته أمواج بغيظ، ثم قالت بنبرة غير ساخرة تماما: "يا لكرم أخلاقك يا ابن الخالة"..
تجاهل بحر الرد عليها، وتحرك ليضع الأغراض على طاولة المطبخ، قبل أن يواجه أمه قائلا: "أمي.. سأذهب للتنزه قليلا قرب الخليج"، ثم استدار متحركا صوب باب الخروج..
غمزت فاطمة أمواج دون أن ينتبه ابنها، فهتفت الصغيرة تقول: "خذني معك.. أريد أن أتنزه قليلا"..
رفعت فايزة عينيها تناظر ابنتها بتحذير، فقالت ابنتها بعناد: "هل يُعقل أن نأتي للسويس ولا أتنزه قليلا يا أمي؟؟ سأتجول عند الشاطئ وأستنشق هواء الخليج، وأعود سريعا.. وبحر سيكون معي.. لن يضايقني أحد"..
قالت فاطمة بترحيب: "اذهبي يا ابنتي.. أساسا أنا وأمك شارفنا على إتمام تجهيزات الحفل، كما أن عمك عدنان قد أوصى على الكثير من أصناف الحلوى من متجر قريب.. والآن سنباشر بإعداد الغداء، وحينما تأتين تساعدين بعمل الأرز والسلطات"..
تحركت أمواج سريعا تعدل بلوزتها القطنية ذات الأكمام المنتفخة، ثم وضعت حقيبة يدها وحذائها الرياضي لتسير أمام بحر الذي تبعها متجهما يتمتم بكلمات غاضبة لم تتبين فحواها..
برغم مظهرها الذي يوحي بالثقة، إلا أنها بقامتها القصيرة وملابسها العصرية بتصميمها الغريب، لا تبدو كفتاة شارفت على إتمام الثالثة والعشرين من عمرها، بل كمراهقة تدرس في المرحلة الإعدادية..
من يصدق أن تلك التي يصل طولها لمرفقه تقريبا، هي شابة تكبره بعامين كاملين.. وتسيطر على قلبه بتعويذة سحرية منذ ولادته تقريبا.. أو ربما منذ بداية الوجود..
خرج بحر من شروده، ليشير لها صوب دراجته النارية الواقفة أمام باب منزلهما مربوطة إلى البوابة الخارجية بسلسلة معدنية ضخمة، ثم سألها بضيق: "كنتُ سأتحرك بالدراجة النارية.. كيف ستركبين معي الآن؟ أم نتحرك لنستقل سيارة أجرة؟"
قالت أمواج ببديهية: "خلفك بالطبع"..
تنهد بحر وقال محذرا: "أمواااااااج"..
"بحر"، ردت هي بنبرة مماثلة، مشددة على الحرف الأخير من اسمه بتحدٍ صريحٍ..
زفر بحر، وحل السلسلة عن القضبان المعدنية بعنف مندفع، ثم حرّك الدراجة وشرع بتشغيلها ليهدر محركها نافثا الوقود بنفس معدل الغضب الذي تملك صاحبه.. أشار لها بكفه، فجلست هي أولا على المقعد الخلفي، ثم جلس هو أمامها، حريصا على ترك مسافة كافية بينهما، وقال لها بتنبيه: "ضعي كفيكِ على المسند الخلفي لكي تتشبثي به.. وأنا سأقود ببطء"..
لم ترد أمواج، لكنه فور أن حرك الدراجة وقطع بها بضعة أمتار فقط، شعر بكفيها تستريحان أعلى خصره، تبعها همسها بالقرب من أذنه: "هكذا.. سأشعر بالاطمئنان أكثر"، قالتها بصدق يخلو من نبرة التحدي التي باتت تلازم صوتها كلما تحدثت إليه مؤخرا..
لم يسمح للمفاجأة أن تسيطر على عقله سوى لثوانٍ فقط، ثم تنهد ببطء مخرجا هواء ساخنا كان يحتل صدره ويهدد بانفجار مشاعره بما لا يليق..
لم يعرف بحر كيف قطع الطريق حتى وصل لبقعته المفضلة المطلة على الخليج، والتي تختبئ خلف تلة وتحتضن بجوفها كهفا صخريا صغيرا منزوٍ عن الأعين..
كهفه الخاص الذي أسماه .. (كهف الذئب)..
ترجل عن دراجته، ثم أخذ يحرك ذراعيه، يحاول أن يفك عضلاته التي تيبست بفضل التشجنات التي لحقت بها منذ أن استرخى كفا أمواج على جانبيه كمن تضع صكوك ملكيتها عليه بكل حرية لأنها تثق أن لها كل الحق بذلك، حتى أنه لم يجد غضاضة في تحريك ذراعيه وساقيه وكأنه يمارس تمرينات الإطالة قبل سباق للركض.. يعلم أنه يماطل ولكن لا حيلة أخرى له..
غير أنه بمجرد أن لمح تلك النظرات المصرة في عينيها، أمسى يعلم الآن أنه مهما ركض، لن يفلح في الفرار من تلك المواجهة الآتية بسرعة كنوة هوجاء نبتت من قلب الماء، معلنة بهيمنة أنها ستعيد ترتيب الشطآن وتشكيل رمالها، بل وتهدد بتدمير السفن والمنارات ما لم يستجيب البحر لسطوتها..
سألته أمواج بتكاسل، وهي تتفحص المنطقة بعينيها بفضول حقيقي، والمنظر الطبيعي الخلاب أمامها يخطف نظراتها: "هل تلك بقعتك المفضلة؟"
أومأ بحر دون أن يناظرها، بينما انشغل بفتح صندوق الدراجة النارية مخرجا حقيبة ظهر رياضية خفيفة من القماش المقاوم للماء، ثم ركض باتجاه الكتلة الصخرية، وهو يهتف: "انتظريني قليلا"..
عبر مدخل الكهف، فنزع سرواله وقميصه القطني، وارتدى زي السباحة، ثم أحاط رقبته بالمنشفة لتنسدل على الجزء الأمامي من جذعه، بينما طوى سرواله وقميصه ووضعهما بداخل الحقيبة، وعاد راكضا نحو أمواج، فقال محاولا أن يقطع عليها السبيل للحديث: "سأسبح قليلا"، ودون أن يمنحها فرصة للرد، دفع حقيبته الرياضية بين كفيها، ثم خلع المنشفة ودفعها على ظهر الدراجة النارية، وركض حافي القدمين حتى وصل إلى الشاطئ، فقفز بعنفوان في الماء، تستقبله برحابتها..
كان يحتاج لبرودة الماء لكي تخفف من استنفار حواسه وأعصابه بالكامل في حضورها، لكن الماء لم يفلح كثيرا في تهدئة ألسنة اللهب التي أحرقت سلامه النفسي ورباطة جأشه منذ أن لامست خصره أناملها المتسللة..
الغريب أن كل الاضطراب الذي لحق به جراء عناقها البريء، لم يؤثر إطلاقا على ضربات قلبه التي كانت تهدر بقوة وانتظام.
في الحقيقة، بحر الديب لم يشعر مطلقا بالاضطراب والتوتر في حضور أمواج، بل على العكس تماما.. كان يشعر بنبضات خافقه تهدر بوتيرتها الطبيعية يسيطر عليها يقين ما أنه قد اجتمع مع نصفه الآخر.. فالقلب يعرف مالكه، والروح تتعلق بتوأمها.. بعيدا عن حسابات العقل والمنطق التي أغرق نفسه بمحاولة معادلتها طوال الأشهر الماضية، دون أن يصل لنتيجة ترضيه أو تمنحه أملا يستحقه..
ولذا، فإنه حين خرج من الماء بقوامه الرياضي بفعل تدريباته المكثفة في الكلية، فإن رئتيه تمددتا وهو يستنشق الهواء النقي على مهل، يستمتع بتلكؤ ذراته المحملة برائحة البحر على بشرته.. وكأنه كائن أسطوري يشعر باقتراب اكتماله، لأنه يعرف يقينا أن الأمواج هي قرينة البحر وروحه التي تمنحه الحياة..
تحرك الخطوات الفاصلة بينهما بثقة ذئب يستقبل وليفته بإدراك أنها تخصه وله وحده، خاصة وأن نظراتها تؤكد له ذلك.. ورغم ذلك، ظل يقاوم تلك الفكرة لأنه يعلم أن الطريق إليها مستحيل.. لا تزال تفصل بينهما أنواء هائجة وعواصف رعدية وصواعق برق مميتة..
يريد المخاطرة، لكنه لا يدري إن كان سيخرج في النهاية على قيد الحياة.. أن يحارب لأجلها.. شيء يفعله بدون تفكير أو لحظة تردد، لكن أن يحارب لأجلها وهو يعرف أنه سيخرج خاسرا لا محالة، فهذا شيء يجعله يريد حماية قلبه بأسوار من الفولاذ.. لن يحتمل نبذ أمواجه أو نفورها مهما أظهر عكس ذلك..
أما هي، فقد كانت شاردة منذ شاهدته يقفز في الماء.. تفحصته عن هذا القرب لأول مرة منذ وقتٍ طويل.. ناظرته يسبح بعرض الماء متناغما مع التيار كمن يعرف أنه هاهنا حيث ينتمي، ثم قفز لأعماقه ليبتلعه ظلام القاع وكأنه جزء من البحر.. بل هو البحر نفسه..
ولما ارتقى قليلا ليطالع الأفق وهو يسبح على ظهره بشكل استعراضي، انعكست عليه أشعة الشمس، فتحولت سمرة بشرته لوهج خاص مع تراقص جزيئات الماء على جسده بالتماع يشبه الماس..
صورة حية لرجل مكتمل الرجولة.. شعرت أنها إذا دققت النظر أكثر، فإنه سيتحول أمامها لكائن أسطوري.. مثل بوسيدون.. وكأنه ليس من هذا العالم بالفعل..
تبا.. لماذا تشعر بهذه الانفعالات معه؟؟ هذا ليس عدلا..!! فهو لا يبدو أنه قد تأثر بمقدار ذرة واحدة باحتضانها لخصره على متن تلك الدراجة البخارية اللعينة..
ظلت تطالع لحظة خروجه من الماء بانبهار غريب، وكأنها تشاهد لقطات مقربة بالتصوير البطئ في مقطع سينمائي أجاد المخرج تصويره بإضاءة رائعة وخلفية مبهرة، وبطل يسحب الأنفاس بجاذبيته الشديدة، حيث تحده أشعة الشمس من كل الجهات، لتمنحه وهجا برونزيا خطف أنفاسها، بينما كان هو يسير بتؤدة وثقة كمحارب أسطوري لديه يقين الفوز على أعتى الأعداء..
همست أمواج تحدّث نفسها بانشداه، والأفكار تتلاحق على رأسها، فلم تشعر معها إلا بحاجتها للفضفضة، حتى لو لذرات الهواء من حولها..
(كنت دائما منجذبة له ولم أفسر السر.. شخصيته.. جديته.. اجتهاده.. تهذيبه.. أقصد أنه بالتأكيد ليس أكثر رجال العالم وسامة أو لباقة.. ما سره؟ أتراها تلك التعويذة التي ألقتها علينا خالتي فاطمة لحظة ولادتي؟.. سبقته إلى هذا العالم.. وجاء هو بعد عامين متحديا لأمنية خالتي وأمي، وكأنه سيكسر أثر التعويذة.. فحدث أن اختطف بضع نبضات من قلبي يوما بعد يوم، حتى لم أعد أملك من قلبي شيئا.. هل يهرب الأحمق لأنه يظن أن اللعنة قد لحقت به هو فقط؟ أنه هو فقط من يحترق بهذا الحب صمتا؟ ألا يرى؟ ألا يرى؟ تبا لك يا بحر يا سيد الأغبياء)
اقترب بحر حتى وصل إلى حيث تقف هي بالقرب من دراجته النارية ملاحظا عبوسها بتعبير يمزج بين الغضب والاحباط، فانتزع منشفته عن الدراجة، وأخذ يجفف جسده برتابة، بينما يطالعها بنظرات بها خليط غريب يصعب تجانسه.. خليط مسكر ساحر بين الخطر والحماية، لتتبدل نظراتها لشيء آخر لم يشأ تفسيره، وإن كان تغضن وجنتيها بالأحمر يعطي تلميحا عما يمكن أن يدور بخلدها الآن..
تنهدت أمواج ثم سحبت بعض الأنفاس التي هربت منها في لحظة غادرة، بينما كانت تهمس بداخلها:
(وكأنه وحش يجب أن أهرب منه لأنقذ نفسي من بطشه..
وكأنه حارس يجب أن أهرب إليه لينقذني من شرور الآخرين..
وكأنه بنظرة قاسية قادر على إيلامي.. وبلمسة حانية سيداويني)..
"لماذا تتبعينني؟"
أخرجها من شرودها سؤاله الذي خرج منه بنبرة لائمة ، وكأنه لم يعد يتحمل الإرجاء أكثر من ذلك..
هل يلومها.. لأنها تحب؟ لأنها تهتم؟
تبا له..
همّ يرتدي قميصه محاولا الانشغال ريثما يمنحها الفرصة للرد، بينما ظل محتفظا بسروال سباحته المبلل، خوفا من أن يصيبه التردد مجددا إذا ركض للكهف لتبديله..
طوقت أمواج صدرها بذراعيها تتلمس الدعم من داخلها فهي لم تهرب يوما من مواجهة، وإن كان حبيب الروح يخشى للحرب، فلتعطي هي شارة البدء للقتال.. هتفت بعناد وتحفز: "قدر الأمواج أن تلاصق بحرها، فإما يخلدان معا، أو يفنى كلا منهما معانقا للآخر.. بكل الحالات، لا انفصام بين بحر.. وأمواج".. ضغطت أحرف كلمتها الأخيرة بتأكيد ويقين، وهي ترجو أن ينتقلا إليه فيكتسب بعض الثقة..
شهق بحر بعد أن فغر فمه على اتساعه.. من بين كل الإجابات التي كان يرجوها.. كانت تلك آخر ما يتوقعه منها..
لكنها هكذا دائما.. غير محايدة.. وغير مهادنة.. وغير متوقعة..
تضرب ولا تبالي.. تتصادم بلا رحمة، فتشطر وتمزق وتخلّف وراءها فوضى عارمة.. لا تعرف غير المواجهة والمضي قدما.. ليس من صفاتها التراجع أبدا..
أمواجه باترة.. و.. و..
لا.. لا.. ليست أمواجه.. ولن تكون له.. لن تخصه.. أبدا
رمى بحر منشفته مجددا على ظهر الدراجة، ثم رفع حاجبه ليرد موبخا بفتور: "وقحة قليلا.. ألا تظنين؟"
زفرت أمواج بينما ترمقه بعدم اكتراث مماثل، وكأنه لم يهنها لتوه، فتابعت تقول باعتداد: "ألا تقول حكايات الأساطير أن عروس البحر يجب أن تكون جنيّة؟؟ من غيري تليق؟؟"
ابتسم بحر ابتسامة نصفية سخيفة تحرك لها فكه بانزعاج، وكأنه يرفض أن تتسلل تلك الماكرة وتزعزع سيطرته التي نجح بالكاد في استعادتها بعد جولة منهكة من السباحة في عرض الماء، فقال: "لا نعيش في زمن الأساطير.. وإذا كنتِ تبحثين عن حلمٍ خرافي.. ربما عليكِ أن تخلدي للنوم.. لكن حين تستيقظي.. تذكري أن الواقع لا يشبه شيئا مما ترينه في منامك من أحلام أسطورية"..
أنزلت أمواج ذراعيها بانفعال، وقبضت كفيها بحنق، ثم هتفت تسأله بتمرد: "ألم تفهم كل تلك التلميحات بعد؟"..
لم تجد غضاضة لسلوكها درب الوضوح، فقد ملت الطرق حول الهدف.. لتسمعها منه الآن ولينتهي الأمر..
ازدرد بحر ريقه ببطء، ثم قال محذرا: "أية تلميحات؟.. لا تسيئي لنفسك يا ابنة خالتي"..
وقفت أمواج أمامه لعدة ثوانٍ، ثم تحركت صوبه خطوة واحدة مترددة، قبل أن تقول بنبرة إقناعية، كمن تحاول استمالته ليقتنع بما تعرضه: "اسمع يا بحر.. أنا لا أتحرش بك.. أنت صديقي المفضل، وأريد أن يكون بيننا ميثاق غليظ.. أريد أن أمتلكك فعليا.. كما تمتلك قلبي.. وأعلم أن قلبك لي لكنه أسيرك وأنت لا تحرره.. لا تحاول الإنكار.. لستُ غبية أو موهومة"..
من جديد، فغر بحر فمه، وقبل أن يرد معارضا، استلت هي سيفها وضربت ضربتها القاصمة: "أريدك أنت تتزوجني"..
رفع بحر كفيه إلى جانبيه بدهشة وعدم تصديق، ووقف كتجسيد حي للصدمة، قبل أن ينزلهما بعنف، ويتحرك خطوة قاطعة نحوها، يسألها غاضبا: "هل جُننتِ؟ بِمَ تهزين الآن؟ هل نحن في لندن؟"، ثم استدار يطردها من محيط نظره، كأنه يخبرها بلا كلمات أنه يرفض استمرار تلك المحادثة..
ناظرته أمواج بحاجبين معقودين.. أيظن أن المناقشة انتهت؟؟ بهذه البساطة؟؟ بعد أن دفعها لتكشف كل أوراقها أمامه متخيلة عن كل ذرة حياء تمتلكها؟؟..
إن كان بحر يظن أن أمواج ستقف عند هذا الحد، فإنه واهم بالتأكيد..
قطعت أمواج المسافة الفاصلة بينهما، واستدارت لتقف في مواجهته تماما، بل إنها قد اقتحمت مساحته الخاصة، فبات يراها أكثر وضوحا بعد أن تلألأت أشعة الشمس على أمواج عينيها الزرقاء، لتمنحها من ضوئها أطيافا لا نهائية، فتزرع الجنون بداخلهما معا مع اختلاط أنفاسهما في هذا الحيز الضيق، لتقسم أنه لن يغادرهما أبدا..
ازدرد بحر ريقه متأثرا بوقفتها على هذا القرب منه، وإن كان بإرادة فولاذية يمنع نفسه من أي تصرف سيندم عليه أشد الندم، لتمسك أمواج زمام المواجهة من جديد، قائلة بإصرار: "لا تظن أنني سأقبل أن ألعب دور ابنة الخالة المهووسة في هذه القصة.. لن أكون حكاية جانبية في حياتك.. لن أسمح لك.. أتسمعني؟ أنا سأكون البطلة يا بحر.. فتوقف عن الغباء"..
رفع بحر كفيه أمامه، لا يدري ماذا يفعل بهما.. هل يعتصر وجنتيها فيكمم فمها؟؟ هل يدفعها لتبتعد عن محيط أنفاسه قبل أن يحاصرهما شيطان الغواية؟ هل يخنقها قاطعا عليها تهورها بالكلمات؟
هل يعانقها ولا يتركها أبدا؟ أم يختطفها ويزرعها خلف أضلعه لتصبح سجينته ولا تغادر أبدا..
لا.. ليست سجينته.. لن يجرؤ على أن يجبرها أبدا على سكنى قلبه وحياته.. ستكون جنيّته مالكة عمره..
لتكن تلك أسطورتهما الخاصة، العاشق الذي أصابه الخبل، فباغت الجميع وانتزع جنيّة من روضتها، وزرعها خلف أضلعه لتحتل أروقة قلبه كافة، وتفترش أوردته وتستكين بداخلها للأبد، فتمهر كل نبضاته بتوقيعها الخاص، فلا حياة إلا بها..
هل يكترث إذا قالوا إنه اللص الذي سرق زهرة اللوتس من منبتها، ليضعها بالبحر المالح، وهو يثق أنها ستزهر؟
هل يواجه الذئب قطيعه بوليفته التي لا تشبه أحدا؟.. قطة برية رمادية زرقاء العينين تخمش كل من يقترب عداه..
تقاذته أمواج الأفكار بين وسوساته المختلة حتى أنهكته كليا، فأنزل ذراعيه إلى جواره بتعب، عندما تابعت هي متعهدة بقسم لا رجعة فيه: "أنت ستتزوجني برضاك.. بل سترجوني"..
ضحكة ساخرة تعالت، لم ينتبه أنها صدرت من بين شفتيه القاسيتين، إلا عندما لمح نظرة الألم في عينيها، فقال بقصد الإجهاز عليها: "هل ستعيشين الوهم لأن أمي تمنتكِ لي ؟ أم ربما تظنين أن وعدا عائليا عتيقا سيكون ملزما لي، ليجبرني على الزواج منكِ؟"
مطت أمواج شفتها السفلى بلوعة، فتمنى لو يلكم نفسه أمامها اللحظة ليغادرها الكمد، لكن أمواج استردت عنفوانها سريعا..
فالأمواج مهما تكسرت على صخور الشاطئ القاسية، تعود مجددا بكل عنفوان وقوة وبأقصى سرعة وارتفاع، حتى تغمر تلك الصخور القاسية وتترك علاماتها عليها، فتصيبها بخدوش وشقوق، فتجبرها على أن تزهر.. محققة المعجزة..
وهذا ما نوت عليه تماما، وظهر جليا على صفحة عينيها، حين هتفت بنزق: "أنا لن أتزوجك بمحض وعد عائلي عتيق.. لست طفلة غبية تتعجل النضج وتريد أن تلعب لعبة (العروس).. لا أبحث عن أي زوج يا بحر.. هل تعلم كم عريس يطلب ودي شهريا؟ أمواج الحلواني لن تتزوج سوى رجلا يعشقها"..
ابتلع بحر غصة بحلقه، وهو يتخيلها تُزف إلى عريس آخر، لكنه قال بجفاء: "مبارك.. تزوجي ممن تشائين"..
عاودت هي تطويق صدرها بذراعيها، ثم قالت بثقة: "أنت تعشقني يا بحر.. احترم ذكائي على الأقل ولا تعاملني كمراهقة واهمة تطاردك.. إنما كتمت الحب بقلبي كل تلك السنوات حتى أتأكد من أن مشاعرك تجاهي تتساوى مع ما أحمله لك في قلبي"..
ببرود يُحسد عليه، أخفى بحر ارتجاف دواخله عنها، محافظا على نفس النظرة الجافة المتحفظة، لتتابع أمواج بنزق من تعلم أنها لا تمتلك أية فرصة الآن للتراجع: "أقصد انظر لدخولك الكلية الحربية خلافا لرغبة والدك.. انظر لإصرارك على التواصل معي طوال سنين الغربة وما بعدها، برغم كوننا نعيش في مدينتين مختلفتين.. حرصك على أن تمنحني هداياك وغضبك من محاولة نبيل أن يبادلني الهدايا.. بل امتعاضك من أي تقارب بيني وبين ابن عمي.. أصدقني القول؟؟ ألم توشك على الإصابة بذبحة صدرية مثلا حين ظننت أن نبيل سيطلب يدي بدلا من زهو؟؟"..
جحظت عينا بحر، وهو لا يفهم من أين اكتشفت هذا الأمر، فهو موقن أن والدته أبدا لن تخبرها عن رد فعله على خبر خطبة نبيل.. لكنها قطعت شروده، وهي تهدر لائمة: "بل انظر لحبي لك"..
رفع بحر حاجبيه مستفهما، وكأنها بدأت تتحدث بلغة غير مفهومة، فأكملت بنفس نبرتها الواثقة: "لا يمكنني أن أحبك بكل هذا القدر دون أن تبادلني الشعور حتى ولو بمقدار النصف.. صحيح؟"..
وقف بحر أمامها لدقائق صامتا.. ينظر فقط لعمق عينيها..
(عيناك الحبيبتان مستفزتان وقحتان، تضيئان بألف قبس من لهيب.. عيناك هما الحياة نفسها، وأنا أخشى الاحتراق)..
هكذا كان عقله يصرخ، وهو يبتلع أناته لتحرق أوردته وتصيب قلبه باحتقان ينذر بانهياره الوشيك..
لكن لا.. سيغلق هذا الباب.. الآن وللأبد..
سألها بحر بنبرة مشمئزة، طابقت تعبير النفور الذي رسمه بحرفية على وجهه: "أمواج.. ألا تستحين؟"
أحاطت أمواج خصرها بذراعيه، وقالت تحاجيه: "لا أطلب منك شيئا شائنا أو حراما . اطلب الزواج من الشخص الذي أحبه وأدرك أنه يحبني حتى وإن كان هو يجبن أن يعترف"..
اشتعلت عيناه بالحنق من إهانتها المستترة له، لكنها تابعت بقنوط: "إذا كنت سترفض، لا بأس.. لن أغضب.. أتدري ما السبب؟"..
حرّك بحر كتفيه متسائلا، ولم يجرؤ على صياغه الكلمات، فتابعت هي بنظرة متحدية ولسانٍ باتر: "لأنك وقتها ستثبت لي أنك لا تستحقني، وأنك لا تمتلك عقلا راجحا وعزيمة قوية لإتمام الأمر.. أنا أريد رجلا واثقا من نفسه حين يقف أمام أبي ليطلب يدي.. لن أتزوج شابا ضعيفا يجبن عند المواجهة"..
اهتز شيء بداخله عندما قالت كلماتها الأخيرة، فقال ينشد بعضا من التفهم: "افهميني يا أمواج.. أنتِ.. أنتِ.. أنتِ قطعة من السماء.. كنز ثمين.. تستحقين الأفضل.. بل الأفضل من بين الأفضل"..
هزت أمواج رأسها موافقة، وعضدت تصرفها بقولها: "أتفق معك"..
أطرق بحر رأسه بارتياح..
أخيرا اقتنعت، لكنه جز على أسنانه غيظا، عندما تابعت تقول: "أستحق الأفضل بالفعل.. لكن لا أحد أفضل منك.. لا أحد يحتوي الأمواج غير بحرها"..
ارتعد شيء بداخله، لكنه حافظ ظاهريا على هدوئه، وقال: "لا تتحدثي عني بصيغة الملكية.. أخرجي تلك الأفكار التملكية من رأسك.. أنا.. أحب....."
كادت الكلمة أن تفلت من بين شفتيه.. (أحبك).. لكن الحرف الأخير تلكأ معاندا، فازدرد ريقه، وقال ما كان ينوي قوله من البداية: "أحب.. رنا، وسأطلب يدها قبل أن أستلم عملي"..
ردت أمواج بكلمة واحدة: "كاذب"، ثم تحركت صوب الدراجة النارية، ترمي منشفته على الأرض، وتجلس في بقعتها على الكرسي الخلفي، بينما حمل هو المنشفة وأخرج سرواله من حقيبته الرياضية، وسارع يرتديه كيفما اتفق، ثم قفز أمامها يحرك المقود..
خلال رحلة العودة، نفذت أمواج طلبه أخيرا، وأسندت كفيها إلى المسند الخلفي رافضة أن تلمسه، وكأنه غير موجود..
تصرف فسره هو، بأن أمواج تجهز نفسها منذ هذه اللحظة لتتعود على غيابه عن كل مفردات حياتها..


يتبــــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 15-08-22, 08:08 PM   #575

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة العشرون: القسم الرابع

أغلقت فاطمة هاتفها للتو بعد أن طمأنت منال والدة زهو أن ابنتها قد وصلت بالفعل مع باقي أفراد العائلة، وأنها ستبيت مع جميع النسوة في بيت الديب، بينما سيصطحب عدنان الديب الرجال للمبيت في الشقتين المغلقتين اللتين اشتراهما الأب من أجل زواج ولديه – وإن كانتا تحت التأسيس..
بعد نهاية المكالمة، امتلأ المنزل بفوضى بهيجة حيث تبادل الحضور الحديث عن ذكريات طريفة مبهجة، لكن ضحكاتهم لم تصل أصداؤها للأسف لبحر وأمواج، اللذين حرص كلا منهما على أن يجلس في بقعة بعيدة عن الآخر، ورغم ذلك كانا يختلسان النظر - أحدهما للآخر - من وقت لآخر ..
أما فرات، فقد كان يتبادل الحديث والمزاح مع الفتيات، غير واعٍ لارتفاع النوّة بين أمواج وبحر..
قالت شادن باهتمام: "أمامك عام واحد فقط بالثانوية العامة وتلتحق بكلية الهندسة يا فرات.. هل تريد أن تلتحق بقسم التعدين مثل العم عدنان؟"
رد فرات بنبرة مرحة: "لأنتهي أولا من مناهج الفيزياء والرياضيات المتقدمة.. أشعر أن عمري ينقص كل يوم بسبب المذاكرة.. أتعلمين.. لقد بدأت الدروس الخصوصية بالفعل رغم أنني فعليا في عطلة"..
ناظرته شادن بتفحص، ثم ردت: "أنت تكذب.. كنت دوما تحب المواد العلمية وتبرع في الرياضيات تحديدا.. بالتأكيد لن تشكو الآن وأنت على أعتاب الجامعة بالفعل"..
رد فرات بعد أن تزين وجهه المراهق بابتسامة عابثة أضاءت لها عينيه الذكيتان: "بالفعل أمزح.. لكن صدقا لا أعرف بعد أي قسم سأنضم إليه عندما ألتحق بالكلية.. لكن أبي يتكلم دائما بحماس شديد عن عمليات التعدين التي يقوم بها في المناجم الملاصقة لسواحل البحر الأحمر"..
تدخلت أمواج تقول بصدق: "كن ما تحبه.. فأنت تستحق الأفضل.. وأنا واثقة أن مستقبلك سيكون لامعا بإذن الله يا فرات"..
ابتسم فرات بامتنان بينما استقام كتفاه بثقة واعتزاز، فيما قالت زهو: "يا الله.. كلما رأيتك أنت وإيلاف، أشتاق كثيرا لأن يكون لي أخٌ أصغر"..
رد فرات بصدق: "اعتبريني أخاكِ الأصغر"..
في بقعة أخرى من غرفة الجلوس الواسعة، جلس عدنان الديب وابنه بحر مع ضيفيهما عبد المنصف وعبد الجليل الحلواني، حيث أخذ الأخير يتحدث عن استعدادات زفاف نبيل التي ستتم خلال ثلاثة أشهر من الآن..
قال عبد الجليل الحلواني: "حين اشتريت الشقة لنبيل في بناية قريبة بنفس التجمع التي نسكن به، فكرتُ أن أستثمر في الxxxxات، لأن سوقها لا يخسر كما تعلم يا عدنان.. فاشتريت وحدة أخرى لنادر، بحيث يجد لنفسه منزلا مستقلا إذا أراد الزيارة، كما اشتريت واحدة أخرى من أجل شادن.. ليس وكأنها ستعيش بمفردها.. ولكن لتكن استثمارا لها من أجل المستقبل، يمكنها أن تؤجرها أو تبيعها حتى إذا أرادت.. تعرف سوق الxxxxات من أفضل الأفكار الاستثمارية في بلدنا"..
تدخل عبد المنصف يقول: "أما أنا فقد اشتريت وحدة بنفس البناية لابنتي أمواج.. لا أريدها أن تنعزل عنا حتى إذا تزوجت"..
أظلم وجه عدنان الديب قليلا رغم أن ملامحه لم تتغير، فسأل عبد المنصف باهتمام: "هل ستجعلها تتزوج في بيت تشتريه لها بنفسك؟"
رد عبد المنصف بثقة: "ليس وكأنني سأتركها تتزوج من شخص لا يؤتمن، بل سأحرص على تأمين زيجتها جيدا.. لكنني وأمها لن نتحمل أن تبتعد عنا ابنتنا الوحيدة"..
أطرق بحر رأسه بإحباط وهو يذكّر نفسه أنه قد اتخذ القرار الصحيح برفضه لاعتراف أمواج بالحب بل وتجاسرها بعرض الزواج عليه، بينما قال عبد الجليل متفكها: "تخيلوا أن تسكن شادن وزهو وأمواج معا بنفس البناية.. ليصبحن صديقات وجيران للأبد"..
مع نهاية الحفل واستعداد الرجال للمغادرة للمبيت في المنزل الآخر، قالت فاطمة: "بحر.. اتبعني لأجهز لك بعض الشراشف والمناشف والأغطية.. وأنت يا فرات.. اذهب إلى خزانة مستحضرات الاستحمام، وخذ بعض قطع الصابون ومعجون وفرش الأسنان لضيوفنا على سبيل الاحتياط"..
تحرك بحر خلف والدته نحو غرفة التخزين، ففتحت هي خزانة قديمة ضخمة، أخرجت منها بعض الشراشف والمناشف المطوية داخل أكياس حافظة، ثم وضعتها بين ذراعيه، وهي تقول على سبيل الثرثرة: "هل علمتَ أن أمواج ستتزوج؟ لقد تقدّم لها عريس آخر، ووالدها يفكر في الموافقة عليه"
سقطت الأغطية من بين كفيه، ووقف صامتا لدقائق، بينما تراقب أمه كل انفعال غطى صفحة وجهه وفضحته عيناه، قبل أن يقول: "كيف؟ كيف؟ إنها.. إنها..."..
صمت بحر يقطع كلماته الأخيرة، بينما أخذ يفكر..
(أتراها عرضت الزواج عليّ هربا من هذا العريس؟)
تابعت أمه بنفس النبرة: "فايزة تقول إن العريس مذهل.. لا يمكن رفضه"..
سألها بحر بصوت مختنق هارب الأنفاس: "من عريسها؟ هل هو سفيان؟"
ردت أمه: "لا.. ليس هو.. لكنه شاب آخر يعرفه نبيل وسفيان أيضا.. ويثنيان عليه كثيرا"..
لم يقف بحر ليستمع للمزيد من كلمات أمه المستحسنة، إذا ظل واقفا هنا سيتفتت ويتمزق ويستحيل لذرات غبار تسكن تلك الغرفة اللعينة للأبد، لذا أسرع الخطى نحو غرفته، ولم يكترث حتى بالرد على نداءات أمه المتتالية..
دخل بحر الحمام، وفتح الصنبور ووضع رأسه أسفل المياه..
يشعر أن شيئا بداخله قد تحطم، ينزف بشدة، لكنه عاجز عن تحديد موضع الألم..
كله يحترق على الأرجح.. ربما هي حالة من حالات (الاحتراق الذاتي)..
لتكويه ألسنة اللهب حتى يصبح رمادا..
(ستتزوج أمواج.. ماذا يهم بعد الآن؟ آه.. ما هذا الوجع)..
رفع بحر كفه يدلك به قلبه العاق مصدر كل الشرور..
أما لتلك اللعنة من نهاية..
(كنت أعلم.. كنت أعلم أن ذلك الحب المستحيل سينتهي إلى فاجعة.. ولكنني غير مستعد بعد لرؤيتها مع رجل آخر.. لتنتظر قليلا.. سأدرب نفسي.. لكن ليس الآن.. رجاء ليس الآن.. لم أشبع بعد من استكشاف مشاعري ناحيتها.. لم أرتوِ من تذوق حلاوة اعترافها بالحب عند الشاطئ.. لم ينتابني حتى حلم واحد أرانا فيه نستمتع بوهمٍ عالم خرافي ينتمي فيه كلٌ منا للآخر.. يا لقسوة الأيام)..
ظل يحدّث نفسه محاولا التخلص من بعض ألمٍ يجتاحه كإعصار ناسف، مبتهلا من بين أفكاره ومتمتما بالدعاء أن يرحمه الله من آلام لم يختبرها قبلا، لكن وطأتها شديدة تفتك بداخله بلا شفقة..
لا يدري بحر كيف وصل إلى الشقة الأخرى.. أو من كان يقود السيارة.. ولا يتذكر أنه حتى قد ساعد شقيقه ووالده لإعداد الغرف لمبيت الضيوف..
كل ما يتذكره، أنه قد وجد نفسه يجلس طوال الليل في الشرفة يدخن لفافات التبغ واحدة تلو الأخرى حتى احترق صدره كما تحترق كل أعصابه..
هو حتى لم يكن مدخنا.. من أين أتته تلك اللفافات؟
مع تسلل الأشعة الأولى للشمس على الأفق، وتساقط قطرات الندى مبشرة بيوم جديد.. توصل بحر إلى قرار هام..


يتبــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 15-08-22, 08:10 PM   #576

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
1111 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة العشرون: القسم الخامس

في نفس التوقيت تقريبا، تحركت شابة جميلة بخطوات متسللة صوب غرفة معينة داخل قسم جراحات العظام بالمستشفى..
كانت تسير بتحفز وخفة وعيناها تبرقان بمشاكسة، ولا تفكر في شيء سوى الاقتصاص لنفسها من آخر مقلب دبره لها، وكاد أن يصيبها بذبحة صدرية من الرعب الذي شعرت به وقتها..
لقد جعلها بمشاكسته تبدو كحمقاء ساذجة بحيلته الخبيثة قبل نحو أسبوعين، حين أخبرها أنه قد أحضر لهما طعاما، وطلب منها أن تستخرج صندوق الغداء من الثلاجة الموجودة بغرفة مكتب الدكتور حسن..
لن تنسى أبدا حالة الذعر التي انتابتها حين فتحت الثلاجة يومها، لتجد بداخلها صندوق صغير لحفظ المثلجات مطبوعا عليه بالخط العريض (أعضاء بشرية) وبخط أصغر تحتها (طازجة ومضمونة.. تم استئصالها للتو من جثة ساخنة)..
للحظة، ظنت أن الصندوق يحتوي مثلا على كلية أو عين أو أي عضو من متبرع، رغم أنها لم تفهم سبب وجوده داخل ثلاجة غرفة الدكتورة حسن، لكن الخوف انتابها حينما تفحصت أرفف الثلاجة جميعا، ووجدتها فارغة إلا من هذا الصندوق..
(أين ذهب الطعام؟).. سألت نفسها محتارة، قبل أن تعاود أنظارها الاستقرار على ذلك الصندوق.. أخذت ترفرف بعينيها، غير مستوعبة لما قرأته، وبرغم التوجس الذي وقر بقلبها، إلا أن فضولها غلبها لتعرف ما بداخله، فمدت يدها تخرجه بأنامل مرتعشة، ثم شرعت تفتح غطاء الحاوية لتتفحص محتوياته بأنامل مرتعشة، لتصرخ هلعة عندما وجدت بداخله يد بشرية منتفخة بلون بنفسجي داكن تحيط بها الثلوج من كل الجهات..
ومع ارتفاع صرخاتها المرتعبة، تعالت ضحكات صاخبة من خلفها، فالتفتت ذكرى وهي تضع يدها على قلبها تنشد الهدوء لنبضاتها المتسارعة، فأخذت تتمتم بآية الكرسي وهي تحاول استعادة السيطرة على أنفاسها وازدراد ريقها بعد أن شعرت أن قلبها سيقفز من حلقها من أثر الصدمة، بينما تراقب ذلك الذي يقف أمامها متجردا من مكانته العلمية وسنوات عمره التي شارفت على معانقة الثلاثين.. يقف أمامها هانئا مرتاح البال، شديد الثقة يضع كفيه داخل جيبيّ سرواله، ويضحك..
يضحك من قلبه، ليبدو طفلا صغيرا مشاكسا في ساحة اللعب قد قام لتوه بأكثر مشاغباته إزعاجا، لكنه لم يكترث لأنه قد نجح في إحراز نقطة ضد خصمه..
بلحظة، تبدد ذعرها وهرب معه غضبها.. بهجته انتقلت إليها تلقائيا، لتبادله الضحك بسبب نجاح مزحته الطريفة، خاصة بعد أن اقترب منها وأمسك باليد المستقرة أعلى قطع الثلج، لتكتشف أنها عبارة عن قفاز بلاستيكي أرجواني اللون، منفوخ بنسبة معينة ليحاكي شكل اليد البشرة المتورمة..
يرفعه أمامها بتحفز وعينيه تلمعان بفخر طفولي، وهو يهمس لها بظفر: "نقطة جديدة لصالحي يا آنسة"..
يومها، أقسمت ذكرى على أن ترد له المزحة، بأخرى أكثر مشاغبة وأشد رعبا..
(لنرَ يا دكتور آدم.. من منا سينتصر؟؟).. تتوعده وتقسم على الانتصار والظفر لتكتسح سجل مشاغباتهما حتى تكون لها الغلبة واليد العليا..

واليوم، حان موعد الانتقام بعد أن ظلت هادئة لنصف شهر كامل حتى ينسى تماما نيتها في الانتقام.. ستقدمه له باردا على طبق من فضة، لتستمتع بمشاهدته يعاني ذعرا، وكأنها تتناول المثلجات الصيفية المنعشة بأحد نهارات أغسطس الحارة..
أخرجت ذكرى من حقيبتها فأرا رماديا مزغبا صغيرا، كان قد استرعى انتباهها حين سقطت أنظارها عليه بالصدفة داخل متجر للهدايا وسط عشرات الدمى القطنية.. كان يقبع في مؤخرة رف جانبي للعرض، ربما لأن منظره مخيف إذ كان مجسما بالحجم الطبيعي ويشبه الفأر الحي تقريبا فيصعب التفريق بينهما، وبالتالي لن يتجاسر أحد على شرائه لطفله..
وقتها، التمعت برأسها الفكرة سريعا، فقررت أن تشتريه فورا تمهيدا لتنفيذ مقلبها الذي أجلته لفترة كافية، حتى يظن الدكتور آدم أنها قد نست تماما أمر الانتقام..
تحركت ذكرى صوب غرفة مكتبه، وطرقت الباب، فأذن لها بالدخول، فدلفت إلى الداخل بخطوات اعتيادية، تدس كفها الذي كان يحتضن الفأر بجيبها، تخفيه عن أنظاره..
تبادلا الحديث لبضع دقائق كما تعودا.. أخذ يسألها عن خططها بعد إنهائها لدراستها الجامعية، خاصة وأنها ستترك أيضا العمل لدى الدكتور حسن قريبا، لأنها تريد العمل في عيادة أو مستشفى تخصصي لأمراض القلب لتزيد مهاراتها وتجهز لرسالتي الماجيستير والدكتوراة..
كم يعجبه طموحها واعتمادها على نفسها.. يغبطها كإنسانة ملهمة تنتصر على ظروفها الصعبة دون أن يمد لها أحد يد المساعدة.. ويتمنى لو كان يمتلك نفس مثابرتها وإقدامها..
أحيانا يسأل نفسه.. (هل لو مر بنفس ظروفها، أكان ليصر على تحقيق أحلامه فيعاند ويكافح من أجل تلوين حياته بألوان منعشة، أم تراه كان ليستسلم أيضا لوضعه الاجتماعي والاقتصادي، كما يفعل حاليا!!)..
استمر يحدثها بتلقائيته المعتادة، وعيناه تشعاه بالتقدير ، لكن قلبه الوجل يخفق بتسارع، يذكّره أن تجمعاتهما الاعتيادية هذه لن تدوم طويلا، خصوصا إذا تم إعلان خطبته..
للمرة التي لا يعرف عددها، سأل آدم نفسه.. (هل ما يشعره تجاهها هو الحب فعلا؟ أم مجرد ارتياح وتعوّد؟؟)
هل عليه أن يتمرد ويعلن العصيان؟ أم يلتزم بخطط العائلة لأجله؟؟..
والدته تعرف الأفضل له.. صحيح؟
كم سيشتاق لصداقتها.. لاهتمامها..
ذكرى كانت الإنسانة الوحيدة التي تسأله دوما عما إذا كان جائعا؟ ظلت دوما تطعمه بعضا من طعام والدتها المنزلي الشهي..
كانت تلك الأصناف الشعبية - على بساطتها مقارنة بأغلى الأصناف التي تعدها الطباخة في منزل عائلته – هي ألذ ما تناوله في حياته.. فأهم ما كان يميزها ويجعل طعمها الشهي يلتصق بذاكرته، أن والدتها صنعتها بالحب، لكي تسعد ابنتها وتدللها برغم حالتهما المادية المتواضعة..
وكم سيشتاق لافتعال المقالب والمزحات الطريفة بها.. كم كان يحب النظر لوجهها المستدير عندما يتغضن وتكسوه دكنة مؤقتة تحت وطأة الخوف، أو يتورد فرحا وبهجة بفعل تصرفاته الصبيانية المشاكسة..
لم تتذمر يوما من تصرفاته وتنعته بالتفاهة وعدم النضج، بل كانت تتقبل هذا الجانب منه برحابة صدر.. وكأنها.. وكأنها..
وكأنها معه تعود أيضا طفلة صغيرة.. تعوّض بعضا مما حُرمت منه في نشأتها بسبب تخاذل والدها وإهماله ومرض أمها المفاجئ..
طفلة تترك العنان لروحها المقيدة لكي تحلّق بحرية في سماء رحبة لا تخضع لاختلاف لظروف والفروق الطبقية والاجتماعية..
لم ينتبه آدم خلال شروده، أنها قد تصنعت إحضار شيئا من خزانة السجلات القابعة جوار مكتبه، حيث أسقطت الفأر الصغير بخفة بالقرب من موضع قدمه، قبل أن تعود لمقعدها وتناظره بوداعة، تحتجز داخل أسوار مقلتيها حماسها للحظة انتصارها..
سألها آدم من جديد: "هل تريدين أن أطلب من أحد أقاربي أن تعملي لديه بدوام كامل؟ هناك حوالي أربعة أطباء استشاريين لأمراض القلب داخل عائلتنا كما أذكر"..
ردت ذكرى: "لا.. لم أحدد خطوتي التالية بعد.. أريد أن أفكر أولا فيما سأفعله تاليا.. حتى أنني قرأت بعض الإعلانات المبوبة التي تطلب ممرضات رعايات مركزة للعمل بالخليج"..
لا تدري لماذا أعلنت له عن هذا الأمر.. هي فعليا لا تفكر في المغادرة ما لم يكن الأمر هو الخيار الوحيد المتبقي أمامها، كما لا تظن أن والدها سيوقع لها على أوراق الموافقة الخاصة بسفرها كونه ولي أمرها..
هل تنتظر منه رد فعلٍ معينا؟
ورغم أنها لم تجد إجابة واضحة لسؤالها، ثبتت أنظارها عليه تحاول استقراء رد فعله..
اكفهرت ملامح آدم لثوانٍ، لكنه استعاد هيئته البشوشة، وقال ممازحا: "تحبين المغامرات والخطر"، بنبرة شابها اللوم الذي لم تستطع تفسيره..
تنهدت، ومدت يدها تحرك خصلة شعر عنيدة وقفت بين عينيها تشتت أنظارها، ثم ردت بثبات: "أعيش بقلب الخطر.. تآلفت معه.. لكنني لا أحبه"، ثم نهضت بقصد المغادرة بعد أن أصابها إحباط مفاجئ، لكنها للحظة، قررت أن تتبع الهدف الذي جاءت إلى هنا أساسا من أجله، لذا تحركت خطوة، ثم استدارت تناظر أرضية الغرفة بتدقيق مدروس، وكأنها تتأكد من شيء لمحته عرضا حين نهضت، بعدها رسمت على ملامحها تعبيرات مصدومة، ثم صرخت بهلع: "فأر.. فأر يا دكتور.. بجوار قدمك"..
نهض آدم مندفعا فسقط كرسيه خلفه، بينما اصطدم جانبه الأيسر بحافة المكتب بعد أن تراجع مذعورا يحاول الاحتماء خلف الخزانة المتاخمة للمكتب، بينما رفع كفيه يثبت نظارته الطبية التي شعر باهتزازها وميلها للسقوط إثر اندفاعه المرتعب..
أما ذكرى، فقد تحركت بثبات صوب البقعة التي لاحظ آدم أن الفأر يقبع بها مرابطا، وشاهدها تميل لتسحب الفأر من ذيله، بينما تجحظ عينيه ويضم قبضتيه إلى فمه وكأنه يمسك نفسه بالكاد عن الصراخ أو التقيؤ مع ازدياد شعوره بالخوف والنفور كلما شاهدها تتحرك والفأر معلق بين أصابعها الصغيرة من ذيله..
همس بوجل: "لا تلمسيه يا ذكرى.. اتركيه.. قد يكون حاملا للأمراض.. أو يعض يدك.. لنغادر فقط"..
التفتت ذكرى تضع الفأر أمامه على المكتب وترمقه بتحدٍ، بينما لا يزال يقف أمامها مبتعدا بمسافة آمنة، يناظرها بعينين جاحظتين ووجهه شاحب تماما بعد أن هربت منه الدماء، فيما تفصد العرق عن جبينه، وأنفاسه المتهدجة تكاد تنقطع، ونظراته الوجلة تطالعها بتساؤل ولوم، فقالت هي بعد أن أطلقت ضحكة عفوية: "هذا الفأر مجرد دمية يا دكتور آدم.. نسخة طبق الأصل"، ثم صفقت بيديها بانتصار وزهو، وهتفت بطفولية كطفلة عابثة: "ضحكت عليك"..
اعتدل آدم في وقفته، وتبدلت ملامحه تماما من الذعر للغضب الشديد، ووجهه الذي كان شاحبا قبل قليل، قد تراقصت الدماء الحارة بعروقه ليضفي على بشرته الذهبية سمرة قاسية، ليهتف ثائرا باستنكار: "ضحكتِ عليّ؟"
طأطأت رأسها شاعرة بالندم والذنب، لكنها تابعت تذكّره بمقلبه القديم بنظرة لم تتخلص تماما من شغبها من بين أهدابها: "لقد رددت لك مقلب القفاز المرعب"..
استقر آدم براحتيه على سطح المكتب حول الفأر، يناظره باشمئزاز، قبل أن يواجهها بعينيه ويقول موبخا: "تتضاحكين عليّ؟ هل تمزحين؟ ما قلة القيمة تلك؟ هل أنا طفل ألعب معكِ في الشارع؟ أنا جراح عظام ولي مكانتي الطبية والعلمية.. كيف سولت لكِ نفسك أن تقللي من قدري بهذا الشكل؟"
أغمضت ذكرى عينيها بحرج، وتجمعت الدموع على حدود أجفانها، فلم تتمالك نفسها، لتهاجر بعضها مقلتيها وتستقر على خديها، والحرج قد حوّل وجهها المتورد إلى درجة قاتمة يختلط فيها الأزرق بالأحمر، وكأنها على وشك أن تفقد وعيها، فهمست من بين دموعها: "أنا آسفة.. لم أقصد.. كنتُ فقط..."
لم يتمالك آدم نفسه عندما وجد الدموع تستقر على وجنتيها، فشعر أن مزحته هو المضادة قد انقلبت عليهما معا، فقال متفكها يحاول تلطيف الأجواء كيلا تحزن هي ثانية إضافية: "صدقتِني.. لا تنكري.. انقلب السحر على الساحر.. أنا من ضحكتُ عليكِ يا آنسة.. كم النتيجة الآن؟؟ عشرة مقابل واحد لصالح الدكتور آدم عزازي.. اكتساح"، ثم رفع كفيه وكأنه يعلن انتصاره عليها..
مسحت ذكرى دموعها بكفيها، وناظرته بعدم فهم، رغم أن قلبها علم قبل عقلها أنه كان يشاكسها فقط، فأكّد هو ما وصلها حين قال: "يا ابنتي.. لا تحاربيني في منطقتي.. المقالب لعبتي أنا"، قبل أن يكمل بداخله دون كلمات.. ( والحنان لعبتك أنت)..
أومأت ذكرى رأسها دون كلام ومنحته ابتسامة عريضة، قبل أن تأتيها رسالة من زميلتها، لتغادر المكتب سريعا وتعود لمتابعة الحالات..
لم يعلم آدم يومها أن تلك لن تكون المرة الوحيدة التي يرى فيها دموعها، وليتها في المرة التالية كانت بسبب مزحة أو لسوء فهم بسيط..


يتبــــــــــــــــــــــ ــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 15-08-22, 08:12 PM   #577

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة العشرون: القسم السادس

صباح اليوم التالي بمدينة السويس، جلس الجميع على مائدة الفطور بمنزل (آل الديب) بعد عودة الرجال..
كانت شادن تجلس بين زهو وأمواج، بينما يجلس بحر إلى جوار الأخيرة بالمصادفة البحتة.. ولقربه من الفتيات، استمع بسهولة لحديثهم، دون أن يدري أن ما يدور بينهم من حوار كان معدا له بعناية بين ثلاثتهن..
قالت شادن بنبرة صادقة ليس بها أي تصنع بفضل التدريب المستمر طوال الليل: "ستتركاني وحدي وتغادران.. زهو ستتزوج قريبا.. وأنتِ يا أمواج أوشكتِ على الزواج.. عمو منصف يرحب كثيرا بذلك العريس.. لا أفهم لماذا يعجبه العريس الجديد تحديدا؟؟"..
تصلب بحر في جلسته، لكن يديه استمرتا تتحركان برتابة متظاهرا بتناول الطعام، رغم أنه لم يكن يمتلك أية شهية حقيقية..
يتمنى فقط لو يتحصل على بضع لفافات جديدة من التبغ، ليحرقها ويحترق بها.. يشعر بإجهاد شديد في جسمه، لكن إجهاده الذهني هو ما كان يتعبه حقا.. وكأن الأفكار لم تنقطع عن رأسه حتى خلال ساعات نومه القليلة..
ورغم انشغاله تماما بالاستماع لما تقوله الفتيات غير مدرك للخطة التي حاكتها أمواج مع زهو وشادن، إلا أنه لمس فعلا تأثر الأخيرة بقرب زواج الفتاتين، لتبقى هي بمفردها، خاصة وأنها – كما فهم – لم تتلقى أية عروض زواج بعد..
قالت زهو بنبرة اعتراضية: "يا ابنتي نغادر لأين؟ أنا سأسكن بنفس التجمع السكني.. وسأتزوج أخاكِ بالله عليكِ.. أي أنه صار بإمكانك أخيرا أن تتبنيني رسميا كشقيقتك"..
ابتسمت شادن وتركت فنجانها، لتستدير وتحتضن صديقتها في لقطة عفوية رسمت الابتسامات الصادقة على وجوه الحاضرين، رغم أنهم لم يستمعوا للحوار الدائر في هذا الجانب من الطاولة..
أما أمواج، فقالت بعناد: "أظنني هذه المرة سأستمع لأبي.. لقد أثبتت زيجات الصالونات نجاحها مرارا.. في النهاية الشاب الشجاع هو من يطرق الباب ويقتحم عرين الأسد ليحظى بعروسه بدلا من الارتكان إلى المشاهدة من الزاوية وعض أصابع الندم والحسرة"..
قبض بحر يده على المائدة إلى جوار طبقه، لكنه لم ينطق بكلمة واحدة، فتابعت تستفزه بلا تحفظ: "نظريات الزواج عن حب تنطوي على الكثير من المبالغة.. الساحة تعج بالجبناء الخائفين من المواجهة عندما تحين اللحظة الحاسمة"..
ابتلعت شادن غصة لم ينتبه إليها أحد وقالت بحيوية تخفي خلفها هشاشة مشاعرها البكر التي تم وأدها قبل أن تزهر: "كنتُ دوما أريد أن أجرب الحب.. أن يهيم بي أحدهم.. وأن أشعر بفراشات الحب تتراقص في بطني كلما قابلته"..
ضحكة هازئة قصيرة صدرت عن أمواج، فتردد صداها بصدر بحر لتورثه مزيدا من التخبط والتردد، لكنها تجاهلته، وناظرت صديقتها وقالت بسخف: "فراشات الحب؟ تلك آلام المعدة يا حبيبتي وليست علامات الحب.. ستزول تماما بتناولك بسكويت الشوفان أو مشروب الزنجبيل بالعسل.. الحب مغامرة قصيرة الأجل"..
قالت زهو بتفكّر: "أظن أن زواجي من نبيل قد بدأ على طريقة الصالونات"..
ناظرتها أمواج وشادن بانبهار لتورد وجهها الأسمر وارتخاء جفنيها العلويين بخفر، فسألت الأولى بحماس: "والآن؟"
أمسكت زهو بقطعة كبيرة من الخبز ودست فيها قطعة أكبر من الجبن، ثم وضعتها بفمها في محاولة فاشلة لإخفاء شعورها بالإحراج، فتبادلت صديقتاها الضحك، فيما اقترب بحر من أمواج ليهمس بأذنها دون أن يسمعه أحد حولهما: "من أين تعرفين عن حكايات الحب يا وقحة؟"
منحته نظرة جانبية بطرف عينها، وقالت بعدم اكتراث: "ليس من شأنك"..
وضع بحر فنجانه على الطاولة بغضب، فاصطك بسطحها محدثا صريرا عاليا جذب عشرات النظرات نحوه، فتنحنح بحرج، ثم رفع الفنجان مجددا يحتسي بعضا من شاي المريمية المفضل له، محاولا التصرف باعتيادية.. ولمّا غادرته النظرات المتسائلة، مال مجددا نحو أمواج يخبرها بجدية: "نحتاج للحديث"..
بادلته الهمس تقول متصنعة عدم الاهتمام: "ألم ننتهي من كل شيء بالأمس؟"
رد هو بإصرار لا يقبل المراجعة: "أمواج.. بعد الفطور انتظريني أسفل البناية.. سنتمشى قليلا حول المنطقة ونتحدث سويا حديثا ناضجا"..
بعد حوالي ساعة، كان بحر يتجول رفقة أمواج بين شوارع المدينة، يناظران المتاجر المحيطة في صمت.. ولمّا شعرت بالملل، سألته بضيق: "لماذا نحن هنا؟ ماذا تريد؟"
سألها بحر بنبرة مماثلة: "كيف تعرضين عليّ الزواج وهناك شخص آخر قد تقدم لطلب يدكِ؟"
ردت أمواج بعناد: "أولا أنا لم أعرض عليك الزواج.. أنا عرضت عليك أن تعرض عليّ الزواج"..
زفرة محتدة نفث خلالها بعض النيران التي تضطرم بداخله، كانت الرد الوحيد من بحر، فتابعت تستفزه بنبرة باردة تزيد اشتعاله: "والأمر الثاني ليس من شأنك.. ليس من شأنك من طلب يدي هذه المرة.. كما لم تكن كل المرات السابقة من شأنك.. كما أوضحت أنت بكل تأكيد أن أي أمر يخصني ليس من شأنك"..
احترق حبل صبره وتطاير رماده بين ذرات الهواء، فقال هادرا والشرر يتطاير من عينيه: "اخرسي يا أمواج.. ما تفعلينه وقاحة.. وإذا أخبرتُ خالتي أو عمي منصف، سيكون رد فعلهما قاسيا"..
طرقت أمواج على كتفه بتحدٍ، ثم قالت بسماجة: "أخبرهما"..
فاغرا فمه بعدم تصديق، سألها والصدمة لا تزال تؤطر ملامحه: "ألا تبالين حقا؟ ما تلك الوقاحة؟ هل مزقتِ كل أثواب الحياء يا بنت؟"
ردت أمواج بعد أن تمكن منها الاشتعال: "لأنه لا يوجد عريس يا بحر.. ذلك العريس الذي تتحدث عنه زهو وشادن، قد تقدم لي بالفعل قبل شهرين، وأنا رفضت حتى أن أقابله.. هل تصدق فعلا أنني قد أضع أحدهم في فئة الاحتياطي بينما أنتظر من آخر أن يتقدم لي؟؟"..
فتح بحر فمه، ثم أغلقه، ثم فتحه، وأشار بيده في الاتجاه الآخر حيث استقرت أنظاره أيضا، وكأن شخصا يقف في تلك البقعة، ثم هتف بحيرة: "لقد قالت أمي أنكِ قابلتِ العريس وأن فايزة ومنصف سعيدان به.. وأنكِ ستقبلين"..
حركت حاجبيها باستفزاز، وتخصرت بكفيها تحيط جانبيها بتحفز، ثم قالت: "فاطمة روت ما أخبرتها أنا به، وليس ما حدث فعليا.. هي لا تعرف كل شيء.. لقد كذبتُ.. مثلما كذبتَ أنت"، لتنهي كلامها وهي ترفع كتفيها بلا مبالاة..
هتف يسألها بنزق مضيقا أجفانه بوعيد: "ومتى كذبت أنا؟"
ردت هي بنبرة تتأرجح بين الاستهزاء والشماتة: "حين أخبرتني أنك تحب رنا جارتكم.. رنا الشبح الوهمي"..
بهت بحر ولم يعقب، فتحركت أمامه بخطوات متمردة، فسار خلفها من جديد كمسحور..
خرجا من شارع جانبي إلى آخر رئيسي يمتلئ بالمتاجر التي بدأت تفتح أبوابها استقبالا لليوم الجديد، فسألته أمواج باستفزاز: "أخبرني يا بحر.. هل فزعت حين علمت بخطبة نبيل؟ هل ظننته سيخطبني أنا؟ أم تراك ظننت أن سفيان هو العريس الذي تقدم لطلب يدي؟"
نفخ بحر الهواء الذي تضيق به رئتيه وسدد لمقلتيها نظرة عاتبة دون أن يرد، فتابعت توبخه بطريقتها التي تمزج بين التحذير والوعيد: "أحببت دائرة الجنون تلك.. أرجو أن تعتاد الوجع.. لأنه في المرة المقبلة لن يكون الخبر محض خدعة لاستفزازك أو الانتقام منك.. بل سيكون إعلان حقيقي عن خطبتي حقا إلى رجل شجاع وليس فتى جبانا"..
كانا قد وقفا أمام محل للزهور، فابتلع بحر ما كان ينتوي قوله، حين سبقه البائع قائلا: "هل تريد بعض الزهور لحبيبتك؟ لدينا زهور الأهوار الدرعية الصفراء.. إنها من أندر الزهور.. تنمو في الماء فقط.. كما أن الأصفر لون الغيرة"، ثم غمز بحر بتفهم.. على الأرجح جعله العرض القصير الذي قدّمته أمواج أمامه والتقط هو من خلاله بعض التفاصيل، يظنهما عاشقيْن ، فتنحنح بحر مداريا شعوره بالحرج، ليسألها مستفهما: "هل أبتاع لكِ الزهور؟ أنتِ ضيفتنا بعد كل شيء"..
شكرت أمواج البائع بتهذيب بعد أن أخبرته أنها لا تريد زهورا، ثم تحركت للأمام، فتبعها بحر يسألها: "لماذا رفضتِ الزهور؟"..
ردت برتابة بعد أن هزت كتفيها: "لا أحب الزهور المقتطفة من بساتينها.. لأنها تذبل سريعا.. أفضّل الورد المجفف.. أو الزهور المخملية الصناعية.. أو أصص النبات التي يمكن رعايتها لتظل خضراء لا تذبل"..
بعد قليل، عرجا على متجر للمثلجات يضع طاولات خارجية ليستمتع رواده باستنشاق نسيم الخليج أثناء تناول المثلجات، فابتاع لها بحر كأسا، ثم تحرك ليجلب لنفسه واحدا آخر، لكنه تعثر بساق أحد المقاعد الجانبية وكاد أن يسقط، فنهضت أمواج تقطع المسافة القصيرة بينهما بوقتٍ قياسي لتسنده قبل أن يقع..
استقام بحر بحرج وهو يبعد كفيها الملتصقين بصدره بعد أن تبعتهما نظرات فضولية من جانب بعض مرتادي المتجر، قبل أن يقترب منه بائع المثلجات الكهل، يمنحه كوب المثلجات خاصته، ويهدي أمواج واحدا جديدا بدلا من الذي أوقعته في لحظة ذعر، ومال قليلا يهمس بأذنه: "لا تتركها.. المرأة التي تسند رجلها وتركض نحوه بتلك اللهفة لا يجدر التخلي عنها أبدا"، ليغمض بحر عينيه ويتنهد بتعب وكأنه يكابد حربا سرية لا يعلم أحد عنها شيئا..
سارا في صمت يتناولان المثلجات حتى وصلا إلى بقعة تطل مباشرة على الخليج، فوقفا جنبا إلى جنب يطالعان امتداد الماء في الأفق تحت السماء الواسعة، ليشرد كلا منهما لبضع دقائق داخل عقله، قبل أن تسأله أمواج فجأة بتحفز: "لماذا لا تناديني باسم التدليل الخاص بي يا بحر؟"..
تنهد بحر ببطء، وناظر عينيها اللتين أسرتاه منذ بدء التاريخ: "حين أدللك، لن يكون بمجرد تلاعب ببعض الأحرف.. دلالي لكِ سيكون وثيقة اعتراف أنك تملكين كل شيء يخصني بين راحتي يديكّ.. مفهومي للدلال ليس بكلمة مصغرة ومنغمة بأحرف متشابهة، وإنما حياة كاملة تنعمين فيها بالسعادة والهناء والبشر "..
أغمضت أمواج عينيها عدة مرات تقاوم دمعات لاسعة تلح بالسقوط.. الأحمق يحبها حبا جما وإن وقف أمامها الآن كتمثال من الثلج ينفي كل ما يضمره قلبه وتفضحه عيناه..
حين تمالكت نفسها، سألته بغيظ: "لماذا تعاند يا بحر؟"
رد بنفس اليقين إجابته التي ألقاها على مسامعها من قبل: "لأنكِ تستحقين الأفضل"..
هزت كتفيها، وقالت: "ألا تظن أنني ناضجة بما فيه الكفاية لأحدد من هو الأفضل بالنسبة لي"..
تحرك بحر يجلس على الأريكة الحجرية المواجهة للخليج، فتهاوت إلى جانبه بعنف، وهي تهتف: "الأفضل بالنسبة لي هو أنت.. أنت من ستكملني.. لماذا لا تقتنع أنه لا توجد نسخة واحدة لمفهوم الأفضل.. لا توجد معايير ثابتة يا بحر.. متى ستفهم؟ أنت تكفيني"..
كمن تسيّره لعنة عتيقة، أدار وجهه نحوها مطبقا شفتيه بعناد، بينما تحكي عيناه ألف كلمة.. تعلن من خلالها مئات الاعتراف وعشرات القصص، لكنها لا تمنحها وعدا واحدا، فزفرت بضيق، ومدت نظرها مجددا صوب الميناء..
غمغم بحر بعناد ببعض الكلمات التي لم تفهمها أمواج بسبب صوته الخفيض، لكنها التقطت كلمة واحدة: (أباكِ)، فردت تقول باندفاعها المعهود: " أتعلم لماذا عرضتُ الزواج عليك بنفسي؟.. لأنني لو لم أفعل، ستجعلني أنتظر للأبد ظنا منك أنك لا تليق بي"..
ولمّا عانق الصمت من جديد رافضا البوح، تابعت تغيظه بكلماتها المستفزة: "افهم يا غبي.. أنا أكبر منك بعامين.. إذًا الوقت ليس في صالحي.. لن أظل أجمل منك طويلا"..
جعدت ملامح وجه بحر، وكأنها قد قالت شيئا ملفقا شديد الزيف أو تفوهت بكذبة بينّة، ثم طالع عيناها يغرق في أمواجها التي تلألأت تحت أشعة الشمس الذهبية في هذا الوقت من النهار، فهمس دون أن ينتبه: "عيناكِ"..
رفرفت أهدابها بضع مرات، ثم سألته بعدم فهم: "ما بهما عيناي؟"..
مأخوذا بسحرهما، وكأن تعويذة الصدق أُلقيت عليه توا لتحرره من قسم الصمت الذي فرضه على نفسه منذ مواجهتهما بالأمس.. قال مدركا أن أية محاولة من جانبه للنكران أو الكتمان، لن تفلح بينهما: " أنت حلم بعيد المنال.. بل أسطورة لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع.. ولكن عينيكِ المحرضتين تطالباني بالتمرد.. وأنا ابن البرية الذي انعجن بالنزق والجنون.. أتوق لمغامرة أبدية في براح عينيكِ ولن أهاب المخاطر.. غض الطرف عنهما خطيئة.. وتجاهلهما موت"..
صرخت أمواج توبخه برعونة: "هل تريد أن تصيبني بالجنون يا وغد؟"
من بين كل ردود الأفعال التي يمكن أن يتوقعها المرء في تلك اللحظة، لم يتصور بحر أبدا أنها ستتلقى اعترافه بتلك الطريقة،فحرك حاجبيه لأعلى مستفهما وهو ينظر حولهما يتأكد أنهما بمعزل عمن يمكنه التقاط محادثتهما الغريبة، لتتابع بنبرة تمزج بين التعب واللوم: "إن كنت تحبني بكل هذا القدر.. لماذا تتذمر وتكذب وتنكر؟.. ألهذا الحد صعب أن تحبني ببساطة؟"
قال بحر بصدق: "لا شيء يخصك بسيط يا أمواج.. وبالتأكيد حبي لك لن يكون بسيطا أبدا.. تظنين أن مشاعري نحوك نصف ما تشعرينه تجاهي يا حمقاء؟؟ حبي لك أكبر من حدود الأرض واتساع السماء وعمق البحار .. حبي لكِ بدأ قبل بداية الزمان، ولا أعرف لنهايته زمان.. لكن أخبريني بالله عليكِ.. هل تجدين لحبنا سبيلا لنلتقي؟"
ردت أمواج بضيق: "لا أفهم ما هي العقبات التي تضعها أمامنا يا بحر.. تبدو لي وهمية بصراحة.. هل كل هذا لأنني أكبرك بعامين؟ ما ذنبي أنني من وُلدت أولا؟"
ضحك بحر ومد أصابعه يشعث شعرها وكأنه يشاكس طفلة صغيرة، ثم قال: "إن كان هذا سببا، فسيكون في ذيل قائمة الأسباب التي تجعل ارتباطنا فكرة فاشلة.. الأمر لا يشكّل لي أي فارق.. وأؤكد لكِ أن عدنان وفاطمة لن يهتما"..
سألته بتوجس: "ماذا تقصد؟ أن منصف هو من سيعارض؟"
قال بتفكر: "ربما.. لكن هذا ليس السبب الوحيد ليجعله يرفض.. انظري للمستوى الذي تعيشين فيه.. وللمستوى الذي نعيش نحن فيه هنا"..
ضحكت أمواج بسخف، وكأن ما قاله نكتة سيئة، ثم ردت: "الفارق ليس كبيرا بهذا القدر.. تتحدث وكأننا من أبناء الطبقة المخملية ونحيا في ثراء فاحش.. الأمر فقط أن أبي قد ادخر بعض الأموال من عمله في الخليج فاشترى لنا بيتا أكبر.. هذا كل شيء.. لكننا مثل كل العائلات.. أحيانا نشتري أشياء بالتقسيط.. وأحيانا نؤجل شراء بعض الأغراض حتى يتوفر لدينا ثمنها.. نحن لا نعيش في رفاهية كاملة كما تظن يا بحر.. الأمر فقط.. أنني ابنتهما الوحيدة، فاهتمامهما بتلبية احتياجاتي يجعل الناس يظنون أنني مدللة والديها.. وبالتأكيد مهنتي تعطي هذا الانطباع.. فأنا لا أعمل في مؤسسة بمواعيد عمل ثابتة.. بل مهنة مواعيدها مرنة وتشبع شغفي الخاص، فيظن البعض أنها هواية تافهة، وليست مهنة لها التزامات، وتساعد الناس على التخلص من ضغوط الحياة وتحقيق الاستقرار النفسي"..
ابتسامة واسعة شقت التوتر المقيم على جنبات وجهه.. يحب كثيرا أن يستمع إليها حين تتحدث عن عملها بهذا الشغف، بل يحبها حين تتحدث بحماس عن أي شيء..
على من سيكذب؟..
يحبها كليا.. فقط في كل لحظة من كل يوم.. أثناء الصحو والإغماء.. بين شواطئه المشتاقة للحب والكلمات المختئبة بدفاتر قلبه.. حبه لها كإلياذة.. أسطورة يخشى أن يكتبها كملحمة، فتنتهي كفاجعة..
طالعته أمواج وهو يناظرها بنظرة جديدة لم تتلقاها منه من قبل، وكأنه من قبل كان يفرض على عينيه ألا تعلنا عن صخب مشاعره الهادرة بداخله، فلم تعودا اللحظة تنصتان لتعليماته، وتحررتا من كل قيوده ومحاذيره..
عيناه الواشيتان وقلبه العاق تأمرا عليه.. وأعلنا بكل صلف تواطؤهما مع مالكتهما الأصلية، وليذهب هو وثباته إلى الجحيم.. حيث يقبع الكاذبون..
بادلته أمواج الاعتراف في حديث صامت، تفهمه روحاهما بلا كلمات ولا أحرف.. معادلة متزنة منطقية لا تخضع لكل تعقيدات الحياة من حولهما..
همست ترجوه بنبرة بائسة: "اطلب يدي من والدي يا بحر"..
غامت الرؤية، وتبدد البوح فتطايرت أذياله مع دخان عوادم السيارات المارة، قبل أن يرد بحسم: "لا أستطيع.. سيرفضني والدك"..
دفعته أمواج بغيظ، وهتفت بجنون: "حسنا.. لنستمر في ذلك العناد ونبتعد لسنين، ثم يجرب كلٌ منا حظه مع شخص آخر حتى نكتشف خطأنا بعد أن نكون قد أذينا في طريقنا شخصين لا ذنب لهما سوى أنهما وثقا بنا، وظن كلٌ منهما أننا قد خصصنا له مكانا بقلبينا، وهما لا يدريان أن قلب كل منا محتل بالكامل وبالقوة الجبرية ولا توجد ذرة واحدة خالية ليسكنها غريب.. لا بأس يا ابن خالتي.. لنضيّع حياتينا ونفسد حياة الآخرين قبل أن نفكر في العودة من جديد.. وهيهات إن أفلحنا وقتها"..
كلامها نزل عليه كأمطار كيماوية حارقة تكويه ببطء، فتتركه مشوها بندوب التخيل..
لا.. لا يستسيغ تلك الفكرة أبدا.. إن لم يتزوج أمواج، لن يتزوج امرأة غيرها..
لكن، ماذا عنها؟
كيف سيفرض عليها ألا تتزوج غيره؟
(ما هذه الحماقة؟؟ بِمَ تفكر يا أحمق؟؟ هل نسيت ذلك القرار الذي اتخذته هذا الصباح؟ تصلّب يا رجل)..
نهر نفسه، ثم ناظرها بجدية، وقال حاسما أمره: "لا بأس.. لأفعل ما تريدينه يا أمواج.. ولتذهب كرامتي إلى الجحيم.. سأطلب يدك من والدك وليرفضني وينتهي الأمر"..


يتبــــــــــــــــــــــ ــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 15-08-22, 08:14 PM   #578

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
New1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة العشرون: القسم السابع

بعد حوالي ثلاثة أشهر، كان نبيل وسفيان قد عادا من سفرتهما الأخيرة إلى أمريكا الجنوبية، حيث ستطول عطلتهما هذه المرة قليلا، إذ سيحتفل نبيل خلال أيام قليلة بزفافه وسينشغل طوال الأيام المقبلة في وضع اللمسات الأخيرة على عش الزوجية حتى يكون على أهبة الاستعداد قبل وصول العروس..
أما سفيان، فيجلس الآن أمام والده الذي استدعاه والده لمنزله بعد يوم واحدٍ من وصوله، لينقل إليه اعتزامه طلب يد فتاة شابة من مسقط رأسه بالفيوم، يعرف والدها جيدا..
لقد قرر عاصم مرتجي التدخل، وفرض سياسة الأمر الواقع على ابنه، ماضيا في خطة زواجه بعد أن امتنع سفيان عن حسم أمره بنفسه، ليحتدم النقاش بينهما..
قال عاصم: "ما رأيك في حورية ابنة رجل الأعمال رياض شاكر الموجي؟.. تعلم أنهم قد استقروا هنا في العاصمة مثلنا تماما، وحققت تجارتهم العائلية رواجا.. صديقك الذي يصغرك بعام كامل سيتزوج خلال أيام.. وقد عيل صبري عليك حقا يا سفيان"..
زفر سفيان، وقال بتسليم: "كما تشاء يا أبي.. أنا فقط.. أردت.."
سأل والده: "ماذا تريد؟ أخبرني"..
رد سفيان بنبرة مفكرة: "أردتُ ألا أُدخل امرأة لعالمي، ومهنتي محفوفة بالمخاطر.. لم أرد أن أخلّف من ورائي أرملة ويصبح أولادي يتامى"..
ارتج قلب عاصم، فتهاوى على مقعده، وقال مبتهلا: "لا حول ولا قوة إلا بالله.. حفظك الله لي يا بُني.. لماذا تفكر بهذه الطريقة السوداوية؟.. علِمتك دائما متفائل ومقدام"..
بتردد، رد سفيان: "لا شيء.. لا شيء"..
سفيان أخذ على نفسه عهدا منذ اليوم الأول الذي خطت قدماه أرض الكلية الحربية، ألا يخبر والده أبدا عن الأهوال التي سيلاقيها في حياته العسكرية.. ولم يكن ما عايشه بالقليل أبدا.. خصوصا في تلك السفرة الأخيرة..
كانت مهمتهم الأخيرة لمنطقة غابات اشتعلت فيها النيران لتحرق قرى بأكملها.. كان المنظر مفزعا، عندما حطت الطائرات التابعة للأمم المتحدة للبحث عن ناجين بعد إطفاء الحرائق..
آلاف الجثث المتفحمة.. شباب وأطفال.. جثث طُمست معالمها فلا تعرف هل كانت لرجل أم لامرأة..
منظرٌ مروعٌ لا يتمناه لألد أعدائه..
كيف يفكر في الزواج والمستقبل، والموت يحاصره من كل جانب؟
تنهد طاردا تلك الصور المفزعة عن رأسه، وقرر أن يستسلم لرغبة والده ليرضيه من باب البر، حتى يحميه الله من سوء الخاتمة إذا كانت قريبة..
قال سفيان برضا: "أعرف حورية يا أبي.. قابلتها مرتين أو ثلاثة في النادي مع.. سميحة"..
ابتسم عاصم عندما ذكر سفيان اسم خالته بالطريقة التي تعوّد عليها منذ طفولته..
كم مرت السنون سريعا!!
تابع سفيان بعد أن لمح نظرة الرضا في عينيّ والده: "فتاة جميلة ومهذبة وسنها مناسب.. ليست لي أية ملاحظات عليها.. حدد موعدا للخطوبة قبل أن نعود لمهمة عسكرية جديدة.. ولنتفق على الزفاف عند عودتي في المرة المقبلة بإذن الله.. فقط أرجو أن تكون متفهمة لانشغالي الدائم وطبيعة عملي الصارمة"..


يتبــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 15-08-22, 08:17 PM   #579

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:jded: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة العشرون: القسم الثامن والأخير

في صباح اليوم التالي، وصل بحر إلى القاهرة قاطعا عطلته، بعد أن تسلم خطابا من إدارته يخبره بترشيحه من رؤسائه للانضمام لقوات حفظ السلام الدولي بسبب كفاءته..
بعد أن توجه لمبنى الإدارة وعلم مواعيد انضمامه للإدارة الجديدة كي يبدأ التدريبات ثم يتم توزيعه على وحدته، تحرك منتفشا صوب النادي الذي يتجمع فيه حاليا بعضٌ من أفراد عائلته ومعارفهم.. فأخذ موقعه جالسا باعتداد بين سفيان ونبيل وإيلاف على طاولة جانبية تواجه طاولة الفتيات..
على بُعد أمتار قليلة، كانت أمواج تتبادل المزحات مع شادن وزهو ، فيراقبهن زوجان من العيون .. أحدهما بشوق واضح تحينا للحظة زفافه إلى عروسه، والآخر خلسة، كونه لم يفاتح والد حبيبته بعد، خاصة وأنه يتوقع أن يرفض والدها وينتهي الأمر..
أما سفيان، فقد كان يجلس في الاتجاه المعاكس شاردا بأفكاره، فلا تقع عيناه أساسا على جمع الفتيات، وكانت تلك فرصة جيدة لفتاة نحيفة القوام ذات شعر قصير مشعث، تختبئ بملابسها الفضفاضة، لكن عينيها الخانئتين كانتا تستقران من وقت لآخر على مصدر همها واهتمامها..
وعلى طاولة ثالثة، كانت تجلس فايزة وسميحة ولطيفة ومنال معا وبرفقتهن الصغيرة دانة التي تعرفت لتوها على (لين) صديقتها الجديدة وابنة جيران أسرتها بنفس التجمع، إذ حدث التقارب بين الصغيرتين بعد أن تقابلتا أكثر من مرة بمدرستهما الابتدائية، بينما قررت مارية والدة الأخيرة أن تهرول قليلا بالمضمار كي تحافظ على قوامها، خاصة وأنها ليست مقربة من فايزة ولطيفة، ربما بسبب فارق العمر أو اختلاف الاهتمامات..
على الطاولة الجانبية، قال بحر لرفيقيه باعتداد وتحدٍ، وقد تركزت نظراته على نبيل: "كم قلتَ ستدفع لي إذا تم اختياري بقوات حفظ السلام الدولية من جانب رؤسائي؟"
وضع نبيل كأس العصير خاصته جانبا، وأخرج منديلا ورقيا يمسح عرقه المتصبب بسبب ارتفاع حرارة الصيف، ثم قال بغطرسة: "من؟ أنت؟ لا أصدق؟"
قال بحر بثقة: "هل تريد نسخة من خطاب الترشيح؟"
فغر نبيل شفتيه وناظره بغيظ يمتزج بعدم التصديق، بينما أطلق سفيان ضحكة مجلجلة، فقال نبيل: "أتضحك يا قائد؟ هذا الصغير يظن أن بإمكانه التنمر علينا"..
قال سفيان بنبرة قوية لا تقبل المزح، موزعا نظراته بينهما بالعدل: "عليك أنت.. أما أنا.. القائد.. فعليه أن يفكر ألف مرة قبل أن يوجه لي ربع كلمة"..
تنحنح بحر حرجا، ودارى الأمر بتناوله كوب العصير خاصته وارتشافه بعضا من محتوياته ليرطب بها فمه، بعد أن جف حلقه فجأة..
صحيح أن بحر قد دخل الكلية الحربية لشعوره بالغيرة من نبيل بعد أن أبدت أمواج إعجابها بمهنته، إلا أنه كان يتطلع دوما إلى سفيان، الرجل الذي يكبره بتسع سنوات ونيف..
كان يبدو له دائما بقمة سيطرته، وكأنه لا يهاب شيئا، وكأن لا شيء على الإطلاق بإمكانه أن يزعزع ثقته بنفسه.. يتحدث دائما بثقة وهدوء، لا يحتاج لرفع صوته ليحظى بانتباه من حوله أو طاعتهم.. يتمتع بذكاء ووعي ملهمين رغم أنه لم يعانق الثلاثين من عمره بعد..
لقد قابل بعض المتباهين.. أصحاب الشخصيات المهزوزة الزائفة.. أما سفيان مرتجي، فهو قائد فعلي يجبر الجميع على احترامه وطاعته ومنحه ولائهم الكامل.. سيكون محظوظا بحق إن عمل تحت إمرته..
رد نبيل بعد انتفش قليلا في جلسته، موجها كلماته التالية لبحر ليخرجه من شرود أفكاره: "لا بأس.. أنا أيضا أكبرك سنا ورتبة عسكرية.. وعليك احترامي بأي مكان"، ثم ناظر صديق عمره، وسأله بجدية: "ما رأيك يا سيادة الرائد أن نطلب ضمه إلى وحدتنا؟ تعلم أن الملازم أحمد جبريل كان يريد تغيير إدارته.. لنضمه إلينا، فيقع تحت رحمتنا.. أقصد حمايتنا"..
قال نبيل كلماته الأخيرة بنبرة خطرة، فضيّق بحر عينيه معترضا، لكن سفيان الذي أعجبه الاقتراح قال مُرحبا: "فكرة جيدة.. لنرفع طلبا للإدارة، وأظن أنه ستتم الموافقة عليه سريعا.. وإذا لم يلحق بالسفر معنا في رحلتنا التالية، لينضم إلينا بتلك التي تليها.. أحسنت يا سِنوْچ"..
" سِنوْچ؟".. سأل إيلاف باهتمام، بعد أن ظل يستمع إلى حديثهم باهتمام، ليرد سفيان شارحا: "كلمة مصرية قديمة تعني الثاني، ونطلقها على نبيل كلقبه في الكتيبة، تعبيرا عن رتبته بوحدتنا بالجيش.. كوني أنا القائد.. ولقبي (العمدة)"..
قال نبيل شامتا: "أخبرهم كيف يُنطق اسمك بالهيروغليفية إذًا؟"
رد سفيان بثقة ولا مبالاة: "(حاتي - عا)"..
تبادل بحر ونبيل وإيلاف الضحك بصخب، فرمقهم سفيان موبخا دون أن ينطق كلمة واحدة، لتتلاشى الضحكة عن أعينهم، قبل أن يمد سفيان يده لبحر ويقول بترحيب حقيقي دون مشاكسة أو توعد: "مرحبا بك بيننا"، قبل أن يحرك كفه ويمرره بشعر أخيه الأصغر كي يطرد عنه التوتر الذي أصابه قبل دقيقة واحدة، بينما ناظر نبيل بحر بتوعد، وابتسامة متسلية ترتسم على شفتيه..
وعلى الطاولة الأخرى، سألت زهو باهتمام: "متى سيطلب بحر يدكِ من والدكِ يا أمواج؟"
ردت الأخيرة بغيظ: "لا أعلم.. لقد جاء للقاهرة صباح اليوم، ولا أعلم متى سيغادر.. سأسأله بعد قليل"، ثم ناظرت شادن تسألها: "وأنتِ؟"..
ردت شادن متصنعة عدم الاكتراث: "أنا ماذا؟ أنا أعيش ببساطة بلا قصص رومانسية وأكشن وغموض مثلكما"..
رمقتها أمواج بفضول، محركة أنظارها بين شادن وذلك الذي تهرب مقلتيها نحوه من وقتٍ لآخر، رغم أنه يجلس بوضع جانبي، ولا يراها.. ترفض أن تمنح سؤالها الحياة في شكل بضعة كلمات، محافظة على سرية الأمر عن زهو كيلا يصل لنبيل بشكل أو بآخر..
فهمت شادن سؤالها الصامت، فردت قائلة: "لا شيء.. فقط أتأمل الطبيعة"..
هزت أمواج كتفيها بلا اكتراث، ثم عاودت النظر لبحر حتى تلاقت العيون، فأشارت له لينهض لكي تحدثه، فنهض وتبعه نبيل الذي حضن أنامل زهو بكفه، ومنحها ابتسامة مشرقة، وهو يقول: "لنتنزه قليلا بعيدا عن هؤلاء العُزاب يا (زوووز)"..
تحركت زهو معه وهي تمنحه ابتسامة خلابة، ليتبعهما بحر وأمواج، يسيران خلفهما بتشنج وهناك الكثير مما لم يفصح به أيهما للآخر..
أما شادن، فقد تحركت صوب طاولة والدتها، فيما نهض سفيان وأخوه إيلاف ليتوجها للسباحة للتخلص من الرطوبة المرتفعة..
أخذ نبيل زهو لتناول المثلجات، فقالت الأخيرة بضيق: "لا تُغرني يا بيبو.. أريد أن أحافظ على وزني الذي تعبت في ضبطه حتى يكون فستان الزفاف لائقا بي ومناسبا لقياساتي"..
منحها نبيل نظرة مشتعلة مرت على جسدها ببطء تعانق تفاصيله، قبل أن يقول بصدق: "ستكونين مذهلة في الفستان، أحبكِ كما أنتِ يا ذات المنحنيات القتّالة"..
ضحكت زهو بعفوية ووجها قد تورد خجلا، وأطلقت رنينا صاخبا، فهتف نبيل ممازحا: "اضحكي يا زهو.. ليبدأ اللهو"، ثم طوّق خصرها بذراعيه، فهمست بتوبيخ تبعد كفيه عنها: "تهذب يا بيبو.. نحن في مكان عام"..
رد هو باستفزاز: "ولكننا في بقعة خاصة جدا.. كما أننا عقدنا القران بالإجازة الماضية.. أي أنكِ زوجتي.. يا قمر.. يا حلو.. يا عسل"، مقرنا كلمات غزله بتربيتات خفيفة أعلى خصرها متظاهرا بدغدغتها..
رفعت سبابتها بتحذير، تقول بخجل: "ولو.. ولو.. ولو"..
رفع هو كفيه باستسلام، وقال: "حسنا.. حسنا.. كفي عن الولولة يا هادمة الملذات"..
اعتقلت مرفقه بكفيها كقط مشاغب في تصرف جريء يبعد عن خجلها الفطري وطبيعتها المتحفظة، ثم قالت: "تعالى لأمنحك بعض الملذات"..
التمعت عيناه بحماس وتساءل مبتهجا: "حقا؟"
ردت هي بنبرة مغيظة: بالطبع.. ليس هناك ألذ من المثلجات في منتصف أغسطس"..
زفر نبيل وتبعها، وهو يقسم أنه ذات يوم سيحررها من خفرها وتهذيبها الزائد لتذوب بين يديه كقطعة من الزبد..
في بقعة أخرى، كانت أمواج تقف متخصرة أمام بحر تسأله بتوتر: "متى ستطلب يدي من أبي؟"
رد بنبرة عابسة: "متعجلة أنت على الرفض.. لا تقلقي.. سأهاتفه اليوم وأطلب منه تحديد موعدٍ قبل أو بعد زفاف نبيل"..
زفرت بضيق، وقالت: " لا أفهم سبب تشاؤمك يا بحر"..
قال الأخير بنبرة جامدة: "لأنني بحثت الأمر من كل الزوايا وأكثر من مرة.. ولم تكن النتيجة في صالحي أبدا"..
ردت بتحدٍ: "سنرى"..
أما على الطاولة، فاستغلت لطيفة انسحاب منال وابنتها من الجلسة، وبدأت تتحدث مع فايزة وسميحة عن آخر استعدادات زفاف نبيل، معبرة عن ضيقها لانفراد زهو باتخاذ كل القرارات الخاصة بتأثيث البيت، ما دفع شادن للدفاع عن صديقتها قائلة: "أمي.. ما هذا الذي تقولينه؟"
ردت أمها باستياء: "أمك ماذا؟ هل تكذب أمك؟"
تنهدت شادن، وقالت بحرج: "لا أقصد.. ما قصدته أن زهو كانت تنتقي أثاث البيت بالاتفاق مع نبيل، حيث كان يراسلها كلما سمحت ظروفه، كما أنها كانت تنتظر كل عطلة له قبل أن تقوم بشراء الديكورات"..
ردت الأم بامتعاض: "إنها تختار قطع غالية.. لا أصدق التكلفة الكبيرة لتلك الديكورات.. لو كانت طلبت مشورتي، لكنتُ قد انتقيت لها بعض القطع من متاجر أعرفها بأسعار مقبولة"..
ردت شادن بامتعاض: "أمي.. زهو لم تخرج أبدا عن حيز المبلغ الذي حدده أبي في اتفاقه مع والدها، كما أن والديها يدعمانها ماديا لاختيار ما تريده، لأنها ابنتهما الوحيدة.. يريدانها أن تسعد فقط وتؤسس بيتا تحيا فيه عمرها كله بسعادة مع شريكها"..
هتفت أمها بغيظ: "هل تقولين أنني لا أريد لنبيل أن يسعد؟"
تدخلت فايزة تقطع الطريق أمام وصلة توبيخ من لطيفة لصغيرتها، فقالت: "البنت لا تقصد يا لطيفة.. كل ما تريد أن تقوله فقط.. أن موعد الزفاف قد اقترب وليس هناك ضرورة لشدة الأعصاب.. كل شيء سيسير كما نريد.. أخبريني متى سيصل نادر وزوجته ميشا ونائل ابنهما الصغير"..
توهج وجه لطيفة عند ذكر اسم ابنها المهاجر، وقالت: "سيعود غدا مساء بإذن الله.. ومتي سترجع فريال والبنات؟"..
قالت فايزة: "أظنهم سيعودون يوم الزفاف صباحا، وسيقضون معنا أربع ليالٍ، ليطيروا إلى دبي في اليوم الخامس"..
همست سميحة بتعاطف: "أرجو أن يستقروا في دبي هذه المرة، فربما تصبح بعدها الفرصة مهيأة لهم للعودة أخيرا لمصر"..
قالت فايزة بأمل، والشوق يغلف نبرتها: "أرجو ذلك كثيرا"..
ساد صمت قصير بعدها، قطعته سميحة وهي تقول بسعادة: "سأخبركن سرا.. لكن لا تخبرن أحدا بعد.. الأمر ليس رسميا.. لكن سفيان سيخطب"..
وكأن دلوا من الماء المثلج قد انسكب على رأس شادن، ليصيبها بالجمود ويشل تفكيرها لدقائق، بينما ناظرتها أمها بتعاطف، قبل أن تمدد تهنئتها لسميحة لتشاركها فايزة، في الوقت الذي عادت فيه أمواج من لقائها القصير ببحر، فاكتشفت من نظرة واحدة لابنة خالتها أن هناك شيئا يخص سفيان قد حدث، فهتفت بحبور: "شادن، تعالي معي لمعرض النادي.. هناك درجة من أحمر الشفاه لا أدري هل ستناسب لون بشرتي أم لا"، ثم مدّت كفيها تحتضن كفيّ شادن الثلجيين، وتسحبها لتقف، لتسير بها عدة خطوات، حتى ابتعدتا عن الجمع في بقعة منعزلة خلف الأشجار، وعندها ارتمت شادن في أحضان أمواج لتبكي بحرقة خيبة جديدة ممهورة بتوقيع.. سفيان مرتجي..



نهاية القصاصة
قراءة ممتعة


بالنسبة للتفاعل... سأتركه لتقديركم


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 15-08-22, 11:27 PM   #580

دانه عبد

? العضوٌ??? » 478587
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 512
?  نُقآطِيْ » دانه عبد is on a distinguished road
افتراضي

يا حبيبتي يا شادن 😢😢😢😢 فصل رائع سلمت يداكي 💚💚💚💚💚

دانه عبد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:02 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.