شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء) (https://www.rewity.com/forum/f518/)
-   -   "هي.. كغثاء السيل" *مميزة ومكتملة * (https://www.rewity.com/forum/t486192.html)

ام شیماء 27-02-22 04:05 PM

"هي.. كغثاء السيل" *مميزة ومكتملة *
 


https://upload.rewity.com/uploads/154082956453421.gif


الغلاف إهداء من قسم قصص من وحي الأعضاء
https://upload.rewity.com/do.php?img=174025

https://c.top4top.io/p_22493dtph0.jpg

https://d.top4top.io/p_22495nriy1.jpg

https://e.top4top.io/p_2249wdimy2.jpg


هي.. كغثاء السيل
الصلاة والسلام على رسول الله خير الأنام المصطفى محمد عليه السلام
بداية هذه ثاني مشاركة لي في هذا المنتدى الكريم أرجوا ان تلقى تشجيعا ومتابعة مفرحة لي وأن تكون مشاركتي المتواضعة بعد رواية بخافقي ألوذ عن جواك اللؤلؤة الرابعة لسلسلة لؤلؤة في محارة مشروخة إضافة مميزة للمنتدى وقيمة لقراءه الكرام

بقلم الكاتبة أم شيماء (سميرة الحيان)

المقدمة


*******

مجرّد حكاية….

"هي..كغثاء السيل"


تقديم وتدبّر:

إلى الماضي البعيد والقريب..أهدي هذه الخربشات التي يمكن أن تغدو قصاصات لحكاية تقليدية تلحفت بفستان عصري يتماشى وصرعات الموضة التي صرعت حس الحياء وثوب العفة...سأحاول نهج منطق العقل في سرد هذا الإهداء وجعله بسيطا بلا فلسفة ولا خزعبلات، فقليل من يعشق الغوص في متاهة اللّغو الناقد والتحليل البوهيمي، للأحوال والمستجدات الاجتماعية، وأسباب انقلاب السكينة والراحة النفسية المعهودة نسبيا..الى ضياع وشتات و.. و.. لنتحسر كل دقيقة بل كل ثانية على التي سبقتها وننسى أن نستمتع بالتي نحن فيها لأننا تلقائيا سنبكي التي بين أيدينا والتي نتنفس ذرات أوكسجينها، عند وفي أختها المقبلة… هي حلقة مفرغة تلك التي نتعلق بها، ولأن ذو العزة الذي أنطق من لا يهذي ولا يحدّث عن الهوى، بأننا نحن البشر نتصف بالشكوى والقنوط والحسرة كجِبلة بها نلتصق، فلا نشكر بل ننكر و نتطير بدل أن نستبشر ونظن الخير برب الكون...في السراء والضراء في السر والعلن.. وباللسان قبل القلب الذي يتكهن بقدوم الألعن… رغم أننا نبتهل القادر السداد وصلاح الحال، لكننا نمزج ذاك الدعاء بشك التحقق والاستجابة!! فكيف نصلي لحدوث خير ما و العقل ينشر رسائل باقتراب الأسوأ..
سأكتفي رحمة بكم أيها القراء الأعزاء و ظبطا لشطحات أفكاري المنفلتة العقال فوق صهوة المنطق والمعقول.. . فالمنتظر والمطلوب حكاية ورواية، وليس دوامة، في متاهة بلا بداية، وجنوح النظريات والأطروحات المغمورة بين طيات التندر والتعمق البالي..




روابط الفصول

المقدمة .. اعلاه
الفصل 1, 2 بالأسفل

الفصل 3
الفصل 4
الفصل 5
الفصل 6
الفصل 7
الفصل 8
الفصل 9
الخاتمة






ام شیماء 27-02-22 11:31 PM

الفصل الاول
التحقق الأول:

تمتد أنامل كف أنثوي، تتلمس سطح المنضدة الخشبية الصغيرة، قرب السرير، بعبثية ونزق، لتهتدي أخيراً إلى ضالتها المنشودة، شاشة الهاتف الذكي، الذي كسر رنين منبهه سكون المكان والزمان، معلنا عن موعد الاستيقاظ، وحينونة بلجة صبح جديد، طاردا ظلمة الليل البارد..
تحاول التحقق من التوقيت، وهي تمسك أخيرا به، لربما قد أخطأت في تحديد ساعة المنبه، حين جهزته ليلا، لكن الخيبة كانت هي إحساسها ، حين تمعنت في الشاشة الرقمية بجهد، مصارعة ثقل جفنيها، والخذر المحتل لجسدها، الذي لم يأخذ كفايته من النوم فالساعة تشير للسادسة فجرا، وكانت قد أغمضت عينيها مع الواحدة ليلا، فترة نوم غير كافية، فتتذمر وهي تفارق الفراش المريح، والدافئ بالأغطية الشتوية الناعمة، إغراء كبير للرجوع إليه تقاومه.. وهي تقنع نفسها وتقسم بأنها لن تسهر ثانية، ولن تكرر تصفح الهاتف في الفراش ليلا، لأنه يجعلها تنسى أن وراءها غدا حافلا بالمهام والواجبات، ومنذ الساعات الأولى فتمني نفسها بتغيير عاداتها السيئة، وتطبيق القرارات الصحية على نظام حياتها..لاحت ابتسامة على محياها الشاحب وهي تذكر تلك النفس، بأنه نفس القرار كل يوم، وفي نفس الموقف، عند استيقاظها؛ تعد بأنه آخر مرة… لكن الكرة تكون تلوى الكرة..وليلا تنسى عذاب الصبح...
اتجهت إلى الحمام، تتفحص وجهها في مرآته، روتين يوم.. تتأمل الهالات المتجلية تحت عينيها كل صباح، متحسرة على حالتها المزرية والتي وصلت إليها.. ذبول وإجهاد واضح، انطفأت معه جذوة شبابها، الذي شارف على الأربعين، فمن يراها يقدره بمنتصفها أو أواخرها… استغفرت ربها اخيرا، بعده تلاشت تلك للسحابة السوداء.. لتركز فيما بدأته، فلا لوم إلا عليها، و لها لطريقتها التي اتخذتها في الحياة بأسلوبها الفوضوي... ومع هموم لا تنتهي فاختزلتها كأسباب لمآل حالها…

"رجاء إستيقظي الفجر قد أذن منذ نصف ساعة هيا لن أكرر ندائي فموعد خروجي اقترب...هيا إنهضي!! "

بصوت نبرته صارمة نادت أميمة ابنتها الوحيدة ذات الخمسة عشر سنة، والتي خرجت بها من زيجة لم تستمر طويلا وانتهت بانفصال ضمني، دون طلاق رسمي، تم الإتفاق عليه من الطرفين وديا، لتظل هي أمام المجتمع زوجة مع وقف التنفيذ ويحظى هو برؤية ابنته، دون موانع وحواجز في البيت الذي يملكه فلا مكان تلجأ إليه مع ابنتها، إذا وقع طلاقها من رضوان، ولا وظيفة أو عمل، يكفيها ويؤمن لها دخلا يسترها، ويعصمها مد اليد آنذاك، كما وأن إبنتها تحتاج رعاية خاصة، فمنذ ولادتها وصحتها متذبذبة مع بنية جسدها الضعيفة..

" ماما إذهبي أنت، فأنا سأنهض بعد ساعة وأتناول عندها فطوري قبل أن أراجع بعض المواد الدراسية"

فهتفت أمها مستغربة:

"أليس لديك حصص هذا الصباح؟!"

في غرفتها وردية الطلاء، شدت رجاء لحافها فوق وجهها بتثاؤب ثقيل ردت قائلة:

"الحصة الصباحية لليوم لاغية، فأستاذ المادة قدم على اجازة مرضية وسيتغيب أسبوعا آسفة!.. فقد نسيت أن أخبرك أمس.. "

تتمعن في رد إبنتها وهي تتناول قطعة خبز محمص مع جبنة بيضاء وزيت الزيتون رفقة فنجان القهوة السوداء الذي ملأ المطبخ بعبقه الزكي، فنمت عنها زفرة حارقة وهي توصيها قائلة:

"حسنا أنا سأخرج بعد قليل، الفطور جاهز نظفي المطبخ والبيت، قبل أن تنشغلي بدراستك وإذا تأخرت عن موعد الغذاء تناولي شيئا خفيفا .. وتصرفي جيدا.. اهتمي بنفسك ولا تغرقي في الإنترنت...متناسية ما يدور حولك.."

لم تنتظر ردا منها… فهي تتخيل تعابير وجه إبنتها الضئيل بعلامات التذمر والإعتراض تلوح على محياها الصغير بعد نصح منها أو تحذيرات تكررها أميمة على مسامعها في كل مناسبة، فاحتل الصمت الأجواء كإنهاء للموضوع، وحتى هي لم تعد تأبه لتعنت إبنتها، وردود أفعالها المستفزة، فقد تعلمت كيف تتعايش مع مراهقة بعقلية صعبة المراس، وذكاء فطري، مع تطلعات لا حصر لها، جعلا سنها لا يواكب مستوى عقلها...بل يجعل الحوار عقيما معها، فاختلاف التفكير و مزامنة العمر والسعي أملا وراء ما يصعب تحقيقه... ما هو إلا معادلة لا حل لها...
اتخذت طريقها و الهوينى خطواتها، تارة تتقاذفها أفكارها نحو الماضي، وتارة تستفيق مع إشارة مرور وهي تعبر شارعا ما، أو بهتاف أحد المارة لتعود لحاضرها، وتضرب بعض الأسداس في الأخماس لعل الحسبة تنتهي صحيحة فترتاح، حسبة حياتها ومستقبل فلذتها، وما تنوء بها أكتافها من حمل يتزايد ويتضاعف بتعاقب الأيام والشهور والسنون..صراع نفسي، تتخبط معه حتى تصل الى بغيتها، مقر عملها ومصدر رزقها المتواضع، الذي اهتدت إليه بعد بحث طويل، كادت أن تيأس معه، فتلاشى ذاك اليأس… عند لقائها بابنة جيرانهم القدامى، هند التي لم تكمل دراستها بعد توجهها نحو تعلم الخياطة، والتطريز وتصميم الملابس التقليدية والعصرية، لتظهر بعد سنوات وبمجهود كبير على مواقع التواصل الإجتماعي كصاحبة إسم لامع في تلك المدينة الصغيرة، متخصصة وذات لمسة مميزة، يتهافت عليها مشاهير الفن وأعلام المجتمع المخملي، وبالنسبة لأميمة إستمر التواصل معها بعد لقائهما الغير مدبر، كمعارف تجمعهم الذكريات ويتندرانها في محادثاتهما المتباينة، على حسب ظروف كل واحدة، لتلجأ إليها هند في ليلة من ليالي هذا الفصل البارد أكثر من المعتاد، وقد فطنت لحاجة الأخرى لمصدر دخل يحفظ ماء وجهها أمام الغير فاقترحت عليها قائلة دون تكلف أو مقدمات:

" أميمة بعد شهرين سأسافر إلى تركيا رفقة مراد، وسأترك حمزة مع جدته، لن يحتاج للمقابلة فهو يعرف كيف يهتم بنفسه..المشكلة في محلي التجاري أريد شخصا أثق فيه ليباشر أعمالي المتعلقة به ويقابل الزبائن خلال غيابي وحتى بعد عودتنا أن شاءالله لأنني سأفتح فرعا للمتجر بمنطقة أخرى ولن أتمكن من تسيير أمرهما لوحدي.."

أطرقت الأخرى منصتة لحديث هند المتسارع والمصارع لدقات الزمن لا تفقه المغزى من كل هذه المعلومات فلم يسعفها إدراكها إلا بنطق جملة بدت تجسيدا للبلاهة التي تجلت عليها:

"تركيا تظهر جميلة جدا من خلال شاشة التلفزة والإعلانات هنيئا لك الرحلة واستمتعي كثيرا.. ستجدين من يساعدك إن شاءالله "

عندها كادت صاحبتها أن تكسر الهاتف غيظا من موقف أميمة وردها دون تركيز فاستطردت قائلة بتؤدة:

"ااااه منك!! مرارتي على وشك أن تفقع بسببك، يا حبيبتي دعينا من تركيا… ما أريده هو: مديرة للمحل الأصلي أي مركز شهرتي و زبائني الأوفياء، وأن تكون أهلا للثقة مثلك.. و متفانية… وقد فكرت فيك فلا تتخليْ عنيّ وأنا في حاجة ماسة لك .. هل تستطيعين العمل معي براتب شهري معقول مبدئيا؟"

تصلها العبارات، عبر سماعة الهاتف؛ واضحة المعنى، إلا أن عقلها لبرهة من الزمن لم يترجم تلك الكلمات لمعاني حتى يفقه المغزى منها، واجمة هي غير مصدقة لما تسمع، هل هو حقا عرض للعمل وفي مجال تعشقه الموضة.. والأزياء..التصميم والخياطة..ما عساها ترد؟!! هي فرصة حلمت بها كثيرا؛ أن تجد عملا يشعرها بالإستقلال والإعتماد على النفس دون أفضال الغير و إحسانهم..فأجابت بلهفة:

"أتخلى عنك!!كيف يعقل ذلك؟!هل هناك شروط أو مواصفات للوظيفة أو العمل المطلوب!؟"

تكاد تطير فرحا وهي جالسة تتصفح بعض المجلات فقالت:

"لا شروط فقط الثقة التي أضعها فيك والمواصفات تنطبق عليك فأنت لك ذوق وكياسة مميزان وعند عودتي سنتحدث في التغييرات التي سننهجها ليكبر مشروعي وينتشر عبر ربوع الوطن من طنجة إلى الگويرة.. وستحددين إذا أردت الإستمرار أو لا...إتفقنا"

ومن يومها وجدت أميمة ضالتها في العمل مع هند والعكس صحيح، فكانت تباشر أعمالها بشكل مقبول وتتواصلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد لقاءات عدة وتوضيحات لأسلوب العمل والتعامل.. ومع مرور الأيام ألفت المكان والعمل و أجوائهما..
إقترب هذا الشهر المميز بألغازه، وصفاته الخاصة، أن يجمع وفاضه ويرحل حتى سنة أخرى،ليعود في نفس الموعد بنفس التوقيت، ديسمبر أو دجنبر أذان بموعد هطول الثلوج في ربوع من هذه البسيطة، وموسم تتكاثف فيه الإستعدادات من تجارة وسياحة وحفلات وحسابات تقفل لتفتح اخرى، حصاد لما أسفر عنه العام المولّي دون رجعة وآخر على الأبواب يشذب هندامه لنستقبله وكلنا آمال وأحلام وأماني نخطط لتحقيقها وتجسيدها...وتظل ونحن نوقن بأنها عادة لا فكاك عنها إلا بمواراة الثرى لأجسادنا..
بجسدها المتناسق القوام الذي لم يخفيه ذلك الرداء السميك والمنتفخ فقد إختارته بعناية فائقة محافظة على أناقة هندامها، تهاوت على البساط الأبيض تلهث من شدة العياء، نتيجة كثرة الضحك والصراخ بهرج ومرج، حين إقتلعت بأناملها ثلة من ذرات صفحة ذلك البساط الناعم، لترمي بها نحو هدف ماتنفك تخطئه في كل مرة..مستسلمة في آخر المطاف لأخرى من الإتجاه المعاكس تستهدف محياه الصغير، الذي اكتسى بحمرة على الوجنتين وأرنبة الأنف، تحاول حجبه عن الهجوم المضاد دون جدوى فقد خارت قواها وأعلنت رايتها البيضاء، حتى تستعيد أنفاسها،وهي تستعطف قائلة:

" يكفي… تعبت..أطرافي تجمدت رغم هذه الملابس… كما أريد أن ألتقط صورا أخرى قبل إيابنا من هنا فالمناظر خلابة جدا"

إقترب منها ببطء، وكاميرا هاتفه مازالت موجهة نحوها، يسجل بها كل لحظة لهما، كما طلبت منه، حتى حين كانا يتقاذفان كرات النسيج الأبيض المنفوش في كل مكان، بعدما نثرته السماء بكل كرم وسخاء فغطت بقعة' أولوداغ' جنوب مدينة "بورصة" بتركيا، قبلة عشاق الضيف الأبيض بما يقدم من ترفيه؛ تزلج وتزحلق ونزهات بالمكوك الهوائي… المعلق بأسلاك فولاذية تعمل بالكهرباء فتجعله ينزلق بشكل مثير يجذب هواة الإثارة والمغامرة المقرونة بالمتعة، الناجمة عن التحليق فوق السجادة اللامعة ببياضها المشع حين يعانق خيوطا ببريق الذهب، مع كل إشراقة صباح، والمحفوفة بحراس من أشجار الصنوبر الباسقة بثبات وإباء، ومثيلتها الصفصاف دائمة الاخضرار بشموخ بين المرتفعات وعليها، فتتجلى الصورة خلابة للأعين سالبة للألباب، وملهمة لكل عاشق وفنان..

"أوف!! أنا أيضا تعبت... سنكتفي اليوم من هذا البياض ولنعد لإسطنبول فهي أرحم"

متأفف من وعثاء الرحلة، زفر مراد وهو يرتمى بجانبها، بينما يقفل هاتفه، يتنفس الصعداء لإنهاء تصويره المجبر على امتهانه، في كل مناسبة حتى يرضي شغف هند، بتأريخها لها بالصور، وإشباع هوسها بمشاركة الجميع لتلك اللحظات عبر مواقع التواصل الإجتماعي بجميع أنواعه…

"سمعت عن مهرجان صوفي يقام في هذا الشهر للإمام جلال الدين الرومي له صيت واسع يحضر إليه الملايين من كل حدب وصوب وتقام فيه رقصة الدراويش…"

سكتت قليل وهي تجمع أنفاسها قبل أن تواصل تحت تركيز زوجها مع ما ترمي إليه، والغرض منه:

".. هناك؛ سنلتقي كل أجناس العالم.. وسيكون مصدر إلهام لي، في تصميماتي للأزياء، فالفلكلور التركي، غني بخصائصه، ومميزاته، من حيث اللباس.. والزينة والمعمار والديكور.. "

أزاح مراد عن عينيه، نظارته قاتمة اللون؛ اتقاء بريق الثلوج، وما يسببه من زغللة للبصر، وإرهاق لعضلات العيون، فاحتاج لثوان يفركهما فيها، بينما يدرس إقتراح زوجته، ثم التفت نحوها ليناقشها حول خلفيات حضور ذلك الحدث:

"أتفق معك، فالليالي الصوفية؛ لها سحر خاص، وستكون خسارة، أن نضيع فرصة حضور مثل هذه التظاهرة، وسماع المديح، والابتهالات.. لكن!"

قطع استرساله وهو ينقل نظره منها إلى ما يحيط بهما من كثبان ثلجية خلابة، إعجاز رباني، واضح يتكرر كل سنة، في بقاع كثيرة من هذه البسيطة، المختلفة من حيث كل مكوناتها عن غيرها من الكواكب، فسبحان من يغير الأخضر باليابس، واليابس بالرطب المثقل بذرات الماء، لتكتمل دورة الحياة وتتكرر أمام عجز البشر والمغتر بقواه الضعيفة والمحدودة..
تنهد بعياء، قبل أن يستطرد بتساؤل، نظير ترقبها لما سيدلي به:

"ما قصدته أين يقام هذا المهرجان؟ وكيف سنصل اليه؟! فتركيا؛ مرافقها غريبة عنا، ولا نعرف طرقها، ومدنها، وكيفية الوصول، ووقت الرحلات، وموعد المهرجان بالضبط، وأخيرا التكاليف.. فمنحة السفر محدودة، نحن هنا.. بهدف: هو التسويق، والانتشار والتمهيد لصنع ماركة عالمية خاصة، كجمعية تعاونية،تمولها الدولة، وخلق نقط للبيع والتمهيد له، ودراسة الوضع جيدا، بعيدا عن أي مغامرة..فلا تنسي أنه سبب حضورنا الأساسي.."

عندها؛ إنتصبت قائمة، وهي تنفض عن سروالها السميك، ما علق به من تراكمات ثلجية، تدرك صحة كلام زوجها، لذاك عقبت باستعطاف مفاجئ مبرر:

"أنا بحثت وعلمت: أن هناك رحلات سريعة، من إسطنبول إلى قونية، حيث يقام المهرجان، ولن تكلفنا وقتا كثيرا، كما أننا سنقاوم رغباتنا، ونقنّن شهواتنا، لنُدبّر جيدا تبعات الرحلة، ونَتدبّر في احتياجاتنا، حتى نتجنب أي إهدار للمال، الذي معنا… أما الموعد فهو محدد، لبعد غد.. حيث سيقام حفل الختام آنذاك، أرجوك لا تضيع هذه الفرصة منا.. أرجوك.. أرجوك حبيبي.. "

فاكتفى مراد بالصمت المؤيد، بعد الحاحها الشديد، واقتناعه بتصميمها على تنفيذ رغبتها، التي لن يفلح في ثنيها عن تحقيقها، وضمنيا فضوله كمصور لمعاينة تلك الأجواء المثيرة لحشريته وفضوله
قلّد نفس حركاتها، ليتخذا سبيلا واحدا، بعد لملمة حاجياتهما، ولوازمهما، متوجهين نحو الممر، المؤدي للخروج من المنتجع، قصد العودة إلى سكناهما، الذي اتخذاه فور وصولهما لأرض الأناضول، كل هذا دون أن تنسى هند صفحاتها الإجتماعية، و تشارك آخر صورها معلقة بعبارة:

"لحظات دافئة وسعيدة رفقة شريك العمر(قلوب حمراء).. رغم برد ثلوج تركيا..ثم(كثير من القلوب)"

فورا بدأت التعاليق وتعابير الإعجاب تصل تباعا عليها، وانتفخت أوداج صاحبة المنشور، فالإشعارت تهل من الأزرق بدرجتيه، والأخضر والبنفسجي والأصفر كذلك، كما جرت العادة وهي تتابع في صمت، فالنشوة في ذروتها، وكلمات الإعجاب تشبع رغبتها وهوسها، والتخطيط للسبق المقبل ينسجه خيالها الشره…
صدرت عنها عفويا تنهيدة إعياء ونزق، وهي تتخذ مكانا على أحد مراتب الجلوس في غرفة المعيشة، وقد شرّعت النوافذ على مصراعيها، وأزاحت الستائر المزركشة في نهايتها بوريقات مخملية الملمس، مقارنة بخامة أرضيتها الشفافة، المحاكة من قماش الشيفون السميك، ومحفوفة بعروش مشجرة، وكأنها مطرزة بخيوط الفضة، لتتماشى مع ثوب الوسائد، والفرش التي صنعت على النسق التقليدي، بشكل يوازي موضة الأفرشة والأثاث الدارجة، تنظر في إتجاه المائدة، لتتأكد مما أعدته لوجبة فطورها هي وأمها، التي تركتها تصلي ركعتي الضحى، فموعد الشروق مر عليه ساعتين، وقد أيقظتها ليتشاركا الفطور معا، شوقا للإحساس بوجود شخص يقتسم معها لقمة الصباح، و يشاطرها مائدة الإفطار كباقي خلق الله، فأخذت اليوم إجازة من عملها، حتى تكسر الروتين الذي ملّت تعاقبه منذ إنتهت عطلة الصيف وباشرت عملها في المركز.
تتصفح هاتفها، لحين إنضمام والدتها إليها، لكن بغتة؛ جحظت مقلتيها حين وقعتا على صور الرحلة السياحية لإبنة خالتها بتركيا، تتعقب بتركيز كل صورة على حدة، تارة تكبِّر هذه، وتارة تقلّب شاشة الهاتف، حتى تحقق جيدا في الأخرى، و ملامح أصحابها، وما خلفهم وجوارهم..
فكل تفصيلة لها أهميتها، تخرج من تطبيق لآخر، لعلّ هناك إضافة أو مشاهد مختلفة، ثم تتابع التعليقات وما تحمله من تعابير...وبركان الحسرة والغيرة يغلي داخلها، دون حصار تشده نفسها أمامه، فالأمر فوق طاقتها، تلك المقارنة اللّعينة، شمّرت عن ساعديها، حتى تهاجمها، بكل ضراوة وشراسة، صارخة باستنكار:
" لماذا هي وأنت لا!!!
لماذا تتنعّم بالرحلات والسياحة؟ وأنت لا!!
حياتك كلها كآبة و كدّ وعناء..و هي لا!!..
هي مع زوج مُحبّ.. وأنت.. مع الوحدة والتذمر.
كوّنَت أسرة سعيدة؛ إبن وبيت وزوج.. وأنت!؟ مازلت تكونين نفسك ولم تنتهي…
لما هي تقوم بعمل حَلُمت به منذ طفولتها؟ وحقّقت الحلم.. رغم أنها لم تتّم تعليمها..
و أنت أتممته؛ و حصلت على الشهادات العليا، ولم تحقّق واحدا من أحلامك، حتى الوظيفة كانت بعيدة عن طموحك….لماذا.. لماذا؟!!!.."

تخبّطات تقذف، بها يمينا ويسارا، كلّما...خاضت تلك المقارنة اللعينة، فينقلب الهدوء، إلى تكدّر وتأنيب؛ تأنيب لِما يعتريها من نقمة وحسد، وتكدّر لواقع لا يرضيها...زفرت بسخط، ثم وضعت وسيلة نقمتها، ومصدر تعكّر مزاجها، ومَجلب الأحاسيس السلبية لها بإهمال، دون أن تعلّق أو تُعرب عن الصور بكلمة إعجاب أو عبارة تقدير، وهي تصارع تلك الهواجس، لتطردها من فكرها، و بعصبيّة أعادت عقص جديلتها فاحمة السواد، بمشبكها الصيني الصنع، كغالبية السّلع المنتشرة في الألفية الثالثة..

"ما الذي أصابك يا منى فجأة!!!..كِدت تهشّمين شاشة المحمول..وأنت ترمين به فوق الطاولة...آااخ يا ظهري"

تأففت أمها، وهي تتّخذ مجلسا، قرب فلذة كبدها، من آلام الظهر، التي تهاجمها، كلما أطالت المكوث في وضعية معينة بجسدها، الذي عرف داء الهرم والعجز...تنحّت منى بحذر، حتى تتيح لوالدته، الإلتفاف حول المائدة، لتجلس بيُسر، وهي تردُّ بتوتر:

"لم أقصد أمّي، أن أرمي به.. فقط.. كنت..كنت.. آه! شاردة، ولم أنتبه، المهم هل تريدين الشاي بعشبة'الشيبة' أمي؟ أم الحليب بالزعتر؟ فقد حضرت لك، مشروبيك المفضلين، و المناسبين لهذا الجو البارد.."

أخذت السيدة عائشة نفسا عميقا، لتصدر آخر حارا، وقد استشعر فؤادها، تهرّب إبنتها من الإجابة عن سبب إنقلاب حالها، لكنها لم تحكّر، لمعرفة الأسباب، وأشارت إلى إبريق الشاي...ثم تمتمت بتعب:

"كأس الشاي بالشيبة.. لربما يخفّف عني آلامي.. وينسيني همي وميل حالي..."

"لا تبدأي يا ماما..كم مرة قلت لك أن حالنا أحسن من غيرنا…"

جاء ردها بنبرة غاضبة، وتعلم ضمنيا أنه موجه لها ولنفسها وليس لأمها، تحاول أن تقنع نفسها بذلك، وتمويه شكوك التي أنجبتها، وتحفظها عن ظهر قلب

" حسنا..لن ألاججك فلا طاقة لي على النقاش...وقد..كبرت بما يجعلك تحسنين التصرف.. الشاي ساخن...وطعم العشبة.. التي فيه قوي.."

" الم يعجبك طعم' الشيبة' يا أمي..تريدين آخر بدونها "

" آه..الشيبة نسيت اسمها للحظة..لا..إنه..يناسبني حبيبتي..تناولي طعامك ولا تشغلي بالك"

تأملت والدتها للحظة بعد جوابها ثم طردت هاجسا أقلقها لثوان، قبل أن تستأنف الأكل لتنشغلا الاثنتان، في تناول الفطور، وهما تتبادلان حديثا عاديا، عن آخر أخبار الأقارب ومستجدات الحي، دون أن تنقل منى لها تفاصيل ما رأته على وسائل التواصل، كالتحدث عن سفر هند، التي ستذَكّر أمها بالذكريات المنسية بألم، و ما يقلب المواجع عليها، فقد تذكرت، دون تنسى أبداً يوم أخبرتها، باكتشافها لحساب إبنة خالتها وأحوالها، كيف ثارت و ندبت حظها وما آلت إليه رابطة القرابة و الدم في زمن، كل ما فيه غريب، وتافه ومادّي… الأخ يتنكر لأخيه من أجل حفنة مال أو وسوسة منافق، زمن انعدمت فيه الأخلاق والتربية.. زمن يسهل فيه إطلاق الأكاذيب والقذف، والسب بوجه مكشوف، وتتبع العورات، ونشر الفضائح بدم بارد ودون مراعاة..أشياء يندى لها الجبين بات تداولها عاديّا، بقدْر ما هو مثير للاهتمام والفضول...

" آه يا ماما إشتقت حقّا لهذه الجلسة، للفطور لذة معك يا حبيبتي.. "

بنظرة دافئة تأملتها والدتها وردت قائلة بتروّ، وهدوء:

" لا حرمك الله من أفراحك حبيبتي، أنا أيضا اشتقت لك أنت وأبوك والتجمع حول مائدة الطعام…"

صنعت لها من الخبز شطيرة مربى المشمش، وضحكات خفيظة تبادلتاها أضفت دافئا، على جو المائدة، التي كانت ونيستهما، في تلك الجلسة الصباحية...
بعد ساعة قامت والدة منى، بمشقّة واضحة، ناتجة عن تصلب المفاصل، المستفحل بفعل عامل السن، وهي تتمتم بتحسر خلق صدمة عند إبنتها و ذهولها:

"آه!!.. ركبتاي تؤلمانني جدّا، كيف سأؤدي صلاة الضحى.. أظنني سأصلي جلوسا..ااااخ يا وجعي!! "

تجاوزت السيدة عائشة مكان وقوف منى، التي شلّت الصدمة حركتها فنطقت بالقول:

" لقد صلّيتِ الضحى يا ماما!!!.. ماذا بك هل نسيتي؟! تركتك وأنت تؤدينها قبل أن نتناول الفطور !! "

وكأنها لم تستوعب للحظة ما ألقت به منى على مسامعها، حيث وقفت برهة، تدقق النظر في محيّا إبنتها، لتستأنف طريقها وهي تقول، بنبرة صوتها الحانيّة:

"حسنا! لا أدري..؟ أشعر ببياض يداهم ذاكرتي ... هل أنت واثقة من ذلك؟..أو أتعرفين! لا بأس سأصلي ركعتين، وليكن.. فلا ضير في ذلك…"

واصلت مسارها، وابنتها تضرب الأخماس في الأسداس، عاجزة عن تفسير الأمر، الذي لم يكن سوى القشة، التي قصمت ظهر بعيرها، في يومها هذا! الذي إرتأت أن ترتاح فيه، وتستمتع بلحظاته، لكنه استهل بنقاش داخلي، وتساؤلات لا تنحصر، وبعده تسرّب حبل التوجس، والشك لعقلها، حول ما يعتري حال من أنجبتها، و سبب وجودها في هذه الحياة.
💐💐💐💐💐💐💐💐💐💐🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸💐💐💐💐💐💐
رايكن يهمني تحياتي وكل تقصير بدر. مني اطلب عذركن عليه.

انتطروني باذن الله في الفصل الثاني الاسبوع المقبل 🌺

**منى لطيفي (نصر الدين )** 28-02-22 03:24 PM

https://i.top4top.io/p_2250h5py91.jpg

**منى لطيفي (نصر الدين )** 28-02-22 03:24 PM

https://h.top4top.io/p_2250in2cp0.gif

**منى لطيفي (نصر الدين )** 28-02-22 03:26 PM

الف مبروووووووووووك البداية النوفيلا اكثر من راااااائعة
ربي يبارك لك وبالتووووفيق غاليتي

ام شیماء 28-02-22 07:39 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** (المشاركة 15873885)
الف مبروووووووووووك البداية النوفيلا اكثر من راااااائعة
ربي يبارك لك وبالتووووفيق غاليتي




بارك الله فيك حبيبتي

قــــلــــم 01-03-22 06:15 AM

العنوان جذاب
والمقدمه راقيه
واسلوبك حقيقي ممتاز


بانتظار المزيد


اخوك ِ قلم

ام شیماء 01-03-22 07:17 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قــــلــــم (المشاركة 15874730)
العنوان جذاب
والمقدمه راقيه
واسلوبك حقيقي ممتاز


بانتظار المزيد


اخوك ِ قلم


تشرفت بتقديرك أخي الكريم و بارك الله فيك، أرجو أن لا تخيب توقعاتك، وفي انتظار مرروك المشجع دائما والذي أنار الفصل.

قــــلــــم 03-03-22 06:41 AM

الشرف لي اكثر اختي الاديبه الراقيه
انتظر بشغف جديدك
وكلي ثقه في انه سيكون اكثر ابهار
كل الشكر والتقدير والاحترام لحضرتك

ام شیماء 06-03-22 07:27 PM

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي


الساعة الآن 09:33 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.