آخر 10 مشاركات
56 - لقاء فى الغروب - شريف شوقي (الكاتـب : MooNy87 - )           »          355 - ميراث العاشقين - كاى ثورب ( روايات أحلامي ) (الكاتـب : MooNy87 - )           »          عشق من قلـب الصوارم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : عاشقةديرتها - )           »          فوق الجروح اللي بقلبي من سنين يكفي دخيل الله لا تجرحوني روايه راااااائعه بقلم الهودج (الكاتـب : nahe24 - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          ليلة مصيرية (59) للكاتبة: ليندسي ارمسترونج... (كاملة) (الكاتـب : monny - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          61 - أنتِ لي - هيلين بيانشن - ع .ق (تصوير جديد) (الكاتـب : Just Faith - )           »          البجعة الورقية (129) للكاتبة: Leylah Attar *كاملة & تم إضافة الرابط* (الكاتـب : Andalus - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-03-22, 07:44 PM   #11

عائشة بوشارب

? العضوٌ??? » 485881
?  التسِجيلٌ » Mar 2021
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » عائشة بوشارب is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الحادي عشر


*****
شعرتُ به، بيديه القويتين وبأنفاسه في عنقي، عندما احتضنني بتلك الطريقة العنيفة، آه كم كنت بحاجة لعناق لكن ليس مثل هذا! ليس هنا وليس الآن وبالتأكيد ليس منك!
لا تتحركي، ابقي ثابتة!
بقيت ساكنة دون حراك، لم أستطع التحرك ولم أنطق ببنت شفة فيده الضخمة منعتني من الكلام، حتى دفعني نحو الأرض وذهب راكضًا وهو يصرخ قائلًا: توقف مكانك الشرطة!
انصرف وتركني في بحر من الحيرة والدهشة، لم أفهم في تلك اللحظة ما الذي حدث، فقبل ثوانٍ قليلة كان يستخرج الأصفاد من جيبه ليكبلني بها، والآن غادر فجأة وكأنه لم يحدث شيء، "يا ربي؛ القرص أين هو!"
نهضت بسرعة من على الأرض بعدما دفعني ذلك الغبي، ثم توجهت مسرعة نحو الآلة أبحث عن القرص بكامل نشاطي، ولكني لم أجده هناك، أتذكر أنني كنت أمسك بها قبل أن يمسكني ذلك الأبله، حاولت البحث لكن لم يكن لدي وقت كاف للبحث، فخطوات الحراس تقترب مني كلما ارتطمت أحذيتهم على الأرض، انتهت خططي وانتهى حلمي معها.
تقدم الحارس نحوي بهدوء قائلًا: هل أنت بخير يا آنسة؟
تجاهلت حديثه رغمًا عني بعدما رأيت شيئًا مريعًا خلفه، كان الحارس الآخر ممسكًا بشخص تبدو عليه صفات الإجرام أكثر من صفات بشرية، يرتدي قناعًا أسود اللون، ومكبلًا بالأصفاد التي ظننتها ستكون زينتي اليوم.
أعتذر إليك بالنيابة عن صديقي الذي يبدو أنه قد أخافك.
حرك رأسه ببطء وحركه إلى الأمام مشيرًا إلى الشخص المكبل وأكمل قائلًا: لكنه كان يحاول حمايتك من اللص، فقد كان خلفك مباشرة ولو لم يصل خالد في الوقت المناسب لوقع شيئًا سيئًا لك لا سمح الله.
نزلت رأسي للأرض محاولة استيعاب ما قاله لأني لم أركز معه فكل ما كان يشغل بالي ذلك القرص، وفجأة رأيت شيئًا صغيرًا تحت حذائه مباشرة، فغرت فمي غير مصدقة ما تراه عيناي، إنه تحت قدمه مباشرة ولن أتمكن من جلبها الآن؛ لقد انتهت خطتي، ضاعت جهودي في الهواء.
ابتسم بود قائلًا: تفضلي معي آنستي كي أرافقك للخارج بأمان.
قلت في نفسي: "لماذا ترافقني للخارج الآن وفي هذه اللحظة؟ مستحيل! أرجوك لا تفسد خطتي"
يا آنسة؟
تنبهتُ إلى صوته فرفعت رأسي ثم أجبته بنبرة تشي بالاستسلام: حسنًا سيدي.
*****
عادت تانيلا إلى المنزل محبطة بعد فشلها الذريع، رمت حقيبتها فوق الكرسي المجاور للباب وصعدت إلى السلالم متوجهة لغرفة والدها، أمسكت بإطار صورته وأخذت تواسيه بنبرة متألمة دامعة: سامحني يا والدي لقد حاولت بأقصى جهدي، أعتذر، لأني لم أكن مفيدة لك.
ارتمت فوق سريره باكية بحرقة على حالها والوضع الذي باتت عليه، لم تطلب الكثير، كل ما أرادته هو استرجاع حق والدها أيمكن للحق أن يكون خطيئة!
ركضت مباشرة إلى غرفتها غير مكترثة بغشاوة الدموع، ثم شغلت حاسوبها وتوجهت إلى "كازانوفا" معلنة عليه الحرب: "تبًا لك ولأداتك السخيفة، اللعنة على تلك اللحظة التي قبلت بها عرضك السخيف، تبًا لك ولهذا العالم الظالم مثلك".
مسحت دموعها بيديها محاولة البث عن الأحرف كي تطفئ نار قلبها، لكنها لم تستطع كبت بكائها، وكأنما كلما مسحت عينيها زاد تدفق الدموع على خديها أكثر.
"بالطبع لست هنا، فبالتأكيد تستمتع بأعمالك المشبوهة التي تقوم بتنفيذها بعدما أعطيتك الروابط كالحمقاء، ليست عندك كلمة ولست رجلًا".
استمرت بإرسال العديد من الرسائل المختلطة بالشتائم حتى كاد صوت لوحة المفاتيح يصل الشارع، وعلى الرغم من أنها تعلم أنه لن يجيبها لأنه لم يكن موجودًا إلا أنها لم تستطع كبح جماح غضبها، انهارت مجددًا من البكاء، فنامت وهي تضع رأسها فوق لوحة المفاتيح من دون أن تشعر بذلك، وبعد ساعتين، نهضت بعد سماعها إشعارات الدردشة غير واعية لما يجري، فتحت عينيها ببطء فتذكرت نسيانها إطفاء الجهاز حتى لمحت ردودًا منه: "خيرًا ما الذي حدث؟" "ولماذا كل هذا الكلام الجارح؟" "ما الذي حدث يا سيكادا؟!"
الأمر لا يخصك، اهتم بشؤونك الخاصة ولا تحاول التحدث معي ثانية وإلا سأفعل شيئًا لن يعجبك!!
ماذا؟؟ انتظري رجاء لا تذهبي. حدثيني، ماذا حدث؟ ولماذا كل هذا الغضب الذي تصبينه عليّ؟! صدقيني أنا لم أقترف أي خطأ.
الأداة اللعينة التي أعطيتني إياها، لماذا لم تقل لي إنها بطيئة؟ لماذا لم تقل إنها ليست النسخة الجديدة!! لقد خدعتني، أنت السبب في كل ما حدث، لولا ربي الستار الذي أنقذني لكنت مسجونة الآن بسببك.
ما الذي تقولينه؟ السجن! هل فعلتِ بها شيئًا مخالفًا للقانون؟
تبًا لك وللقوانين.
اسمعي، أنا آسف، أعتذر إليك، حقًا أنا آسف، لم أكن أدري أنك تريدين النسخة الجديدة، وأنت تعلمين بأنها غير متاحة لجميع الدول، لا تقلقي، مهما كان الذي حدث سنجد حلًا معًا.
معًا؟ أنت أصلًا من تكون كي تتدخل في حياتي الخاصة!! أنا أحذرك هذه المرة الأخيرة التي تتحدث فيها معي!
أطفأت حاسوبها والغضب يتطاير من عينيها ثم استلقت على سريرها وراحت تفكر في خطوتها التالية، وإن كانت ستستمر بالذهاب للعمل أم تستقيل وتهرب كالجبانة.
"يجدر بي الذهاب كي لا يشكوا بأمري وأيضًا كي أجلب ذلك القرص اللعين إن لم يكتشفوا أمره" حكّت رأسها وأمالت رقبتها وراحت تفكر "يا ترى هل قسوت على كازانوفا؟ فليذهب للجحيم تبًا له ولغبائه، ولغباء ضميري الذي دائمًا ما يقف ضدي".

يتبع..


عائشة بوشارب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 07:45 PM   #12

عائشة بوشارب

? العضوٌ??? » 485881
?  التسِجيلٌ » Mar 2021
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » عائشة بوشارب is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثاني عشر


في الصباح الباكر استيقظت تانيلا مسرعة من دون أن تغتسل حتى إنها لم تغير الملابس التي كانت ترتديها البارحة.
أعترف بأنني كنت خائفة من العودة إلى لشركة في ذلك اليوم، وازداد خوفي بعدما رأيت دوريتي شرطة أمام مدخل الشركة، أسرعت إلى الداخل مدعية أن صداعًا قد أصابني فقط كي أقوم بتغطية وجهي، لا أعلم لماذا فعلت ذلك! ربما لأني ارتعبت من فكرة أنهم اكتشفوا أمر القرص. مررت من أمام الكاميرات بمنتهى الهدوء والحذر دون أن يشك أحد بأمري، فوجئت برؤية الرواق الذي يوجد داخله الصراف الآلي محاصرًا بشريط أصفر اللون مكتوب عليه "ممنوع المرور المنطقة محظورة".
علمت في تلك اللحظة أنه لا يوجد لدي خيار آخر لأسكت به فضولي سوى شيماء.
صباح الخير.
أهلا تانيلا، صباح النور كيف حالك عزيزتي؟
ارتسمت على وجهها ابتسامة مصطنعة وقالت: بخير، الحمد لله.
لكن في قلبها كانت تقول "من يراك لا يعرف الخير".
تنهدت بعمق ثم قالت بهدوء: لاحظت وجود الكثير من رجال الشرطة على مدخل الشركة وقد استغربت كثيرًا صراحة، ما الذي حدث بالضبط؟
أخذت شيماء تقهقه بصوت عالٍ قبل أن تقول: كم أنت طريفة يا تانيلا! لقد أضحكتني التعابير الطريفة التي على وجهك، سأدخل مباشرة في الموضوع لقد وقعت جريمة ليلة أمس فقد دخل لصوص هنا لسرقة مستندات مهمة.
عقدت تانيلا ذراعيها فوق صدرها ثم قاطعتها قائلة: مهلًا ماذا قلتِ؟ مستندات مهمة؟!
أحست شيماء بمتعة بالغة، وشعرت أنها تمارس هوايتها المفضلة، الوشاية: نعم، مستندات مهمة جدًا من مكتب مدير الشركة وفق ما سمعت، لقد ألقي القبض على أحدهم واعترف بأنه لم يكن وحده، لهذا السبب حاصرت الشرطة المنطقة حتى يفحصها البحث الجنائي محاولين البحث عن بصمات أو دليل لمعرفة هوية اللص الثاني.
دخلت تانيلا في دوامة عميقة من الشرود الذي يصعب الصحو منه، وراحت الأفكار تدور لتركز على شيء واحد، نهايتها قريبة لا محالة، فلا يوجد أسوأ من أن يقع ذلك القرص بالأيدي الخطأ، خصوصًا أنها لا تتذكر إن كان يوجد بها معلومات تكشف عن شخصيتها. فشلت كل محاولاتها في طرد تلك الفكرة التي استولت على عقلها، فقررت إسكات الصوت الذي يحثها على تنفيذها بتنفيذها.
أخذت تانيلا ممسحة ومنشفة ثم توجهت لساحة الجريمة وحرصت على ألا يراها أحد من زملائها في العمل وبالخصوص "شيماء" خطت خطواتها بحذر وتركيزها منصب على الشرطة وكاميرات المراقبة.
"لا أعلم إن كانوا سيصدقون تنظيفي للأرضية فعلى ما يبدو أنها أجمل من وجهي المتعب".
لم تكن تانيلا مضطرة لرفع الشريط فجسدها الرشيق ساعدها على المرور من تحته بسهولة، راحت تبحث عن القرص بعينين ثاقبتين، تمارس دورها ببراعة ولو رآها أحد المخرجين لقال إنها تستحق أن تنال جائزة الأوسكار، وفجأة كبُرت حدقتا عينيها أمام القرص الذي رأته بالقرب من نبتة صبار.
تقدمت نحوها بحذر شديد وقد جف ريقها، مالت بجسدها نحو الأسفل وأخذت تمسح أوراق النبتة، ثم مدت يدها الأخرى نحو القرص محاولة التقاطه من على الأرض حتى انتفض جسدها على صوت يقول:
"ما الذي تفعلينه هنا؟!"
تسمرت في مكانها وتسارعت دقات قلبها، أدارت جسدها ببطء وحاولت قدر المستطاع الإجابة دون تلعثم.
لقد.. طلبت مني السيدة فاطمة أن أقوم بالتنظيف.. هنا.
رفع حاجبيه المكتظين وراحت عيناه تتفحصانها بتمعن ولحسن الحظ أنه شاهد كل جزء في جسدها إلا التوتر الرهيب الذي انتابها.
"أعتذر على تعطيلك، أعانك الله"
انصرف وذهب توتري معه والحمد لله أنه كان صاحب أحد المتاجر، فلو كان من الشرطة لاكتشف خوفي وتوتري على الفور، في الوقت نفسه تمكنت من سماع الشرطي الذي كان بالقرب من الرواق بعدما وصله خبر على اللاسلكي الخاص به عن وصول البحث الجنائي لفحص المكان!
التقطت القرص من على الأرض بسرعة البرق بعدما ذهب صاحب الحاجبين الغليظين، من ثم مررت المنشفة على الصراف الآلي بكل خفة آملة أن يمسح تنظيفي جميع البصمات التي عليه ومن بينهم بصماتي، وجهت نظري على الكاميرات لرؤيتها عندما تدور نحوي كي أغير مكاني قبل أن تلتقطني، وأشكر رشاقتي على مساعدتي في القفز من مكان لمكان كالقِرَدة، أخرجت من جيبي الكيس الأسود الذي أحضرته ولبسته في كلتا قدماي بسرعة فائقة كي أكمل تنظيف الأرضية من آثار حذائي.
نظفتها بسرعة كبيرة وخرجت مباشرة بعد مراقبتي المكان وفور ابتعادي عن الشريط بخطوات سمعت أصوات خطوات قريبة فهرعت إلى عملي قبل أن يلاحظ أحد وجودي، توجهت مباشرة إلى مكان عملي، وبينما كنت أعمل سمعت حديث الموظفين عن الشرطة التي غادرت محبطة بعدما لم تتمكن من إيجاد الدلائل الكافية للقبض على المجرم، فغمرني شعور بالراحة، أخذ مني تعب اليوم كل مأخذ، فذهبت بعدها لرئيسة الخدم طالبة الإذن بالخروج مبكرًا، وسمحت لي تلك السيدة ذات القلب الرقيق بذلك.
ابتعت قارورة من المياه ووردًا من النوع الذي تحبه أمي، من ثم ذهبت حيث يسكن والداي الآن، ومن ثم قسمت الورود بينهما مناصفة.
"أنا مشتاقة، مشتاقة لكما كثيرًا، لقد تركتما فراغًا كبيرًا في حياتي، لماذا تركتماني وحيدة؟".
اتجهت إلى المنزل وأعددت أسرع وجبة، من ثم توجهت إلى حاسوبي لأشاهد الأنمي المفضل لدي "Death Note"، لطالما أحببت هذا الأنمي، تمنيت لو كانت لدي مذكرة حقيقية للموت، وكلما كتبت اسم شخص ما فيها والوقت والطريقة التي يموت بها يتحقق ذلك، وأتخلص من عدوي دون داع للتفكير بالشرطة وإخفاء الجثة.
استخرجت القرص من حقيبتي ورحت أتحسسها، وفجأة خطر لي خاطر: "يا ترى هل كازانوفا غاضب مني بعدما حدث؟ هل أتحدث معه أم لا أبالي به؟! لا لن أفعل. ربما يكون الآن غاضبًا مني بسبب ما قلته، لا أعلم هل سيتفهمني أم لا! لا يهم سأرسل له رسالة وليحدث ما يحدث!!"
سلام، أردت أن أعتذر إليك عن كل ما قلته بالأمس، سلام.
راحت تانيلا تقضم أظفارها مفكرة فيما ستكون عليه ردة فعله وقد تسمرت عيناها على غرفة الدردشة، وفجأة لمحت النقاط التي تشير إلى مجيئه، فازداد ارتباكها وذهب تركيزها حتى وصلتها رسالته:
وعليكم السلام، قبول اعتذارك لن يكون سهلًا ودون مقابل يا آنسة.
رفعت حاجبيها بعدما قرأت رسالته وأصدرت نفسا عميقًا، ثم طبعت قائلة: إذن كيف أستحق غفرانك أيها الغريب!
عبر إجابتك عن السؤال الآتي.
حكت رأسها محاولة التنبؤ بما سيكون عليه سؤاله المفاجئ لكن دون جدوى، وراحت ترقب بفضول ما يوشك على طباعته: ماذا يعني لك الشعور بالغضب؟

يتبع..


عائشة بوشارب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 07:46 PM   #13

عائشة بوشارب

? العضوٌ??? » 485881
?  التسِجيلٌ » Mar 2021
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » عائشة بوشارب is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثالث عشر


ضحكت باستهزاء من سؤاله وشعرت براحة كبيرة، فبعد أن ظننت أنه سيفجر سؤالًا واعِرًا، ها هو ذا يتفوه بالحماقات، اعتدلت في جلستها وراحت تكتب بابتسامة واثقة: الشعور بالغضب يعني..
تسمرت مكانها فجأة بعدما هربت الكلمات من عقلها، كانت الصدمة قوية حينما اكتشفت أنها لم تجد إجابة لسؤاله، وبعد دقائق صمت أرسل لها رسالة: هناك أشياء السؤال عنها يكون سهلًا وبسيطًا، لكن الإجابة عنها أصعب مما تتخيلين.
بقيت تانيلا مشدوهة من كلامه ودون أن تكتب حرفًا واحدًا ظلت صامتة تراقب رسائله بتأمل وكأنه يروي لها أحدوثة شيقة.
"الغضب مشاعر مكبوتة غير متحكم بها، تضخمت وكبرت جراء الهروب المتواصل من نقاط الضعف، وبقيت تتضخم حتى باتت هذه المشاعر تتغذى على أحاسيسنا".
إذن هل تقول إن شعوري بالغضب يتآمر ضدي؟ لكن ماذا يستفيد من فعلته؟
هدفه السيطرة على عقلك للتحكم بأفعالك، والتلذذ بالسيطرة عليك، ومع مرور الوقت يصبح التحكم بغضبك أمرًا صعب المنال.
لكن اختفاء الغضب أمر غريب للإنسان! سيكون البشر من دونه كالروبوت!
أصبت في كلامك، بالنسبة للإنسان الطبيعي أمر غريب، لكن الحياة في عصرنا كلها غريبة، على أي حال، هل تحبين أن تتحكمي في غضبك أم تحبين أن يتحكم غضبك بك!
أخذت تقرأ وتهز رأسها بالموافقة وكأنها كلما هزته فهمت أكثر، وقبل أن ترد على كلامه سألت نفسها معاتبة: لماذا لم تفكر في هذا الموضوع من قبل.
إذن، ماذا تقترح كحل نهائي لما يحدث يا سيد؟
التقبل، هو المفتاح لحل جميع المشكلات، تقبل اختلافنا، فليست جميع الأذواق متشابهة مواجهة مخاوفنا والتصالح مع أنفسنا.
أسندت ظهرها إلى الكرسي بأريحية بعدما قرأت إجابته وارتسمت ابتسامة دافئة على وجهها ثم كتبت قائلة: أعتذر إليك بصدق عما تفوهت به سابقًا لم أكن أعنيه، يبدو أنك أكثر شخص يعرف ماذا يمكن للغضب أن يفعل بالإنسان.
لا تهتمي فلستِ أول من يجرح قلبي بكلام قاسٍ، قلبي الحنون قرر مسامحتك.
أضحكتها رسالته واستفزتها في الوقت نفسه: حسنًا، لا تبالغ في ردة فعلك كالأطفال!
لم أكن أعتقد أن فتاة قوية مثلك تعتذر بهذه السهولة.
أولًا لم أقل لك كلمة "آسفة" لأني لن أقولها لأحد، وثانيًا يمكنك استغلال الفرصة في أخذ لقطة للشاشة كي تتركها كذكرى تحتفل بها من الحين للآخر، وثالثًا.... لا يوجد ثالثًا.
حسنًا آنسة سيكادا، لا داعي لانفعالك، أحس بأن مزاجك جيد اليوم.
تقصد ممتاز!
وااووووووووووو لهذه الدرجة! هيا أخبريني ما الذي غير مزاجك هكذا.
حسنًا سأقول لك؛ لقد استرجعت شيئًا مهما جدًا كان ضائعًا مني.
مدهش، أصلًا أنت ذكية، لو كنت مكانك لما انزعجت، فبذكائك يسهل عليك كل شيء.
احمرت وجنتاها خجلًا من مدحه وحاولت جاهدة محو ابتسامتها "الحمقاء" كما تصفها، ومع ذلك واصلت الحديث حتى إنها نسيت أن ذلك الموقع الافتراضي ليس موقع تواصل اجتماعي.
كازا.. يمكنني مناداتك بـ "كازا" صح؟
ممممممممممم اختيار جميل يا سندريلا، أجده يليق بوسيم مثلي.
احذر! فلست ممن يحبون المغرورين بأنفسهم.
لا أعتقد أن هناك من يحبهم، ولماذا أغتر بنفسي أصلًا! إن كان على وسامتي فجسدي ليس ملكا لي كل ما أمتلكه هو تفكيري، لذا فلتحكمي على فكري فقط.
على الرغم من ذكائها لم تعرف كيف تجيبه، فقد أثار إعجابها ووجدت شخصيته شبيهة بروحها.
حسنًا يا متفلسف، أخبرني قليلًا عن نفسك! مثلًا، هل لديك هدف، حلم ربما؟
سؤالك عميق نوعًا ما، ويصعب الإجابة عنه لكن سأحاول.
رفعت حاجبها الأيسر مستغربة وقاطعت إجابته قبل أن تبدأ: انتظر! هذا أسهل سؤال يمكنني طرحه عليك.
بالطبع، ففي بلد كهذا كل شيء سهل على الفتاة.
تراجع ظهرها وهي تتساءل إن كان يسخر أم يمزح مزحة لم تفهمها فكتبت: ماذا تقصد؟ وما علاقة البلاد بسؤالي؟
لا شيء أمزح فقط، والآن توقفي عن الثرثرة كي أتمكن من إجابتك!!
ضحكت ساخرة وأضافت: حسنًا، الساحة لك.
حلمي بسيط، أريد توفير الراحة للناس الذين أحبهم والأبرياء ورعايتهم قدر المستطاع.
جعلها كلامه تفكر في كيف أنهما متشابهان، فكل منهما يضحي بحياته من أجل من يحب.
رائع، لا يسعني القول أكثر من أنك غريب الأطوار، وحلمك أغرب منك!
لماذا؟ هل ظننتِ أن تجار المخدرات ليس لديهم قلب ولا مشاعر؟!
ضحكت تانيلا ضحكة مجلجلة من ضحكاتها النادرة بعدما قرأت رسالته ثم أجابته قائلة: لم أقصد هذا يا ذكي!
ماذا عنك، ما هو حلمك؟
شردت بذهنها بعدما قرأت رسالته وهي تفكر في أبيها رحمه الله ثم كتبت: لم أحلم سابقًا لأن الأحلام تبدو كشيء خيالي يستحيل تحقيقه، لذا تعودت على التخطيط والتنفيذ، هذا كل ما يسعني قوله.
كم يعجبني غموضك يا سندريلا، أخبريني قليلًا عن نفسك، أو صفي لي شكلك على الأقل!
مهلًا، هل أنت ممن يهتمون كثيرًا بالمظهر الخارجي؟ ألا تؤمن بمقولة "الجمال جمال الروح"؟.
لأكون صريحًا لا هذا ولا ذاك، جمال الروح دافئ أما جمال المظهر فمبهم.
ها هي ثانية لا تعرف بماذا تجيب سوى أنها تطبع الأحرف فتهرب منها الكلمات وتضطر لمحو ما طبعته، فقررت أخيرًا أن تخرج نفسها من الموقف الغريب الذي باتت فيه.
"بشرتي بيضاء اللون، وعيناي عسليتان كالقهوة عندما تمتزج بالحليب، أما شعري فطويل وأنفي مستدير، ولطالما أخبرتني أمي رحمها الله أنها تحب رموشي الكثيفة".
يؤسفني معرفة ذلك، رحم الله والدتك وجميع من هم تحت التراب.
آمين.
تبدين جذابة من وصفك لنفسك لكن..
لكن، ماذا؟
قلتِ إن أنفك مستدير الشكل.
هذا صحيح، كحبة الزيتون تمامًا!
إذن لابد من أنك بشعة "قليلا".
استفزها كلامه فقررت كبح غضبها كي لا تتفوه بأشياء لا تعنيها قد تندم عليها لاحقًا.
صدق أو لا تصدق لا يهمني الجمال، لست سطحية مثلك، كما أن الأخلاق هي من تستحق أن تقام لها المسابقات لا ملكات الجمال.
أجابها مازحا: انظروا من الذي يتحدث عن الأخلاق، مجرمة تخترق خصوصيات الناس!
عذرًا مستر كازا، لم أكن أدري أنك إمام مسجد! وصراحة لا أعلم ما الذي اقترفته في حياتي كي ألاقي شخصًا مملًا مثلك!
هل تعتقدين أنني ممل؟ على العكس تمامًا، شخصيتي مرحة، حتى أن رفاقي يدعونني للسهر كي أرفه عنهم ولطالما أخبروني أني أجعلهم يضحكون بشدة.
احم صدقتك يا "حوحو" صحيح ما نوع عملك؟
مرت دقيقة كاملة دون أن تتلقى إجابة منه، بعدما كانت إجاباته السابقة أسرع من طيران الذبابة:
هل نسيت؟ لقد قلنا ممنوع البوح بخصوصياتنا.
ارتسمت تعابير التشاؤم على وجهها تلقائيًا ثم كتبت له بغيظ:
أوه، اعتقدت أننا أصبحنا صديقين.
هل هذا هو مفهومك عن الصداقة؟ من الواضح أنك لا تملكين الكثير من الأصدقاء أليس كذلك!
تجمد عقلها وشردت بخيالها كأنها تسترجع ذكرى بعيدة، ثم رمشت عيناها ليعود رشدها إليها: حتى أكون صريحة.. لا أعرف معنى الصداقة، لأني لم أحظ بأصدقاء منذ أن كنت صغيرة.
حقًا؟؟ أم أن هذه مزحة تمارسينها علي!!
ليست مزحة، ولا أحب الغرباء، ولأكون أكثر وضوحًا أشمئز من الاقتراب منهم.
وتقولين عني غريب الأطوار!
شعرت بدفء يغمرها، إحساس جديد يدخل قلبها، لم تستطع معرفة ماهيته إن كان الأمان أم الراحة! لكنه أدخل السعادة لقلبها وجعلها تشعر بالحياة من جديد.
إذن ما الذي تجيدينه غير الاختراق وسرقة أموال الناس! هل أنت طباخة ماهرة مثلًا؟
بل أمهر من ماهرة، لماذا تسأل؟ هل تبحث عن عروس جيدة في الطبخ؟
أضحكت كلماتها كازانوفا ليرد عليها بمزاحه الذي اعتبرَته "ثقيل الدم" قائلًا: هذا صحيح، أريد من زوجتي أن تكون قرصانة كي نقوم بالسطو على بنوك العالم ونعيش في السجن ويحكم علينا بال...
لمعت عيناها فجأة كأنها تذكرت أمرًا خطيرا للتو، فقاطعت حديثه قائلة: الطبخ! ذكرتني بالشعرية سريعة التحضير!! لحظة لأطفئ النار وأعود، قبل أن يطفئها رجال الإطفاء بدلًا مني.
غرق كازانوفا بالضحك حتى نزلت دموعه ثم قال لها ساخرًا منها: آه! بطني تؤلمني من شدة الضحك، وتقولين إنكِ جيدة في الطبخ!! هذا دليل قطعي على أنك طباخة ماهرة بالفعل، على فكرة، لقد غيرت رأيي لن أتزوجك.
*****

يتبع..


عائشة بوشارب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 07:47 PM   #14

عائشة بوشارب

? العضوٌ??? » 485881
?  التسِجيلٌ » Mar 2021
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » عائشة بوشارب is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الرابع عشر

وصلت تانيلا متأخرة إلى العمل بسبب سهرها ليلة البارحة، ولحسن حظها لم ينتبه إليها مدير المطعم، قررت الاستمرار بالعمل داخل الشركة كي تكمل خطتها التي فشلت بها المرة السابقة، وقررت أن تعيد الكرة مرة أخرى ففي الإعادة دائمًا إفادة، وهذا المرة كانت مصرة على ألا تدع مجالا للفشل هذه المرة.
شردت بخيالها داخل متاهة لامتناهية من المشاعر التي اجتاحتها بعدما تذكرت حديث "كازانوفا"، فارتسمت على وجنتيها ابتسامة ظريفة، وازداد عرض ابتسامتها عندما تذكرت قوله "طبختِ الشعرية فأوشكت على حرق المنزل، لو قمت بطبخ الحساء لفرقعت الكرة الأرضية بأكملها"، ثم تمتمت سرًا قائلة: "كيف ستكون ردة فعلك لو علمت أني أعمل في مطعم! الشكر لله أنني مجرد نادلة وإلا سُجنت بتهمة تسميم الزبائن بسبب طبخي".
في تلك اللحظة أحست بشيء بارد يلامس مؤخرتها، فلما استفاقت من شرودها اكتشفت أنها يد مدير المطعم الذي تعمل به، وكانت المفاجأة أنه وبكامل وقاحته كان على وشك أن يضع يده الأخرى، وبحركة لا إرادية دفعته بكامل قوتها ويبدو أن الغضب الكامن في جسدها الصغير مكنها من دفعه إلى الدرجة التي وقع فيها أرضًا، ومع وقوعه أحست بأنها على وشك الاستفراغ فركضت إلى المرحاض وبالكاد تمكنت من إفراغ كل ما في بطنها ومشهد ابتسامته الشهوانية لا يكاد يفارق مخيلتها!
في الطريق إلى الانتقام، تتعثرين بالكثير من الحشرات التي تحتاج إلى دوس تحت حذائك، لكن الانتقام يجبرك على الصبر، الصبر اللذيذ.
*****
جمعتُ شتات نفسي والأفكار التي انتابتني لحظتها، فلو لم يكن لدي عقل لقتلته على الفور وخسرت فرصتي بالانتقام، خرجت من الحمام فرآني رئيس الطهاة وأمرني حينها برمي كيس القمامة كي لا تفوح رائحته بداخل المطبخ، فحملته مستغربة من عدم تقززي من رائحتها، كيف يعقل أن تكون أخلاق الإنسان أقذر من رائحة القمامة؟!
رميت كيس القمامة في سلة المهملات، استدرت متوجهة لإتمام عملي فأثار انتباهي مشهد مقرف، فتمتمت بيني وبين نفسي متسائلة: "هل هذا هو اليوم العالمي للقرف؟" كان صاحب متجر الملابس المجاور للمطعم يخرج برفقة عاهرة من الباب الخلفي للمحل وهي ترتدي فستانًا شفافًا يظهر جسدها أكثر مما يغطيه، أعطته قبلة تبعتها ضحكات بينت مدى احترافها في مجالها، رفعت قدمي لأخطو داخل المطعم غير مكترثة بما رأته عيناي، لكن منعني من ذلك مشهد آخر لامرأة نحيلة الجسد مرهقة العينين والروح، تمسك بين ذراعيها طفلًا صغيرًا بالكاد يُرى من اللمحة الأولى، فقد كان مغطى بالشال الذي ترتديه كأنها بذلك تحميه داخل محيطها الآمن، أدركت حينها أن المسكينة زوجته، وقفت بكل ثقتها أمام ذاك الرجل وراحت تعاتبه قائلة: ما الذي كنت تفعله معها! ابنك مريض وهو بحاجة إليك يا حمزة، نحن بحاجة إليك وأنت هنا تزني مع العاهرات كعادتك!
فاجأني بروده لدرجة أنني لم أنتبه إلى تنصتي لخصوصيات الغير:
لم تكد تكمل كلامها حتى قام بالإشارة للحارس وأمره بطردها من الشركة، وكانت عينيّ الحارس تأسفان على حال المسكينة وطفلها.
*****
أكملت تانيلا عملها، وقبل مغادرتها المنزل غيرت ملابسها لزي عاملة النظافة من ثم توجهت إلى الصراف الآلي مباشرة وهي تدعي تنظيف محيطه، استخرجت القرص وأدخلته، ابتعدت بضع خطوات وراحت تمسح الأرضية بكل هدوء منتظرة إياها أن تحمل المعلومات التي فشلت في تحميلها سابقًا، دون توتر ولا خوف، بعد دقيقتين سمعت صوت النجاح الذي يشير إلى اكتمال عملية التحميل فأخذت القرص الخاص بها بكل رشاقة، ثم أسرعت لتغيير ملابسها ثانية وتخرج مسرعة إلى منزلها بكل سعادة وحماس.
دخلت المنزل وتوجهت مباشرة إلى غرفتها، أغلقت الباب خلفها وجلست على المقعد بالقرب من حاسوبها، أخرجت القرص من حقيبتها وراحت تحاول توصيله بالجهاز الخاص بها، بعد مرور ثوان اكتمل الاتصال وباتت جميع المعلومات بحوزتها، ارتسمت الفرحة على وجهها، وهي ترى جميع المعلومات الحساسة والخاصة كالحسابات الإلكترونية، وكلمات المرور، والحسابات البنكية للموظفين والزبائن، بإمكانها الآن السيطرة عليها والتلاعب بها كيفما تشاء دون أن يكتشف أحد بذلك، إلا أن الملف الأكثر أهمية من بين جميع تلك المعلومات لا يفتح!! "لماذا! ما الذي يعطلني عن الدخول إليه" الملف الخاص ب"جميل" وممتلكاته لا يفتح.
انشغل بالها بالتفكير في حل تلجأ إليه عله يخرجها من هذه الحفرة التي وقعت فيها للتو، تنهدت ثم طردت جميع الأفكار التي خطرت ببالها، فبدلًا من أن يساعدها عقلها زادها تشويشًا، مدت يدها نحو لوحة المفاتيح وراحت تبحث بين المعلومات التي بيدها علها تجد حلًا يساعدها، مرت ساعة، ساعتان وهي على حالها دون جديد، وفي اللحظة التي أوشكت فيها على الاستسلام وجدت شيئًا مهمًا جدًا
"لقد أمسكت بكما!!".
*****
أوضحت مذكرة موجه إلى مستخدمي شركة جميل الجزائري للأزياء مقرونة بالوثائق والأدلة، أنه جرى ضبط عملاء في الشركة يسرقون تصاميم الأزياء ويعيدون نسجها وبيعها مرة أخرى باسم الشركة، وأشارت إلى أنه بعد بحث وتحر جرى الكشف أن المتهم "حمزة سليماني" كان متورطًا في هذه القضية، وأنه قد قام بأعمال مشبوهة كبيع المخدرات لبعض العملاء داخل الشركة، منهم مديرون مطاعم، وتجار كبار.
والغريب في الأمر أن من سرب تلك المعلومات إلى وسائل الإعلام لم تعرف هويته.
صرح "جميل الجزائري" في وقت لاحق بأن "المتورطين في القضية لم يفقدوا وظائفهم فحسب، بل قد يواجهون صعوبة بالغة في الخروج من السجن والحصول على عمل في مكان آخر بعد أن شوهوا سمعة الشركة".

يتبع..


عائشة بوشارب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 07:48 PM   #15

عائشة بوشارب

? العضوٌ??? » 485881
?  التسِجيلٌ » Mar 2021
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » عائشة بوشارب is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الخامس عشر

هناك من يستغل اختلافه وهناك من يستغله اختلافه، تمامًا كالذين يُخلقون في هذا العالم بأشياء يعتبرونها "ناقصة" إلا أنهم لا يعلمون أنها تسمى "اختلافًا" وبهذا الاختلاف تتبدل أقدارهم وهم المسؤولون عنها، فبقراراتهم وتفكيرهم وحبهم لنفسهم أو كرههم لها يخلقون مصيرهم.
بات الوضع نظيفًا داخل الشركة بعد أن قامت تانيلا بتنظيفها من أوساخ الأوغاد والحثالة، بذبذبات عقلها الذكية تمكنت من ضرب عصفورين بحجر واحد إلا أنها لم تصب البومة الكبيرة!
لم تحرز تقدمًا كبيرًا إلا أنها سعدت كثيرًا بفعلتها فقد تمكنت من إفساد إجازة جميل، وجعلته يعود إلى الشركة غصبًا عنه بعد أن كشفت عن المعلومات وبدأ معظم شركائه ينسحبون من الشركة، حتى لم يبق فيها سوى أمثاله!
*****
وشوشات وهمسات تدور بين الموظفين، نظرات الشك والريبة تدور بين الزبائن الذين يمكن عدهم على الأصابع على غير العادة، قيل إن القطيع يحتاج من يرعاه ويقوده، ولم أفهم إلى حد الآن لماذا يعد البشر أنفسهم قطعانًا ودومًا ما يبحثون عمن يقودهم، أيعقل أن يشبه أحدهم نفسه بالقطيع؟ صدقًا لم أرَ في حياتي كلها محبًا للعبودية كالإنسان.
جاء المدير الجديد الذي لم يبدُ مختلفًا عمن كان قبله وجاء معه نفاق العالم وسمومه، دخل مطبخ المطعم مناديًا علينا بفرقعة من إصبعيه فأخذ الموظفون يتوافدون وتبعتهم بعدما نفذت طلبات الزبائن، اصطففنا أمامه وراح يحادثنا دون أن تختلج عضلة في وجهه: بما أنني جديد عليكم لن ألومكم عن الفوضى التي أراها تعم المكان.
وأشار بيده نحو الصحون المتسخة التي عادة ما يجمعها العامل كي ينظفها جميعها دفعة واحدة، ثم تنحنح وأكمل قائلًا: كي أكون واضحًا معكم، لن تكون هناك تحذيرات بعد اليوم. خطأ واحد فقط وتجدون أنفسكم خارج الشركة، لا أريد أحاديث جانبية أو تباطؤًا لا أريد شيئًا غير العمل، مفهوم!!
تنازلت الرؤوس نحو الأرض وتحول الهدوء إلى توتر منتشر، إلا أن تانيلا لم تعبأ بكلامه الذي بدا لها تافهًا من حشرة جديدة ليس الوقت مناسبًا لدوسها.
قبل أن تنصرفوا إلى العمل أريد من الجميع أن يركز على وظيفته، فالسيد "جميل" سيزورنا اليوم بعد عودته من السفر، لم يرهق نفسه في تقديم وشرح من يكون هذا السيد، فقد كان الجميع يعرفه. ثم أضاف بعدما وجه إصبعه مشيرًا نحونا على شكل مسدس "تذكروا جيدًا، لا أريد أي أخطاء."
تنبهت تانيلا إلى كلماته فرفعت رأسها لتخرج عقلها من زحمة الأفكار التي طغت عليها خيالاتها وتصوراتها "أيعقل أن ما سمعته صحيح؟! هل حقًا ذلك الذي لا يسمى قادم إلى هنا! وماذا إن رآني؟ هل يجب أن اختبئ؟ ولمَ أختبئ فهو حتى لا يعرف أنني على قيد الحياة!".
مرت ربع ساعة من الهدوء والشرود ليأتي بعدها جميل ويجلب معه الضوضاء التي سيطرت على الشركة بأكملها، اصطف الموظفون واحدًا أمام الآخر مترقبين دخوله بكل ارتباك، خطى خطواته الواثقة داخل المطعم وراح يتفحصه بعينيه والغرور يرافقه، توجه المدير إليه مرحبًا كما يرحب الكلب المطيع بصاحبه، تقدم نحونا دون أن يرهق نفسه بالنظر إلينا فقد بدونا له كالعبيد.
عندما أتذكر أنه أبي البيولوجي أرغب بتصفية دمي من دمه القذر. توقف برهة وراح يمرر نظره في زوايا المطعم كلما دارت عيناه تذكرت كاميرات المراقبة التي كنت أهرب منها حينما أنجزت تلك المهمة الصعبة، تفحص المكان بدقة عالية وأطلقت شفتاه نصف ابتسامة تشير إلى الرضا، ثم استدار متجهًا للخارج وفجأة توقف لأنه رأى شيئًا أثار انتباهه، لقد كانت "سمية" عاملة النظافة التي تراوح عمرها بين الخمسينات والستينات، تفحصها من رأسها حتى أسفل قدميها مخذولًا ثم أشار بإصبعه نحوها وكأنه يتهمها بإبهامه على جريمة ما، ثم نظر إلى المدير وقال بنبرة جدية: ما هذا؟!
احتار المدير ولم يعرف ما الذي يتوجب عليه فعله! يضحك، أم يبكي، أم يكون جديًا؟ لكن دون جدوى فقد خان عرقه توتره وفضحه، وراح يفرك يدًا بيد وكأن فركهما يزيد فرصته في النجاة من هذا الموقف، فرد متنحنحًا: ما.. ماذا تقصد؟
ضحك جميل ببرود قاتل، وراح يمرر لسانه داخل فمه، وأخذا خديه ينتفخان وكأنهما سينفجران:
هل هذا مطعم أم دار عجزة؟!
ازدادت نبرته جدية وأضاف:
أريد منك أن تصرفها اليوم، بل الآن وحالًا!! أعطها مرتب الشهر الذي عملته أو ضعفه لا يهمني.
لم يكمل كلامه حتى باتت تبكي وترجوه ألا يطردها، فأمسكت يده وراحت تتوسل إليه أن يعطيها فرصة لتثبت أنها على قدر المسؤولية، أو عله يعطيها عملًا في مكان آخر يليق بعمرها، فكانت ردة فعله أن دفعها دون أدنى تغيير في تعابير وجهه القاسية، فواصل كلامه قائلًا:
أريد منك أن توظف مكانها شخصًا أكثر شبابًا فلا مكان للعجزة هنا!
ازددت كرهًا وحقدًا عليه، أما قلبي فقد انفطر على تلك المسكينة التي زاد من شفقتي عليها أنها مخلصة في عملها إلى أبعد حد، توجهت إليها، فلم تكن شفقتي قادرة على التغلب على حقدي، أمسكت بيدها وهدأت من روعها ووعدتها أن أبذل كل جهدي في البحث لها عن عمل بعد أن أخذت عنوان مسكنها، وأنا أسر في نفسي أن أرسل لها جزءا من راتبي إلى أن أجد حلًا.
إحساسها بصدق مشاعري نحوها دفعها إلى أن تحضنني، ويا له من دفء فقدته منذ زمن.
اختبأت الشمس خلف الجبال وحل المساء وهدأ المكان من ضجيج الزبائن وطلباتهم اللا متناهية، تألم جسدي طالبًا الراحة، فجلست مستريحة فوق الكرسي، لم أكد أتنهد حتى جاء المدير موبخًا بنبرته المخيفة: هل تظنين نفسك في عطلة؟!
عدلت جلستي وفور أن فتحت فمي لأدافع عن نفسي ازدادت نبرته حدة وأضاف قائلًا: لا أعرف من تظنين نفسك! لكن إن أردت الاستمرار بالعمل هنا قومي فورًا وأكملي عملك!!
فجأة أصابتني إهانته بنوبة ضحك داخلية، قمت من فوري بعدما تنهدت، وقلت له: إنه لا يوجد زبائن بالمطعم لأننا في فترة الظهيرة، لكنه تركني أتحدث إلى الهواء وجلب إسفنجة مبللة ثم أمرني بمسح زجاج أبواب المطعم بإهانة أكثر، لأن التنظيف لم يعد ضمن عملي، ولو لم يغادر لضربته بالكرسي وطردت!
أدخلت سماعات الأذن ورحت أستمع إلى الأغاني التي أخذت تتكرر وتصبح مملة، وعلى الرغم من ذلك فقد ساعدتني على التنظيف دون إحساس بالتعب، لست مولعة بالأغاني غير تلك التي أتمكن من الشعور فيها بإحساس حقيقي، وبما أن ذوقي صعبًا، فلا أمتلك الكثير منها على قائمة التشغيل كما أنني أؤمن بأن كلمات الأغنية التي تتردد في ذهن كل شخص تصف الأشياء التي عاشها المستمع، ما الذي يمكن أن يكون أسوأ من التنظيف سوى أن تقع المنشفة على الأرض وتتسخ وكأن هذا ما كان ينقصني! ملت نحو الأمام لالتقاطها فإذ بشاب يلتقطها. تنهدت وعلت وجهي ابتسامة شكر، وما إن هممت بشكره حتى كانت الصدمة أقوى من جميع الصدمات التي تلقيتها في حياتي!
نطق بابتسامة باردة قائلًا:
ها قد التقينا ثانية، مرت السنوات سريعًا!

يتبع..


عائشة بوشارب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 07:49 PM   #16

عائشة بوشارب

? العضوٌ??? » 485881
?  التسِجيلٌ » Mar 2021
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » عائشة بوشارب is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السادس عشر

"يمر الحزن على الجميع والقوي هو من ينقذ نفسه من براثنه، لكن الصدمات تترك في أرواحنا جروحًا عميقة تكبر وتكبر، بدلًا من أن تلتئم كما تلتئم جروح الجسد".
شهقت وكدت أفقد وعيي، بعد أن تملكتني نوبة خوف عنيفة!
لماذا كل هذا الشرود أنا لست شبحًا! تنحنح قائلًا.
أخجلني حديثه وجعل لساني ينعقد، فهربت الكلمات مني عندئذ أدركت أنى أصبحت في وضع خطير: لا، حاشا، لم أقل إنك شبح.
ولم تقولي شيئًا أيضًا!
قلت مدافعة عن نفسي: صحيح، لأني لم أكن أتوقع رؤيتك هنا!
خشيت أن تكون نبرتي المرتفعة قد فضحتني.
ولا أنا توقعت ذلك! لم نلتق مذ ساعدتني ذاك اليوم، كثيرًا ما بحثت عنك كي أشكرك.
تحرك جسدي بطريقة توحي بمقاطعته، لكنه قطع الطريق على مقاطعتي: لطالما قال جدي إن الشعور بالامتنان أقوى من الشعور بالحب، وظننت أنني كنت أفهم قصده، لكن بعدما تعرفت عليك فهمت معنى كلامه.
قلت لنفسي لطالما ظننت أن الدفء مصدره النار، وها أنا أدرك معنى دفء كلام المرء، تتنوع الكلمات وتتغير معانيها لكن أعمق الكلام هو ما يخاطب أحاسيسك حتى الأحاسيس التي نسيتها.
لم يكن هناك داع لشكري، فلم أفعل شيئًا يستحق الشكر، كل ما فعلته أنني دفعتك قليلًا نحو الأمام لأنك استحققت ذلك.
ابتسم بلطف قائلًا: سيكون من الغباء إن سألتك عن نتيجتك في البكالوريا لأني نجحت بمساعدتك طبعًا، صحيح هل تعملين هنا؟
ارتبكت من كلامه ورحت أضحك مخفية توتري ثم أجبته: هذا صحيح، لكن ليس منذ وقت طويل.
أضفت بسرعة مغيرة الموضوع:
أين تقيم؟ أفي هذه المنطقة؟
تنهد تنهيدة تائهة تشي بنجاحها في تغييرها الموضوع بسلام، وقال مبتسمًا: منزلي ليس ببعيد، جئت في زيارة للشركة بناء على طلب والدي.
رفعت تانيلا حاجبيها باستغراب، وقالت متسائلة:
عفوًا، لكن لم أفهم هل والدك يعمل هنا؟
هذا صحيح مع الأسف.
تمتمت تانيلا: المسكين..
ها؟
صراحة أشعر بالشفقة على معظم الموظفين هنا، فقد ابتلاهم الله بصاحب شركة حقير، أتمنى الخلاص لأبيك من هنا.
أطلق الشاب ضحكة تكاد تكون جنونية وراح يحاول جاهدًا كتم ضحكته ثم قال: لم أضحك هكذا منذ زمن.. أوه يا ربي؛
لماذا تضحك؟ هل قلت شيئًا مضحكًا؟
زفر زفرةً طويلةً ثم قال: لا، أبدًا أنت على صواب، ويؤسفني إعلامك أن ذلك "الحقير" هو أبي.
ارتبكت تانيلا ومالت إلى الخلف وفي نيتها الابتعاد إلا أن ساقيها خانتاها، لم تدر بما ترد أو ماذا تفعل! فاكتفت بالصمت، لم يستوعب عقلها الصدمة فلم يبق أمامها من خيار سوى أن تطأطئ رأسها لكنها لم تستطع، لأنه أمسكها من ذراعها ثم رفع حاجبه وسألها قائلًا: ما بك؟ هل أنت بخير؟
توقف عن الكلام ليرى تلك الدهشة قد ازدادت بعينيها، وهنا فقدت تانيلا وعيها.
*****
حملها بين ذراعيه بفزع وتوجه بها إلى أقرب أريكة برفق، وراح ينادي بأعلى صوته:
"فليأتني أحدكم بالماء بسرعة!!"
وما هي إلا لحظات حتى استردت وعيها، وعندما فتحت عينيها نظرت حولها فوجدت نفسها محاطة بوجوه وأصوات متداخلة، كان رأسها يؤلمها بشكل غير محتمل، فقالت بصوت ضعيف: ماذا حدث؟
قال الشاب والفرح يطغى عليه لأنها استرجعت وعيها:
لقد أغمي عليك فجأة، كيف تشعرين؟ هل أنت بخير؟
جلست تانيلا بصعوبة وراحت تطمئنه بابتسامة مصطنعة: أشعر بأني أفضل حالًا.
لا بد أنه أغمي عليك بسبب التعب.
أمسك يدها بكلتا يديه ثم سألها قائلًا:
أخبريني رجاء، هل عملت بجهد كبير؟؟
وفي هذه اللحظة تقدم المدير من بين الموظفين الذين كانوا مجتمعين حولهما وقال مبتسمًا: لا تقلق سيد "سامي"، الفتاة بخير، لكن النظرات الباردة التي رمقه بها أعادته إلى صمته.
تمتمت تانيلا: اسمك سامي إذًا.
نهض سامي وجر معه المدير إلى المطبخ حيث اختلى به:
صحيح أنني لا أعرفك جيدًا، إلا أنني أعرف أمثالك الذين يتطاولون على الموظفين ويعاملونهم كالعبيد.
صغرت عينا المدير ثم أصبحتا كبيرتين وقلقتين، ولم يعرف ماذا يفعل، أيرد أم يدفن نفسه تحت أرضية المطبخ!
أحذرك للمرة الأولى والأخيرة، إن رأيت حالة مشابهة للتي حدثت معها.
وأشار بيده نحو تانيلا ثم تابع: ستندم على الأيام التي درست فيها وتخرجت وفكرت بالعمل في هذه الشركة!
أنزل المدير رأسه كنعامة تغرس رأسها في الرمال، ثم أجاب بتلعثم واضح: أمرك، أمرك سيد سامي.
ربما صمت الموظفين من التمتمة، ولكن أعينهم بقيت طيلة الوقت مسمرة على تانيلا، بالخصوص عينا شيماء اللتان أوشكتا على الخروج من محجريهما.
شكرًا لك سيد سامي.
على ماذا؟ أتشكرينني لأني رششتك بالماء كي تستفيقي؟ أم تشركيني لأني صفعتك على خدك بقوة كبيرة استعدت وعيك بعدها؟
نظرت إليه بحيرة واستغراب ثم وضعت يدها على خدها، فانفجر ضاحكا بقوة.
أوووووووووووه يا بطني، لا أصدق أن الحيلة انطلت عليك.
تنهدت ثم عقدت ذراعيها بحزم تحت صدرها مراقبة بذهول حركاته الصبيانية فقال: لو ترين، لو ترين تعابير وجهك لضحكت أنت أيضًا.
لا إراديًا وجدت تانيلا نفسها تضحك كطفلة صغيرة.
صحيح لم تخبريني حتى الآن عن اسمك.
أنت محق، تريد معرفة اسمي بشدة؟
هز رأسه بالموافقة، والابتسامة لم تفارق وجهه.
حسنًا؛ كم تدفع؟
ألا تكفي الصفعة التي أعطيتك إياها هل تريدين واحدة إضافية؟
راحت تضحك على جوابه ثم ابتسمت بلطف وقالت:
تانيلا؛ اسمي تانيلا.

يتبع..


عائشة بوشارب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 07:49 PM   #17

عائشة بوشارب

? العضوٌ??? » 485881
?  التسِجيلٌ » Mar 2021
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » عائشة بوشارب is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السابع عشر

الألم يعلمنا الكلام حتى لو كانت أفواهنا مغلقة، لا أدري ما الذي اعتراني بعدما عاملني بكل لطف ورقة! للحظة من الزمن غصت في أعماق حلم لم أتجرأ على حلمه من قبل، أن تعطيني الحياة فجأة أخًا يحميني من شرورها بعدما سلبت مني كل ما ملكته، مضى وقت طويل على شعوري بالأمان بعدما فقدته! لا تعطني مبتغاي فمهما كان خيط الأمل رقيقًا سأتشبث به.
هل أنت كثيرة الشرود يا تانيلا؟
أفاقت من شرودها على صوت سامي: تانيلا اسم جميل، ما معناه؟ هل هو عربي الأصل؟
ابتسمت تانيلا بخبث ثم قالت له بسخرية: هذه المرة حقًا عليك أن تدفع وإلا لن أجيبك.
أنت مصرة إذًا!
نعم!
إذًا، سأدفع بطريقتي الخاصة.
تنهد بعد صمت لم يدم طويلا وبدون أي مقدمات قال: ما رأيك في ترقية؟
سمرت نظراتها نحوه الا انها لم تكن نظرات استغراب فقد كان متوقعًا منه التصرف بشهامة، بل كانت نظرات تدل على خوفها من انكشاف سرها الدفين.
هزت رأسها كمن يبدي إعجابه بتحفة فنية، وقالت بشيء من السخرية: لطالما آمنت أننا في تطور دائم، لكن أن تعرض الترقية على من يفقد وعيه بالعمل أوه هذا شيء يفوق التطور، أم أنه تباهٍ من ابن صاحب الشركة؟
لكنه لم ينطق بكلمة أو بالأحرى انقطع نفسه فلم يعرف بم يجيب أو كيف يتصرف، إلا أن تانيلا تنحنحت وقالت باستعداد كمن يلقي محاضرة مهمة على طلابه: كما ترى سيد سامي....
بدون ألقاب من فضلك.
قاطعها بكلماته، فنظرت إليه نظرة توبيخ فقد بدا كتلميذ جامح يقاطع كلام أستاذته وبرغم ذلك استمر قائلًا: فقط سامي.
أغمضت عينيها لترتب الكلمات التي اوشكت على نسيانها بفضل قلة صبره وفور ما جهزتها قالت:
ستكون هذه مرتك الأولى والأخيرة التي تعرض فيها علي شيء كهذا، ففي عالمي لا يوجد ما يسمى ب"الواسطة" فلا فرق بينها وبين الرشوة والربا وغيره، صحيح أن المسميات كثيرة إلا أن المعنى واحد لا يختلف، أشكر لطفك لكنه أوشك على جرح كبريائي، فقط لأنه منك لم اعتبره كإهانة وبدون الإطالة أرجو منك مرة ثانية ألا يتكرر هذا.
بعدما جفت شفتاه، واحمرت وجنتاه، بلع ريقه بصعوبة بالغة فقد أخذ توبيخا سيدوم أثره لفترة من الزمن.
حسنا، كان هذا ثقيلا بعض الشيء لكنه من حقك، هل يمكنني استبدال السؤال؟
هل انت دائما كثير الأسئلة؟
حسنًا سأغير السؤال، بل سأحوله لطلب.
هذا مثير للاهتمام سيد سامي، يا ترى ما هو طلبك المهم الذي استبدلت السؤال به؟
أريد رقم هاتفك للاطمئنان عليك لاحقًا، وأرجو ألا تسيئي فهمي.
وفي لحظة إنهائه كلماته انصرفت تانيلا من فورها وتركته واقفًا مع الإحباط الذي أشعلته فيه، فراح يلعن لسانه سرًا بسبب ما تفوه به، وفي رمشة عين عادت وفي يدها هاتفها المحمول، فانتبهت لدهشته وراحت تسأله عن سببها، فقال: إنه ظنها هربت منه بسبب طلبه فانفجرت ضاحكة بسخرية وغاص هو في خجله.
*****
يتبع..


عائشة بوشارب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 07:50 PM   #18

عائشة بوشارب

? العضوٌ??? » 485881
?  التسِجيلٌ » Mar 2021
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » عائشة بوشارب is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثامن عشر

في صباح اليوم التالي استيقظت تانيلا مبتهجة كما لم تكن من قبل، توجهت للعمل وراحت تعمل بكامل طاقتها المرحة، إلا أن فتات الخبز الذي كان عالقًا فوق طاولة الزبائن غيّر مزاجها قليلًا، لكنها لم تبال فقاومت تعب ذاك اليوم، وفي وقت آخر من ذاك اليوم دخلت فتاة سمراء قصيرة القامة في العشرينات من عمرها تغطي جسدها ثياب رثة، وملامح وجهها البريئة تعطي انطباعًا جيدًا لكل من يراها، التفت لتبتسم مع تانيلا بخجل باد على وجنتيها الحمراوين، فتقدمت نحو الأمام لتبادرها تانيلا بالسؤال كما تفعل مع باقي الزبائن:
أهلًا بك سيدتي، هل تريدين حجز موعد أم ترغبين بانتظار أحد ما؟
أجابتها بابتسامة وازدادت وجنتاها احمرارًا:
أهلا، لا داعي لذلك، شكرًا، لقد اتصلوا بي من هنا قائلين إنه قد تم قبول سيرتي الذاتية.
ثم صمتت قليلًا وأضافت: كي أقوم بالتنظيف.
تركتُ "قدس" الفتاة الجديدة مع تعليمات المدير الذي تغيرت معاملته مع الجميع خصوصًا معي، فقد بات مختلفًا تمام الاختلاف عما كان عليه قبل لقائي بسامي، حتى إن تصرفاته جعلت الجميع يحترمني، أو دعونا نقول إن الإشاعات التي أطلقتها شيماء بأنني على علاقة مع السيد "سامي" هي التي غيرت تصرفات الجميع نحوي.
مر اليوم كسائر الأيام وعدت للبيت بعدما أتممت عملي بجهد أقل، ولحسن الحظ أنني تذكرت ري الأزهار التي لطالما اعتنت بها أمي رحمها الله في حديقتنا الصغيرة التي تقبع خلف المنزل، ارتحت قليلًا وتململت على فراشي بشدة، فالتعود على العيش بشكل طبيعي بعد فقدانك أعز الناس عليك شيء صعب، رحت أتأمل غرفتي الصغيرة التي تذكرت الآن أني لم أحدثكم عنها بعد، لون جدارها بنفسجي غامق مائل للسواد، في الحقيقة كنت أنوي صبغها بالأسود كليًا لكن والدتي قالت إن هذا سيجلب لي الحظ السيئ، لكنني خالفتها الرأي فمن غير الممكن أن يكون الأسود نذير شؤم فهو كغيره من الألوان، لماذا لا يكون اللون الأصفر هو الذي يجذب الحظ السيئ مثلًا؟! لا يوجد بغرفتي تلفاز لأني أشاهد كل الأشياء على حاسوبي كما أنني قليلًا ما أشاهد أفلامًا أو مسلسلات، أمتلك طاولة خشبية صغيرة وفوقها الكثير من الكتب بعضها خيالية وبعضها روايات رعب لأني غير مهتمة بالقصص الرومانسية، ستجدون الأمر مضحكًا أو غريبًا لكني أجد أن الروايات الرومانسية "خيالية" والكتب الخيالية "ممكنة"، فلا يوجد في قاموسي شيء مستحيل سوى "الحب". إحساس غريب يجتاح قلبي لا أستطيع تفسيره وكأنه ينقصني جزء مني ولا يمكنني معرفة ماهيته، أشعر كمن فقدت ذاكرتها في منتصف بحثها عن أحد ما، وقد أكون ضائعة لمن يبحث عني!
ظلت تلك المسكينة تحدث نفسها وتقول لماذا يجب على الطيبين مثلي أن يعانوا بصمت؟ ألا يحق لهم الشكوى؟ هل هذه هي عدالة الحياة أن يحيا المجرم سعيدًا ويعيش في نعيم دائم، أما المظلوم المسكين فعليه أن يعاني ويعاني، ويعاني؟! صحيح أن الجميع لديهم أحزانهم ومشكلاتهم الخاصة لكن ما لا أعلمه هو هل جميع الناس متساوون في درجة الألم على الرغم من اختلاف الجراح؟
شردت بذهنها بعيدًا لترتسم على وجهها ابتسامة خفيفة، ثم قالت موبخة نفسها: هاه ما بك يا عقلي؟ ألم تجد شخصًا غيره لتفكر به؟ من بين جميع الذكريات التي تخزنها فكرت بكازانوفا الآن؟ استوت جالسة بعدما دهمتها الأفكار التي لم تستطع طردها من عقلها ثم راحت تقول: "حسنا كما تريد سألقي نظرة خاطفة على حاسوبي لأرى إن كان ذاك الغبي موجودًا، ولعلمك لن أتحدث معه قبل أن يفعل ذلك".
انتقلت من سريرها لتجلس أمام حاسوبها وراحت تنتظر شاشة الترحيب ولكن سرعان ما ذهب حماسها سدى بعدما رأت أنه غير متصل "أبله! لست هنا بالطبع لابد أنك تتحدث مع الحسناوات". ضحكت بسخرية مضيفة "لابد أنه يقوم بوشم ميزان العدالة على كتفه". ثم تنهدت بذهول وأضافت بنبرة تعجب: "لا لا مستحيل! هل يعقل أن يكون متزوجًا!". أشاحت بعينيها وأخذت تضحك ثم قالت بسخرية "ومن المجنونة التي تقبل الزواج من أهبل مثله!".
استمرت تانيلا بالحديث مع نفسها حتى أشاحت بنظرها إلى طاولتها الصغيرة، كان فوقها مصباح صغير لونه بنفسجي وبه أربعة أدراج، اتجهت نحوها وأخذت كتابها المفضل وراحت تقرأه بكل حب وحرصت ألا تطفئ حاسوبها منتظرة مجيئه حتى مرت نصف ساعة كاملة، نهضت تتوضأ بعدما سمعت أذان العشاء وهي تشتكي من الآلام التي أصابت رقبتها جراء انحنائها المتواصل خلال القراءة.
"يا رب احمِ أخي وأحببه فيّ، أتمنى ألا يكرهني بعدما يكتشف أنني أخته، آمين."
رفعت الخمار من على وجهها بعدما أنهت صلاتها ثم نهضت مسرعة لترد على هاتفها الذي رن فجأة، وكان هو! كان رقمه غير مسجل على هاتفها وعندما بدأت المكالمة تعرفت على صوته على الفور.
مساء الخير.
مساء النور.
كيف حالك يا زهرة البنفسج؟
لله الحمد، ماذا عنك؟
أنا رائع ما دمت رائعة يا زهرة البنفسج!
ضحكت قائلة: ما حكاية زهرة البنفسج خاصتك؟
لن أخبرك إن لم تدفعي لي.
هكذا إذن؟
هذا صحيح يا آنسة لقد انقلب السحر على الساحر.
حسنًا لا يهم، فلست فضولية مثلك!
ما بها نبرة صوتك تغيرت؟ لا تعبسي سأخبرك.
قاطعته قائلة: انس الأمر لست مهتمة، بل أنا مسرورة باتصالك للاطمئنان علي.
ومن قال إنني اتصلت لأطمئن عليك؟ كنت أشعر بالملل، فقلت لماذا لا أجرب الرقم الذي أعطته لي تلك المجنونة؟ لعله يكون رقمًا خاطئًا!
الله يسامحك.
استمرا بالضحك والحديث قليلًا حتى استأذن بإقفال الخط.

يتبع..


عائشة بوشارب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 07:51 PM   #19

عائشة بوشارب

? العضوٌ??? » 485881
?  التسِجيلٌ » Mar 2021
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » عائشة بوشارب is on a distinguished road
افتراضي

الفصل التاسع عشر

غادر سامي مكتبه بعدما أنهى المكالمة وراح يتمشى بكامل أناقته وهو يضع يده في جيب بذلته الأنيقة ويحمل بيده الأخرى حقيبته السوداء، ظل يتمشى في رواق الشركة وهو يصفر، كانت المحال مغلقة في ذلك الوقت المتأخر من الليل فراح يتأمل الفساتين الجميلة، فساتين أقل ما يقال إنها ساحرة بقماشها الفاخر وتصاميمها اللافتة، فساتين تعب عليها الكثير من الخياطين والمصممين لتبدو كلوحة فنية، كان الضوء خافتًا، يبدو أنّ المكان يحتاج إلى بعض الشموع حتى يصبح رومانسيًا، غاص في شروده عميقًا باسترخاء خلق في ذاته شعورًا جميلا، وفي لحظة من الزمن أحس بالماء يداعب قدميه وكأن أحلامه سافرت به إلى شاطئ البحر، وفجأة استيقظ من شروده وأنزل رأسه ليجد أن قطرات الماء تلاحقه، فقفز قفزةً عالية كالقنغر مبتعدًا والدهشة تغمره، حتى سمع صوتًا يصرخ: ألا ترى أيها الأبله أنني أقوم بالتنظيف؟
رفعت الفتاة الجديدة يدها مشيرة إلى حيث يقف وأضافت: هل تعرف كم مرة نظفت تلك المنطقة؟ يا رباه ستتسخ الآن مجددًا بسبب حذائك!
تلاقت عيناه بعينيها الجميلتين، ظلت قدس تعاتبه وتصرخ لأنها لم تعرف من يكون وحتى لو عرفت أنه ابن رئيس الشركة فلن يهمها لأنها عنيدة خاصة عندما يجتاحها الغضب، أما سامي فقد سافر إلى عالم آخر وهو يغوص في ملامحها الجميلة، استولت عليه عيناها الجذابتان حتى أن صوتها قد تراءى له على شكل صدى ولم يركز في أي مما قالته! ارتسمت ابتسامة على وجهه زادته وسامة وتنهد تنهيدة هادئة، أما قدس فقد زاد صمته من غضبها:
يبدو أنك لا تفهم اللباقة، لذا في المرة القادمة، حاول أن تنظر إلى أين تقف وإلا لن تجدها ملتصقة بجسدك!
ثم ابتعدت ودخلت إلى المطعم لتكمل التنظيف، ظل سامي واقفًا يتأملها، كان يريد أن يتحدث معها أو على الأقل أن يوقفها لكنه فضل السكوت ليتأمل وجهها وهو يقول في نفسه: "هل هذا هو الحب من أول نظرة يا سامي؟ هل هذا هو السبب في شعوري الجميل هذا؟". ثم تذكر عندما أهانته وراح يضحك بينما يقول في نفسه: "لقد أصبحت أهان من الحسناوات أيضًا" قرر اللحاق بها داخل المطعم ليتحدث معها لكن صوت والده منعه.
"أراك لا تزال هنا يا سامي".
استدار ليرد عليه قائلًا: لا أعلم، ما رأيك؟
ضحك جميل مستهزئًا ثم قال:
أخبرني كيف كان يومك الأول بالشركة؟
رد سامي بتذمر:
أنت تعلم مسبقًا رأيي.
آه يا سامي، أعلم أنك خائف من تحمل مسؤولية الشركة يا بني، وتشعر بأنك لا تزال صغيرًا على ثقل كهذا، لكن ضع في رأسك أنني كنت مثلك قبل بدئي بالعمل وصدقني مع الوقت سوف تتأقلم و...
قاطعه سامي بنبرة حزينة وهو يخرج يده من جيبه بعصبية:
أبي!! أنت تعلم جيدًا أنني لا أحب العمل في مجال التصميم لأنني أملك أهدافي وأحلامي الخاصة، وأحبها على عكسك! أنت أحببت العمل هنا لأنه حلمك منذ الصغر لكن حلمي مختلف عنه.
قاطعه جميل قائلًا: سامي، إذا كنت تنوي أن تفتح معي موضوع الفن مرة أخرى فلا تتعب نفسك!! مكانك معي هنا في هذه الشركة اللعينة حتى يحين الوقت وتصبح رجل أعمال مشهور كوالدك تمامًا، فهمت!
تأفف سامي وهو يشيح بنظره إلى الباب الأمامي للشركة محاولًا الهروب من هنا بلا عودة ثم تنهد جميل، وابتسم وكأنه شخصًا مختلفًا عن الذي كان يصرخ غاضبًا: هيا يا بني لا تجعلني أغضب منك أكثر.
نظر إليه سامي وعيناه تعكسان علامات الحزن، ثم ابتسم ابتسامة مكسورة وغادرا الشركة.
*****
فجأة سمعت تانيلا صوت الدردشة فركضت إلى حاسوبها وهي تحمل في يدها رغيفًا محشوًا بالشاورما اشترته من مطعم مجاور، جلست أمام حاسوبها وراحت تلتهم الحروف بعينيها:
"احم، يا من لم تسألي عن حالي، هل أنت موجودة؟"
فرحت كثيرًا بعدما قرأت رسالته وهي تلتهم الطعام، فقد كان الجوع قد عزف سيمفونيته في معدتها الخاوية حتى كادت تسقط الصلصة على لوحة المفاتيح، مسحت يديها بورق جاف ثم كتبت: مرحبًا أيها المخترق.
أوه، انظروا من رد على رسالتي! كيف حالك؟ ألم تشتاقي لي؟
ضحكت تانيلا بخجل: ولماذا أشتاق إليك؟ كنت رائعة قبل رؤيتي رسالتك.
أرسلت الرسالة ثم راحت تفكر فيما إذا كان سيعتبر كلماتها جارحة أم سيفهمها كمزحة كما قصدتها فكان رده: هكذا إذن أيتها الحشرة، حسنًا سأغادر ولن أزعجك مرة ثانية!
انتظر رجاء.
ماذا تريدين؟
أنا لست حشرة!
آه، أعتذر لم أكن أدري أن السيكادا عصفور جميل.
ضحكت على تفاهته ثم كتبت:
"لست مضحكًا!"
لماذا ضحكت إذن؟
ذهلت من رده لثوان، شعرت بعدم الراحة فقد داخلها الشك في أن يكون قد اخترق جهازها، مع أنها تعلم أن هذا شيء يستحيل حدوثه! لكنها ارتاحت بعدما قرأت رسالته التالية.
هل أصبت في تخميني؟
أحمق، ماذا عنك؟
ماذا عني؟
هل اشتقت؟!
قليلًا، كيف كان يومك؟
كان أروع يوم مر عليّ منذ أشهر.
حقًا؟ ماذا حدث هل تمت خطبتك؟
ضحكت بسخرية: بل جمعتني الأقدار أخيرًا بشخص لطالما تمنيت أن يكون حقيقيًا.
من يكون هذا الشخص يا ترى؟ هل هو شخص أحبه قلبك مثلًا؟
لا ليس كذلك، يمكنك القول إنه سند لي.
هل هو جدك؟
كلا، بل شقيقي.
وسط كل تلك السعادة التي كانت تغمرها نسيت أن مشاركة المعلومات الشخصية أمرًا ممنوعًا، استمرا بالحديث وفي وقت لاحق قررا لعب لعبة مسلية للتعرف أكثر على بعضهما البعض.
ما رأيك أن نلعب لعبة سؤال مقابل سؤال شرط أن تكون الإجابات صادقة.
موافقة؟
كتبت تانيلا بحماس وكأنها استلمت جائزة: حسنًا، ابدأ أنت أولًا كي أفهم اللعبة أكثر.
أخبرتني من قبل أن والدتك متوفية، رحمها الله.
هذا صحيح.
كم كان عمرك عندما توفيت؟
ذكرها سؤاله بأمها، لكنها قاومت دموعها التي كادت تقفز من عينيها، وأخذت تحك رأسها مستنجدة بذكرياتها حتى تجيبه:
بصراحة لا أتذكر بالتحديد، ربما ثلاثة عشر سنة أو أقل من ذلك.
أعتذر إن كان سؤالي أزعجك، دورك.
فكرت لثوان في أي سؤال ستختاره وقررت طرح أبسطها: لماذا أصبحت مخترقًا؟
انظري سأصارحك بشيء! أنا أكره المخترقين وجميع من يعمل في هذا المجال.
استغربت تانيلا من إجابته كثيرًا ثم كتبت متسائلة: لماذا تكرههم وأنت واحد منهم؟ هل هذا يعني أنك تكره نفسك؟
المخترقون لا يمثلونني، كل شخص يمثل نفسه بأسلوبه وشخصيته، وأنا قمت بمصارحتك لا غير.
وجدت أن إجابته لم تمحو علامات الاستفهام التي أصابتها، فطبعت على اللوحة: حسنًا لكن لماذا قلت..
فقاطعها قائلًا: حان دوري يا سندريلا، أخبريني ما الذي فعلته بتلك الأداة؟!
ترددت تانيلا بالإجابة على سؤاله ثم قالت بإيجاز: استخرجت بها معلومات مهمة كنت بحاجة إليها.
لست أحمق! أعلم أنها أداة لاستخراج المعلومات المهمة؛ لكن من أين قمت باستخراجها؟
من المركز الذي أعمل فيه ولا تسألني أكثر! الآن دوري.
همم.. أنت واعرة! حسنًا.. تفضلي.
فكرت وفكرت ثم ترددت بطرح السؤال الذي خطر ببالها بسبب شعورها بالخجل الذي واتاها؛ ثم استجمعت جرأتها أخيرًا وأقنعت نفسها بأن غرض هذا السؤال معرفة المزيد عن هذا الشخص الغامض الذي تحادثه: هل أحببت من قبل؟

يتبع..


عائشة بوشارب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-22, 07:52 PM   #20

عائشة بوشارب

? العضوٌ??? » 485881
?  التسِجيلٌ » Mar 2021
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » عائشة بوشارب is on a distinguished road
افتراضي

الفصل العشرون

هل أحببت من قبل؟
أجل.
حقًا! هذا يعني أنك مرتبط؟!
أعتقد أن دوري قد حان، ما هو اليوم المثالي في نظرك؟
أطلقت تانيلا زفرة قوية معبرة عن غضبها من تجاهله لسؤالها، ثم حدثت نفسها قائلة "من أين يأتي بهذه الأسئلة الملبكة يا ترى"؟
فكرت قليلًا بالجواب ثم ردت:
عندما أجتمع مع أبي وأمي ثانية، وربما مع أخي، لكن للأسف هذا لن يحدث.
هل أفهم من كلامك أنك تعيشين بمفردك؟
حان دوري يا كازا الفضولي!
حسنًا إليك الخط يا سندريلا.
هل افترقتما؟
صمتت قليلًا ثم أضافت: أعني.. أنت وحبيبة القلب!
لا، لم نفترق بل فرقتنا الحياة.
كيف ذلك! ماذا تعني؟
هل تريدين سماع قصة حقيقية لم يسمع عنها الكثير؟ لكن أنبهك قد تكون أكثر إيلامًا مما يتحمله قلبك!
اقتربت تانيلا من الشاشة أكثر بعدما غمرها الفضول ثم ارتشفت رشفة ماء وراحت تقرأ رسالته:
"كان اسمها "زينة" ابنة خالتي، أحببتها وأحبتني وعشنا قصة حب جميلة.
صمت قليلا ثم أكمل:
استيقظت في يوم ظننته كسائر الأيام، لكنه كان يومًا من أحلك الأيام، لأجد صورها منتشرة أمام المنزل كصور دعائية، صور حبيبتي التي حفظت ملامحها أكثر من ملامح نفسي وهي عارية تمامًا كطفل رضيع وكأنها نجمة أفلام إباحية، غضبت وشتمت ولعنت نفسي والفاعل! علمت لاحقًا أنها تعرضت للاختراق وتم نشر صور وفيديوهات لها مخلة بالحياء على العديد من المواقع الإلكترونية، ورآها من يعرفها ومن يجهلها! لم أكن لأستطيع فعل شيء، شعرت بالضياع، اتصلت خالتي عليّ لأساعد ابنتها المسكينة التي كانت توشك على الانتحار وكانت متيقنة من أن لا أحد يمكنه تهدئة حالتها المزرية غيري.
ذهبت مهرولًا بالسيارة وقُدت بسرعة جعلت من بالطريق يظنني مجنونًا! فعلت كل ما بوسعي لألحق بها لكن..
أكمل رجاء، ماذا حدث؟
لكن كان الأوان قد فات يا سيكادا. هذا صحيح طفلتي الصغيرة كما اعتدت أن أناديها انتحرت، كانت الصدمة قوية عليها وشخصيتها كانت أضعف من أن تتحمل مثل هذه الصدمة.
صمتت الشاشة فترة لتعود النقاط الثلاث مجددًا:
أصبحت ذاكرتي ضعيفة بسبب الآلام التي عشتها في حياتي حيث إن نصف ذكرياتي انمحت أو اختفت، لا أدري! كل ما أتذكره جسدها الذي كان بلا روح.
لم تعرف كيف ترد أو ماذا تقول لتواسيه! يمر الحزن على الجميع، لكن الصدمات تترك في أرواحنا آثارًا أعمق من الجراج.
رحمها الله وصبر قلبك، أعتذر لأني فتحت جروحك وذكرتك بمصيبتك؛ حقا آسفة.
لا داعي للاعتذار فهذا ليس خطأك، لم يعد يؤلمني الأمر كالسابق فالزمن وقوة الوعي كفيلان بمداواة الجروح وجعلها مصدر قوة، بدلًا أن تكون مصدر ضعف.
سيفرجها الله، فقط قل يا رب.
إن شاء الله، ما زلت غير مصدق كيف أمكنها فعل هذا بي! كيف تمكنت من تركي بهذه بسهولة! على الرغم من مرور ثلاث سنوات على الحادثة! ولو مر الدهر كله سيبقى هذا السؤال يرافقني.
لطالما قالت أمي إن الميت يأخذ معه سره، ألم تحاول البحث عن الشخص الذي فعل هذا بها؟
بحثت جيدًا ولم أجد الكثير، فقط اسمه المستعار، ولم أتمكن من إيجاده إلى الآن.
*****
أزاحت الشمس بنورها الساطع غبار الكآبة فنهضت تانيلا من نومها العميق لتكتشف أنها نامت ساعات قليلة على الكرسي دون أن تشعر، وأصابها الارتباك عندما أدركت أنها تأخرت عن العمل فسارعت إلى ارتداء قميصها المبهدل، وحذاءها الذي لمعت شقوقه.
وصلت بعد نصف ساعة لتجد قدس تنظف مدخل المطعم، فراحت تسألها بصوت خافت مشيرة بيدها إلى الداخل: صباح الخير عزيزتي، هل المدير بالداخل؟
أجل، لكن احذري من نار غضبه كي لا تحرقك!
ضحكت تانيلا ثم قالت: سأخاطر وأدخل قبل أن يراني، وإن رآني لا تنسي وضع الورود فوق قبري.
تبادلتا الضحكات حتى مدت تانيلا يدها لتصافح قدس معرفة بنفسها قائلة: سررت بمعرفتك، اسمي تانيلا.
وأنا بالأكثر، اسمي قدس.

يتبع..


عائشة بوشارب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مكتملة, رواية, صمت سيكادا, كاملة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:45 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.