آخر 10 مشاركات
آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          شيوخ لا تعترف بالغزل -ج3 من سلسلة أسياد الغرام- لفاتنة الرومانسية: عبير قائد *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          إحساس جديد *متميزة و مكتملة* (الكاتـب : سحابه نقيه 1 - )           »          مشاعر على حد السيف (121) للكاتبة: Sara Craven *كاملة* (الكاتـب : salmanlina - )           »          أرملة أخيه-قلوب زائرة(ج1 سلسلة حكايات سريه) للكاتبة : عبير محمد قائد*كاملة&الروابط* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          خادمة القصر (الكاتـب : اسماعيل موسى - )           »          رغبات حائرة (168) للكاتبة Heidi Rice .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          هيا نجدد إيماننا 2024 (الكاتـب : رانو قنديل - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree31Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-05-22, 09:02 PM   #11

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد


الفصل السادس

"كانت السيدة سناء تجلس في حديقة المنزل تقرأ كتاباً ما عندما جاءت سالي إليها وجلست على الكرسي المجاور لها لتضع ساقاً فوق أخرى وهي تقول بابتسامة"
- صباح الخير يا طنط!

"مرت لحظات دون أن تعيرها السيدة سناء أي اهتمام لتشتعل سالي غيظاً قبل أن تقول محاولة الاحتفاظ بقناع توددها وهي تقدم لها هدية عبارة عن زجاجة عطر من ماركة شهيرة"
- أنا جبت لحضرتك الهدية دي، يعني عشان أرحب بحضرتك في بيتنا

"حانت من السيدة نظرة صامتة ناحيتها أشعرتها بالإهانة لتقول بنبرة منكسرة"
- ممكن أعرف حضرتك ليه مش متقبلاني؟ عشان يعني فرق السن اللي بيني وبين سليم؟ حضرتك متخيلة إني طمعانة فيه مثلاً؟ ده مش حقيقي، أنا...

"قاطعتها السيدة سناء قائلة بنبرة رصينة وقد عادت لتنظر في كتابها"
- وفري كلامك... مايهمنيش

"ردت سالي قائلة"
- يا طنط أنا...

"قاطعتها السيدة سناء قائلة بنبرة صارمة وقد التفتت ناحيتها ثانيةً"
- اسمي سناء هانم... ده أولاً

"صمتت سالي تماماً لتتبع السيدة سناء قائلة"
- ثانياً، أ ب احترام إنك ماتحطيش رجل على رجل أدام حد أكبر منك في السن... والمقام

"اتسعت عينا سالي بصدمة لتكمل السيدة سناء تقريعها قائلة"
- ثالثاً، ماسموش بيتنا، أنتِ هنا اللي ضيفة مش أنا

"ثم قامت من مكانها لتختم حديثها قبل أن ترحل"
- رابعاً بقى، نوع البرفيوم اللي جايباه ده مابحبوش... ماسخ.

"ثم تركتها متسعة العينين من هول ما سمعت من إهانات، هي التي ظنت أنها بهدية وابتسامة ستستطيع أن تكسبها ولو لجلسة وحديث عابر حتى يُسّر سليم منها لتفاجأ بما لاقت في النهاية. من يظنون أنفسهم في هذه العائلة؟"
- مش قلتلك يا عيني عالحلو لما تبهدله الأيام؟

"التفتت خلفها في دهشة لتجد رامز يطالعها بابتسامة ساخرة لتقول في ضيق"
- أنا ماغلطتش في حاجة، هي اللي أهانتني، لما يجي سليم هـ....

"قاطعها رامز قائلاً بابتسامته"
- هتقوليله؟ تقوليله إيه؟ أنتِ فاكرة نفسك متخانقة مع واحدة صحبتك؟ دي سناء الراوي.

"ثم اتبع"
- يستحسن تتجنبيها لو مش عايزة تسمعيلك كلمتين تانيين... عدي الأيام اللي باقيالك هنا على خير

"سألته في غيظ قائلة"
- أنت قصدك إيه؟

"ابتسم ابتسامة ذات مغزى ليقول"
- كلي عيش يا سالي! باي باي!

"ثم رحل هو الآخر تاركاً إياها مشتعلة بمزيج من الغضب والغيظ."

***

"مرت فترة كان الغضب فيها سيد الموقف داخل كل من رامـي وشمس حتى جاء يوم عيد ميلاد يارا واستعد الجميع للذهاب ومشاركة الصغيرة ذات السادسة عشر عاماً فرحتها.
كانت نهال قد جهزت حفلاً جميلاً كالعادة لأجل أختها الوحيدة وجهزت قالباً كبيراً من كيك الشوكولا المفضلة بالنسبة ليارا، وقامت بدعوة جميع أصدقائها وزملائها في العمل، والذين قبلوا الدعوة على الفور لما لدى نهال في قلوبهم من مكانة عزيزة.
وأثناء ما كانت نهال تقوم بالتأكد من أن كل شيء على ما يرام قبل وصول الجميع، أتتها يارا وأشارت متوترة"
- شكلي حلو يا نهال؟

"نظرت نهال لها وراحت تتأملها قليلاً... كانت ترتدي ثوباً زهرياً يلائم بشرتها البيضاء يصل إلى ركبتيها، وتركت شعرها الأسود المجعد مفروداً على ظهرها وزيَّنته بوردة صغيرة من الجانب.
ابتسمت نهال في سعادة أم ترى ابنتها وقد ازدهرت بعد طفولتها مشيرة"
- زي القمر يا حبيبتي!

"ثم اتبعت مزينة إشاراتها بغمزة"
- شكلنا هنطلع بعريس النهاردة عالحلاوة دي

"ثم أمسكت بقلم الحُمرة الزهري وأخذت تضع لها بعض اللمسات الخفيفة التي زادتها جمالاً وابتسمت مشيرة"
- كده أحلى

"ابتسمت يارا في سعادة، لطالما كانت تحرص نهال على ظهورها في أبهى صورة وتهتم بها إلى حد كبير إلى درجة أنها قررت الامتناع عن الزواج حتى لا تتوقف عن الاهتمام بها ولو بقدر بسيط.
لطالما عوضتها عن غياب والدتهما، ولطالما تمنَّت أن تستمع إلى صوت نهال التي أصبحت متأكدة من أنه حنوناً ودافئاً للغاية.
قطع صمتهما طرقات الباب الموسيقية التي تنم عن وصول شخص يحمل من ضجيج المرح ما يكفي ويزيد.
ضحكت نهال لسماعها الصوت وأشارت إلى يارا"
- اهو وصل! استعدي لسيل المعاكسات بقى

"ضحكت يارا ثم قامت مع نهال إلى حيث الباب، وعندما فتحته، كان رامز مستنداً إلى الحائط ممسكاً بهديته، ولكنه بمجرد أن رآهما بذلك الجمال أطلق صفيراً عالياً ثم قال بابتسامته العابثة"
- قمرين دول ولا عينين؟!

"ضحكت نهال قائلة"
- يا أهلاً وسهلاً! نورتوا

"دخل كل من رامـي ورامز الذي نظر إلى يارا وأشار بعد أن قبّل رأسها"
- كل سنة وأنتِ طيبة يا اوزعة أنتِ!

"قطبت يارا حاجبيها وأشارت في تذمر طفولي"
- أنا مش اوزعة

"ضحك ثم أشار بعبث"
- اوزعة ايه بقى! أنتِ بقيتي شبه إيفا جرين، احلويتي امتى كده؟

"ضحكت يارا في سعادة لكلماته. لا يوجد من يمطرها بمغازلاته مثل رامز، كان دوماً مثل أخ تحبه كثيراً وتحب محاولاته المستمرة في إكسابها الثقة بالنفس، قالت نهال ضاحكة"
- ماحدش بيعرف يضحكها قدك يا رامز

"قال رامز سريعاً"
- مين اللي يقدر ياخد مكاني عند يارا أساساً؟! ده أنا اقطعه

"كان رامـي يراقب الموقف ضاحكاً، ثم اقترب ناحية يارا وأشار بابتسامة"
- كل سنة وأنتِ طيبة يا يارا!

"ثم قدَّم لها هديتها وأشار"
- دي حاجة بسيطة كده عشان ماتبطليش تصوير أبداً

"أمسكت يارا بالهدية في سعادة كبيرة، فقد كان حلمها امتلاك كاميرا عالية الجودة لتقوم بتصوير كل شيء من حولها وتستطيع منافسة زملائها في تعلم فنيات التصوير، أشارت إلى رامـي في سعادة"
- شكراً يا رامـي! دي أحلى هدية جت في حياتي

"نظر رامز إلى نهال ثم قال في مرح"
- شوفي كنا لسة بنقول ايه، اهو جه اللي هيعلي عليا

"ضحكت نهال قائلة"
- تقدر تعترض؟

"قال ممازحاً إياها"
- أنا راجل باكل عيش يا هانم!

"مر بعض الوقت حتى وصل الجميع ومن بينهم ندى وشمس، اجتمعوا جميعاً حول قالب الشوكولا وقاموا بإطفاء الشموع ثم صفقوا جميعاً لأجل يارا وقاموا بتقديم الهدايا، وعندما جلسوا، توجه رامز ناحية ندى ثم قال بابتسامة"
- ازيك يا ندى؟

"ابتسمت ندى فرحاً لرؤيته ثم قالت"
- كويسة، وأنت؟

"اومأ قائلاً"
- تمام

"ثم نظر إليها ليرى ثوبها البنفسجي الداكن الرقيق ذو الحمالتين الرفيعتين ومن فوقه وشاح ناعم يغطي كتفيها، وشعرها البني منسدلاً على كتف تاركاً الآخر عارياً خاصة بعد انزلاق الوشاح.
قال وقد أمسك بطرف الوشاح وأعاده لمكانه فوق كتفها في هدوء"
- شكلك حلو النهاردة

"شعرت بخجل شديد عندما فعل ذلك خاصة عندما شعرت بأصابعه التي كانت على بعد شعرة منها، قالت محاولة الحديث بابتسامة"
- شكراً

"ابتسم للحظات ثم قال"
- تعالي معايا يا ندى!

"نظرت له دون فهم وقالت"
- فين؟

"عادت ابتسامته الشقية إليه مجدداً وقال بعد أن أمسك بيدها"
- من امتى بجاوبك عالأسئلة الغريبة دي؟

"أما شمس، فقد كانت تجلس وحيدة على إحدى الأرائك شاردة. لم تكن تريد أن تأتي حتى لا تراه ولكنها لم تشأ أن تُحزِن نهال ويارا.
عندما وجدته يضحك ويتحدث مع نهال ويارا، تذكرت تلك السهرة التي قضياها سوياً، كان يضحك بنفس الطريقة بل أشد، ظنت للحظة أنها قد وصلت، ولكنه ابتعد، ابتعد كثيراً لعشرات بل لمئات الخطوات.
انقطع شرودها عندما وجدته قد أتى وجلس على الأريكة المقابلة لها وهو يطالعها بنظرة غريبة لم تفهمها."
***
" بعد أن انتهى من حديثه مع نهال ومزاحه مع يارا، لمحها تجلس وحيدة منفردة بكأس العصير الذي سأم حركة إصبعها على حافته بدلاً من الشرب، وللحظة عندما سقطت عينيها على عينيه، أبعدتها سريعاً ثم عادت لتشرد في كأسها.
أخذ يتأملها للحظات... لقد كانت ترتدي ثوبا حريرياً باللون الأسود يصل إلى ما بعد ركبتيها بنسبة بسيطة، ذا أكمام طويلة فضفاضة وفتحة صدر واسعة نسبياً، وشعرها الأسود الطويل منسدل على غير العادة فأعطاها شكلاً ساحراً ثائراً خاصة مع الكحل الأسود الذي زينت به عينيها الواسعة فغدت رائعة، لماذا لا تأتي إلى الشركة بنفس هذا الشكل؟
وجد نفسه يقترب ناحية المكان الذي تجلس فيه وجلس على الأريكة المقابلة لها، وأخذ ينظر إلى عينيها التي كانت تنظر إليه هي الأخرى نظرة حاول قراءتها ففهم أنها غاضبة معاتبة لقسوته التي أرغمتها هي على الظهور.
بادلها نظراتها بأخرى معاتبة أيضاً وحيرى وكأنه يتساءل عن شيء ما هو نفسه لا يعرفه ليجد عينيها قد لمعت فجأة في غضب قبل أن تضع الكأس على الطاولة وتخرج إلى الحديقة الصغيرة للمنزل."

***

"خرجت في غضب من نظراته التي لم تفهمها خاصة عندما لمحت فيها العتاب، ليس من حقه أن يفعل، ليس من حقه أي شيء، هو فقط...
قطع ضجيج أفكارها توقُّفه إلى جوارها، تسمرت في مكانها ولم تستطع حتى الالتفات إليه، شعرت به ينظر إليها، كانت نظراته تخترقها وتشعلها من الداخل، ولكن أياً من ضجيجها لم يفسد صمتها.
شعرت به يكتب شيئاً على هاتفه ثم قدمّه لها فأخذته بتلقائية وقرأت كلماته البسيطة التي كانت كالشرارة التي أشعلت الحريق"
- مش شايفة إنها غريبة أنتِ اللي تبقي زعلانة بعد اللي حصل؟

"المتكبر... ألا يؤنبه ضميره ولو للحظة واحدة على ما فعل؟
نظرت إليه في غيظ حتى شعر أن عينيها السوداء اللامعة قد أطلقت شرارة نارية، وقالت في عصبية غير واعية لما تقول"
- وحضرتك مش شايف إنك غلطت؟

"نظر لها في اندهاش سرعان ما انقلب إلى قسوة لم تمنعها عن الاستكمال وقد قررت إفراغ كل ما بداخلها دفعة واحدة"
- ايوة اتأخرت وعارفة إني وعدتك إني اكون موجودة وإن كل حاجة هتبقى كويسة، وبما إني وعدتك يبقى أكيد السبب اللي يخليني ماوفيش بوعدي كبير... كبير اوي كمان... ماما كان بقالها اسبوع كامل في المستشفى تعبانة وماكانش ينفع اسيبها لحظة واحدة، ومع ذلك كنت بفكر في مشروعك وشغلك وأخدت الشغل معايا المستشفى عشان اقدر اخلصه، ولما رجعنا البيت كانت ليلة الاجتماع ده وفضلت سهرانة طول الليل بجهز كل حاجة وبشتغل زي الآلة عشان أكون جاهزة لغاية ما نمت في مكاني وماسمعتش حتى صوت المنبه من التعب، وعشان اوصل كنت هعمل اكتر من حادثة في الطريق، وبرضو ماكانش في بالي غير اجتماعك اللي وعدتك إنه هيبقى ناجح

"كان ينظر لها في صدمة من سيل الغضب الذي اندفع في وجهه مرة واحدة، اتبعت وقد ترقرقت عينيها بالدموع"
- لكن أنت ماهتميتش تعرف حاجة، ولا حتى فكرت في إيه اللي ممكن يكون منعني عن حاجة أنت قلت من أول يوم إني هكون قدها، طردتني بمنتهى التكبر وكأنك أول مرة تشوفني، مافكرتش في أي حاجة غير في شغلك ومشروعك وبس ومش مهم الآلات اللي شغالين عندك دول ظروفهم إيه

"كانت لا تزال علامات الصدمة مرسومة على وجهه، ومع نهاية حديثها كان الغضب قد تسلل إلى ملامحه.
لم يجرؤ أحد قط على الحديث معه بتلك الطريقة من قبل، ولكن قبل أن يقوم بالرد كانت قد ألقت جملتها الأخيرة قائلة"
- اعتبرني مستقيلة من الشركة يا باشمهندس! وإن شاء الله الآلات الجديدة تخلص كل حاجة في مواعيدها وماتتأخرش

"ثم رحلت سريعاً تاركة إياه في أوج غضبه الذي جعله يفكر في كسر مزهريات ذلك المنزل فوق رأسها، لم يكن ينقص حديثها سوى بعض الشتائم الملائمة لرقتها المفترسة تلك.
تباً... لقد صدمته كلماتها الصامتة إلى الحد الذي أفقده القدرة على إسكاتها أو حتى الذهاب خلفها، ولكن حتى ولو ذهب فما الذي سيقوله؟ لا شيء... لم يكن الأمر يحتمل الانتظار لكتابة على هاتف يستبدل به صوته الذي لو كان قادراً على إسعافه الآن لاستطاع إسكاتها كما ينبغي، ولكنه ظل أسيراً لذلك الصمت الإجباري الذي جعله مقيداً أمامها.
لا بأس... في النهاية لن تستطيع الاختفاء حتى ولو استقالت، الحمقاء... تظن أنها قد حسرته في الزاوية ولن يستطيع إرجاعها، تظن أن ما رأته آخر مرة هو كل شيء."

.....

"وبينما كانت تلك المشاجرة ذات الطرف الواحد مستمرة، كان رامز وندى على الجانب الآخر يجلسان إلى جوار بعضهما البعض.
كانت صامتة وخجلة من نظراته المعجبة بها للغاية، كانت سعيدة بذلك ولكن كان يوجد شيء ما بداخلها يخبرها أنها ليست الوحيدة التي نظر لها بتلك الطريقة، وأنه قد نالت الكثيرات نصيبهن من تلك النظرة الرائعة والمغازلات المستمرة.
شعرت بالحزن الذي سرعان ما انقطع عندما سمعت صوته يقول"
- ماتعاكستيش وأنتِ جاية يا ندى؟

"هزت رأسها في نفي فاتبع"
- ولا حد حاول يتحرش بيكي؟

"لم تشعر بنفسها إلا وهي تضحك بشدة، كيف يطلق كلماته هكذا بمنتهى البساطة وكأنه لم يقل أي شيء؟ نظرت إليه وقالت ضاحكة"
- أنت بتتكلم كده ازاي؟

"ابتسم لضحكتها قائلاً"
- قصدك إيه؟

"اتبعت بابتسامة فرحة"
- بحس إنك بتتكلم وخلاص، سايب ايدك يعني

"ضحك قائلاً"
- معاكي حق، بس المهم إنك بتضحكي

"ضحكت مرة أخرى قائلة"
- جداً يا رامز!

"ابتسم دون رد، إن هذه هي المرة الأولى التي تنطق فيها اسمه وبتلك التلقائية أيضاً، أربكتها ابتسامته كثيراً وانتبهت أيضاً لأنها قالت اسمه هكذا دون ألقاب، قالت مرتبكة"
- هو أنا أقدر اناديلك كده برة الشغل، صح؟

"أومأ برأسه وقال بابتسامة"
- تقدري

"ابتسمت وظلت ناظرة إليه حتى شردت فيه رغماً عنها إلى درجة أنها نسيت فمها مفتوحاً، تركها هكذا مستمتعاً للغاية بهذا التعبير الذي يصدر عن طفل يرى قطعة حلوى حتى قرر قطع شرودها قائلاً"
- عارفة يا ندى؟! أنتِ مش هتبطلي الحركة دي غير لما حشرة تدخل في بوقك

"أغلقت فمها سريعاً وانقلبت تعابير وجهها للاشمئزاز لمجرد تخيل الحشرة تدخل إلى فمها فضحك بشدة من شكلها، قالت هي"
- دايماً بتفصلني كده

"عاد ليضحك ثانيةً ثم قال"
- رومانسيين اوي البنات

"قالت متسائلة"
- الرجالة مش رومانسيين؟

"أومأ برأسه قائلاً"
- رومانسيين، احنا مش قنافد يعني، بس بنحب نقلب اللحظة الرومانسية لضحك، بتبقى أحلى من التسبيل اعتقد

"ضحكت ثانية فاتبع قائلاً وهو ينظر إلى شعرها الذي يتطاير في الهواء"
- شعرك حلو!

"ابتسمت في سعادة فاتبع قائلاً"
- كرياتين ده يا ندى؟

"قطبت حاجبيها كالأطفال وقالت محذرة"
- إلا شعري

"ابتسم دون رد ثم مد يده ناحية شعرها حتى لمسه في هدوء وراح يمشطه ببطء جعل الرعشة تدب في أوصالها.
عندما انتبه لذلك، أبعد يده في هدوء، نظر لها ليرى وجهها الذي أحمر بالكامل، قال دون أن يشعر"
- ندى! أنتِ...

"ثم صمت فجأة، شعر بالندم لذلك السؤال الذي كان على وشك أن يتفوه به، قالت"
- أنا ايه؟

"أسعفه قناعه الساخر الذي جعله يقول فجأة"
- في حشرة على وشك

"انتفضت من مكانها فالتصقت به دون قصد، وعندما انتبهت لذلك حاولت أن تبتعد ولكنها منعها عندما لف ذراعه حولها، نظرت له في صدمة ولم تدرِ ماذا تقول أو تفعل، قالت محاولة الحديث"
- رامز!...

"قاطعها عندما وضع إصبعه على شفتيه علامة على الصمت فصمتت فوراً، ظل ناظراً إلى عينيها حتى اقترب منها وقبّل وجنتها في هدوء، اتسعت عيناها في صدمة وشعرت بدوار وكأنها ستسقط وهي جالسة، شعرت وكأنه يحاول أن يخبرها شيئاً ما لم تفهمه أبداً بل لم تعد تفهم أي شيء في المطلق.
ابتعد عنها بقدر بسيط وتلاقت عيناهما... عيناها المصدومة وعيناه الهادئة والتي لمحت فيها شيئاً لم تفهمه، لا... من المستحيل أن يكون احتياجاً أو... حباً؟
لم يمهلها لكي تتأكد من أي شيء فوجد نفسه يقول"
- تصبحي على خير يا ندى!

"ثم قام من مكانه مبتعداً عنها حتى اختفى تماماً، وكأن شيئاً لم يكن."

.....

"ترك رامـي عيد الميلاد ثم توجه تلقائياً إلى عيادة نسمة، وعندما وصل هناك، وجدها وقد أنهت جلساتها وتستعد للذهاب، وعندما رأته ابتسمت في سعادة مشيرة"
- رامـي! العيادة نورت

"كانت ملامحه تنم عن غضب جم ولكنه ابتسم ابتسامة خفيفة ثم أشار"
- ازيك يا نسمة؟

"نظرت إليه في قلق وقد لاحظت الحالة التي هو عليها وأشارت"
- أنا كويسة، أنت اللي مش كويس

"صمت للحظات ثم أشار"
- خليني اعزمك على قهوة ونتكلم

"وعندما خرجا سوياً من العيادة، توجها إلى أحد المقاهي الهادئة وعندما جلسا وطلبا مشروبيهما، رحل النادل بينما ظل رامـي ساكناً ينقر بأصابعه على الطاولة في غضب وتوتر، أشارت نسمة"
- هو في ايه؟ هو مش النهاردة كان عيد ميلاد يارا؟

"أومأ برأسه فاتبعت"
- امال أنا ليه حاسة إنك جاي من خناقة؟

"أشار في غضب"
- عشان هي كانت خناقة فعلاً، واللي مضايقني إني ماقدرتش أرد

"أشارت محاولة تهدئته"
- واحدة واحدة كده وفهمني، خناقة ايه؟

"أخذ رامـي يروي لها كل ما حدث مع شمس، والتي أخذ يرص كلماتها أمام نسمة وقد حفظها عن ظهر قلب أو ربما هي التي أصابت هدفها جيداً فتركت علامتها، وملامحه تتبدل بين الغضب والغيظ بينما كانت نسمة تتابع إشاراته وما يرويه وكأنها تشاهد فيلماً ما، وعندما انتهى من حديثه أشارت"
- طب وأنت حسيت بإيه لما قالت كل ده؟

"أشار رامـي في غل"
- حسيت إني عايز اقتلها

"كانت على وشك أن تضحك، ولكنها تمالكت نفسها حتى لا يشتعل أكثر وأشارت"
- تقتلها مرة واحدة؟ هي عملت إيه يعني؟

"أشار في غضب"
- مافيش حد يقدر يكلمني بالطريقة دي، وخصوصاً لو غلطان يا نسمة، ولو كانت راجل أنا كنت قدرت أرد عليها من غير لا صوت ولا إشارة

"هزت رأسها في تسلية وأشارت"
- غريبة... مع إني مش شايفاها غلطانة خالص

"نظر لها في غضب فابتسمت في ثقة وأشارت"
- أنا آخر واحدة ممكن تخاف منك، فماتحاولش

"زفر في ضيق ثم أشار"
- نسمة! أنا على أخري ومش جايلك عشان تقوليلي كده

"ابتسمت مشيرة"
- وأنا مش شغلتي اقولك اللي أنت عايزه يا رامـي!

"نظر لها دون رد فاتبعت"
- هو أنت متأكد إن اللي أنت فيه ده عشان اللي هي قالته؟ ولا عشان قالتلك هتمشي؟

"أشار في ضيق"
- مش فاهم

"أشارت في ثقة"
- أنت خفت لما قالتلك إنها هتمشي

"أشار في قسوة"
- ماتقدرش تمشي من غير ما أنا اقرر ده، وأنا هعرف ازاي اخليها ترجع غصب عنها

"ابتسمت نسمة مشيرة"
- أنا مش شايفة أي مبرر لعصبيتك دي غير إن كلامي صح

"كان على وشك أن يكسر الفنجان بيده، ولكنه حاول أن يهدأ فأخذ نفساً عميقاً ثم صمت لدقائق قليلة حتى يستطيع إنهاء ذلك الحديث المستفز في هدوء.
كانت نسمة صامتة تنظر إليه في تسلية وهي تشعر بصحة حديثها منتظرة منه أن يخرج عن سكونه حتى أشار"
- ماشي... أنا عارف إني شديت عليها وماحاولتش افهم، بس أنا أكره ما عليا إن حد يقول كلمة وماينفذهاش، أنتِ ماشفتيهاش كانت بتتكلم ازاي، كان ناقص تشتمني وتقولي بصراحة كده إني واحد متكبر وسادي مشغل الموظفين عندي عشان اعذبهم

"ضحكت نسمة رغماً عنها فاتبع مشيراً"
- كتير إني اخليهم يجتهدوا في شغلهم؟

"هزت رأسها في نفي مشيرة"
- لا، بس كل حاجة بالعقل يا رامـي!

"أشار في عصبية مجدداً"
- طيب أنا مجنون بقى، ومالهاش عندي استقالة وهرجعها يعني هرجعها

"نظرت إليه ثم أشارت بابتسامة"
- هترجعها المشروع، صح؟

"هز رأسه نفياً ثم أشار"
- مش هسمح بحاجة زي دي تتكرر تاني

"ابتسمت نسمة في ثقة مشيرة"
- هترجع

"نظر إليها في عناد دون رد فاتبعت"
- عشان أنت إنسان دقيق جداً في شغلك، وإن ماكانتش الحاجة تبقى مظبوطة وبإتقان ماترضاش بيها، وأنت بنفسك قلتلي إن شغلها كان مبهر بالنسبة لواحدة لسة مبتدئة، يبقى هترجعها المشروع

"ثم ابتسمت ابتسامة ماكرة مشيرة"
- ومش بس عشان المشروع، عشان أنت عاوز تشوفها دايماً، وده سبب المشكلة كلها

"أشار في ضيق"
- تاني يا نسمة؟

"ضحكت مشيرة في مرح"
- من واقع معرفتنا الطويلة ببعض اعتقد إن لو حد تاني مكانها كنت كسرت وراه قُلة وماهتميتش اصلاً، بس هي عشان شمس.

"ظل ينظر إليها دون رد بينما ظلت هي محتفظة بابتسامتها حتى أشار في ضيق"
- أنا ايه اللي خلاني اجيلك أساساً؟!

"ضحكت قائلة"
- الحمد لله، شوف كام فازة ومرايا بتدعيلي دلوقتي

"ظهر على وجهه شبح ابتسامة، في بداية معرفته بنسمة كان يخشى أن تفهمه، والآن أصبحت تكشفه بالكامل وتعلم خباياه وحيله جيداً، يوماً ما... سترغمه على قتلها."

.....

"ترك رامز عيد الميلاد وركب سيارته وأخذ يدور بها دون وجهة محددة يفكر فيما حدث قبل قليل.
كيف فعل ذلك؟ وما ذلك الإحساس الذي شعر به وكأنه يحتاجها؟ هل فضحته عيناه حقاً؟ إن لم يكن يحبها فلماذا يريد وجودها في حياته؟
وجد نفسه يتوجه إلى النادي الليلي الذي يسهر فيه كعادته، توقف أمامه يفكر هل يدخل أم لا حتى نزل من السيارة وقرر الدخول، إنه بحاجة أي شيء يلهيه عن ذلك الضجيج بداخله.
عندما دخل، توجه ناحية إحدى الطاولات وجلس عليها بمفرده حتى أتته نانسي وقالت في دلال"
- رامز! وحشتني، كنت فين بقالك مدة؟

"ابتسم بلا مبالاة قائلاً"
- موجود، بس ماليش مزاج آجي

"مدت يدها ووضعتها على كتفه وقالت بدلال أكثر"
- يعني ماوحشتكش؟

"ابتسم قائلاً"
- نانسي! ماتستغليش إني مابعرفش اقولك لا

"ضحكت بنعومة ثم أمسكت بيده قائلة"
- تعالى معايا!

"لم يستطع المقاومة والاعتراض، كان يبحث عن أي وسيلة تنسيه تلك المشاعر المضطربة التي يشعر بها إلى جوار ندى.
هو يكره التعلق ولن يسمح لنفسه أن تتعلق بأي شيء حتى وإن كان بحاجته... كثيراً.
هنا فقط... يشعر أن الأمر في يده، يمكنه الاقتراب والابتعاد متى شاء، يمكنه أن ينسى كل شيء بأي طريقة.
وقد أجادت نانسي إلهائه على أكمل وجه على الرغم من شعوره ببعض الذنب الذي لم يشعر به معها من قبل، ولكنه لم يكترث، ما دام سيربح فائدة النسيان فليفعل ما يشاء إذن.
لقد أخذ كل صفات والده السوداء، تلك الصفات التي دمرت عائلته منذ سنوات ولم يشعر والده يوماً بالذنب حتى الآن، فلماذا يشعر هو إذن؟
مر بعض الوقت حتى خرج وهو ونانسي من جناحه الخاص بالفندق ونزلا إلى النادي مرة أخرى ليلمح سالي تجلس بمفردها تتراقص مع الموسيقى الصاخبة وتحمل في يدها مشروباً ما.
اقترب ناحيتها ونظر لها في غضب قائلاً"
- أنتِ بتعملي ايه هنا في الوقت ده؟

"ابتسمت سالي غير مبالية بنبرته الغاضبة ثم قالت"
- سليم سافر الفيوم مع سناء هانم زي ما أنت عارف وكنت قاعدة زهقانة لوحدي في البيت فقلت اخرج اتسلى شوية

"قال وقد قست عيناه"
- سالي! حالاً ترجعي عالبيت، مفهوم؟

"ضحكت سالي غير عابئة بما سمعت قائلة"
- خايف عليا؟

"ابتسم في سخرية، لقد بدأت تُظهر وجهها الحقيقي الذي يعلمه منذ اليوم الأول، قال في قسوة ساخرة"
- خايف عليكي؟ وأنا اخاف عليكي ليه؟

"قالت بدلال وقد توقفت مكانها فأصبحت قريبة منه"
- عشان أنا مرات بابا يا رامز

"قال مقلداً جملتها في سخرية"
- مرات بابا يا رامز؟!

"ثم اتبع في قسوة"
- أنتِ مش مهمة أبداً يا سالي، اللي يهمني اسم العيلة اللي أنتِ شايلاه من ساعة ما دخلتي بيتنا، وماظنش شكلك هيبقى كويس وأنتِ جاية هنا في وقت زي ده

"ثم طالعها من رأسها إلى أخمص قدميها ليرى ملابسها المكشوفة وقال بازدراء"
- ده لو يعني خايفة على سمعتك قبل سمعة العيلة

"نظرت إليه في غضب من كلماته القاسية و المحتقرة، وقالت ساخرة"
- ده على أساس أنت بتعمل ايه هنا بقى؟

"ثم اتبعت بنظرة وقحة وهي تشير ناحية نانسي، التي كانت تجلس وتراقب من بعيد"
- عندك اجتماع؟

"نظر ناحية نانسي ثم عاد ليلتفت إليها وأمسك بذراعها في قوة حتى تأوهت وقال بنبرة قاسية منخفضة"
- مالكيش دعوة بيّ احسنلك، فاهمة؟

"نظرت إليه في خوف فاتبع"
- يلا بسرعة عشان ترجعي معايا عالبيت، واحمدي ربنا إني مش هقول لبابا إنك جيتي هنا

"أخذت حقيبتها ولكن قبل أن يهمّا بالرحيل، استوقفهما صوت نانسي"
- رامز!

"التفت رامز إليها ثم نظر إلى سالي وقال باقتضاب"
- اسبقيني عالعربية وهحصلك

"طالعتها سالي بنظرة غريبة ثم رحلت، وعندما التفت رامز إلى نانسي، سألته"
- هتمشي؟

"اومأ برأسه فاتبعت في حزن"
- بسرعة كده؟ مالحقتش اشوفك

"ابتسم قائلاً في عبث"
- كل ده ومالحقتيش تشوفيني؟ امال لو لحقتي يا نانسي؟

"ضحكت ثم سألته"
- هتيجي امتى تاني؟

"هز رأسه في نفي قائلاً"
- مش عارف

"ثم مسح بأصابعه على وجنتها ثم قال بابتسامة"
- بس هاجي، استنيني!

"ابتسمت نانسي في هدوء للمسته تلك ثم قالت في حنان"
- هستناك يا رامز!

"قبّل وجنتها قُبلة سريعة قبل أن يرحل. أخذت تتأمله وهو يبتعد حتى اختفى تماماً، كانت محظوظة عندما أتت الليلة، وكأن قلبها كان يشعر بمجيئه فأخذ يحثها على القدوم.
سيظل الحال بينهما هكذا دوماً... يأتي متى يشاء ثم يرحل متى يشاء، وهي لا تنتظر منه أي شيء سوى ما يقدمه فقط، سيظل قليله كثيراً في نظرها مهما حدث.
أخرجها من شرودها لمسة أحدهم على ذراعها فانتفضت من مكانها لتجده صاحب النادي، ابتسم بخبث قائلاً في وقاحة"
- شكلك انبسطتي النهاردة، ايه؟ مش ناوية تبسطينا احنا كمان؟

"نظرت إليه باشمئزاز ثم قالت"
- أنت مابتفهمش؟ قلتلك قبل كده خلاص... شطبنا، أنا هنا زبونة وبس، مابشتغلش عند حد.

"ضحك ساخراً"
- مابتشتغليش غير عند ابن الراوي، مش كده؟

"نظرت إليه باحتقار ثم تركته وذهبت سريعاً عائدة إلى منزلها الذي تجد فيه الأمان والراحة من بعد ذراعيه هو لا سواه."

.....

"طوال الطريق، لم تتفوه سالي بأي كلمة، من كانت تظنه سهلاً وجدته نسخة أخرى عن والده، تلك العائلة تتحلى بقسوة جذابة للغاية.
أما رامز، فقد تاه فكره عن ندى هذه المرة وذهب إلى نانسي، كان بها شيء غريب هذه المرة، طريقتها في الحديث، نظرتها، رقتها الغريبة التي شغلته عن التركيز في أي شيء سواها.
كان يعلم منذ أن رآها أول مرة أنها ليست كالبقية، وكلما ودَّ أن يسألها عن السر الذي دفعها للعمل كفتاة ليل في هذا النادي الشهير كان يتراجع، كان يخشى أن يجرحها بسؤاله، ولم يكن يعلم لمَ يخشى على مشاعرها من الأساس، ربما لأنه كان يشعر أنها مثله... وحيدة وحزينة، ولكن ضحكتها الرائعة ونعومتها معه مختلفة للغاية، وكان متأكداً من أن ذلك الجانب لا يظهر لأحد سواه، ما السر الذي يجعلها هكذا معه؟"

.....

"عندما وصلت ندى إلى المنزل، توجهت سريعاً ناحية غرفتها وأغلقت الباب خلفها، وضعت حقيبتها جانباً وخلعت حذاءها ثم توجهت ناحية المرآة لتجلس أمامها.
ظلت تنظر لوجهها في المرآة حتى مدت يدها ناحية وجنتها تتحسس موضع قُبلته، وعندما شعرت وكأنها تعيش تلك اللحظة ثانية عادت وجنتيها لتتلون باللون الأحمر من شدة الخجل والسعادة.
ماذا كان يقصد؟ وماذا كان يريد أن يخبرها بما فعل؟ وما الشيء الذي كان يريد أن يسألها عنه؟ ثم أخذت تضحك على كلماته الساخرة، كيف يتلون ويتبدل بين السخرية والهدوء والرومانسية بتلك السلاسة؟ إنه رائع، وجميل للغاية."

.....

"وعندما عادت شمس إلى المنزل، توجهت فوراً إلى غرفتها وجلست على سريرها في غضب، ولم تدرِ لمَ بكت فجأة.
هي ليست نادمة على قالت ولا على استقالتها، ولكن... ربما لأنها شعرت هي نفسها بالخذلان، ربما تكون قد خذلته لأنها لم تأتِ في موعدها، ولكن خذلانه هو كان أشد، كانت تنتظر منه شيئاً آخراً، كانت تنتظر منه أن يسمع ويفهم، ولكن حتى عندما قررت إخراج كل ما في قلبها من غضب تجاهه كان وجهه ينبئ عن غضب صارخ لو كان له صوت لكان قد أسكتها فوراً بمنتهى القسوة والغرور.
هل حقاً تركت الشركة؟ هل لن تراه ثانيةً؟ لا يهم، هو لم ولن يهتم، فلماذا تهتم هي؟
وفي الصباح، استيقظت شمس على صوت والدتها تقول"
- يا شمس! اصحي اتأخرتي عن الشغل

"جلست شمس في السرير ثم قالت بصوت نائم"
- مافيش شغل يا ماما!

"قالت والدتها متعجبة"
- اجازة يعني ولا ايه؟

"قالت شمس بنفس الطريقة"
- أنا استقلت

"قالت والدتها في صدمة"
- استقلتي؟! ليه يا شمس؟

"تنهدت شمس في ضيق ثم روَت لها كل ما حدث بالتفصيل، وعندما انتهت، قالت والدتها في غضب"
- أما إنه راجل مفتري صحيح، ربنا يـ...

"قالت شمس سريعاً"
- لا يا ماما! ماتدعيش عليه

"نظرت والدتها إليها في اندهاش فاتبعت"
- خلاص بقى، أهو راح لحاله

.....
"مر أسبوع ولم تأتِ، وفي أحد الأيام، وصل رامـي إلى الشركة بوجه واجم عابس على وشك تحطيم أي شخص يقف في طريقه.
في هذا اليوم تحديداً، كان الموظفون يتجنبونه فوراً عندما يرونه، وعندما وصل إلى مكتبه، اندهشت نهال من حالته ودخلت وراءه المكتب كالعادة، توجه ناحية المكتب ثم جلس، وقبل أن تتفوه نهال بكلمة أشار لها"
- كلمي شمس وقوليلها تيجي

"تعجبت نهال من ذلك الطلب، فقد أخبرتها شمس أنها قامت بالاستقالة ولن تعود، ظلت واقفة في مكانها فأشار في ضيق"
- واقفة ليه يا نهال؟ روحي كلميها فوراً

"أشارت نهال في توتر"
- هتيجي ليه؟

"نظر لها في غضب فاتبعت بسرعة"
- اقصد هي مش استقالت؟

"أشار رامـي متسائلا وكأنه لا يعلم"
- استقالت ازاي؟

"ازداد توتر نهال وأشارت"
- هي قالتلي إنها بلغتك باستقالتها وحضرتك وافقت

"اشتعلت عيناه في قسوة وأشار"
- هي ماقدمتش استقالة عشان اوافق عليها، وحتى لو قدمت فطلبها مرفوض ومش من حقها تغيب الفترة دي كلها من غير إذن، احنا مابنلعبش هنا.

"أشارت نهال"
- أيوة بس هي...

"قاطعها مشيراً في قسوة"
- نهال! فهميها إنها لو ماجتش أنا هكتب فيها مذكرة ماتخليش حتى أصغر شركة تقبلها، ومالهاش أي مستحقات عندنا، توصليلها الكلام ده بالحرف، فاهمة؟

"صدمت نهال لما قال، لم تعهده أبداً بهذه الطريقة ولم يستخدم هذا الأسلوب مع أيٍ من الموظفين، ماذا فعلت شمس لتوصله لتلك المرحلة؟
خرجت نهال سريعاً واتصلت بشمس التي كانت تجلس في مرسمها وقد أصبحت محاطة بالكثير من صوره.
كانت تشعر في داخلها بطاقة غضب رهيبة تجاهه أخرجتها في رسم لوحاً له باللون الأسود، ولكن كانت الأزمة أن اللون الأسود قد لائمه كثيراً فبدى أجمل مما زاد من غيظها وتفكيرها في أن تشوه اللوحة ولكن قلبها لم يطاوعها.
أخرجها من شرودها صوت رنين الهاتف باسم نهال"
- ألو!

"جاءها صوت نهال المتوتر قائلاً"
- ازيك يا شمس؟

"قالت شمس متعجبة"
- كويسة يا نهال، صوتك ماله؟

"قالت نهال سريعاً محاولة اختصار الوقت حتى لا يخرج لها ويعنفها على التأخير"
- شمس! عاوزاكي تنطي جوة هدومك في خمس دقايق وتيجي الشركة في خمس دقايق برضو، يعني معاكي عشر دقايق بالظبط لا تيجي تلاقيني مفصولة

"تعجبت شمس مما تقول ثم قالت في ضيق"
- نهال! أنا قلتلك إني استقلت والشركة دي أنا مش هعتبها تاني

"ضحكت نهال ضحكة متوترة قصيرة وقالت"
- ما هو يا شمس مش كل حاجة نفسنا فيها بتحصل، رامـي مستحلفلك وشكله مش هيجيبها لبر

"قالت وقد ازداد غضبها"
- يعني ايه بقى؟

"قالت نهال في قلق"
- قالي ابلغك إنك لو ماجيتيش حالاً هيكتب فيكي مذكرة ويحطها في ملفك مش هتخلي أي شركة تقبل تشغلك تاني، مش بس كده... قال إنك مش هتستلمي أي حاجة من مستحقاتك كمان.

"قالت شمس وقد انفلتت أعصابها"
- أنتم بتهددوني ولا ايه؟ مش هاجي يا نهال وخليه يعمل ما بداله

"قالت نهال بطريقة أم تخشى على ابنتها"
- شمس! أنتِ غلطتي لما مشيتي كده من غير ما استقالتك تتمضي، ومافيش حاجة اسمها كده، ده مش نادي، دي شركة كبيرة وليها اصول

"قالت شمس معاندة"
- مش هاجي يا نهال! هو فاكر نفسه مين عشان يعمل كده؟

"قالت نهال في تعقل"
- شمس! بلاش عِند... رامـي مابيتعاندش، وأنتِ محتاجة الشغل بجد

"قالت شمس في ضيق"
- ده مش شغل... ده ذل، وأنا مابتذلش

"قالت نهال مهدئة إياها"
- ماتبصيلهاش كده يا شمس، بصي... أنا لو مكانك آجي واتفاهم معاه، ولو فعلاً عاوزة تمشي يبقى تعالي واتكلمي وش لوش أحسن، عالأقل عشان ماتجبريهوش يتصرف بالطريقة دي

"زفرت شمس في حنق ولم ترد فاتبعت نهال"
- معلش يا شمس! عشان خاطري المرة دي تعالي وماتخافيش

"عادت شمس لعصبيتها قائلة"
- أنا مابخافش يا نهال

"قالت نهال سريعاً"
- خلاص يا ستي أنا غلطانة، بس تعالي بسرعة من فضلك

"زفرت شمس في حنق ثم قالت"
- طيب، نص ساعة وآجي

"قالت نهال في نفسها"
- نص ساعة؟! في أرواح هتُزهَق في النص ساعة دي

"ثم رفعت صوتها قائلة"
- ماشي يا شمس! مستنياكي

"وصلت شمس الشركة والضيق والغضب يملآها، لم تكن تتخيل أنه بذلك التسلط والقسوة، كان يبدو طيباً في المرات الأولى، أم هي من كانت ساذجة؟
توجهت ناحية المصعد متوجهة إلى الطابق الخاص بمكتبه، وفي المصعد تذكرت أول مرة رأته فيها، كيف كان رقيقاً يتصرف برقي، وتذكرت وجهه الذي كان في كامل تركيزه وهو ينظر في هاتفه لتقترب منه وترى أن ما يشغله مجرد لعبة طفولية على الهاتف، رجل بذلك التسلط وتلك القسوة ينشغل بلعبة كالأطفال.
صدرت منها ضحكة رغماً عنها سرعان ما تحولت لوجوم عندما انفتح باب المصعد معلناً عن وصولها إلى الطابق المقصود.
عندما رأتها نهال تنفست الصعداء، تقدمت شمس ناحيتها في ثبات وثقة ثم قالت"
- اديني وصلت، وبعدين؟
***

"كان رامـي جالساً في مكتبه غاضباً ينظر في ساعته كل دقيقة تقريباً ينتظر مجيئها وقد أجَّل كل المواعيد لوقت متأخر حتى يتفرغ للحديث معها.
شعر بالضيق فخلع سترته وحل رابطة عنقه قليلاً حتى يلتقط أنفاسه ويهدأ، يعلم أنها لن تصمت هي الأخرى ولن يتمالك نفسه هذه المرة وربما يكسر رأسها.
وبعد نصف ساعة بالضبط، وجد نهال تدخل إليه وتشير"
- شمس وصلت، ادخلها دلوقتي؟

"أومأ برأسه في ثبات فخرجت نهال وبعد لحظات دخلت شمس وأغلقت نهال الباب من خلفها.
كانت علامات الضيق والغضب ظاهرة في عينيها ووجهها بالكامل، وكان هو ينظر لها في ثبات وقوة حتى أشار لها بالجلوس فلم تجلس، ظل ناظراً إليها فقالت بلهجة مقتضبة"
- باشمهندس رامـي! أنا مش جاية اقعد، أنا عاوزة اعرف حضرتك عاوزني في ايه وبس

"اشتعلت عيناه في غضب وقام من مكانه فشعرت بقواها تنهار من الخوف، هل سيضربها؟ ربما قاسياً ولكنه ليس همجياً.
وجدته يجلس على أحد الكرسيين الموجودين أمام المكتب ثم نظر إليها وأشار بعينيه إلى الكرسي المقابل بطريقة أشعرتها بأنه يتحداها لترفض الجلوس هذه المرة أيضاً.
لم تجد مفراً من الجلوس وتقدمت ناحية الكرسي لتجلس أمامه.
ساد الصمت الصارخ بينهما حتى أمسك بهاتفه وكتب"
- أنتِ بأي حق تمشي اسبوع كامل من الشركة كده من غير إذن؟ فاكرة نفسك فين؟

"قرأت كلماته الغاضبة واشتعل الغضب بداخلها هي الأخرى وقالت في عصبية"
- وحضرتك بأي حق...

"قاطعها عندما وضع كفه على فمها وأحكم قبضته على فكها وقام من مكانه وجلس على الطاولة فأصبح قريباً منها للغاية.
اتسعت عيناها في صدمة لما حدث فجأة بينما لم تهتز فيه شعرة، وكتب على هاتفه وهو لا يزال محكماً قبضته على فكها"
- صوتك مايعلاش حتى لو مش سامعه، ودي آخر مرة تكلميني بالطريقة دي تاني، مفهوم؟

"وضع الهاتف أمام عينيها المصدومة لتقرأ، وعندما حادت بنظرها عن الهاتف لتنظر له ثانية كتب مرة أخرى"
- استقالة من هنا مافيش والأيام اللي غبتي فيها من غير إذن هتتحاسبي عليها، جيتي هنا واشتغلتي يبقى تحترمي المكان ده واصحاب المكان ده، مفهوم؟

"وضع الهاتف أمامها مرة أخرى فنظرت إلى الشاشة لتقرأ ثم عادت لتنظر إليه ثانية ونظرة عينيها المصدومة لا تتغير، عاد ليكتب"
- ظروفك اللي منعتك أنا هقدرها واحترمها رغم إنك فضلتي أسبوع كامل من غير ما تعرفيني بتعب والدتك وكنت ساعتها هأجل الاجتماع لغاية ما تبقي جاهزة، أنا مش مشغل عندي آلات عشان مايعرفوش ينطقوا معايا بحاجة تانية غير الشغل، ظروفك دي كمان كانت تخص الشغل، مفهوم؟

"عاد ليضع الهاتف أمام عينيها المصدومة لتقرأ ثم كتب"
- حالاً هتاخدي كل حاجة من المهندس اللي عينته مكانك في المشروع وتقعدي معاه وتطلبي منه يفهمك كل حاجة فاتتك وتكملي شغلك كله، ولما تخلصي تبلغيني عشان هنحدد اجتماع تاني نناقش فيه اللي هتعمليه، مفهوم؟

"هذه المرة، هزت رأسها في نفي دون أن تتغير ملامح صدمتها فاشتدت قبضته قليلاً على وجهها وكتب باقتضاب"
- أنا ماباخدش رأيك، ده أمر وهتنفذيه، مفهوم ولا لأ؟

"وضع أمامها الهاتف فقرأت جملته ثم نظرت إليه فوجدته ينظر لها في غضب أخافها من أن ترفض فأومأت برأسها تلقائياً، فأبعد يده عن وجهها فجأة بينما لم يتحرك من أمامها.
ظلت تنظر إليه في صدمة بينما كان ينظر إليها نظرة غريبة لم تفهمها أبداً، كانت حُمرة شفاهها قد مُحيت بالكامل في يده ولم يتبقَ سوى مسحة على جانب فمها، وجد نفسه يمد إبهامه ناحية وجهها ليمسح تلك البقعة المتبقية إلى جوار شفتيها بينما لم يبعد إبهامه بعدها بل أمسك بذقنها ببقية أصابعه في رقة.
اتسعت عيناها أكثر في صدمة لما فعل وشعرت أن لسانها قد انعقد ولم تنطق بشيء، صدمة... كل ما شعرت به في هذه اللحظة هو الصدمة خاصة مع شعورها بأنفاسه الساخنة القريبة منها.
مرت لحظات هكذا حتى أبعد يده عنها فجأة وقام من مكانه وعاد ليجلس خلف مكتبه وأشار ناحية الباب لتخرج...
ظلت في مكانها مصدومة بعينين متسعة وفم مفتوح، ولم يفيقها من صدمتها سوى طرقته المفاجئة على المكتب فوجدته يشير ناحية الباب لتخرج فقامت وخرجت مسرعة حتى أنها لم تنتبه لنهال التي سألتها عما حدث وتوجهت في خطوات سريعة ناحية سلم الحريق لتجلس كعادتها على الدرجة الأولى من السلم ولكن ليس لتبكي هذه المرة بل لتتنفس.
أخذت تلهث بقوة وكأنها كانت على وشك الموت منذ لحظات، ما الذي فعله للتو؟ ما الذي حدث؟ وما الذي سيحدث؟!"

.....

"مر أسبوع، جلست فيه شمس مع المهندس البديل الذي قام بشرح كل التفاصيل لها لتستكمل هي العمل، وبعد أن اتطلعت على كل شيء استكملت العمل كالعادة على أكمل وجه.
وعندما انتهت، ذهبت إلى نهال التي كانت تجلس في مكتبها منشغلة ببعض الأعمال والتي ما إن رأتها حتى استقبلتها بابتسامة بشوشة قائلة"
- صباح الخير يا شمس!

"قالت شمس بلهجة رسمية"
- صباح الخير يا نهال!

"تعجبت نهال منها، ولكن شمس لم تمهلها لتسأل فاتبعت"
- أنا خلصت كل حاجة طلبها مني باشمهندس رامـي، ممكن يحدد الاجتماع اللي هنناقش فيه الشغل، أنا جاهزة

"اومأت نهال برأسها ثم قالت"
- اه اكيد هبلغه

"ثم صمتت للحظات قبل أن تكمل"
- هو ايه اللي حصل يا شمس؟

"نظرت لها شمس دون فهم وقالت"
- حصل ايه؟

"قالت نهال في حيرة"
- ايه اللي حصل لما رجعتي الشغل؟ أنتِ خرجتي يومها من المكتب وأنتِ وشك جايب ألوان، هو رامـي زعلك؟؟

"قالت شمس بعصبية خفيفة"
- أنا ماحدش يقدر يزعلني

"قالت نهال بابتسامة مهدئة إياها"
- خلاص يا شمس! أنا بتطمن عليكي، وبعدين يا ستي حتى لو اتضايقتي من اللي رامـي عمله فاتأكدي إنه مش هيعمل كده غير إذا كان عارف إنك مهندسة شاطرة وأكيد مش عاوز يخسرك، هو بس عصبي شوية ومابيحبش أي تقصير في الشغل

"نظرت إليها شمس وهي تتساءل... هل هذا كل شيء؟ فقط لأنها مهندسة جيدة؟ وهل يمسح حُمرة شفاه جميع المهندسات الجيدات في الشركة؟
أحمر وجهها فجأة لتلك الذكرى المربكة، ولكن سرعان ما انقلب احمرار الخجل إلى احمرار الغضب عندما رأته أمامها وقد خرج من المكتب.
ظل ناظراً إليها قبل أن يلتفت إلى نهال التي أشارت له"
- شمس كانت جاية تبلغني إنها خلصت الشغل المطلوب منها كله، وكنت لسة هجيلك عشان اسألك على ميعاد الاجتماع

"نظر إلى شمس قبل أن يلتفت إلى نهال ويشير"
- دلوقتي

"شعرت شمس أنها قد فهمت إشارته، وعندما دخل إلى مكتبه ثانية، التفتت إلى نهال وقالت بسرعة"
- هو قال دلوقتي؟

"هزت نهال رأسها بالإيجاب قائلة"
- ايوة... هو أنتِ مش جاهزة دلوقتي؟

"صمتت شمس للحظات قبل أن تقول في ضيق حاولت قدر الإمكان ألا يظهر"
- جاهزة

"وبالفعل، أحضرت شمس كل ما يخص المشروع وعادت إلى مكتبه ليبدأ الاجتماع بوجود نهال مثل المرة الأولى، وكعادة شمس، كانت تشرح له كل شيء بمنتهى الثقة والإتقان.
كان يقرأ كلماتها وهو يتأمل وجهها الذي كان الاقتضاب والضيق واضحاً عليه، من الواضح أنها لا زالت غاضبة منه، هل كان قاسياً إلى تلك الدرجة؟ أم أنها جرأته التي فاجأته هو نفسه آخر مرة؟
مرت ساعة كاملة حتى انتهى الاجتماع بعد أن أملى رامـي عليها كل المطلوب، أخذت شمس تجمع كل شيء لتلتفت هذه المرة ولا تجد نهال أيضاً.
كان يجلس على كرسي مكتبه فتقدمت ناحية المكتب وقالت باقتضاب ووجه خالٍ من الابتسامة"
- إن شاء الله الشغل هيخلص قبل الميعاد اللي اتفقنا عليه، بعد إذن حضرتك

"ثم التفتت متوجهة ناحية الباب، ولكن قبل أن تمسك المقبض، أوقفها صوت طرقته على المكتب، تسمرت مكانها ولم تستطع الالتفات.
مرت لحظات قبل أن تلتفت لتجده خلفها مباشرة، كان يقف في خيلاء ويديه في جيبيه وينظر لها نظرة تحمل من الغرور والثقة ما يكفي.
نظرت إليه في كبرياء قائلة ولم تتخلَ عن وجومها"
- في حاجة حضرتك عاوز تضيفها؟

"أومأ برأسه في ثبات ثم رفع إصبعين من يده اليمنى علامة على وجود أمرين وليس واحداً فقط فاتبعت"
- ايه هما؟

"أخرج هاتفه ثم كتب"
- أولاً، مابحبش التكشير، عاوز ابتسامة

"عندما قرأت جملته، رسمت ابتسامة متكلفة على وجهها قابلها هو بابتسامة ضاحكة من شكلها، فقالت وقد اختفت ابتسامتها"
- وثانياً؟

"نظر لها للحظات قبل أن يكتب"
- ثانياً وده الأهم، عاوزك تتعلمي الإشارة... لغتي.

"عندما قرأت جملته ظلت ناظرة إلى الهاتف قبل أن تنظر إليه، أشار لها بابتسامة دون أن يكتب شيئاً"
- هتحتاجيها كتير بعد كده، مش دايماً هقدر أعبر بحروف مكتوبة

"نظرت إليه وقطبت حاجبيها في عدم فهم فابتسم وهو يكتب على هاتفه"
- لما هتتعلمي هتفهمي أنا قلت إيه

"نظرت إليه قبل أن تخبره بثقة"
- هتعلم

"ابتسم لها دون رد فقالت"
- بعد إذن حضرتك!

.....

"وأثناء ما كان رامز يجلس في الشركة ينهي بعض الأعمال، وجد هاتفه يرن ليجد المتصل نانسي، رد قائلاً بعملية"
- نانسي! أنا في الشركة عندي شغل

"لم يأتِ أي رد من الجهة الأخرى، قال في قلق طفيف"
- نانسي!

"سمع صوت أنين صامت فازداد قلقه وقال"
- نانسي! أنتِ كويسة؟ في إيه؟

"قالت محاولة الحديث وإخفاء الدموع"
- ممكن اشوفك دلوقتي؟

"تعجب من نبرة صوتها الخالي من الدلال هذه المرة وقال"
- في الفندق؟

"صمتت للحظات ثم قالت"
- لا، في البيت عندي

"هذه هي المرة الأولى التي تطلب فيها منه الذهاب إلى المنزل، قال"
- في إيه يا نانسي؟

"قالت مطمئنة إياه"
- ماتقلقش، أول ما توصل هنتكلم يا رامز!

"قال ورأسه مليئة بالتساؤلات"
- ماشي، قوليلي العنوان

"وعندما أغلق الخط، ظل في مكانه متعجباً، ما الذي تريده منه؟ هل يُعقل أن تكون قد اشتاقته فجأة؟ ضحك في غرور لتلك الفكرة ثم قام من مكانه ليذهب إليها."

***

"كانت تجلس في مكانها في صدمة ودموعها تنهمر دون إرادتها، كيف حدث ذلك؟ لم تكن تدري هل تفرح أم تحزن، ليس لديها خيار... عليها أن تحزن... إنها كارثة.
قطع صوت أفكارها صوت الجرس فمسحت دموعها بسرعة وتوجهت ناحية الباب لتفتحه، وعندما فتحته، ابتسمت قائلة"
- جيت بسرعة

"ابتسم بشقاوة قائلاً"
- قلتلك قبل كده مابقدرش اقولك لأ

"وعندما دخل، أغلق الباب خلفه واحتضنها، كانت على وشك أن تبكي مجدداً، ولكنها تمالكت نفسها وقالت محاولة الابتعاد عنه"
- في موضوع عاوزة اكلمك فيه يا رامز

"نظر لها باهتمام قائلاً"
- موضوع ايه؟

"أمسكت بيده ثم قادته ناحية الأريكة فجلس وجلست هي إلى جواره وظلت صامتة تفرك يدها بالأخرى، قال"
- في إيه يا نانسي؟ قلقتيني!

"نظرت إليه ثم قالت فجأة"
- أنا حامل!

****

انتهى الفصل

Moon roro and دانه عبد like this.

روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-05-22, 10:29 PM   #12

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل السابع

"نظر لها للحظات دون رد وكأنه لم يسمعها، لحظات كانت قاتلة بالنسبة إليها فتجمعت دموعها في عينيها وهي تحاول منعها قدر استطاعتها.
خرج عن صمته قائلاً بهدوء"
- يعني ايه؟ مش فاهم!

"مدت يدها المرتجفة ناحية الطاولة لتمسك بشريط الاختبار الذي كان يحمل علامة الإيجاب وأعطته إياه ليتأكد. نظر إليه ثم نظر لها قائلاً ولم يتخلَ عن هدوئه"
- ازاي يا نانسي؟

"ثم صمت للحظات قبل أن يكمل"
- أنتِ متأكدة إنه مـ ...

"سكت فجأة عندما وجد دموعها التي تقافزت من عينيها فجأة ويديها التي أخذت ترتعش وصوتها الذي خرج موجوعاً خائفاً وهي تقول"
- والله العظيم يا رامز ما حد لمسني غيرك من ساعة ما شفتك، صدقني أنا من بعدك بطلت اشتغل في المكان ده ومابقيتش اروح غير عشانك أنت بس...

"ثم أخذت تشهق بعنف قائلة"
- والله أنا كنت واخدة بالي عشان مافيش حاجة زي دي تحصل، وماعرفش حصل ازاي، بس أنا هعمل اللي تقولي عليه، ولو طلبت مني انزله أنا...

"قاطعها عندما وضع يده على فمها لتصمت وقال في هدوء وحزم"
- ماتكمليش، وماتحلفيش على حاجة أنا كنت عارفها كويس واتأكدت منها دلوقتي

"أبعد يده عن فمها فأخذت تشهق بقوة وقالت بصوت متقطع"
- أنا... آسفة... أنا... مش... عاوزاك تزعل مني... أنا...

"قاطعها مرة أخرى عندما ضمها إليه فأخذت تبكي على كتفه وهي متشبثة به، أخذ يربت على ظهرها وشعرها مهدئاً إياها ليقول"
- كفاية... اهدي... مافيش حاجة تستاهل العياط والخوف ده كله، اهدي يا نانسي!

"ابتعدت عنه قليلاً لتنظر إليه فمد يده وأخذ يمسح دموعها بهدوء وحنان حتى قال بابتسامة"
- مافيش حمل هينزل، هيفضل وهتجيبيلي بيبي شكله حلو زيك

"نظرت إليه في صدمة ثم هزت رأسها في نفي وقفزت الدموع من عينيها ثانية وقالت بصوت باكٍ"
- لا يا رامز! ماينفعش

"نظر لها دون فهم فاتبعت"
- ماينفعش ابنك أنت يجي من واحدة زيي، أنا أقل من إني اكون أم لابنك، أنا واحدة...

"قاطعها قائلاً بنبرة حادة ومنخفضة"
- أنتِ واحدة هتتقتل مكانها لو قلتي نص كلمة تانية عنك بالطريقة دي، فاهمة؟

"نظرت إليه دون رد فاتبع قائلاً بقوة"
- أنا بس اللي عارف إيه اللي ينفع وإيه اللي ماينفعش، أنا اللي عارف أنتِ إيه وتنفعي تكوني مين

"ثم اتبع وهو يمسح دموعها المنهمرة قائلاً"
- أنا الوحيد اللي شفت نانسي الحقيقية، نانسي اللي مش لايقة عالجو اللي كانت فيه، أنا اللي شفت وعرفت حنيتها اللي ماتليقش غير بأم، أم حنينة وجميلة زيك

"كانت كلماته بمثابة البلسم لجروحها، وعندما هدأت قليلاً، نظرت إليه وقالت في ألم"
- أنا بحبك يا رامز!

"نظر لها دون رد فاتبعت بعد أن هربت من عينيها دمعة أخيرة وهي تقول"
- بحبك أوي، عارفة إنك مستحيل تحبني بس صدقني أنا مش عاوزة منك أي حاجة، مجرد إحساس إني بحبك ده لوحده مكفيني

"مسح دمعتها الأخيرة ثم ضمها إليه ثانيةً في حنان وقال"
- كنت عارف، مافيش تفسير لطريقتك معايا غير كده، عشان كده لازم تحتفظي بالحمل، دي أحسن حاجة ممكن اقدمهالك قصاد حبك، لأنك تستاهلي تبقي أم.

"ثم أبعدها عنه قليلاً ليراها وقال"
- أنا مش هتخلى عنكم أبداً، خليكي متأكدة من ده

"قالت في حزن"
- والناس؟ عيلتك؟ وندى؟

"أمسك بيدها قائلاً"
- الناس مابتاخدش ذرة من تفكيري، وعيلتي مالهاش دخل في حياتي وقراراتي

"ثم اتبع في ثقة"
- وندى لسة مافيش بيني وبينها حاجة فعلية يعني مش من حقها تحاسبني على حاجة، أنا مش هفضَّل حد على ابني، فاهمة؟

"هزت رأسها متفهمة ولكن كان الحزن لا يزال بادياً على وجهها فقال"
- إيه؟ هتفضلي مكشرة كتير؟

"ثم اتبع بابتسامة عابثة"
- مش هتوريني الضحكة اللي جابتني على وشي من أول مرة؟

"وجدت نفسها تبتسم دون إرادتها، طالما غازلها إذن فهو راضٍ، وإن كان راضياً فليس لديها ما تتمناه في هذه الدنيا أكثر، قال"
- يلا قومي غيري هدومك عشان نروح للدكتور

"قالت دون فهم"
- دكتور ايه؟

"قال ساخراً"
- أنف وأذن، يا نانسي هي الحامل بتروح فين؟ هنروح نتطمن عليكي يا حبيبتي!

"ضحكت رغماً عنها وشعرت بسعادة غمرتها لتلك الكلمة التي خرجت منه بعفوية وقالت بابتسامة"
- حاضر، دقايق وأجهز

"وعندما ذهبا سوياً إلى الطبيب، كان رامز يجلس إلى جوار نانسي في العيادة وهو يتأمل الحالات الموجودة.
أغلب الموجودات هنا معهن أزواجهن أيضاً، ومنهن من تصطحب صغيراً آخراً غير الذي بداخلها، يوجد أطفال جميلة هنا.
وقعت عيناه على طفل صغير ربما بعمر الثلاثة أعوام، شعره أسود لامع وعينيه خضراوين وله ضحكة رائعة، هل سيكون ابنه جميلاً هكذا؟
كانت توجد مرآة كبيرة على الحائط أمامه فنظر لنفسه فيها، هو أيضاً لديه عينين خضراوين وشعر أسود لامع، وابتسامة رائعة تجعل أجمل النساء يقعن في غرامه بمنتهى السهولة.
نظر إلى نانسي، التي كانت منشغلة بكل كيانها بقراءة مجلة "ميكي" للأطفال، هي أيضاً جميلة للغاية، وجه أبيض مستدير، عينين عسليتين تلمع في النور، وشعر ناعم وكثيف باللون الأحمر، وبشرة بيضاء وشفاه وردية، أصابع طويلة ويدين ناعمتين، وجسد ممشوق بعناية.
إن أنجبت فتاة فستكون فاتنة للغاية.
قطع شروده صوت الممرضة التي نادت باسم نانسي، أمسك بيدها وابتسم مطمئناً إياها ثم دخلا سوياً إلى الطبيب.
مر بعض الوقت قام فيه الطبيب بفحصها، ومن ثم طمأنهما بصحة الحمل وأوصى بضرورة الاهتمام بصحة الأم النفسية والجسدية حتى يتم الحمل على خير، ثم أراهما صورة الجنين على جهاز السونار.
ارتسمت ابتسامة على وجه رامز الذي كان مصدوماً مما يحدث، من يصدق أنه أصبح أباً بهذا الشكل المفاجئ؟
نظر إلى نانسي التي كانت تنظر إلى الشاشة بعينين دامعتين وابتسامة عريضة مرسومة على وجهها، وكأنها تعيش حلماً مستحيلاً ظنته لن يتحقق أبداً، ألهذا الحد أفرحها قراره بالاحتفاظ بالحمل؟ كان محقاً عندما أخبرها أن قراره هذا أفضل شيء يمكن أن يقدِّمه لها مقابل حبها له.
وعندما تركا العيادة وركبا السيارة، نظر لها ثم قال بابتسامة"
- مبسوطة؟

"نظرت إليه في فرح ثم قالت بابتسامة مسّت قلبه"
- أوي يا رامز! مش مصدقة إني شفته

"أمسك بيدها ثم قبَّلها وقال"
- كلها كام شهر وتشيليه

"دمعت عيناها لمجرد شعورها بأن الصغير بين يديها فقال سريعاً"
- هتعيطي تاني؟

"قالت من بين دموعها كالأطفال"
- مش بعيط، الدكتور قال دي هرمونات الحمل

"ضحك قائلاً"
- ابتدينا، هتقضيها تسع شهور عياط وتتحججي بالهرمونات

"ثم اتبع بابتسامة مرحة"
- بتحبي الألعاب؟

"قالت في سعادة"
- بحب العرايس اوي

"قاد السيارة متوجهاً إلى أحد أكبر محلات الألعاب في المدينة، وهناك شهد جانباً طفولياً من نانسي، التي لمعت عينيها في فرح لرؤية هذا الكم من الألعاب، كان سعيداً لسعادتها تلك فأخذها ناحية إحدى العرائس الكبيرة وقال"
- إيه رأيك في دي؟ حلوة؟

"أمسكت بها في سعادة ثم احتضنتها بشدة قائلة"
- حلوة اوي، حبيتها

"ضحك منها ثم نظر إلى بقية الألعاب فوجد لعبة أخرى على شكل دب كبير فأمسك به ونظر إلى نانسي قائلاً"
- دي هتبقى للنونو الصغير، صحيح هيبقى اسمه إيه؟

"قالت سريعاً دون تفكير"
- رامز

"سألها متعجباً"
- رامز؟ بجد؟

"اومأت قائلة"
- لازم يبقى على اسمك، عاوزاه زيك بالظبط

"ابتسم لها ثم أخذ يكرر الاسم قائلاً"
- رامز... رامز... اتنين رامز ورا بعض؟ ده صدى صوت مش اسم

"ضحكت منه فاتبع"
- طيب، بما إنه لو ولد هيبقى رامز، فلو كانت بنت هتبقى نانسي

"قالت متعجبة"
- نانسي؟!

"اومأ برأسه ثم اتبع مغازلاً إياها"
- ايوة، أنا فكرت فيها لقيت إنها هتستفيد كتير لو بقت شبهك، أصل هتودي الجمال ده كله فين؟ لازم وريثة له

"ابتسمت له قائلة"
- في حد بيعرف يقول كلام حلو زيك في الدنيا؟

"اقترب منها كثيراً ثم قال"
- مافيش، هو رامز واحد بس

"نظرت نانسي من حولها وقالت"
- الناس يا رامز!

"ابتسم في مكر قائلاً"
- ماشي، عشان الناس بس

"ابتسمت ابتسامة مراهقة صغيرة تعيش كل تلك المشاعر لأول مرة دفعة واحدة. إنه يعيد لها مشاعر ظنت أنها لن تعيشها أبداً، يعيد لها أنوثتها الحقيقية.
عندما انتهيا من رحلة التسوق تلك، عادا إلى المنزل ثانية وعندما وصلا، فتح رامز الباب ثم وضع الألعاب جانباً وحمل نانسي واتجه بها إلى الغرفة ووضعها على السرير وهو يقول"
- خلاص قرينا ميكي وشفنا النونو واشترينا العرايس، لازم الحلوة تنام وترتاح بقى

"ابتسمت لطريقته تلك وكأنه يحدِّث طفلة صغيرة، قالت"
- أنا مبسوطة، مش هعرف أنام

"هز رأسه في نفي قائلاً"
- الدكتور قال لازم ترتاحي

"ثم صمت للحظات وقال"
- كمان أنا لازم امشي

"قالت في لهفة"
- فين؟

"ابتسم قائلاً"
- هرجع البيت، زمان رامـي بيدوَّر عليا، أنا قافل تليفوني من بدري

"هزت رأسها متفهمة قبل أن تقول في هدوء"
- ممكن ماتغيبش عني كتير؟

"مسح بيده على وجنتها وقال"
- ماتخافيش، هجيلك تاني

"ابتسمت فقبَّلها قائلاً"
- تصبحي على خير يا حلوة!

"ثم خرج من الغرفة ومن المنزل كله لتتمدد هي على سريرها وتغمض عينيها في تعب وحزن،
لقد قدم لها الدنيا في عدة ساعات ثم رحل فجأة.
تنهدت بقوة وعادت تذكِّر نفسها أن ما فعله معها ليس علامة على أنه سيكون لها، هو ليس لها، ولن يكون، ستكون بالنسبة إليه أماً لطفله فقط، إنها حتى لا تطمح في أن تصبح زوجة له.
حسناً... ما يهمها فقط هو أن تراه حتى ولو لمرة واحدة كل أسبوع، ستكتفي بذلك وحسب."

.....

"وعندما عاد رامز إلى القصر، كان الوقت متأخراً فلم يشأ أن يدخل إلى غرفة رامـي فربما يكون نائماً.
صعد إلى غرفته، وبمجرد أن فتح الباب حتى شعر بأن قلبه قد توقف من الفزع عندما وجد رامـي بالداخل يجلس على السرير في الظلام.
فتح النور ثم أغلق الباب خلفه وقال دون إشارة في ضيق"
- يا أخي حرام عليك وقعت قلبي... ما تفتح النور، قاعد في الضلمة ليه كده؟

"ضحك رامـي ضحكة خفيفة ثم أشار"
- كنت مستنيك، اتأخرت اوي

"رد رامز ساخراً"
- هو أنت مراتي ولا ايه؟! ما آجي أي وقت أنا حر

"نظر له رامـي في ضيق ثم أشار"
- أنا غلطان إني قلقت عليك ومابتردش على رسايلي كمان من الصبح، أنا همشي

"وعندما همَّ بالقيام من على السرير، أوقفه رامز مشيراً"
- خلاص استنى، هقولك

"ثم صمت للحظات قبل أن يشير"
- بس مش عاوز حد يعرف أبداً، والأهم... مش عاوز عصبيتك اللي بتطلع فجأة دي

"ظل رامـي صامتاً وقد بدأ القلق يتسرب إليه، أشار رامز"
- كنت عند الدكتور، بشوف ابني

"نظر له دون فهم ثم أشار"
- ابن إيه؟

"صمت رامز قبل أن يشير"
- نانسي حامل

"نظر له رامـي في صدمة كبيرة ثم أشار"
- أنت بتقول إيه؟ ازاي؟

"أشار رامز ولا يزال محافظاً على هدوئه"
- يوم عيد ميلاد يارا رحت الفندق وقابلتها هناك ليلتها، والنهاردة قالتلي إنها حامل

"كان رامـي لا يزال مصدوماً مما علم، أشار"
- أنت متأكد إنه منك؟

"أشار رامز في غضب"
- رامـي!! أنا مش أهبل عشان آجي اكلمك عن عيل مش مني

"أشار رامـي مهدئاً إياه"
- أنا بس عاوز اعرف أنت ناوي على إيه

"أشار رامز فوراً"
- اكيد الحمل مش هينزل، عشان كده رحت أنا ونانسي للدكتور عشان اتطمن عليها

"ظل رامـي ساكناً للحظات متردداً فيما سيخبره به ولكنه أشار"
- بس يا رامز... أنت فعلاً عاوز تخلف من نانسي؟

"لانت ملامح رامز وهو يشير"
- أنا صحيح ماتوقعتش حاجة زي كده تحصل، بس... نانسي تستاهل تكون أم، نانسي بتحبني، قالتلي إنها بطلت تشتغل في الفندق ده من ساعة ما قابلتني، قررت إنها مستحيل تكون لحد تاني غيري، وأنا كنت حاسس بده، دي حاجات مابتتزيفش، نانسي من جواها إنسانة بجد ومحتاجة فرصة، وفرصتها جت في الحمل ده، ماقدرش أحرمها منها ببساطة كده، هبقى ظالم.

"ثم ارتسمت على ملامحه ابتسامة وهو يشير"
- النهاردة لما رحنا عند الدكتور وشفنا البيبي عالسونار كانت فرحانة اوي، حسيت إنها مش مصدقة اللي هي فيه، حسيت إني قدمتلها الدنيا كلها في إيديها

"ثم ضحك مشيراً"
- وبعدين رحنا محل لعب عشان نشتري شوية عرايس، كانت عاملة زي العيال الصغيرة من كتر الفرحة، حسيت إني عاوز اعملها حاجات كتير عشان افضل شايف فرحتها دي

"كان رامـي يراقب إشاراته ويشعر في داخله بأنه يفهمه تماماً بل حتى أنه يتعاطف مع نانسي، اتبع رامز"
- نانسي عارفة إن قلبي عمره ما هيكون معاها، وإن كل اللي بيننا بالنسبة لي شوية وقت حلو وبس، ودلوقتي اللي هيبقى بيننا طفل، هو الحاجة الوحيدة اللي أقدر أعوضها بيها عن الحب اللي مش هقدر أقدمهلها

"تنهد رامـي في حيرة قبل أن يشير"
- وناوي تتجوزها؟

"أشار رامز مؤكداً"
-اكيد، مستحيل ابننا يجي واحنا مش متجوزين

"نظر له رامـي قبل أن يشير"
- والعيلة؟ سليم بيه وسناء هانم؟ أكيد مش هيشوفوا الموضوع زي ما أنت شايفه

"أشار رامز في ثقة"
- موافقتهم من عدمها ماتهمنيش، أنا مش هتخلى عن ابني أبداً، أصلاً أنا لسة ماقررتش إذا هعرفهم بوجوده ولا لا

"أشار رامـي مستفهماً"
- ناوي تخبيه يعني ولا إيه؟

"هز رامز رأسه في حيرة وأشار"
- لسة مافكرتش في حاجة، كل اللي يهمني إن هو ونانسي يبقوا في أمان

"ظل رامـي ساكناً فنظر له رامز وأشار"
- هتقف جنبي يا رامـي؟

"نظر له رامـي للحظات قبل أن يبتسم مشيراً"
- هتسميه إيه؟

"ابتسم رامز في سعادة مشيراً"
- رامز... نانسي عاوزاه على اسمي عشان يبقى شبهي

"ابتسم رامـي مشيراً قبل أن يعانقه"
- مبروك يا رامز!

"عانقه رامز في سعادة وقد شعر بالراحة لمساندة أخيه له، لطالما كان رامـي يعني له كل العائلة وموافقته ودعمه هي موافقة ودعم العائلة كلها بالنسبة له.
أما رامـي، فقد كان سعيداً... لقد استطاع أن يعانق أخاه أخيراً، وشعر بالأمل في أن يتمكن من تجاوز كل العقبات النفسية التي تواجهه يوماً ما."

.....

"وبعد يومين، ذهب رامز إلى منزل نانسي، دق الباب لتمر دقائق قليلة حتى فتحت الباب أخيراً وهي ترتدي قميصاً قصيراً ومن فوقه مريلة المطبخ وتجمع شعرها إلى الأعلى مثبتة إياه بمشبك الشعر وممسكة في يدها بملعقة خشبية، قالت في سعادة"
- جيت اهو، كنت في المطبخ بحضر الغدا وإيدي مش فاضية

"دخل من الباب وأغلقه خلفه ثم نظر متأملاً إياها، إنها تبدو فاتنة حتى في شكلها الفوضوي هذا، اقترب ناحيتها ثم قال بابتسامة"
- وطابخة إيه النهاردة يا ست الستات؟

"أمسكت بيده في سعادة وقالت"
- أكلة حلوة اوي، هتاكل صوابعك وراها، تعالى معايا!

"قادته نحو المطبخ فوجد صينية متوسطة تحتوي على قطع الدجاج الشهية ويبدو من رائحتها أنها تستدعيه ليلتهمها... تماماً كما يستدعيه الشكل الفوضوي لهذه التي تقف أمامه الآن.
أخذت قطعة بالشوكة ثم قربتها من فمه فأكلها، لمعت عيناه فجأة من السعادة وقال"
- إيه ده؟ تجنن يا نانسي!

"ضحكت كالأطفال قائلة"
- بجد بجد؟

"ضحك قائلاً"
- طبعاً، أنا هخلص الصنية دي النهاردة

"قالت في سعادة"
- بالهنا والشفا يا حبيبي! أنا ممكن اعملك تاني لو عايز

"ابتسم بشقاوة قائلاً"
- هتعمليلي منها كتير، بس مش النهاردة، هو أنتِ مش عاوزاني اجيلك تاني ولا ايه؟

"قالت سريعاً في لهفة"
- يا خبر! ده بيتك يا رامز!

"ابتسم لها ثم قبّل وجنتها قائلاً"
- خلينا نتغدى دلوقتي، وبعد الغدا محضرلك مفاجأة حلوة

"قالت في تشوُّق"
- مفاجأة إيه؟

"هز رأسه في رفض قائلاً"
- مش هقولك حاجة، أنا قلت بعد الغدا

"مر بعض الوقت وهما يتناولان الغداء معاً. كانت نانسي تسأله عن عمله وعن تفاصيل يومه ليخبرها بكل شيء كعادته وهي تستمع له باهتمام كبير في سعادة، وعندما انتهى الغداء، قبّل رامز يدها قائلاً بابتسامة"
- الأكل كان حلو أوي، تسلم إيدك يا حلوة!

"ابتسمت في سعادة فاتبع وهو يقودها خارج المطبخ قائلاً"
- تعالي بقى نشوف المفاجأة اللي عاملهالك

"ثم التفت لها قائلاً"
- غمضي عينك

"أغمضت عينيها في سعادة، وبعد لحظات سمعته يقول"
- افتح يا سمسم!

"فتحت عينيها فوجدته ممسكاً بثوب أبيض حريري رائع للغاية، قال في سعادة"
- إيه رأيك؟ حلو؟

"ابتسمت نانسي قائلة"
- حلو اوي، ده شبه فساتين الفرح

"ابتسم قائلاً"
- فعلاً... هو فستان فرح

"قلّت ابتسامتها قليلاً وهي تقول"
- ده عشان مين؟

"ضحك قائلاً"
- هيكون عشان مين؟ عشانك أنتِ

"قالت وقد تحولت ابتسامتها الواسعة إلى شبح ابتسامة"
- عشاني أنا؟ ليه؟

"قال متعجباً"
- عشان نتجوز، هو في واحدة بتتجوز من غير فستان فرح؟

"اختفت ابتسامتها تماماً وقالت بصوت خافت"
- نتجوز؟

"اومأ برأسه ثم قال بابتسامة ساحرة"
- تتجوزيني يا نانسي؟


"وجدت نفسها تهز رأسها برفض قائلة"
- لا، مستحيل

"نظر لها في دهشة فأولته ظهرها وهي تهذي كالمجنونة"
- ماينفعش يا رامز! اللي بتقوله ده ماينفعش، ما...

"قاطع هذيانها بيده التي أمسكت بذراعها وألفتتها إليه رغماً عنها قائلاً"
- أنتِ بتقولي إيه؟ إيه هو اللي لا وماينفعش؟

"قالت وقد ترقرقت عينيها بالدموع"
- ماينفعش نتجوز

"سألها وقد بدأ الغضب يسيطر على ملامحه"
- ليه؟

"قالت سريعاً"
- عشان أنا مانفعش أكون مراتك، أنا كل دوري في حياتك شوية الوقت اللي بتقضيه معايا وبس، وكوني هبقى أم ابنك ده مش سبب، ماينفعش تتجوز واحدة كانت...

"قال في نبرة حادة"
- نانسي!

"نظرت إليه في خوف فاتبع قائلاً وقد قست عيناه لأول مرة في نظرته لها"
- لآخر مرة بقولك إياكِ اسمع الكلام ده مرة تانية، كل حاجة حصلت زمان تنسيها من دماغك خالص، أنتِ ليّ من ساعة ما قابلتك أول مرة لغاية دلوقتي، وهتفضلي ليّ مهما حصل، فاهمة؟؟

"اغرورقت عيناها بالدموع التي أخذت تتسلل إلى وجنتها وقالت في ضعف"
- أنا خايفة عليك، ماحدش هيقبل بحاجة زي دي، عيلتك لو عرفت هيـ...

"قاطعها ثانيةً ليقول"
- أنا مش عيل صغير عشان مابقاش واعي للي بقوله أو حتى أخاف من عيلتي

"ثم اتبع قائلاً وقد أخذ يهدئ من نفسه حتى لا تخاف أكثر"
- أنتِ لسة ماتعرفينيش كويس، وماتعرفيش إني لما اعوز حاجة ماحدش يقدر يمنعني عنها

"ثم اتبع"
- أنا مش محتاج أبلغ أي حد بجوازنا، رامـي وكرم صاحبه بس اللي يعرفوا بجوازنا الليلة دي، وهيشهدوا على العقد

"نظرت له في صدمة قائلة"
- الليلة دي؟

"أجابها قائلاً في ثقة"
- أيوة الليلة دي، مافيش أي داعي إننا ناجل الموضوع ده، ماينفعش ابننا يجي واحنا مش متجوزين

"ثم مسح دموعها وقال بوجوم على الرغم من كلماته الساخرة"
- ولو مابطلتيش عياط في كل جملة اقولهالك أنا هطلقك بعد شهر العسل، أنا ماحبش الزوجة النكدية

"فغرت فمها قائلة"
- شهر عسل؟

"عادت ابتسامته ثانيةً وقال بعد أن قرَّبها منه"
- ايوة، هما مش المتجوزين بيقضوا شهر عسل برضو؟

"نظرت إليه دون رد ولا تزال علامات الدهشة تملأ وجهها فقال بعد أن ضمها إليه"
- هعملك شهر عسل ماتنسيهوش طول عمرك

"قالت في بلاهة"
- بس أنا مالحقتش أجهز، حتى شعري ماظبطهوش

"ضحك منها ثم رفعها عن الأرض قليلاً وتوجه بها ناحية المرآة الموجودة في الغرفة، أوقفها أمامها ثم فك عنها المريلة التي ترتديها وألقاها جانباً، ثم فك مشبك الشعر الذي كانت ترفع شعرها به إلى الأعلى فانسدل شعرها الطويل الناعم على كتفيها ووجهها.
قال بعد أن ضمها إليه من الخلف وهو ينظر لها في المرآة"
- بصي لنفسك كده، تظبطي إيه بس؟ أنتِ متظبطة طبيعي

"ارتسمت الابتسامة مرة أخرى على وجهها وهي تتأمل نفسها وتنظر له في المرآة، كانت تتساءل في داخلها كيف يستطيع أن يبكيها ويضحكها في نفس الوقت، من المجنون يا تُرى؟ هو أم هي؟ قطع تساؤلاتها قائلاً"
- عاوزك تجهزي وتلبسي الفستان بسرعة عشان ننزل ومانتأخرش، لسة ورانا سفر

"التفتت له قائلة"
- سفر؟ فين؟

"قبّل وجنتها قائلاً"
- النهاردة يوم المفاجآت، كل حاجة هتعرفيها في وقتها

"حلَّ المساء، وكانت نانسي قد استعدت وبدت في أبهى صورة، كان الثوب ناعماً حريرياً يصل إلى الأرض، ضيقاً يرسم منحنيات جسدها الفاتنة، ذا حمالتين رفيعتين وشال أبيض خفيف يغطي كتفيها، وتركت شعرها الأحمر الثائر دون ربط أو وضع أية مشابك للشعر بناءاً على طلبه.
وقفت تتأمل نفسها في المرآة، إنها تبدو جميلة... تماماً كالعروس، هل حقاً هي عروس؟ أم أنه مجرد إجراء روتيني فقط لمصلحة الطفل الذي تحمله الآن؟ بالطبع هو كذلك... لولاه لما رأته مرة أخرى بعد ليلة الفندق تلك، إنه مجبر، وهي حزينة... حزينة لأنها حتى ولو ارتدت كل ليلة ثوب عرس لأجله لن تكون عروسه. عروسه الحقيقية ستكون من سكنت قلبه قبل أي شيء.
كان هو أيضاً قد استعد فأحضر معه بدلة أنيقة للغاية جعلت وسامته تشتد أكثر.
وقف يتأمل نفسه في المرآة وعلى وجهه ابتسامة مغرورة، على الرغم من غرابة ذلك الزواج المفاجئ إلا أنه سعيد، وهل يكره الزواج من امرأة مثل نانسي؟ امرأة لطالما أسعدته وتسعى دوماً لرضاه و حبه، كما أنها جميلة للغاية... جميلة بشكل لا يوصف، ولن يستطيع الاقتراب منها إلا بعقد الزواج هذا، لن يسعفه ضميره على فعل ما كان يفعله في الماضي دون قواعد محددة، لقد أصبحت أم طفله وليست فتاته الوديعة التي كان يذهب إليها متى يشاء و يرحل عنها متى يشاء، و هي لا تفعل شيء سوى الانتظار.
مر بعض الوقت حتى خرج من الغرفة التي كان يستعد فيها وذهب إلى غرفتها وطرق الباب قبل أن يدخل ويتسمَّر مكانه من فتنة ما رأى، وفجأة... أطلق صفيراً عالياً ثم هتف بعشوائية"
- يخرب بيت حلاوة الست الوالدة!

"ضحكت نانسي وأحمر وجهها، تقدم ناحيتها حتى اقترب منها كثيراً وقال"
- ده أنا طلع ذوقي حلو في الفساتين بقى

"نظرت إليه وقالت في دلال"
- الفساتين بس؟

"اقترب منها أكثر ولف ذراعيه حول خصرها قائلاً بابتسامة عابثة"
- في كل حاجة يا حلوة!

"دفعته عنها بهدوء ثم قالت بضحكة مدللة"
- يا رامز هنتأخر، أنت مش لسة كنت بتستعجلني؟!

"ابتسم قائلاً"
- ماشي، هصبر شوية كمان مايجراش حاجة

"ثم أخذها وخرجا من الغرفة ومن المنزل متوجهين إلى مكتب المأذون، وهناك كان رامـي وكرم ينتظرانهما.
لم يمر وقت طويل حتى تمت إجراءات الزواج وألبسها خاتماً من الماس رائعاً للغاية، وعندما خرجوا جميعاً من هناك، ابتسم كرم مصافحاً رامز قائلاً"
- ألف مبروك يا رامز!

"صافحه رامز قائلاً بابتسامة هو الآخر"
- الله يبارك فيك

"ابتسم رامـي مشيراً لرامز"
- مبروك!

"أشار رامز بابتسامة"
- الله يبارك فيك

"نظر رامـي إلى نانسي التي كانت ممسكة بيد رامز اليسرى واومأ لها بابتسامة خفيفة ففهمت أنه يحييها فابتسمت هي الأخرى، عاد رامـي ليلتفت إلى رامز وأشار"
- هتسافروا دلوقتي؟

"هز رامز رأسه بالإيجاب مشيراً"
- ايوة، هنرجع كمان أسبوع

"ثم اتبع"
- زي ما اتفقنا يا رامـي، مش عاوز بابا يحس بحاجة

"هز رامـي رأسه مطمئناً إياه ليشير"
- ماتقلقش، كله هيبقى تمام

"ودّع رامز كل من رامـي وكرم ثم أخذ نانسي في السيارة متوجهاً إلى المطار، وفي الطريق سألته نانسي"
-احنا مسافرين فين؟

"ابتسم قائلاً"
- باريس

"نظرت إليه وقالت في دهشة"
- باريس؟!

"اومأ قائلاً بابتسامة"
- مش قلتلك هعملك شهر عسل مايتنسيش؟

"ثم اتبع مزيناً كلماته بغمزة"
- ماتستعجليش في الأسئلة، كله في وقته حلو

.....

"ودَّع رامـي كرم، الذي ذهب إلى زوجته وطفله الصغير اللذان قد وعدهما بنزهة إلى السينما، وقرر الذهاب إلى الشركة.
ولم يدرِ بالفعل ما الذي حثه على الذهاب هناك، ولكنه التقي بشمس، التي كانت تسير متعثرة في أغراضها الكثيرة التي تنوعت بين حقيبة حاسوبها وأوراق المشاريع وحقيبة يدها الكبيرة التي كانت تنظر فيها أثناء السير وتبحث عن شيء ما حتى اصطدمت به هو الذي كان يسير شارداً أيضاً وعاد من شروده على ما حدث للتو.
نظرت إليه في صدمة ثم قالت سريعاً"
- أنا آسفة جداً ماشفتش حضرتك

"ثم همت بالتقاط حقيبتها التي سقطت على الأرض، ولكنه أشار لها بأن تبقى كما هي ليهم هو بالتقاطها ولمح بالداخل دفتراً صغيراً كان مفتوحاً على رسمة غير مكتملة، ولسبب ما لا يعلمه شعر أنه يعرف تلك العين جيداً، ولكنه لا يدري لمن تكون.
عندما أعطاها الحقيبة، ابتسمت بامتنان فنظر لها وكأنه يريد أن يقول شيئاً، ولسبب ما لا تعلمه هي الأخرى، لم ترحلْ بل ظلت متوقفة تنتظر الشيء الذي يريد قوله، وجدت نفسها تقول"
- حضرتك عاوز تقول حاجة؟

"نظر لها ثم اومأ برأسه فنظرت له نظرة تستدعيه بأن يخبرها، أمسك بهاتفه وكتب بسرعة"
- ممكن نروح المكان اللي قعدنا فيه سوى أول مرة؟

"نظرت إليه للحظات، هل لا يزال يذكر تلك الليلة؟ لقد ظنت أنه قد نسيها تماماً.
كانت بالفعل ذاهبة إلى هناك لتستريح قليلاً ولتكمل رسمتها الغير مكتملة، ولكن هل يوجد أفضل من مجالسة الأصل بدلاً عن الصورة؟
وجدت نفسها تقول بابتسامة هادئة"
- اكيد

"ابتسم في راحة، إنه بالفعل بحاجة إلى الجلوس مع شخص ما بدلاً من قضاء ليلته وحيداً يفكر في كل العبث الذي تسبب فيه رامز وكل التحقيقات التي سيجريها والده معه في الغد.
شعرت هي بتأثير موافقتها عليه وتعجبت، هل حقاً موافقتها كانت هامة إلى هذه الدرجة؟
وجدته يشير لها لتتقدمه إلى حيث المصعد فتوجهت معه ونزلا سوياً إلى الجراج للذهاب في سيارته إلى هناك.
وعندما وصلا، جلسا عند نفس الطاولة التي جلسا عندها أول مرة، وطلبت شمس القهوة لرامـي ولنفسها عصير برتقال.
كان رامـي ينظر إلى الطريق من خلف النافذة في شرود وبدى كأنه يفكر في شيء محزن لأنها لمحت طيف من الحزن مر بعينيه.
إنه تركيبة غريبة للغاية، كيف يجمع كل تلك الصفات المتناقضة؟ لو كانت مكانه لجُنَّت منذ زمن.
مر بعض الوقت في هذا الصمت الغريب حتى أتى النادل بالمشروبين ووضعها أمامهما ثم رحل، وجدته قد عاد من شروده لانتباهه لحركة النادل ثم أخذ رشفة من قهوته، وعندما نظر لها، لم تستطع منع فضولها وسألته"
- أنا أول مرة اشوف حضرتك في الشركة في الوقت ده، كان في مشكلة؟

"ظل ساكناً فأخذت تؤنب نفسها على سؤالها حتى وجدته يكتب"
- لا ماكانش فيه مشكلة، وماعرفش أنا رحت هناك ليه

"تعجبت من إجابته كثيراً ودفعتها حالته الهادئة تلك لسؤاله"
- باشمهندس رامـي! حضرتك كويس؟

"نظر لها قبل أن يكتب"
- بلاش باشمهندس وحضرتك برة الشغل، مش لايقة عالجو هنا

"قالت بابتسامة متعجبة"
- نهال قالتلي إنك بتحب الرسمية

"ابتسم ثم كتب"
- في الشغل بس عشان مابحبش التهريج، لكن برة الشغل أنا رامـي عادي

"ابتسمت متفهمة فاتبع"
- بدأتي تتعلمي لغة الإشارة؟

"اومأت بالإيجاب فاتبع في اهتمام"
- وصلتي لفين؟

"قالت وهي تعيد الحركات التي تعلمتها بيدها الموضوعة على الطاولة دون شعور، وهو يطالعها ولا يفهم منها شيئاً فهي توحي بحروف متفرقة فقط"
- اتعلمت الحروف بس لسة ماقدرش اتعامل بيها

"ثم اتبعت بابتسامة مُحرَجة"
- يعني لسة هنحتاج الموبايل شوية

"ابتسم لها ثم كتب"
- أنا متأكد إنك هتتعلميها بسرعة

"ابتسمت له دون رد فاتبع بعد تردد"
- أنتِ لسة زعلانة مني يا شمس؟

"نظرت إليه دون رد، ما به؟ شعرت بالضيق لذكرى ما حدث منذ مدة ولكنها قالت ببساطة"
- كنت مضايقة جداً في الأول بس دلوقتي خلاص... مش زعلانة

"ابتسم لها فاتبعت"
- على فكرة أنت تركيبة غريبة اوي

"نظر لها في تعجب فاتبعت بمنتهى التلقائية"
- يعني أول مرة اتكلمنا فيها كنت بسيط أوي واعتذرتلي عن موقف سلم الحريق، وبعدين اتقابلنا صدفة هنا وكنت بتتكلم وبتضحك معايا لدرجة إني نسيت إنك مديري وحسيت إني بكلم واحد صاحبي...

"لم تتغير نظراته المتعجبة وهي تتحدث محللة إياه بمنتهى البساطة لتتبع بنفس الطريقة"
- وبعدين فجأة شفت حد تاني خالص عنده من الشدة والغرور اللي يكره الناس فيه، ودلوقتي تاني بشوف الشخص الطيب اللي بيضحك ويعتذر

"ثم ختمت حديثها بطريقة المحققين"
- أنت ليك أخ تؤام؟!

"وجد نفسه يضحك بشدة من كلماتها فأخذت تراقبه هي مبتسمة، كتب مفسراً لها"
- أنا دايماً الشخص الطيب البسيط، وأنتِ من الناس القليلين اللي شافوا الوش التاني، يعني أنتِ السبب.

"قالت وقد رفعت حاجبها الأيسر في مرح"
- احنا هنعيده تاني؟

"ضحك ثم كتب"
- لا خلاص، أنا كمان مابحبش الوش التاني

"ضحكت هي الأخرى فاتبع"
- على فكرة... أنا ماقلتش سرك لحد لما مشيتي

"نظرت إلى الهاتف في صدمة ثم نظرت إليه فوجدته يطالعها بابتسامة فقالت"
- أنت عرفت منين إني فكرت في الموضوع ده؟

"ضحك ثم كتب"
- رامز كان معاه حق، كلكم نفس الكتاب

"نظرت إليه باستغراب فاتبع"
- كان بيقول إن البنات لما بيزعلوا من حاجة كبيرة بيفكروا جنبها في حاجات صغيرة عشان يزعلوا مرة واحدة

"رفعت حاجبيها في دهشة وهي تقرأ جملته، لقد أخبرتها ندى بأن رامز يتحدث بمهارة وخبرة فائقة عن كل ما يتعلق بنفسية الفتيات من وجهة نظره، ولكنها لم تكن تعلم أن خبرته قد انتقلت إلى أخيه، والذي أجاد استخدامها وكأنه كان يجلس داخل رأسها عندما كانت تبكي في سلم الحريق.
نظرت إليه وقالت في غيظ طفيف"
- واضح إن مواضيعكم سوى شيقة أوي

"ضحك منها ثم كتب"
- يعني أنا صح؟

"صمتت للحظات قبل أن تعترف قائلة"
- أيوة، للأسف

"ابتسم دون رد فاتبعت"
- بس أنا كده عرفت إن خناقاتنا هتبقى شريفة ومافيهاش فضح للأسرار

"كتب متعجباً"
- خناقاتنا؟!

"نظرت إليه مبتسمة في ثقة قائلة"
- ماعتقدش إنها هتكون آخر خناقة بيننا

"ثم مالت على الطاولة وقالت في تحدٍ"
- ولا أنت ناوي تنسحب؟

"مال هو الآخر على الطاولة وكتب بنظرة مليئة بالتحدي"
- أنا مابنسحبش، أنا بكمل لآخر نفس.

.....

"وعندما وصلا فرنسا وذهبا إلى الفندق المطل على شواطئ الريفيرا الساحرة، رحبت بهما موظفة الاستقبال وهنأتهما بالزواج، وأعطت رامز مفتاح الجناح الذي قام بحجزه مسبقاً لقضاء أسبوع كامل فيه.
كانت نانسي تراقب المكان من حولهما في صمت وهدوء مثلما كانت تفعل طوال الطريق بين شوارع المدينة التي مرّا بها وصولاً إلى الفندق.
عادت من شرودها عندما شعرت بيد رامز التي أحاطت بخصرها فوجدته يبتسم لها ويقدمها أمامه وصولاً إلى المصعد.
وعندما وصلا إلى الطابق الخاص بالجناح، حملها فجأة فانطلقت منها صرخة صغيرة، قالت"
- أنت بتعمل إيه؟

"ضحك قائلاً"
- هو مش العريس بيشيل عروسته ليلة الدخلة ولا ايه؟

"كررت كلمته بابتسامة ساخرة"
- ليلة الدخلة؟!

"ابتسم رامز في مكر وقد فهم قصدها وقال بعبثية"
- الليلة دي غير يا حلوة!

"لأول مرة تشعر بالتوتر فخبئت وجهها في عنقه حتى لا يراها فانطلقت منه ضحكة ماكرة حتى وصلا إلى الجناح ليفتح الباب ويتقدم إلى الداخل ويغلقه بقدمه ثم سار بها إلى حيث غرفة النوم."

****

"لم تمر ساعات طويلة على نومهما حتى شعرت نانسي بأصابعه التي كانت تدور على ملامح وجهها لتستيقظ.
فتحت عينيها ببطء عندما شعرت بنقطة ماء نزلت على وجهها فوجدته يجلس إلى جوارها بشعره المبلل وقد هز رأسه قليلاً ليتطاير الماء فوق وجهها وتستيقظ، ضحكت كثيراً ليقول بابتسامة"
- صباح الخير يا حلوة!

"تنهدت في راحة وهي تتأمل تقاسيم وجهه الرائعة وقد بللتها المياه ثم مدت يدها لتزيح خصلات شعره القصيرة وتعيدها إلى الوراء وهي تقول"
- صباح النور يا حبيبي!

"قال وهو يجلسها إلى جواره"
- عايز نشاط، قومي خدي دوش بسرعة عشان هننزل البحر

"نظرت إليه قائلة"
- البحر؟

"اومأ برأسه فاتبعت"
- بس أنا مابعرفش اعوم

"ابتسم بعبث قائلاً"
- امال أنا موجود ليه يا ننوستي؟!

"ابتسمت نانسي في سعادة لتلك اللحظات الرائعة التي تعيشها دفعة واحدة منذ البارحة حتى شعرت بأنها تكاد تصاب بإغماء مفاجئ.
لم يمر وقت طويل حتى أنهت حمامها وخرجت لتجد زي سباحة فاتن جداً من نفس درجة لون شعرها في انتظارها، هيأت شعرها ورفعته لأعلى ثم ارتدته ومن فوقه ثوباً خفيفاً حريرياً ملائماً للشاطئ.
وجدت رامز يدخل إليها وقد استعد هو الآخر ولكنه حين دخل ورآها عقد حاجبيه في ضيق، إنها تعرف تلك النظرة التي تصدر من عينيه عندما يجد ما لا يسره، قالت في قلق"
- ايه الوحش؟

"اقترب ناحيتها ثم نظر إليها للحظات قبل أن ينزع مشابك الشعر لينسدل شعرها مرة أخرى بحرية، نظر لها وهو لا يزال عاقداً حاجبيه وقال بلهجة شبه آمرة"
- مش عاوز اشوفه مرفوع تاني، مفهوم؟

"اومأت برأسها بسرعة فنظر لها للحظات قبل أن يقول"
- يلا ننزل

"رفعت كتفيها لأعلى علامة على الرفض فقال"
- في إيه؟

"قالت متصنعة العبوس"
- مش هنزل وأنت كده

"ضم حاجبيه أكثر متسائلاً"
- كده ازاي؟

"مدت إصبعيها ناحية جبهته وأخذت تسير بهما بين حاجبيه بطريقة دائرية وهي تقول بدلال"
- ماحبش اشوف حبيبي مكشر

"لم يستطع المقاومة أكثر ففك عقدة حاجبيه ثم أسند جبهته إلى جبهتها وهو يطوقها بذراعيه قائلاً"
- خلينا نخرج من هنا بدل ما ألغي الفكرة حالاً

"ضحكت منه فحملها خارجاً بها من الغرفة سريعاً متوجهاً إلى الشاطئ الذي قضيا في بحره النهار بأكمله وهو يعلمها السباحة وهي تعلمه النسيان."

.....

"استيقظ رامـي من نومه دون كوابيس كالعادة، كان هذا نفس التأثير عندما قابلها أول مرة بنفس المكان، قضى ليلته دون كوابيس.
قام من سريره ليأخذ حماماً دافئاً، وقبل أن يخرج، توقف أمام المرآة وأطال النظر في عينيه قليلاً اللتين اتسعتا في دهشة عندما تذكر العين التي كانت في الدفتر، هل كانت ترسمه؟ لا... مستحيل.
خرج من الحمام سريعاً ثم ارتدى ملابسه وخرج من الغرفة وهو على استعداد لتساؤلات أبيه المتوقعة.
وعندما نزل إلى الأسفل، كان السيد سليم يجلس على رأس الطاولة وسالي تجلس على يساره فجلس هو على يمينه وأشار بابتسامة"
- صباح الخير يا بابا!

"ابتسم أبيه مشيراً"
- صباح النور

"مرت دقائق وهم يتناولون الإفطار حتى سأله والده"
- هو رامز فين؟

"صمت رامـي للحظات قبل أن يشير في ثقة"
- مسافر

"سأله والده بدوره"
- فين؟

"أشار رامـي سريعاً حتى لا تبدو إجاباته مترددة"
- في شغل

"أشار والده متعجباً"
- شغل؟ بس احنا ماعندناش شغل برة يستدعي سفر حد مننا

"أشار رامـي في ثبات"
- شغل يخصني أنا... تبع شركتي الخاصة

"صمت والده قبل أن يشير"
- ورامز يسافر في شغل يخصك ليه؟

"أشار رامـي ولا يزال محتفظاً بثقته"
- في شركة برة مصر عايزين نتعامل معاها من مدة بس للأسف مترددين يوافقوا، وبالصدفة مديرها طلع يعرف رامز، اتفقنا يسافر هو مع كرم ويحاول يقنعه بالتعامل معانا، وبعدها أنا هسافر بنفسي عشان نتمم كل حاجة خصوصاً إني مش فاضي الفترة دي عشان بخلص حاجات هنا بخصوص مشروعنا

"هز والده رأسه متفهماً فالتقط رامـي أنفاسه لأن كذبته قد تمت للنهاية دون أن تنكشف،
وبعد أن أنهوا فطورهم، طلب رامـي من والده الحديث معه في أمر ما فذهبا سوياً إلى غرفة المكتب، وعندما جلسا أشار والده"
- خير يا رامـي؟ موضوع إيه اللي عايزني فيه؟

"صمت رامـي للحظات قبل أن يشير"
- أنا عاوز ارجع المزرعة تاني

"نظر والده إليه وبدى عليه الضيق وأشار"
- ليه؟ هو في حاجة ضايقتك هنا؟

"رد رامي مشيراً"
- مافيش حاجة حصلت بس أنا برتاح هناك، وجيت هنا عشان زيارة عمتو سناء، وخلاص الزيارة خلصت

"نظر والده له قبل أن يشير"
- ووجودك معايا هنا مش سبب؟

"ظل رامـي صامتاً لا يجد رداً فاتبع والده مشيراً"
- اللي يريحك

"ابتسم رامـي له ابتسامة خفيفة قبل أن يتبع"
- في موضوع كمان

"نظر والده له متسائلاً فاتبع"
- الوعد اللي حضرتك وعدتهولي قصاد إني ارجع الشركة

"تنهد والده ثم أشار"
- مش ناسي يا رامـي، أنا فعلاً بدور عليها وأول ما أوصلها هقولك

"ثم نظر له قبل أن يشير"
- أنا اديتلك كلمة ومش هخل بيها

"هز رامـي رأسه متفهماً ثم استأذنه ليذهب فأذن له، وعندما خرج، ظل هو جالساً في مكانه يفكر، لن يخبره بمكانها الآن، لديه حديث معها أولاً."

****
"ذهب إلى منطقة راقية بعيدة عن منطقتهم، وتوقف بسيارته أمام منزلها ليراها، كانت تعيش في منزل متوسط ولديه حديقة صغيرة مليئة بالأزهار خاصة التيوليب، والتي لطالما كانت أزهارها المفضلة.
كانت تتجول في الحديقة تسقي الأزهار فراح يتأملها، لا تزال جميلة كما كانت رغم مرور خمسة وعشرين عاماً، إنها حتى لا تزال أجمل من شقرائه المجنونة التي تزوجها في تلك اللحظات التي غلبه فيها غروره.
لا تزال محتفظة بسواد شعرها ولم تسمح للخصل البيضاء بانتهاك جماله كما أوشك الشيب أن يفعل معه.
وعندما دخلت إلى المنزل، قرر النزول من السيارة والتوجه إلى المنزل ليواجهها بعد كل تلك السنوات.
عندما وصل ناحية الباب، توقف قليلاً أمامه قبل أن يرن الجرس، مرت لحظات حتى فُتِحَ الباب وواجهته عينان خضراوان لطالما أحب النظر إليهما فيما مضى، كان وجهها بشوشاً مرسوماً عليه ابتسامة رائعة سرعان ما اختفت عندما رأته."

***

"بعد أن أنهت عملها بالحديقة، دخلت إلى المنزل وبدّلت ثيابها، وتوقفت أمام المرآة للحظات،
لأول مرة لا يبدو الإرهاق في عينيها التي لطالما امتلأت بالدموع كل ليلة حتى تنام، نظرت إلى الصورة الموجودة إلي جانب المرآة وشردت فيها للحظات.
كانت صورتها هي وسليم ورامز الذي كان لا يزال في الرابعة من عمره ورامـي الذي كان في الثانية ممسكاً بلعبته الأثيرة التي أهدته إياها في عيد ميلاده، هل لا يزال محتفظاً بها؟
ابتسمت في حزن حتى قطع شرودها صوت الجرس فذهبت لتفتحه لتصدم بوجوده أمامها، لم تتوقع أبداً رؤيته بعد كل تلك السنوات، لم تكن تتوقع حتى عندما عادت إلى مصر منذ أشهر قليلة أنه سيعلم بهذه السرعة ويأتي، هل لا يزال يتقصى أخبارها إلى الآن؟
لم يتغير كثيراً، لا يزال محتفظاً بهيبته وطلته المغرورة ونظرته الحادة من عينيه الرمادية اللامعة ورأسه المرفوع في كبرياء.
مرت دقائق قليلة حتى قطع هو الصمت قائلاً بصوته العميق"
- إيه يا رقية! مش هتقوليلي اتفضل؟!

"اشتعل خضار عينيها في غضب قائلاً"
- ايه اللي جابك يا سليم؟

"ابتسامة جانبية ثم دخل دون إذن وهو يقول"
- ماتعودتش عليكي تعاملي ضيوفك كده

"قالت في حنق"
- لما يبقوا ضيوف مرغوب فيهم

"جلس على الكرسي ثم وضع ساقاً فوق أخرى وقال في ثقة"
- خلاص مابقاش مرغوب فيّ؟

"قالت في ضيق"
- إيه اللي فكرك بيّ بعد السنين دي كلها؟

"ابتسم في ثقة قائلاً"
- أنا مانسيتش عشان افتكر، أنتِ اللي شكلك نسيتي

"نظرت إليه في تعجب متسائلة"
- نسيت ايه؟

"قال ببساطة"
- ولادنا، نسيتيهم؟

"قالت في لهفة"
- هما فين؟ جم معاك؟

"هز رأسه في نفي قائلاً"
- بس هييجوا، ده الموضوع اللي أنا جايلك عشانه

"اقتربت ناحيته ثم جلست على الكرسي المجاور له وقالت سريعاً"
- هييجوا امتى؟ هما عاملين إيه؟

"نظر لها ليرى ملامح وجهها الملهوفة والمتشوقة لابنيها ثم قال"
- كويسين، كبروا واتغيروا كتير عن زمان

"ترددت قبل أن تسأل"
- رامز لسة زعلان مني؟

"رد قائلاً"
- مابيتكلمش، بس أنا عارف، أنتِ وحشاه

"لمعت عينيها بدموع لم تنزل وقالت بصوت خافت"
- ورامـي؟

"رد في ضيق"
- هو اللي خلاني ادور عليكي واوصلك، رامـي بقاله خمسة وعشرين سنة بعيد عني بسببك

"قالت بصوت منخنق ضائق"
- بسببي أنا؟ لسة شايفني السبب في كل اللي حصل يا سليم؟ لسة مش عاوز تعترف باللي عملته؟

"قال في كبر وعناد"
- أنا مش جايلك النهاردة عشان نتكلم في مين السبب، أنا عاوز السد اللي بيني وبينه ينهار، ومافيش أي حاجة هتساعدني غير إني اخليه يشوفك، أنا وعدته.

"ظلت صامتة، ولكن نظرات عينيها المعاتبة والمجروحة كانت تصرخ بدلاً عنها، اتبع قائلاً"
- في حاجتين عاوزك تعرفيهم قبل ما تشوفي رامـي تحديداً

"قالت بصوت خافت"
- إيه هما؟

"قال في قوة"
- رامـي من بعد اللي حصل زمان وهو رافض يقرب من أي حد، مابيطيقش إن حد يلمسه أو يحضنه، يعني لما يجي ويشوفك ماتقربيش منه غير إذا هو اخد الخطوة دي، مفهوم؟

"بمجرد أن أنهى جملته نزلت دموعها رغماً عنها فلم يتوقف بل اتبع"
- والحاجة التانية...

"صمت للحظات قبل أن يكمل"
- رامـي حاول يهرب بعد ما أنتِ مشيتي، ورجع وهو عنده حمى شديدة خرج منها بعد فترة كبيرة بس للأسف...

"عاد ليصمت ثانية قبل أن يكمل في حزن"
- بقى أصم

"شهقت رقية في صدمة ولم تتمالك أعصابها فقامت من مكانها وقالت"
- أنت بتقول ايه؟ رامـي بقى أصم؟

"حاول أن يتكلم ولكنها قالت في غضب"
- هي دي الرعاية وهو ده الأمان اللي اخدتهم مني بحجته؟؟ هي دي الأمانة يا سليم؟

"قال في غضب"
-وطي صوتك

"صرخت فيه قائلة"
- حرمتني منه زمان ودلوقتي حرمتني من حضنه وصوته، أنت إيه؟ ماعندكش قلب؟!

"صرخ قائلاً"
- رقية!!

"نظرت إليه في صدمة فاتبع قائلاً في قوة"
- أنا أقدر افهمهم إنك متّي وماتشوفيش حتى ضلهم، لولا الوعد اللي وعدته لرامـي أنا ماكنتش جيت، أنا هعمل المستحيل عشان ماخسرش ولادي، ولو عالتربية فأنا قدمتلهم حاجات أنتِ عمرك ما كنتي هتقدري عليها، ولادنا مابقوش عيال، بقوا رجالة وناجحين، رامز بيدير شركتي معايا دلوقتي ورامـي بقى عنده شركة لوحده يعني حياتهم ماوقفتش.

"ابتسمت في يأس قائلة"
- وعرفت تعوضهم عن حنيتي؟ ولا فلوسك كانت كفاية؟

"قال في ثقة"
- سناء ربتهم أحسن تربية كأنهم ولادها وأكتر، ولما هتشوفيهم هتعرفي ده

"ثم اتبع في عناد"
- ماحدش قالك تبعدي

"قالت في يأس"
- عمرك ما هتتغير، نفس الكِبر والغرور

"قال غير مبالياً"
- مش مهم، أنا حبيت آجي واشرحلك كل حاجة عشان ماتتفاجئيش

"ثم اتبع محذراً"
- عشان مش هقبل أي نظرة أو إحساس بالشفقة ناحية رامـي، مش عاوزه يحس للحظة إنه عاجز أو أقل من حد

"قالت في غضب"
- أنا عمري ما ابص لولادي بالطريقة دي يا سليم! ولادي كانوا وهيفضلوا أحسن ولاد في الدنيا

"اطمئن لأن رسالته قد وصلت فقام من مكانه ثم توجه ناحية الباب وقال قبل أن يرحل"
- أنا هبلغهم بمكانك وهما يجولك وقت ما يحبوا، مع السلامة!

"وعندما رحل وأغلق الباب خلفه، عادت لتجلس على الكرسي واجهشت بالبكاء، لم يتغير فيه أي شيء، لا يزال يحمِّلها ذنب كل ما حدث، عاد ليوجع قلبها مجدداً على ابنيها ثم رحل، وفي ذهنها، أخذ سؤالاً مؤلماً يتردد... لماذا لم يُجِد الحب بقدر ما أجاد الجرح؟"

.....

"بعد أسبوع كامل من لحظات لا تنسى، عاد رامز على مضض من سفره، ولكن قضى ليلة عودته في منزل نانسي.
وفي الصباح، وأثناء ما كان هو يستعد للذهاب، كانت تجلس في سريرها تتأمله بابتسامة هادئة، وعندما انتهى من تبديل ملابسه وتوقف أمام المرآة، قامت من مكانها وتوجهت ناحيته وأمسكت بزجاجة العطر ورشَّت له منها ثم وضعتها مكانها ونظرت إليه في عشق قائلة"
- تجنن!

"ابتسم ابتسامة ساحرة فاتبعت وهي تعدِّل من رابطة عنقه"
- هشوفك تاني امتى؟

"رد قائلاً"
- مش عارف، بس هكون معاكي في ميعاد المتابعة أكيد

"ابتسمت في حنان قائلة"
- هتوحشني اوي

"ابتسم لها ثم أمسك بذقنها وقرَّب وجهها منه ليقبّلها قائلاً"
- سلام يا حلوة!

***

"عندما وصل رامز إلى الشركة، وفي طريقه إلى مكتبه، وجد سما وزينة وندى يتحدثن إلى جانب المصعد.
وعندما تقدم ناحيتهما ولمحته زينة، نبهت ندى وسما فتوقفتا عن الحديث، وعندما وصل إليهن، قال بطريقة خالية من السخرية على غير العادة"
- سايبين شغلكم وواقفين تحكوا هنا، برافو!

"شعرت كل من زينة وسما بالخجل بينما كانت ندى تنظر إليه بغرابة، نظر إلى زينة ثم قال"
- أنتِ مش مكانك تحت؟ طالعة فوق ليه؟

"هربت الدماء من وجهها فاتبع قائلاً في حزم"
- اتفضلي على شغلك، يلا!

"هربت مسرعة من أمامه بينما التفت هو إلى سما وقال"
- وأنتِ يا سما؟ أنا ماتعودتش اشوفك سايبة شغلك وواقفة بتحكي في الدور كده

"قالت سما في أسف"
- أنا آسفة يا باشمهندس! مش هتتكرر تاني

"اومأ برأسه قائلاً"
- تمام، اتفضلي على شغلك!

"وعندما رحلت سما أيضاً، ظلت ندى بمفردها أمامه، ظل ناظراً إليها للحظات بوجه واجم حتى ارتسمت ابتسامة مفاجئة على وجهه وقال"
- ازيك يا ندى؟

"ضمت حاجبيها في تعجب، كيف كان يتحدث معنفاً وكيف الآن يبتسم وكأن شيئاً لم يحدث؟ حتماً هو مجنون.
قالت وقد وضعت خصلات قليلة من شعرها خلف أذنها"
- كويسة

"قال وقد وضع يده في جيبه"
- مخصوم منك يوم

"نظرت إليه في دهشة ثم قالت"
- ليه؟ أنا عملت ايه؟

"قال ببساطة"
- أبداً، سايبة شغلك وواقفة بتحكي، ده وقت شغل مش استراحة

"قالت في ضيق وقد نسيت مع من تتحدث"
- ولما كنت بخرج من الشركة عشان اشرب كابتشينو مع صاحبها ماكانش وقت شغل؟

"ابتسم وقد أعجبته جرأتها ثم انحنى قليلاً حتى أصبح وجهه قريباً منها وقال"
- استراحتك أنا اللي بحددها يا ندى، وشغلك كمان أنا اللي بحدده، فاهمة؟

"عندما فعل ذلك، شعرت بأن قلبها قد سقط في قدميها، كيف سمحت له بأن يحدِّد ويتحكم بهذا الشكل؟ من أين له بهذا التسلط؟ ومن أين لها بهذا الضعف أمامه؟ كانت تنظر له غيظ فاتبع وقد استقام مجدداً"
- اتفضلي على مكتبك، وعاوزك تجيبيلي كل الشغل اللي كلفتك به قبل سفري، مفهوم؟

"ظلت صامتة ولم تتحرك، فقط تنظر إليه في غيظ فاتبع وقد انحنى مجدداً وكأنه يخاطب طفلة صغيرة"
- مفهوم يا ندى؟

"قالت بغضب مكبوت"
- مفهوم!

"ابتعدت من أمامه وهي تدب الأرض في غيظ بينما كان هو يطالعها بابتسامة ضاحكة من منظرها، ثم دخل إلى المصعد متوجهاً إلى مكتب والده، وعندما وصل هناك ورآه والده قال"
- حمد لله عالسلامة يا رامز بيه! عاش مين شافك والله

"رد رامز في ثبات محاولاً إخفاء ارتباكه"
- الله يسلمك يا بابا

"نظر له والده ثم قال"
- كنت فين؟

"كان رامـي يقف خلف والده فأشار سريعاً من خلفه أن يخبره بأنه كان في رحلة عمل تخص شركته، قال رامز في ثقة"
- كنت في سفرية شغل تبع شركة رامـي

"بدى والده أنه لم يصدقه فالتفت إلى رامـي الذي كان يقف محاولاً أن يبدو طبيعياً فقال"
- أنا متأكد إنكم مخبيين عليا حاجة، ده العادي بتاعكم.

"ظل كل منهما صامتاً فاتبع والدهما"
- اقعدوا انتو الاتنين، في موضوع عايزكم فيه

"جلس رامز ورامـي على الكرسيين المقابلين للمكتب بينما جلس والدهما على الكرسي الكبير، ظل صامتاً للحظات حتى قال"
- أنا لقيت مكان رقية

"نظر له رامز في صدمة بينما شعر رامـي بأن قلبه قد انكمش بداخله، اتبع والدهما قائلاً"
- ورحت قابلتها عشان اعرفها إنكم هتزوروها قريب، وهي مستنياكم

"قال رامز بصوت خافت"
- هي فين؟

"أعطاه والده ورقة صغيرة ثم قال"
- ده العنوان، تقدروا تزوروها دلوقتي لو حابين

"ثم نظر إلى رامـي، الذي كان ساكناً ولا يوجد تعبير واضح على وجهه، وقال"
- اعتقد إني كده وفيت بوعدي ليك يا رامـي

"نظر له دون رد حتى أشار"
- قلتلها إني مش هقدر اسمعها أو اكلمها؟

"رغم بساطة السؤال إلا أن والده قد شعر بأنه سهم اخترقه، قال"
- اعتقد دي حاجة كان لازم تعرفها مسبقاً عشان ماتبقاش متفاجئة، صح؟

"اومأ رامـي برأسه في هدوء ثم أشار"
- بعد إذن حضرتك، هروح مكتبي

"أذن له والده فقام من مكانه وخرج متوجهاً إلى مكتبه، وبعدها التفت هو إلى رامز وقال"
- بتعمل ايه من ورايا يا رامز؟

"كان رامز شارداً في الورقة ولا يزال متأثراً بخبر مكان والدته، قال والده بصوت أعلى"
- رامز!

"عاد رامز من شروده ونظر إليه فاتبع"
- كنت فين الأسبوع ده كله؟

"ظل رامز صامتاً دون رد فاتبع والده"
- أنا متأكد إنه ماكانش شغل

"قال رامز في ثقة"
- ايوة، ماكانش شغل

"إن كان رامـي يمثل جانباً قوياً منه، فإن رامز كذلك أيضاً، يمثل قوة هي ما تجبره على السكوت عن أفعاله الطائشة وصفاته السوداء التي قد أخذها منه كلها.
لم يشبه والدته في شيء سوى عينيها الخضراء وروحها المرحة.
قال في غموض"
- كان ايه؟

"نظر له رامز ثم قال"
- حضرتك عارف إني مابتكلمش عن أي حاجة تخصني بشكل شخصي

"لم يلتفت والده لما قال بل أكمل أسئلته قائلاً"
- كنت مع واحدة مش كده؟

"قال رامز بمنتهى البساطة و الوضوح"
- ايوة... واحدة

"قال والده في غيظ"
- إيه البجاحة اللي أنت فيها دي؟ سايب شغلك وبتتسرمح هنا وهنا، وجاي تتكلم ولا كأنك عملت حاجة؟!

"رد رامز ولا يزال محتفظاً بهدوئه"
- حضرتك طلبت الحقيقة وأنا قلتهالك، والشغل ماتأثرش أبداً، أنا كنت مكلفهم بحاجات في غيابي وهشوفها النهاردة

"قال والده غير ملتفتاً لما قال"
- كنت مع مين؟

"ابتسم رامز قائلاً"
- حضرتك طلبت تعرف أنا كنت مسافر ليه وجاوبت، اكتر من كده ماعتقدش إنه يهم حد

"قال والده في قوة"
- رامز! أنا بقالي سنين ساكت على عمايلك ومابقولش حاجة، مابيشفعلكش عندي غير إن عمرك ما خذلتني في الشغل، لكن لازم تعرف إن كل شيء له حدود، وصبري عليك له آخر

"قال رامز ببساطة"
- أنا مش عيل صغير يا بابا، ومتهيألي طالما بعمل اللي عليا في الشغل يبقى ماحدش له الحق يتدخل في حياتي الشخصية

"قال والده في غضب"
- هو أنا بكلم موظف عندي؟ أنت ناسي أنت ابن مين؟

"ابتسم رامز قائلاً في ثقة"
- لازم دايماً افتكر إني ابن سليم الراوي، لكن هو مش لازم يفتكر إني ابنه، مش كده؟

"نظر له والده في دهشة قائلاً"
- أنت بتقول ايه؟

"اتبع رامز معبراً لأول مرة عما يدور في رأسه منذ سنوات"
- لو ماكنتش نجحت في شغلي هنا كان زمان حضرتك حاسبتني عاللي بعمله، لو ماكنتش بوافق حضرتك في قراراتك كان زماني بعيد، كل حاجة قدمتهالي كان قصادها مقابل، من غيره ماكنتش هبقى موجود هنا دلوقتي

"كان والده يستمع إلى كلماته في صدمة، لم يتخيل أنه يخبئ له كل ذلك من قبل، اتبع رامز قائلاً في هدوء"
- المشكلة إن رغم كل ده لسة ماحسيتش إني قدرت آخد المقابل منك وأقرب، ولسة حضرتك شايف رامـي كل حاجة، وأنا ولا حاجة غير مدير شاطر بينجّح الشركة وبس.

"قال والده في هدوء "
- هو ده اللي أنت ساكت عليه السنين دي كلها؟

"ابتسم رامز قائلاً"
- قلت لحضرتك قبل كده، ماعنديش نص الشجاعة اللي رامـي بيقدر يواجهك بيها

"ثم تنهد قائلاً"
- بس خلاص، مافيش داعي أي حاجة تستخبى، حضرتك دايماً بتثبتلي إن إحساسي صح

"وقبل أن يتفوه والده بكلمة، قال"
- بس مع ذلك، شكراً إنك وفيت بوعدك لرامـي وجبت مكانها، واتمنى إن حضرتك ماتكونش فهمتها إنها السبب في كل اللي حصل...

"ثم اتبع بابتسامة غامضة"
- زي ما فهمتني كده زمان وبعدتني عنها وهي موجودة، بعد إذن حضرتك

"ثم قام من مكانه وخرج من المكتب تاركاً إياه في حالة من الصدمة، هل خسر أحدهما في محاولته لكسب الآخر؟"

*****
انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-05-22, 09:41 PM   #13

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل الثامن
"خرج رامز من مكتب والده متوجهاً إلى مكتب رامـي، الذي كان يجلس وحيداً شارداً، ولم ينتبه إلا عندما أشار رامز بيده أمام عينيه بعد أن جلس جواره ليلتفت له.
ابتسم رامز ابتسامة خفيفة مشيراً"
- المفروض تكون مبسوط إننا لقيناها

"نظر له رامـي دون رد حتى أشار"
- عرفت إني أصم

"قال رامز مشيراً"
- وإيه المشكلة؟

"تنهد رامـي مشيراً"
- نظرتها ليا هتبقى مليانة حزن وشفقة كمان

"نظر له رامز ثم أشار"
- المفروض تكون فرحان إنك هتشوفها وماتفكرش في الكلام ده، ماما مستحيل هتبصلك بالطريقة دي، هي مش هتفكر في حاجة غير إنها شافتك بعد كل السنين دي وبس

"نظر له رامـي ثم أشار"
- هتزورها امتى؟

"ابتسم رامز مشيراً"
- إيه رأيك نزورها بكرة؟

"هز رامـي رأسه في نفي مشيراً"
- لا، روحلها أنت الأول، وأنا هبقى اروح من بعدك

"ثم اتبع بابتسامة"
- أنت محتاج تكون معاها لوحدك، أنا متأكد إنها وحشاك اكتر مني

"ابتسم رامز ابتسامة هادئة دون رد، إن رامـي هو الشخص الوحيد الذي يفهم صمته الذي لا يبوح به أبداً.
أحياناً كان يشكر الظروف التي لم تفرقهما سواء بهروبه مع والدته، أو بمعاملة أبيه له."
.....
"عندما خرج رامز من المكتب، قام رامـي من على الأريكة الموجودة في الغرفة وتوجه ناحية مكتبه وجلس إليه.
كان يريد مطالعة بعض الأوراق ولكنه شعر بأن ذهنه مشتت للغاية، استند بظهره إلى الكرسي وأسند رأسه إلى الخلف وهو يفكر فيما علمت والدته عنه للتو، لا بد أن خبر صممه قد صدمها بل وربما تلوم نفسها عليه أيضاً. كان يتمنى في داخله أن تحدث معجزة ما وينتهي عجزه هذا قبل أن يراها.
نعم، معجزة... هكذا قال آخر طبيب ذهب إليه منذ سنوات خاصة وأن حالته ليست مستعصية، وهذا ما حيّر الأطباء كثيراً حتى أن بعضهم قد فسّر الأمر على أنه حالة نفسية خاصة مع فقدانه للنطق. زعموا أن انتظامه على الأدوية مع جلسات العلاج النفسي قد يغير من الأمر شيئاً، ولكن دون جدوى.
لقد توقف عن تناول الأدوية منذ سنوات وقد بدت له كما الحلوى المُرّة الغير مفيدة، ولم ينتظم في العلاج النفسي إلا عندما قابل نسمة. كان يحاول أن ينقذ نفسه بأي طريقة، ولكنه لم يحرز تقدماً سوى بضع لمسات وعناق لأخيه كان بمثابة معجزة صغيرة بالنسبة إليه.
هل يمكن أن يغيّر لقاء والدته أي شيء؟ هل يكون هو المعجزة التي ينتظرها لتنكسر عزلته الإجبارية تلك عن ضجيج العالم؟
أغمض عينيه، ودون أن يشعر، غفا لعدة دقائق، دقائق قليلة ولكنه رأى فيها الكوابيس ذاتها مرة أخرى، ذات الأصوات تتكرر والتي كان آخرها صوت صرخة أمه باسمه، وعندها شعر بلمسة أحدهم ففتح عينيه فجأة في فزع وانتفض مكانه ليجد وجه شمس أمامه وقد انتفضت هي الأخرى من الصدمة."

***

"كانت قد قامت ببعض الأشياء التي قد كلفها بها منذ آخر اجتماع وتوجهت إلى مكتبه لتطلعه عليها، لم تجد نهال فطرقت الباب علها تكون بالداخل، وعندما لم يصلها الرد، قررت أن تفتح الباب، وعندما دخلت، تعجبت عندما رأته مستنداً إلى الكرسي مغمض العينين، فكرت في أنه ربما يشعر ببعض الإرهاق فأغمض عينيه للحظات، ولكن عندما طالت المدة تأكدت بأنه قد غفا.
كانت فرصة جيدة لتتأمل ملامحه قليلاً، ولكن قطع تأملها انقباض ملامحه وضمة حاجبيه وكأنه يرى حلماً سيئاً.
كانت تريد أن توقظه، ولكنها تذكرت ما حدث في سلم الحريق فخافت من أن تكرر نفس الفعلة فيضربها هذه المرة، ولكن لأنها تهوى المخاطرة، استدارت حول المكتب وتوقفت أمامه، وعندما مدت يدها ناحية كتفه ولمسته لتوقظه، وجدت عينيه قد فُتِحَت فجأة في فزع فانتفضت مبتعدة خطوتين للوراء.
أخذ ينظر إليها في صدمة وصدره يعلو ويهبط بعنف، ولم تكن نظرتها هي الأخرى مختلفة فقد كان شكله غريباً كتلك المرة التي رأته فيها، وشعرت بالخوف من أن يقوم بأي فعل مجنون لمحاولتها الاقتراب منه.
قام من مكانه فعادت للوراء حتى اصطدمت بالحائط، قالت محاولة استجماع الكلمات"
- أنا آسفة... أنا حسيت إنك مش كويس... قلت...

"وقبل أن تكمل كلامها، كان قد مر من أمامها وتوجه ناحية الحمام الموجود في مكتبه وغاب فيه لدقائق قليلة.
خلع سترته ثم رابطة عنقه وفتح الأزرار الأولى من قميصه واستند إلى الحوض وأخذ يلتقط أنفاسه.
كيف غفا؟ وما المدة التي نام فيها ليرى ذلك الكابوس مجدداً؟ وما الذي رآه حين استيقظ؟ لقد حاولت لمسه مجدداً.
هل لمستها هي التي جعلته ينتفض؟ أم ذلك الكابوس الذي قد تركه لبضعة أيام ثم عاد الآن؟ هل خبر العثور على والدته وتّره لهذا الحد؟
فتح صنبور المياه ثم غسل وجهه وجففه، وعندما شعر بأنه أصبح بحال أفضل، فتح الباب وخرج ليجد شمس لا تزال بانتظاره، توقف في مكانه للحظات ثم توجه ناحية المكتب ليجلس إليه ويمد يده إليها لتعطيه الأوراق المطلوبة.
أعطته إياها في توتر فأخذ يطالعها في وجوم بينما كانت هي تنظر إليه وتفكر... إنها نفس الهيئة الفوضوية التي كان عليها من قبل... جميل...
شعرت بأن صوتاً ما بداخلها ينعتها بالحمقاء، لقد كان يعاني منذ دقائق وكان على وشك أن يضربها عند استيقاظه وهي تتغزل بهيئته.
قطع شرودها رؤيتها له وهو يكتب على الهاتف ويقدمه ناحيتها فأخذت وقرأت"
- سيبي الورق ده هنا يا شمس وأنا هبقى ابعتلك نناقشه بعدين. تقدري تتفضلي!

"لم تتحرك بل ظلت في مكانها، نظر إليها متسائلاً فقالت"
- حضرتك كويس؟

"نظر لها واومأ إيجاباً فاتبعت"
- أنا... أنا آسفة... ماكنتش اقصد...

"قطع حديثها إشارته لها بأن تصمت فصمتت ليكتب هو"
- حصل خير يا شمس! اتفضلي.

"تأكد إحساسها بأنه ليس على ما يرام، ولكنها لم تشأ أن تزعجه أكثر فخرجت في هدوء من المكتب ليلتفت هو إلى هاتفه ويكتب إلى نسمة"
- نسمة! ينفع اشوفك دلوقتي؟

"وصله الرد فوراً منها"
- أكيد

"قام من مكانه و أخذ سترته و توجه إلى عيادتها ليتحدث معها حديثاً طويلاً."

.....

"خرج رامز من مكتب أخيه عائداً إلى مكتبه، كانت خطواته متكاسلة غاضبة.
لم يكن يدري هل يشعر بالارتياح لأنه قد أفصح أخيراً عن شيء لطالما كان يؤلمه أم يغضب لاندفاعه الذي لم يكن في وقته. على كلٍ، المهم هو أنه قد أخرج جزءاً من غضبه حتى وإن لم يغيِّر شيئاً.
وأثناء شروده، وجد ندى تأتي من بعيد، وعندما وصلت ناحيته، قالت بوجه جامد"
- أنا كنت طالعة لحضرتك عشان تشوف الشغل اللي كلفتني به

"نظر لها ثم قال"
- تمام، نطلع سوى

"وعندما صعدا إلى مكتبه، دخل رامز ثم جلس وأعطته ندى الأوراق المطلوبة، أخذ يطالعها بوجه واجم بدى غير مستريح، كانت تطالعه بنظرات متسائلة، وعندما انتهى، قال"
- تمام يا ندى! تقدري تتفضلي

"ثم قام من مكانه واتجه ناحية النافذة الواسعة لمكتبه ونظر منها إلى الخارج في شرود وضيق.
كانت ملامحها هي واجمة جامدة، ولكنها عندما رأته بتلك الحالة لانت كثيراً، إنه يبدو مختلفاً عما اعتادت عليه، وجدت نفسها تسأله في قلق"
- حضرتك كويس؟

"التفت لها ولم يرد، لحظات وهي تنظر إليه تستدعيه بأن يقول أي شيء حتى تفوَّه قائلاً محاولاً رسم ابتسامة على وجهه"
- كويس

"ساد الصمت بينهما حتى اتبع"
- ندى!...

"ثم سكت، أخذت تنظر إليه تدعوه أن يكمل فقال"
- ايه رأيك نتغدى سوى برة؟

"بدت مترددة فاتبع بابتسامة"
- لو وافقتي مش هخصملك اليوم

"ابتسمت في سخرية قائلة"
- موافقة

"ثم اتبعت وهي تشير بسبابتها ناحيته"
- بس مش عشان الخصم يترفع

"ابتسم دون رد فاتبعت"
- وكمان أنا اللي هختار المكان

"هز رأسه في نفي ثم قال"
- دي بقى لا

"ضمت حاجبيها في حنق فاتبع"
- في مكان معين أنا عاوز اروحه... هرتاح فيه، والمرة الجاية أنتِ نقي المكان، موافقة؟

"صمتت تفكر، لم تشأ معاندته فيبدو أنه ليس على ما يرام، قالت"
- موافقة المرة دي

"خرجا سوياً من الشركة ومضى رامز بسيارته إلى الوجهة المقصودة، لاحظت ندى أنهما يبتعدان عن المدينة فقالت"
- احنا رايحين فين؟

"ابتسم وهو ينظر أمامه قائلاً"
- الساحل

"نظرت إليه في صدمة قائلة"
- ماينفعش

"نظر لها قائلاً"
- ليه؟

"قالت متوترة"
- عشان الفكرة غريبة وكمان أنا ماعرّفتش حد إني ماشية، وكده هتأخر عن ميعاد رجوعي، هقولهم كنت فين ومع مين؟

"ابتسم قائلاً"
- مش محتاجة تخافي، اللي أنتِ معاه ده أسرع واحد يروح الساحل ويرجع قبل النهار ما يروح

"انكمشت في مكانها ونظرت إلى الطريق من خلف الزجاج وبدت قلقة لتجد السيارة تتوقف فجأة، نظرت إليه متسائلة فنظر لها وقال في ضيق"
- ممكن اعرف أنتِ خايفة ليه؟

"نظرت إليه باندهاش سرعان ما انقلب إلى قوة وهي تقول"
- أنا مش خايفة، وماتتعصبش عليا تاني

"مرت لحظات وهما يتبادلان نظرات القوة تلك حتى نظر هو أمامه وزفر بضيق ثم نظر لها وقال"
- ندى! أنا محتاج أحس إنك مش خايفة مني، وتعرفي إني مش هأذيكي، أنا بس عايز أبعد عن الزحمة شوية، فاهمة؟

"نظرت له دون رد فعاد هو لينظر أمامه ويكمل الطريق، وخلال وقت قليل، كانا قد وصلا عند مطعم مطل على البحر فجلسا عند طاولة بالخارج.
وعندما جلسا، ساد الصمت لعدة دقائق كان رامز فيها ينظر إلى البحر في شرود بينما كانت هي تنظر ناحيته.
شعرت بأنها رأت جانباً آخراً منه، أين ذهب ذلك العابث الساخر الذي كان يقرّبها من الجنون؟ حسناً... أو ليس ما يفعله الآن يقرّبها من الجنون أيضاً وبشكل أسرع؟
وجدته يلتفت إليها ويبتسم في هدوء فوجدت نفسها تقول"
- مالك يا رامز؟

"ابتسم قائلاً"
- أنا كويس

"ردت قائلة"
- مش شايفة كده

"سألها بدوره"
- شايفة إيه؟

"تنهدت قائلة"
- شايفاك هادي كده

"ثم ترددت قبل أن تقول بنصف ابتسامة"
- وعاقل

"ضحك منها كثيراً ثم قال"
- عشان عاقل بقيت مش كويس؟

"ابتسمت ثم قالت"
- اتعودت أشوف رامز بيضحك ويهزر، إيه اللي حصل؟

"صمت للحظات قبل أن يقول بوضوح"
- أنتِ حبّة مين فيهم؟

"اتسعت عيناها في دهشة من سؤاله الجريء فابتسم من دهشتها، وجدت نفسها تقول"
- أنا مش فاهمة حاجة، أنت عاوز إيه؟

"قال متجاهلاً سؤالها"
- أنتِ ماجاوبتيش على سؤالي

"ردت بدورها"
- جاوبني أنت على سؤالي

"استند بظهره إلى الكرسي وقال"
- اللي هو إيه؟؟

"قالت وقد عاد شعور التيه إليها مجدداً"
- أنا حاسة إني مش فاهماك، أو مش فاهمة حاجة خالص، أنت بتعمل حاجات وبتقول حاجات بتحسسني إني متلخبطة ومش فاهمة، من أول مرة شفتك فيها وخرجنا سوى لغاية ليلة عيد ميلاد يارا

"ابتسم بغموض عندما تذكر تلك الليلة، الليلة التي تغيرت فيها أمور كثيرة، أمور لا يعلم إلى أين ستأخذه، اتبعت"
- اختفيت فجأة وظهرت تاني النهاردة بس على إنك مديري اللي مابيسمحش بأي تقصير، وبعدها بشوية عزمتني عالغدا في آخر الدنيا عشان اشوف حد تالت خالص غير الاتنين الأولانيين

"ثم أنهت كلامها متنهدة"
- أنا تايهة

"ابتسم قائلاً"
- أنتِ دايماً تايهة يا ندى

"هزت رأسها في نفي قائلة"
- عمري ما كنت كده قبل ما كل ده يحصل

"ابتسم قائلاً"
- وعاوزة إيه؟

"قالت سريعاً"
- عاوزة اوصل، عاوزة افهم، وعاوزة ارتاح

"قال ببساطة"
- قلتلك قبل كده، مش دايماً بنرتاح لما بنوصل

"قالت مباشرة"
- يبقى تهنا ليه من الأول؟

"نظر لها دون رد حتى قال"
- أنا مش أفضل شخص تسأليه السؤال ده

"قالت متسائلة"
- ليه؟

"ابتسم قائلاً"
- عشان أنا كمان تايه

"ثم اتبع وهو ينظر ناحية البحر"
- وخايف

"قالت في حيرة"
- وبعدين؟ إيه الحل؟

"نظر لها بابتسامة ثم قال"
- خلينا تايهين... لما نشوف هنوصل لإيه في الآخر

"ترددت قبل أن تقول"
- خايفة مانوصلش لحاجة في الآخر

"هز رأسه قائلاً بغموض"
- ماعتقدش

"قطع حديثهما صوت رنين هاتفه ليجد المتصل "نانسي"، نظر إلى ندى ثم قال"
- ده تليفون في الشغل، عن إذنك

"ثم قام من مكانه مبتعداً عنها وفتح الخط"
- ألو!

"وصله صوتها الناعم قائلاً"
- ازيك يا رامز؟

"قال بهدوء"
- كويس يا نانسي! في حاجة حصلت؟؟

"قالت باختصار"
- لا لا أبداً، أنا بس اتصلت عشان أقولك إن ميعاد المتابعة الجاي هيتأجل أسبوع وهيبقى في نص الشهر

"رد قائلاً"
- تمام، هكون معاكي اكيد

"صمتت للحظات قبل أن تقول"
- مش هشوفك قبلها؟

"ابتسم قائلاً"
- أنتِ عارفة إني ماليش مواعيد، ممكن تصحي تلاقيني جنبك

"ابتسمت قائلة"
- يا ريت

"ضحك قائلاً"
- أنا معاكي بقالي اسبوع، المفروض تكوني زهقتي مني

"قالت في لهفة"
- ماتقولش كده، أنا عمري ما ازهق منك أبداً

"ابتسم دون رد فاتبعت"
- أنا هستناك، ولما تيجي هعملك الأكلة اللي بتحبها

"قال في حنان"
- هتوحشيني على ما اشوفك

"قالت في نعومة"
- وأنت كمان يا حبيبي! مع السلامة

"قال هو الآخر"
- مع السلامة

"وعندما أغلق الخط، ظل في مكانه للحظات يفكر فيها، أحياناً يخطر بباله أنه لا يستحق امرأة مثلها.
إن المشاعر التي تحملها نانسي تحتاج لرجل يعشقها بكل تفاصيلها وليس رجلاً يتخذها مهرباً فحسب.
عاد إلى ندى ثانية وكان الغداء قد وصل فتناولاه سوياً وهما يتبادلان أطراف الحديث حتى انتهيا من الغداء، نظر إليها قائلاً"
- مرتاحة دلوقتي؟

"نظرت إليه دون فهم فاتبع"
- اقصد... كنتي متوترة قبل ما نوصل

"طالعت البحر للحظات قبل أن تعاود النظر إليه لتقول"
- المشكلة إني ببقى متوترة ومع ذلك بكمل عشان اكتشف إني ماكانش ينفع أخاف من البداية

"ابتسم قائلاً"
- يعني مش هتخافي مني تاني؟

"هزت رأسها في نفي قائلة"
- مش هخاف

"ابتسم لها دون رد، ومرت دقائق أخرى في صمت حتى قال"
- نمشي؟

"اومأت بابتسامة قائلة"
- نمشي

.....

"وصل رامـي إلى عيادة نسمة وطلب الدخول إليها، ولكن السكرتيرة أخبرته أن لديها حالة ما أوشكت على الانتهاء معها ومن ثم سيدخل هو.
جلس على أحد الكراسي جوار امرأة ما كانت تطالعه منذ أن دخل العيادة بنظرات متفحصة رغم أن هيئته لم تكن ملفتة أبداً، لقد نسي رابطة عنقه ونسي إغلاق أزرار قميصه الأولى، ولم يهتم بالتأكد مما إذا كان شعره على ما يرام أم لا، لم يكن ينقصه سوى أن ينسى سترته أيضاً، ولكنه أحضرها.
والحقيقة أن مدمنة العلاقات الجالس بجوارها قد افتتنت بتلك الهيئة كثيراً حتى أنها نسيت كونها مريضة تأتي لتعالج إدمانها وفكرت في اصطياده.
كانت نظراتها موترة للغاية فأمسك بإحدى المجلات وأخذ يتصفحها لينشغل عنها، وعندما لم تحد بعينيها عنه، قرَّب المجلة من وجهه كثيراً حتى اختفى خلف غلافها، ولكنه عندما أنزل المجلة قليلاً وجد وجهها أقرب إليه فاتسعت عيناه لوهلة في صدمة لتبتسم المرأة قائلة"
- شيريهان

"نظر لها في تعجب فاتبعت"
- اسمي شيريهان وممكن تقولي يا شيري!

"نظر لها في دهشة ثم نظر أمامه حتى يتفادى نظراتها التي أصبحت تشبه نظرات سالي فوجدها تميل إلى الأمام قليلاً لترى وجهه بوضوح وركزت بعينيها في عينيه قليلاً ثم عادت مكانها وقالت"
- هي عينيك لونها ايه؟

"لم تتغير نظرات الدهشة في عينيه، إنه حتى لا يستطيع أن ينظر لها بازدراء كما يفعل مع سالي، كانت هي تنظر إليه في هيام حتى هزت رأسها قائلة"
- عرفته... فسدقي

"عقد حاجبيه في دهشة ثم نظر ناحية الباب فوجد الحالة التي قبله قد خرجت فقام من مكانه سريعاً ودخل إلى نسمة تاركاً تلك المرأة تنعي حظها لأنها لم تستطع أخذ رقم هاتفه.
كانت نسمة ترتب بعض الأشياء في مكتبها بعد خروج الحالة حتى وجدت رامـي يدخل إليها سريعاً ويغلق الباب في وجه السكرتيرة التي كانت تخبره بأنه يجب أن ينتظر لتبلغ الطبيبة أولاً وجلس على الأريكة الموجودة في الغرفة.
وقفت نسمة في مكانها تنظر باندهاش لما حدث، ما به؟ توجهت ناحيته ثم جلست على الكرسي أمامه وقالت"
- هو في إيه؟ داخل بتجري ليه؟

"نظر في ضيق ناحية الباب ثم نظر لها وأشار"
- السكرتيرة بتاعتك دي صوتها مسرسع

"نظرت نسمة إليه في دهشة، لطالما كان صوت سميرة يذكرها بماكينة نشارة الخشب، قالت"
- صح، أنت عرفت منين؟

"ابتسم دون رد ثم أشار"
- وفي ست تانية برة كانت على وشك التحرش بيّ لولا إن جلستك خلصت بسرعة

"ضحكت نسمة بشدة ثم قالت"
- أنت تقصد شيريهان؟ دي عسل

"نظر لها بحاجب مرفوع ثم أشار"
- عسل؟! دي عايزاني اقولها يا شيري، وبتقولي لون عينيك فسدقي

"ضحكت نسمة مرة أخرى ثم قالت من بين ضحكاتها"
- أنا فعلاً لسة ماعرفش لونهم ايه، بس شيريهان ليها نظرة اكيد هي صح

"وجد نفسه هو الآخر يضحك من كل تلك الأحداث المريبة التي أصابته في يوم واحد وختمتها شيريهان بغزلها بلون الفستق في عينيه، والذي وإن كانت عينيه تميل له أحياناً إلا أنه بعيد عن لونها الاصلي... الرمادي الفاتح.
قطع أفكاره إشارات نسمة القائلة"
- ايه اللي حصل بقى؟

"صمت للحظات قبل أن يشير"
- اكتر من حاجة حصلت، أولها إني عرفت مكان ماما

"أشارت نسمة في سعادة قائلة"
- هايل، ده خبر حلو اوي، كده بابا نفذ وعده ليك ودي بداية جديدة في علاقتكم ببعض

"اومأ برأسه دون رد فأشارت"
- بس أنت ليه مش فرحان؟

"رد مشيراً"
- فرحان يا نسمة بس...

"ظلت صامتة ليكمل هو"
- بابا راحلها واتكلم معاها وفهمها وضعي عشان ماتتفاجئش أما تشوفني

"أشارت نسمة"
- زعلان إنها عرفت؟

"ظل صامتاً حتى أشار بوجه حزين"
- هي أكيد هتعرف طالما هشوفها، بس حاسس إني مش قادر اواجهها، حاسس إني مش زي ما كانت متخيلة، وأكيد حاجة زي كده صدمتها وده هيبان عليها لما تشوفني

"ثم صمت قليلاً قبل أن يتبع"
- أنا مش عاوزها تشوفني على إني ابنها الضعيف اللي لازمله معاملة خاصة، مش هقدر اتحمل نظرات شفقة جديدة زي اللي شفتها في عيون الكل لما كنت صغير

"ابتسمت نسمة مشيرة"
- رامـي! أنا حاسة إنك بتحاول تأخر الزيارة دي بأسباب مختلفة عشان تبعد عن السبب الأصلي... إنك خايف تقربلها

"ظل صامتاً دون رد فتأكدت من تحليلها، أشار"
- عشان الاتنين

"ابتسمت مشيرة"
- بس ده السبب الرئيسي

"ثم اتبعت"
- أنت مش قلتلي إنك بقيت تتعود من لمسة القريبين منك عادي؟ زي سناء هانم ورامز كمان، أنت مش قلتلي إنك قدرت تحضنه في مرة؟

"اومأ برأسه فاتبعت"
- يعني نسبياً بقيت جاهز تشوفها، وكمان أكيد باباك فهِّمها النقطة دي يعني هي هتستناك أنت اللي تاخد الخطوة دي ومش هتجبرك

"ظل صامتاً يفكر في وجهة نظرها، إنها تبدو محقة، أشار"
- برضو هستنى شوية قبل ما اروح، أنا اتفقت مع رامز يروحلها هو الأول، هو محتاج يشوفها لوحده، وبعدين هروح أنا

"هزت رأسها متفهمة ثم أشارت"
- دي فكرة كويسة

"ساد الصمت قبل أن يشير"
- حصل موقف جديد مع شمس

"ابتسمت نسمة مشيرة"
- مواقفكم كترت، احكيلي!

"أشار وقد روى لها كل ما حدث قبل أن يأتي وهي تستمع إليه بابتسامة وعندما انتهى أشار"
- بتضحكي على إيه بقى؟

"أشارت نسمة محاولة كتم ضحكتها"
- أنا بحب شمس اوي

"ابتسم دون رد فاتبعت"
- بس كويس إن جالها جراءة تحاول تلمسك تاني بعد اللي حصل في سلم الحريق، أنا لو مكانها أخاف لا تضربني

"ضحك ضحكة قصيرة ثم أشار"
- ما هي افتكرتني هضربها فعلاً ولما قمت من مكاني خافت أكتر

"أشارت نسمة وقد أشفقت عليها"
- يا أخي حرام عليك، ارسالك على بر معاها بدل ما أنت حبة راعبها وحبة مطمنها كده

"رد مشيراً"
- هي اللي بتيجي في الوقت الغلط يا نسمة

.....

"وفي وقت متأخر من نفس اليوم، دخل رامز إلى المنزل وتوقف عند الباب قليلاً، كان حلاً جيداً ألا يعود إلى القصر الآن، لقد شعر فجأة بأنه حانق للغاية حتى أنه فكر في الانتقال للعيش مع أخيه في المزرعة بدلاً من الاحتكاك بوالده مجدداً.
خلع حذائه عند الباب ثم توجه إلى غرفتهما، وعندما دخل، أغلق الباب خلفه في هدوء لئلا تستيقظ، خلع سترته وقميصه وتمدد إلى جوارها في هدوء واقترب منها قليلاً وأمسك بخصلات قليلة من شعرها الأحمر الطويل وأخذ يلفها حول إصبعه في شرود حتى غط في نوم عميق.
وفي الصباح، استيقظت نانسي من نومها، وعندما فتحت عينيها وجدته إلى جوارها، ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهها، لقد كان محقاً، ستستيقظ لتجده إلى جوارها في أي وقت.
اقتربت منه وقبّلت وجنته في سعادة فلف ذراعه حولها وأسند رأسها إلى ذراعه الأخرى وضمها إليه وقال دون أن يفتح عينيه"
- نامـي!

"ضحكت قائلة"
- حاضر

"ثم أغمضت عينيها مرة أخرى ونامت والبسمة الواسعة لا تزال على شفتيها لوجوده بالقرب منها.
مرت ساعات أخرى حتى استيقظا وأعدت نانسي طعاماً خفيفاً لأجله ووضعته في الحديقة الصغيرة للمنزل.
جلس رامز ثم أجلسها فوق ركبتيه وأخذ هو يطعمها بنفسه كطفلة صغيرة، كان يبدو هادئاً فسألته وهي تمسح بيدها على شعره"
- رامز! أنت كويس؟

"نظر لها بابتسامة"
- هو في إيه؟

"نظرت إليه بعدم فهم فاتبع"
- أصل ندى شافتني امبارح وسألتني نفس السؤال، هو سكوتي مقلق للدرجة دي؟

"شعرت بالحزن لذكره ندى أمامها لكنها لم تظهر ذلك وقالت"
- مش سكوتك، بس أنا بحس بيك، وعارفة إنك متضايق

"ثم صمتت مترددة قبل أن تقول"
- لو ماكنتش متضايق ماكنتش هتيجي بسرعة هنا

"نظر لها وقد فهم قصدها فقال مشدداً على كلماته"
- أنا باجي عشان برتاح هنا يا نانسي! مش عشان متضايق، فاهمة؟

"ظلت صامتة فاتبع وهو يمسح بيده على ظهرها"
-من فضلك بلاش التفكير ده، أنا محتاج حد يفهمني من غير ما اضطر أشرح وأبرر أي حاجة

"ردت قائلة في حنان"
- فاهماك، أنا ماعنديش أهم منك عشان افهمه وأحس به، عشان كده عارفة إنك متضايق

"صمت قبل أن يزفر في ضيق قائلاً"
- امبارح كانت أول مرة اتكلم مع بابا بصراحة، قلتله كل حاجة جوايا

"سألته في هدوء"
- وهو قال إيه؟

"ابتسم قائلاً"
- ماقالش حاجة، أو أنا ماديتلوش فرصة يقول حاجة، مافيش حاجة هتتغير، أنا بس حبيت أقول اللي جوايا وخلاص

"قالت في حزن"
- بس هو بيحبك

"ابتسم في حزن قائلاً"
- طول ما أنا بسمع كلامه بس

"ظلت صامتة في حزن فاتبع بعد أن ضمها إليه"
- مش مهم، المهم إن أنتِ بتحبيني

"تمسكت به قائلة"
- بحبك اوي

"ابتسم ثم وضع يده على بطنها وقال متحدثاً عن الصغير بالداخل"
- أنا هعمل عشانه حاجات كتير اوي، مستحيل يكون زيي، هقدمله كل حاجة أنا اتحرمت منها

"ابتسمت في حنان قائلة"
- ربنا يخليك لينا يا حبيبي!

"نظر في ساعته ثم قال"
- أنا لازم امشي، عندي اجتماع مهم

"قالت في لهفة"
- أنا مالحقتش اقعد معاك

"ابتسم قائلاً"
- هرجعلك تاني، وهعزمك عالعشا برة

"ثم غمز لها قائلاً"
- يعني اجهزي

"ضحكت ضحكة ناعمة فقبّل وجنتها قبل أن يرحل قائلاً"
- سلام يا حبيبتي!

"وعندما ذهب، جلست في مكانها وعلى وجهها ابتسامة بلهاء من شدة السعادة ثم قفزت من مكانها وركضت إلى الداخل لتستعد."

.....

"ذهب رامز إلى الشركة وأنهى ما لديه من اجتماعات وأعمال وأوراق بحاجة إلى توقيع،
لم يرَ والده قط، ولم يرسل والده بطلبه ليسأله أين قضى ليلة أمس، ربما قد وقع الخصام بهذه الطريقة، لا بأس... لم يكن هناك حديثاً لينقطع من الأساس.
خرج من الشركة دون أن يذهب إلى رامـي أو أن يرى ندى، كان يفكر في سهرته مع نانسي التي ينوي أن يجعلها فريدة.
حسناً... إن نانسي تجعل كل شيء فريد دون أدنى محاولة منه، فماذا إن حاول؟
ابتسم متشوقاً لميعادهما ثم ذهب إلى أحد أكبر محلات المجوهرات واختار طوقاً رقيقاً من الماس لأجلها، قرر أن ما لن يستطيع تقديمه لها سيعوضها عنه بالهدايا والكثير من السهرات التي لا تُنسى.
وعندما وصل إلى المنزل، كان المساء قد حل، فتح الباب ثم دخل، وعندما لم يجدها بالخارج، توجه ناحية الغرفة وطرق الباب ليصله صوتها الناعم قائلاً"
- ادخل!

"وعندما دخل، اتسعت عيناه من ذهول ما رأى. كانت قد استعدت لتلك السهرة وارتدت أبهى ثيابها فاختارت ثوباً بلون النبيذ الأحمر ضيقاً يصل بالكاد إلى ركبتيها بدون حمالات، وتركت شعرها الطويل منسدلاً دون قيود على أكتافها وظهرها، وترتدي حذاءاً بنفس اللون ذا كعب عالٍ ورفيع، وصبغت شفاهها باللون الأحمر وزينت عينيها بالكحل الأسود فبرز جمالهما.
اقترب ناحيتها في خطوات ثابتة حتى أصبح أمامها، نظر في عينيها للحظات حتى قال"
- تجنني

"ابتسمت ابتسامة ساحرة فقال بعد أن طالع ثوبها مرة أخرى"
- الفستان ده...

"ثم صمت، قالت في توتر"
- وحش؟

"نظر لها ثم قال باقتضاب"
- مافيش حاجة عليكي وحشة

"عادت لتبتسم ثانية فاتبع"
- بس كده هتلفتي نظر الناس كلها مش أنا بس

"قالت في حزن"
- أنا لبسته عشان عارفة إنك بتحب الفستان ده

"صمت يفكر ثم قال"
- الفستان ده مش ضيق بالنسبة للحمل؟

"ردت قائلة"
- لا خالص، مريحني أوي

"نظر لها ثم سألها"
- مريحك؟

"اومأت برأسها فاتبع وهو يحك ذقنه بأنامله"
- كده هنغير الخطة

"قالت مستفهمة"
- مش هنخرج؟

"رد قائلاً"
- هنخرج، بس مش هنا

"نظرت له دون فهم فأمسك بيدها وقادها ناحية المرآة وقال"
- غمضي عينيكي

"أغمضت عينيها وارتسمت ابتسامة هادئة على وجهها لشعورها بملمس أصابعه حول عنقها حتى سمعت صوته يقول"
- افتحي عينك يا حلوة!

"فتحت عينيها فوجدت طوقاً رقيقاً وأنيقاً للغاية تتوسطه ماسة جميلة، تلمستها في سعادة وقالت"
- حلو اوي

"ابتسم ثم احتضنها من الخلف فاتبعت"
- بس... ده كتير اوي

"عقد حاجبيه قائلاً"
- كتير إيه؟! أنتِ مراتي وده حقك واللي يليق بيكي يا نانسي!

"دمعت عيناها رغماً عنها، لو كان جاء أحدهم وأخبرها أن حياة فتاة الليل التي كانت تنعت نفسها بالرخيصة والمنفرة ستتغير تماماَ لتتزوج من رجل مثله يمطرها بالهدايا الثمينة والألعاب الطفولية واللحظات الرائعة لكانت نعتته بالجنون.
وها هي الآن تعيش حلماً مستحيلاً وتجرب وقع كلمة لم تكن تحلم بها حتى... إنها زوجته، وتلك هي أكبر هدية قد منحها إياها.
سمعت صوته يقول في ضيق وهو يديرها لتواجهه فيرى وجهها ويمسح تلك الدمعة الهاربة من عينيها بحرص حتى لا تتأثر زينتها"
- أنا لو بعذبك مش هتعيطي كده، أنتِ بتجيبي دموع لكل ده منين يا مفترية؟

"ارتسمت البسمة على وجهها ونظرت في عينيه قائلة"
- أنت كتير عليا اوي

"ابتسم قائلاً بعد أن احتضنها"
- مش كتير ولا حاجة، اتأكدي إنك قدمتيلي حاجات كتير أكبر من كل اللي أنا قدمتهولك.

"ابتسمت دون رد ففاجأها بأن حملها وركض بها خارج الغرفة وهو يقول"
- كنتي هتنسيني السهرة، يلا بسرعة ورانا حاجات كتير

"خرج بها إلى حيث السيارة ثم وضعها بالداخل وأغلق الباب ثم جلس هو الآخر في مقعده وانطلق بالسيارة بسرعته المجنونة وابتعد عن المدينة بالكامل.
لاحظت نانسي ابتعادهما فقالت"
- احنا رايحين فين؟

"قال في حماس"
- الفيلا بتاعتي في الساحل

"نظرت له في دهشة فاتبع"
- أنا وعدتك هنتعشى برة، وفي نفس الوقت مش هينفع حد يشوفك بالفستان ده غيري أنا والبحر اللي احنا رايحينه

"قالت بسرعة"
- أيوة بس أنا ماجهزتش وماعيش حاجة ألبسها هناك

"نظر لها بنصف عين ثم قال في مكر"
- ماتجبرينيش ابقى قليل الأدب يا نانسي

"فهمت مقصده فاحمر وجهها وانكمشت في مكانها فضحك بشدة، ولم تمر ساعة حتى وصلا إلى هناك.
شعرت نانسي براحة كبيرة عندما شمّت نسيم البحر، وعندما نزلا من السيارة، نظرت إلى رامز في سعادة وقالت"
- البحر يجنن، ينفع نتعشى عند الشط؟

"ابتسم قائلاً"
- طبعاً، أنتِ تؤمري يا حلوة!

"وفي خلال ساعة واحدة، كانت طاولة العشاء قد تم تحضيرها وفوقها ألذ الطعام.
كانت نانسي مبهورة للغاية بكل ما يحدث وتشعر أنها في حلم جميل، وعندما أصبح كل شيء جاهزاً، جلسا سوياً لتناول الطعام.
لم تستطع التركيز في الطعام بسبب كثرة الضحك من مزاح رامز وكلماته الضاحكة، إنه يملك روحاً مرحة تطغى على كل ما حولها، تجعلها لا تهتم لشيء سوى الاستماع إليه، وعندما انتهيا من الطعام، قاما للرقص على أنغام موسيقى البحر فقط، وأثناء الرقص، ابتسمت نانسي ضاحكة ثم قالت"
- معقول بنرقص من غير موسيقى؟

"ابتسم قائلاً"
- مين قال مافيش موسيقى؟ البحر له موسيقى كمان

"ثم ضمها إليه أثناء الرقص وهمس جوار أذنها"
- غمضي عينك وركزي مع صوت الموج بس

"فعلت تماماً كما قال، وبدأت تستشعر نغمة في صوت الأمواج، ليس فقط الأمواج بل صوت الهواء أيضاً، والأهم... صوته هو، مزيج غريب خلق مقطوعة موسيقية رائعة في رأسها لن تنساها أبداً.
مرت دقائق طويلة على هذا الوضع حتى قال ممازحاً إياها"
- اوعي تكوني نمتي

"ضحكت في هدوء قائلة"
- لا صاحية

"نظر لها بابتسامة عابثة قائلاً"
- كفاية رقص؟

"اومأت برأسها ثم ضحكت فحملها وترك الشاطئ متوجهاً إلى الداخل بسرعة."

****
"في اليوم التالي، وأثناء كان رامـي يسير في الشركة عائداً إلى مكتبه بعد إنهاء أحد اجتماعاته، وجد شمس تركض في إحدى طرقات الشركة باكية.
تعجب كثيراً من رؤيتها بهذا الشكل ثم توقف أمامها ونظر لها نظرة متسائلة فقالت بصوت باكٍ"
- ماما! ماما في المستشفى يا رامـي!

"توجه معها ناحية المصعد لينزلا سوياً إلى الجراج ليتوجه بها ناحية سيارته ويذهبا إلى عنوان المشفى الذي أخبرته به، وفي غضون دقائق قليلة كانا قد وصلا. ركضت شمس ناحية الاستقبال وسألت الموظفة"
- سمية... سمية حسين

"أجابتها الموظفة سريعاً"
- الدور التاني في العناية المركزة

"ركضت شمس على درجات السلم ومن خلفها رامـي حتى وصلا إلى الطابق المقصود فتقدمت ناحية الزجاج ونظرت ناحية والدتها النائمة بين الأجهزة ومعها الطبيب والممرضات، وعندما خرج الطبيب من الغرفة، تقدمت ناحيته شمس وقالت بصوت باكٍ"
- عاملة إيه يا دكتور؟ أنا شمس بنتها

"رد الطبيب قائلاً"
- كانت أزمة قلبية مفاجأة والحمد لله أنقذناها، لازم تفضل في العناية الليلة دي لغاية ما حالتها تستقر، عن إذنكم

"عادت دموعها تنهمر ثانية والتفتت إلى رامـي الواقف خلفها لتجد نفسها تستند إلى صدره وتبكي.
شعر بأن أطرافه قد تجمدت فجأة مما فعلت، شعر بأشياء كثيرة في وقت واحد لم يستطع تحديد أيٍ منها.
أول مرة انتفض للمستها والآن هي مستندة إلى صدره بكامل ضعفها، ولكن رغم كل شيء، شعر برغبة عارمة في طمأنتها فرفع ذراعيه تدريجياً حتى أحاطها بهما في هدوء وضمّها إليه ضمة خفيفة كي تهدأ.
لحظات مرت بكليهما لم يقطعها سوى صوت كمال، ابن عمها الوحيد"
- شمس!

****

"شعرت بطمأنينة وأمان عندما استندت إليه وطوقها بذراعيه، سنوات تقف بمفردها في مواجهة الجميع، لا يوجد من يقف إلى جوارها، من يعينها على كل ما تواجهه.
وعندما كان هو إلى جوارها، شعرت بالراحة التي أخبرتها أنها ليست بمفردها، وأن كل شيء سيكون على ما يرام.
ولكن في غمرة ارتياحها ذاك، أتى صوت ذلك السمج ليبعدها عن راحتها، ابتعدت عن رامـي في هدوء والتفتت إليه وقالت في حنق"
- أنت بتعمل ايه هنا؟

"ابتسم ابتسامة سمجة وهو ينظر إلى رامـي مطالعاً إياه بنظرات سخيفة فبادله رامـي نظراته بأخرى قوية ومستعدة للشجار، عاد لينظر إليها ثم قال"
- المفروض تشكريني، أنا اللي جبت مرات عمي هنا لما تعبت

"اشتعلت نظراتها في غضب وتقدمت ناحيته قائلة"
- يبقى أنت السبب في وجودها هنا دلوقتي، قلتلها إيه يا كمال؟

"قال في برود"
- بقى ده جزائي إني جبتها هنا؟

"رمق رامـي بنظرة أخرى ثم نظر إليها وقال"
- عموماً مايصحش نتكلم في حاجة ادام الغُرب

"ثم ابتسم بوقاحة قائلاً"
- ولا الباشا مش غريب؟

"قالت شمس بنبرة قوية"
- امشي يا كمال، وصدقني لو ماما جرالها حاجة بسببك هيبقى حسابك معايا كبير

"قال بابتسامة استفزازية قبل أن يرحل"
- لما تبقي تخرجي من بيتي ابقي اتكلمي وهدديني، سلام!

"وعندما رحل، جلست شمس على أحد المقاعد المجاورة في غضب ليتقدم رامـي ناحيتها ويجلس إلى جوارها قبل أن يمسك بهاتفه ويكتب"
- مين ده يا شمس؟

"نظرت إليه وقالت في ضيق"
- كمال ابن عمي

"شعر من تعبير وجهها ومن هيئة ابن عمها السمجة أنهما ليسا على وفاق، كتب"
- واضح إن في بينكم مشكلة، أقدر اعرف إيه هي؟

"ظلت صامتة فاتبع كاتباً بسرعة"
- أنا عاوز اساعدك، قوليلي لو في أي حاجة أنا ممكن اتصرف

"هل تخبره أن وجوده الآن هو أكبر مساعدة ممكنة؟ قالت في هدوء"
- ماتقلقش، كل حاجة كويسة

"لم يصدقها، إن الغضب الذي تلبَّسها يوحي بمدى كرهها له، ولكنه لم يشأ أن يضغط عليها، نظرت إليه ثم قالت بابتسامة هادئة"
- شكراً يا رامـي!

"ابتسم لها ثم كتب"
- أنا ماعملتش حاجة، إن شاء الله تبقى كويسة

.....

"عاد رامز من سفرته القصيرة وأوصل نانسي إلى منزلها ثم ذهب إلى حيث العنوان الذي أعطاه إياه والده.
إنها منطقة بعيدة نسبياً، صف سيارته، ولكنه لم ينزل منها بل جلس في مكانه يشعر بتوتر غريب، أو ليس من المفترض أن يكون فرِحاً؟ ما الذي أصابه الآن؟
أخذ يتأمل المنزل من الخارج، كان منزلاً متوسطاً وله حديقة صغيرة جميلة مليئة بالأزهار، إنها تشبه ركناً في حديقة قصرهم مليء بنفس تلك الأزهار، وكانت والدته تسقيها كل صباح وتعتني بها، وكان أحياناً يسقيها معها ثم يحفر حفراً صغيرة لوضع بذور المزيد من الأزهار.
ابتسم لتلك الذكرى الجميلة ودب فيه الحماس من جديد لكي ينزل أخيراً من السيارة، وبالفعل نزل وتقدَّم ناحية البوابة الصغيرة للمنزل ففتحها ثم سار ناحية الباب ليتوقف أمامه للحظات ماداً يده ناحية الجرس في تردد حتى ضغط عليه في النهاية.
مرت دقيقة كانت قاتلة بالنسبة إليه وقد ظن أنها ليست هنا حتى فُتِح الباب أخيراً."

****

"منذ زيارة سليم لها وهي في حالة مربكة لا تستطيع تحديدها، مشاعر متضاربة تعيشها تتعلق بابنيها.
كانت تشعر بالحزن لفراقهما، والفرح والشوق لرؤيتهما، والغضب الشديد لما أحدثه الفراق بهما خاصة بـ رامـي الذي تأذى كثيراً بكل ما حدث.
وحالة من التوتر تنتابها عندما تفكر في رامز الذي تركته وهو غاضب منها يحملها مسئولية كل شيء ويراها هي الخائنة، هل لا يزال كما هو؟
وأثناء ما كانت في مطبخها تعد بعض المخبوزات الشهية، سمعت جرس الباب، خلعت مريلة المطبخ ثم غسلت يدها وتوجهت ناحية الباب وفتحته لتجد رجلاً شاباً أمامها.
مرت لحظات لم تدرِ كيف لم تتحدث فيها ولكنها تطلعت إليه قليلاً... كان يرتدي بدلة رمادية أنيقة الشكل وكانت ملامحه وسيمة ومألوفة بالنسبة لها.
كان ينظر لها نظرة مرتبكة ومذهولة، كان صامتاً يتأمل في داخله أن تعرفه وحدها، ونظرة واحدة منها إلى عينيه الخضراء التي تشبه عينيها جعلتها تهمس في ذهول"
- رامز!

"اومأ برأسه في هدوء ولمعت عينيه بالدموع حتى همس هو الآخر بصوت منخنق"
- وحشتيني يا ماما!

"فتحت له ذراعيها فدخل بسرعة إليها لتحتضنه بشدة وتنهمر دموعها قائلة"
- مش مصدقة إنك ادامي، وحشتني اوي

"لم يعرف كيف أو متى انهمرت دموعه هو الآخر، ولكنه شعر بالراحة أخيراً. لقد أمضى سنوات وهو يحيا حياة شخص آخر غير نفسه الحقيقية كي يهرب من حقيقة احتياجه، لطالما كان يقنع نفسه بالأفكار التي زرعها والده في رأسه منذ طفولته حتى يتناسى اشتياقه لها.
والآن، لقد انتهى كل ذلك، إنها هنا تحيطه بذراعيها... لقد وجدها، قال"
- حضرتك كمان وحشتيني اوي!

"نظرت إليه في فرح وشوق ثم مدت يدها ومسحت دمعاته الهاربة بابتسامة مشتاقة ثم أمسكت بيده وقالت"
- تعالى!

"قادته ناحية الأريكة الواسعة في غرفة المعيشة وجلسا عليها، نظرت إليه تتأمل ملامح وجهه التي تغيرت قليلاً، قالت في حنان"
- كتكوتي الأصفر كبر

"ضحك في هدوء وقد تذكر ذلك اللقب الذي كانت تدعوه به في طفولته بسبب عشقه للون الأصفر فقد كانت ملابسه كلها بذلك اللون.
ولكن تأثره بتلك اللحظات لم يمنعه عن روحه المرحة فقال في هدوء بابتسامة ممازحة"
- كبر... بقى فرخة

"ضحكت هي الأخرى ثم قالت"
- بقيت زي القمر

"ابتسم فنظرت إليه قبل أن تقول"
- لسة زعلان مني يا رامز؟

"أمسك بكلتا يديها ثم هز رأسه في نفي وقال في هدوء"
- مش زعلان

"ثم قال في حزن"
- أنا آسف، آسف إني صدقت كل اللي قاله زمان وبعدت عنك

"مدت يدها ناحية رأسه وأخذت تمسح بيدها فوق شعره فاتبع في حزن"
- ماتزعليش مني يا ماما

"عادت لتضمه إليها مجدداً وقالت بابتسامة حنونة"
- أنا مستحيل ازعل من كتكوتي الأصفر أبداً، كفاية إني شفتك دلوقتي وبس، مايهمنيش اللي فات كان إيه

"ادخلت كلماتها الرقيقة وصوتها الحنون الراحة إلى قلبه المتعب، نظر لها فقالت"
- هو رامـي ماجاش معاك ليه؟

"ابتسم في هدوء قائلاً"
- هو حب إني آجي لوحدي الأول عشان اقعد معاكي براحتي، وهو هييجي من بعدي

"ابتسمت قائلة"
- أنت محظوظ، أنا كنت عاملة البسكوت اللي بتحبه، فاكره؟؟

"لمعت عيناه في سعادة قائلاً"
- وحشني اوي

"قامت من مكانها وقالت في حماس"
- حالاً ويكون جاهز

"ولم تمر دقائق حتى أعدت الشاي وأحضرت طبقاً كبيراً من البسكويت الشهي، وعندما جاءت، كان رامز يتأمل البيت من حوله ويتأمل إطارات الصور الصغيرة الموضوعة على الطاولة أمامه، والتي تجمعهم سوياً.
جلست إلى جواره بعد أن وضعت الصينية على الطاولة، قال بابتسامة غامضة"
- كنا عيلة حلوة اوي

"ارتسمت ابتسامة حزينة على وجهها وقالت"
- معاك حق... كنا


"نظر لها ثم سأل"
- كنتي فين السنين دي كلها يا ماما؟

"أجابته قائلة"
- كنت برة مصر... كل اللي حصل لسنين بعد طلاقي من سليم أثر على بابا بشكل كبير خصوصاً مع إحساسه بالعجز إنه مش قادر يساعدني... ومع السن، زاد التعب والمرض، واضطرينا نسيب مصر من عشر سنين ونسافر برة عشان يتعالج...

"ثم اتبعت"
- السنين عدت وأنا شايفة تعبه بيزيد كل يوم عن اللي قبله وأنا زيه... حاسة بالعجز ومش قادرة اعمله حاجة لغاية ما مات من سنة واحدة بس

"ثم دمعت عيناها رغماً عنها لتكمل"
- ساعتها حسيت وكأن كل الوجع اللي جوايا صحي فجأة وبقى أعنف بكتير. طول السنين اللي فاتت كنت بحاول أكون قوية قصاده عشان مايحسش بحاجة، ولما مات حسيت إن كل حاجة زي ما تكون حاصلة امبارح بس. اخدت وقت لغاية ما قررت أرجع، وفعلاً جيت هنا من شهور قليلة واشتريت البيت ده. قررت كمان إن كل اللي بيحصل ده لازم ينتهي... لازم اشوفكم، أنت ورامي الحاجة الوحيدة اللي مخلياني لسة عايشة لغاية دلوقتي.

"ثم ختمت حديثها بابتسامة هادئة رغم حزنها قائلة"
- بس سليم سبقني وجالي عشان يقولي إنه هيخليني اشوفكم، واديك ادامي اهو

"همس في غضب"
- أناني

"أمسكت يده ثم قالت في حنان"
- رامز يا حبيبي! اللي حصل حصل خلاص، وصدقني أنا مش عايزة أي حاجة من الدنيا دلوقتي غير إني أشوفك أنت وأخوك ادام عينيا وأحاول اعوض كل الوقت اللي عدى وانتو بعيد عني

"رد رامز قائلاً"
- البيت من غيرك بقى لا يطاق، أنا ورامـي كنا بنهرب منه ونقعد في بيت المزرعة، حتى رامـي دلوقتي عايش هناك

"قالت متسائلة"
- وعمتكم سناء؟ سليم قالي إنها كانت بتهتم بيكم

"ابتسم رامز في حزن قائلاً"
- اهتمت فعلاً واستحملتنا كتير، بس ماحدش يقدر ياخد مكانك

"بدى الحزن على وجهها قاتبع"
- بس لما سافرت أنا ورامـي نكمل تعليمنا برة هي رجعت عالفيوم

"ثم صمت للحظات قبل أن يقول"
- وبابا اتجوز اكتر من مرة

"ثم اتبع في ضيق"
- ودلوقتي متجوز واحدة أصغر مني أنا ورامـي... سالي.

"كانت جملته الأخيرة كالسكين طعنت قلبها الذي لم يتوقف نزيفه حتى الآن، لم تستطع الرد أبداً، ولكنها حاولت الحديث قائلاً"
- يمكن... بيحبها

"ابتسم رامز في سخرية ثم قال"
- حب؟! سالي تقضية وقت مش اكتر

"ثم اتبع في ضيق"
- ماعتقدش إن بابا بيعرف يحب

"قالت مؤنبة إياه"
- ده باباك، ماينفعش تتكلم عنه بالطريقة دي

"نظر لها قبل أن يقول في ضيق"
- حضرتك ماتعرفيهوش كويس

"ابتسمت دون رد، لم يكن يعلم أحد حقيقة ودواخل سليم الراوي سواها هي فقط، رغم كل شيء فعله، كانت تعلم حبه جيداً، ولكن قسوته التي طغت على كل شيء حتى عليها هي لم تدع للحب مجالاً ولم تدع أي فرصة للاستمرار.
لقد اضطرها لدفن قلبها بعيداً والمضي محافظة على ما تبقى من مشاعر جميلة كانت بينهما، ومن الواضح أن قسوته التي من المؤكد أنها اشتدت بعد رحيلها قد طغت على ابنيهما أيضاً."

.....

"مرت ساعات عديدة وهو إلى جوارها حتى حل المساء، وجاء الطبيب لفحص والدتها، وعندما خرج، تقدمت شمس ناحيته وسألته في قلق"
- عاملة ايه دلوقتي؟

"ابتسم الطبيب مطمئناً إياها قائلاً"
- بقت احسن، من بكرة نقدر ننقلها على غرفة عادية

"وعندما غادر، نظرت إلى رامـي في سعادة فبادلها الابتسامة ذاتها، قالت شمس بابتسامة هادئة"
- شكراً مرة تانية على كل حاجة يا رامـي! أنا تعبتك معايا اوي النهاردة

"كتب على هاتفه"
- قلتلك أنا ماعملتش حاجة، ماينفعش اسيبك في الظروف دي

"قالت في حرج"
- بس أنا كده أخرتك اوي، وأكيد كان في شغل كتير لازم يخلص

"ابتسم وقد كتب"
- مش مهم الشغل، كل حاجة تخلص بكرة مش مشكلة

"ترددت قبل أن تقول"
- بس أنت اكيد محتاج ترتاح خصوصاً اليومين دول باين إنك تعبان

"ابتسم وقد تذكر ذلك اليوم القريب ثانيةً وكتب"
- خضيتك؟

"ضحكت في حرج قائلة"
- بصراحة آه

"ضحك ضحكة خفيفة فاتبعت"
- أنا اصلي مابحبش اشوف حد بيشوف حلم وحش واسيبه نايم، لازم انقذه

"ابتسم دون رد فشعرت بالخجل، كتب"
- شكراً إنك صحيتيني، كان فعلاً حلم وحش.

"كانت تود أن تسأله عن ذلك الحلم، أو الكابوس، ولكنها امتنعت، وجدته يكتب"
- إيه رأيك ننزل نشرب حاجة تحت؟ مش هنتأخر

"اومأت موافقة، فقد كانت بالفعل في حاجة لشرب القهوة، وبالأسفل جلسا عند إحدى الطاولات ومعهما كوبين من القهوة الساخنة، أخذت شمس رشفة من القهوة وقالت بتلذذ"
- ياااه! اليوم الطويل ده محتاج قهوة بجد


"ابتسم لها ثم كتب"
- أنتِ ماعندكيش اخوات يا شمس؟

"هزت رأسها في نفي قائلة"
- ماما قالتلي زمان إن كان عندي أخت بس ماتت صغيرة اوي وبعدين أنا جيت، الله يسامحها سابتني لوحدي

"ثم نظرت إليه واتبعت"
- حلو إحساس إن يبقى عندك أخ، مش كده؟

"ابتسم ثم كتب"
- بيبقى حلو طبعاً

"ابتسمت قائلة"
- بس أنا مش بحس إنك شبه باشمهندس رامز

"ابتسم لها دون رد لكي تكمل فاتبعت في حرج"
- بحسك أعقل منه

"ضحك منها فاتبعت سريعاً"
- أنا آسفة والله ماقصدش حاجة

"ضحك أكثر ثم كتب"
- أنا عارف، وأنتِ معاكي حق، أنا مابحبش جو السهر زي رامز، بحب أقضي وقتي مع ورد... الخيل بتاعي.

"قالت في سعادة"
- الله! عندك خيل؟

"اومأ برأسه فاتبعت"
- نفسي اركب خيل من زمان، كنت بتخيلني في السباقات وبنط الحواجز كده بمهارة

"ابتسم لها ثم كتب"
- إن شاء الله تحققيها قريب

"ابتسمت في خجل وقد ارتبكت لتلك الجملة البسيطة التي، وإن بدت عادية، ولكنها نسجت لها خيالاً رائعاً في رأسها."

.....

"مرت ليلة كاملة عليهما وهما في المشفى بالقرب من العناية المركزة. من يصدق أنها كانت نائمة على كتفه طوال الليل؟
في يوم واحد جعلته يعيش مشاعر متضاربة صادمة بالنسبة إليه هو الذي أقام سوراً عالياً من حوله لا يصل إليه أحد لتنساب هي من خلاله بمنتهى السهولة دون حتى عناء التسلق، مرت كنسمة هادئة إلى قلبه الذي يعاني في صمت دون شعور أحد.
لم يسعفه النوم في تلك الليلة بقدر ما أسعفها هي التي كانت تنام في راحة كبيرة.
مرت بعض الممرضات في الطابق ليوقظها صوت خطواتهن، انتبهت لرأسها التي كانت مستندة إلى كتفه فرفعتها بسرعة ونظرت إليه في حرج قائلة"
- أنا آسفة، نمت على كتفك من غير ما أحس

"ابتسم لها ثم أمسك بهاتفه ليكتب"
- ولا يهمك، أنتِ كنتي محتاجة ترتاحي

"ابتسمت في خجل ثم قالت"
- صباح الخير!

"ابتسم لها ثم اتبع كاتباً"
- صباح النور! أنا مضطر اروح الشركة دلوقتي، في اجتماع مهم لازم احضره ومحتاج اجهز.

"اومأت متفهمة ثم قالت"
- أكيد طبعاً، وأنا آسفة مرة تانية على تعبك معايا

"ابتسم لها ثم اومأ برأسه واتبع"
- أنتِ اجازة اليومين دول لغاية ما مامتك تبقى أحسن، وأنا هاجي ازورها لما تفوق إن شاء الله

"ابتسمت له في امتنان فاتبع"
- إذا حصل أي حاجة ماتتردديش تبعتيلي رسالة، ماشي؟

"اومأت برأسها بابتسامة امتنان كبيرة فبادلها ابتسامتها وقام من مكانه مودعاً إياها ثم رحل وتركها غارقة في أفكارها.
وكأن كل ما حدث في يوم وليلة كان مقدراً لتختبر جانباً آخراً من علاقتها معه.
لقد شعرت بمشاعر كثيرة إلى جواره في عدة ساعات فقط كان أهمها هو الأمان، كانت لتشعر بالوحشة والضيق إن نامت كالمساكين في طرقة المشفى بمفردها دون أحد جوارها... خاصة هو.
والشعور الثاني هو الراحة، إن وجوده يبعث راحة في نفسها خاصة عندما يتحدث إليها ببساطة ويبتسم بتلك الطريقة المربكة، إنه من القلائل الذين لم تخشَ منهم. نظرته، حتى وإن قست، فلا تُخيف بل تبعث فيها الطمأنينة.
كان هذا شعورها منذ أن رأته أول مرة، شعور يزداد تدريجياً مع كل مقابلة، والبارحة فقط... تضاعف مئات المرات.
لقد رسمت له العديد من اللوحات بينما رسم هو صورته في قلبها منذ اللحظة الأولى."

.....

"ذهب رامـي إلى المزرعة وبدل ثيابه ثم توجه إلى شركته وأنهى ما لديه من أعمال ليتوجه بعد ذلك إلى شركة والده، وعندما وصل إلى مكتبه، استقبلته نهال بابتسامة وأشارت"
- صباح الخير!

"ابتسم رامـي مشيراً"
- صباح الخير يا نهال!

"لاحظت نهال الإرهاق البادي على وجهه فأشارت"
- شكلك مرهق النهاردة

"اومأ برأسه ثم أشار"
- ايوة، مانمتش كويس

"ثم اتبع"
- نهال! الاجتماع هيتأجل اسبوع كده، شمس في اجازة وأول ما ترجع هنعمل الاجتماع

"سألت نهال في قلق"
- حصل معاها حاجة؟

"أشار رامـي مهدئاً إياهاً"
- ماتقلقيش هي كويسة، مامتها تعبانة شوية بس

"هزت رأسها متفهمة ثم اتبعت"
- رامز مستنيك جوة في المكتب بقاله شوية

"رد مشيراً"
- تمام، اعمليلنا قهوة يا نهال

"ابتسمت مشيرة"
- حالاً

"دخل رامـي إلى المكتب فوجد رامز يجلس على الأريكة واضعاً ساقاً فوق أخرى على الطاولة فتوجه ناحيته وأشار في ضيق"
- يابني أنت فاكر نفسك في اوضتك؟!

"ابتسم رامز مشيراً"
- صباح النور والله

"أشار رامـي غير ملتفتاً"
- شكلك رايق النهاردة

"أشار رامز وقد لاحظ حالته"
- وأنت شكلك مش طايق نفسك

"كان رامـي ممسكاً رأسه بيده قبل أن يشير"
- عندي صداع رهيب، مانمتش طول الليل

"ابتسم رامز بعبثه مشيراً"
- إيه اللي كان مسهرك يا شقي؟

"وكزه رامـي مشيراً"
- احترم نفسك، هو أنت تعرف عني كده؟

"ضحك رامز مشيراً"
- وماتبقاش كده ليه؟ ده احنا عيلة ما يعلم بيها إلا ربنا

"ضحك رامـي من جملته وشعر بصدقها، إنهم عائلة غريبة بالفعل، قطع حديثهما دخول نهال بفنجاني القهوة، أخذ رامز منها رشفة ثم قال"
- تسلم إيدك يا نهال! ماتعرفيش واحدة شاطرة في القهوة زيك كده اتجوزها؟

"قالت نهال بابتسامة"
- لا ماعرفش

"قال ممازحاً إياها"
- طب لسة مش قادرة تقتنعي بيّ كعريس؟

"ضحكت نهال قائلة"
- وطابور المعجبات تعمل فيه إيه؟ دول يقتلوك

"رد بغرور"
- معاكي حق، ماقدرش اسيب معجباتي

"ثم اتبع في حزن"
- مضطر اضحي بسعادتي عشان خاطرهم

"قالت نهال بتأثر مصطنع"
- يا حرام، مسكين!

"اومأ برأسه وداعة فنظرت هي إلى رامـي وقالت"
- أنا همشي قبل ما ارتكب جريمة

"رمقها رامز بنظرة مخيفة فركضت من أمامه وخرجت من المكتب سريعاً، عندها نظر إلى رامـي وقال"
- أنا شفت ماما امبارح

"تسارعت دقات قلب رامـي ليسأله"
- عاملة ايه؟

"ابتسم رامز مشيراً"
- ماتغيرتش أبداً عن زمان، كأنها سابتنا امبارح، اتكلمنا كتير اوي وكانت عاملة البسكوت اللي كنا بنحبه، فاكره؟

"ارتسمت ابتسامة على وجه رامـي لتلك الذكريات ثم اومأ برأسه إيجاباً، فاتبع رامز"
- وسألت عنك، ومستنياك

"ظل رامـي صامتاً للحظات قبل أن يشير"
- هروحلها بكرة

***
انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-05-22, 10:43 PM   #14

دانه عبد

? العضوٌ??? » 478587
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 512
?  نُقآطِيْ » دانه عبد is on a distinguished road
افتراضي

💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚

دانه عبد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-05-22, 09:34 PM   #15

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي الفصل التاسع

الفصل التاسع


"وفي اليوم التالي، كانت شمس تجلس إلى جوار والدتها بعدما أفاقت، قالت في حزن"
- حمد لله عالسلامة يا ماما! قلقتيني عليكي

"ابتسمت والدتها ابتسامة هادئة ثم قالت"
- ماتقلقيش ولا حاجة، أنا كويسة

"صمتت شمس قبل أن تقول"
- هو ايه اللي حصل يا ماما؟ كمال كان بيعمل ايه هنا؟

"قالت والدتها في ضيق"
- هو كان هنا؟

"اومأت شمس برأسها قائلة"
- ايوة، لما جيت لقيته وقالي إن هو اللي جاب حضرتك المستشفى أما تعبتي

"صمتت والدتها للحظات قبل أن تقول"
- كان جاي يتقدملك

"فغرت شمس فمها في صدمة ثم قالت"
- ايه؟! عايز يتجوزني؟

"اومأت والدتها إيجاباً فاتبعت شمس قائلة"
- وحضرتك قلتي ايه؟

"ردت والدتها فوراً"
- أكيد رفضت، أنا مستحيل اجوزك لواحد زي ده

"ثم صمتت قبل أن تكمل"
- بس طبعاً فتح سيرة البيت وإننا لازم نمشي، من الآخر عاوز يحط طردنا من البيت قصاد جوازك منه

"وضعت شمس يدها فوق فمها في صدمة ولم تستطع الرد، قالت والدتها مغيرة الموضوع"
- صحيح يا شمس! أنتِ اخدتي اجازة من الشغل؟ مش عاوزين مشكلة تانية زي اللي فاتت، شكل مديرك ده شراني

"قالت شمس سريعاً"
- أبداً والله يا ماما! رامـي إنسان محترم وجدع اوي، ده فضل معايا طول الوقت لما حضرتك كنتي في العناية، وأداني اجازة لغاية ما حضرتك تتحسني كمان

"نظرت لها والدتها في تعجب لنطقها اسمه هكذا دون ألقاب كما في السابق، قالت"
- هي ايه الحكاية؟

"قالت شمس مستفهمة"
- حكاية ايه يا ماما؟

"قالت والدتها متسائلة"
- هو مش رامـي ده برضو اللي وصلك قبل كده البيت في وقت متأخر؟ ودلوقتي بتمدحيه، وواضح إنك بتناديله رامـي من غير ألقاب يعني، في إيه؟

"ردت شمس قائلة"
- مافيش حاجة يا ماما، حكاية التوصيلة دي أنا شرحتها لحضرتك قبل كده، وهو طلب مني أقوله رامـي بس برة الشغل لكن جوة الشغل الألقاب محفوظة، وبالنسبة للمدح، فهو فعلاً إنسان محترم وجدع.

"صمتت والدتها وبدت أنها لم تصدقها، ثم سمعتا صوت طرقة خفيفة على الباب، قامت شمس من مكانها ثم فتحت لتجد رامـي أمامها ممسكاً بباقة ورد كبيرة، ابتسمت في سعادة ثم قالت"
- أهلاً وسهلاً يا رامـي! اتفضل

"دخل رامـي في هدوء ثم قدَّم لها باقة الورد بابتسامة فقالت بامتنان"
- حلوة اوي، شكراً

"التفت رامـي إلى والدتها ثم ابتسم لها واومأ برأسه لتبادله والدتها الابتسامة قبل أن تقول"
- شمس حكتلي على وقوفك معاها فترة تعبي، شكراً على كل حاجة

"ابتسم رامـي ثم كتب شيئاً على الهاتف وقدمه لشمس فقرأته والتفتت إلى والدتها قائلة"
- مافيش تعب ولا حاجة، المهم إن حضرتك كويسة

"لم تفهم والدتها لماذا لا يتحدث ولماذا يستخدم الهاتف، ولكنها ابتسمت له قائلة"
- كلك ذوق

"ابتسم رامـي ثم التفت إلى شمس وطلب منها أن تخرج معه للحديث قليلاً، وعندما خرجت معه، كتب على الهاتف"
- أنا مقدر الوضع يا شمس بس في اجتماع مهم لازم يتعمل، أنتِ عارفة إن المرحلة الأولى قربت تخلص ومحتاجين نخطط للمرحلة الجاية، مافيش وقت.

"هزت شمس رأسها متفهمة ثم قالت"
- أنا جاهزة في أي وقت، وكنت ناوية ارجع الشركة من بكرة

"ابتسم لها ثم كتب"
- هايل، هستناكي

"ثم ودعها ليرحل، وعندها دخلت شمس إلى والدتها مرة أخرى، وعندما جلست قالت والدتها"
- كنتم بتتكلموا في إيه يا شمس؟

"ابتسمت شمس قائلة"
- كان بيقولي إن في اجتماع ضروري بخصوص المشروع اللي شغالين عليه، وإني لازم أكون موجودة بكرة.

"هزت والدتها رأسها متفهمة ثم سألت"
- هو ليه مديرك ده مابيتكلمش؟ ليه كتب على التليفون واداهولك عشان تقوليلي قال إيه؟

"صمتت شمس قبل أن تقول"
- هو مش بيتكلم يا ماما! رامـي أصم.

"شهقت والدتها في صدمة ثم قالت"
- معقول؟!

"ثم اتبعت في حزن"
- مايبانش عليه خالص، اللي يشوفه يقول مش ناقصه حاجة

"ابتسمت شمس في هدوء ثم قالت"
- هو فعلاً كده

.....

"خرج رامـي من المشفى متوجهاً إلى منزل والدته وكان يشعر بازدياد وتسارع خفقات قلبه كلما اقتربت المسافة حتى وصل أخيراً.
نزل من السيارة ثم توجه ناحية الباب في توتر، كان بداخله الكثير من المخاوف والكثير من الأصوات في رأسه والكثير من التساؤلات، كيف ستقابله بعدما علمت بوضعه؟ هل ستقترب منه؟ هل سيقترب منها دون أن ينفجر بركانه الخامد؟
تقدم خطوات أخرى حتى لمحها في حديقة المنزل تسقي أزهارها كالعادة.
توقف مكانه فجأة وهو يراقبها، لم تتغير أبداً، إنها نفس الصورة التي لا يزال يحتفظ بها لها في رأسه منذ سنوات مديدة.
لاحظ أنها تدندن بشيء ما... أغنية غالباً يعرفها كانت تستمع لها طويلاً عندما كان صغيراً.
ابتسم لتلك الذكريات عندما كانت تجلس في غرفتها وتأخذه معها ليحلسا سوياً على الأرض يركِّبان المكعبات معاً حتى يصنعا منزلاً، أو شِبه منزل لأنه كان يضع المكعبات في الموضع الخطأ، ثم تقوم هي بتشغيل أغنيتها المفضلة لتغني معها باستمتاع وتدور في سعادة وهو يشاهدها من مجلسه بانبهار طفولي لتحمله من موضعه وتدور به مراقصة إياه على ألحان الأغنية وهو يضحك لضحكاتها حتى ولو لم يفهم الكلمات، ولكنه بحث عنها عندما تعلم اللغة الإنجليزية وابتسم لجمال كلماتها.
لقد كان يغنيها مع والدته بكلمات مختلفة تماماً من تأليف طفولته هو فقط. انقطع شروده في تلك الذكريات البعيدة عندما وقعت عيناها عليه فشعر بأنه قد تجمد."

****

"كانت تسقي الأزهار في حديقتها باستمتاع شديد وراحة منذ زيارة رامز لها، شعرت بأن ظمأ قلبها قد ارتوى أخيراً، ولم يتبقَ سوى رؤية صغيرها الثاني... تُرى كيف أصبح شكله الآن؟
لقد تركته صغيراً للغاية ولم تستطع تحديد ما إذا كان يشبهها أم يشبه والده، ولكن سليم كان دوماً يخبرها أنه سيشبهه هو فقط.
كانت تفكر في كل ذلك وهي تغني أغنيتها المفضلة بسعادة وتتساءل... هل يتذكر عندما كانت تحمله وتراقصه على أنغامها؟
إن رأته الآن، ستراقصه مرة أخرى على أنغامها، حتى وإن لن يسمعها... بالتأكيد لا يزال يتذكرها، وستخبره هي بالكلمات الصحيحة، رغم أنها كان تحب تلك الكلمات البديلة التي وضعها هو في طفولته وكان يغنيها حتى في نومه.
ابتسمت في سعادة، إن طفليها كانا مميزين عن البقية، جميلين، مهذبين، وروحهما مرحة، وصغيرها الكبير لا يزال كما هو، ماذا عن صغيرها الآخر؟
عندما أنهت سقاية الورود، التفتت خلفها لتراه يقف على بعد أمتار قليلة منها يطالعها بملامح مرتبكة، متشوقة، ومبتسمة لسيل الذكريات الذي تذكره وكأنه كان يشاركها أفكارها منذ لحظات.
لم تكن في حاجة لتتبيَّنه، إنه نسخة أخرى عن والده في شبابه، نفس الملامح التي أوقعتها في هواه عندما كانت مراهقة ولم تتردد لحظة في الزواج منه.
ذلك الوجه المنحوت والفك العريض والعينين الرماديتان اللتان تسطعان في الشمس، تلك الطلة المهيبة ذات الكبرياء الواضح.
لم يكن ينقصه سوى قليل من الشعر الأبيض لتشعر أن سليم هو الواقف أمامها الآن وليس صغيرها... رامـي."

****

"عندما التفتت إليه ورأى وجهها، انتفض في داخله لذكرى ذلك اليوم التي لم تفارقه أبداً، ازدادت ضربات قلبه عندما وجدها تتقدم ناحيته حتى أنه فكر في الهرب، أخذت تقترب حتى أصبحت أمامه تنظر له في حنان واشتياق كبير صادم بالنسبة إليه.
مرت لحظات وكل منهما صامت، هي تنظر له وكأنها لا تزال تنظر لطفلها الصغير، وهو يطالعها بنظرة ذلك الطفل تماماً... الطفل الذي كان يبكي إن لم يرها في الصباح ويركض في كل اتجاه حتى يجدها في الحديقة تسقي الأزهار، قالت"
- وحشتني يا رامـي!

"قرأ اسمه على شفاهها فشعر بأنه قد سمعه، فتح فمه وقد نسي أنه لن يستطيع النطق ولكن سرعان ما أغلقه عندما تذكر تلك الحقيقة الموجعة، وجع رآه في عينيها، كانت تريد أن تسمع صوته وتعلم إلى أي درجة قد تغير عن طفولته.
قالت وهي تحبس دموعها"
- بابا قالي إنك مابتحبش حد يحضنك

"آلمت جملتها قلبه، وقد آلمته عيناه كالعادة عندما يكون في حاجة للبكاء ولكن دموعه تمتنع.
قالت هي بصوت منخنق يحارب حتى لا تبكي وابتسامة حنونة للغاية"
- حتى أنا؟

"وقبل أن يمنعه خوفه عن الانقياد خلف مشاعره، وجد نفسه يحتضنها بشدة ويتمسك بها وقد شعر بأنه لا يزال في ذلك اليوم يتمسك بها بقوة حتى لا يأتي أحد وينتزعه منها عنوة مثلما فعل والده منذ زمن بعيد.
كان يحاول أن يخبرها بكل شيء عجز عنه لسانه، وشعر بأن عينيه تؤلمه بسبب كثرة الدموع التي يود أن يذرفها، ولكن الغريب أن أياً منها لم ينهمر.
ولم يكن حالها هي مختلفاً فقد شعرت بالألم لذكرى ذلك اليوم الذي انتُزع فيه بالقوة من بين ذراعيها ولم تستطع الاحتفاظ به.
أخذت تمسح بيدها فوق رأسه وكأنها تريد إخباره بكل ما لم يستطع سماعه.
مرت دقائق والحال بينهما هكذا حتى ابتعد عنها قليلاً فوجدها تنظر له في حنان كبير ثم قالت"
- وحشتني اوي، مش مصدقة إني شايفاك ادامي

"ثم ضحكت في هدوء قائلة"
- حاسة إني شايفة رامـي الصغير اللي ماكانش يبطل عياط غير لما يلاقيني ادامه واشيله، كبرت امتى كده؟

"تبسم ضاحكاً هو الآخر ثم أمسك بهاتفه وكتب"
- رامـي مابقاش يعيط، بس لسة محتاج يشوفك ادامه عشان يهدى.

"نظرت إلى جملته البسيطة والمؤلمة في نفس الوقت فدمعت عيناها وقالت"
- كان نفسي تبقى معايا، ماقدرتش امنعهم ياخدوك مني، أنا آسفة.

"مسح دموعها ثم كتب بابتسامة هادئة"
- شنطتي كانت دايماً جاهزة عشان اهرب واجيلك، بس ماقدرتش اوصلك.

"قالت في حزن"
- أنا السبب

"فهم إنها تحاول أن تلقي مسئولية ما أصابه عليها، كتب"
- حضرتك مش السبب في أي حاجة

"ثم اتبع بابتسامة"
- أنا ماكانش ينفع أنام تحت الشجرة وكمان نسيت الجاكيت، كام مرة حذرتيني ماخرجش من غير الجاكيت؟

"قالت وقد ظنت نفسها لا تزال تخاطب صغيرها"
- كتير، أنت مابتسمعش الكلام

"ضحك منها ثم كتب"
- ولسة مابسمعش الكلام على فكرة

"قالت وهي لا تزال محتفظة بروح الأم في توجيه صغيرها"
- ماعلمتش رامـي يكون كده

"كتب مستمتعاً بمجرى الحوار"
- يمكن عشان أنا راسي ناشفة زي ما كنتي بتقولي زمان؟

"اومأت برأسها ثم قالت"
- سليم كان معاه حق لما قال إنك هتبقى شبهه

"تردد للحظات قبل أن يكتب"
- هو أنا فعلاً شبهه؟

"نظرت إليه بنظرة لم يستطع تحديدها إن كانت حزن أم حنين لشيء مضى، وقالت بابتسامة غامضة"
- شبهه يا رامـي! شبهه أوي

"ابتسم لها دون رد لتتبع"
- أنا كنت بغني الأغنية اللي كنا بنغنيها سوى زمان، فاكرها؟

"اومأ برأسه ثم كتب"
- Come fly with me

"ابتسمت في سعادة قائلة"
- صح، وكنت بشيلك عشان ارقص معاك عليها

"ثم اتبعت في حماس"
- تيجي نرقص عليها دلوقتي؟

"اومأ ضاحكاً ليأخذا وضع الرقص ويرقصان معاً وهي تغني كلمات الأغنية في سعادة وهو يضحك ويتذكر لحن الأغنية والكلمات التي كان يقولها بدلاً من الكلمات الأصلية.
وما زاده ضحكاً هو أن والدته كانت تقول كلماته هو التي وضعها وقد حفظتها عن ظهر قلب ثم أخذت تضحك معه في سعادة لم يشعر بها أيٌ منهما منذ زمن طويل.
وعندما انتهت الأغنية و توقفا عن الرقص، قالت والدته في سعادة"
- رامـي! فاكر تورتة الشوكولاتة اللي كنت بتحبها وكنا بنعملها سوى في المطبخ؟

"اومأ برأسه في سعادة فقالت فوراً"
- تعالى نحضرها سوى دلوقتي

"أمسكت بيده ثم قادته إلى داخل المنزل وتوجها ناحية المطبخ ليقضيا قرابة الساعتين في إعداد الكيك الشهي المصنوع بالكامل من الشوكولاتة كما يحب رامـي، وعندما أخرجاها من الفرن، أخذا يزيناها معاً بقطع الكرز الشهية.
كان رامـي مستمتعاً للغاية بذلك الوقت، وشعر بسعادة غامرة كان يفتقدها منذ مدة طويلة، وعندما أنهيا كل شيء أخذت والدته قطعة كبيرة ثم وضعتها له مع كوب من عصير البرتقال كما كان يحب تناولها معه في صغره ثم خرجا من المطبخ وجلسا في غرفة المعيشة.
لمح رامـي صورتهم جميعاً فأمسك بها وأخذ ينظر لها ثم نظر إلى والدته التي قالت في زهو"
- أنت ورامز كنتم أحلى أطفال في العيلة، الكل كان بيحسدني عليكم ازاي عندي ولاد حلوين كده

"ابتسم لها فاتبعت متحدثة عن اللعبة التي كان ممسكاً بها في الصورة"
- صحيح، أنت لسة عندك اللعبة دي؟ أنت كنت بتحبها اوي وأنت صغير

"اومأ برأسه ثم كتب"
- لسة معايا زي ما هي

"ضحكت منه ثم قالت"
- برافو عليك، لازم تحافظ عالحاجة اللي بتحبها

"نظر لها في حزن، لم يحافظ والده على ما أحب مثلما فعل هو، وكانت تلك هي نقطة الاختلاف بينهما."

.....

"في اليوم التالي، وبعد أن انتهى أحد الاجتماعات، وخرج الجميع بما فيهم رامز، لم يتبقَ سوى رامـي ووالده، ومن نظرات رامـي، شعر والده أنه يريد قول شيء ما، سأله"
- في حاجة عاوز تقولها يا رامـي؟

"نظر إليه رامـي للحظات قبل أن يهز رأسه إيجاباً فأومأ والده برأسه منتظراً ما سيقول، أشار"
- أنا... كنت عاوز أشكر حضرتك إنك خليتني أشوفها تاني

"سأله والده قائلاً"
- قابلتها؟

"اومأ رامـي برأسه في هدوء ثم أشار"
- مقابلتها فرقت كتير، عشان كده حبيت أشكرك.

"ابتسم والده في هدوء مشيراً"
- ماتشكرنيش يا رامـي!

"ثم تنهَّد قائلاً في غموض"
- لو كنت أعرف اللي هيحصل ده كله ماكنتش سِبتها أبداً

"نظر له رامـي دون رد، شعر بأنه يخفي الكثير خلف جملته البسيطة تلك، نظر والده إليه ثم عاد ليبتسم مشيراً"
- أهم حاجة عندي دلوقتي إنك ترجع رامـي اللي ماكانش بيبعد عني لحظة، فاكره؟

"شعر رامـي بالحزن، كم كان يتمنى لو استمر كل شيء كما كان في البداية، وجد نفسه يشير"
- رامـي ماتغيرش، لو كان اتغير بجد ماكانش فضل هنا لغاية دلوقتي

"ظل والده صامتاً حتى اتبع وقد قرر الإفصاح بقدرٍ بسيط من مشاعره"
- حضرتك لسة مش عارف إن وجودي هنا السنين دي كلها رغم كل حاجة ماكانش لأي سبب غير لإني عايز أفضل، وعايز كل حاجة تتغير.

"أشار والده في أمل"
- يعني أقدر أقول إن السد اللي بيننا انهار؟

"ظل رامـي ساكناً حتى أشار"
- بعد ما قابلتها، أقدر أقول إن في حاجات كتير اتغيرت للأحسن.

"فهم والده أنه يحاول الوصول إلى إجابة دبلوماسية وأنه لا يزال هناك بعض الحواجز، ولكن لا يهم، المهم الآن أن حديثهما هذا هو تقدُّم كبير في حد ذاته.
صمت قليلاً حتى قال"
- قدرت تقرب لها؟

"شعر بأنه فهم مغزى سؤاله، اومأ برأسه في هدوء فاتبع والده في حذر"
- يعني... مابقتش ترفض أي حد يقرب منك دلوقتي، صح؟

"شعر رامـي بوجعٍ أصابه لذلك السؤال، وشعر بالارتباك قبل أن يحسم أمره مشيراً"
- حضرتك مش أي حد

"ابتسم والده ثم قام من مكانه وتقدَّم نحوه فقام رامـي من مكانه أيضاً ليحتضنه أبوه في شوق لذلك الحضن الذي حُرِمَ منه منذ خمسة وعشرين عاماً.
شعر وكأن طفله الصغير عاد مجدداً ليكون معه الآن، و الآن فقط، لا أحد يستطيع وصف شعوره.
أما رامـي، فقد شعر بمشاعر كثيرة مضطربة، نفس المشاعر التي أصابته عند اقترابه من والدته، شعر بأنه... بأنه كان يفتقده بالفعل، يفتقد والده الذي كان أقرب الناس إليه فيما مضى.
لو فقط لم يتغير شيء، تلك الـ "لو" اللعينة التي لا تفيد ولن تعيد سنوات قد مضت. ابتعد والده عنه قليلاً ثم نظر إليه في حنان قلما يظهر في عينيه وقال"
- أنت وحشتني أوي يا رامـي!

"ابتسم رامـي في هدوء ثم أشار في ألم"
- يا ريت لو ماكانتش حاجة اتغيرت

"شعر والده بألمه فأشار"
- أنا هعمل أي حاجة عشان أفضل حاسس باللي أنا حاسه دلوقتي


"أومأ له رامـي بابتسامة هادئة ثم عانقه ثانيةً للحظات قبل أن يستأذنه ليذهب فأذن له والده بالذهاب ليجلس هو بعدها في راحة لم يشعرها منذ سنوات طِوال، منذ أن كانت عائلته... موجودة."

.....

"عندما عاد سليم إلى القصر، ذهب إلى مكتبه كعادته في الأيام الأخيرة ليختلي بنفسه قليلاً و يفكر.
مرت فترة شعر فيها بشعور غريب منذ أن قابل رقية مرة أخرى بعد كل تلك السنوات. على الرغم من أن مقابلتهما لم تخلُ من الغضب و الصراخ إلا أنه في قرارة نفسه كان سعيداً لرؤيتها.
لقد جعلته يتذكر كل شيء مرة أخرى حتى أنه تذكَّر كيف قابلها أول مرة في الفيوم؛ فقد كانت من أصدقاء أخته الصغرى أمل، التي توفت منذ سنوات عديدة."

****

"في أحد المرات، وصل سليم إلى قصر العائلة عائداً من الخارج في الصباح بعد سهرة طويلة، فسمع أصواتاً عالية مليئة بالضحك والصراخ فعلم أن أخته الصغرى أمل قد قامت بدعوة صديقاتها إلى القصر في الصباح كالعادة.
فكر أن يذهب إلى هناك ويشاهدهن قليلاً، وبالفعل توجه إلى هناك بخطوات حذرة حتى لا يلاحظن وجوده.
وصل إلى إحدى الأشجار ونظر من خلفها فوجد فتاة متوسطة الطول ترتدي ثوباً باللون الأبيض يصل إلى ركبتيها، وشعرها أسود طويل يركض من خلفها وهي تضع شريطاً أسوداً فوق عينيها تركض باحثة عن باقي الفتيات اللواتي كن يركضن من حولها ويضحكن، ثم قررن فجأة أن يختبئن منها في مكان بعيد.
أخذ يراقبها وهي تمد يديها أمامها وتوجههما في جميع الاتجاهات ولا تجد أحداً، ابتسم ضاحكاً لحال تلك المسكينة الصغيرة التي تبحث من حولها عن الفراغ.
مرت لحظات حتى قرر أن يتقدم ناحيتها بضع خطوات، سمع صوت الفتيات اللواتي كن يضحكن لرؤيتها هكذا حتى لمحنه ينظر لهن في حزم فتوقفن ولكن ضحكاتهن المكتومة كانت ظاهرة على وجوههن.
أخذت هي تبحث وتمد ذراعيها في كل الاتجاهات حتى أمسكت بقميصه فأحكمت قبضتها لتقول في سعادة"
- أخيراً لقيت حد فيكم!

"ضحك دون صوت فأخذت تحرك يديها عليه قليلاً حتى شعرت بأن هناك شيء غريب، رأى ضمة حاجبيها المتعجبة فخرجت منه ضحكة أخرى مسموعة هذه المرة.
نزعت رقية الشريط سريعاً لتُصدم بما رأت، وجدت أمامها شاباً طويلاً يرتدي بنطالاً وسترة باللون الأسود وقميصاً باللون الأبيض أسفل السترة، كانت هيئته أنيقة للغاية، رفعت عينيها إلى وجهه فاصطدمت بعينين رماديتين تلمعان في أشعة الشمس المحيطة بهما، وملامح منحوتة وجذابة للغاية وشعر أسود لامع.
لم تكن حالته هو مختلفة، فلم يستطع منع نفسه من تأمل تلك الصغيرة الحائرة أمامه، والتي كانت تخفي خلف الشريط الأسود عينين خضراوين جذابتين، ووجهاً أبيضاً رقيقاً للغاية.
لقد قابل الكثير من الفتيات الجميلات من قبلها، ولكن هي تبدو مختلفة، لها جمال خاص، كيف لم يرها من قبل؟
لاحظ صمتها وشرودها هي الأخرى فقال في هدوء"
- اسمك ايه؟

"همست دون صوت فلم يسمعها، قال"
- ماسمعتش

"قالت محاولة إخراج صوتها"
- رقية

"ابتسم لاسمها، إنه ملائم لرقتها كثيراً، عادت هي إلى صمتها ولم تستطع النطق بأي شيء آخر.
ارتسمت على وجهه ابتسامة وانحنى أمامها قليلاً ليقول جوار اذنها"
- ماتلعبيش معاهم تاني، بيستخبوا ويخلوكي تدوري عالهوا

"أحمر وجهها مما فعله للتو فعاد لينظر إليها وابتسم مجدداً ثم قال قبل أن يرحل"
- ماتعملوش دوشة، مفهوم؟

"اومأت برأسها في هدوء فابتسم قائلاً"
- شاطرة، مع السلامة!

"ثم رحل وهي لا تزال في مكانها لا تشعر بأي شيء من حولها، لم تسمع حتى أصوات الفتيات جوارها إلا عندما وكزتها أمل قائلة"
- سليم كان بيقولك ايه؟

"انتبهت رقية لها وقالت محاولة استجماع الكلمات"
- كان... كان بيقولي مانعملش دوشة

"ضحكت إحدى الفتيات قائلة"
- بقاله ربع ساعة بيقولك ماتعملوش دوشة

"ضحكت الفتيات الأخريات بينما قالت أمل في مرح"
- شكلك وقعتي يا رقية هانم

"نظرت إليها رقية دون فهم وقالت"
- قصدك ايه؟

"ضحكت أمل ثم رفعت كتفها إلى أعلى قائلة"
- مش عارفة، شوفي أنتِ بقى


.....

"وعندما رحلت الفتيات، دخلت أمل إلى القصر، وأثناء ما كانت في طريقها إلى غرفتها مرت إلى جوار غرفة سليم الذي أوقفها نداؤه قائلاً"
- أمل!

"عادت أمل بخطواتها إلى غرفته فوجدت الباب مفتوح قليلاً ففتحته وابتسمت قائلة"
- يا نعم!

"ابتسم قائلاً"
- تعالي اقعدي

"اغلقت أمل الباب ثم تقدمت ناحية الأريكة التي يجلس عليها وجلست إلى جواره، أخرج من جيبه حلوى الشوكولا وأعطاها إياها قائلاً"
- شيكولاتة كل يوم عشان ماتقوليش إني نسيت

"أخذتها منه وهي تطالعه بابتسامة ماكرة قد فهمها جيداً فقال"
- أنتِ عارفة أنا ندهتلك ليه، مش كده؟

"ضحكت أمل ثم اومأت برأسها فاتبع"
- طب أنا ندهت ليه؟

"ابتسمت أمل قائلة"
- عشان تسألني عن رقية

"ابتسم في مكر قائلاً"
- شاطرة، أنا بحبك عشان ذكية

"ضحكت فاتبع"
- احكيلي عنها بقى

"نظرت له بنصف عين وقالت"
- واحكيلك عنها ليه؟

"رفع حاجبه ثم قال مهدداً"
- عشان أنا عاوز كده، وإلا مافيش شوكولاتة ومافيش سفر معايا كل اسبوع للقاهرة

"ظهرت ملامح الوجل من تهديده على وجهها فابتسم قائلاً"
- يلا احكي

"فتحت الشيكولاتة ثم أخذت تتناولها وهي تحكي قائلة"
- شوف يا سيدي، رقية تبقى بنت واحد اسمه ماهر عصمت، ده من الناس المعروفين هنا وساكنين في بيت كبير بس بعيد عننا شوية والسواق بيجيبها هنا كل يوم، ماعندهاش اخوات ومامتها ميتة وباباها مش متجوز

"سألها في اهتمام"
- وشخصيتها عاملة ازاي؟

"ابتسمت أمل قائلة"
- رقية جميلة اوي وحساسة ورومانسية وطيبة، أنا بحبها اكتر واحدة في أصحابي

"كان سليم يستمع إليها في تركيز، وعندما انتهت قال"
- هي من سنك ولا أكبر؟

"قالت وهي منشغلة في تناول الحلوى"
- من سني، عندها 17 سنة بس كمان اسبوعين باباها هيعمل حفلة عيد ميلاد كبيرة ليها عشان هتتم 18 سنة

"ثم نظرت إليه في سعادة وقالت"
- ممكن توديني، صح؟

"ابتسم قائلاً"
- هوديكي بس بشرط

"عبست قائلة"
- أنت مابتعملش حاجة ببلاش أبداً؟

"ضرب جبهتها في خفة بإصبعين من يده ثم قال"
- عاوزك تقوليلي كل الحاجات اللي بتحبها

"ردت أمل في سعادة"
- رقية بتحب الورد والملايكة

"سألها قائلاً"
- أي نوع ورد؟

"صمتت تفكر ثم قالت سريعاً"
- ورد التيوليب، بتزرع منه كتير في الجنينة بتاعتها


"ابتسم سليم دون رد وقد علم تماماً ماذا سيفعل، قطع صمته سؤالها"
- سليم! أنت ممكن تحبها؟

"ابتسم قائلاً"
- بتسألي ليه؟

"قالت أمل في سعادة"
- أنا بحبها اوي وهفرح لو اتجوزتوا

"ثم اتبعت في حزن"
- بس أنا خايفة تزعلها

"تعجب قائلاً"
- وأنا هزعلها ليه؟

"نظرت إليه ثم قالت في تردد"
- عشان البنات الكتير اللي تعرفهم

"قرص وجنتها في خفة قائلاً"
- ماتتكلميش معاها في الحاجات دي، مفهوم؟

"سألته قائلة"
- يعني هتزعلها؟

"قال في سأم"
- أنتِ كبرتي الحكاية كده ليه؟ هو أنا قلتلك بحبها؟ أنا يا دوب سألتك يا أمل

"ثم اتبع محذراً إياها"
- واللي اتقال دلوقتي مايطلعش برة، وإلا مافيش عيد ميلاد

"قالت أمل سريعاً"
- أبداً مش هقول لحد

"ابتسم لها قائلاً"
- طب يلا روحي أوضتك عشان أنام

"ابتسمت قائلة"
- حاضر

"ثم توجهت ناحية الباب لتقول قبل أن ترحل"
- هقول لسناء

"أمسك بالوسادة ثم ألقاها ناحيتها فخرجت من الباب وهي تركض ضاحكة بينما تمدد هو على الأريكة وهو يفكر في تلك الصغيرة التي أصبح مهتماً بها فجأة."

.....

"عندما عادت رقية إلى المنزل، توجهت إلى حديقة منزلها وأخذت تسقي الزهور وهي تفكر فيما حدث اليوم.
إن تلك هي المرة الأولى التي تراه فيها عن قرب، كانت دوماً تراه من بعيد ولم تتخيل أبداً أن يتحدث إليها.
واليوم عندما رأته بوجهها فجأة، شعرت بارتباك شديد، لقد كان غريباً، ولم تفهم نظراته أبداً، ولكن عينيه كانت رائعة... رائعة جداً.
أخذت تروي الأزهار بينما تفكر به دون إرادتها حتى انتهت وصعدت إلى غرفتها."

****

"مرت الأيام سريعاً، وخلال تلك الفترة، لم تذهب رقية لزيارة أمل أبداً، كان سليم يسأل عنها وعن زيارتها يومياً، وعندما تصله الإجابة بـ لا كان ينزعج، وكان ينتظر يوم عيد الميلاد ليراها.
وبالفعل، أتى اليوم المُنتظر واستعدت أمل وهي في غاية السعادة لرؤية تلك القصة الرومانسية التي على وشك البدء بين أخيها وصديقتها المقربة.
وعندما أصبحت جاهزة، نزلت إلى الأسفل فوجدته قد سبقها وجلس في انتظارها على غير عادته، وكان يرتدي بذلة أنيقة للغاية وكأنه ذاهب حفل هام وليس مجرد عيد ميلاد لمراهقة صغيرة، قالت في مرح"
- إيه الشياكة دي كلها؟!

"ثم اتبعت في مكر"
- واضح إننا رايحين حفلة مهمة اوي

"فهم قصدها فبادلها نفس الابتسامة قائلاً"
- إيه رأيك اسيبك هنا وماوصلكيش لأي مكان يا أمل؟

"قالت سريعاً"
- خلاص خلاص، ماقصدش

"ثم اتبعت في ترقب"
- فين هديتك؟ عاوزة اشوفها

"هز رأسه في نفي ثم قال"
- مش هتشوفي حاجة، دي مش ليكي

"تصنعت العبوس وكانت على وشك الرد، ولكن جاء صوت سناء من خلفهما قائلاً"
- رايحين فين؟

"التفتت أمل إليها وقالت في سعادة"
- رايحين عيد ميلاد

"قالت سناء متعجبة"
- عيد ميلاد؟ مين؟

"قالت أمل في حماس"
- عيد ميلاد رقية صحبتي

"تعجبت سناء أكثر ونظرت إلى سليم قائلة"
- أنت رايح عيد ميلاد رقية برضو؟

"سبقته أمل قائلة في حماس"
- أيوة

"كان سليم يقف إلى جوارها، وبمجرد أن تحدثت، وضع يده خلف ظهرها وشد شعرها شدة خفيفة فتأوهت، قال سريعاً"
- أنا كنت خارج فقلت أوصلها في سكتي

"شعرت سناء أن هناك شيئاً غريباً خاصة مع باقة الورد التي يحملها في يده، ولكنها لم تعلق كثيراً وقالت"
- طيب، ماتتأخريش يا أمل

"ثم تركتهما وذهبت، التفتت أمل إلى سليم وقالت في عبوس"
- بتشد شعري ليه؟

"قال سليم في ضيق"
- عشان مش عاوزها تعرف إني رايح معاكي، وأنا قلتلك الموضوع ده سر بيننا، مفهوم ولا اروح أنا لوحدي واسيبك هنا؟

"ضربت أمل الأرض بقدمها في طفولية ثم قالت عابسة"
- كل شوية اسيبك هنا اسيبك هنا؟ دي صحبتي أنا مش صحبتك أنت

"ثم أولته ظهرها قائلة"
- روح أنت لوحدك وأنا مش هاجي خلاص

"زفر سليم في حنق، لم يكن يتخيل أن يصبح أمراً يخصه في يد صغيرة متعبة مثلها...

إن كانت رقية تتصرف بمثل تلك الحماقة فلن يقترب منها مطلقاً، وضع يديه على كتفيها ثم قال في سأم"
- خلاص يا أمل، أنا آسف، يلا نمشي من هنا

"ابتسمت أمل في انتصار ثم ركضت ناحية الباب لتسبقه إلى السيارة، لحق بها سليم وخرج من القصر، ولم ينتبه إلى أن سناء كانت تقف أعلى الدرج واستمعت إلى حوارهما."

.....

"وعندما ذهبا إلى هناك، لم يكن قد أتى الكثير من المدعوين بعد، شعر سليم بالارتياح لوصولهما المبكر هذا، فبذلك سيستطيع التحدث إليها بشكل أفضل ويقدّم لها هديته.
وعندما دخلا إلى الحديقة الواسعة الخاصة بالمنزل، كانت هي أول من وقعت عليها عيناه، كانت ترتدي ثوباً جميلاً باللون الزهري يصل إلى ركبتيها، وتركت شعرها مفروداً ما عدا من جانب واحد حيث ثبتته بمشابك الشعر وورورد صغيرة زهرية أيضاً... كانت رائعة للغاية.
نادت أمل بأعلى صوتها قائلة"
- رقية!

"انتبهت رقية إليها وابتسمت في سعادة لرؤيتها، ولكن عندما لمحته عيناها ارتبكت ابتسامتها قليلاً.
اقتربت ناحيتهما في خطوات هادئة وعندما وصلت إليهما، احتضنتها أمل في سعادة قائلة"
- كل سنة وأنتِ طيبة يا روكا!

"ابتسمت رقية قائلة"
- وأنتِ طيبة يا أمل

"قدمت أمل هديتها قائلة"
- دي هديتي، يا رب تعجبك

"أخذت رقية الهدية ثم ابتسمت قائلة في رقة"
- أكيد هتعجبني، شكراً

"كان سليم يتابعها في هدوء وتركيز، من الواضح أن نظرته الأولى لم تخِب، إنها رقيقة وهادئة بالفعل، وفي النهاية قرر التحدث قائلاً"
- كل سنة وأنتِ طيبة يا رقية!

"نظرت إليه فوجدته يبتسم لها، قالت بابتسامة خجلة"
- وأنت طيب، شكراً

"قدّم لها باقة الورود ثم قال بابتسامة"
- هديتي هتلاقيها جوة البوكيه ده، أتمنى تعجبك

"مدت يدها وأخذت منه الباقة ثم قالت في خجل"
- شكراً

"ابتسم دون رد، ساد الصمت بينهما للحظات حتى قالت رقية في حرج"
- أنا آسفة، اتفضلوا

"مر بعض الوقت حتى جاء الجميع والتفوا حول الطاولة الكبيرة في وسط الحديقة وقاموا بإطفاء الشموع.
وبعد ذلك، أمسكت أمل بيد رقية وأخذتها بعيداً عن الحضور وقالت في حماس"
- افتحي هدية سليم بسرعة، عاوزة اشوفها

"عادت رقية لترتبك ثانية وأمسكت بالعلبة وفتحتها فوجدت سلسلة فضية يتوسطها ملاك صغير.
ابتسمت رقية لرؤية ذلك الملاك الصغير بينما قالت أمل في سعادة"
- الله! حلوة اوي، مش كده؟

"اومأت رقية ثم قالت في هدوء"
- حلوة اوي

"ضحكت أمل قائلة"
- دايماً الهدايا اللي بيجيبها سليم بتبقى أحلى حاجة

"صمتت رقية دون رد وخطر ببالها شيء واحد، كيف علم أنها تحب الملائكة وزهور التيوليب؟
لم تستطع التفكير طويلاً فلقد أتت باقي صديقاتها وأخذن يتحدثن كثيراً، وأثناء حديثها معهن، لمحته جالساً مع والدها يتحدثان سوياً... تُرى فيمَ يتحدثان؟
وأثناء ما كانت تنظر ناحيتهما، وجدت عينيه قد استقرت عليها للحظات وابتسم لها ابتسامة خفيفة ثم عاد لينظر إلى والدها، ازداد ارتباكها ثم فضلت عدم النظر ناحيتهما مرة أخرى حتى تسلم من نظرته تلك لها.
مرت الليلة سريعاً ورحل الجميع بما فيهم هو دون أن ينسى إهدائها إحدى ابتساماته ونظراته المُربكة تلك.
صعدت رقية إلى غرفتها وجلست أمام المرآة بعد أن بدّلت ثيابها وأخذت تحل خصلات شعرها من الورود الصغيرة ثم مشطته، وعندما انتهت، نظرت إلى هديته أمامها وفتحتها ثانية، أمسكت بالسلسلة مجدداً وأخذت تتلمس ذلك الملاك الصغير... إنه جميل للغاية، ارتدتها حول رقبتها ونظرت إليها في المرآة... تبدو رائعة، هل أخبرته أمل أنها تحب الملائكة وزهور التيوليب؟
قطع شرودها طرقات خفيفة على الباب، قالت"
- ادخل!

"فتح والدها الباب ثم ابتسم قائلاً"
- ممكن اقعد معاكي شوية قبل ما تنامي؟

"ابتسمت رقية وقالت في هدوء"
- أكيد يا بابا! اتفضل

"توجها سوياً ناحية الأريكة الموجودة في الغرفة وجلسا عليها، قال والدها بابتسامة"
- إيه رأيك في الحفلة؟ عجبتك؟

"اومأت برأسها في سعادة وقالت"
- جداً يا بابا! شكراً

"ابتسم والدها قائلاً بعد أن قبّل جبينها"
- عقبال 100 سنة يا حبيبتي!

"لاحظ السلسلة الجديدة التي تزين رقبتها وقال"
- حلوة اوي السلسلة دي يا رقية! مين اللي جابها؟

"امسكت رقية بالسلسلة وأخذت تحركها قليلاً ثم قالت"
- أمل صحبتي

"سألها قائلاً"
- أمل الراوي مش كده؟

"اومأت إيجاباً فاتبع"
- اخوها سليم الراوي كان معاها وقعدنا نتكلم شوية، مع إن سنه لسة صغير لكن واضح إن شخصيته قوية وذكي جداً، في وقت قصير كان متفق معايا على شغل بيننا

"صمتت رقية ولم تدرِ بمَ ترد، ولكن في قرارة نفسها كانت تشعر بسعادة لذلك المدح، لاحظ والدها شرودها فقال"
- سرحانة في ايه؟

"عادت من شرودها وقالت سريعاً"
- ولا حاجة يا بابا

"ابتسم قائلاً"
- طب ماقلتليش، قررتي هتدرسي ايه في الجامعة؟

"قالت دون تردد"
- Français

"ابتسم قائلاً"
- زي ماما؟

"اومأت برأسها في هدوء ثم قالت"
- عاوزة أكون زيها

"قال والدها في حنان"
- أنتِ فعلاً زيها يا رقية، مافيش حاجة مصبراني على فراقها غيرك

"احتضنته رقية قائلة"
- أنا بحبك أوي

"ضمها إليه بابتسامة ثم قال"
- وأنا كمان يا روكا! بحبك أوي

"ثم قال قبل أن يرحل"
- يلا نامي كويس، تصبحي على خير

"ابتسمت قائلة"
- وحضرتك من أهل الخير

"وعندما خرج من الغرفة، توجهت ناحية السرير ونامت وهي شاردة في باقة الزهور الموضوعة أمامها على الطاولة."

......

"بعد مرور عدة أيام، قامت رقية بزيارة أمل في الصباح، وعندما وصلت، دقت جرس الباب ففتحت لها مديرة المنزل، ابتسمت رقية قائلة"
- صباح الخير! أمل موجودة؟

"ابتسمت السيدة قائلة"
- صباح النور! ايوة موجودة، اتفضلي على ما أبلغها بوصولك

"اومأت رقية لها ثم دخلت وتوجهت إلى الصالون تنتظرها بينما صعدت السيدة إلى غرفة سليم وأبلغته بوصولها كما طلب.
مر بعض الوقت حتى نزل هو إليها، وجدها تجلس في الصالون تشرب كوباً من عصير البرتقال، كانت تبدو وديعة وهادئة للغاية.
ابتسم ثم تقدم ناحيتها وقال"
- صباح الخير يا رقية!

"كان حضوره دوماً يسبب لها الارتباك والخجل، وضعت كوب العصير على الطاولة ثم نظرت إليه وابتسمت ابتسامة خفيفة قائلة"
- صباح النور

"سألها قائلاً"
- مستنية أمل؟

"اومأت برأسها فابتسم قائلاً"
- بس أمل نايمة

"نظرت له متعجبة ثم قالت"
- بس هي اتصلت بيّ امبارح وطلبت مني اجيلها بدري

"ابتسم قائلاً"
- هي شوية وهتصحى، احنا ممكن نتكلم سوى على ما تيجي، صح؟

"تشابكت أصابعها في توتر فقال ممازحاً إياها"
- ماتقلقيش، أنا هتكلم معاكي مش هخطفك يعني

"صمتت للحظات ثم نظرت إليه فوجدته ينظر لها بابتسامة رقيقة فاومأت في هدوء قائلة"
- موافقة

"ابتسم قائلاً"
- طيب تعالي نخرج للجنينة احسن، الجو حلو النهاردة

"قامت معه وتوجها سوياً إلى حديقة القصر، وهناك، جلسا على الأريكة الكبيرة الموجودة في الحديقة.
ساد الصمت بينهما للحظات كانت فيها خجلة وتنظر إلى أصابعها المتشابكة بينما كان هو يتأملها حتى قال"
- عجبتك الهدية يا رقية؟

"نظرت إليه ثم اومأت في هدوء فاتبع"
- مش لابساها ليه؟

"ارتبكت ولم تجد رداً، لم تستطع إخباره أنها كانت ترتديها بالفعل ولكنها نزعتها حتى لا تتوتر أمامه أكثر، قال ضاحكاً بخفة"
- أنتِ قلقانة كده ليه؟ هو أنا بخوف اوي كده؟

"حاولت أن تتحدث فقالت"
- عرفت منين إني بحب الملايكة والتيوليب؟

"ابتسم في مكر قائلاً"
- العصفورة قالتلي

"ابتسمت دون أن تشعر فقال"
- أخيراً ضحكتي، أنا قلت شايفاني دمي تقيل

"قالت في خجل"
- لا، أنا بس مش متعودة

"قال في مكر"
- لازم تتعودي، مش هتبقى آخر مرة

"احمرت وجنتيها فضحك قائلاً"
- خلاص خلاص، هسألك سؤال، ممكن؟

"اومأت منصتة فقال"
- حبيتي قبل كده؟

"إنه يريد أن يقتلها بكلامه الذي يخجلها بشدة، مرت لحظات دون رد فاتبع"
- مش عاوزة تجاوبي؟

"هزت رأسها في نفي ثم قالت دون أن تنظر إليه"
- ماحبيتش

"ابتسم قائلاً"
- ولا حد قالك إنك جميلة؟

"نظرت إليه ثم قالت وقد بدى عليها القلق"
- هي أمل فين؟

"ابتسم في هدوء قائلاً"
- أمل مش هتيجي، أنا اللي عاوز اقعد معاكي

"ظهرت علامات الانزعاج على وجهها ثم قامت من مكانها لترحل فتوقف أمامها، ضمت حاجبيها في ضيق قائلة"
- لو سمحت عديني!

"هز رأسه في نفي ثم قال"
- أنا لسة ماخلصتش كلامي

"نظرت إليه في قوة حاولت جاهدة أن تظهر من بين رقتها الطاغية"
- وأنا عاوزة امشي

"قال في تسلية لرؤية تلك القوة الرقيقة"
- لو عايزة تمشي بسرعة يبقى تقعدي ونكمل كلامنا

"ظلت صامتة فاتبع بابتسامة"
- مافيش تفكير، هتقعدي يعني هتقعدي

"ظلت ناظرة إليه في ضيق ثم جلست في حنق دون كلمة، عاد هو ليجلس أيضاً، وبمجرد أن جلس حتى قامت سريعاً لتركض، ولكنه لحق بذراعها فأمسك بها وشدها إليه لتصطدم بصدره ليقول"
- مش هتعرفي تهربي، اقعدي وبلاش حركات العيال دي عشان مابحبهاش

"كانت تنظر له في صدمة ووجه محمر من أثر اصطدامها به، لم تتحدث فتوجه بها ناحية الأريكة مجدداً لتجلس.
جلس أمامها ثم صمت للحظات قبل أن يبتسم قائلاً وكأن شيئاً لم يكن"
- ماحدش قالك إنك جميلة قبل كده؟

"نظرت إليه في دهشة، إنه سرعان ما يتبدل، هزت رأسها نافية فاتبع بابتسامة جميلة"
- يبقى اسمحيلي اقولك إنك جميلة، جميلة جداً

"سرعان ما عاد إليها شعور الخجل والارتباك مرة أخرى، إنه يجعلها تجرب مشاعر جديدة لم تجربها من قبل.
هذه هي المرة الأولى التي يتعامل معها شخص ما على إنها امرأة جميلة وليست مجرد طفلة بريئة فقط.
على الرغم من انزعاجها مما يحدث إلا أن شيئاً ما بداخلها كان سعيداً، إنه ليس أي شخص... إنه مختلف عن البقية، نظرت إليه ثم قالت في هدوء"
- شكراً

"ابتسم للحظات ثم سرعان ما تحولت ابتسامته إلى ضحكة عالية قال بعدها"
- طب ولو قلتلك إني معجب بيكي، هتقوليلي شكراً برضو؟

"نظرت إليه في صدمة، ماذا قال للتو؟ هل يمزح؟ نظر لها بابتسامة ثم قال"
- مخضوضة كده ليه يا رقية؟ هو أنا قلت حاجة غلط؟ أنا بقولك إني معجب بيكي

"ازداد توترها وشعرت بأنها على وشك البكاء كعادتها عندما توضع في موقف موتر وغريب بالنسبة إليها.
حاولت أن تقوم من مكانها ولكنه أوقفها عندما أمسك بيدها وقال في قوة"
- لسة ماخلصناش يا رقية!

"نظرت إليه ثم قالت محاولة إخراج صوتها واستجماع كلماتها"
- لو سمحت عاوزة امشي

"نظر لها للحظات وشعر بأنها ليست على ما يرام بالفعل، قال أخيراً"
- زي ما تحبي، بس لينا قعدة تانية سوى عشان نكمل كلامنا

"كان كل ما تفكر به في تلك اللحظة هو أن ترحل فاومأت موافِقة سريعاً ثم قامت من مكانها وركضت إلى الخارج وهي تحاول أن تكتم دموعها حتى لا تظهر أمام أحد، بينما أخذ هو يراقبها حتى اختفت عن أنظاره وفي داخله قرر أن يحسم كل شيء في المرة القادمة."

****

"عندما وصلت رقية إلى منزلها، صعدت إلى غرفتها وجلست على السرير وأخذت تبكي.

لم تكن تدري تحديداً لمَ البكاء، ولكن كل ما حدث في تلك المدة القصيرة كان صادماً بالنسبة لها.
ما الذي قاله؟ ما الذي قد يلفت شاباً مثله في ذكائه وقوته في مراهقة صغيرة لم تصل إلى سن العشرين بعد ولا تعرف عن الحب أي شيء سوى الورود وعينيه؟
لم تره سوى عدة مرات وفي كل مرة تشعر بأن قلبها يؤلمها من شدة الخجل والتوتر، لقد نعت هروبها منه بالتصرف الطفولي ولم يدرِ أنها لا تستطيع التوقف أمامه والنظر إليه أكثر من دقائق قليلة جداً.
شعرت بالغضب تجاه أمل لأنها كانت السبب في كل شيء، كيف تخبره بتلك الأشياء عنها؟ كيف تتعاون معه لتدبير ذلك اللقاء الغريب؟ أو ليست صديقتها؟
قطع أفكارها صوت الهاتف فرفعت السماعة وحاولت أن تبدو طبيعية"
- ألو!

"وصلها صوت أمل المتردد قائلاً"
- ازيك يا رقية؟


"لم ترد بل ظلت صامتة ففهمت أمل أنها غاضبة منها، أخذت توبخ نفسها وتلوم أخيها على ما تسبب لها به، قالت في أسف"
- أنا آسفة يا رقية! بس صدقيني أنا...

"قاطعتها رقية قائلة في هدوء"
- أنا كنت فاكرة إننا أصحاب بجد يا أمل، وإن عمرك ما هتكدبي عليا

"قالت أمل سريعاً"
- صدقيني ماكدبتش، أنا كنت فعلاً هشوفك بس سليم طلب مني اسيبكم لوحدكم شوية الأول

"صمتت رقية دون رد فاتبعت أمل قائلة"
- هو قالك حاجة تزعلك؟

"عادت رقية لتتذكر كل ما حدث اليوم وشعرت بالتوتر، قالت أخيراً بعد أن مسحت دمعة أخيرة"
- مش مهم يا أمل! بس أنا مش هقدر أجيلك تاني بعد كده، مع السلامة!

"ثم أغلقت الخط دون سماع أي رد، ضربت أمل الأرض بقدمها في غضب ثم خرجت من غرفتها وذهبت إلى غرفة المكتب حيث كان يجلس سليم ويطالع بعض الأوراق وطرقت الباب في غضب، وعندما أذن لها بالدخول، فتحت الباب فجأة وقالت في ضيق"
- ممكن أعرف أنت عملت ايه مع رقية؟

"قال سليم دون أن ينظر إليها"
- كام مرة قلتلك يا أمل إني مابحبش الصوت العالي؟

"ضربت الأرض بقدمها في حنق وقالت"
- أنت مش فاهم أنت عملت إيه، رقية زعلانة مني وقالتلي إنها مش هتيجي تاني، يعني خلاص مش عاوزة نبقى أصحاب

"رفع سليم نظره عن الورق ونظر إليها ثم قام من مكانه وتوجه ناحيتها قائلاً"
- إيه اللي حصل بالظبط؟

"قالت في حزن وهي على وشك البكاء"
- اتصلت بيها عشان اعتذرلها عن الكدبة السخيفة اللي كدبتها عليها بس هي مارضيتش تتفاهم وكانت متضايقة وصوتها زي ما يكون كانت بتعيط ولما حاولت افهم منها ايه اللي حصل قالتلي مش مهم وإنها مش هتجيلي البيت تاني

"كان يستمع إليها وشعور بالقلق ينتابه لأول مرة، عندما رحلت كان يشعر أنها ليست على ما يرام، هل أزعجها إلى هذا الحد؟ كما أن قرارها بعدم المجيء إلى هنا مرة أخرى جعله يشعر بالضيق، هل من الممكن ألا يراها ثانية؟ مستحيل... لن يسمح لها بفعل ذلك.
قطع شروده صوت أمل الباكي"
- كده أنا خسرت صحبتي الوحيدة، مبسوط؟

"ضمها إليه في حنان ثم ابتسم قائلاً"
- مين قال إنك خسرتيها؟ بالعكس يا أمل!

"نظرت إليه وقالت في بلاهة"
- يعني إيه؟

"ضحك منها ثم مسح دموعها وهو يقول"
- مش كان نفسك اتجوزها؟

"ابتسمت في سعادة قائلة"
- بجد يا سليم؟

"اومأ برأسه ثم ابتسم قائلاً"
- أنا مش هسيبها، هصالحها واتجوزها

"ثم قرص وجنتها في خفة قائلاً"
- بس ماتقوليش لحد قبل ما أنا اتكلم، مفهوم؟

"اومأت في حماس ثم احتضنته مجدداً قائلة"
- أنا بحبك

"ضحك ثم قبّل رأسها قائلاً"
- وأنا كمان يا أمل!

.....

"قرر سليم أن يتركها لبضعة أيام حتى تهدأ فيستطيع التحدث معها بشكل أفضل...
وفي أحد المرات، علم من أمل أن صديقاتها سيجتمعن في مكان ما خارج المنزل، وأن رقية ستكون معهن، وبالفعل جاء ذلك اليوم وذهب سليم إلى حيث أخبرته أمل ووجدها هناك.
كان المكان واسعاً وفيه بعض المساحات الخضراء وكانت باقي الفتيات يلعبن بينما كانت هي جالسة فوق العشب في شرود.
ظل في مكانه يتأملها قليلاً، لقد بدت هادئة للغاية وحزينة على غير عادتها في كل المرات التي رآها فيها من قبل وكانت تتحلى بروح مرحة وسعيدة.
لم يكن يتخيل أن هناك من تتحلى بذلك الهدوء والجمال وتلك الرقة، حتى أمل التي رغم روحها المرحة وصخبها كانت تبدو أحياناً هادئة، لكنها ليست مثلها هي... إنها مختلفة للغاية.
وأثناء شروده فيها، رآها تتوقف وتسير مبتعدة عن الفتيات في شرود، ابتسم حين وجد أن فرصته قد أتت، أمسك بباقة الزهور إلى جواره بالسيارة وخرج منها وأخذ يسير في هدوء ناحيتها."

****

"مرت فترة كانت تشعر بالحزن والضجر ولا تدري ما السبب، مئات الأسئلة كانت تتوافد إلى رأسها ولا تجد لها إجابة، وطوال تلك الفترة لم يغب عن بالها لحظة،
كان ذلك يغضبها كثيراً، إنها حتى لا تدري تحديداً لماذا تشعر بالغضب تجاهه، ربما لأن طريقته معها آخر مرة كانت غريبة وصادمة.
كانت تسير في شرود تركل الأحجار الصغيرة بقدمها حتى وجدت باقة من الزهور ظهرت في وجهها فجأة، خرجت منها صرخة صغيرة كتمتها حين وضعت يدها على فمها لتجده يظهر أمامها فجأة فاتسعت عيناها الخضراوين في صدمة، ابتسم قائلاً"
- صباح الخير يا رقية!

"لم تستطع الرد بل ظلت مصدومة، حرك يده أمام وجهها ثم قال"
-أنتِ كويسة؟

"أفاقت من صدمتها وبدأت تستوعب ما يحدث، إنه هنا بالفعل مع باقة زهورها المفضلة، لم يقفز من أفكارها إلى الخارج... إنه هنا، حاولت التحدث قائلة"
- أنت... أنت عرفت مكاني ازاي؟

"ضحك قائلاً"
- أنا عصافيري في كل حتة

"ثم قدّم باقة الزهور لها بابتسامة قائلاً"
- الورد ده عشانك، اتفضلي!

"ظلت صامتة للحظات تنظر له ثم تنظر إلى باقة الزهور ثم ضمت حاجبيها في ضيق وقالت"
- أنا مش عاوزة حاجة، عن إذنك

"ثم استدارت لترحل فأوقفها قائلاً"
- بس أنا جيت زي ما اتفقنا

"توقفت مكانها ثم التفتت إليه وقالت متعجبة"
- اتفقنا؟

"رد قائلاً"
- أيوة، احنا آخر مرة اتفقنا إننا هنتقابل تاني عشان كلامنا لسة ماخلصش، وأنتِ وافقتي

"ثم قدّم لها باقة الورود ثانية وقال"
- اوعدك المرة دي مش هضايقك، بس خدي الورد ده الأول

"صمتت وبدت مترددة ولكنها أخذته منه في هدوء دون كلمة فابتسم قائلاً"
- ممكن نقعد؟

"اومأت برأسها ثم جلست وجلس هو أيضاً، ساد الصمت للحظات، لم تكن تنظر إليه بينما لم يستطع هو أن يحيد بنظره عنها حتى قال في هدوء"
- رقية! بصّيلي هنا

"حاولت استجماع شجاعتها لتنظر إليه فوجدته ينظر لها نظرة مختلفة تماماً عن كل ما رأته من قبل، كانت نظرة حنونة ومحبّة للغاية حتى أنها شعرت أنها لا تستطيع أن تحرك عينيها عنه، قال"
- أولاً، أنا عاوز اعتذرلك لو كنت ضايقتك مني آخر مرة أو خوفتك، أنا آسف

"ثم اتبع بابتسامة"
- وكمان مش عاوزك تزعلي من أمل، هي بتحبك أوي وأنا اللي خليتها ماتنزلش تشوفك

"ظلت صامتة للحظات ثم قالت في هدوء"
- ليه؟

"رد قائلاً"
- عشان ماكانش في أي فرصة تانية اقدر اقولك فيها إني معجب بيكي غير كده

"شعرت برعشة تسير في جسدها مرة أخرى لسماع تلك الكلمة مجدداً ولم تستطع الرد فاتبع"
- وهو ده اللي أنا كنت عايز اكمله معاكي

"قالت في ارتباك"
- مش فاهمة

"قال مباشرة"
- أنتِ معجبة بيّ ولا لا؟؟

"نظرت إليه في صدمة وانعقد لسانها ولم تستطع الرد، قال"
- ساكتة ليه؟

"عادت لتتوتر ثانية وحاولت النطق قائلة"
- أنت... أنت عاوز مني ايه؟

"ابتسم قائلاً بوضوح"
- عاوزك تتجوزيني

"نظرت له في صدمة تحاول أن تستوعب ما قاله للتو، وفجأة أصبح وجهها أحمراً من شدة الخجل والارتباك، عندها ضحك قائلاً"
- لون وشك اتغير كده ليه؟

"انتابتها نفس الحالة السابقة، وشعرت أنها على وشك البكاء وحاولت أن تقوم من مكانها، ولكنه أمسك بيدها وقال في هدوء حتى لا ترتبك أكثر"
- ماينفعش تمشي واحنا ماخلصناش كلامنا

"بمجرد أن فعل ذلك، لم تستطع منع دموعها التي نزلت ببطء على وجنتيها، قال في قلق"
- في إيه؟ ليه العياط؟

"قالت بصوت باكٍ"
- عاوزة أمشي يا سليم من فضلك

"ابتسم دون أن يشعر، إن هذه هي المرة الأولى التي تنطق فيها اسمه، كم بدى رقيقاً منها! قال باهتمام"
- مش قبل ما اعرف أنتِ بتعيطي ليه، أنا عملت حاجة ضايقتك؟

"حاولت أن تسيطر على دموعها ولكنها فشلت تماماً، نظرت إليه بعينين دامعتين وقالت"
- ليه أنا يا سليم؟

"نظر لها متسائلاً فاتبعت بعد أن حاولت مسح دموعها"
- أنت أكيد شفت بنات كتير أكبر مني وأحسن مني كمان، ليه بتقولي أنا الكلام ده؟

"ابتسم في حنان قائلاً"
- أكبر منك آه، لكن أحسن منك لا

"قالت وهي تمسح وجنتها بيدها كالأطفال"
- يعني ايه؟

"تبسم ضاحكاً منها ثم قال"
- أنا ماشفتش واحدة في جمالك ولا رقتك قبل كده، وده لوحده كفاية إنه يخليكي مميزة عن أي واحدة تانية

"ظلت ناظرة إليه دون رد فقال"
- مش مصدقاني؟

"حادت بنظرها عنه ونظرت إلى أصابعها المتشابكة فمد يده ورفع وجهها لتنظر إليه فاحمر وجهها ثانية، لم يهتم بخجلها بل اتبع"
- أنا ماعنديش أسباب كتير عشان أقولهالك، أنا معجب بيكي وبس، ولو اديتيني فرصة هثبتلك صدق كلامي كويس

"ظلت صامتة فاتبع"
- موافقة تتجوزيني؟

"ارتبكت كثيراً لتلك الكلمة، حاولت أن تتحدث قائلة"
- أنا... أنا... يعني...

"ظل منتظراً منها أي رد فقالت"
- أنا عمري ما فكرت في حاجة زي دي قبل كده، خصوصاً دلوقتي

"سألها قائلاً"
- ليه؟

"نظرت إليه وحاولت استكمال الحديث قائلة"
- أنا عاوزة أكمل دراستي

"ابتسم قائلاً"
- وماحدش قال إنك مش هتكمليها، هتكملي دراستك بس مش هنا، في القاهرة

"قالت متعجبة"
- في القاهرة؟

"اومأ برأسه ثم قال"
- أيوة، لو وافقتي نتجوز فأنا هاخدك ونعيش في بيتي التاني في القاهرة، وهناك تقدري تكملي دراستك، بس وأنتِ في بيتنا

"قالت في صدمة"
- وبابا؟

"ابتسم قائلاً"
- هتشوفيه كل أسبوع لما نيجي هنا

"عادت لتتوتر ثانية، لقد ذهب بهما مجرى الحوار إلى طريق مختلف تماماً، شعرت بصدمة كبيرة من كل شيء، هل يعي حقاً ما يقوله؟ إنه يبدو في منتهى الجدية.
نظرت له دون رد فاتبع بابتسامة"
- افهم من سكوتك ده إنك معجبة بيّ فعلاً؟

"هربت منها دمعة وحيدة فابتسم قائلاً"
- بتعيطي تاني ليه؟

"قالت في طفولية"
- أنت بتوترني

"ضحك منها ثم مد يده ومسح دمعتها الوحيدة تلك في هدوء ثم قال"
- مش عاوزك تتوتري أو تخافي أبداً، فاهمة؟

"اومأت برأسها في هدوء فاتبع بابتسامة مرحة"
- موافقة؟ يعني آجي اتقدم؟

"نظرت إلى أصابعها وارتسمت ابتسامة رقيقة على وجهها ثم أمسكت بباقة الزهور إلى جوارها، وقالت بعد أن قامت من مكانها"
- مش عارفة

"ثم ركضت من أمامه سريعاً، انطلقت منه ضحكة عالية وهو يراقبها حتى اختفت عن أنظاره، إن هذه الشقية الصغيرة ستتعبه كثيراً، عندها قام من مكانه وذهب ليستعد لمقابلة والدها."

.....

"في خلال وقت قصير، تمت خطبتهما. كان والدها يخشى عليها من قرار مبكر كهذا، ولكن بعد إصرار كبير ووعود كثيرة من سليم بحمايتها والاهتمام بها وحبها، ومع موافقة رقية التي كانت على استحياء، وافق أخيراً.
أما عن عائلة سليم، فقد كانت سناء الأكثر قلقاً بشأن تلك الخطبة السريعة، فقد كانت تعلم استهتار سليم وعلاقاته المتعددة، وكانت تخشى على تلك الصغيرة التي لن تستطيع مجاراته، ولكن إصراره وثقته تلك جعلتها تأمل في أن تستطيع تلك الصغيرة فعل ما لم تتوقعه فوافقت في النهاية.
أما عن سليم، فلقد أضافت رقية إلى حياته لوناً جديداً مرحاً وجميلاً، كان يحب أن يقضي أوقاته معها ويحاول التعرف على عالمها الصغير الممتلئ بالورود... وبه، وكان يحاول بشتى الطرق أن يسعدها ويثبت لها كم هي مميزة في حياته، وكم يحبها.
أما رقية، فلم تكن سعيدة فحسب، بل كانت تشعر أنها على وشك الطيران. في وقت قصير، قد تبدلت حياتها بالكامل، لم تعد حياة بسيطة كما السابق بل تزينت بكل ما يقدمه لها من حب واهتمام وجعلها تنتقل إلى عالم جديد تشعر فيه بأنها امرأة جميلة ومحاطة بالحب و الاهتمام من رجل رائع مثله، ولكن في الوقت نفسه لم تفقد روحها المرحة وطفولتها التي كان يحبها كثيراً.
وفي أحد المرات، وأثناء ما كانا جالسين في نفس المكان الذي طلب فيه الزواج منها، نظرت رقية إليه وقالت في مرح"
- سليم! تعالى نلعب شوية

"ضحك قائلاً"
- نلعب؟

"اومأت برأسها فقال بابتسامة بعد أن مد يده ليزيح بعض الخصل التي بعثرها الهواء فوق وجهها"
- هنلعب ايه؟

"امسكت بحقيبتها ثم أخرجت منها شريطاً أسوداً ونظرت إليه قائلة في حماس"
- استغماية

"ابتسم في مكر قائلاً"
- زي أول مرة شفتك فيها كده؟

"احمرت وجنتاها لتلك الذكرى فضحك عالياً ثم قال"
- أنا موافق، تعالي عشان اغميكي

"هزت رأسها نفياً ثم قالت في مكر جديد عليها"
- أنت اللي هتتغمى وتدور عليا

"ضحك ثانية ثم قال"
- أنا؟ لا مستحيل

"قالت مشيرة بسبابتها"
- متأكد؟

"رد في ثقة"
- ايوة، مش هتغمى

"توقفت ثم سارت مبتعدة عنه و ي تقول بابتسامة ماكرة"
- وأنا مش هتجوز

"نظر لها وقد فهم خطتها جيداً، قال وهو يشير إلى جواره"
- تعالي هنا!

"هزت رأسها نافية في مرح ثم أخذت تبتعد ببطء حتى وجدته وقد قام من مكانه وتقدم ناحيتها فركضت من أمامه مسرعة ولكنها لم تكن أسرع منه حيث أمسك بذراعها وجذبها إليه فضحكت، قال"
- قلتيلي مش هتتجوزي، صح؟

"ردت قائلة في تحدٍ"
- طالما مانفذتش أول طلب اطلبه منك يبقى اتجوزك ليه؟

"ابتسم في عبث قائلاً"
- عشان بتحبيني؟

"هزت رأسها في نفي ثم قالت"
- في استغماية... في جواز... مافيش استغماية... مافيش جواز

"ابتسم للحظات دون رد، إنه يكتشف جانباً جديداً في صغيرته الجميلة لا يدري إن كان موجوداً من قبل ولم يعلم به، أم أنه قد علّمها التمرد دون أن يدري، قال أخيراً"
- موافق، بس بشرط

"ثم اتبع وهو يعبث بخصلة من شعرها الناعم"
- نتجوز آخر الأسبوع

"نظرت إليه في دهشة فاتبع بابتسامة ماكرة"
- عاوز ألحق اشبع منك قبل ما دراستك تشغلك

"احمر وجهها بشدة ولم تستطع النطق، ضحك ثم قال"
- هعتبر سكوتك موافقة، هاتي الشريط

"ابتسمت بعد لحظات في ثقة ثم أعطته الشريط وابتعدت عنه عدة خطوات.
قام بربط الشريط فوق عينيه وبدأ اللعب، أخذ يبحث عنها وهي تدور من حوله وتضحك كثيراً مستمتعة للغاية بما يحدث.
لم تكن تتخيل أبداً أنه من الممكن أن تعيش كل تلك اللحظات معه هو، إنها سعيدة... سعيدة للغاية، لقد تغيرت فيها أشياء عدة... تعلمت كيف تصبح ماكرة ومساومة مثله تماماً، لو لم تتعلم تلك الفنون البسيطة لما قَبِلَ أن يلعب لعبة طفولية كهذه أبداً، لكنها لم تكن تعلم أن شيئاً آخراً كان يجعله يقبل بما لم يكن ليقبل به من أحد غيرها... حبه لها.
وفي لحظة واحدة لم تدرِ فيها كيف حدث ذلك، استطاع تحديد مكانها والإمساك بها بمنتهى السهولة، أحكم قبضته عليها حتى لا تفر ثم نزع الرباط من فوق عينيه سريعاً وقال في انتصار"
- أخيراً لقيتك

"تمسكت به وهي تضحك بشدة في سعادة وهو يتأملها في سرور، قالت ضاحكة"
- سليم! عاوزة اقولك حاجة

"نظر لها متسائلاً فاتبعت بابتسامة ناعمة للغاية"
- أنا بحبك اوي

"نظر لها للحظات حتى ابتسم قائلاً"
- يعني هنتجوز آخر الأسبوع؟

"اومأت برأسها بابتسامة فحملها وأخذ يدور بها في سعادة، وأخيراً ستصبح له ولن تبتعد عنه أبداً.
كانت تلك هي بداية قصتهما التي ازدادت جمالاً بزواجهما وقدوم طفليهما الصغيرين، سبع سنوات من السعادة انتهت بنهاية لا تليق بكل الحب الذي عاشاه معاً، نهاية كانت تملأها القسوة ويملأها الغرور والحنين إلى ماضٍ دمر كل شيء.
قطع شروده دخول سالي إلى غرفة المكتب دون إذن، نظر إليها في حدة قائلاً"
- أنتِ ازاي تدخلي كده من غير إذن؟

"نظرت إليه في دهشة، هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها بهذه الطريقة معها، قالت"
- أنت بقالك كتير قاعد هنا، وأنا زهقت لوحدي أوي

"قال في جفاء"
- وهفضل هنا شوية كمان، مش هخرج دلوقتي

"دبَّت الأرض بقدمها ثم خرجت من المكتب في حنق، من الواضح أنه قد ملَّها وبدأت نهايتهما معاً. أما هو، فقد عاد ليستند إلى ظهر كرسيه شارداً من جديد في ذكرياته مع رقية."

****

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-22, 10:20 PM   #16

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل العاشر


"خرجت والدة شمس من المشفى وعادت إلى المنزل، وعادت شمس لعملها بالشركة،
وفي أحد المرات، وبعد أن عادت شمس إلى المنزل، وقبل أن تدخل، وجدت كمال ينتظرها في سيارته فأوقفها بندائه"
- شمس!

"التفتت شمس إلى الصوت فوجدته هو، تأففت في حنق فنزل هو من السيارة وتقدم ناحيتها، قال بابتسامة باردة"
- ازيك يا شمس؟

"قالت شمس في جفاء"
- الحمد لله، في حاجة يا كمال؟

"نظر لها مستنكراً ثم قال"
- عيب تكلمي خطيبك بالطريقة دي

"نظرت له في قوة قائلة"
- خطيبك؟!

"اومأ برأسه بابتسامة عريضة ثم قال"
- ايوة، هي ماما ماقلتلكيش إني اتقدمتلك؟
"ردت قائلة"
- آه قالتلي، ومن فرحتها جاتلها أزمة قلبية، مش كده؟

"ضحك بشدة ثم قال"
- زي العسل يا شمس

"زجرته بنظرتها القوية وقالت في ثقة وحزم"
- هي كلمة واحدة... ابعد عني احسنلك، أنا كل ده مراعية القرابة ومش عاوزة ابلغ البوليس

"عاد ليضحك ثانية ثم قال"
- مراعية القرابة؟ أنتِ؟

"ثم اختفت ضحكته ليتبع بشراسة"
-أنتِ ناسية إنكم قاعدين في بيتي؟ يعني أنا اللي المفروض أبلغ عنكم واطردكم منه

"ردت في قوة"
- بيتك؟! ده بيت بابا الله يرحمه اللي أنت وعمي زورتوا امضته على عقد بيعه وسرقتوه منه

"رفع إصبعه محذراً إياها وهو يقول في غضب مكبوت"
- لمي لسانك احسنلك

"ثم اتبع محاولاً أن يكون لطيفاً"
- وبعدين مين قال إني مش هرجعلك البيت؟

"نظرت إليه شمس دون فهم وهي تقول"
- ازاي؟

"ابتسم قائلاً"
- البيت ده هيبقى مهرك، تتجوزيني... اكتبه باسمك فوراً

"ظهر على وجهها شبح ابتسامة هازئة لتقول"
- أنا عاوزة أفهم أنت عاوز تتجوزني ليه يا كمال؟

"رد قائلاً"
- وهي الناس بتتجوز ليه؟ عشان بحبك

"ضحكت شمس في سخرية ثم قالت"
- وهو اللي يحب بيعرض المساومة الرخيصة دي؟!

"رد قائلاً"
- مافيش طريقة تانية غير كده، أنتِ اللي خلتيني الجأ للرخص اللي بتتكلمي عنه، كام مرة حاولت اتقرب منك عشان تقتنعي بيّ وكنتي بترفضي؟

"هزت رأسها بابتسامة واثقة ثم قالت"
- صح، مافيش طريقة تانية

"لتتبع بعدها في حسم"
- ولا حتى دي يا كمال! ومهما عملت، أنا مش هتجوزك

"ثم اتبعت في قوة وهي تشير ناحية البيت"
- والبيت ده... أنا مش هخرج منه مهما حصل، مفهوم؟

"كان بالكاد يمنع نفسه عن أي تصرف متهور فختمت حديثها بابتسامة استفزازية قائلة"
- كان نفسي اقولك اتفضل، بس للأسف بقى... مافيش مكان للغُرب، عن إذنك.

"ثم تركته متوجهة ناحية البوابة الصغيرة لتفتحها وتدخل إلى المنزل وعلى وجهها ابتسامة انتصار لأنها استطاعت قهره ولو بالقليل، وهو من خلفها يتوعدها ويقسم أنه سينالها رغم كل شيء.
وعندما دخلت من الباب، وجدت والدتها تتوجه ناحيتها في قلق وقد كانت تقف عند النافذة وقالت"
- في إيه يا شمس؟ كمال كان عايز إيه؟

"ابتسمت شمس في انتصار قائلة"
- بيعرض عرضه الرخيص تاني، بس أنا عرفت اسكته كويس

"قالت والدتها في قلق"
- عملتي إيه؟ بلاش مشاكل

"قالت شمس في ثقة"
- مشاكل ايه بس يا ماما؟! مايقدرش يعملنا أي حاجة، خليه يهدد براحته، ده آخره

"تنهدت والدتها في حزن ثم قالت"
- لو بس اعرف محمود ازاي ادالهم البيت كده

"قالت شمس سريعاً"
- أنا متأكدة إن دي كمان كانت لعبة منهم، بابا مستحيل يعمل كده

"ثم اتبعت محاولة تغيير الموضوع"
- نسيبنا من سيرة كمال شوية بقى، أنا جعانة وعاوزة آكل

"ابتسمت والدتها قائلة"
- الغدا خلاص جاهز، غيّري هدومك بس على ما احطه عالسفرة

"وعندما تركتها والدتها، ذهبت هي إلى الغرفة المغلقة دوماً وفتحتها بمفتاحها الصغير ودخلت إلى العالم الموازي بداخلها.
مرسمها الصغير الذي يحوي العديد والعديد من اللوحات التي استندت جميعها إلى الحائط لتحل محلها على المساند لوحاته هو التي وصل عددها الآن إلى عشر.
تقدمت ناحية إحدى اللوحات وجلست أمامها على الكرسي وأخذت تتأملها قليلاً، لا تسعفها شجاعتها أحياناً في تأمله على الحقيقة فبمجرد أن ينظر لها تشعر بخجل غريب ليس من عادتها، لذا كانت تلك اللحظة التي وجدته نائماً فيها من أسعد اللحظات إذ أنها قد استطاعت النظر إليه بل ولمسه أيضاً.
انكمش قلبها قليلاً عندما تذكرت يوم المشفى عندما لجأت إلى صدره لتبكي وكانت المفاجأة أن ضمها إليه قليلاً لتهدأ.
لم تكن تفهم ما سر انتفاضته في المرتين السابقتين اللتين حاولت فيهما لمسه.
ثبتت عينيها على عينيه غريبتي اللون الذي لم تستطع تحديده حتى وهو مرسوم على الورق، ولكنها تتذكر أنها استخدمت الأخضر والرمادي ليظهر لها هذا الناتج الناجح.
شردت في عينيه للحظات تتأمل تلك النظرة القوية الواثقة التي تعجبها كثيراً حتى تنهدت وقالت دون وعي"
- بعد كل ده كمال؟! مجنون ده ولا إيه!

.....

"مرت عدة أيام بعد يوم المتابعة ولم يزُرها رامز أبداً، ولكنه كان يتصل بها بين حين وآخر للاطمئنان عليها.
كان والده طوال تلك الفترة يراقبه فعلم بأمر الحمل الذي يذهبان لمتابعته وبمكان نانسي، ومع مزيد من البحث، علم الكثير عن ماضيها.
وأثناء ما كانت نانسي جالسة في غرفتها، سمعت صوت جرس الباب، ظنت أنه رامز فذهبت مسرعة لتفتح ففوجئت بشخص آخر أمام الباب... والد رامز نفسه."

****

"كان مجيئه إلى هنا غير متوقع على الإطلاق فشعرت بالخوف خاصة من نظراته الغريبة التي كان يطالعها بها.
ساد الصمت بينهما حتى قطعه قائلاً في هدوء مخيف رافعاً رأسه في غرور"
- هفضل واقف عالباب كتير يا نانسي؟! مافيش اتفضل؟

"ازداد توترها ولم تدرِ ماذا تفعل، من أين عرف اسمها ومكانها؟ قالت محاولة إخراج صوتها"
- أنا... أنا آسفة... اتفضل حضرتك!

"دخل السيد سليم من الباب ثم توجه ناحية الكرسي وجلس عليه واضعاً ساقاً فوق أخرى دون كلمة بينما ظلت هي واقفة، قالت محاولة الحديث"
- حضرتك تشرب ايه؟

"قال السيد سليم دون مقدمات"
- أنا مش جاي اتضايف، أنا جاي افهم أنتِ عايزة إيه من ابني؟

"خافت نانسي أكثر ولم تجد أي رد، فكرت في التحجُّج بأي شيء كي تذهب إلى الغرفة وتتصل برامز كي يأتي وينقذها، ولكنها لم تستطع التحرك خاصة وهو يجلس أمامها يرمقها بنظرته القاسية التي جعلتها تفهم موقفه منها تماماً.
جلست في هدوء على الكرسي المقابل قبل أن تسقط، وقالت محاولة ادعاء البلاهة"
- أنا مش فاهمة حضرتك بتتكلم عن ايه

"ارتسمت نصف ابتسامة ساخرة على وجهه ثم أنزل قدمه الموضوعة فوق الأخرى وأسند مرفقيه إلى ركبتيه في تحفز وقال"
- بلاش شغل اللف و الدوران ده، أنا عارف كل حاجة

"شحب وجهها ولم تستطع الرد فاتبع في قوة"
- وعارف كمان قصة العيل اللي عايزة تلبسيه لابني، وهو زي الأهبل صدقك

"ثم رمقها بنظرة قاسية واتبع"
- بس أنا بقى عارف أمثالك كويس، وفاهم اللعبة الحقيرة اللي بتلعبيها عليه

"في تلك اللحظة تحديداً، شعرت نانسي بالرغبة في الركض إلى الغرفة بالفعل والاتصال برامز، ولكنها عوضاً عن ذلك قالت محاولة الحديث"
- حضرتك... فاهم غلط... الولد فعلاً... ابن رامز...

"قاطعها قائلاً في قسوة"
- أنتِ فاكراني اهبل عشان أصدق واحدة زيك بتقضي كل ليلة مع راجل شكل ويوم ما حملت ماعرفتش تودي مصيبتها فين فراحت ترميها على ابني؟

"ثم اتبع بنظرات مليئة بالاحتقار"
- بس ليكي حق، هتلاقي فين واحد زي ابني يصدقك ويمشي وراكي ويصرف عليكي مبالغ عمر اهلك ما شافوها

"كانت نانسي تستمع إليه في شحوب وشعرت بأن قواها تخور من شدة الضعف والخوف، كانت كلماته تصفعها بقسوة ولا تقوى على الرد، قالت محاولة النطق"
- حضرتك... فاهم غلط... أنا...

"عاد ليقاطعها من جديد قائلاً"
- هي كلمة واحدة، أنتِ لازم تختفي من حياة رامز نهائياً، وتنسي خالص حكاية ابنه دي عشان أنا مش هقبل بحفيد ماعرفش أصله إيه من واحدة زيك، فاهمة؟

"نظرت إليه في صدمة وخوف فقام من مكانه واتبع قبل أن يتركها"
- وإلا والله لأعرف ازاي اخفيكي من على وش الدنيا أنتِ وابنك

"ثم خرج من المنزل صافقاً الباب خلفه في عنف، انتفضت مكانها من شدة الصوت وشعرت بدموعها تنهمر دون مقدمات حتى اجهشت بالبكاء فجأة.
كانت تعلم أن ذلك ما سيحدث منذ البداية، ولكن في ظل كل السعادة التي أمطرها بها نسيت عقبات كل ما يحدث. يبدو أن من مثلها لا تستحق أي فرصة للحب والعيش بكرامة وسعادة، ولن يصدقها أحد مهما حدث بل ستظل موضع شك وإهانة.
لقد كانت مخطئة عندما أخبرت رامز بأمر هذا الحمل، كان يجب أن تحتفظ به لنفسها فقط، طوقت بطنها وخصرها بذراعيها في خوف وكأنها بتلك الطريقة تحمي طفلها من أن يصيبه مكروه، وأخذت كلمات السيد سليم تتردد في أذنها وهي تفكر حتى اتخذت قرارها أخيراً."

.....

"قامت بحزم أمتعتها في حقيبة كبيرة وكتبت رسالة إلى رامز أخبرته فيها بأنها لن تستطيع البقاء هنا ويجب عليها الرحيل، كانت تتمزق في داخلها مع كل كلمة تكتبها إليه، لا يوجد لديها خيار آخر حتى تحافظ على سلامتها وسلامة قطعته الصغيرة بداخلها وكل ما تمتلك منه.
تركت كل الهدايا الثمينة التي أهداها إياها ولم تأخذ سوى العرائس التي أحضرها إليها، وعندما انتهت من كل شيء، خرجت من الغرفة وتوجهت ناحية الباب لتفتحه في الوقت الذي كان هو فيه يفتحه ليدخل."

****

"تسمرت نانسي مكانها واتسعت عيناها في صدمة، تفاجأ رامز من تلك الصدفة الغريبة، ولكنه تعجب من الثياب التي ترتديها، لقد كانت تنوي الخروج، وما زاده دهشة هو رؤيته للحقيبة الكبيرة إلى جوارها.
انتقل نظره بينها وبين الحقيبة بينما كانت هي مصدومة، وخائفة، ضم حاجبيه قائلاً"
- رايحة فين يا نانسي؟

"انعقد لسانها فجأة ولم تستطع الرد كما ازداد توترها وخوفها أيضاً، ماذا تريد منها تلك العائلة اليوم؟ قتلها؟
عندما لاحظ حالتها تلك، دخل ثم أغلق الباب خلفه وعاد ليلتفت إليها ثم قال"
- ساكتة ليه يا نانسي؟

"ثم اتبع وهو ينظر إلى الحقيبة"
- وإيه الشنطة دي؟

"وجدت نفسها تقول دون مقدمات"
- طلقني

"نظر لها رامز في دهشة تحولت إلى ابتسامة ثم ضحكة وهو يقول"
- اطلقك؟! ايه الجو ده؟

"ثم اتبع في سخرية"
- هي دي ضمن هرمونات الحمل برضو؟

"هزت رأسها في نفي قائلة في هدوء"
- أنا مابهزرش يا رامز! أنا عاوزة اتطلق

"ابتسم ابتسامة جانبية قائلاً"
- أطلقك؟ وده من امتى يعني؟ ليه؟

"قالت محاولة تجميع كلماتها فبدت وكأنها تهزي"
- احنا ماننفعش لبعض، الحكاية كلها غريبة وأنا قلتلك من البداية بلاش بس أنت...

"قاطعها عندما قال ممسكاً ذراعها في قوة"
- نانسي!!

"نظرت إليه في صدمة فاتبع وقد تغيرت ملامحه الساخرة لأخرى مختلفة تماماً"
- إيه اللي حصل فجأة عشان التخريف اللي بتقوليه ده؟

"قالت سريعاً في خوف"
- ماحصلش حاجة، أنا مش عاوزة أكمل، احنا عمرنا ما هنكون لبعض

"قال وقد شدد قبضته على ذراعها"
- فكنتي عاوزة تهربي وتاخدي ابني بالبساطة دي مش كده؟ يعني لو ماكنتش جيت كان زماني دلوقتي نايم على وداني ومش عارف حاجة، صح؟

"قالت محاولة الحديث"
- يا رامز أنا...

"قال في غضب"
- أنتِ إيه؟! فاكرة إن كل اللي عملته عشانك ده يخليني أهبل وهصدق الهبل اللي بتقوليه ده؟

"انتفضت من شدة غضبه ولم تستطع النطق فاتبع في قسوة لم ترها فيه من قبل"
- قلتلك قبل كده إنك لسة ماتعرفينيش كويس، لو ماقلتيش الحقيقة هتشوفي مني وش عمرك ما شفتيه، انطقي!!

"بمجرد أن أنهى كلماته وجدها تسقط بين ذراعيه، لحق بها فوراً وحاول أن يجعلها تفيق، ولكنها لم تستجب فحملها سريعاً إلى سيارته وذهب بها إلى المشفى.
وهناك قاموا بإنقاذها، وعندما خرج الطبيب، تقدم رامز نحوه سريعاً وسأل في قلق"
- عاملة إيه دلوقتي يا دكتور؟ أنا جوزها!

"قال الطبيب مطمئناً إياه"
-هي كويسة دلوقتي، كانت هتخسر الجنين بس الحمد لله قدرنا ننقذه

"قال رامز في صدمة"
- تخسره؟

"رد الطبيب قائلاً"
- أيوة، واضح إنها اتعرضت لضغط نفسي كبير واغمى عليها نتيجة انهيار عصبي وده خطر عليها خصوصاً في بداية الحمل

"ثم اتبع ناصحاً إياه"
- حضرتك لازم تهتم بصحتها النفسية أكتر عشان سلامتها وسلامة الحمل

"رد رامز قائلاً"
- اكيد يا دكتور، شكراً

"وعندما تركه الطبيب، جلس على الكرسي في غضب، لقد شعر بأنه لا يفهم أي شيء، هل ما أصابها كان بسببه؟ أم بسبب شيء آخر لا يعلمه؟ ما الذي جعلها تريد الهرب والابتعاد عنه؟
شعر بتأنيب الضمير لأنه قد ضغط عليها كثيراً فلم تستطع التحمل، ولكنه كان على وشك أن يفقد أثرها وأثر طفله القادم، وما كان ليسمح أن يبتعد عنه شيء يخصه مرة أخرى.
انتظر حتى هدأ قليلاً ودخل إلى الغرفة وجلس على الأريكة ينظر ناحيتها في شرود. إنه يعلم جيداً الفرق بين امرأة لعوب تجيد الكذب والخداع، وبين امرأة مغلوبة على أمرها عاشت ماضياً لا يليق بحقيقتها على الإطلاق.
ولكن ما رآه منها اليوم ألقى بشكوك شيطانية في رأسه، لا بد أن يفهم منها كل شيء قبل أن يجن من تساؤلاته.
ظل إلى جوارها حتى الصباح فوجدها تفتح عينيها ببطء، اقترب ناحيتها حتى جلس إلى جوارها على السرير، وعندما رأته أمامها، بكت رغماً عنها ووضعت كفيها فوق وجهها لتختبئ.
عندما فعلت ذلك، ارتسم شبح ضحكة على وجهه، لقد بدت كالأطفال تماماً، أمسك بيديها وأبعدهما عن وجهها وقال في هدوء"
- كفاية عياط يا نانسي!

"لم تستجب بل ظلت تبكي فتنهد في يأس منها ثم مد يده ومسح دموعها وقال"
- أنتِ عاوزة تخسري البيبي؟

"قالت في خوف وقد وضعت يدها على بطنها سريعاً"
- خسرته؟؟

"هز رأسه في نفي قائلاً"
- لا، بس كنتي هتخسريه بسبب الحالة اللي كنتي فيها

"ثم اتبع وهو لا يزال محتفظاً بهدوئه"
- اللي عملتيه امبارح كان هيخليني السبب في إني أخسر ابني

"ظلت تنظر إليه في حزن دون رد فاتبع"
- إيه اللي حصل؟ عملتي كده ليه؟

"صمتت للحظات ثم قالت في خوف"
- كان لازم امشي عشان أنا وابني مانتأذيش

"قال في ضيق"
- تتأذوا؟ يعني إيه؟ مش فاهم

"نزلت دموعها رغماً عنها وقالت"
- باباك جالي امبارح

"نظر إليها في صدمة فاتبعت"
- ماعرفش عرف مكاني وموضوع الحمل منين، بس جالي وطلب مني اختفي من حياتك لو خايفة على نفسي وابني

"سألها قائلاً"
- وقال ايه تاني؟

"ردت نانسي بنبرة يملأها الوجع"
- مش مهم يا رامز، المهم إنه طلب مني امشي...

"قاطعها قائلاً وقد بدأ الغضب يملأ ملامحه"
- قال إيه يا نانسي؟

"قالت بصوت منخنق"
- فكرني بحقيقتي، وإني ماليقش بإني أكون أم لحفيده اللي مايعرفلوش أصل

"ظل رامز صامتاً وبدى الغضب جلياً عليه فقالت في هدوء"
- لو عاوز تتأكد إذا كان البيبي منك فأنا...

"قاطعها قائلاً في حزم"
- اسكتي!

"نظرت إليه دون رد فاتبع قائلاً"
- أنتِ كان لازم تعرفيني إنه جالك وتحكيلي اللي حصل، لكن أنتِ اخترتي أسهل حاجة، إنك تهربي.

"حادت بنظرها عنه وحاولت كتم دموعها فلم يتوقف بل قال"
- كنتي فاكرة إني هسيبك مش كده؟ لو كنتي اختفيتي تحت الأرض كنت هجيبك، وساعتها كان هيبقى عقابك كبير

"نزلت دموعها قائلة"
- أنت ليه مش عاوز تفهم إني خايفة عليك؟

"نظر لها دون رد فاتبعت بصوت منخنق"
- أنا تعبت، أنا مش عاوزة اعمل مشاكل بينك وبين عيلتك، أنا لو كنت فعلاً عاوزة اختفي ماكنتش هقولك حاجة عن حملي وكنت يا هنزله من سُكات يا همشي بعيد عنك خالص، بس قلت لازم اقولك لأن ده حقك، وعشان أنت هتقدر تحميه اكتر مني، بس...

"صمتت وقد غلبتها دموعها للحظات حتى استطاعت النطق قائلة"
- أنا مش عاوزة منك أي حاجة، لا طلبت حبك ولا طلبت فلوسك، أنا مش عاوزة غير إنك تخلي بالك من ابننا، مش عاوزاه يتربى من غير أب مع واحدة ماضيها هيفضل يجري وراها العمر كله، ولو عقابي إنك تاخده مني وتسيبني فأنا...

"قاطعها عندما وضع يده على فمها قائلاً في غضب خفيض حتى لا يستمع أحد إليهما"
- كفاية! أنتِ كلامك بقى يعصبني وأكتر من كده مش عارف ممكن اعمل فيكي إيه، اسكتي احسنلك!

"ظلت صامتة بينما دموعها لا تزال تنهمر فاتبع"
- أنتِ بجد شايفة إني ماقدرش احميكي؟ فاكرة إني مخبي جوازنا عشان خايف منهم؟ أنا بمنتهى البساطة أقدر أعلن جوازنا ادام الكل ومايهمنيش هما ممكن يعملوا إيه

"ظلت صامتة فاتبع"
- أنا مخبيه عشان فعلاً مش محتاج أبلغ حد بحاجة تخصني أنا لوحدي وعشان أنتِ قلتي إن ده أحسن ليكي، لكن واضح إن عدم رغبتك دي سببها إنك مش واثقة فيَّ.

"هزت رأسها في نفي ثم قالت"
- أنا خايفة عليك، مش عاوزة احطك في مشاكل، مش هقدر اسامح نفسي

"قال معانداً"
- قلتلك قبل كده إني مش عيل صغير عشان تخافي عليا، وقلتلك قبل كده إني هعمل أي حاجة عشان تبقوا في أمان، فاهمة؟؟

"ظلت صامتة فاتبع"
- احنا هنخرج من هنا على بيت تاني غير اللي أنتِ فيه، وماحدش هيقدر يوصلك أو يأذيكي

"ثم ختم حديثه محذراّ إياها"
- بس والله يا نانسي لو خبيتي عليا أي حاجة تاني، أنا...

"قطع حديثه عندما رآها تبكي مجدداً فقال محاولاً السيطرة على غضبه"
- الصبر من عندك يا رب! أنتِ إيه؟ مابتعرفيش تعدي دقيقتين على بعض من غير عياط؟

"قالت بصوت باكٍ"
- عشان أنت دلوقتي بتخوفني منك يا رامز

"قال مقلداً إياها في سخرية"
- "بتخوفني منك يا رامز!"

"ثم مسح دموعها للمرة الألف وقال"
- وأنا اللي كنت جاي ومخطط لسهرة حلوة وجايبلك عروسة جديدة، يا خسارة!

"قالت وقد نسيت دموعها قائلة"
- عروسة جديدة؟!

"قال ساخراً"
- يعني السهرة عادي وعروسة هي اللي حمستك؟

"اخفضت رأسها في خجل فابتسم قائلاً"
- عموماً معلش، ملحوقة

"ثم اقترب منها وقبّل وجنتها ثم قال"
- نسينا نقول صباح الخير

"أحمر وجهها وابتسمت قائلة دون أن تنظر إليه"
- صباح النور

"ثم اتبعت"
- هي فين؟

"قال دون فهم"
- هي إيه؟

"نظرت إليه قائلة"
- العروسة

"قام من مكانه ثم توجه ناحية الباب وهو يقول"
- الواحد حاسس إن هيبقى عنده عيلين مش واحد

"ثم خرج للإتيان باللعبة من السيارة وتركها بابتسامة هادئة على وجهها. إن وجوده يمنحها الطمأنينة، ولم تكن تدري حقاً إن هربت كيف كانت لتعيش وحدها بعيداً عنه، ولكنها لم تفكر في أي شيء سوى فيه هو وفي سمعته وسلامة علاقته بعائلته."

.....

"عندما أصبحت نانسي في حالة جيدة، خرجت من المشفى وذهبت مع رامز إلى المنزل الجديد...
كان المنزل في منطقة بعيدة نوعاً ما ولكنها آمنة، كان منزلاً مريحاً واسعاً وله حديقة صغيرة حتى تستطيع الجلوس فيها وتساعدها في الحصول على بعض الهدوء النفسي، وكان رامز قد نقل أغراضها مسبقاً إلى هنا قبل وصولهما.
وعندما وصلا هناك، أخذت تتأمل المنزل قليلاً ليسألها هو"
- عجبك البيت؟

"نظرت إليه وقالت في هدوء"
- حلو

"ابتسم قائلاً"
- أنا حبيت يكون واسع وله جنينة حلوة عشان ترتاحي فيها، وكمان هجيب شغالة من بكرة تبقى معاكي

"التفتت إليه سريعاً وقالت"
- لا يا رامز! مش عاوزة شغالة

"قال متعجباً"
- ليه؟ دي هتساعدك كتير خصوصاً لما تبقي في الشهور الأخيرة من الحمل

"هزت رأسها في نفي قائلة"
- أنا هساعد نفسي، ولو لازم يعني... ممكن تيجي تنضف البيت وتمشي، لكن أنا هعمل كل حاجة

"ثم اتبعت بابتسامة هادئة"
- عاوزاك لما تيجي تاكل من ايدي أنا بس

"ابتسم لها ثم اقترب منها وحملها وهو يقول"
- أنا بقول لازم تنامي بقى عشان ترتاحي شوية

"وعندما دخلا إلى الغرفة ووضعها في السرير، قالت"
- هتمشي؟

"رد قائلاً بابتسامة"
- هقعد معاكي اليومين دول لغاية ما تبقي كويسة

"قطع حديثهما صوت الهاتف فوجد المتصل سكرتيرته تذكره بميعاد الاجتماع، نظر إلى نانسي ثانية ثم قال"
-أنا لازم امشي دلوقتي عشان عندي اجتماع مهم، هرجع تاني بعد ما اخلص

"هزت رأسها متفهمة فاتبع"
- نامي كويس وماتقوميش من مكانك، مفهوم؟

"اومأت بابتسامة فقبّل وجنتها قائلاً"
- سلام يا حلوة!

****

"وعندما ذهب رامز إلى الشركة، توجه إلى غرفة الاجتماعات فوجد والده ورامـي في الداخل، كان وجهه جامداً واجماً خاصة حين رأى أباه الذي لم يتحدث إليه، فقط نظرته القاسية كانت واضحة.
كان رامـي يشعر بالتوتر بينهما ولكنه لم يعلق، ابتسم فقط لرامز الذي جلس إلى جواره وأخذ يطالع بعض الأوراق إلى أن حان موعد الاجتماع وأتى الموظفون.
مر بعض الوقت وهم يناقشون أمور العمل حتى انتهى الاجتماع، رحل الموظفون جميعاً ولم يتبقَ سوى ثلاثتهم، كان رامز يطالع والده دون كلمة وعيناه تتحدث بدلاً عنه، كان والده قد فهم كل ما يدور في رأسه ولكنه لم يتحدث بل طالعه بنظرته القوية فقط.
تحدث رامز قائلاً في هدوء مخيف"
- ممكن اعرف حضرتك رحت لنانسي ليه؟

"اتسعت عينا رامـي في صدمة عندما لاحظ جملته، هل علم بأمرها؟ نظر إلى والده الذي ابتسم في سخرية قائلاً"
- اوام راحت قالتلك؟

"قال رامز في قوة غير عابئاً بسخريته"
- أنا من امتى بتراقب؟ ومن امتى حياتي الشخصية بقت مشاع؟

"احتدت عينا والده وقال في قوة"
- من ساعة ما بقيت مش واعي للي بتعمله ومشيت ورا غباءك اللي هيضيع سمعتنا كلنا

"قام رامز من مكانه وقال في قوة وثقة"
- أنا قلت قبل كده إن حياتي الشخصية ماتخصش أي حد، ومش هسمح لأي حد يتعرض لابني ومراتي بأي بأذى

"قام والده من مكانه وقد فاجأته تلك المعلومة التي لم يعرفها بعد، قال"
- أنت اتجوزتها؟

"رد رامز فوراً"
- ايوة اتجوزتها، وهخلف منها

"قال والده في عنف"
- وأنا مش هعترف بحفيد من واحدة جاية من الشارع كبيرها ليلة وتترمي

"قال رامز في غضب وقسوة"
- أنا مش هسمح لأي حد إنه يهين مراتي بنص كلمة، وابني هييجي وهيشيل اسمي غصب عن الكل، ولو حصلهم أي حاجة أنا...

"وفي لحظة واحدة، رفع سليم يده ليقاطع كلماته بصفعة قوية توقفت في الهواء عندما وجد رامـي أمامه وقد حال بينه و بين أخيه وطالعه بنظرة قوية ومتحفزة للدفاع عن أخيه مهما حدث.
ساد الصمت حتى أشار رامـي في قوة"
- حضرتك مامديتش ايدك علينا واحنا صغيرين، يبقى ماينفعش تتمد علينا واحنا كبار

"قال والده وقد أنزل يده في صدمة"
- أنت بتدافع عنه؟

"أشار رامـي في قوة"
- مافيش حاجة هتخليني ابطل ادافع عنه مهما حصل

"ظل ناظراً إليه ثم نظر إلى رامز، الذي كان ينظر إليه بنظرة لا تختلف عن نظرة رامـي، كان لا بد أن يفهم ذلك منذ البداية، فتلك الثورة الجديدة ما كانت لتحدث لولا وقوف رامـي إلى جانبه، أم أنه هو الذي لم يكن يعرفه جيداً؟
نطق في هدوء مخيف أخيراً وهو ينظر إلى رامز نظرة حادة"
- طالما مصمم عاللي بتعمله يبقى تنسى خالص إنك ابني، ومالكش مكان هنا غير لما ترجع عن اللي أنت فيه

"ابتسم رامز في حسرة ثم قال"
- أساساً ماكنتش مستني حاجة غير كده

"ثم خرج من المكتب سريعاً، عاد سليم لينظر إلى رامـي الذي أشار في ضيق"
- حضرتك ليه مصمم تخسر حد فينا؟

"نظر إليه في صدمة ثم قال"
- حتى دي كمان شايفني فيها غلطان؟ أنت امتى هتاخد صفي وتشوف إن معايا حق ولو مرة واحدة؟

"ظل رامـي صامتاً فاتبع في غضب"
- وبعدين أنت اصلاً ازاي تطاوعه في اللي بيعمله ده؟ أنت عارف غباؤه ده هيوصلنا لفين؟ ازاي ماتمنعوش؟

"أشار رامـي في هدوء"
- رامز مش عيل صغير عشان مايبقاش واعي لتصرفاته أو إني احاول امنعه

"زادته جملته غضباً فقال"
- يعني ايه؟ استهتاره ده هيضيع كل حاجة

"ظل رامـي ساكناً للحظات قبل أن يشير بنفس هدوئه"
- حضرتك لما طلقت ماما زمان ماخدتش رأينا، ولما اتجوزت بعدها أكتر من مرة كمان ماخدتش رأينا، واحنا ماعترضناش عشان عارفين إن حضرتك كمان واعي لتصرفاتك ومش مستني رأي حد، ماينفعش تحاسب رامز دلوقتي

"قال والده في غضب"
- يعني هتساعده؟

"أشار رامـي في هدوء"
- ماقدرش اعمل أي حاجة غير إني اقف جنبه واساعده

"ظل والده صامتاً ينظر إليه في صدمة حتى قال"
- أنا عمري ما تخيلت إنك ممكن تدافع عن استهتاره بالطريقة دي

"أشار رامـي في ثقة"
- المشكلة إن حضرتك بتحاسبنا على حاجات اخدناها منك

"ثم ختم حديثه قبل أن يذهب"
- أنا آسف، بعد إذن حضرتك.

"ثم خرج وأغلق الباب خلفه تاركاً والده في حالة من الصدمة، فجأة قد انقلبت أفعاله عليه ورأى نفسه فيهما، لطالما كان يتمنى أن يشبهاه، ولكن ما رآه منهما منذ أن كبرا جعله يتمنى لو أنهما لم يأخذا أي شيء منه... ليتهما لم يفعلا."

****

"خرج رامـي من المكتب ثم لحق برامز الذي كان قد ذهب إلى مكتبه ليجمع أغراضه ويرحل، وعندما دخل إليه، أغلق الباب خلفه ثم تقدم ناحيته وأشار"
- هو ايه اللي حصل؟

"أشار رامز بملامح يملأها الضيق بالغضب"
- راح لنانسي وأهانها وهددها إنها لو مابعدتش عني هيأذيها هي وابني، ولما رحتلها البيت كانت لمت حاجتها وهتمشي فعلاً، واتخانقنا مع بعض وراحت المستشفى وكانت هتجهض بسبب اللي حصل

"كان رامـي ينظر إليه في صدمة مما يقول فأنهى رامز حديثه مشيراً"
- أنا خلاص مش راجع هنا تاني، كان لازم افهم من زمان إنه سهل يستغنى عني مع أول موقف

"أشار رامـي سريعاً"
- أنت بتقول ايه؟! بابا عمل كده من خوفه عليك

"ابتسم رامز في سخرية مشيراً"
- أنت مصدق اللي بتقوله؟ هو عمل كده عشان اسمه وبس، بابا عمره ما فكر غير في نفسه وبس

"نظر له رامـي ولم يجد رداً يقوله فأخذ رامز يكمل تجميع أغراضه، أشار رامـي أخيراً"
- عموماً مكانك موجود معايا في الشركة التانية، أنا محتاجلك هناك

"نظر له رامز ثم أشار"
- شركتك؟

"أشار رامـي مصححاً كلمته"
- شركتنا، أنت ناسي إن مشروعنا لسة ماخلصش؟ وكمان في مشاريع كتير جاية

"ثم اتبع بابتسامة"
- ولا أنت ما صدقت تأجز؟

"لم يكن يدري ماذا كان ليفعل إن لم يكن رامـي إلى جواره يدعمه ويساعده بهذا الشكل، ابتسم في هدوء مشيراً"
- شكراً يا رامـي! أنا مش عارف لو ماكنتش جنبي كان هيحصل ايه

"أشار رامـي بعد أن عانقه بابتسامة"
- احنا مع بعض في المصايب قبل أي حاجة

"ضحك رامز ثم أشار"
- طب بما إني هبقى معاك في الشركة، في حد كمان عاوزه يكون موجود

"ابتسم رامـي مشيراً"
- ندى، صح؟

"أشار رامز سريعاً"
- عشان المشروع طبعاً

"ضحك رامـي مشيراً"
- هنقلها هناك

"ابتسم رامز في سعادة مشيراً"
- ونعم الأخ والله
.....

"عندما خرج رامز من المكتب، توجه إلى المصعد، وهناك، عندما انفتح الباب، وجد ندى تخرج منه، وعندما رأته، ارتبكت كعادتها ووضعت خصلة خلف أذنها في توتر، ابتسم لها قائلاً"
- صباح الخير يا ندى!

"ابتسمت في خجل قائلة"
- صباح النور!

"ثم اتبعت"
- أنا كنت لسة جاية لحضرتك

"ابتسم ابتسامة هازئة لمحت بها شيء من الحزن في عينيه وهو يقول"
- لا خلاص مكتبي مابقاش هنا

"عبست في عدم فهم وازداد توترها عندما رأت الحقيبة في يده وقالت"
- مش فاهمة

"تنهد قائلاً"
- من هنا ورايح أنا هبقى في شركة رامـي مش هنا، وهتابع المشروع من هناك معاه

"شعرت بأن قلبها قد انقبض في خوف وقالت هامسة"
- مش هشوفك تاني؟

"ابتسم ابتسامة جميلة قائلاً"
- ماتخافيش يا ندى!

"ثم غمز قائلاً بخفة"
- ماستغناش عنك

"إن كان قلبها قد انقبض من الخوف فالآن قد انكمش من الخجل والتوتر، ذلك الإحساس الذي لم يفارقها أبداً منذ أن عرفته، قال خاتماً حديثه قبل أن يرحل"
- ماتكسليش في الشغل عشان هشوف كل حاجة بنفسي

"ثم لوّح لها في خفة قائلاً"
- سلام

"وعندما رحل، ظلت واقفة مكانها وقد شعرت بالحزن الشديد لأنه سيرحل. لم تفهم كلماته جيداً فكيف سيرى كل شيء وهو ليس هنا؟ وما الذي جعله ينتقل للعمل من شركة رامـي بدلاً من شركة والدهما؟
قطع شرودها صوت نهال الذي أتى من بعيد وهي تتقدم ناحيتها قائلة"
- أخيراً لقيتك يا ندى! كنت بدور عليكي

"ابتسمت ندى قائلة"
- صباح الخير يا نهال!

"ابتسمت نهال قائلة"
- صباح النور! رامـي طلب مني أبلغك إنك من بكرة هتتنقلي من الشركة دي وتروحي لشركته الخاصة

"اتسعت عيناها في دهشة قائلة"
- اتنقل؟ بكرة؟

"اومأت نهال إيجاباً فاتبعت ندى قائلة"
- بس ازاي؟ هو ده عادي؟

"ضحكت نهال ضحكة خفيفة قائلة"
- المفروض إنه غريب، بس واضح إن متوصي عليكي

"شردت ندى دون رد فاتبعت نهال قائلة ببشاشة"
- يلا عن إذنك بقى هرجع مكتبي

"اومأت لها ندى بابتسامة، وعندما رحلت نهال، ارتسمت على شفتيها ابتسامة كبيرة، هذا ما كان يقصده إذن... سيأخذها معه، إنه حقاً يهتم لأمرها، إنه...
عند هذه النقطة كانت على وشك أن تقفز في سعادة، ولكن مر بعض الموظفين من أمامها فادعت الوقار ودخلت مرة أخرى إلى المصعد عائدة إلى مكتبها المشترك مع شمس، التي كانت تجلس وهي تعبث بقلمها بشرود في دفترها الصغير.
وعندما دخلت ندى إليها، انتبهت شمس لها وأغلقت الدفتر بهدوء ثم قالت"
- رجعتي بسرعة ليه؟

"جلست ندى على الكرسي أمامها ثم قالت"
- رامز قالي إنه هيسيب الشركة

"ضمت شمس حاجبيها في عدم فهم وسألت"
- يسيبها ليه؟

"رفعت ندى كتفيها لأعلى علامة على عدم المعرفة وقالت"
- ماعرفش

"ثم اتبعت بحماس"
- بس قالي إنه هياخدني معاه هناك

"رفعت شمس حاجبيها في اندهاش قائلة"
- بجد؟ ازاي؟

"ازداد حماس ندى ثم مالت على المكتب وقالت بصوت خفيض لئلا يسمعهما أحد"
- نهال قالتلي إن شكلي متوصي عليا مخصوص عشان بعد ما مشي لقيتها جاية
بتقولي إن باشمهندس رامـي طلب منها تبلغني إن من بكرة هروح الشركة التانية وأكمل المشروع من هناك

"قالت شمس في حزن"
- هتمشي واقعد أنا لوحدي زي القرد كده

"ضحكت ندى قائلة"
- هو أنا مهاجرة يا شمس؟!

"ثم اتبعت بهيام"
- وبعدين ده رامز، ماقدرش ماشوفهوش تاني

"قالت شمس في غيظ"
- رامز أهم مني؟!

"قالت ندى في مرح"
- أكيد يعني

"ثم اتبعت"
- وبعدين ما هي سما معاكي هنا يعني مش لوحدك

"وكأنها كانت تستدعيها فبمجرد أن ذكرت اسم سما، وجدتها تدخل إلى المكتب عابسة دون كلمة، قالت شمس بابتسامة استفزازية"
- صباح النور يا سما!

"ضحكت ندى فنظرت سما إليهما وهي لا تزال عابسة ثم قالت"
- بقولكم ايه... أنا مضايقة، سيبوني في حالي

"نظرت شمس إلى ندى بنصف عين ففهمتها ندى وقامتا سوياً لتجلسا عند مكتب سما، قالت ندى في حماس"
- احكيلنا عمل ايه

"قالت سما في ضيق"
- جه يتقدم امبارح

"قالت شمس في سعادة"
- بجد؟!

"ولحقها سؤال ندى قائلة"
- وافقتي، صح؟

"قالت سما عابسة"
- وافقت ايه انتو كمان؟! أنا مستحيل أحب واتجوز، اقفلوا الموضوع ده بقى

"قالت ندى في صدمة"
- رفضتيه؟

"قالت سما في ضيق"
- ايوة، لازم يعرف إن الحب مش بالعافية

"ضحكت شمس قائلة بنبرة ذات مغزى"
- طب وأنتِ زعلانة كده ليه؟

"نظرت سما إليها ثم قالت في ضيق"
- أنا زعلانة؟

"قالت شمس بابتسامة"
- هو أنتِ لما قلتيله لا عمل ايه؟

"قالت سما في ضيق دون وعي"
- مشي من غير ولا كلمة، ماكلفش نفسه حتى يقنعني بالعكس

"ثم انتبهت للاعتراف الذي سحبته شمس منها بمنتهى البساطة للتو فنظرت إلى شمس وندى اللتان كانتا تبتسمان لتقول في حنق"
- خلاص ارتحتوا؟

"ضحكت ندى فجأة وتبعتها ضحكة شمس بينما ظلت سما عابسة حتى قالت في هدوء"
- تفتكروا خلاص كده؟

"هزت ندى رأسها نفياً ثم قالت بابتسامة"
- ماعتقدش

"ثم نظرت إلى شمس وقالت"
- مش كده يا شمس؟

"كادت شمس أن تتحدث قبل أن تقع عيناها على الباب الذي فُتح للتو وأطلت منه عينان رماديتان محببتان إلى قلبها."

***

"أراد رامـي أن يقوم بجولة سريعة ليتابع فيها العمل بالشركة فمر ببعض المكاتب وكانت الأمور تسير على ما يرام حتى وصل إلى المكتب الذي تجلس هي فيه.
لا يدري لمَ ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهه قبل أن يطرق الباب طرقة خفيفة ويدخل لتختفي ابتسامته وتحل محلها نظرته الصارمة وحاجبيه المضمومين عندما يرى شيئاً لا يعجبه.
عندما وجدنه وقد دخل من الباب، توقفن فوراً، نظر إليهن حتى توقف نظره على شمس، كان وكأنه يعاتبها هي تحديداً على تركها العمل وانشغالها بالحديث مع صديقاتها.
فهمت هي نظرته تماماً مما جعلها تشعر بالألم قليلاً لأنها لم تكن تريد أن يظن أنها مهملة ولو للحظة.
حاولت أن تفهمه بنظراتها أنها ليست كذلك وأنها ستكمل عملها على أكمل وجه، حاولت أن ترسل اعتذارها بتلك الطريقة.
مرت لحظات وعيناهما مثبتة على بعضهما البعض بينما استرقت ندى النظر إلى سما التي كانت لا تفهم أيضاً ما الذي يحدث ولكنها شعرت بأن ثمة حديث ما بينهما.
عاد رامـي لينظر إليهما ثم أخرج هاتفه وكتب باقتضاب"
- ده مش وقت الاستراحة، الشغل أهم من كلامكم.

"ثم وضع الهاتف على المكتب لتقرأن فقرأن سريعاً وهزت كل منهن رأسها إيجاباً هامسة باعتذار فالتقط هاتفه وخرج دون أي إضافة، نظرت كل من ندى وسما إلى شمس، التي كانت تنظر ناحية الباب في شرود لم تفق منه إلا عندما قالت سما"
- شمس!

"التفتت شمس إليها فاتبعت"
- هو أنتم كنتم بتقولوا إيه؟

"نظرت إليها شمس في تعجب فقالت ندى في وجل"
- حسيت إن الجو متكهرب كده ماعرفش ليه

"نظرت إليهما ولم تدرِ بمَ تجيب، هي نفسها شعرت بتلك الكهرباء تمس قلبها من نظرته لها، وجدت نفسها تضم حاجبيها قائلة في حزم"
- كفاية رغي! اشتغلوا بقى

"ثم عادت إلى مكتبها وحاولت التركيز في العمل بينما كانت ندى وسما تتغامزان بابتسامة دون صوت حتى لا تنتبه لهما."

.....

"وفي المساء، ذهب رامـي إلى عيادة نسمة، وكالعادة، كان آخر حالة تأتي إليها، وأثناء ما كانت نسمة تقف عند ماكينة القهوة لتصنع فنجانين لهما، كان رامـي ممسكاً بكرة صغيرة وجدها على الطاولة وأخذ يلعب بها قليلاً، كانت كرة مطاطية تقفز إلى الأعلى كثيراً خاصة حين يطرقها بقوة في الأرض.
كان يلعب بها وعلى وجهه ابتسامة مستمتعة. وضعت نسمة فنجان القهوة أمامه وهي تقول بمرح"
- كفاية لعب بقى لا تكسر حاجة، ماتبقاش شقي

"ضحك رامـي ثم أمسك بالكرة من الهواء ووضعها على الطاولة مرة أخرى كما كانت ثم التفت إلى نسمة التي كانت ترمقه بابتسامة لتشير"
- شكلك مشرق، احكيلي!

"ابتسم رامـي للحظات ثم أشار"
- شفتها، اتكلمنا كتير، ورقصنا سوى

"ابتسمت نسمة في سعادة ثم أشارت"
- وقدرت تحضنها؟

"اومأ برأسه في هدوء فاتبعت"
- وحسيت بإيه؟

"ابتسم في هدوء مشيراً"
- حسيت كأني كنت بجري سنين ووصلت

"بادلته ابتسامته فاتبع"
- بس...

"نظرت له تستدعيه أن يكمل فاتبع"
- مافيش حاجة من اللي جوايا قدرت تخرج، لسة حاسس إن في حاجات كتير جوايا، مارتحتش زي ما كنت مستني.

"نظرت له دون رد فاتبع بابتسامة"
- هو أنا بقيت معقد بجد ولا ايه؟

"ضحكت ضحكة خفيفة ثم أشارت"
- لا مش معقد يا رامـي! بس اعتقد إن أنت محتاج حاجة تانية تخرج مشاعرك بجد

"نظر لها بلمحة من الحزن وأشار"
- هخسر تاني؟

"ابتسمت في هدوء مشيرة"
- ماتبقاش متشائم، جايز تقابل حب يطمنك لدرجة إنك ماتخافش تخرج مشاعرك ادامه

"ابتسم للحظات دون رد فاتبعت"
- شمس عاملة ايه؟

"تردد رامـي قليلاً قبل أن يخبرها بكل ما حدث وهي تراقب إشاراته بابتسامة هادئة حتى انتهى فأشارت"
- أنت بتحب شمس؟

"نظر لها دون أن يعلم بمَ يرد، أشار"
- شمس وصلت عندي لمرحلة ماحدش وصلها، وأنا نفسي ماكنتش اتخيل إني ممكن اوصلها مع حد

"ثم اتبع"
- لما كانت بتعيط ورمت نفسها في حضني حسيت إني اتجمدت، ماقدرتش أمنعها زي ما كنت بمنع أي حد يقربلي، حسيت إنها عاوزة تتطمن، وحسيت إني... عاوز اطمنها.

"ابتسمت نسمة للحظات ثم أشارت"
- يعني حب؟

"هز رامـي رأسه في نفي مشيراً"
- ماقدرش أقول كده، لسة كتير عالكلمة دي

"أشارت نسمة متعجبة"
- يبقى إيه دلوقتي؟

"ابتسم ابتسامة خفيفة ثم أشار"
- راحة يمكن

"هزت نسمة رأسها متفهمة ثم أشارت متجهة إلى موضوع آخر"
- إحساسك إيه من ناحية باباك دلوقتي؟

"صمت رامـي للحظات ثم أشار"
- بعد ما ساعدني أعرف مكانها واشوفها غضبي ناحيته قل، أنا قدرت أحضنه

"ابتسمت نسمة في إعجاب بهذا التطور مشيرة"
- هايل، كنت حاسس بإيه وقتها؟

"صمت للحظات يحاول وصف ما شعر به حتى أشار"
- كنت مرتبك، وحسيت...

"ثم صمت للحظات أخرى قبل أن يشير ثانيةً"
- حسيت إن بابا اللي كنت بحبه جداً زمان رجع تاني

"ابتسمت في هدوء دون رد فاتبع في تردد"
- بس... لسة في حاجز اعتقد مش من ناحيتي أنا قد ما من ناحيته هو

"أشارت مستفهمة"
- بمعنى إيه؟

"تنهد رامـي مشيراً"
- بابا ماتغيرش، هو حتى مش معترف بإنه غلط، وللأسف مش قادر يقتنع إن وجودنا معاه دلوقتي مش لأي سبب تاني غير إننا فعلاً عاوزين نكون قريبين منه، لسة مصمم يبعدنا عنه يا نسمة

"ضمت نسمة حاجبيها مشيرة"
- هو حصل مشكلة تانية؟

"اومأ رامـي برأسه ثم أشار"
- حصلت مشكلة بينه وبين رامز، ودلوقتي بابا مقاطعه ومتضايق مني إني بساعده

"ثم ابتسم في سخرية مشيراً"
- لكن طبعاً ماقاطعنيش زيه

"شعرت نسمة من طريقته أنه يقصد شيئاً ما فأشارت"
- قصدك إنه بيفرق في معاملتكم؟

نظر لها رامـي قبل أن يشير""
- أهم سبب مخليني واقف جنب رامز رغم كل حاجة غلط بيعملها هو إن ماحدش كان بيقدمله الاهتمام زي ما كان بيحصل معايا

"صمت قليلاً ثم أكمل"
- رامز من جواه إنسان عاقل وفاهم هو بيعمل إيه كويس، بس كان بيتعمد من زمان إنه يلفت النظر له بأي حاجة يعملها عشان يهتموا، رغم كل حاجة حصلتلي بسبب بُعد ماما لكن أنا متأكد إن رامز تعبان أكتر مني لكن مش بيتكلم، عشان كده مش عاوزه يحس للحظة إنه لوحده، عاوز أثبتله إني موجود معاه دايماً

"ثم تنهد في ألم وأشار"
- وكان نفسي بابا يفهم كده، ماكنتش اتمنى أبداً إنه يبعد رامز عنه بالطريقة دي

"ابتسمت نسمة في هدوء و أشارت"
- طب وليه ماتحاولش تكلم باباك في الموضوع ده؟

"صمت للحظات ثم قال"
- ساعات بتكلم لكن بحس إننا بنوصل لطريق مسدود

"ابتسمت نسمة مشيرة"
- بس أنا عارفة إنك هتتكلم معاه تاني عشان خاطر رامز، صح؟

"ابتسم ثم اومأ برأسه إيجاباً قبل أن يقوم من مكانه مشيراً"
- أنا همشي بقى عشان ورد وحشني

"ثم أمسك بالكرة مجدداً واتبع"
- وهاخد دي كمان عشان ألعب بيها

"ضحكت مشيرة"
- ماشي، بس اوعى تكسر بيها حاجة

"ضحك ثم ودعها وخرج متوجهاً إلى المزرعة لتمضية بعض الوقت مع صديقه الوحيد... ورد."

.....

"في نفس الليلة، عاد رامز إلى منزل نانسي كما وعدها، وعندما دخل، وجد المنزل مظلماً فخفق قلبه بشدة من فكرة أن تكون قد تركته بالفعل.
توجه سريعاً ناحية الغرفة وفتح الباب فجأة ليجدها نائمة بعمق ولم تشعر حتى بصوت الباب، التقط أنفاسه في راحة ثم أغلق الباب خلفه وبدّل ثيابه ثم اندس داخل الفراش قربها وأسند رأسه إلى كتفها كالعادة.
شعرت به ففتحت عينيها وأضاءت المصباح جوارها لتراه، كان يبدو شارداً في حزن فمدت يدها ناحية رأسه ومسحت عليها قائلة بهمس"
- رامز! مالك يا حبيبي؟

"رفع رأسه قليلاً لينظر إليها وبدى وجهه حزيناً وقد تخلص من ثقل القناع الساخر الذي يضعه طوال اليوم أمام الجميع...
شعرت بالألم لرؤيته هكذا خاصة حين شعرت بأنها تعلم سبب حزنه جيداً، ساد الصمت للحظات حتى قال هو بنبرة هادئة ومتعَبة"
- تعبان يا نانسي! عاوز ارتاح

"ضمت رأسه إليها وأخذت تمسح فوقها بحنان حتى اتبع"
- بابا طردني من شركته، ومن العيلة كلها

"دمعت عيناها قائلة"
- أنا السبب، صح؟

"تنهد قائلاً"
- أنتِ مش السبب في أي حاجة

"ثم ابتسم في سخرية قائلاً"
- وبعدين أنا مابقيتش مقطوع من شجرة يعني، رامـي معايا وبيساعدني

"ابتسمت قائلة في حنان"
- أنا ورامز الصغير كمان جنبك

"ابتسم ثم التفت لها قائلاً"
- امتى هنعرف إن كان ولد ولا بنت؟

"ردت قائلة"
- المفروض في الرابع، بس أنا عارفة إنه ولد

"ضم حاجبيه متسائلاً"
- عرفتي ازاي؟

"ضحكت قائلة"
- قلب الأم

"ابتسم لها قائلاً"
- هتبقي أم حلوة

"ضحكت في زهو قائلة"
- عارفة

"اقترب منها أكثر ثم قال في عبث"
- طب نامي يا حلوة احسنلك

عادت لتضحك قائلة""
- حاضر حاضر، هنام

"قبّل وجنتها قائلاً"
- تصبحي على خير

"ثم عاد ليسند رأسه إلى كتفها وهي تطوقه بذراعيها كأنه طفلها الثاني."

.....

"في الصباح، استيقظت سالي من نومها المرهق الذي اعتادت عليه في الفترة الأخيرة باعتبارها أصبحت بمثابة كيس الرمل الذي يخرج فيه السيد سليم غضبه وحيرته التي لم تعد تفهم لهما أي مبرر.
نظرت إلى جوارها فلم تجده كالعادة أيضاً، قامت من مكانها لتنعم ببعض الراحة من خلال حمامها الدافئ، وعندما انتهت، ارتدت ملابسها وجلست أمام المرآة وأخذت تتزين في شرود.
إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ لقد ملّت إهماله لها وعنفه معها، وملّت الركض خلف أشياء صعبة المنال، حتى السعادة التي كان يمنحها إياها في البداية قد تبدلت تماماً، وخططها في الإيقاع بأحد من ابنيه باءت بالفشل.
إن تلك العائلة ليست سوى نسخة واحدة من القسوة والتسلط المغلف بقشرة خارجية تجذب في البداية ثم ما تلبس أن تُنتزع حتى تظهر الحقيقة، إن كان هناك من وقع في الفخ فإنه هي.
خرجت من الغرفة فور ما انتهت ونزلت على الدرج وصوت كعبها يرن في الأرجاء."

***

"كان جالساً على مائدة الفطور في شرود، لقد أصبح وحيداً بعد أن رحل الجميع، هل حقاً هو السبب في كل ما حدث؟
صوتاً ما بداخله كابر وأخبره بأنهم جميعاً المخطئون، إن كانت رقية بتخليها عنه وتركها إياه رغم علمها بحبه، أو رامـي الذي يتهمه دوماً بأنه السبب في كل شيء حتى في عجزه الذي لا يشعر أبداً كم يقتله هو من الداخل، أو ذلك الأحمق الذي يعتقد أنه لا يعني له أي شيء بينما هو من كان يعينه على تحمل غياب رقية بروحه المرحة و عينيه الخضراء، جميعهم حمقى ومخطئون.
قطع شروده وغضبه صوت كعبها على الدرج ليشعره بمدى فراغ هذا القصر الواسع الخالي من كل الأصوات الحنونة والصامتة والساخرة إلا من كعب حذائها العالي.
نظر ناحيتها ليجدها كالعادة ترتدي أقصر الأشياء لديها غير ملتفتة لأوامره... تلك الثياب التي سترغمه يوماً ما على تمزيقها ورميها بعيداً حتى ترتدي ما هو أكثر احتشاماً، وكان شعرها الأشقر يتطاير من خلفها في إشراق جعله يتعجب، أو ليس من المفترض أن تكون غاضبة منه على ما يفعله؟ كيف تكون في الصباح هكذا؟
اقتربت ناحيته ثم قبّلته قائلة في دلال قبل أن تجلس"
- صباح الخير يا حبيبي!

"ظل صامتاً للحظات متعجباً منها حتى قال"
- صباح النور!

"ثم اتبع وهو يتأمل مظهرها"
- شكلك حلو النهاردة

"اتسعت ابتسامتها قائلة في ثقة"
- سالي دايماً حلوة

"ابتسم دون رد فاتبعت وهي تنظر ناحية الكرسي الخاص برامز"
- هو رامز مش هيفطر معانا؟

"عاد ليصمت مرة أخرى وقد انقلبت ملامحه إلى الضيق مجدداً ليقول"
- لا، رامز ساب القصر

"نظرت إليه في صدمة وقالت"
- ليه؟

"نظر لها ثم قال"
- وأنتِ مخضوضة ليه؟

"قالت وقد حاولت أن تتدارك نفسها"
- مافيش يا حبيبي! بس يعني الموضوع غريب، رامـي مشي وشوية ورامز كمان مشي، ايه اللي خلاهم يمشوا كده؟

"قال في جفاء"
- هما أحرار، مش هجبر حد يقعد غصب عنه

"ثم اتبع وهو ينظر إلى ملابسها مرة أخرى"
- أنا مش قلتلك مش عاوز لبس قصير برة الأوضة؟

"قالت محاولة استرجاع دلالها قليلاً"
- مش احنا بقينا لوحدنا خلاص؟ مش مهم بقى

"ابتسم دون كلمة ثم مد يده ناحية شعرها الناعم ومسح عليه مسحة خفيفة ثم أمسك بعدة خصلات طويلة ولفها حول إصبعه في هدوء حتى شدها فجأة فتأوهت، قال بصوت خفيض دون أن يتركها"
- في خدامين، ومش هعيد كلامي مرة تانية يا سالي، لو شفتك باللبس ده تاني حسابك هيبقى كبير، فاهمة؟

"اومأت برأسها سريعاً فترك خصلاتها ثم مسح بأصابعه مسحة خفيفة على وجنتها وهو يقول في هدوء"
- شاطرة

"ثم قام من مكانه وخرج تاركاً إياها وهي تلعن حظها، لقد ذهب الآخر، ولقد بدأت أيامها تنقلب للأسوأ مع ذلك الرجل الذي لم تعد تفهمه على الإطلاق، في الحقيقة هي حتى لم تحاول فهمه، والأهم... أنه لن يسمح لها."

****
انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-22, 10:22 PM   #17

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل الحادي عشر


"في اليوم التالي، ذهب رامز إلى الشركة لبدء أول أيام عمله، كان يشعر بعدم الارتياح ولا يدري ما السبب.
ربما لأنه ليس مكانه من البداية بل هو مكان أخيه، هي شركته التي لم يخبره عنها في البداية حماية له حتى لا يتهمه أبوه بالمعرفة والتكتم على الأمر.
شعر بأنه موظف ينتقل من شركة إلى أخرى دون مكان ينتمي إليه.
الانتماء... ذلك الشعور الذي بدأ يراوده منذ مدة... أنه لا ينتمي لأي شخص أو مكان، وكان ذلك هو السبب الأكبر لسعادته بطفله القادم، الذي سيكون البذرة الأولى في عائلته الخاصة التي سينتمي إليها.
وصل الشركة وتلك الأفكار تملأ رأسه، لا يدري كيف سيتصرف ولا كيف سيتعامل مع الموظفين.
لقد شعر بأنه لا يملك الحق في أخذ دور المدير الآمر في وجود أخيه وكرم المدير العام للشركة.
أخذ نفساً عميقاً وحاول أن يبعد تلك الأفكار عن رأسه لينزل من سيارته ويتوجه إلى الداخل، وعندما وصل هناك، وجد كرم في استقباله بابتسامة ترحاب كبيرة، وعندما وصل عنده، قال مصافحاً إياه"
- أهلاً وسهلاً يا رامز! الشركة نورت

"ابتسم رامز قائلاً"
- بنورك يا كرم! أخبارك إيه؟

"ابتسم كرم قائلاً"
- بخير الحمد لله

"سأله رامز قائلاً"
- رامـي هنا؟

"هز كرم رأسه في نفي ثم قال"
- لا، بس كلمني امبارح وقالي إنك هتنقل شغلك هنا معانا، وأنا وصيتهم يجهزوا المكتب فوراً، تعالى نشوفه

"توجها سوياً إلى الطابق الخاص بمكتبه، وعندما وصلا، كان هناك سكرتيرة جديدة بانتظاره، وعندما رأتهما، قامت من مكانها وابتسمت لهما، ابتسم كرم بدوره قائلاً"
- صباح الخير يا لميس!

"ردت قائلة"
- صباح الخير يا كرم بيه!

"التفت كرم إلى رامز ثم قال"
- دي لميس، مديرة مكتبك

"ثم التفت إلى لميس واتبع"
- رامز بيه الراوي يا لميس!

"ابتسمت لميس له قائلة"
- فرصة سعيدة يا رامز بيه! سعيدة إني هشتغل مع حضرتك

"ابتسم لها رامز في هدوء قائلاً"
- أنا أسعد

"قال كرم وهو يفتح باب المكتب"
- اتفضل يا رامز

"وعندما دخلا سوياً، تأمل رامز غرفة مكتبه الجديدة وقد كان كل شيء فيها مجهزاً بالشكل الملائم لذوقه الخاص.
كان الأثاث بالكامل عصرياً باللون الأسود، وطاولة الاجتماعات مستديرة وليست مستطيلة، والنافذة واسعة تأخذ الحائط بأكمله تطل على منظر هادئ ومريح بعيد قدر الإمكان عن الزحام، ابتسم رامز في هدوء، إن رامـي يحاول قدر الإمكان أن يشعره بأنه في مكانه، لا يعلم أنه لا يشعر ناحية أي مكان أنه مكانه.
ابتسم كرم قائلاً"
- ايه رأيك؟ عجبك المكتب؟

"اومأ رامز قائلاً"
- حلو جداً ومناسب، شكراً يا كرم!

"ثم أخذ نفساً عميقاً وقال"
- خلينا نبدأ في الشغل بقى

"مرت ثلاث ساعات وهما جالسين سوياً في المكتب وكرم يشرح له كل شيء ويخبره من أين سيستكمل أعماله، ورامز يستمع إليه في تركيز...
وبعد أن انتهيا، أغلق كرم حاسوبه ثم نظر إلى رامز الذي كان الإرهاق بادياً على وجهه ثم قال"
- كده أنا شرحتلك كل حاجة بالتفصيل

"التقط رامز أنفاسه في إرهاق ثم قال"
- أنا عرفت رامـي مابيجيش كتير هنا ليه

"ضحك كرم قائلاً"
- سامحني بقى أنا دخلت سخن وشرحتلك كل حاجة مرة واحدة

"ضحك رامز ضحكة خفيفة ثم التفت له قائلاً"
- بس برافو عليك إنك قادر تدير كل حاجة هنا لوحدك، رامـي كان عنده حق إنه يثق فيك

"ابتسم كرم قائلاً"
- ده واجبي

"ثم اتبع وهو يجمع أغراضه ليرحل"
- أنا دلوقتي عندي شغل في مكتبي لازم اروح اخلصه، ولو احتجت أي حاجة أنا معاك، اتفقنا؟

"اومأ رامز برأسه قائلاً"
- اكيد

"قام كرم من مكانه ثم خرج من المكتب، وبعدها قام رامز من مكانه وتوجه ناحية مكتبه وقام باستدعاء السكرتيرة لتدخل إليه، وعندما دخلت ابتسمت قائلة"
- حضرتك تأمر بأي حاجة؟

"رد قائلاً"
- ايوة، عايز فنجان قهوة، واطلبيلي باشمهندسة ندى من فضلك

"اومأت برأسها قائلة"
- حالاً، بعد إذن حضرتك.

"عندما خرجت، أسند رامز رأسه إلى الخلف وأغمض عينيه من الإرهاق، لقد كان أول يوم مرهقاً للغاية، ماذا عن البقية؟
قام من مكانه وتوجه ناحية النافذة الكبيرة وأخذ ينظر منها، ابتسم عندما خطرت ندى بباله، لقد رأى الصدمة على وجهها عندما أخبرها برحيله، تُرى كيف كانت حالتها عندما علمت بأنها انتقلت معه إلى هنا؟
شعر بأنه يشتاق إلى مشاكساتهما معاً، يشتاق لحديثها، يشتاق إليها، قطع شروده صوتها من خلفه يقول"
- صباح الخير يا باشمهندس!

"ابتسم دون أن يلتفت... إنها هنا، التفت لها ثم قال بابتسامة كبيرة"
- صباح الخير يا ندى!

"ابتسمت هي الأخرى في سعادة، ما أجمل ابتسامته! كيف كانت لتتحمل إن رحل وتركها هناك دون فانيليا؟ ولكنه يفكر بها بالفعل، لقد أراد أن يأخذها معه، هل... قطع تفكيرها صوته يقول"
- تشربي قهوة معايا؟

"ردت قائلة"
- اكيد

"توجه ناحية المكتب ثم طلب السكرتيرة قائلاً"
- فنجان قهوة كمان يا لميس من فضلك، شكراً

"لميس... لم ترتح ندى إليها أبداً، إنها من النساء اللواتي يهتممن بمظهرهن بشكل مبالغ فيه، وكأنها تحاول لفت النظر، هل تحاول لفت نظره هو؟
شعرت ندى بالحنق الشديد لتلك الفكرة، ولكن سرعان ما طردتها من رأسها عندما وجدته يبتسم لها مشيراً ناحية الأريكة السوداء في المكتب قائلاً"
- اتفضلي يا ندى!

"وعندما جلسا، دخلت لميس بفنجان القهوة ووضعته على الطاولة الصغيرة أمام الأريكة، وضعت الفنجان بهدوء ثم رحلت، لم تبدُ بميوعة السكرتيرة الأخرى التي كانت في شركة والده، ولكنها أيضاً لا ترتاح لها.
قطع شرودها صوت رامز القائل"
- سرحتي في ايه يا ندى؟

"التفتت له و هزت رأسها في نفي سريعاً قائلة"
- أبداً، ولا حاجة

"ابتسم لها قائلاً"
- مرتاحة في الشغل الجديد هنا؟

"صمتت للحظات قبل أن تجيب قائلة"
- ايوة، تمام

"ثم اتبعت في تردد"
- هو... يعني... ينفع اسأل سؤال؟

"اومأ برأسه مبتسماً قائلاً"
- اكيد

"قالت بدورها"
- أنت ليه سبت الشركة؟

"ابتسم قائلاً في ثقة"
- رامـي كان محتاجني أباشر الشغل هنا مع كرم، أنتِ عارفة إن المشروع واخد أغلب وقته ومابيقدرش يجي كتير هنا، فاتفقنا أدير أنا الشغل والمشروع من هنا وهو هناك في الشركة مع بابا

"هزت رأسها متفهمة فاتبع"
- وأكيد عاوزك تكوني معايا هنا

"شعرت بقلبها يخفق بشدة، يريدها معه؟ حقاً؟ قال"
- أنتِ كمان هتتابعي المشروع معايا من هنا وهنشتغل عليه سوى زي ما كنا هناك بالظبط

"قالت وهي تحاول استعادة توازنها وثقتها"
- المفروض كان في اجتماع عشان نناقش الخطوات الجاية

"رد قائلاً"
- ايوة، من بكرة هنتفق عالشغل الجاي

"ثم اتبع بابتسامة"
- لكن دلوقتي صعب عشان أنا بقالي 3 ساعات مع كرم بيفهمني تفاصيل الشغل هنا، فمش قادر اشتغل تاني حالياً، فقلت ابعتلك ندردش شوية

"ثم غمز قائلاً في مكر"
- مش هينفع اسيب الشركة واعزمك عالغدا برة من أول يوم، رامـي يفصلني

"ابتسمت خجلاً، ابتسم هو أيضاً لتلك الحُمرة التي لا تظهر إلا أمامه هو.
مر بعض الوقت وهما يتحدثان، وكانت تضحك كثيراً منه، ربما لا تضحك بذلك القدر إلا منه هو بالرغم من وجود سما وشمس اللتين تجعلانها تضحك دون توقف، لكن دوماً ما يفعله هو... شيء آخر.
أما هو، فقد كان سعيداً للحديث معها خاصة مع شعوره في بداية هذا اليوم بالضيق والتوتر الذي سرعان ما زال لوجودها معه، فقد استعاد ثقته بنفسه وشعر بأن شيئاً لم يتغير أبداً منذ أن كانا سوياً في الشركة الأخرى.
وعندما توقفا عن الضحك، قال"
- أنتِ لسة وراكي شغل النهاردة، صح؟

"اومأت برأسها فاتبع وقد رفع حاجبه"
- وسايبة شغلك وقاعدة تهزري؟

"رفعت حاجبيها في دهشة، إنه سرعان ما يتحول، حاولت التحدث قائلة"
- حضرتك... طلبتني

"قال في جدية مصطنعة"
- وكمان بتتحججي بيّ؟ أنتِ كان عندك خصم من فترة كده، فاكراه؟

"قامت من مكانها سريعاً وقالت"
- أنا رايحة اكمل فوراً

"قال في تهديد مصطنع"
- هغمض عيني وافتحها، لو لقيتك هخصم شهر كامل

"وبالفعل، لم يكد يغمض عينيه حتى سمع صوت خطواتها تركض ناحية الباب ليجدها قد اختفت عندما فتح عينيه مجدداً.
ضحك منها كثيراً، إن سذاجتها وعفويتها تستفزه كي يشاكسها كما يشاء، وما كان يشجعه على ذلك سعادتها بكل ما يفعل.
لم تلحظ أنه قد انتبه لنظرتها إلى لميس وقد فهم ما الذي خطر ببالها تماماً، هل تغار؟ ابتسم لتلك الفكرة كثيراً، إن هذا مؤشر جيد للغاية."

.....

"كانت شمس تقوم بشرح كل التفاصيل الخاصة بالمشروع التي قامت بإنهائها وهو يقرأ كلماتها في تركيز، ولكنه لم يكن كالعادة، بدى وكأنه يفكر في أمر ما ولم يكن يبتسم أبداً.
كانت تشعر ببعض التوتر؛ لقد ظنت أنه ربما يكون منزعجاً منها لأنه لم يجدها تعمل في تلك المرة.
كانت تريد أن تتوقف عن الحديث فيما يخص المشروع وتسأله عما به، ولكنها لم تستطع فاستمرت وهي تتمني أن ينتهي الاجتماع سريعاً، وعندما انتهت، قدم لها رامـي كل الملاحظات ثم كتب على هاتفه"
- تقدري تتفضلي يا شمس!

"ثم قام من مكانه وتوجه ناحية مكتبه دون أن يضيف أي شيء، ظلت متوقفة في مكانها مترددة... هل ترحل أم تسأله عما به؟
عندما انتبه لأنها لم ترحل، نظر لها متسائلاً فأخذت نفساً عميقاً ثم توجهت ناحية المكتب حتى توقفت أمامه وقالت"
- بصراحة أنا عاوزة اعتذر

"ضم حاجبيه في تعجب فاتبعت"
- يعني... أنا عارفة إنك اتضايقت مني عشان ماكنتش بشتغل يومها بس صدقني أنا...

"قاطعتها ابتسامته الضاحكة ثم أشار لها أن تجلس فجلست، أمسك بهاتفه ثم كتب"
- أنا فعلاً اتضايقت لأني مابحبش أي تهاون في الشغل، كل حاجة ليها ميعاد تتعمل فيه، بس ماتضايقتش اوي كده لدرجة إني استنى اعتذارك.

"ثم قدمه لها لتقرأ بابتسامة، وعندما قرأت كلماته، ابتسمت في راحة ثم نظرت إليه قائلة"
- أنا حسيت كده لإنك المرة دي باين أنك متضايق من حاجة.

"ابتسم لها ثم كتب"
- مافيش حاجة، أنا بس في حاجة شغلاني مش أكتر

"كانت تريد أن تسأله ولكنها لم ترِد أن تكون متطفلة، مع ذلك... لم تمنع نفسها من أن تقول"
- هي ندى مش هترجع هنا تاني؟

"ابتسم ثم كتب في مكر"
- عاوزة تروحيلها؟

"نظرت إلى جملته في صدمة ثم قالت سريعاً"
- لا لا أنا بس بسأل

"ضحك منها فلم تستطع منع نفسها من الابتسامة، كتب في تسلية"
- ماتقلقيش، حتى لو عاوزة مش هنقلك.

"هل يريد رؤيتها أمامه؟ هذا ما فكرت به بمجرد أن قرأت جملته، قالت محاولة الحديث"
- أنا بس مش فاهمة سبب نقلها المفاجئ ده، وكمان ليه باشمهندس رامز مشي؟

"نظر لها بابتسامة شعرت منها أنه لن يخبرها بشيء وأنها قد سألت في ما لا يعنيها، قالت دون أن تشعر"
- حشرية، صح؟

"ضحك ضحكة خفيفة رد فاتبعت في حرج"
- أنا اصلي مش متعودة إن ندى ماتبقاش موجودة معايا، بصراحة اتمنى الوضع ده يبقى مؤقت وترجع تاني.

"ابتسم ثم كتب"
- مؤقت يا شمس! ماتخافيش

"اومأت برأسها مبتسمة في هدوء ثم قالت بعد أن قامت من مكانها"
- بعد إذن حضرتك

"ثم خرجت من المكتب، وهو يفكر... إنها تتعامل معه ببساطة شديدة وكأنه زميل آخر معهم تسأله في أمور عدة وتتحدث معه دون تفكير أو حسابات، والذي يدهشه من نفسه منذ أن عرفها أنه يجاريها في كل شيء ولا يغضب منها كما يمكن أن يفعل مع كل من هم دونها، إنه حتى يستمتع بمجرى حواره معها حتى وإن خرج عن نطاق العمل، إنها ترد له اجتماعيته التي افتقدها تجاه الجميع."

.....

"عندما أنهى رامـي أعماله، ذهب إلى شركته ليرى كيف تسير الأوضاع، وعندما وصل هناك، توجه إلى مكتب رامز، الذي كان جالساً يطالع بعض الأوراق، وعندما دخل رامـي إليه، قام من مكانه وتوجه ناحيته مبتسماً، أشار رامـي بابتسامة بعد أن صافحه"
- ايه الأخبار؟ كله تمام؟

"رد رامز قائلاً"
- لغاية دلوقتي كويس، كرم شرحلي كل حاجة

"ابتسم رامـي مشيراً"
- أنا متأكد إن شغلك هيضيف كتير هنا

"ثم اتبع وهو ينظر من حوله"
- ايه رأيك في الديكور؟ حلو، صح؟

"ابتسم رامز مشيراً"
- حلو جداً

"ثم اتبع"
- شكراً

"نظر له رامـي مستغرباً فاتبع"
- عشان كل حاجة بتعملها

"أشار رامـي وقد ضم حاجبيه في ضيق"
- ايه اللي بتقوله ده؟ أنا مش عاوزك تقول الكلام ده تاني، مفهوم؟

"ضحك رامز ضحكة خفيفة ثم أشار"
- حاضر

"اتبع رامـي مشيراً"
- أنا قلت اجي اشوفك ونروح سوى لماما، وحشتني وعاوز اشوفها

"ابتسم رامز في سعادة ثم قال"
- وأنا كمان، يلا بينا

"تركا الشركة سوياً ثم ذهبا إلى منزل والدتهما، وعندما وصلا هناك، وجداها في الحديقة كعادتها تسقي الأزهار.
أشار رامز إلى رامـي بألا يصدر أي حركة حتى لا تشعر بوجودهما كي يتمكن من ممارسة هوايته المفضلة... المفاجأة...
اقترب ناحيتها في خطوات حريصة حتى أصبح قريباً منها وصرخ فجأة"
- يا روكا!!

"صرخت والدته ثم التفتت خلفها وهي على وشك أن تضرب من ستجده بإبريق الماء، قال رامز سريعاً وهو يتفادى مرمى يدها"
- ده أنا يا ماما!

"عندما تبينته، قالت في دهشة"
- رامز؟!

"ثم أخذت فجأة تضربه على ذراعه قائلة"
- برضو هضربك عشان تبقى تخضني كده تاني

"ضحك بشدة قائلاً"
- وحشتيني يا ماما!

"توقفت عن الضرب فجأة ثم نظرت إليه مبتسمة وقالت"
- وحشتني يا مجرم!

"ثم احتضنته في سعادة وهو يضحك، كان رامـي يراقب الموقف مبتسماً لسعادة رامز، إن كان هناك من استفاد حقاً من رؤيته لها فهو رامز بالتأكيد، معها يكون الشخص الحقيقي الذي كان من المفترض أن يكونه.
اقترب ناحيتهما فالتفتت والدته له وقالت في حنان"
- حبيبي! وحشتني!

"اقترب رامـي منها فاحتضنته هو الآخر ثم ابتعد عنها وأشار"
- حضرتك كمان وحشتيني يا ماما!

"ثم تذكر أنها لا تجيد الإشارة فأسرع لالتقاط هاتفه لتوقفه هي قائلة في سعادة"
- أنا فهمتها

"نظر لها متسائلاً فاتبعت"
- أنا بتعلمها وبقيت أقدر أفهم معظم الإشارات

"ثم اتبعت بابتسامة رقيقة"
- بس استنى عليا شوية كمان لغاية ما اتعلمها عالآخر

"ابتسم رامـي في سعادة فقالت لكليهما"
- تعالوا ندخل نتكلم جوة بقى

"وعندما دخلوا سوياً، أحضرت لهما طبقاً كبيراً من البسكويت الشهي وكوبين من العصير، كان رامز مستمتعاً بتناوله للغاية، قال"
- البسكوت ده بيرجعلي طفولتي

"ضحكت رقية قائلة"
- أنا علمت طريقته لصفية، ماعملتهوش خالص؟

"هز رامز رأسه في نفي ثم قال"
- ماكانش حلو زي ده

"ابتسمت قائلة"
- صحة وعافية يا حبيبي

"ثم نظرت إليهما وقالت"
- احكولي! اخباركم ايه؟

"أشار رامـي بأن أحواله على ما يرام، وقال رامز"
- كويسين يا ماما

"ابتسمت قائلة"
- أنا كنت متوقعة لما شفتكم إني هلاقي حد فيكم متجوز أو خاطب، مافيش أي حد؟

"سعل رامز فجأة أثناء شربه للعصير عندما سمع جملتها فابتسم رامـي في الخفاء لعلمه بما خطر بباله في تلك اللحظة، قالت والدته سريعاً"
- أنت كويس يا رامز؟

"رد قائلاً"
- كويس

"ثم اتبع رجوعاً إلى سؤالها"
- عمتو سناء كانت جايبالنا عروستين لما زارتنا آخر مرة

"قالت والدته متلهفة لسماع المزيد"
- وحصل ايه؟

"ابتسم رامز قائلاً"
- ماوافقتش طبعاً، أنا مستحيل اتجوز كده

"التفتت إلى رامـي قائلة"
- وأنت يا رامـي؟ رفضتها ليه؟

"أجاب رامز قبله وهو ينظر إليه ضاحكاً"
- كانت صابغة

"ضحك رامـي أيضاً فقالت والدتهما بعد تردد"
- بصراحة أنا مبسوطة إنكم لسة ماتجوزتوش عشان نفسي احضر فرحكم واشوف عرايسكم الأول

"ابتسم رامز قائلاً"
- ماينفعش نتجوز وحضرتك مش موجودة

"ثم اتبع بنبرة ماكرة"
- أنا متأكد إن حضرتك هتحبي ذوقنا اوي

"ابتسمت والدته قائلة"
- اكيد

"ثم صمتت للحظات ولم تستطع منع نفسها من السؤال قائلة"
- ماقلتوليش يا ولاد! عاملين ايه مع بابا؟

"تغيرت تعابير وجه رامز إلى الضيق، ولكنه قال بابتسامة خفيفة"
- عادي، كله تمام

"شعرت بالضيق الذي أصابه فالتفتت إلى رامـي وقالت"
- وأنت يا رامـي؟ بابا حكالي إن الأمور بينك وبينه ماكانتش كويسة السنين اللي فاتت

"أمسك رامـي بهاتفه ثم كتب"
- كنت متضايق لأنك كنتي بعيدة عننا، لكن دلوقتي عادي... تمام برضو

"قرأت جملته ولكنها أيضاً لم تشعر بالراحة، نظرت إليهما ثم قالت"
- أنا عارفة إنكم مش عاوزين تقولولي إن الأمور مش كويسة، صح؟

"ظل كل منهما صامتاً فتنهدت في حزن ثم قالت"
- أنا عارفة إن سليم ساعات بيكون قاسي

"ابتسم رامز في سخرية قائلاً"
- ساعات؟!

"نظرت إليه والدته في حزن ثم اتبعت"
- بس هو بيحبكم اوي، انتو مش فاكرين كان بيحبكم وبيتعامل معاكم ازاي وانتو صغيرين؟ كانت روحه فيكم

"قال رامز في ضيق"
- حضرتك بتتكلمي عنه كأنك ماشفتيش منه أي حاجة وحشة

"صمتت والدته وتذكرت كل شيء حدث، لم تكن تتوقع أبداً أن الرجل الذي أحبته والذي أظهر لها من الحب أكثر مما كانت تتخيل أن يتغير فجأة ويتحول إلى شخص آخر يخون ويقسو بل ويصفعها لأول مرة في حياتها ليدفعها بأفعاله للرحيل حفاظاً على ما تبقى له في قلبها من حب، قالت في هدوء"
- معاك حق، اللي عيشته آخر فترة كان أكبر من إني استمر، بس صدقني يا رامز! ماحدش يعرف سليم قدي، هو بيحبكم اوي.

"ثم اتبعت بابتسامة حزينة"
- أبسط دليل على إنه بيحبكم بجد إنه ماسمحليش اخدكم معايا.

"ظل رامز صامتاً يحارب نفسه كي يمنعها عن الرد بما يخبئه في قلبه منذ زمن طويل، بينما كان رامـي يقرأ كلماتها وهو يشعر بالدهشة.
لا زالت تدافع عنه رغم كل ما فعل، هل حقاً كان والده على علم بكل ما تقوله عنه وكل ما تكنّه له من مشاعر قبل أن يخرب كل شيء؟ كيف أعماه غروره إلى هذا الحد؟"
****
بعد مرور ثلاثة أشهر

"تم إنهاء المرحلة الأولى من المشروع، وكان كل من رامـي ورامز سعيدين للغاية، لقد تحققت أول خطوة في حلم الطفولة.
وفي أحد المرات صباحاً، وصل رامـي إلى الشركة، وقابل شمس عند المصعد مرة أخرى...
كانت شمس سعيدة للغاية في تلك الفترة لأنها ولأول مرة كانت تشعر بسعادته حقاً في كل مرة يصله خبر بأن جزء ما من المشروع قد انتهى فيذهب بنفسه ويرى كل شيء.
كانت تريد أن تعرف ما سر ذلك المشروع بالنسبة إليه هو ورامز، فقد أخبرتها ندى بنفس الأشياء عن رامز أيضاً، لم يكن أيٌ منهما يهتم لباقي المشاريع مثلما يهتمان لذلك المشروع...
شعرت شمس بأنها لا تريد معرفة باقي التفاصيل من ندى بل من رامـي خاصة عندما يعرف المفاجأة.
وأثناء ما كانت تسير بابتسامة لكل ما يجول في رأسها، وجدته يقف عند المصعد، لم تشعر بنفسها وهي تبتسم ابتسامة عريضة لرؤيته فابتسم لها هو الآخر وأمسك بهاتفه وكتب"
- صباح الخير يا شمس! ازيك؟

"نظرت إليه ثم أشارت بابتسامة سعيدة"
- صباح النور! أنا كويسة جداً

"نظر لها رامـي في ذهول سرعان ما انقلب إلى سعادة وهو يشير"
- اتعلمتيها؟!

"ضحكت شمس مشيرة"
- ايوة، كده خلاص مش محتاجين الموبايل تاني

"ابتسم في سعادة ثم أشار"
- شكراً يا شمس!

"ثم أكمل"
- الموضوع ده فرق معايا كتير

"ابتسمت ثم أشارت في مرح"
- كده ماحدش هياخد باله من أسراري، بقى بيننا سيم مشترك

"ضحك منها، وعندما وصل المصعد، دخلا سوياً ثم وصلا إلى الطابق الخاص بمكتبه، وعندما وصلا، أشار رامـي بابتسامة"
- صباح الخير يا نهال!

"أشارت نهال بابتسامة"
- صباح النور! حالاً والقهوة تبقى جاهزة

"ابتسم لها رامـي ثم دخل هو وشمس إلى المكتب، أشار لها رامـي بأن يجلسا عند طاولة الاجتماعات.
كانت شمس ستبدأ بالحديث عن المشروع، ولكنه أشار لها"
- خليها بعد القهوة يا شمس! أنا مابعرفش اشتغل من غيرها

"ضحكت شمس مشيرة"
- كده إدمان

"رد مشيراً بابتسامة"
- هي فعلاً بقت زي الإدمان عندي، أنا بشربها من وأنا عندي 13 سنة، من غيرها كنت هبقى حريقة سجاير

"أشارت سريعاً"
- لا سجاير ايه، القهوة احسن طبعاً

"قطع حديثهما دخول نهال بصينية القهوة، وقبل أن ترحل، أوقفها رامـي ثم أشار لها"
- استني يا نهال

"ثم اتبع بابتسامة"
- احنا قريب هنعمل حفلة هنا في الشركة بمناسبة انتهاء المرحلة الأولى من المشروع

"ابتسمت كل من نهال وشمس في سعادة فاتبع"
- طبعاً لازم اشكركم انتو الاتنين على كل حاجة عملتوها الفترة اللي فاتت، أنا عارف إني كنت ضاغطكم كتير بس كنت عاوز كل حاجة تخلص عالوقت المحدد

"ابتسمت نهال في سعادة وأشارت"
- ماتتخيلش أنا مبسوطة قد ايه يا رامـي! وأنا ماحسيتش بأي تعب خالص المهم إننا قدرنا ننجز

"ثم التفتت إلى شمس وأشارت"
- بس شمس ليها النصيب الأكبر في الشكر

"نظر رامـي إلى شمس ثم ابتسم في هدوء مشيراً"
- فعلاً، شمس تعبت كتير واشتغلت كتير عشان الشغل يطلع بالصورة دي

"ابتسمت شمس في سعادة وأشارت"
- حضرتك ماتتخيلش سعادتي قد ايه إني كنت جزء من المشروع ده

"ابتسم لها رامـي للحظات ثم عاد ليلتفت إلى نهال وأشار"
- تمام يا نهال، كده مطلوب منك تحددي ميعاد مناسب وتظبطي احتفال حلو زي ما اتعودنا منك

"أشارت نهال في زهو"
- طبعاً، في الحفلات ماتوصينيش

"ضحك فاستأذنت للخروج، وعندما خرجت، ساد الصمت بينهما للحظات قبل أن تشير هي في تردد"
- هو أنا ممكن اسأل سؤال؟

"اومأ برأسه بابتسامة فاتبعت"
- هو ايه سر اهتمامك بالمشروع ده تحديداً؟

"أشار بابتسامة هادئة"
- المشروع ده حلم حياتي من وأنا صغير، من ساعة ما رامز حكالي عن فكرته وهو بقى حلمي أنا كمان، أنا من زمان مهووس بالبُنا والتصميم، عندي دولاب كامل مليان مباني عملتها من المكعبات ومن الميكانو لما كبرت شوية...

"كانت تراقب إشاراته في سعادة واهتمام لمعرفة المزيد من التفاصيل فهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها عن نفسه وذكرياته، اتبع"
- ورامز كان بيصمم حاجات كتير معايا، واتفقنا لما نكبر هندرس نفس المجال الهندسي عشان نعمل مشروع كبير عبارة عن مدينة سكنية

"ثم ضحك ضحكة خفيفة قبل أن يتبع"
- بس الفرق بين حلمنا والواقع إننا كنا عاوزين المدينة دي تبقى كلها ليَّ أنا وهو نعيش فيها لوحدنا، بس طبعاً ده مستحيل، فمدينتنا الحقيقية فعلاً اتبنت من المكعبات والميكانو واتحطت في دولابي الازاز.

"ظلت ناظرة له دون رد فأشار"
- ساكتة ليه؟

"أشارت بابتسامة"
- مبسوطة إني شاركت في تحقيق الحلم ده

"ابتسم مشيراً"
- عشان كده بشكرك يا شمس

"ثم اتبع متسائلاً"
- أنتِ كان عندك حلم وأنتِ صغيرة؟

"اومأت برأسها مشيرة"
- كان حلمي ابقى رسامة واعمل معرض لوحات

"ابتسم مشيراً"
- اخدت بالي إن في دفتر رسم في شنطتك، بترسمي حلو

"شحب وجهها وقد تذكرت ما حدث عندما سقطت حقيبتها، لقد وضعت دفترها مفتوحاً على رسمة عينيه الغير مكتملة.
كان يراقب تعبيرات وجهها وشعر بأن ما ظنه مسبقاً كان حقيقة، أشار محاولاً تخفيف توترها"
- اتمنى إني اشوف لوحاتك قريب

"ابتسمت في هدوء ولكن في داخلها كانت متوترة، يريد رؤية لوحاتها؟ بالتأكيد يقصد رؤية نفسه وليس لوحاتها، لقد نسخته مراراً على كل اللوحات، قطع تفكيرها بإشارته"
- يلا نبدأ الشغل

.....

"ذهب رامز إلى منزل نانسي وهو سعيد للغاية لأنه وأخيراً قد رأى أول جزء من حلمه واقعاً بالفعل، ولكن قبل أن يذهب إليها، قام بشراء ثوب جديد لها يناسب بطنها الذي كبر الآن كما اشترى أيضاً بعض القطع من الملابس لأجل الصغير الذي تبيَّن نوعه و علم أنه ذكر.
وصل إلى المنزل، وفتح الباب في هدوء حتى لا تشعر به، وعندما دخل، لم يجدها ولكنه اشتمَّ رائحة الطعام الشهي فعلم أنها في المطبخ.
وضع الأكياس جانباً ثم تقدم في خطوات خفيفة ناحية المطبخ ليجدها تجلس عند الطاولة تقوم بتقطيع الخضروات فتوقف وراءها وانتظر حتى تضع السكين لئلا تنجرح وصرخ فجأة"
- نانسي!!

"صرخت نانسي من الفزع فتوقف أمامها، وعندما رأته، بكت ولفت ذراعيها حول خصره في خوف فنزل على ركبتيه واحتضنها مطمئناً إياها وهو يضحك قائلاً"
- ماتخافيش يا نانسي! ده أنا

"أخذت تبكي كثيراً وقالت بصوت متقطع"
- حرام عليك... كنت هموت

"أخذ يمسح بيده على شعرها قائلاً في حنان"
- بعد الشر عليكي، أنا آسف، ماتزعليش

"ثم قال ساخراً"
- بعد كده هنبهك قبل ما اخضك

" ابتعدت عنه قليلاً ووكزته في كتفه قائلة"
- يا سلام!

"ثم اتبعت وهي تتحسس بطنها قائلة"
- استنى أما اتطمن على رامز الصغير، اكيد هو كمان اتخض منك

"وضع يده على بطنها وأخذ يتحسس موضعه حتى شعر بقدمه تتحرك تحت أصابعه، ضحك قائلاً"
- بيتحرك اهو، عشان تعرفي إنه عارف صوتي كويس

"ثم نظر لها وابتسم قائلاً"
- بعيداً عن الرعب ده، عاملة ايه؟

"ابتسمت قائلة"
- كويسة، بس تعب الحمل بدأ يظهر... دوخة وصداع

"أمسك بيدها قائلاً"
- هانت... باقي أربع شهور يا حلوة!

"ابتسمت فقال سريعاً"
- صحيح، نسيت الهدايا برة

"ثم حملها وخرج بها من المطبخ ثم أجلسها على الأريكة وأخرج من الكيس الأول ثوباً جميلاً باللون الزهري وقال"
- ايه رأيك؟

"أمسكت نانسي بالثوب في سعادة وقالت"
- يجنن يا رامز! حلو اوي

"ابتسم لها ثم أخرج ثياب الصغير وقال"
- وجبت دول كمان، بس حاسسهم صغيرين اوي

"أخذت نانسي تتأملهم في سعادة وتضعهم على بطنها وكأنها تقيسهم على الصغير لتقول"
- لا خالص مش صغيرين، مناسبين لأول كام شهر

"ثم اتبعت"
- بس ده كتير اوي، كنت استنيت لما يجي الأول

"هز رأسه في نفي قائلاً"
- لما يجي هجيبله قد دول 100 مرة، هجيبله الدنيا كلها يا نانسي!

"أبعدت نانسي الأكياس ثم اقتربت منه واحتضنته قائلة"
- أنا بحبك اوي

"ضمها إليه قائلاً بابتسامة"
- أنتِ لئيمة

"أبعدت رأسها عنه لتنظر له قائلة"
- ليه؟

"أمسك برأسها وأعادها إلى كتفه مجدداً وهو يقول"
- بتنسيني أنا عاوز اقولك ايه وتشغليني بشعرك الأحمر الطويل الحلو ده

"ضحكت قائلة"
- عاوز تقول ايه؟

"ابتسم قائلاً"
- فاكرة المشروع اللي حكيتلك عنه؟

"اومأت برأسها فاتبع"
- المرحلة الأولى منه خلصت

"نظرت إليه في سعادة قائلة"
- بجد؟

"رد ضاحكاً"
- ايوة، وهنعمل احتفال كبير في الشركة بالمناسبة دي

"قالت في سعادة"
- حلو اوي، مبروك يا حبيبي!

"ابتسم قائلاً"
- الله يبارك فيكي

"قالت في هدوء"
- يا ريت كنت أقدر أبقى معاك وأشاركك فرحتك ونحتفل سوى

"ابتسم في مكر قائلاً"
- ومين قال مش هنحتفل سوى؟

"ابتسمت في خجل قائلة"
- هو أنت على طول كده؟

"ضحك قائلاً"
- هو في أحلى من كده؟

"لم تستطع النظر إليه وقد أحمر وجهها، ضحك من منظرها ثم حملها وسار بها عائداً إلى المطبخ قائلاً"
- تعالي نشوف الحلوة طابخة إيه النهاردة

.....

"وفي اليوم التالي صباحاً، وصل رامز إلى الشركة وهو في غاية السعادة، وعندما وصل إلى مكتبه، توقفت لميس واستقبلته بابتسامة ليبتسم قائلاً"
- صباح الخير يا لميس!

"ابتسمت قائلة"
- صباح النور يا فندم!

"اتبع قائلاً"
- لميس! من فضلك عاوزك تبعتي لباشمهندسة ندى تيجي، وفنجانين قهوة

"اومأت برأسها مبتسمة ثم قالت"
- حالاً يا فندم!

"لم يمر وقت طويل حتى قامت لميس باستدعاء ندى، والتي ذهبت إليه على الفور، وعندما وصلت هناك، كانت لميس قد سبقتها إلى الداخل بفنجاني القهوة وأخبرته بوصولها فأذن لها بالدخول، وعندما خرجت لميس من المكتب ابتسمت إلى ندى قائلة"
- تقدري تتفضلي!

"اومأت ندى برأسها بابتسامة خفيفة فلم تستطع الشعور بالراحة من وجودها الدائم معه، هل هي الغيرة؟
دخلت وأغلقت الباب من خلفها ثم التفتت إليه فوجدته يستقبلها بابتسامة رائعة جعلتها تبتسم قائلة"
- صباح الخير!

"قال وقد عادت عبثه مجدداً"
- صباح العسل!

"ثم أشار إلى الكرسي أمامه وقال"
- اتفضلي!

"توجهت ناحية الكرسي وقلبها ينبض بعنف من شدة الخجل، جلست ثم نظرت إليه بابتسامة وقالت"
- واضح إن خبر انتهاء المرحلة الأولى من المشروع لسة له أثره الحلو

"ضحك رامز قائلاً"
- اكيد، وبالمناسبة دي في حفلة آخر الأسبوع هتتعمل في الشركة التانية

"ابتسمت ندى في سعادة قائلة"
- بجد؟ دي حاجة حلوة اوي، أنا بحب الحفلات

"ابتسم هو الآخر في سعادة فاتبعت"
- هو أنا ينفع اسألك سؤال؟

"اومأ قائلاً بابتسامة"
- أنتِ تسألي براحتك يا ندى!

"شعرت بالخجل مجدداً ثم قالت"
- ايه أهمية المشروع ده بالنسبة لك عشان تبقى متحمس له بالطريقة دي أكتر من أي مشروع تاني؟

"رد هدوء قائلاً"
- المشروع ده غير أي حاجة اشتغلت فيها قبل كده، المشروع ده كان حلمي من زمان، أنا صاحب فكرته وأنا اللي اشتغلت فيه لأول مرة، وبعدين كملته أنا ورامـي لغاية ما خلصنا تصميمه، وإني اشوف جزء من حلمي متحقق في الواقع فأكيد دي حاجة كبيرة جداً عندي

"ثم ضحك ضحكة خفيفة قبل أن يقول"
- مع إنه مختلف شوية عن اللي كان في دماغي

"سألته في اهتمام"
- ازاي؟

"ابتسم قائلاً"
- أنا ورامـي كنا عايزين نعيش فيه لوحدنا ولما نلاقي ماما نجيبها تعيش معانا

"صمتت ندى للحظات قبل أن تسأل مترددة"
- ليه؟ هي فين؟

"صمت رامز قبل أن يقول"
- في ظروف أجبرتها تبقى بعيدة عننا سنين كتير

"ثم اتبع بابتسامة هادئة"
- بس دلوقتي هي موجودة معانا، ومتحمسة للمشروع زينا بالظبط

"لاحظت ندى التغير الذي طرأ عليه أثناء حديثه عنها، كانت تود أن تسأله عن تلك الظروف الإجبارية ولكنها خشيت أن ينزعج، سألت دون تفكير"
- أنت شبهها، صح؟

"ابتسم في تعجب ثم قال"
- اشمعنا؟

"قالت في تردد"
- عشان باشمهندس رامـي يشبه لسليم بيه، لكن أنت غيرهم

"ابتسم للحظات دون رد فازداد ارتباكها، اومأ برأسه ثم قال بابتسامة"
- أنا فعلاً شبهها

"ترددت قبل أن تقول"
- هو مافيش أي فرصة إنها تيجي الشركة هنا؟

"قال بعد أن أخذ رشفة من قهوته"
- اكيد هتحضر الاحتفال وتكون موجودة معانا

"قطع حديثهما رنين هاتفه، قالت ندى وقد قامت من مكانها"
- بعد إذن حضرتك

"قال سريعاً"
- استني يا ندى ماتمشيش، دي ماما هي اللي بتتصل

"عادت ندى لتجلس في هدوء، فرد على الهاتف ضاحكاً"
- صباح الخير يا روكا!

"ابتسمت قائلة"
- صباح النور يا حبيبي!

"ثم اتبعت"
- ينفع روكا دي وأنت في الشركة؟ الناس تقول إيه؟

"ضحك قائلاً"
- إيه المشكلة؟! ماما وبحب أدلعها

"ضحكت منه ثم اتبعت"
- طيب، المهم أنا عاوزاك تيجي بعد ما تخلص شغل عشان أنا قررت اعملكم احتفال صغير بالمشروع الجديد وعملتلك البسكوت اللي بتحبه

"لمعت عيناه في سعادة كالأطفال وقال"
- بجد؟

"ضحكت والدته قائلة"
- ايوة، ماتتأخرش بقى

"ابتسم قائلاً"
- حاضر، مع السلامة!

"كانت ندى تراقبه أثناء الحديث وهي مبتسمة لرؤية وجه رابع له، وجه طفولي بريء ربما لا يظهر إلا عند حديثه مع والدته، وعندما أغلق الخط، نظر إليها في سعادة وقال"
- ماما عاملة احتفال صغير بمناسبة المشروع

"ابتسمت في سعادة قائلة"
- حلو اوي

"ابتسم لها ثم قال"
- عاوزة تشوفيها؟

"نظرت له للحظات قبل أن تومأ برأسها في هدوء فقال فوراً"
- طيب قومي معايا

"قالت سريعاً"
- على فين؟

"قال بعد أن قام من مكانه وأمسك بيدها لتقوم معه"
- عالاحتفال يا ندى


.....

"أما رامـي، فعندما وصل إلى الشركة، وفي طريقه إلى المصعد، وجد هاتفه يرن برسالة من والدته تخبره فيها أن يأتي إليها بعد انتهاء عمله لأنها قد أعدت إليه الحلوى التي يحبها احتفالاً بالمشروع الجديد.
ابتسم رامـي في سعادة ولم ينتبه إلى شمس التي أتت إلى حيث المصعد وابتسمت لرؤيته سعيداً هكذا...
وعندما انتبه إليها، وضع الهاتف في جيبه ثم أشار لها والابتسامة السعيدة لا تزال على وجهه"
- صباح الخير يا شمس!

"ابتسمت مشيرة"
- صباح النور جداً

"ضحك ضحكة خفيفة فأشارت"
- في خبر حلو النهاردة؟

"ابتسم رامـي مشيراً"
- مش خبر بس ماما عاملة احتفال صغير بمناسبة المشروع

"ابتسمت شمس في سعادة مشيرة"
- بجد؟ دي حاجة حلوة اوي

"ابتسم رامـي فاتبعت"
- أنا ولا مرة شفتها، هي مش بتيجي هنا خالص؟

"أشار رامـي في هدوء"
- مش بتيجي، بس هتكون موجودة آخر الأسبوع في الحفلة

"أشارت شمس في سعادة"
- هايل، أنا عاوزة اشوفها

"ابتسم رامـي دون رد فشعرت بأنها قد اندفعت قليلاً، أشار بابتسامته"
- تعالي معايا يا شمس!

"أشارت متعجبة"
- فين؟

"لم يرد، بل كانت المفاجأة أن أمسك بيدها وسار بها مبتعداً عن المصعد، اتسعت عيناها في دهشة، إنه يتصرف بطريقة غير متوقعة دوماً.
أخذ يسير حتى وصل إلى باب سلم الحريق، فتحه ثم أشار لها أن تدخل، وعندما دخلت، دخل هو من بعدها وأغلق الباب من خلفهما.
كانت مندهشة منه بينما لم يكن هو يبالي بل جلس على الدرجة الأولى من السلم وأشار لها أن تجلس إلى جواره، ولم تستطع هي فعل أي شيء سوى الجلوس بالفعل.
ساد السكون بينهما حتى نظر لها مشيراً"
- السلم ده له ذكرى مش حلوة معانا، صح؟

"ابتسمت ثم هزت رأسها في نفي مشيرة"
- بالعكس، كانت ذكرى كويسة

"ثم ضحكت ضحكة خفيفة واتبعت"
- صحيح كنت خايفة، بس برضو كويسة

"ضحك هو الآخر ثم أشار"
- ودلوقتي؟ خايفة مني؟

"ردت متسائلة"
- هخاف ليه؟

"تنهد مشيراً"
- يعني... زمان كانوا بيقولوا إني غريب الأطوار وعدواني، عشان كده ماكانش عندي أصحاب

"أشارت متعجبة"
- أنت؟ عدواني ازاي؟

"ضحك ضحكة خفيفة ثم أشار"
- ماكنتش بحب حد يقرب لي، وفي الجامعة كانت أغلب خناقاتي عشان مابحبش حد يلمسني، وهما ماكانوش بيفهموا ده فبنتخانق

"رفعت حاجبيها في دهشة وأشارت"
- عشان كده لما لمستك يوم سلم الحريق اتعصبت أكتر؟

"اومأ برأسه إيجاباً ثم ابتسم مشيراً"
- بس ماكنتش هضربك أكيد

"ضحكت ضحكة خفيفة ثم أشارت"
- لا ماقصدش، أنا آسفة

"ضحك هو الآخر ثم أشار"
- ماتتأسفيش، أنا مابقيتش زي الأول، حاجات كتير اتغيرت آخر فترة

"ابتسمت و قد وردت إلى خيالها بعض الذكريات، كإمساكه ليدها منذ دقائق، وفي المشفى أيضاً.
شعرت بالخجل لتلك الذكرى تحديداً خاصة عندما وقعت عيناها عليه فوجدته ينظر إليها نظرة وكأنه قد علم ما يدور برأسها، أشارت أخيراً"
- وأنا مش خايفة

"ابتسم في راحة فاتبعت"
- ينفع تحكيلي عن مامتك؟

"اومأ برأسه موافقاً ثم بدأ يروي لها بعض الأشياء عنها، وهي تراقب إشاراته باستمتاع وفي داخلها شوق شديد لرؤيتها، وعندما انتهى أشارت بابتسامة"
- شكلك متعلق بيها اوي

"ابتسم مشيراً"
- ايوة، عشان كده لما بعدت ماكنتش عايز أي حد يقرب لي غيرها

"ابتسمت له حتى أشارت مترددة”
- عارف؟ عاوزة أطلب طلب غريب

"ضم حاجبيه متسائلاً فاتبعت"
- حاسة إني... عاوزة اشوفها بعيد عن دوشة الحفلة والزحمة اللي هتكون موجودة يومها

"نظر لها حتى أشار"
- تحبي تيجي معايا النهاردة؟

"أشارت في تعجب"
- بجد؟

"اومأ بابتسامة فابتسمت الأخرى مشيرة"
- موافقة

.....

"وطوال الطريق، كانت ندى غارقة في التفكير المصحوب بالتوتر من تلك المقابلة، فلم تكن تدري تماماً ما الصفة التي سيقدمها بها رامز إليها.
وعندما وصلا إلى هناك، نزلا سوياً من السيارة ثم توجها ناحية الباب، وقبل أن يقوم رامز برن الجرس، نظر إلى ندى قائلاً بابتسامة وقد لاحظ توترها"
- ماتتوتريش يا ندى! أنتِ هتقابلي أجمل ست في الدنيا

"ابتسمت ندى للحظات قبل أن تومأ له برأسها فقام برن الجرس، وبعد لحظات انفتح الباب لتطل منه امرأة جميلة.... جميلة جداً في الواقع، ليست بالطويلة ولا بالقصيرة، بشرتها بيضاء صافية، ترتدي ثوباً زهرياً رقيقاً وشعرها الأسود ينسدل على ظهرها وكتفها الأيسر، أما عينيها فقد كانت المفاجأة، إنها نسخة من عيني رامز، نفس اللون الأخضر الداكن ذو اللمعة التي تشرق بالحياة.
ابتسمت رقية فرحاً لرؤية رامز، الذي بمجرد أن فتحت الباب قال في سعادة قبل أن يدخل معانقاً إياها"
- أنا جيت

"احتضنته رقية في حنان وقالت في مرح"
- نورت البيت

"ضحك رامز ثم التفت إلى ندى التي كانت تطالعهما بابتسامة سعيدة وقال"
- بما إن النهاردة احتفال بمناسبة المشروع، فأحب اقدملك ندى، واحدة من أهم المهندسين اللي اشتغلوا في المشروع ده معايا

"مدت رقية يدها مصافحة إياها وقالت بابتسامة جميلة"
- أهلاً وسهلاً يا ندى!

"ابتسمت ندى هي الأخرى قائلة"
- أهلاً بحضرتك، اتشرفت بمعرفة حضرتك جداً

"قالت رقية بنفس طريقتها الودودة"
- أنا اكتر يا ندى! اتفضلي!

"وعندما دخلت هي و رامز، جلسا سوياً على الأريكة بينما جلست رقية على الكرسي المقابل لهما لتنظر إلى ندى وتقول بابتسامة حنونة وقد لاحظت ارتباكها بعض الشيء"
- مش عاوزاكي تبقي قلقانة يا ندى! كأنك في بيتك بالظبط

"إن هذه المرأة بها شيء عجيب، ابتسامتها الحنون وصوتها المرح والهادئ جعلاها تشعر بأنها بالفعل ليست غريبة، ومع استراق النظر إليها بين الحين والآخر، بدأت تلاحظ الشبه بينها وبين رامز.
ابتسمت ندى إليها فاتبعت محاولة فتح أحاديث معها حتى تشعر بالراحة"
- بس أنتِ شكلك لسة صغير يا ندى، أنتِ خريجة جديدة؟

"ابتسمت ندى قائلة"
- أنا اتخرجت من سنتين بس واشتغلت في الشركة من حوالي سبع شهور

"قال رامز بدوره في فخر"
- ندى لسة معانا السنة دي بس، لكن في فترة قصيرة قدرت تثبت نفسها وضافت تفاصيل مهمة للمشروع

"اومأت رقية برأسها ثم التفتت إلى ندى بابتسامة إعجاب قائلة"
- رامز ورامـي اخدوني من كام يوم للموقع وشفت كل حاجة بنفسي، بصراحة حاجة جميلة جداً، برافو عليكم!

"مر بعض الوقت وهم يتحدثون، وبدأت ندى تشعر بالراحة والألفة مع تلك المرأة الجميلة، وكانت تشعر بالسعادة لأنها وجدت رامز سعيداً بالفعل كما لم تره من قبل.
كانت عيناه تلمع بسعادة طفولية خاصة وهو يشاكس والدته ويضحكها، وأثناء ما كانوا يتحدثون، دق جرس الباب لتقول رقية قبل أن تفتح"
- ده أكيد رامـي

"وعندما توجهت ناحية الباب وفتحته، ابتسمت لرؤية رامـي كثيراً وأشارت له قبل أن تحتضنه"
- رامـي! وحشتني!

"ابتسم رامـي في سعادة ثم احتضنها ومن خلفه شمس، التي كانت تنظر لهما بنظرة مليئة بالسعادة والاندهاش، هذه هي المرة الأولى التي ترى فيها رامـي سعيداً بل ويقترب من أحدهم هكذا.
ونظرة واحدة لوالدته جعلتها تشعر براحة غريبة تجاه تلك المرأة الجميلة التي من الواضح أنها تحمل من الحنان ما يكفي ويزيد.
التفت رامـي إلى شمس ثم نظر إلى والدته وأشار بابتسامة"
- أحب اعرفك يا ماما! شمس... واحدة من أهم المهندسين اللي اشتغلوا في المشروع معايا

"نظرت رقية إلى شمس بابتسامة رائعة وصافحتها قائلة"
- أهلاً يا شمس! فرصة سعيدة

"صافحتها شمس هي الأخرى قائلة بابتسامة جميلة"
- أنا أسعد، حضرتك!

"قالت رقية مشيرة إلى الداخل"
- اتفضلوا!

"دخل رامـي وشمس ليتفاجآ من وجود رامز وندى بالداخل، نظر رامـي إليهما متعجباً، لم يستغرب وجود رامز، فبالطبع كان متأكداً من أنه سيكون موجوداً، ولكنه تعجب لحضوره باكراً، وتعجب أكثر لوجود ندى معه، ما الذي جمعهما معاً ليأتيا سوياً إلى هنا؟
لم يكن حال رامز مختلفاً، ولكنه لم يبدِ أياً مما جال بخاطره ورفع حاجبه بابتسامة لم يفهمها إلا رامـي قائلاً"
- يا أهلاً يا أهلاً! نورتوا!

"شعرت شمس بالارتباك لوجود رامز، ولكن ما أدهشها حقاً هو وجود ندى، ما الذي أتى بها إلى هنا؟ سخرت في داخلها من نفسها، فما الذي أتى بها هي الأخرى؟ إنه نفس السبب بالطبع.
تقدمت شمس لتجلس إلى جوار ندى بينما جلس رامـي إلى جوار رامز، الذي كان يطالعه بابتسامة ماكرة، ولكنه تظاهر بعدم الاهتمام، جلست رقية على كرسيها مرة أخرى وقالت بابتسامة مرحة"
- واضح إنه هيبقى احتفال بجد بقى بكل اللي اشتغلوا في المشروع، لازم تقولوا لنهال تلغي حفلة الشركة

"ضحكوا فقال رامز في مكر زيَّنه ببعض المرح الذي لم ينطلِ على رامـي وهو يدرك مغزى كلماته جيداً"
- حفلة الشركة دي لكل الأدوار الثانوية في المشروع، لكن حفلة النهاردة للأبطال بس

"ضحكت رقية ثم قالت إلى رامز ورامـي وقد قامت من مكانها"
- طب قوم يا بطل أنت وأخوك عشان تساعدوني في المطبخ

"قام كل منهما ودخلوا سوياً إلى المطبخ، بينما نظرت كل من شمس وندى إلى بعضهما البعض دون رد حتى ضحكتا دون صوت، قالت ندى في خبث"
- ممكن اعرف بتعملي ايه هنا يا هانم؟

"قالت شمس بابتسامة مرحة وصوت خفيض حتى لا يسمع أحد"
- جاية أشوف مصنع الفانيليا

"ضحكت ندى فاتبعت"
- وأنتِ جاية ليه؟

"ضحكت ندى قائلة"
- نفس السبب

"ضحكت شمس ثم اتبعت بابتسامة"
- لا بجد، أنا كنت فعلاً عاوزة اتعرف عالست اللي خلتني اشوف رامـي فعلاً مبسوط بجد

"نظرت إليها ندى في مكر ثم قالت بصيغة الدعاء"
- يا رب تبقى حماتنا!

"ضحكت شمس قائلة"
- اسكتي لا يسمعونا

"وفي المطبخ، دخل كل من رامـي ورامز مع والدتهما لمساعدتها، قال رامز"
- هنعمل ايه دلوقتي؟

"نظرت رقية إليهما ثم أشارت ناحية الطاولة المستديرة في وسط المطبخ ليجلسا عندها، فهم كل منهما أن تحقيقاً ما على وشك البدأ.
جلس كل منهما في وداعة فنظرت إليهما للحظات دون قول أي شيء، قال رامز في وداعة غريبة عليه"
- في حاجة يا ماما؟

"ابتسمت رقية قائلة"
- انتو اللي المفروض تجاوبوا عالسؤال ده، هو في ايه؟

"قال رامز في سذاجة مصطنعة"
- حضرتك طلبتينا واحنا جينا، بلاش؟

"نظرت إليه رقية وقد رفعت حاجبها الأيسر تماماً كما في الماضي عندما كانت تريد انتزاع اعتراف منه في طفولته، قال"
- اسألي رامـي

"نظرت إلى رامـي ثم أشارت بطريقة المحققين"
- أنت مش هتلف وتدور زيه، ايه حكايتكم مع البنات دول؟

"أشار رامـي في وداعة لم تعهدها فيه هو الآخر"
- شمس بتشتغل في المشروع معايا زي ما قلت لحضرتك، ولما عرفت إن في حفلة في البيت أنا طلبت منها تيجي، وهي وافقت

"نظرت إليه والدته للحظات ثم عادت لتنظر إلى رامز الذي قال سريعاً"
- نفس الكلام مع ندى

"عادت لتنظر إليهما ثم قالت"
- أمال أنا ليه حاسة إن في حاجة مخبيينها عليا؟

"قال رامز في دهشة"
- احنا نخبي عليكي حاجة يا ماما! مستحيل!

"نظرت إليه وقد ضاقت عيناها قائلة"
- شايفة فيك سليم راوي صغير

"أخفض رامز بصره إلى الأسفل فاتبعت"
- اللي ماتعرفوش بقى، إن اللي كان يخبيه عن الكل، مايخبيهوش على رقية أبداً

"قالتها في ثقة مما تقول، ومن غيرها أعلم بمن سكن الروح؟ عادت لتنظر إلى رامـي وأشارت"
- وأنت سكوتك قالقني

"نظر لها رامـي وقد بدى التوتر عليه بالفعل، فهو لم يأتِ بشمس إلى هنا بكونها مهندسة عاملة في المشروع فقط، بل لشيء آخر أصبح لا يعلمه، أو ربما يعلمه ويتجاهله، قال رامز أخيراً"
- في...

"التفتت إليه رقية ليكمل"
- إعجاب كده ناحية ندى.

"ابتسمت رقية دون رد فاتبع"
- هبقى احكيلك عنها بعدين، بس هي كانت عاوزة تشوفك وأنا كمان كنت عاوزك تشوفيها

"قالت رقية في حنان"
- يبقى لما توصلها ترجعلي تاني وتحكيلي

"اومأ رامز بابتسامة راحة فالتفتت إلى رامـي ثانية فظل ساكناً دون إشارة لتشير هي بنفس الابتسامة الحنونة"
- عارفة إنك مش هتتكلم دلوقتي، بس أنا هستناك برضو تيجي وتحكيلي، اتفقنا؟

"ابتسم هو الآخر في راحة ثم اومأ برأسه إيجاباً فقالت بعد أن أنهت إعداد أطباق تقديم الحلوى ووضعها في صينيتين مع العصائر"
- يلا شيلوا الصواني دي وحصلوني على برة

"مر بعض الوقت في كثير من الحديث والضحك، كانت كلٌ من ندى وشمس مبهورتان بما تريان، إن تلك المرأة ساحرة للغاية بطريقتها في الحديث وروحها المرحة ورقيها في التعامل.

كانت شمس تنظر إليها وتستمع إلى حديثها وهي تفكر، كيف لرجل مثل السيد سليم أن يترك امرأة مثلها؟ لم يخبرها رامـي بأية تفاصيل ولم تستطع هي أن تسأله، ولكنها الآن تشعر في داخلها بالحنق تجاهه، فعلى الرغم من أنها لم تره سوى مرة أو مرتين ولكنها لاحظت أيضاً كونه رجلاً من أولئك القليلين الذين يمثلون معنى للجاذبية والرقي برغم سنوات عمره المتقدمة، فكيف له أن يُنقِص صورته بانفصاله عن امرأة رائعة مثل السيدة رقية؟ أم أنها هي التي انخدعت بالمظهر فقط؟ يوجد شيء ناقص في القصة التي رواها رامـي وهي الآن في أشد الفضول لمعرفته.
أما ندى، فلم يختفِ انبهارها بعد بل كانت تتفاعل معهم في الحديث وهي تلمح الصور الموضوعة على الطاولة بين الحين والآخر، ما أجمل الصور! بل ما أجملهم هم! إن تلك الصور تحكي الكثير عن ماضٍ من الواضح أنه كان سعيداً، ما الذي حدث ليفترقوا؟
لا بد أن هذه المرأة كانت سعيدة للغاية فيما مضى، فمن تمتلك زوجاً رائعاً يحبها وابنين رائعين يشبهانه ويحبانها لهذا الحد تجدر بها السعادة.
وبعد أن انتهت تلك الزيارة الرائعة، قام رامز بتوصيل ندى إلى منزلها، بينما قام رامـي بتوصيل شمس إلى الشركة حيث كانت سيارتها لتعود بها إلى المنزل بعد محاولات كثيرة منه أن يوصلها إلى هناك بنفسه.
وعندما عاد بها إلى الشركة ثانيةً، نظرت له ثم قالت بابتسامة"
- شكراً على الزيارة دي، أنا انبسطت أوي إني قابلت مامتك

"ابتسم مشيراً"
- هي كمان كانت مبسوطة أوي، واضح إنها حبتك أنتِ وندى جداً

"ابتسمت فاتبع مشيراً"
- برضو مش عايزاني أوصلك البيت؟

"ردت قائلة"
- كده أحسن

"اومأ لها برأسه فودعته ونزلت سريعاً من السيارة، ظل يتبعها بعينيه حتى اختفت من أمامه وتلميحات والدته لا تزال في رأسه، لماذا ذهب بها إلى هناك؟ من المستحيل أن يكون السبب هو تقديمها إليها كمهندسة جيدة فحسب، فهل كل موظف جيد يريد مكافئته سيذهب به إلى زيارة عائلية؟
الوضع معها مختلف، إنه يغيّر كل شيء اعتاد عليه طوال حياته معها هي فقط، إلى أين ستذهب علاقته بها؟"

.....

"أما رامز، فعندما قام بتوصيل ندى إلى منزلها، نظرت إليه قائلة بابتسامة"
- أنا انبسطت أوي، شكراً

"ابتسم رامز قائلاً"
- كويس جداً، المهم يكون التوتر راح

"ضحكت ضحكة خفيفة قائلة"
- أكيد، كان معاك حق... مامتك أجمل ست في الدنيا

"ابتسم للحظات حتى قال بغموض"
- مش هتبقى آخر مرة تشوفيها يا ندى!

"صمتت للحظات تحاول أن تفهم قصده، ولكن المعنى الذي خطر ببالها، والذي هو من نسج خيالها وأمنيتها، كان رائعاً للغاية...
قطع أفكارها وكأنه قد قرأها قائلاً بغموضه الذي يثير فضولها أكثر"
- لما هتدخلي هتلاقي صندوق جوة، أبقي شوفيه

"نظرت إليه في تساؤل، ولكنه قال بابتسامة ماكرة قبل أن تنطق بأي شيء"
- مع السلامة يا ندى!

"ودعته ثم نزلت من السيارة وتوجهت ناحية البيت في خطوات سريعة حتى دخلت، لم يكن والديها قد عادا من عملهما، توجهت ناحية المطبخ وسألت مدبرة المنزل"
- صباح! في حاجة جت النهاردة؟

"ابتسمت صباح قائلة"
- أيوة يا آنسة ندى! في صندوق كبير اتبعت على هنا باسمك وأنا حطيته في الأوضة

"ركضت ندى ناحية غرفتها ثم دخلتها فوقعت عيناها على ذلك الصندوق المستطيل أبيض اللون...
توجهت ناحيته ثم فتحته لتجد ثوباً أنيقاً للغاية باللون البنفسجي عبارة عن قطعة واحدة تأخذ شكل البنطال ذات حمالات رفيعة، كان رائعاً وناعماً للغاية، وجدت معه ورقة صغيرة مكتوب فيها..."
- هكون مبسوط جداً لو شفته عليكي في الحفلة... رامز.

"شعرت بسعادة كبيرة، وأمسكت بالثوب وتوجهت به ناحية المرآة وهي تضعه عليها لتراه، وازداد حماسها لذلك اليوم الذي يبدو أنه سيكون مميزاً للغاية."

****
انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-05-22, 10:18 PM   #18

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل الثاني عشر

يوم الحفل

"عادت شمس من الشركة في ذلك اليوم وتناولت الغداء مع والدتها ثم توجهت ناحية غرفتها تستعد للحفل في الساعات القليلة المتبقية.
وفي المساء، كانت قد انتهت من كل شيء وتوقفت أمام المرآة لترى نفسها، كانت ترتدي فستاناً طويلاً حريراً باللون الأسود ذا حمالتين رفيعتين وشعرها الأسود الطويل منسدل على ظهرها وأحد كتفيها، زيَّنت عينيها بكحل أسود يبرز جمالهما وأحمر شفاه داكن، ووضعت حول رقبتها طوقاً رقيقاً.
وأثناء ما كانت ترى نفسها، دخلت والدتها إليها وانبهرت بجمال ابنتها للغاية، قالت بابتسامة واسعة"
- ايه الجمال ده يا شمس!

"ابتسمت شمس في سعادة ودارت حول نفسها قائلة"
- حلوة بجد؟

"قالت والدتها في حنان"
- أوي

"ثم اتبعت في فخر"
- عارفة؟! شبهي لما كنت صغيرة

"ضحكت شمس قائلة"
- بجد؟

"قالت والدتها في زهو"
- أمال أنتِ فاكرة ايه؟ هو محمود حبني من شوية؟!

"ضحكت شمس ثم التقطت حقيبتها وتوجهت ناحية والدتها وقبَّلتها قبل أن تقول"
- أنا اتأخرت، سلام بقى

"ثم خرجت من الغرفة ووالدتها من خلفها تقول"
- ماتتأخريش

.....

"بدأ الحفل، كان هناك الكثير من الحضور، الجميع كانوا مبهورين بكل التحضيرات التي نظمتها نهال بنفسها بكل احترافية.
لم يكن رامـي بحاجة إلى مراجعة أي شيء من بعدها فقد كان يثق بها تماماً، واليوم شعر أن ثقته في محلها لما يراه في عيون الناس من انبهار وعلى شفاههم من حديث.
كان يقف عند إحدى الطاولات مع والده، الذي كان مشغولاً بالحديث مع بعض من رجال الأعمال الآخرين بينما كان هو مشغولاً رغماً عنه بشيء آخر، كان يدور بعينيه في كل اتجاه بحثاً عنها، أين هي؟ لا بد أن تكون قد أتت، إن الكلمة التي ستُلقى بخصوص المشروع قد أوشكت على البدء وهي لم تأتِ بعد.
مرت لحظات وعينيه مُركزة على مدخل القاعة حتى وجدها تدخل منه، قلما ينبهر بأي شيء وقلما أكثر ما ينبهر بالشيء مرتين، هذه هي المرة الثانية التي تبهره فيها منذ ليلة عيد ميلاد يارا، وها هي الآن تعيد الكرَّة ثانيةً."

****

"دخلت إلى القاعة وقد شعرت ببعض التوتر الذي أصابها فجأة من نظرات الناس من حولها، ولكن عينيها توقفت على عينيه هو وقد كان يراقبها منذ أن دخلت.
ظلت في مكانها غير قادرة على التحرك سواء بالذهاب إليه أو الهرب من نظرته تلك التي لم تفهمها، ولكن ندى قد أنقذتها عندما توجهت ناحيتها وأخذتها إلى حيث طاولتهن.
توجهت معها وحاولت الانشغال بالحديث معها ومع سما، ولكنها رغماً عنها كانت تختلس النظر إليه لتجده ينظر إليها هو الآخر.
كانت نظرته تلك تشعرها بارتباك شديد وغريب على طبيعتها الواثقة والقوية. حاولت قدر الإمكان ألا تلتفت إليه أبداً لعله يمل هو الآخر ويلتفت عنها."

****

"وصلت رقية بصحبة رامز إلى الحفل، وكان هو أول من وقعت عيناها عليه، كان أنيقاً للغاية في بدلته الكحلية وقميصه الأبيض ورابطة عنقه الأنيقة بنفس لون البدلة، وشعره الأسود الذي تسلل إليه الشعر الأبيض فزاده جاذبية... جاذبية لم يغيرها العمر بل أضاف لها المزيد.
إنه من الطبيعي أن تلتفت فتاة طائشة كـ سالي لرجل مثله، بالتأكيد استطاع أن يسحرها بفعل ابتسامته الجانبية وعينيه الرماديتين اللتين تلمعان بنظرتي الحب و القسوة.
ولكن الغريب أنها لم ترَ لمعة الحب في نظرته لسالي مثلما رأتها في نظرته لها بمجرد أن وقعت عيناه عليها فعلم بحضورها."

****

"كان منشغلاً في الحديث مع بعض رجال الأعمال وإلى جواره سالي، التي كانت تقف في ملل من تلك الأحاديث التي لا تهمها أبداً، بينما لم يكن هو مهتماً على الإطلاق، فوضعها الاجتماعي كزوجة للسيد سليم الراوي يحتِّم عليها ذلك ولا مجال للاعتراض.
وعندما وقعت عيناه على باب القاعة ورآها، شعر للحظة بأن كل شيء من حوله قد اختفى، ولا يوجد أمامه إلا هي الآن في ثوبها الأنيق ذي اللون الزهري وشعرها الأسود الذي تركته حراً دون قيود، لكم كان يحبه هكذا في الماضي!
لا يدري لماذا خطرت في ذهنه ذكرى عيد ميلادها الثامن عشر الذي حضره مع أخته أمل ليراها في أجمل صورة، كيف كانت ملائكية في الماضي، وكيف لا يزال السحر يحاوطها إلى الآن."

****

"أما ندى، فقد كانت تشعر بحرج وارتباك شديد من نظراته التي لا تخفي إعجابه أبداً وابتسامته الماكرة العابثة التي تظهر على وجهه كلما نظرت إليه لتجعل وجهها يكاد ينصهر من شدة الاحمرار.
كانت تتخيل أن الجميع قد شعر بما يحدث بينما هو لم يكن يعبأ بأي شيء أبداً بل كان مبهوراً للغاية بهيئتها.
لقد استطاع اختيار الثوب المناسب للمرأة المناسبة، لم يخطئ يوماً في اختيار أي شيء يتعلق بهن، يعلم جيداً ما هو مناسب بكل دقة.
لقد كان مستمتعاً للغاية بشكلها الخَجِل هذا، لا تعلم كم تبدو جميلة عندما يملأ الاحمرار وجهها بهذه الطريقة ومعه هو بالذات.
ارتسمت على وجهه ابتسامة مغرورة، ماذا لو علمت السر وراء اختياره لهذا الثوب تحديداً؟"

****


"وعندما أصبح الجميع حاضراً، توجه السيد سليم ليلقي كلمته في البداية، ومن بعده رامز الذي ألقى كلمته باسمه وباسم رامـي أيضاً.
مر بعض الوقت قام فيه الصحفيون بطرح الأسئلة، وعندما انتهوا، بدء الحفل بتشغيل الموسيقى الهادئة لكي يقوم الحاضرون للرقص إن أحبوا.
وأثناء ما كانت شمس تتحدث مع سما وندى، وجدت رامـي يتوجه ناحيتها، وعندما وصل إليها، ابتسم مشيراً"
- ازيك يا شمس؟

"ابتسمت مشيرة"
- مبسوطة

"ابتسم فاتبعت بعد تردد"
- حاسة إن المشروع ده يهمني أنا كمان، وفرحانة بكل إنجاز فيه

"ابتسم للحظات حتى أشار"
- أنتِ كمان بقيتي جزء منه يا شمس! شغلك من عوامل نجاحه

"ابتسمت هي الأخرى وقد شعرت بالسعادة في داخلها. ذهبا سوياً لكي يقدِّمها رامـي إلى بعض رجال الأعمال الذين كانوا يريدون التعرف على كل من ساهم في تصميم هذه المدينة الرائعة، وبالفعل انبهروا عندما علموا أن من شارك في هذا المشروع الضخم مهندسة صغيرة السن في بداية مشوارها العملي.
قال أحدهم بإعجاب واضح"
- مش قادر أصدق ازاي مهندسة صغيرة تقدر تعمل كل ده

"ابتسمت شمس قائلة"
- كل حاجة عملتها كانت بتوجيهات من باشمهندس رامـي، هو الأساس.

"ابتسم رامـي لجملتها ثم لاحظ كلمات الرجل الذي قال ممازحاً"
- واضح إن الشركة محظوظة جداً لأن عندها موظفين شاطرين وأذكيا في الرد...

"ثم اتبع بإعجاب واضح"
- وحلوين كمان

"شعر رامـي بالغضب من جملته وقد فهم تلميحه جيداً بينما لم تجد شمس سوى أن ترسم ابتسامة مجاملة على وجهها.
قال الرجل بعد أن نظر إلى ساحة الرقص التي قد بدأ يظهر عليها بعض الثنائيات"
- تسمحيلي بالرقصة دي يا باشمهندسة؟

"ارتبكت شمس ولم تدرِ بمَ ترد قبل أن تنظر إلى رامـي فتجد نظرته المشتعلة بالغضب ليزداد ارتباكها وهي تلتفت إلى الرجل قائلة بتهذيب"
- أنا آسفة بس مش هقدر

"ابتسم الرجل قائلاً"
- مافيش مشكلة، عن إذنكم

"وعندما رحل، عادت لتلتفت إليه فوجدت غضبه قد خف قليلاً، طالعته للحظات وهي لا تفهم سر هذا الغضب الذي ظهر عليه فجأة حتى وجدته يشير"
- كويس إنك مارقصتيش معاه

"ازداد تعجبها من جملته تلك، إنها تختبر الآن معه شعوراً مختلفاً من جانبه هو، وجدت نفسها تقول دون فهم"
- ليه؟

"أشار مقرراً"
- عشان هترقصي معايا أنا

"ازداد ارتباكها أكثر فاتبع"
- اللي شغال موسيقى ولا أغنية؟

"أشارت بارتباك"
- أغنية

"اتبع مشيراً"
- هنرقص، وهتقوليلي كلماتها

"ظلت صامتة وقد شعرت بقلبها يخفق بشدة من التوتر، ولكنه لم يمهلها بل أمسك بيدها ليتوجها سوياً إلى ساحة الرقص.
كانت تشعر بازدياد ضربات قلبها لقربها منه إلى هذه الدرجة، والذي أثار دهشتها أكثر أنه كان هادئاً للغاية وكأنه لم يكن يكره اقتراب الآخرين منه من قبل.
وجدته ينظر إليها نظرة فهمت منها أنه يستدعيها لكي تخبره بالكلمات، حاولت استجماع شجاعتها كي تستطيع النظر إلى وجهه القريب منها وتخبره بكلمات الأغنية الأجنبية التي كانت شديدة الرومانسية.
كانت تحاول نطق الكلمات دون أن تنظر إليه، وكان هو يقرأ الكلمات من على شفاهها مستمتعاً للغاية بذلك الارتباك الواضح الذي يختبره فيها لأول مرة، لكنه كان مندهشاً، فكيف تكون مرتبكة إلى هذا الحد وقد اقتربت منه مسبقاً بينما هو لم يعتد اقتراب أحدهم إلى هذه الدرجة أبداً؟ حتى لو اقترب من كل من حوله في الفترة الأخيرة، لكن اقترابها هي كان له أثرٌ مختلف... مختلفٌ جداً.
وعندما انتهت الأغنية، رفعت عينيها إليه لترى ابتسامة هادئة على وجهه لم تفهمها أيضاً، يوجد شيءٌ فيه قد تغير، ماذا يقصد بكل ما يفعل اليوم؟"

.....

"ترك رامز من كان يتحدث معهم ثم توجه ناحية ندى التي انتبهت لاقترابه حتى توقف أمامها قائلاً بابتسامته الساحرة"
- منورة يا ندى!

"ابتسمت ضاحكة من طريقته المختلفة عن كل الموجودين في مثل هذا الوسط والذين هم حريصون على الارستقراطية في التعامل بينما هو يتحدث دون أدنى مجهود ضارباً بكل قواعدهم عرض الحائط، قالت في خجل"
- شكراً

"قال بابتسامة ماكرة"
- ذوقي عجبك؟

"شعرت بالخجل والارتباك عندما تذكرت أنها ترتدي هديته، اومأت في هدوء ثم قالت"
- شكراً

"ضحك قائلاً"
- العفو

"ثم اتبع بابتسامة غامضة"
- استعدي

"نظرت إليه دون فهم ثم قالت"
- لإيه؟

"ابتسم في مكر ثانيةً ثم قال"
- مش دلوقتي يا ندى!

"ثم مد يده لها قائلاً"
- تسمحيلي بالرقصة دي؟

.....

"كانت رقية تقف عند إحدى الطاولات تتناول كأساً من عصير البرتقال الذي تحبه وهي تشعر بالسعادة والفخر بصغيريها اللذين كبرا الآن وأصبحا رجلين ناجحين في مجالهما.
انقطعت أفكارها عندما وجدت السيد سليم يتوجه ناحيتها حتى توقف أمامها، ساد الصمت بينهما للحظات حتى قال"
- ازيك يا رقية؟

"قالت في هدوء"
- بخير يا سليم!

"عاد الصمت ليسود بينهما للحظات قبل أن تقول"
- أنا عاوزة أشكرك

"نظر إليها متسائلاً فاتبعت بنفس هدوئها"
- لأنك خلتني اشوف ولادنا تاني، ولأن نجاحهم دلوقتي أكيد أنت لك يد فيه، شكراً.

"ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهه لما قالت ولكنها سرعان ما اختفت ليقول بعدها بنبرة غامضة"
- ماتشكرينيش، ده حقك، ودول زي ما قلتي... ولادنا.

"نظرت إليه ولأول مرة شعرت بأنها لا تفهمه، إنه ليس ذلك الشخص المغرور الذي أتى إليها منذ فترة ليخبرها برغبة ابنيها في رؤيتها بل ويهددها ثانية بحرمانها منهما إلى الأبد، لا يزال على تناقضاته المستمرة، لم يغير الزمن فيه أي شيء... ولا حتى نظرته لها.
كادت أن تتحدث ولكنها توقفت عندما وجدت سالي تتقدم ناحيتهما وتتأبط ذراع سليم قائلة في دلال"
- يا حبيبي مش هنرقص بقى؟

"ثم نظرت إلى رقية واتبعت"
- مش هتعرفنا يا سليم؟

"قال بلهجة مقتضبة وضائقة من طريقتها"
- رقية هانم!... مراتي...

"نظرت إليه رقية في دهشة قبل أن يتبع"
- الأولى.

"شعرت سالي بالحنق الشديد ثم نظرت إلى رقية وقالت بابتسامة زائفة"
- تشرفنا

"بادلتها رقية الابتسامة بأخرى خفيفة ومرتبكة مما قد قاله هو للتو. عادت سالي لتلتفت إلى سليم وقالت متعمدة إظهار دلال أكثر تثبت به ملكيتها له الآن"
- يلا يا حبيبي بقى أنا هموت وارقص معاك

"ثم أخذت تشد ذراعه حتى ذهب معها بالفعل تاركاً رقية التي كانت تشعر الآن بكم من المشاعر المتناقضة التي تزعجها للغاية خاصة وهي تراه يراقصها الآن.
ولم تكن على علم بالحوار الذي يدور بينهما أثناء الرقص، فقد نظر سليم إلى سالي في ضيق وهو يقول بصوت خفيض حتى لا يسمعهما أحد"
- أنتِ مش هتبطلي طريقتك دي أبداً؟

"قالت في ميوعة"
- ايه؟ بلاش ارقص مع جوزي؟

"ثم اتبعت في خبث"
- ولا كنت عاوز ترقص معاها هي؟

"قال وقد احتدت عيناه"
- سالي! الزمي حدودك وماتفتكريش إن عشان الناس حوالينا مش هقدر أوقفك عند حدك

"شعرت بالخوف من أن يقوم بأي فعل متهور فصمتت في ضيق بينما رفع هو عينيه ناحية رقية التي، ولسوء الحظ بالنسبة لها، كانت تنظر ناحيتهما في نفس الوقت.
تلاقت أعينهما للحظات حتى وجد من اقترب ناحيتها وقد فهم من إشارته نحو الراقصين أنه يدعوها للرقص فترك سالي فجأة وتوجه ناحيتهما ونظر إلى الرجل وقال بطريقة حاول قدر الإمكان أن تكون دبلوماسية"
- رقية هانم مابترقصش مع حد

"رحل الرجل بعد أن اعتذر بتهذيب قبل أن تلتفت رقية إليه وتقول في ضيق من تصرفه"
- ماكانش له داعي اللي حصل ده

"نظر لها في غضب قبل أن يقول"
- كنت استناه لما يرقص معاكي ولا ايه؟

"نظرت إليه في غضب هي الأخرى، ذلك الغضب الذي كان يجاهد دوماً للظهور من بين رقة ملامحها الطاغية، كان على وشك أن يبتسم لرؤيتها بهذا الشكل قبل أن تأخذ حقيبتها وترحل من أمامه دون كلمة.
خرجت من القاعة في غضب من كل ما حدث الليلة، ما تلك الطريقة الغريبة التي يتعامل بها؟ قطع أفكارها صوت رامز من خلفها فتوقفت لتلتفت إليه، وعندما وصل عندها، قال"
- رايحة فين يا ماما؟

"ابتسمت في حنان قائلة"
- الوقت خلاص اتأخر وأنا مش متعودة اسهر كده فهروح البيت

"قبل أن يهم رامز بالنطق، جاءهما صوت والده القائل"
- أنا هوصلك

"عادت نظرتها الغاضبة، بينما قال رامز"
- بس ماما...

"قاطعه والده في حزم وعينيه مثبتتين على عينيها هي"
- ارجع للحفلة

"لم يجد رامز غير أن يقوم بتوديع والدته ثم يعود إلى الداخل في ضيق، ظل كل منهما في مكانه دون كلمة حتى قال هو"
- يلا عشان اوصلك

"قالت في عناد"
- مافيش داعي، أنا هروح لوحدي

"قال بنبرته المسيطرة"
- متهيألي أنتِ لسة فاكرة إني مابحبش أكرر كلامي

"نظرت إليه للحظات قبل أن تسير أمامه متوجهة معه نحو سيارته ليقوم بتوصيلها، وعندما وصلا عند بيتها وتوقف بسيارته، ساد الصمت بينهما قبل أن تقطعه هي قائلة"
- إيه اللي بينك وبين رامز؟

"نظر لها دون رد قبل أن تنظر إليه وهي تتبع"
- من أول الحفلة وأنتم مش بتتكلموا أبداً، ومن شوية كنت بتكلمه وكأنه مش موجود، في ايه؟

"قال في ضيق"
- يعني ماقالكيش؟

"قالت بدورها"
- ما أنت عارف، رامز مابيتكلمش

"ثم اتبعت"
- ناوي تبعده عنك هو كمان؟

"ابتسم ابتسامته تلك قبل أن يقول بغموض"
- ابقي اسأليه، يمكن المرة دي تشوفيني صح

"نظرت إليه دون رد قبل أن يتبع ولم تختفِ ابتسامته"
- على فكرة كان في حاجة عاوز اقولهالك

"نظرت إليه متسائلة فاتبع بطريقته الغامضة"
- كنتي حلوة اوي النهاردة

"نظرت إليه في دهشة فازدادت ابتسامته لتشتعل عيناها في غضب قبل أن تنزل من السيارة في ضيق دون رد متوجهة ناحية بوابة منزلها.
أخذ يراقبها حتى دخلت إلى المنزل وأغلقت الباب خلفها فرحل وابتسامة مرسومة على وجهه، لم يتغير شيء... ولا أي شيء."

.....

"عندما عاد رامز إلى الحفل ثانية، وجد سالي تتقدم ناحيته وتقول في حنق"
- سليم راح فين؟

"نظر لها رامز في ضيق وهو يفكر، هل كان والده ثملاً عندما تزوجها أم ماذا؟ قال أخيراً"
- راح يوصل ماما

"قالت في غضب"
- يوصلها؟

"كان صوتها مسموعاً للقريبين من حولهما، وعندما انتبه رامز لذلك وقال بصوت خفيض من بين أسنانه"
- سالي! وطي صوتك أنتِ مش البيت، ولما بابا يرجع ابقي كلميه هو

"ثم تركها وذهب، دبت الأرض بقدمها في ضيق قبل أن يمر بعض الوقت لتجده وقد عاد ثانيةً، توجهت ناحيته في غضب ثم قالت"
- كنت فين؟

"نظر السيد سليم من حولهما وهو يرسم على وجهه ابتسامة خفيفة حتى لا يلاحظ الحضور ما يجري ثم نظر إليها قائلاً بما يناقض ابتسامته"
- أوعدك يا سالي إنك لو ماتصرفتيش باللي يليق بمرات سليم الراوي في يوم زي ده فأنا هعرف ازاي اخليكي تندمي

"ثم أمسك ذقنها بأصابعه في خفة وقال"
- مفهوم؟

"أين كانت كل تلك القسوة من قبل أم أنها هي من كانت مخدوعة؟
شعرت بالسخرية من نفسها، هي التي كانت تحاول اصطياده وخداعه تجده الآن هو من يخدعها.
لم ينتظر منها أي رد بل تركها عائداً إلى ضيوفه متقمصاً قناع التحضر والرقي مرة أخرى، هل يعلمون حقيقته؟ ولكن أي حقيقة؟ إن كان يتصرف بنفس الطريقة مع زوجته الأولى، من المستحيل أن تكون طريقته معها محض تمثيل، فكيف يكذب على من خبرته لسنوات ومن المؤكد أنها تعلم عنه الكثير؟ هل هي فقط من ينالها ذلك الجانب القاسي؟"

.....

"بعد انتهاء الحفل، قام رامـي بتوصيل شمس إلى المنزل غير ملتفتاً لكل محاولاتها في الذهاب بمفردها.
وطوال الطريق، كانت تفكر في أحداث تلك الليلة الغريبة، كل شيء كان مختلفاً... خصوصاً هو، هل شعر ولو بجزء بسيط مما تشعر ولذلك تصرف بتلك الطريقة؟
استرقت النظر إليه فشعرت وكأنه هو الآخر يفكر في أمر ما، هل يفكر فيما تفكر هي به أيضاً؟ كانت ليلة مقمرة وكان القمر يظهر من جانبه هو ملقياً أشعته على عينيه التي بدت الآن أروع من أي شيء، فقط لو تستطيع النظر إلى وجهه كاملاً الآن.
وعندما وصلا عند البيت، توقف بسيارته ليسود الصمت بينهما قبل
أن تشير هي"
- الحفلة كانت حلوة اوي

"اومأ متفقاً بابتسامة ثم أشار"
- عارفة كان إيه الأحلى النهاردة؟

"نظرت إليه متسائلة فاتبع في غموض"
- أنتِ.

"ظلت ناظرة إليه دون رد وهي تشعر بدقات قلبها التي تزايدت خاصة عندما وجدت عينيه تلمع بنظرة جديدة تراها لأول مرة، ومن ثم شعرت بأن قلبها على وشك أن يتوقف عندما اقترب منها في هدوء وقبَّل جانب فكَّها للحظات توقف فيها الزمن حتى ابتعد عنها قليلاً ونظرته لها لم تتغير، ولم يستطع تحديد نظرتها إليه هو الآخر، لم يدرِ إن كان ذهولاً أم استياءاً أم... راحة؟
قطعت أفكاره عندما قالت في هدوء يناقض ما تشعر به الآن من مشاعر لم تستطع هي الأخرى تحديدها"
- تصبح على خير!

"ثم نزلت من السيارة فوراً متوجهة ناحية البيت وهو يتبعها بعينيه حتى اختفت لينظر أمامه ثانية وهو نفسه لا يكاد يصدق ما الذي حدث للتو.
وعندما دخلت هي إلى المنزل، توجهت ناحية غرفتها فوراً وجلست على السرير في ذهول، كانت ليلة غريبة بكل تفاصيلها ليختمها هو بأكثرها غرابة. لم تستطع أن تنكر شعورها بالسعادة عندما غضب لعرض ذلك الرجل بالرقص معها، وطلبه هو منها أن ترقص معه، لم يكن طلباً أو عرضاً من الأساس بل كان عبارة تقريرية وكأنه يعلم أنها لن ترفض أو هو الذي لن يسمح لها بالرفض، وشعورها بالخجل من أن تنظر في عينيه وهي تخبره بكلمات تلك الأغنية ليختم أفعاله بتلك القُبلة الغريبة، والرائعة في ذات الوقت.
نعم... هي لا تستطيع إنكار ذلك، لقد شعرت في داخلها بالسعادة على الرغم من ذهولها، وكأنه كان يريد انتزاع ذلك الاعتراف الذي كان يراودها طوال تلك الفترة وهي تحاول تجاهله...
هي تحبه جداً، وتعلم أنها... تورطت جداً."

.....

"أما عن رامز وندى، فقد أخذها رامز بعد انتهاء الحفل إلى حيث الوجهة التي كان ينتويها، تُرى هل ستفرح بما قرر أن يعد لها الليلة؟
لاحظت ندى أن ذلك الطريق ليست طريق منزلها فالتفتت إليه قائلة"
- ده مش طريق بيتي

"رد قائلاً"
- عارف

"نظرت إليه متسائلة ثم قالت"
- طيب رايحين فين؟

"نظر لها ثم قال مبتسماً"
- مكان كان نفسك تروحيه، ساعة واحدة بس وهترجعي البيت على طول

"لم تفهم قصده ولكنها صمتت و هي تشعر بالفضول لرؤية هذا المكان، وعندما وصلا عند المكان، الذي كان النادي الليلي المفضل له، نظر لها قائلاً"
- وصلنا!

"نظرت ندى إلى واجهة المكان ثم نظرت إليه في دهشة قائلة"
- Night club?

"ابتسم قائلاً"
- مش كان نفسك تسهري من زمان؟

"نظرت إليه قبل أن تجد نفسها تضحك بشدة فضحك هو الآخر قائلاً"
- بتضحكي ليه؟

"نظرت إليه وقالت من بين ضحكاتها"
- أنت مجنون على فكرة

"ابتسم في عبث قائلاً"
- طب ما أنا عارف، يلا ننزل!

"وبالفعل نزلت معه، وعندما دخلا إلى هناك، شعرت بالحماس الذي دب فيها مع صوت الموسيقى الصاخبة، لكم كانت تتمنى أن تقضي سهرة واحدة فقط هناك ترقص وتنسى أي شيء! وفي الآونة الأخيرة تزينت أمنيتها به هو... هو فقط.
وكأنه كان يقرأ كل ما يدور برأسها فأمسك بيدها وقادها نحو ساحة الرقص ليبدأ هو دروسه الأولى في تعليم النسيان لشخص آخر غيره، كانا يرقصان سوياً في سعادة وحماس جعلهما الثنائي المميز من بين الجميع.
كان سعيداً للغاية أكثر من أي مرة جاء فيها إلى هنا وراقص أي فتاة من قبل، كان إحساسه بها مختلفاً جداً، بينما هي الأخرى لم تعهد نفسها سعيدة بهذا القدر من قبل، شعرت بنفسها على وشك الطيران.
لو تستمر تلك الرقصة لساعات أطول فقط كي لا يتوقف هذا الشعور الجارف بالسعادة، ولكنها قد انتهت به عندما التقطها بين ذراعيه وأخذ يدور بها وسط صراخ الباقين من حولهما، بينما اتسعت عيناها في صدمة لبرهة قبل أن تلف ذراعيها حول عنقه متمسكة به هي الأخرى وهي تشعر بسعادة و راحة لم تشعر بهما من قبل.
توقف عن الدوران ثم ابتعد عنها بمسافة بسيطة لينظر في عينيها للحظات قبل أن يميل على أذنها ليقول بطريقة استطاعت إصابة هدفها بدقة شديدة"
- أنا بحبك!

.....

"استيقظ رامز في صباح اليوم التالي على شعوره بشيء ما يداعب وجهه، فتح عينيه ليجدها إلى جواره ممسكة بخصلة من شعرها الطويل تسير بها على وجهه، ابتسم لها قائلاً"
- شقاوة عالصبح كده؟!

"ضحكت ضحكة ناعمة ثم قالت"
- أي وقت معاك تنفع

"رفع رأسه عن الوسادة واقترب من وجنتها مقبِّلاً إياها ثم نظر لها قائلاً"
- صباح الخير يا حلوة!

"ابتسمت قائلة في حنان"
- صباح الخير يا حبيبي!

"ثم اتبعت قائلة وهي تنزل من الفراش"
- ثواني والفطار يكون جاهز

"أمسك بيدها قائلاً"
- ماتقوميش، أنا هحضره بنفسي

"نظرت إليه في تعجب فقال بابتسامة مشرقة"
- أي حاجة أنا اللي هعملها النهاردة

"ثم تركها ليخرج من الغرفة لإعداد الفطور لأول مرة منذ أن عرفته، أو في حياته من الأساس. لم يمر الكثير حتى وجدته قد عاد وهو يحمل صينية كبيرة، تقدم ناحيتها ثم وضعها إلى جوارها وجلس أمامها وأخذ قطعة من الخبز ثم قربها ناحية فمها ممازحاً إياها بقوله"
- هم يا جمل!

"ابتسمت منه ثم فتحت فمها لتلتقط القطعة منه، قال"
- دي أول مرة أحضر فيها الفطار في حياتي. حلو؟

"اومأت بابتسامة ثم قالت"
- طالما أنت عملته يبقى حلو

"قال في حماس"
- أنا حاسس إني عاوز اتعلم الطبخ

"ضحكت منه ضحكة خفيفة ثم قالت"
- هعلمك

"ثم اتبعت"
- بس اشمعنا؟

"قال بابتسامة سعيدة"
- حاسس إني عايز أعمل حاجات كتير يا نانسي! أنا حاسس إني مبسوط بجد

"ابتسمت في سعادة لسعادته، كانت تعلم جيداً سر سعادته دون حتى أن يخبرها، قالت"
- ماحكيتليش عن الحفلة، كانت حلوة؟

"اومأ بابتسامة راحة قلما تظهر على وجهه قائلاً"
- كان يوم حلو

"نظرت إليه للحظات قبل أن تقول"
- قلتلها إنك بتحبها؟

"اختفت الابتسامة من وجهه، لم يشأ أن يروي لها أي شيء مما حدث حتى لا يزعجها، منذ أن كانت على وشك أن تفقد طفلهما وهو حريص أشد الحرص على سلامتها وراحتها النفسية، ولكنه كان يعلم أنها ستفهم كل شيء دون حتى أن يخبرها، هكذا كانت وهكذا ستظل دوماً.
لم يجد بداً من أن يومأ برأسه إيجاباً في هدوء، ابتسمت له دون رد فاتبع"
- أنا مش عاوز اتكلم عن أي حاجة غيري أنا وأنتِ بس

"ثم أمسك يدها وقبَّلها قائلاً بابتسامة"
- ماينفعش أفكر في أي حاجة ونانسي موجودة

"ابتسمت ثانية ثم مدت يدها لتضعها على جانب وجهه وتقول في هدوء دون أن تختفي ابتسامتها"
- أنت مش بتفكر غير فيها يا رامز!

"لكم يشعر بالذنب ناحيتها الآن! لقد كره الشعور بالظلم والوحدة طوال عمره وها هو الآن يجعلها تعيشه حتى في وجوده، والذي يقتله أنها راضية، تمنحه كل الحب الذي يفوق ما يتمناه... تمنحه الحنان والعطف... تمنحه كل شيء دون انتظار أي شيء، قال"
- ليه عاوزة تفتحي موضوع يضايقك؟

"هزت رأسها نفياً قائلة في حنان"
- مافيش حاجة تفرحك تضايقني أبداً، أنت عندي أهم من أي حاجة حتى من نفسي

"رد في ألم"
- أنتِ كده بتعذبيني

"قالت مستنكرة"
- أنا مارضاش أكون سبب في وجعك أبداً، أنا عاوزاك مبسوط وبس، مش مهم أي حاجة تانية

"ثم صمتت للحظات قبل أن تتبع"
- هتقولها عاللي بيننا؟

"هز رأسه في نفي سريعاً ليقول"
- لا، ندى مش هتعرف حاجة

"نظرت إليه ثم قالت"
- طيب وابننا؟

"صمت وكأنه لم يخطر بباله أمرٌ كهذا، اتبعت"
- هتخبيه هو كمان؟

"قال في حزم"
- ابني مش هيستخبى، ابني هيظهر ادام الناس كلها مهما حصل

"ثم عاد ليصمت قليلاً قبل أن يتبع"
- أنا مافكرتش كتير في حكاية إني أقول لندى، ومش عاوز أفكر في أي حاجة دلوقتي، كل اللي أنا متأكد منه إني محتاجلك في حياتي زي ما أنا محتاج ندى بالظبط، ومش هتنازل عن أي واحدة فيكم مهما حصل

"ردت في هدوء يشوبه الألم"
- ماينفعش تاخد كل حاجة يا رامز!

"ثم اتبعت محاولة إظهار بعض القوة"
- لازم هييجي يوم تختار، ولازم تختارها هي

"قال معانداً"
- مافيش حاجة تجبرني اختار أو اتنازل عن حاجة أنا مش عايز اتنازل عنها، فاهمة؟

"شعرت بخوفها عليه يزداد، لكم تخشى أن يكون عناده وتملُّكه سبباً في مزيد من الخسارة التي يهرب منها طوال الوقت! لكم تخشى عليه من الألم! أومأت برأسها دون كلمة فاتبع بابتسامة"
- أنا بفكر آخد اجازة من الشركة النهاردة وأقضي اليوم معاكي، موافقة؟

"لم تكن تريد ذلك، كانت تعلم أن حديثهما هذا أوصله إلى نقطة تخيفه ويريد الآن الهرب منها، ولكنها لم تستطع أن ترفض.
من ناحية، كانت تخشى أن يغضب إن واجهته، ومن ناحية أخرى، كانت تريد وجوده بشدة، كانت تشعر أن ما سيعيشانه الآن لن يستمر طويلاً، ولن يتكرر مجدداً، ولا بد أن تتهيأ لذلك جيداً وتأخذ كل ما يعينها على الصبر في الابتعاد، قالت"
- موافقة

"ابتسم في سعادة، ولكن جاء صوت هاتفه ليقطع عليه تلك اللحظة ليجد المتصل والدته، تعجب من اتصالها ثم خرج من الغرفة وقام من الرد"
- صباح الخير يا ماما!

"ابتسمت رقية قائلة"
- صباح النور يا رامز! أنا عطلتك؟ وراك حاجة؟

"نظر ناحية الغرفة في حسرة ثم قال"
- لا خالص، مافيش حاجة

"صمتت رقية للحظات ثم قالت"
- طب ممكن تجيلي؟

"قال متسائلاً"
- حصل حاجة؟

"قالت مستنكرة"
- لازم يكون حصل حاجة عشان تيجي يا رامز؟

"قال سريعاً"
- لا يا ماما مش قصدي، هاجي حالاً

"أغلق الخط في حنق لضياع الوقت الذي كان ينوي أن يقضيه هنا ثم عاد إلى الغرفة. قالت نانسي وقد لاحظت تغيُّر ملامحه"
- مالك؟ في حاجة حصلت؟

"قال متبرماً"
- ماما اتصلت بيَّ وعاوزاني اروحلها دلوقتي

"ابتسمت نانسي قائلة وكأنها لا تفهم سر انزعاجه"
- وزعلان ليه؟

"نظر لها في ضيق"
- يعني مش فاهمة؟

"ضحكت عالياً ثم قالت"
- ماتزعلش، أنا هستناك

"نظر لها ولم يستطع منع نفسه عن الابتسامة. ماذا لو لم يذهب إلى والدته الآن؟ ماذا لو ذهب إليها في المساء؟ في اليوم التالي؟ ماذا لو لم يذهب من الأساس وظل إلى جوار تلك الساحرة الحمراء؟
قرر التوقف عن تلك الأفكار والاستعداد للذهاب قبل أن ينفذ كل ما فكر به الآن وينسى كل شيء آخر."

…..

"ذهب رامز إلى والدته، وكعادتها استقبلته بحفاوة مقدمة له كل الأطعمة التي يفضلها، والتي لا يخلى منزلها منها أبداً حتى لو ذهب إليها كل يوم.
كانت تتحدث معه في أشياء مختلفة عن الحفل وعن غيره، ولكنه كان يعلم جيداً أن كل ما يحدث ليس سوى مقدمة لحديث آخر، وعندما انتهت من أحد أحاديثها ابتسم لها ابتسامة ذات مغزى قائلاً"
- هو إيه الموضوع يا ماما؟

"نظرت إليه متصنعة عدم الفهم قائلة"
- موضوع إيه يا رامز؟

"ازدادت ابتسامته وهو يقول"
- الموضوع اللي جبتيني النهاردة عشانه

"ظلت صامتة فاتبع"
- ماعتقدش إن حضرتك جبتيني النهاردة عشان ندردش بس

"أخذت نفساً عميقاً ثم قالت"
- أيوة

"أومأ لها برأسه لتكمل فاتبعت"
- ايه المشكلة اللي بينك وبين بابا؟

"هذه المرة، تصنع هو عدم الفهم قائلاً"
- مشكلة ايه؟

"نظرت إليه نظرة ذات مغزى ثم قالت"
- رامز! جاوب من غير لف ودوران

"ظل صامتاً فاتبعت"
- أنا أخدت بالي امبارح إنكم ماكنتوش بتتكلموا أبداً، ايه اللي حاصل؟

"نظر لها ثم قال"
- أيوة، في مشكلة... بابا طردني من الشركة من تلات شهور واعتبرني مش ابنه

"نظرت إليه في صدمة قائلة"
- أنت بتقول إيه يا رامز؟

"نظر لها ثم قال بابتسامة هازئة"
- اتبرا مني يعني، وافتخاره بيَّ أنا ورامـي كان مجرد شكل عشان الناس، غير كده هو مابيفتخرش غير بـ رامـي وبس

"لم تتغير ملامح الصدمة من على وجهها، قالت"
- ايه اللي بتقوله ده؟ ليه؟

"ظل صامتاً دون رد فقالت"
- ايه اللي حصل عشان يوصله لكده؟

"نظر لها ثم قال"
- لو قلت اللي حصل... هتفهميني ولا هتعملي زيه؟

"هزت رأسها في نفي سريعاً ثم قالت"
- مستحيل، أنا مستحيل أعمل كده، بس فهمني اللي حصل

"نظر لها دون رد قبل أن يقول"
- أنا متجوز

"نظرت إليه في صدمة أكبر فاتبع في ثقة"
- وكمان أربع شهور هبقى أب

"قالت في صدمة"
- اا... ازاي يا رامز؟

"أخذ نفساً عميقاً، من الواضح أن لحظة المواجهة قد جاءت مبكراً للغاية، قال وقد قرر أن يكشف الحقيقة كاملةً"
- من سنتين، اتعرفت على واحدة وكان في بيننا علاقة، وبعدين قالتلي إنها حامل، اتجوزنا في السر لأني ماكنتش شايف إن ضروري أي حد يعرف، بابا عرف وراحلها وهددها عشان تبعد عني، وأنا لما عرفت اللي حصل واجهته واتخانقنا وحصل اللي حصل.

"كانت تستمع إلى كلماته وهي بالكاد تستوعب ما يقوله، ما هذا الذي يخبرها به؟ علاقة؟ طفل؟ زواج سري؟ هل هذا هو ابنها حقاً؟ كيف يفعلها؟ ولماذا؟
كان رامز ينتظر منها رداً، وعندما لم تجب، قال في ثقة"
- أنا عارف إن حضرتك مش قادرة تستوعبي اللي بقوله، وعارف إن يمكن تكوني مصدومة فيَّ كمان، بس أنا مش ندمان

"نظرت إليه في دهشة فاتبع بابتسامة غامضة"
- يمكن دي الحاجة الوحيدة اللي مش ندمان عليها، أنا فعلاً مبسوط إني اخترت حاجة بإرادتي وقدرت أحافظ عليها وماخسرهاش، وقدرت أقف قصاده وأرفض تحكم جديد من تحكماته بعد ما كنت مابعملش أي حاجة غير إني أوافق وبس، وفي الآخر ماوصلتش لأي حاجة

"قالت محاولة الحديث"
- ليه يا رامز؟ ليه كده؟

"ابتسم قائلاً"
- لأن ماحدش كان شايفني، ماحدش فكر فيَّ قبل ما يفكر في نفسه، كل واحد أخد القرارات اللي تريحه وبس، وأنا دايماً كنت في الآخر

"دمعت عيناها قليلاً فاتبع وقد شعر بأنه لا توجد أي فرصة أخرى يخبرها فيها عما بداخله لسنوات"
- حضرتك مشيتي زمان وسبتيني مع إنك كنتي عارفة إني محتاجلك، مش هتفرق الكلام اللي كان بيقوله صح ولا غلط، الحقيقة إنك سبتيني ومشيتي وأنتِ عارفة إن دي كانت أكتر حاجة مخوفاني

"قالت وقد هربت دمعة من عينيها"
- أنا مشيت عشانكم، وصدقني كنت هاخدك، أنا فعلاً حاولت وماقدرتش، صدقني

"اومأ برأسه مبتسماً وهو يقول"
- عارف، وأنا مش بلومك، طول السنين دي وأنا عارف إنك أخدتي القرار الصح، ماكنتيش مجبرة تفضلي

"ثم اتبع"
- بس كل ده ماغيرش حاجة من اللي حسيته وأنتِ بعيد، الحقيقة إني كنت لوحدي، حتى رامـي... طول السنين دي وأنا بعتبره عيلتي بجد بس هو كمان كان بيعاني زيي بالظبط، ماكانش بيسمح لحد يقرب، كان رافض الكل... حتى أنا

"ثم اتبع بابتسامة هازئة لم تخلُ من المرارة"
- وبابا عمره ما شاف إلا نفسه وبس، عمره ما شاف نفسه غلط، عمره ما فكر في اللي عمله، كل تفكيره لشغله ولوقته اللي كان بيشغله بجوازاته، ولما بيفتكر إن عنده ولاد ماكانش بييجي في باله غير رامـي، لكن أنا كنت مدير شاطر في شركته وبس، ماكانش بيلتفت غير لما أعمل مصيبة من وجهة نظره عشان ييجي ويخليني أنا اللي افتكر إني ابنه، لكن هو عمره ما افتكر.

"كانت تستمع إليه والدموع تنهمر على وجنتيها في ألم وصدمة ليتبع هو غير ملتفتاً لأي شيء وقد ظهرت على وجهه ابتسامة حنونة"
- نانسي ظهرت في وقت أنا كنت محتاج فيه أحس إني مهم لأي حد، إن في حد بيستناني... عاوزني... بيفكر فيَّ أنا لوحدي واهتمامه كله ليَّ أنا بس، قدمتلي كل حاجة كنت محتاجها، قدمتلي الراحة والحنية اللي بتمناها

"ثم اتبع في قوة"
- اسيبها ليه وعشان ايه؟ لمجرد إن واحد عمره ما فكر فيَّ طلب مني ده عشان خاطر اسمه هو؟ مش هيحصل، أنا عمري ما هرجع زي الأول، عمري ما هوافق على حاجة أنا مش عاوزها، أنا مابقيتش محتاجله

"دموعها تزداد وشعورها بالصدمة يتفاقم، هل هذه هي حصيلة خمسة وعشرين عاماً من الفراق؟ هل تلك هي الرعاية التي أخبرها أنه قد قدمها لهما؟
ما تراه الآن ليس نتيجة رعاية بل نتيجة تدمير استمر لسنوات دون وعي، هل أعماه غروره عن ابنه لهذه الدرجة؟ لماذا؟ أم أنها هي الأخرى مذنبة؟ هل لو ظلت إلى جواره لاستطاعت إنقاذه؟ ولكن ما الذي سيفعله شعورها بالذنب الآن؟ لا شيء... ولا أي شيء.
وجدت نفسها تقول في هدوء"
- وندى؟

"نظر لها دون رد فاتبعت"
- بما إن مافيش أي حاجة فارقة معاك، أكيد ندى عالأقل مهمة بالنسبة لك، هتعمل معاها إيه؟

"قال دون تردد"
- أنا بحبها، هي الإنسانة اللي حبيتها فعلاً واللي ناوي أكمل معاها حياتي، وبرضو مش هسيبها مهما حصل

"ردت قائلة"
- مافيش واحدة تقبل بالوضع ده

"قال في عناد وكأنما يجيب نفسه"
- أنا هعرف ازاي أشرحلها الوضع، هي هتفهمني وهتقبل عشان بتحبني

"ابتسمت في ألم قائلة"
- كنت أنا استمريت مع سليم بعد خيانته ليَّ

"نظر لها دون رد فاتبعت"
- لكن أنت بتتكلم في زوجة تانية وطفل، عارف يعني إيه؟ أنت كده بتظلم الكل

"قال في عناده"
- مافيش حد هيتظلم، ابني هيظهر وهعترف به أدام الكل، ونانسي عارفة إني بحب ندى ومش هسيبها، وهي موافقة عشان مايهمهاش حاجة غير سعادتي، وندى هتوافق لما تعرف إني مابحبش واحدة غيرها، وإن اللي بيني وبين نانسي ده مش حب

"ثم صمت قبل أن يقول بصوت خافت"
- عالأقل بالنسبالي

"ثم عاد ليقول في قوة"
- أنا هعمل كل حاجة عشان أحافظ عليهم، ومش هظلم حد

"ابتسمت رقية في ألم لما ترى الآن، لو كانت ترى سليم في رامـي الذي هو نسخة منه في شكله وطريقته وصفاته التي عشقتها ولم تحبها فقط، فهي الآن تراه في رامز بكل ضياعه بين ما يحتاج وما يريد، تراه بكل تملكه وغروره.
قالت في ألم لم تستطع أن تخفيه"
- خايفة تغلط غلطته

"ظل صامتاً فاتبعت بعينين دامعتين"
- اديك شايف النتيجة اللي وصلنالها كلنا، كله اتظلم... حتى هو

"أصابته جملتها بالألم وبالغضب في آن واحد، هو أبداً لم يشبهه ولن يفعل، سيفعل المستحيل كي لا يكرر فعلته، لن يسمح لطفله أن يذوق الوحدة التي ذاقها، ولن يجعل ندى تمر بما مرت به والدته، وسيعوض نانسي عن كل الحب الذي لم يستطع تقديمه.
هو سيسيطر على كل شيء، سيسير كل شيء كما يريد تماماً، وسيرضي الجميع... حتماً سيفعل."

.....

"في صباح أول يوم في بداية الأسبوع، ذهب رامـز إلى الشركة وهو يشعر بأنه يود رؤيتها، يود أن يؤكد على الشعور الذي عاشه معها في آخر مرة، يريد أن يثبت لنفسه أنها له وستظل هكذا.
توجه ناحية الطابق الذي يوجد فيه مكتبها وتوقف عند أحد الحوائط الجانبية وانتظرها حتى تخرج، وبالفعل رآها وهي تخرج من مكتبها، وعندما مرت من جانبه، صرخ فجأة"
- ندى!!!

"وضعت يدها على وجهها وقد شعرت أن قلبها قد توقف بالفعل، لقد كانت تتوقع المزيد من تلك الأفعال في الفترة القادمة، فبعد أن اعترف أخيراً بحبه لها واستشعر المثل منها فسوف لن يتوقف عن مشاكستها بالكثير والكثير من أفعاله المجنونة التي لم ترَ منها أي شيء بعد.

وعلى الرغم من صدمتها التي شعرت بأنها قد شلت أطرافها للتو إلا أنها كانت سعيدة حتى ولو لم ترفع يديها عن وجهها لتراه حتى الآن.
ولكن عندما لم تسمع أي صوت، حاولت رفع يديها فلم تجده، أين ذهب؟ هل رحل؟ التفتت لتجده خلفها فخرجت منها صرخة صغيرة، ضحك قائلاً"
- مش معقول كده! أنتِ قلبك خفيف جداً

"نظرت إليه حتى وجدت نفسها تضحك قائلة في تعب"
- هو بقى فيه قلب؟! خلاص وقف

"اقترب برأسه منها حتى أصبح مقابلاً لها وهمس قائلاً"
- سلامة قلبك يا ندى!

"ابتعدت عنه خطوة ثم قالت مشيرة له بسبابتها"
- وبعدين بقى؟

"ابتسم في مكر قائلاً"
- طيب نخرج؟

"هزت رأسها في نفي بابتسامة ماكرة هي الأخرى ثم قالت"
- بعد ما الشغل يخلص

"ضم حاجبيه في تعجب ثم قال"
- من امتى الكلام ده؟

"ضحكت في دلال قائلة"
- من دلوقتي

"ثم ابتعدت عنه سريعاً مكملة طريقها إلى وجهتها بينما كان هو يفكر... لقد بدأت اللعب بطريقة أخرى إذن، لا بأس... هو لا يمل الألعاب بل يعشقها."

.....

"ذهب رامـي إلى الشركة وقد قضى ليلته إلى جوار ورد يحاول أن يبثه الكثير مما يشعر به من خلال لمساته على شعره الكثيف.
كان يعلم أن لا أحد يستطيع أن يفهم اضطراب مشاعره التي لا يستطيع هو نفسه فهمها سوى ورد فقط، لذا لم يحاول أن يتواصل مع نسمة ليخبرها بما حدث، كان يشعر بأن ما عاشه في تلك الليلة لا يجب أن يُروى لأحد، سيظل ذكرى مميزة فحسب.
وعندما وصل إلى المصعد، وجد شمس تنتظر هي الأخرى، كانت تتجنب النظر إليه حتى أنها قد ترددت في المجيء اليوم حتى لا تواجهه الآن.
ظل إلى جوارها ينظر إليها ينتظر منها أن تلتفت إليه، وعندما لم تفعل، لوَّح بيده أمام وجهها فرفعت رأسها إليه فوجدت ابتسامته الرائعة تزين وجهه فارتبكت أكثر، أشار لها"
- صباح الخير يا شمس!

"حاولت أن تتماسك ثم أشارت بابتسامة"
- صباح النور!

"ساد الصمت بينهما للحظات قبل أن يصل المصعد فدخلاه معاً، توقف المصعد في الطابق الخاص بها أولاً فخرجت منه دون كلمة ثم عاد المصعد لينغلق ويصعد إلى الطابق الخاص به هو.
وعندما وصل هناك وتوجه ناحية مكتبه، مر إلى جانب مكتب نهال، التي كانت شاردة بعمق ولم تنتبه له، نظر لها متعجباً... ما الذي دهاهن اليوم؟
طرق على المكتب طرقة خفيفة ففزعت من شرودها، ضم حاجبيه في استغراب مشيراً"
- في ايه يا نهال؟

"التقطت أنفاسها ثم قالت"
- ولا حاجة، أنا بس سرحت شوية

"ثم اتبعت بابتسامتها البشوشة"
- حالاً وقهوتك تكون جاهزة

"شعر بأنها ليست كالعادة، ولكنه لم يضف شيئاً ودخل إلى مكتبه ليتركها وقد عادت إلى شرودها.
عادت لليلة الحفل عند ذلك الرجل الغريب، والذي كان من بين الحضور في الحفل ثم وجدته يتقدم ناحيتها ليقول بابتسامة لبقة"
- مساء الخير!

"ابتسمت هي الأخرى قائلة"
- مساء النور!

"قال متسائلاً"
- آنسة نهال برضو، مش كده؟

"اومأت له برأسها فاتبع"
- الكل بيتكلم عن جمال تنظيم الحفلة، أنا كمان عجبني، ولما عرفت إن حضرتك اللي منظماه حبيت آجي أعبرلك عن إعجابي

"ابتسمت نهال قائلة"
- شكراً لذوق حضرتك

"ابتسم قائلاً"
- نادر... نادر رؤوف

"شعرت بأنها قد سمعت هذا الاسم مسبقاً، ولكنها لا تذكر أين، اومأت برأسها قائلة بابتسامة"
- فرصة سعيدة

"قال متسائلاً"
- حضرتك بتشتغلي مع رامـي بقالك قد ايه؟ أنا أول مرة أشوفك

"قالت بدورها"
- بقالي سبع سنين تقريباً

"ضحك ضحكة خفيفة ثم قال"
- واضح إن بقالي كتير ماجيتش مصر فعلاً

"نظرت إليه متسائلة فاتبع مفسراً"
- أنا رجل أعمال وعايش برة مصر وكل شغلي هنا بخلصه من لندن، وكان في بيني وبين شركة الراوي أكتر من تعامل، وقابلت رامـي قبل كده لكن ماشفتكيش معاه أبداً

"ثم اتبع بابتسامة غامضة"
- بس الفترة دي أنا مقيم في مصر وهيبقى في بيني وبين رامـي شغل، يعني اعتقد هنتقابل كتير الفترة الجاية

"لم تفهم قصده ولكنها ابتسمت ابتسامة مجاملة ليقول هو بتهذيب قبل أن يرحل"
- فرصة سعيدة يا آنسة نهال! عن إذنك

"لم تفهم حتى الآن لماذا أتى للحديث معها، إن كان السبب هو مدح تنظيم الحفل فلماذا لم يتحدث مع رامـي ويخبره بذلك باعتباره يعرفه على عكسها هي التي لم تره من قبل؟
ورغم غرابة ذلك الحديث إلا أنها لم تستطع منع نفسها عن التعجب... كيف لرجل مثله وسيم الهيئة أنيق المظهر مرموق المكانة ألا يكون متزوجاً إلى الآن؟ إنها حتى لم تلاحظ وجود أي امرأة معه طوال الحفل، نهرت نفسها لتلك الفكرة، فلماذا تهتم؟ وما الذي يجعلها تفكر في رجلٍ لم تحدثه سوى لبضعة دقائق قليلة؟
عادت من شرودها عندما وجدت رامـي يفتح الباب فجأة وهو ينظر لها في استنكار حتى أشار ساخراً"
- أسيبك ساعتين يا نهال عشان تفوقي وتيجي للشغل؟

"أخذت تؤنب نفسها ثم قامت من مكانها وهي تشير له في أسف"
- أنا آسفة! حالاً هجهز كل حاجة

"مر بعض الوقت، كانت نهال قد قامت بالفعل بإعداد القهوة التي أدخلتها إلى رامـي فوراً ريثما تقوم بتحضير بقية الأمور الخاصة بجدول اليوم والتي ما إن رأتها حتى صُعِقت...
إن اليوم ميعاد لمقابلة نادر رؤوف، كيف نسيت؟ لقد أخبرها رامـي بالفعل عن تلك المقابلة وقامت بتسجيلها فكيف تنسى بتلك السرعة؟
حاولت أن تعود إلى طبيعتها وتتخلى عن شرودها وارتباكها هذا وتدخل إلى مكتب رامـي وتسلِّمه بعض الأوراق، وعندما انتهى من توقيعها وأعطاها إياها مرة أخرى، نظر لها ثم أشار"
- في مشكلة يا نهال؟

"أشارت في تعجب"
- لا خالص، هيكون في ايه؟!

"أشار متسائلاً"
- مش عارف، عشان كده بسألك، في حاجة حصلت في الحفلة؟

"هزت رأسها نفياً ثم أشارت بابتسامة"
- أبداً يا رامـي! كل حاجة تمام

"تنهد مشيراً"
- اتمنى

"ثم اتبع"
- تقدري تتفضلي!

"خرجت من المكتب ولم تمر عدة دقائق حتى وجدته يقترب ناحيتها بابتسامته المُربِكة تلك والتي لم تدرِ لماذا أشعرتها بأنه سعيداً لرؤيتها مجدداً.
توقفت مكانها ثم استقبلته بابتسامة بشوشة، وعندما وصل عندها، ابتسم قائلاً"
- صباح الخير يا آنسة نهال!

"حاولت السيطرة على ارتباكها محافظة على ابتسامتها ثم قالت"
- صباح النور يا نادر بيه!

"ثم اتبعت فوراً بطريقة عملية قبل أن يحاول الدخول في حديث آخر"
- حالاً هبلغ رامـي بيه بوصول حضرتك

"ثم دخلت إلى مكتبه فوراً وخرجت بعد لحظات قائلة بابتسامة خفيفة"
- اتفضل حضرتك!

"و بعد عدة دقائق، دخلت إليهما لتقدم فنجان القهوة إليه وازداد ارتباكها عندما رمقها بنظرة مبتسمة سرعان ما اختفت.
وضعت الفنجان على الطاولة أمامه ثم جلست على الكرسي المقابل له كالعادة عندما يكون هناك اجتماع أو مقابلة ما للترجمة بين رامـي وضيفه.
كانت تقوم بعملها وهي تتمنى لو تنتهي هذه المقابلة بسرعة، ولكن للأسف كان الوقت أبطأ من أن يمر بتلك السهولة، كانت تحاول التركيز فيما تقوم به وتتفادى نظرته الغريبة التي لم تكن تفهمها أبداً.
استمر الحال هكذا قرابة الساعة حتى انتهت المقابلة ورحل ذلك الرجل بعد أن ودَّع رامـي وودعها أيضاً، وخرجت هي الأخرى من المكتب وهي تتمنى في داخلها ألا يقوم رامـي باستدعائها ثانية فلقد اكتفت اليوم، ولو استطاعت أن تأخذ إجازة لبقية اليوم لتختبئ في منزلها لفعلت."

.....

"وعندما عادت شمس من العمل، تناولت الغداء مع والدتها، التي ذهبت إلى النوم بعد ذلك وتركتها في مرسمها.
كانت تجلس أمام لوحتها الجديدة والتي أنهت معظمها تقريباً، كانت لتلك الليلة ولا تدري كيف أنهت معظمها بتلك السرعة، إنها تنسى نفسها في هذا المرسم.
لم يقطع تركيزها سوى صوت جرس الباب، تركت اللوحة ثم خرجت من المرسم بعد أن أغلقت الباب خلفها.
وعندما فتحت باب المنزل ووجدت كمال أمامها، كانت على وشك أن تزفر في حنق ولكنها تمالكت نفسها ليقول هو بعد أن استند إلى إطار الباب"
- ازيك يا شمس؟

"قالت في فتور"
- أهلاً يا كمال! عامل إيه؟

"قال بابتسامة ماكرة"
- مش هكدب عليكي، أنا مش كويس خالص

"نظرت إليه دون رد فاتبع"
- هو أنتِ مش هتقوليلي اتفضل ولا ايه؟

"قالت في رفض قاطع"
- ماما نايمة

"رد متفهماً"
- معاكي حق! ماينفعش ادخل وماما نايمة طبعاً، مايصحش!

"قالت شمس في قوة"
- عاوز ايه يا كمال؟ جيت ليه؟

"قال مباشرة"
- جاي عشان أعرف ردك

"قالت دون فهم"
- ردي على ايه؟

"قال في وضوح"
- على جوازك مني

"نظرت إليه قبل أن تقول في حسم"
- لا، قلتلك قبل كده إن مهما حصل أنا مش هتجوزك

"ابتسم في مكر قائلاً"
- في حد تاني ولا ايه؟

"قالت في قوة"
- شيء مايخصكش، أنت...

"قاطعها بنبرة أكثر قوة قائلاً"
- أنا شفتك معاه في العربية ليلتها يا شمس!

"نظرت إليه في صدمة مما قال للتو، شعرت بأن لسانها قد انعقد فجأة، كان ينظر لها وابتسامة ماكرة تملأ وجهه حتى قال"
- تفسري اللي شفته ليلتها بإيه بقى؟

"ثم ضحك ضحكة خبيثة قائلاً في وقاحة"
- قال وأنا اللي افتكرته مدير شغلك بس، ده واضح إنه الصبح مدير وبالليل...

"قطعت جملته بصفعتها التي هوت على وجهه فجأة، نظر لها في صدمة فقالت في قوة وثقة"
- لا أنت ولا غيرك يقدر يتكلم عني نص كلمة، ولو شفتك هنا تاني أنا هعرف ازاي أوقفك عند حدك

"التمعت عيناه بالشر ثم قال في هدوء شرس"
- أوعدك إنك هتندمي عالألم ده، وافتكري إن أنتِ اللي بدأتي

"أغلقت الباب أمام وجهه بعنف ثم استندت إلى ظهر الباب وشعرت بأنها على وشك الاختناق حتى وجدت والدتها قد استيقظت وخرجت إليها قائلة في قلق"
- في ايه يا شمس؟ ايه الصوت ده؟

"نظرت إليها شمس ولم تدرِ ماذا تقول، قالت محاولة الاحتفاظ بثباتها لتصدقها"
- مافيش حاجة يا ماما! ولاد الجيران كانوا بيلعبوا بس فأنا اتعصبت من الصوت العالي

"قالت والدتها مستنكرة"
- مالكيش حق، يقولوا علينا ايه؟

"ابتسمت شمس قائلة"
- لما اشوفهم بكرة تاني هجيبلهم حاجة حلوة واصالحهم

"ثم اتبعت"
- أنا داخلة المرسم تاني

"ثم توجهت إلى المرسم ثانيةً وأغلقت الباب خلفها ثم جلست إلى أحد الحوائط بعد أن قامت بتشغيل أغنيتها الأثيرة ورفعت الصوت قليلاً ليغطي على صوت بكائها ودموعها التي انهمرت فوراً شاعرة بالضيق والخوف الذي انتابها فجأة لما حدث للتو.
ما الذي ينتظرها مجدداً مع ذلك الوغد؟ وما الذي ستفعله؟"
.....

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-05-22, 10:27 PM   #19

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل الثالث عشر


"عندما انتهى يوم العمل في الشركة، جمعت ندى أغراضها لترحل، وعندما فتحت باب المكتب لتخرج منه، وجدته أمامها بابتسامته الرائعة ليقول هو بمرح"
- خلصتي شغلك يا باشمهندسة؟

"اومأت برأسها ثم قالت بابتسامة هي الأخرى"
- خلصت شغل

"أمسك بيدها ثم ابتسم لها قائلاً"
- يبقى وقتي بدأ

"قالت محاولة إكمال لعبتها معه"
- أيوة بس...

"قاطعها عندما أمسك ذقنها بأصابعه ليرفع وجهها إليه وهو يقول في رقة مسيطرة"
- مش معنى إني سمعت كلامك واستنيت شغلك لما يخلص إن ده هيبقى النظام بيننا، لسة أنا اللي بحدد وقت شغلك ووقت استراحتك، ولا نسيتي يا باشمهندسة؟

"لم ترد بالكلمات بل كانت ابتسامتها الهائمة التي عادت إليها كانت أفضل رد على كلماته فقال بعد أن عاد ليمسك يدها"
- تعالي! عندنا مشوار مهم

"وفي الطريق، لاحظت ندى أنهما يبتعدان عن المدينة فالتفتت إليه قائلة"
- احنا رايحين فين يا رامز؟

"التفت إليها ثم قال بابتسامة"
- هعرفك على صاحبي

"ضمت حاجبيها في استغراب قائلة"
- صاحبك؟

"اومأ برأسه إيجاباً فاتبعت"
- بس أنا ولا مرة شفت معاك أي أصحاب خالص

"ضحك قائلاً"
- عشان ماينفعش أجيبه الشركة معايا

"ثم نظر لها قائلاً بمكر"
- ولا أنتِ كنتي بتراقبيني برة الشركة؟

"ضحكت ضحكة خفيفة ثم قالت"
- واسمه إيه صاحبك؟

"قال في هدوء"
- أسير

"نظرت إليه متعجبة ثم قالت"
- اسمه غريب

"ولكنها ابتسمت وهي تتبع"
- بس حلو

"وصلا سوياً إلى حيث المزرعة الخاصة بعائلته ولم يكن رامـي قد وصل بعد، دخلت ندى مع رامز وهي تتلفت حولها في انبهار بمدى اتساع وجمال هذه المزرعة، نظر لها رامز قائلاً"
- عجبك المكان؟

"نظرت إليه وقالت في انبهار"
- يجنن، حلو اوي

"ابتسم لها قائلاً"
- المزرعة دي كلها خاصة بالعيلة

"ثم اتبع وهو يشير ناحية البيت الكبير هناك"
- والبيت ده اللي بنقعد فيه لما بنيجي هنا، زمان كنا بنيجي هنا آخر كل أسبوع

"نظرت إليه ثم قالت"
- ودلوقتي؟

"تنهد قائلاً"
- مابقيناش نيجي زي زمان، مافيش غير رامـي اللي عايش هنا بس

"شعرت بالحزن الذي ملأ نظراته قبل أن يلتفت لها بابتسامة تحبها قائلاً"
- تعالي أعرفك على صاحبي

"ثم أخذها ناحية الإسطبلات حيث يوجد فرس كبير باللون البني اللامع ذو شعر كثيف، انبهرت ندى بشكله للغاية، وتعجبت لرؤية عينيه التي كانت مكتسية بنظرة حزينة علمت سببها عندما اقترب رامز ناحيته ومسح بيده فوق رأسه ليبتعد عنه الفرس موجهاً رأسه في الناحية الأخرى ليفهم رامز أنه غاضب منه.
ابتسم له ثم همس جوار أذنه قائلاً"
- أنا آسف، عارف إني اتأخرت عليك بعد آخر مرة زُرتك فيها، مش هكررها تاني

"ثم اتبع بابتسامة أخرى وهو يمسح بيده على شعره الكثيف وقد عاد الفرس ليستجيب له بعد أن كان يبتعد وكأنه بذلك يخبره بأنه لم يعد غاضباً"
- في ضيفة مهمة عايز أعرفك عليها... ندى

"ثم التفت إلى ندى قائلاً"
- تعالي سلمي على صاحبي

"اقتربت ندى ناحيته في هدوء متوجس قليلاً، فهي لم تتعامل مع فرس من قبل، قالت"
- ده أسير؟

"ابتسم قائلاً وهو يمسك بيدها ليضعها فوق شعر الفرس الكثيف"
- أيوة

"تركت يدها بين يده التي أخذت تسير بها فوق رأس الفرس، ولكنها لم تستطع إخفاء شعورها بالخوف من أن يقوم الفرس بحركة مفاجئة، ابتسم رامز في غموض قائلاً"
- ماتخافيش يا ندى! أسير مابيأذيش حتى لو بان عكس كده

"نظرت إليه دون رد، ولم تنتبه لأنه قد رفع يده عن يدها ليتركها تسير بين شعر الفرس دون أن تدري، وعندما انتبهت لذلك، لاحظت أن الفرس هادئاً بالفعل بل على العكس بدى سعيداً بحركتها.
ابتسمت له ولم تعد تخشى الاقتراب منه أبداً ثم التفتت إلى رامز الذي كان يتأملهما في صمت وقالت بابتسامة"
- حبيته

"ضحك ضحكة خفيفة ثم أشار لها قائلاً"
- خلي بالك! أنا كده هغير من أسير وهغير عليه في نفس الوقت

"ضحكت قائلة"
- ازاي بقى؟

"اتبع بابتسامة واثقة"
- ماينفعش أسير يحب حد غيري، وماينفعش ندى تحب حد غيري كمان

"ابتسمت له فقال"
- تحبي أسير ياخدنا فسحة في المزرعة؟

"ضحكت ضحكة خفيفة وهي تقول"
- زي الأفلام؟

"قال بابتسامة عابثة"
- أنا هعيشك حياة أحلى من الأفلام بكتير

"ابتسمت له في سعادة فهتف منادياً السائس الذي أتى قائلاً"
- أوامرك يا رامز بيه!

"قال رامز وهو يمسح بيده على شعر أسير"
- جهز أسير وخرجه

"وأثناء ما كان الفرس يتجول بهما في أنحاء المزرعة الواسعة التي كانت ندى تتأملها في إعجاب كبير وهما من فوقه، همس رامز جوار أذنها قائلاً"
- مبسوطة؟!

"اومأت إيجاباً بابتسامة ثم قالت"
- بس عاوزة أسألك سؤال

"اومأ لها برأسه فاتبعت"
- أنت ليه سميته أسير؟

"ضحك في هدوء قائلاً"
- عشان بحبه، اعتقد إن لو كان ينفع اختار اسمي لما أكبر كنت هختار أسير

"سألت في تردد"
- أسير لإيه؟

"عاد ليضحك قائلاً"
- للتوهان

"التفتت إليه خلفها وهي تهمس قائلة"
- لسة تايه؟

"ثم اتبعت في حزن"
- كنت فاكراك وصلت

"ابتسم قائلاً"
- أنا فعلاً وصلت... وصلتلك يا ندى!

"ولكنه اتبع في شرود"
- بس لسة ماوصلتش لنفسي، خايف ماقدرش أوصلها

"رفعت يدها لتضعها على جانب وجهه وقالت وهي تنظر في عينيه التي تعشقها لأول مرة عن قرب"
- ماتخافش، هنوصلك سوى

"نظر في عينيها وهو يفكر في كل الأحاديث التي دارت خلال اليومين الماضيين، كل ما قالتاه نانسي ووالدته عن اليوم الذي سيختار فيه، اليوم الذي ستعرف فيه ندى كل شيء وتبتعد.
تفجرت بداخله عدة تساؤلات أهمها كان... هل تحبه حقاً؟ هل ستبتعد عنه مثلما قالت والدته؟ وجد نفسه يقول"
- أنتِ ولا مرة قلتيلي إنك بتحبيني لغاية دلوقتي

"نظرت إليه في تعجب فاتبع وهو يسألها"
- بتحبيني؟

"لمح الضيق في عينيها عندما قالت"
- نزلني

"ضم حاجبيه في تعجب فاتبعت بإصرار"
- نزلني يا رامز!

"نزل من فوق الفرس وأمسك بها لينزلها هي الأخرى، توقفت أمامه ثم قالت في ضيق"
- بعد كل ده بتسأل؟ ماخدتش بالك كل الفترة اللي فاتت دي؟ ماخدتش بالك أنا ليه كنت بوافقك على كل حاجة بتعملها؟ ليه كنت بسيب شغلي وأروح معاك في أي مكان تختاره؟ ليه بقيت تايهة معاك في سكة ماعرفش آخرها إيه؟ ليه كان بيبقى نفسي في كل مرة أشوفك فيها أصرخ فيك وأقولك أنت عايز مني إيه وليه مصمم تتوهني وتجنني بالطريقة دي؟ ليه بحس إني عاوزة أقتلك لما تتكلم عن البنات ومشاكلهم زي الخبير المتخصص؟ ليه خفت إني ماشوفكش تاني لما لقيتك سايب الشركة وماشي؟ وليه فرحت لما عرفت إنك هتنقلني معاك وإنك عاوزني ادامك؟ ليه لغاية دلوقتي مش طايقة لميس سكرتيرتك؟ ليه ليلة الحفلة كنت حاسة إني أسعد واحدة في الدنيا؟

"ثم اتبعت بعينين دامعتين"
- بعد كل ده بتسألني أنا بحبك ولا لا؟

"أمسك بذراعيها جاذباً إياها إلى صدره بقوة، كان على حق، هي تحبه كثيراً، ولن تتركه، لن تفعل مثلما فعل الجميع ولن تتخلى عنه، كان يعلم جيداً.
أما هي... فقد شعرت بالراحة عندما قالت كل ذلك، منذ مدة وهي تود لو تصرخ فيه بكل ما بداخلها ليشعر، والآن قد تغير كل شيء وها هو الآن يحيطها بذراعيه بل بحبه كله، قالت لتختم كل ما سبق"
- أنا بحبك يا رامز! بحبك أوي

"ثم رفعت رأسها إليه لتجد في عينيه لمعة لم ترها من قبل، وكأن هنالك دموعاً تريد الخروج ولكنه يمنعها، قال في هدوء"
- اوعديني إنك مش هتسيبيني مهما حصل

"ابتسمت في هدوء قبل أن تهز رأسها في نفي قائلة"
- مش هوعدك

"شعر بخيبة أمل شديدة قبل أن تنقذه هي بقولها"
- أنا عارفة إني مش هقدر أبعد عنك مهما حصل، أنا محتاجة أكون جنبك، يعني مش هعرف أبعد

"نظر لها للحظات ثم عاد ليضمها إليه ثانية وقد شعر بأن قلبه قد عاد ليطمئن مجدداً، لن تبتعد، ستبقى، وسيمنحها من الحب ما يرغمها على البقاء حتى لو أرادت الرحيل."

.....

"أما سالي، فقد كانت تشتعل غضباً منذ ليلة الحفل ولا تقوى على النطق بشيء، من الأساس هي لا تجده حتى تتحدث إليه، إنها تستيقظ في الصباح لتجده قد رحل، وكالعادة لا تدري إلى أين، وفي المساء يعود ليختفي في مكتبه ولا يخرج منه إلا حين تكون هي قد نامت.
منذ أن عادت زوجته الأولى تلك وهو قد تغيَّر كثيراً، هل يحن إلى أيامه معها أم ماذا؟ ولماذا هي لا تقوى على الاعتراض؟ لماذا عليها أن تصبر على أفعاله؟ هي زوجته ويحق لها الاعتراض والدفاع عن حقها، كفاها خضوعاً لأوامره وقسوته.
عند تلك الفكرة جاءتها شجاعة كافية لأن تخرج من غرفتها وتتوجه إلى مكتبه فوراً لتفتح الباب فجأة دون إذن وتتحدث في قوة وعصبية قائلة كل ما تريد دفعة واحدة"
- أنا زهقت يا سليم! لحد امتى الطريقة دي؟ من ساعة الحفلة ومن ساعة ما شفت رقية وأنت زي ما تكون مش طايقني خالص، أنا مابقيتش أشوفك ولا قادرة اتكلم معاك خالص، أساساً أنا مش قادرة أفهم ايه اللي أنت عملته يومها ده، ازاي تسيبني واحنا بنرقص وتروحلها لمجرد إن كان في واحد عايز يرقص معاها؟ يهمك في ايه؟ وازاي تسيب كل حاجة وتروح توصلها كده؟ وكمان مش من حقي اعترض ولا اسألك ليه كده، ليه بتعمل معايا كده يا سليم؟ مين فينا مراتك بالظبط أنا ولا هي؟


"كان ينظر لها بملامح لا توحي بأي تعبير وهو يستمع إليها حتى النهاية، كان هادئاً للغاية مما أثار رعبها فوراً. لطالما كان هدوئه أكثر رعباً بالنسبة لها من قسوته أو غضبه.
ساد الصمت بعد عاصفتها الهشة تلك للحظات حتى قطعه هو قائلاً بهدوء"
- خلصتي؟

"اتسعت عيناها في صدمة من سؤاله القصير، ولكنها لن تسمح له بأن يخيفها أكثر فقالت في قوة وعناد"
- أيوة، خلصت ومستنية ردك

"ظل ناظراً لها حتى ارتسمت ابتسامة ساحرة على وجهه وهو يشير لها قائلاً"
- تعالي!

"نظرت إليه في توجس ولم تتحرك من مكانها، ما الذي يريده تحديداً؟ وكان هو لديه من الصبر ما يكفي لكي ينتظرها دون أن تختفي ابتسامته الرائعة تلك.
لا تدري ما الذي أصابها تحديداً، ولكنها شعرت بأنه ربما يريد الاعتذار منها فارتسمت على وجهها ابتسامة هادئة وهي تقترب ناحيته، وعندما أصبحت أمامه، أمسك بيدها في رقة ثم قرَّبها منه لتجلس فوق ساقه، قال بصوت دافئ"
- معقول؟ أنا ماطيقش سالي؟! تيجي ازاي بس؟

"ابتسمت له ثم قالت معاتبة"
- طيب ليه بتعمل معايا كده يا سليم؟

"ابتسم لها وهو يلف عدة خصلات من شعرها حول إصبعه قبل أن يشدها فجأة بطريقة مؤلمة لتخرج منها صرخة صغيرة، قال وقد اختفت الابتسامة من ملامحه دون أن يفلت شعرها من بين أصابعه"
- كام مرة قلتلك قبل كده ماتدخليش هنا من غير إذن؟ وكام مرة قلتلك قبل كده إن صوتك مايترفعش عليا؟ وكام مرة قلتلك إن مش من حقك تحاسبيني على أي حاجة؟

"قالت في ألم من قبضته"
- أنا مراتك ولما أحس بإهانة لازم اتكلم

"قال بابتسامة هازئة"
- إهانة؟

"قالت في إصرار"
- أيوة، أنت بتعاملني كإنك جايبني من الشارع مش مراتك

"قال ساخراً"
- طب ما أنتِ فعلاً من الشارع، إيه الجديد؟

"نظرت إليه في صدمة من بين دموعها التي نزلت من شدة الألم فاتبع"
- مافيش أي واحدة كانت تستحق تبقى مراتي غير رقية

"ردت في وجع"
- واتجوزتني أنا ليه؟

"قال بابتسامته الهازئة"
- وقت يا سالي! شوية وقت وبس، ومتهيألي دلوقتي عرفتي إن وقتك خلص خلاص

"قالت محاولة التغلب على دموعها المنهمرة"
- طلقني!

"قال بمنتهى الهدوء بعد أن أفلت شعرها من بين أصابعه في قوة"
- أنتِ طالق!




*****


"في اليوم التالي، عاد السيد سليم إلى القصر وهو يشعر بشعورين متناقضين للغاية...
شعور بالراحة لأنه تخلص من وجود سالي الذي أصبح يفسد عليه جمال هذا القصر وجمال ذكرياته فيه.
كان أحياناً يشعر بالندم لأنه أسكنها هذا القصر تحديداً ولم يجلب لها شقة فخمة لتعيش فيها فحسب، ولكن ما يعينه على هذا الندم أنها لم تستطع محو أثر رقية من القصر.
نعم، رغم مرور كل تلك السنوات كان يراها في كل النساء، لم يجد من تملأ مكانها أو تملأ الفراغ الكامن بداخله إلى الآن.
والشعور الثاني هو شعور الوحدة، لقد أصبح الآن وحيداً بالفعل، لو أن الأحمقين كانا هنا الآن فقط، ولكنهما أحمقان. ماذا لو كانت هي التي هنا الآن فقط؟
كان جالساً في مكتبه ليقطع شروده صوت الطرقات الخفيفة على الباب"
- ادخل!

"وجد رقية تطل من الباب لتتسع عيناه للحظة في دهشة، لقد كان يفكر بها للتو ويتمنى لو كانت هنا الآن، وكأنها قفزت من أفكاره لتظهر أمامه، ولكنه عندما انتبه لملامحها الغاضبة، عاد إلى واقعه مجدداً.
قال بابتسامته الواثقة وقد قام من مكانه ليشير إلى أحد الكرسيين أمام مكتبه كي تجلس"
- أهلاً يا رقية! اتفضلي

"نظرت إليه في غضب ثم قالت"
- أنا مش جاية عشان أقعد، أنا جاية أقولك إني ندمانة

"نظر لها متسائلاً فاتبعت في ضيق"
- ندمانة إني حبيتك و ندمانة إني اتجوزتك وندمانة على كل لحظة عشتها بعيد عن ولادي وخليتهم يدفعوا التمن لوحدهم وأنا فاكرة إن ده الأحسن

"نظر لها حتى قال بابتسامة هازئة"
- وجاية تندمي دلوقتي؟

"نظرت إليه في وجع وهي تقول"
- عارفة إن خلاص مابقاش ينفع، عارفة إن اللي اتكسر من سنين مش هيتصلح دلوقتي، بس أنت مش قادر تفهم ده، أنت بتكسر زيادة والمشكلة إنك مش حاسس إنك غلط.

"قال ولم تختفِ ابتسامته"
- واضح إن رامز حكالك، وواضح إنه طلعني الغلطان

"قالت منفعلة"
- عشان دي الحقيقة، عشان أنت السبب في كل اللي حصل، مش شايف أنت عملت إيه ولسة بتعمل إيه، شايفنا كلنا غلط وأنت بس اللي صح، مش فاهم إن اللي بيدفع تمن غلطاتك دي ولادك مش أنت

"رد في قسوة"
- أنا ماغلطتش، أنا قدمتلهم كل اللي يتمنوه، لكن هو اللي عايز يضيع كل حاجة بغباؤه وعِنده ويقول أنا السبب

"ثم اتبع في عناد يمتلك منه الكثير هو الآخر"
- وطول ما هو مصمم على اللي بيعمله ده مالوش مكان عندي

"كانت تستمع إليه في صدمة مما يقول حتى قالت"
- مش قادرة أصدق، ازاي تكون قاسي عليه بالطريقة دي؟ مهما عمل مش من حقك...

"قاطعها قائلاً في غضب"
- مش من حق أي حد يقولي اتصرف ازاي، ولازم تعرفي إني مش هقبل بواحدة من الشارع تبقى أم لحفيدي مهما حصل، وبكرة يندم لما يعرف إنه مش ابنه ويرجع زي ما مشي، وساعتها بس أبقى أسامحه

"لم تشعر بأن قلبها يؤلمها من قبل مثل الآن، ما كل تلك القسوة وكل هذا العناد؟ إنها لا تخشى من أن يكون رامز مخدوعاً بالفعل بقدر ما تخشى أن يوصله عناده لأن يتحول لنسخة أخرى من ذلك الرجل الواقف أمامها الآن، الرجل الذي لو كانت قد رأته منذ زمن بعيد كانت لتموت قبل أن تحبه أو تتزوجه. قالت في صدمة ووجع"
- امتى كنت كده؟ امتى كنت قاسي على ولادك بالطريقة دي؟

"قال في قوة"
- أنا ماتغيرتش، أنتِ اللي اتغيرتي

"نظرت إليه في دهشة فاتبع وقد ظهر في عينيه بريق من الحزن لأول مرة منذ زمن بعيد"
- كنت فاكر إنك فهمتيني بجد، كنت فاكر إنك هتقدَّري وتعرفي أنا بعمل كده ليه، بس أنتِ عايزة تشوفيني غلطان، كأنك عاوزة تخلقي أسباب تقنعي بيها نفسك إن بُعدك كان هو الصح، عاوزة أي حاجة تكرهك فيَّ لأنك بعد السنين دي كلها مابطلتيش تحبيني

"كانت تنظر له في ذهول وألم لم يمنعه من أن يُكمل قائلاً وقد اختفى بريق حزنه ليعود بريق قوته"
- بس لازم تعرفي إن لو في غلط حصل فمش أنا لوحدي المسئول عنه، أنتِ كمان مسئولة زيي بالظبط، ولو شايفاني أناني فأنتِ كمان أنانية

"أوجعتها جملته إلى الحد الذي جعلها تقول بابتسامة قوة ما استطاعت به أن توجع قلبه جيداً"
- معاك حق، أنا فعلاً أنانية لأني لما اتجوزتك مافكرتش غير في حبي ليك وبس، مافكرتش لو كان ينفع تكون أب لولادي ولا لأ

"ثم أنهت حديثها بابتسامة يائسة قائلة"
- للأسف يا سليم! كنت فعلاً غلطانة.

"لترحل دون أن تلتفت إليه تاركة إياه وعاصفة من الغضب بل من الألم تدور بداخله، ألم لم يستشعره من قبل.
إن كان يجب أن تنتقم منه على كل الجرح الذي سببه لها والذي كان يعترف به أحياناً في نفسه للحظات قبل أن يختفي ويلقي اللوم عليها، فما قالته للتو كفيل بأن يوجع قلبه أضعاف ما توجعت هي لسنوات.
إنها نادمة، نادمة على حبها له... على زواجها منه... على كونه أباً لابنيها... على كل شيء.
عند هذه النقطة، أمسك بالمزهرية الثمينة الموجودة على الطاولة الصغيرة وألقى بها ناحية الحائط في قوة لتتهشم بالكامل تاركة أثرها على الحائط مثلما تركت كلماتها القليلة أثرها في قلبه الآن ليشعر به يتصدع مثل هذا الحائط الكبير أمامه."

.....

"مرت أيام قليلة، وفي أحد المرات، وأثناء ما كانت شمس في مكتبها، كانت تعمل في شرود وحزن كان ملحوظاً بالنسبة لسما، التي قامت من مكتبها لتجلس إلى مكتب شمس وتسأل في قلق"
- شمس! أنتِ كويسة؟

"ظلت شمس على شرودها وبدت وكأنها لم تسمعها فأعادت سما نداءها بصوت أعلى"
- شمس!!!

"فزعت شمس من شرودها فقالت سما في قلق زائد"
- مالك؟ أنتِ كويسة؟

"نظرت شمس إليها قبل أن تقول في تعب"
- مش كويسة يا سما، مش كويسة أبداً

"شعرت سما بالقلق عليها أكثر وقالت"
- إيه اللي حصل؟ ماما كويسة؟

"نظرت إليها قبل أن تهز رأسها في نفي قائلة"
- من يومين رحنا المستشفى عشان تقعد هناك الفترة دي، الدكتور قال كده أحسن عشان يقدر يتابعها باستمرار

"امسكت سما بيدها وشدت عليها برفق وهي تقول مطمئنة إياها"
- هتبقى كويسة، ماتخافيش!

"حاولت شمس أن تبتسم ليقطع صمتهما رنين هاتفها، وعندما وجدت المتصل هو الطبيب ردت مسرعة"
- ألو

"قال الطبيب سريعاً"
- آنسة شمس! والدة حضرتك اتعرضت لأزمة قلبية تانية

"لم يكد ينهي جملته حتى تركت كل شيء وركضت سريعاً من المكتب تاركة سما التي كانت تسألها عما حدث، وصلت إلى سيارتها وقادتها بسرعة جنونية إلى المشفى وبداخلها خوفٌ كبير لم تشعره من قبل حتى وصلت إلى المشفى وركضت ناحية الطابق الخاص بالعناية المركزة لتجد الطبيب يخرج ووجهه لا يبشر بالخير...
نظرت إليه في خوف فقال بعد لحظات"
- البقية في حياتك يا شمس!

"لم تكد تسمع شمس تلك الجملة اللعينة حتى سقطت على الأرض فاقدةً للوعي."

.....

"مرت عدة أيام لم تهتم شمس بعدِّها أبداً، كانت كالمغيبة تقابل كل شيء في صمت وحزن فقط. الجميع قد أتى لتعزيتها في منزلها، ولكن لم يحصل أحد على أي رد منها عدا سما وندى اللتين كانتا تريدان المكوث معها للاطمئنان عليها، ولكنها قد رفضت راغبة في البقاء بمفردها كي تتعود على وضعها الجديد.
هي حرب جديدة وستواجهها بمفردها كالعادة، وعندما توقفت الزيارات الخاصة بالتعزية، شعرت ببعض الراحة لأنها لن تحتاج إلى التحمل والجلوس مع كل من يأتي ليُسمعها كلمات التعازي السخيفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وكأنهم بذلك يعبرون لها عن شعورهم بها.
إن كان هنالك من يشعر حقاً، فلماذا تضطر لمواجهة كل ما سيحدث بمفردها إذن؟ كانت تعلم جيداً أن القادم سيكون أسوء، ولن يكون إلى جوارها أحد.
وفي أحد الأيام، قررت أن تقضي يومها بالكامل داخل المرسم، مكانها الوحيد الذي لم يدخله إلا هي فقط، لذلك لم تشعر بالحزن والوجع عندما دخلته بل شعرت ببعض الراحة والأنس لوجودها بين اللوحات.
جلست على الأرض أمام اللوحات تتأملها واحدة تلو الأخرى، أشهر قليلة ومشاعر كثيرة لم تكن سوى لوحات، هي بمفردها بين مجرد لوحات وضعت فيها كل مشاعرها التي ربما تعيشها بمفردها، ابتسمت في ألم... لو تتحول تلك اللوحات إلى حقيقة، ما الذي سيخسره العالم؟
قطع خلوتها صوت جرس الباب لتزفر في تعب، لا تريد رؤية أحد، لقد اكتفت بكم الوجوه المكررة التي رأتها خلال الأيام الماضية، ولكنها للأسف خرجت من مكانها لتفتح الباب لتجد أمامها أكره الوجوه إليها في هذا العالم... كمال، قال بوجه لا يخفي علامات الشماتة"
- البقية في حياتك يا شمس!

"قالت في هدوء لم يخلُ من الازدراء الذي يملأ عينيها"
- حياتك الباقية!

"قال بعجرفة"
- أنا قدرت ظروفك الأيام اللي فاتت ومارضيتش آجي وقلت استنى لما تهدي احسن

"ثم اتبع في قسوة"
- خلال أسبوع البيت ده يكون فاضي عشان هبيعه

"نظرت إليه في صدمة قائلة"
- أنت بتقول إيه؟ بيت ايه اللي تبيعه؟

"قال بابتسامة قاسية"
- بيتي، أنتِ ناسية إنك عايشة في بيتي؟

"ثم اتبع"
- ودلوقتي مش عايزك فيه، لازم تمشي عشان الساكن الجديد هييجي قريب ولازم البيت يكون فاضي

"قالت في قوة"
- مش هخرج من بيتي يا كمال! فاهم؟ أنا مش هسيب بيتي

"قال غير ملتفتاً لكلماتها"
- بعد أسبوع هاجي تاني، ولو لقيتك فالبوليس هيعرف ازاي يرميكي برة

"ثم أنهى حديثه مزيناً كلماته بابتسامة صفراء"
- سلام يا بنت عمي!

"صفقت الباب خلفه بعنف وهي تشعر بأنها على وشك أن تفقد وعيها مجدداً، الحقير... سيطردها من منزلها، ماذا تفعل؟ هل تبلغ الشرطة؟ ولكن بماذا ستخبرهم؟ إنه يمتلك عقد بيع بالفعل. كيف لوالدها أن يفعل ذلك؟ كيف؟
الكثير من التساؤلات التي تخنقها، الكثير من الألم، والكثير من الضعف، أشد ما يُشعِرها بالقهر هو أن تكون ضعيفة وتفتقر إلى أي حيلة تعينها على الدفاع عن بيتها، ماذا تفعل لتتخلص من هذا الكابوس؟
عاد جرس الباب ليرن ثانيةً لتنظر ناحيته في حدة وتخطر ببالها فكرة هي الآن حيلتها الوحيدة ووسيلتها للانتقام.
ركضت ناحية المطبخ وأحضرت سكيناً ثم عادت لتتوجه ناحية الباب لتفتحه بقوة وهي على وشك طعنه للتخلص من شبحه الأسود إلى الأبد لتتوقف يدها في الهواء عندما وجدت رامـي أمامها ينظر لها في صدمة وقد عاد خطوة إلى الخلف اتقاءاً للسكين.
ساد الصمت بينهما وكلٌ منهما ينظر إلى الآخر في صدمة، ولكن نظراتها هي كانت متنوعة فبعد أن كانت مصدومة، بدأ الخوف والفزع يتسلل إلى نظراتها لتترك السكين من يدها لتسقط أرضاً وتلقي هي بنفسها بين ذراعيه فجأة وتبكي.
كان مصدوماً من كل شيء يحدث، كان يعلم جيداً ظروفها والتي أخبرته بها نهال عندما سألها عن سبب اختفاءها، وحزن كثيراً لأجلها، لم يشأ أن يأتي في الأيام الماضية كي ترتاح قليلاً ومن ثم يزورها ليطمئن عليها، ولكنه لم يتوقع أبداً أن تكون بتلك الحالة، لماذا السكين؟ من كانت ستطعن قبل أن تجده هو الطارق؟
أحاطها بذراعيه ليطمئنها وقد هالته حالتها كثيراً، كانت فَزِعة ومرعوبة وحزينة للغاية. بعد لحظات، سار بها إلى الداخل ليغلق الباب حتى لا يلاحظ الجيران أي شيء.
عندما أغلق الباب خلفه، تقدم بها ناحية الأريكة ليجلسا سوياً وهي لا تزال بين ذراعيه تبكي بهيستيرية يشعر بها جيداً وإن لم يسمعها.
أخذ يربت على ظهرها لتهدأ حتى شعر بأن شهقاتها قد هدأت قليلاً فرفع وجهها إليه لتصدمه كثرة الدموع المتساقطة على وجنتيها، وعينيها المحمرتين المليئتين بالألم والخوف.
مد يده ليمسح الدموع عن وجنتيها في هدوء وهي تنظر له في ضعف وتعب، وعندما انتهى، عاد لينظر في عينيها مجدداً وكأنه يسألها عما حدث وعما تشعر، كان يشعر بها جيداً، ولكنه كان يريدها أن تتحدث لتخرج ما بداخلها لعلها تشعر بالراحة الذي يتمنى لو كان يستطيع إدخالها إلى قلبها الآن عنوة.
قالت في ألم بعينين دامعتين"
- أنا آسفة

"ثم اتبعت بصوت باكٍ خائف"
- أنا كنت فاكرة إنه رجع تاني، كنت عاوزة اقتله عشان ارتاح

"كان ينظر لها في ذهول وتساؤل لتتبع هي"
- هو السبب في كل اللي حصل، هو السبب في تعبها وموتها، وهو اللي سرق البيت من بابا، وهو اللي هيطردني من بيتي

"ثم اتبعت وقد عادت عيناها تدمع من جديد"
- أنا بقيت لوحدي، ومش قادرة أعمل أي حاجة تمنعه إنه يطردني برة بيتي، ماعنديش حل تاني غير إني اقتله

"ثم قالت قبل أن تلقي بنفسها بين ذراعيه مجدداً"
- أنا خايفة يا رامـي!

"عاد ليضمها إليه ثانيةً مطمئناً إياها وهو يتساءل عمن تتحدث، ولماذا يريد طردها من منزلها؟ ثم عاد ليتذكر يوم المشفى عندما جاء كمال وكان من الواضح أن شمس تكرهه كثيراً، يذكر جيداً تلك الجملة التي قرأها على شفتيه عندما حدَّث شمس عن خروجها من منزله.
عاد ليمسح دموعها مجدداً ثم أشار برفق"
- شمس! احكيلي اللي حصل بالظبط عشان أفهم

"حاولت أن تهدأ ثم أخذت تروي له كل شيء عن كمال وعمها وخلافاتهما المستمرة مع والدها في الماضي، وعن شكوكها بأنهما قد جعلاه يوقع عقد البيع دون أن يدري فهو لم يخبرها بأي شيء قبل موته، وعن ملاحقات كمال لها ورغبته في الزواج منها، وكيف أنه عندما يأس منها، وضع زواجها منه أمام طردها هي ووالدتها من المنزل، وعن زيارته الأخيرة التي كانت قبل مجيئه بدقائق قليلة فقط.
وكان رامـي يراقب إشاراتها بتركيز شديد وقد علم تماماً كيف سيتصرف مع ذلك الوغد.

عندما انتهت من سرد كل شيء، شعر بأنها قد هدأت قليلاً فأشار في قوة محاولاً أن ينقلها بإشاراته إليها كي تعود قوتها السابقة مجدداً"
- ماتخافيش، أنا هعرف ازاي اتصرف معاه

"أشارت في خوف"
- أنا مش عاوزة أدخلك في مشاكل

"ابتسم في ثقة ثم أشار"
- كمال مش مشكلة، اللي زيه أمرهم سهل

"ثم اتبع مطمئناً إياها"
- أهم حاجة لازم تعرفيها إنك مش لوحدك، وماحدش يقدر يخرجك من بيتك، فاهمة؟

"اومأت برأسها وقد شعرت بالاطمئنان لوجوده قربها، وعندما ساد الصمت بينهما وشعر بأنها أصبحت بخير، ابتسم مشيراً"
- أنا كنت عاوز أشرب قهوة

"ضربت جبهتها بيدها ثم نظرت له في أسف قائلة"
- أنا آسفة، دوشتك بمشاكلي ونسيت اعمل القهوة

"ابتسم ضاحكاً منها فقامت من مكانها وقد ارتسمت ابتسامة هادئة على وجهها لوجوده معها، حتى وإن لم ينصلح أي شيء، على الأقل هو هنا الآن، ربما لو لم يأتِ لكانت قد تحولت إلى قاتلة بالفعل، هي مدينة له الآن بمستقبلها الذي لم تعد تعرف ماهيته.
أما هو، فأثناء ما كان ينتظرها في مكانه، لمح ذلك الباب المفتوح لتلك الغرفة الجانبية، ما كان ليشغل تركيزه معها كثيراً لولا تلك اللوحة الظاهرة من خلال فتحة الباب الواسعة نسبياً، وبعد تردد، قام من مكانه ثم تقدَّم في خطوات خفيفة ناحيتها حتى فتح الباب ليصيبه الذهول مما رأى، ما كل هذه اللوحات الرائعة؟
وكأن ذلك الباب يوصل إلى عالم منفصل عن باقي المنزل تماماً، وما أثار اندهاشه هو رؤيته لنفسه منسوخاً على كل اللوحات، وكانت اللوحات المرسومة من الاحترافية بما يجعله يرى نفسه حقيقياً إلى درجة جعلته يشعر بأنه قد انقسم إلى عدة أشخاص.
أخذ يركز على كل لوحة فوجد واحدة تصوِّر يوم سلم الحريق، ذلك اليوم الذي كان فيه على حافة الانهيار، كيف كانت حالته بائسة، هل كان هكذا حقاً؟ ولوحات أخرى كثيرة له من ضمنها ثلاث لوحات باللون الأسود، لماذا؟
وقعت عيناه على آخر لوحة رسمتها، تلك الليلة التي أوصلها فيها بعد انتهاء الحفل.
ابتسم لكل ما يرى، من الواضح أنها لم تدع ذكرى مميزة لهما دون أن تنسخها على لوحة ما، أخذ يتأمل بقية الغرفة ليجد لوحة كبيرة معلقة على الحائط المقابل للباب أمام كرسي الرسم حتى تراها كلما جلست لترسم مكتوبٌ عليها بخطٍ عربيٍ جميل:

"أَنا لا أُحِبُّكَ مِنْ أجْلِ شالِ حَريرٍ و عِطْرٍ مُثيرٍ، وَ لَكِنْ أُحِبُّكَ حَتى أؤَكِدَ ذَاتيِ"

ظل ينظر إلى الجملة قليلاً ثم عاد ليتأمل الغرفة ثانية وشعر بالراحة هنا فجلس على الأرض واستند بظهره إلى الحائط ليجدها بعض لحظات قد أتت وجلست إلى جواره دون أن تنطق بكلمة، لقد دخل ورأى الغرفة، ماذا ستفعل؟ لا شيء، فلتجلس إلى جواره في صمت فحسب.
نظر لها ثم عاد ليتأمل بقية اللوحات حتى لاحظ أن مشغل الموسيقى مفتوح مما يعني وجود أغنية في المكان، نظر لها فوجدها تنظر إليه، أشار"
- في أغنية شغالة؟

"اومأت إيجاباً في هدوء وهي تعلم جيداً طلبه التالي الذي أشار به"
- قوليلي كلماتها

"صمتت تستجمع قواها كي تخبره بكلمات الأغنية التي كانت تسمعها مراراً منذ أن رأته وتتمنى في داخلها لو تستطيع أن تخبره بكل تلك المشاعر دفعة واحدة، فمنذ أن سمعتها وهي تشعر بأنها تنطبق على حالها معه تماماً، قالت"

أحبك جداً و أعرف أني تورطت جداً
وأحرقت خلفي جميع المراكب و أعرف أني سأهزم جداً
برغم الدموع و رغم الجراح و رغم التجارب
و أعرف أني بغابات حبك وحدي أحارب
و أني ككل المجانين حاولت صيد الكواكب
و أبقى أحبك رغم يقيني
بأن الوصول إليك محال
يا من دفعت بحُبِّك نصف حياتي
و يا من أشيلك كالطفل في أغنياتي
أنا لا أحبك من أجل شال حرير
و عطر مثير ولكن أحبك حتى أؤكد ذاتي
أحبك جداً وأعرف أني تورطت جداً
و أحرقت خلفي جميع المراكب و أعرف أني سأهزم جداً
برغم الدموع و رغم الجراح و رغم التجارب
أحبك و أعرف أن هواك انتحار
وأني حين سأكمل دوري سيرخى علي الستار
وأن سقوطي أمام هواك الكبير انتصار

"كانت عيناها تدمع دون أن تشعر مما أشعره بأنها لا تخبره بكلمات أغنية، وإنما تخبره عما بداخلها تجاهه بالفعل.
ومع انتهاء الكلمات، انتبهت لدموعها فنظرت إليه قائلة وهي تحاول مسح دموعها"
- أنا بحبك!

"حين نطقتها، انهمر المزيد من الدموع لتجده قد اقترب من مجلسها قليلاً ليمد يده ناحية وجهها ويمسح الدموع التي أصبحت أقوى من أن تظل داخلها، وعندما مسحها، أخذ يتأمل وجهها المتعب قبل أن يقترب منها ويقبِّل جانب فكَّها للمرة الثانية ليزرع وروداً خجلة مكان التعب، ثم عاد لينظر في عينيها التي ملأها الهدوء فجأة ليبتسم لها ابتسامة جديدة تحمل إليها الكثير من الكلمات التي لم يستطع أن ينطقها."

****

"في اليوم التالي، وصل رامـي إلى شركته الخاصة، وتوجه إلى مكتبه وطلب حضور كرم، الذي لم تمر عدة دقائق حتى حضر بالفعل، وعندما دخل إليه مكتبه، ابتسم مشيراً"
- صباح الخير يا رامـي!

"ابتسم له رامــي مشيراً"
- صباح النور يا كرم! اتفضل

"جلس كرم فاتبع رامـي قاصداً الدخول في الموضوع الأساسي فوراً"
- محتاجلك في موضوع مهم جداً

"أشار كرم باهتمام"
- موضوع إيه؟

"أشار رامـي في اقتضاب"
- كمال راشد، الراجل ده نصب على عمه ومضاه على تنازل عن بيته من غير ما يعرف قبل ما يتوفى، ودلوقتي المفروض إنه باع البيت عشان هيسلمه بعد أسبوع لمشتري جديد وهيرمي بنت عمه في الشارع

"كان كرم ينصت إليه بتركيز شديد ليتبع رامـي في قوة"
- أنا عاوز البيت ده بأي تمن

"أشار كرم متسائلاً"
- بس أنت بتقول إنه باعه خلاص، هتشتريه ازاي؟

"أشار رامـي في إصرار"
- هشتريه، مايهمنيش باعه ولا لا، أنا متأكد إنه لو شاف الفلوس مش هيقاوم وهيديلنا البيت، وهيلاقيله صرفة مع المشتري التاني

"ثم اتبع في ضيق"
- ده إذا كان في حد اشتراه فعلاً، ممكن يكون فهمها كده عشان يطردها برة البيت وبس

"ثم أشار مشدداً على ما يخبره به"
- المهم قبل ما الأسبوع ده يخلص البيت يكون بتاعي.

"أشار كرم في ثقة"
- ماتقلقش! أنا هتصرف

.....

"خلال يومين فقط، كان كرم قد جمع المعلومات الخاصة بذلك الرجل وبالبيت نفسه، وقد علم بأنه لم يبِع البيت لأحد مثلما توقع رامـي بل كان يفعل كل ذلك لأجل الانتقام من شمس فقط.
عندما أخبر رامـي بأنه قد جمع المعلومات اللازمة، ذهب رامـي إلى الشركة مجدداً ليعلم كل شيء، وعندما أخبره كرم بكل ما علم، أشار رامـي فوراً"
- من بكرة هنروحله ونشتري منه البيت

"أشار كرم متعجباً"
- نروحله؟ أنت هتيجي معايا؟

"اومأ رامـي برأسه فاتبع كرم مشيراً"
- أيوة يا رامـي بس وجودك مش هيفيد بالعكس ده ممكن يخليه يعند ومايبيعش، أنت قلت إن في مشكلة بينكم

"أشار رامـي في قسوة"
- خليه يفكر بس إنه مايبيعش و يبقى آخر يوم في عمره

"نظر له كرم في تعجب، إنه لا يدري حتى الآن ما سر أهمية هذا البيت بالنسبة له، ولا يدري ما سر الخلاف الذي بين رامـي وكمال، ولكنه لم يستطع أن يفعل شيئاً تجاه عناد رامـي فاتفقا على الذهاب سوياً في اليوم التالي."

.....

"في اليوم التالي، ذهب رامـي وكرم إلى حيث توجد شركة كمال، فقد كان يمتلك شركة صغيرة للمقاولات، ولم تدخل بعد في عالم الشركات الكبرى.
وعندما وصلا إلى مكتبه، تقدم كرم ناحية مكتبة السكرتيرة وقال"
- كمال بيه موجود؟

"ابتسمت السكرتيرة قائلة"
- أيوة يافندم

"قال كرم بدوره"
- قوليله كرم الصاوي

"اومأت له برأسها ثم التفتت إلى رامـي وقالت"
- وحضرتك؟

"قال كرم باقتضاب"
- بلغيه باللي قلتلك عليه وبس

"توجست السكرتيرة مما يحدث ولكنها أومأت له مجدداً قبل أن تدخل إلى مكتب كمال وتخبره قائلة"
- كمال بيه! في واحد اسمه كرم الصاوي عايز يقابل حضرتك

"نظر إليها متسائلاً"
- مين كرم الصاوي ده؟

"هزت رأسها في حيرة قائلة"
- مش عارفة، ومعاه واحد تاني بس ماقالش هو مين

"صمت كمال للحظات قبل أن يقول"
- قوليلهم يدخلوا

"خرجت السكرتيرة لتمر لحظات حتى وجد كرم يدخل إليه ومن خلفه رجل يعرفه تمام المعرفة.
ارتسمت على وجهه ابتسامة باردة قبل أن يقوم من مكانه ويقول مصافحاً كرم"
- أهلاً وسهلاً! اتفضلوا

"صافحه كرم باقتضاب ليمد كمال يده ليصافح رامـي قائلاً بابتسامة"
- أهلاً رامـي بيه! ده المكتب نوَّر

"نظر رامـي إلى يده الممدودة ولم يصافحه بل رمقه بنظرة استهانة واضحة ليسحب كمال يده وقد بدى عليه الضيق ليجلس رامـي في غير مبالاة ويجلس كرم وكمال من بعده أيضاً، قال كمال"
- يا ترى إيه سر الزيارة الكريمة دي بقى؟

"نظر له كرم ثم قال باقتضاب"
- احنا جايين نشتري بيت عمك محمود الله يرحمه

"ابتسم كمال وقد فهم سر تلك الزيارة جيداً، هل هكذا ستستعيد شمس حقها كما كانت تخبره؟ قال"
- أيوة بس عمي الله يرحمه باعهولي قبل ما يموت، وأنا ناوي أبيعه لواحد تاني اليومين دول

"ابتسم كرم في ثقة قائلاً"
- بس ماعتقدش إن المشتري التاني هيدفع اللي احنا هندفعه، هو أنت كنت طالب فيه كام؟

"رد كمال"
- حضرتك بتتناقش في السعر وكأني وافقت أبيعهولكم فعلاً، وأنا مش ناوي أبيعهولكم

"قال كرم في ثقة"
- لو المشتري هيدفعلك مليون، احنا هندفعلك اتنين، متهيألي السعر ده مستحيل يجيلك من حد تاني

"نظر له وقد هاله المبلغ الذي قاله للتو، ولكنه كان يعلم سر هذا الإصرار جيداً فالتفت إلى رامـي الذي كان يراقب الحديث بتركيز شديد ثم قال"
- بس أنا أحب افهم السر اللي مخلي رامـي بيه يدفع الفلوس دي كلها في مجرد بيت أكيد يملك غيره كتير

"ثم اتبع بابتسامة ماكرة"
- واضح إن شمس خافت تنطرد من بيت مش بيتها فقالت تستنجد بيك

"كان رامـي يرمقه بنظرات قاسية لم تمنعه عن الاستطراد قائلاً بوقاحة"
- قال وكانت رافضة تتجوزني أنا عشان عرضي بإني اكتب البيت باسمها قصاد جوازنا رخيص، واضح إنها عرفت تبيع نفسها بالغالي

"عندها، قام رامـي من مكانه وأمسك بعنق كمال في يده ليلكمه بقوة بيده الأخرى ليصرخ كمال متأوهاً، حاول كرم أن يمنع رامـي عنه قائلاً"
- اهدى يا رامـي! مش عاوزين مشاكل

"ثم نظر إلى كمال وقال في قوة"
- وأنت! هتبيع البيت يعني هتبيعه، ماعندكش حل تاني

"قال كمال في غضب"
- مش هبيعه وأعلى ما في خيلك اركبه

"لم يتمالك رامـي نفسه فقام من مكانه وتوجه ناحيته ثانية ولكمه بقوة وأخذت كل لكمة تتبع سابقتها في سرعة وقسوة إلى درجة جعلت كمال ينزف دماً من أنفه ويفقد قوته أسفل يديه.

أخذ كرم يحاول إبعاد رامـي الذي كان غضب الدنيا كله ظاهراً على وجهه حتى ابتعد في النهاية ليحاول كمال التقاط أنفاسه في تعب.
أخرج كرم عقد البيع الذي تم تجهيزه مسبقاً ووضعه أمام كمال وقال في قوة وهو يعطيه القلم"
- امضي يا كمال! امضي وماتقاوحش

"ونظرة واحدة منه إلى عيني رامـي المشتعلة بالغضب والقسوة التي من الممكن أن تدفعه لقتله الآن إن ماطل أكثر كانت كفيلة بأن يأخذ القلم من يد كرم ليوقع على عقد البيع ليقوم رامـي بإخراج دفتر الشيكات من جيب سترته ويكتب مبلغاً أقل من الذي عرضه كرم للتو، فمن هم مثل كمال لا يجب أن يشعروا للحظة بالانتصار حتى ولو بحفنة من الأموال التي لن تعنيه في شيء إن دفعها كلها مقابلاً لسعادة شمس الآن.
وعندما أنهى كتابة الشيك، قطعه من الدفتر ليلقي به في وجهه بعد أن أخذ العقد ويخرج هو وكرم من المكتب تاركين إياه وشعوراً بالهزيمة والرغبة في الانتقام يتملكانه لأقصى حد.
هكذا إذن؟ هل يظن أنه بذلك قد حقق انتصاراً عليه لأجلها؟ وهل تظن هي أنها بذلك ستنتهي منه إلى الأبد؟ بحق كل مرةٍ رفضته فيها، وبحق صفعتها على وجهه وبحق ما فعله ذلك الذي يظن نفسه بطلاً منذ قليل لسوف يجعلها تندم أشد الندم على فعلتها."

.....

"مرت عدة أيام منذ زيارة رامـي لها وهي لا تزال جالسة في المنزل وحيدة غير قادرة على الذهاب إلى أي مكان.
كانت أحياناً تأتي ندى وسما لتطمئنا عليها وتقضيان معها بعض الوقت ومن ثم ترحلان لتعود إلى وحدتها ثانيةً. إلى من تركتها أختها الكبرى ووالديها؟ إلى الخوف و الطرد؟ ولكن رامـي وعدها أن يساعدها، رامـي... ما الذي يمكن أن يحدث بعد اعترافها له بحبها؟ وما الذي يمكن أن يحدث إن واجه كمال؟ هل من الممكن أن يؤذي رامـي وتكون هي السبب؟
انتابها الخوف والفزع لمجرد الفكرة فقط، وكأنه كان يعلم بقلقها ووحدتها فأرسل رسالة ليقطع شرودها في المخاوف.
فتحت الرسالة لتجده قد كتب لها ممازحاً إياها ولكن على طريقته الحازمة"
- ماعنديش موظفين يغيبوا أكتر من شهر، مستنيكي بكرة عشان تكملي معايا المشروع.

"ابتسمت لتلك الكلمات البسيطة وشعرت ببعض الأنس وكأنه لا يزال هنا معها، ثم عادت لتشرد في أفكارها، يجب أن تعود للعمل وللحياة ثانيةً، ولكن ماذا إن خرجت؟ من الممكن أن ترى كمال ويعيد تهديده الوقح على مسامعها بل وربما يشرع في تنفيذه أيضاُ، هل سيطردها من منزلها حقاً؟ أين ستذهب؟
كانت على وشك أن تصرخ من شدة الضجيج بداخلها و لكن شعاع من قوة تسرب إلى روحها ليدفعها على الخروج في الغد ومواجهة كل شيء سيحدث، لن تخاف ولن تضعف، وستشرق الشمس من جديد."

.....

"وصلت شمس إلى الشركة، وكلما قابلت أحد الموظفين كان يقدم لها التعازي ويرحب برجوعها ثانيةً.
وعندما وصلت إلى المصعد -المكان الموعود-، كانت تنتظر رؤيته ولكنه لم يأتِ، كانت تتلفت من حولها ولكنه لم يظهر أبداً. شعرت في داخلها بخيبة أمل، فقد كانت تتمنى أن تراه لتدفعها رؤيته لبداية أول يوم لها بعد طول غياب عن الحياة وليس العمل فقط.
دخلت المصعد ثم وصلت إلى مكتبها لتقفز سما من مجلسها وتركض ناحيتها وتحتضنها وهي تقول في سعادة"
- أخيراً يا شمس! حمد لله عالسلامة! الشركة نوَّرت

"ابتسمت شمس في هدوء وهي تحتضنها قائلة"
- الله يسلمك يا سما!

"نظرت سما إليها ثم قالت في مرح"
- أنا مبسوطة أوي إنك رجعتي، كنت حاسة إني هطق لوحدي هنا

"ابتسمت شمس قائلة"
- أنا كمان مبسوطة إني رجعت، القعدة في البيت وحشة اوي

"قالت سما في مرح"
- عارفة؟ القعدة دي كان ناقصها ندى، صحيح كانت هتصدعنا بس كانت هتفرفش الجو كده

"ضحكت شمس ضحكة خفيفة فاتبعت سما قائلة"
- بعد ما نخلص شغل نتغدى كلنا سوى برة

"اومأت شمس قائلة"
- أكيد

"مر اليوم بشكل طبيعي، كانت شمس تنجز ما قد فاتها في الأيام الماضية، وفي داخلها تنتظر ميعاد اجتماعها معه في آخر اليوم.
عندما جاء وقت الاستراحة، كانت تريد الذهاب إلى سلم الحريق لتجلس بمفردها بعيداً عن الزحام، ولكن سما أصرت أن تأتي معها إلى الكافيتريا لكي تعتاد الاختلاط بالناس مجدداً.
وهناك، كانت زينة في انتظارهما لتسرد لهما كالعادة حصاد أحداث الفترة التي غابتها شمس عن كل موظفي الشركة.
عندما انتهت فترة الاستراحة، جاء موعد اجتماعها مع رامـي، كانت متوجهة إلى مكتبه بشيء من الفرح لرؤيته وشيء من التوتر بعد آخر مقابلة بينهما، ولكن كل التوتر قد زال عندما وصلت إلى الطابق الخاص بمكتبه لتستقبلها نهال بحرارة وهي تحتضنها في سعادة قائلة"
- حمد لله عالسلامة يا شمس! وحشتيني أوي أوي

"كانت نهال تطمئن عليها باستمرار طوال الأيام الماضية، فلقد أصبحت من أعز صديقاتها، ابتسمت شمس قائلة"
- الله يسلمك يا نهال! أنتِ كمان وحشتيني أوي

"قالت نهال في مرح"
- لينا سوى كلام كتير بس مش دلوقتي، رامـي مستنيكي في مكتبه

"ابتسمت لها شمس ثم دخلت إلى مكتبه ليقوم هو من مكانه ويستقبلها بابتسامة رائعة أدخلت الراحة في نفسها، صافحها ثم أشار"
- حمد لله عالسلامة يا شمس!

"منحته إحدى ابتساماتها التي يحبها كثيراً وأشارت"
- الله يسلمك يا باشمهندس!

"نظر لها في تعجب فاتبعت ولم تختفِ ابتسامتها"
- احنا في الشغل، والرسمية مطلوبة

"ضحك منها ثم أشار"
- طب يلا نبدأ يا باشمهندسة!

"مرت ساعة وهما يناقشان بعض الأمور الخاصة بالمرحلة التالية للمشروع، وعندما انتهيا، ابتسم رامـي لها مشيراً وقد لاحظ وجهها المتعب"
- الظاهر إننا بدأنا زيادة شوية، وشكلك لسة تعبان

"نظرت إليه وأشارت"
- كده أحسن، محتاجة انشغل بحاجة تانية بعيد عن التفكير

"نظر لها وقد فهم مغزى كلماتها فأشار"
- أنا خلصت شغل وماشي دلوقتي، تحبي تنزلي معايا؟

"نظرت إليه فاتبع بابتسامة غامضة"
- معايا حاجة لازم تشوفيها

"أشارت متسائلة"
- حاجة إيه؟

"أشار لها في مكر"
- تنزلي معايا تشوفيها، غير كده لأ

"ضحكت ضحكة خفيفة ثم وافقت قائلة"
- هنزل

"وبالفعل نزلا سوياً إلى الجراج فأخذها ناحية سيارته ثم توقفا عند بابها ليفتحه ويخرج منها ورقة ما ويقدمها إليها بابتسامة هادئة.
أمسكت بالورقة متعجبة، ولكن عندما قرأت محتواها اتسعت عيناها في ذهول، لقد كان عقد نقل ملكية البيت من اسمه لاسمها هي، لقد ردَّ إليها بيتها، ردَّ إليها حقها بل أمانها كله، لقد أوفى بوعده إليها.
نظرت إليه فوجدته ينظر لها نظرة رائعة مليئة بالحنان و... الحب، دمعت عيناها قائلة"
- شكراً

"تعلم أنها ليست كافية، مهما فعلت لن ترد له جميل صنيعه معها أبداً، فما الذي يُمكن أن يكافئ ذلك القدر من الأمان الذي منحه إياها بما فعل وبوجوده معها في أصعب أيامها؟
ابتسم لها في حنان ثم اومأ لها برأسه لتجد نفسها تحتضنه مجدداً، لم تجد أي وسيلة لتشكره بها على وجوده في حياتها سوى أن تحتضنه هكذا لتجده هو الآخر يحتضنها بشعور جديد، وكأنه يحمل لها المزيد من الأمان والقوة.
كانت تكفيها هذه اللحظة لتموت من بعدها دون أن تبالي بشيء، كان ذلك قبل أن تلمح كمال خلف رامـي يختبئ عند أحد الأعمدة البعيدة عنهما قليلاً.
وبمجرد أن وقعت عيناها عليه، منحها إحدى ابتساماته الخبيثة قبل أن يطلق النار ليتلقى رامـي الرصاصة في ظهره.
صرخت شمس لصوت إطلاق النار الذي دوى في الأرجاء ليهرب كمال سريعاً بينما اتسعت عيناها في صدمة عندما شعرت بجسد رامـي الذي بدأ يتهاوى حتى نزلا سوياً على ركبتيهما، قفزت دموعها فجأة وهتفت بجنون"
- رامـي!... رامـي!

"كان يشعر بألم شديد وبدأت قوته ووعيه في الانهيار تدريجياً، ولكنه حاول استجماع ما تبقى له من قوة فرفع كفه ببطء أمامها وأشار لها بإبهامه وسبابته وبنصره... إنها إشارة الحب... هو يحبها، ثم سقطت رأسه على كتفها فجأة لتصرخ هي بشدة.
حاولت أن تتمالك أعصابها فأمسكت بهاتفها بسرعة وطلبت الإسعاف وأخذت تخبرهم بما حدث وبمكانهما كالمجنونة وختمت مكالمتها صارخة فيهم بأن يأتوا بسرعة.
وعندما أغلقت الخط، نظرت إلى رامـي الذي كان قد فقد وعيه بالكامل، وقالت في قوة وحزم من بين بكائها وكأنه يسمعها"
- رامـي! أنت مش هتموت، فاهم؟ مش هتسيبني بعد ما لقيتك

****
انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-05-22, 09:45 PM   #20

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل الرابع عشر


"كان الجميع ينتظر أمام غرفة العمليات في خوف وقلق شديد.
كانت رقية تجلس على الكرسي في مكانها وعيناها تدمعان حزناً على طفلها الصغير.
نعم، سيظل في عينيها طفلاً مهما كبُر ومهما ازدادت قوته، يلزمها خمسة وعشرون عاماً ليكبر أمامها كي تعترف بكبره، أما الآن فهي لا تدرك سوى أنها تجلس ها هنا عاجزة عن مساعدة طفلها الصغير الذي يعاني الآن ويحتاجها إلى جواره، ولكنها تعلم أن صغيرها عنيد محبٌ للحياة ولن يتركها بهذه السهولة، سيقاوم.
على بُعد عدة خطوات منها، كان سليم يقف وثبات ملامحه يخفي الكثير من مشاعره المحترقة الآن لأجل ابنه العزيز، إنه يجلس هنا عاجزاً عن تقديم المساعدة لأجله.
إن كان هناك ما يكرهه في هذه الحياة فهو شعوره بالعجز الذي يجربه للمرة الثانية معه، وكأن الحياة لم تكتفِ بأن تصيبه في ابنه الصغير وتحرمه من صوته وقربه لسنوات طويلة لتشعره بمدى ضعفه وعجزه لتعيد عليه الآن هذا الشعور القاسي الذي يجلده دون القدرة على فعل أي شيء. ما الذي اقترفه في حياته كي يعيش مهدداً في أعز ما يملك بهذه القسوة؟
كان رامز يجلس إلى جوار والدته مستنداً بمرفقيه إلى ركبتيه شارداً في الفراغ أمامه، ما الذي يحدث؟ هل هو على وشك خسارة جديدة الآن أم ماذا؟
لا، مستحيل، لن يخسر من يحب مجدداً، وإن كانت الخسارة مقدَّرةً عليه فلا يجب أن تتمثل في رامـي، إنه عائلته، إن خسره فمن الذي سيبقى له الآن؟ من ينتظرون له الخطأ ليتركوه وحيداً؟
هو الوحيد الذي ظل إلى جواره، هو من رأى أخطاءه وعبثه ولم يبتعد، هو من يجب أن يبقى إن رحل الجميع، لماذا تأخروا بالداخل هكذا؟ شعر برغبة عارمة كي يدخل إليهم ويصرخ في جميع الموجودين بأن ينقذوه مهما كلفهم ذلك، رامـي لن يموت الآن، وهو سيعلم من الفاعل وسينتقم منه شر انتقام، وسيستعيد أخاه مجدداً.
وعلى درجات السلم المجاور، كانت شمس تجلس بعينين متسعتين تدمعان دون إرادة وهي تحاول أن تستوعب ما حدث. قدَّم لها الدنيا بين ذراعيه ليشعرها بما لم تشعر به من السعادة والحب من قبل ليختفي كل شيء في جزء من الثانية... بطلقة رصاصة واحدة.
كيف لم تنقذه؟ كيف لم تدفعه بعيداً لتأخذ تلك الرصاصة اللعينة مكانه؟ ألم تكن تتمنى الموت وهي بين ذراعيه ليكون هو آخر ما تقع عيناها عليه؟ لماذا لم تفعلها إذن؟
لقد هرب الوغد، هرب بعد أن فعل فعلته وسلبها سعادتها، كم مرة عليها أن تجرب شعور الخسارة والوحدة والخوف كي ترضى عنها الحياة؟
ولكن هذه المرة الخسارة أشد، ستكون الفاجعة أكبر إن رحل، ستكون هي السبب، هي من أقحمته في مشكلة لا تعنيه، هي من قتلته، هي السبب.
عند هذه النقطة انهمرت دموعها بقوة وخرجت منها شهقة باكية متألمة لتجد رامز قد أتى وجلس إلى جوارها ثم قال في هدوء مميت وهو ينظر إليها"
- مين اللي عمل كده يا شمس؟

"نظرت إليه دون رد ودموعها تنهمر رغماً عنها ليتبع بنفس نبرته"
- أنتِ اللي كنتي معاه وقتها، شفتيه مش كده؟

"خرجت منها شهقة أخرى لتضع يدها على فمها في خوف ليتبع أيضاً في إصرار"
- مين يا شمس؟

"نظرت إليه في خوف وهي تقول بصوتٍ باكٍ"
- كمال

"لتصمت لبرهة وقد منعتها دموعها عن الحديث لتتبع بعدها"
- ابن عمي

"التمعت عينا رامز في غضب شرس قبل أن يقول لها بصوتٍ مخيف"
- احكيلي اللي حصل بالظبط

.....

"ترك رامز المشفى وهو يقسم أن يصل إلى هذا الذي اسمه كمال ليقتله جزاء فعلته تلك خاصة بعد أن أخبرته شمس بكل الأماكن التي من المحتمل أن يتواجد فيها، وكان الوقت في صالحه حيث أن كمال لن يستطيع الاختفاء في هذا الوقت القصير، إذن من المحتمل أن يتواجد في أحد الأماكن التي أخبرته شمس بها.
بمساعدة أحد معارفه الخبيرين بمن هم على شاكلة ذلك الوغد، استطاع الوصول إليه، وقد كان كمال يمتلك من الغباء ما يكفيه بأن يترك هاتفه مفتوحاً ليسهل تحديد مكانه بدقة، ولكن قبل أن يذهب إليه، توجَّه إلى بيت المزرعة ودخل إلى غرفة المكتب وأخرج من أحد الأدراج مسدساً خاصاً بأبيه، ولحسن الحظ كان يحتوي على طلقات، وضعه في جيبه ثم ترك المزرعة متوجهاً إلى حيث يوجد كمال.
في وقت قصير، استطاع الوصول إلى المكان. كان منزلاً صغيراً يقع في منطقة نائية على الطريق الصحراوي، وإلى جانبه توجد سيارة مما يعني أنه موجودٌ بالفعل.
صفَّ رامز سيارته بعيداً عن المنزل ثم ترجَّل منها متوجهاً ناحية البيت حتى وصل إلى إحدى النوافذ المفتوحة، انحنى قليلاً لينظر منها ليجده يجلس بالداخل في حالة من القلق والخوف، الحقير... أين تلك الجرأة التي دفعته ليحاول قتل أخيه إذن؟
انتظر قليلاً حتى خرج من الغرفة ليقفز هو من النافذة إلى الداخل ويخرج مسدسه، وعندما أصبح خلفه مباشرة، شعر كمال بصوت خفيف خلفه ليلتفت فتتسع عيناه في صدمة، قال في خوف لم يستطع إخفاءه"
- أنت... أنت مين؟

"ابتسم رامز ابتسامة مخيفة قائلاً"
- أنا اللي هقتلك

.....

"وصل كرم إلى المشفى فور علمه بما حدث ليجد رامـي لا يزال في غرفة العمليات، ووالديه في حالةٍ لا تسر أبداً.
بحث بعينيه عن رامز ولكنه لم يجده حتى لمح شمس، التي كانت تجلس على درجات السلم في صمت تام شاردة في الفراغ أمامها.
شعر بأنها هي تلك الفتاة التي فعل رامـي لأجلها كل ما حدث ليتقدم ناحيتها ويقول متسائلاً"
- أنتِ شمس، صح؟

"اومأت برأسها دون أن تنظر إليه ليقول في قلق"
- إيه اللي حصل؟ أنتِ كنتي موجودة معاه وقتها؟

"عادت لتسرد له كل ما حدث مجدداً لتتسع عينا كرم في صدمة مما يسمع، وازدادت صدمته عندما أخبرته بأن رامز قد علم بكل شيء للتو، قال في صدمة"
- ورامز فين دلوقتي؟

"قالت في خوف"
- ماعرفش، أول ما حكيتله اختفى

"نظر كرم أمامه وهو يحاول تجميع أفكاره، من المؤكد أنه قد ذهب ليبحث عنه، المجنون... ربما يرتكب الآن شيئاً خطيراً لأجل أخيه.
قام من مكانه سريعاً وركض إلى سيارته وانطلق بها وهو يجري العديد من الاتصالات من ضمنها ببعض معارفه في الشرطة كي يخبرهم بما حدث ليجدوا كمال فوراً قبل أن يصل إليه المجنون الآخر ويقتله بالفعل، ثم أجرى اتصالاً آخراً بأحد معارفه في شركة الاتصالات ليطلب منه تحديد مكان هاتف رامز الآن، والذي في غُمرة جنونه وتهوره قد نسي إغلاقه، وبالفعل استطاع تحديد مكانه ثم عاد ليبلغ الشرطة بمكانهما لتلحق به على المكان المحدد."

.....

"أخذ الخوف يزداد داخله وهو يرى المسدس مصوَّباً إلى صدره خاصة وهو يرى عيني رامز المشتعلة بغضب وقسوة لن تجعله يتردد في أن يقتله إن حاول فعل أي شيء.
عندما رأى رامز خوفه، قال"
- لما أنت جبان اوي كده، حاولت تقتله ليه؟

"قال كمال بنبرة مختلطة بين الخوف والغل"
- عشان سرقني

"قال رامز وقد ضاقت عيناه"
- سرقك؟!

"رد كمال في غل وغضب"
- سرق بيتي، وسرق شمس مني

"ثم هز رأسه في نفي قائلاً في حقد"
- بس أنا مش هسيبهم يتهنوا، لازم أدفعهم التمن غالي، ولازم يموت

"عند هذه الكلمة، ارتسمت ابتسامة قاسية على وجه رامز ليقول"
- أنت كمان لازم تموت

"ثم قام بتعمير سلاحه وكاد يهم بإطلاق النار قبل أن يوقفه صوت كرم قائلاً"
- رامز!!

"التفاتة واحدة من رامز كانت كافية لكمال كي ينتزع السلاح من يده فجأة، وفي جزء من الثانية، انقض عليه رامز ليستعيد السلاح من يده ثانية في قتال عنيف لتخرج طلقة من المسدس في الهواء قبل أن يسقط من يد كمال ليلتقطه رامز مجدداً في نفس اللحظة التي ركض فيها كمال ناحية النافذة ليركض منها إلى الخارج فيلحق به رامز مطلقاً عدة رصاصات ناحيته من مسدسه حتى أصابت الطلقة الأخيرة قدم كمال ليسقط أرضاً، وفي تلك اللحظة أتت الشرطة لتقوم بالقبض عليه."

.....

"كان البقية لا يزالون أمام غرفة العمليات والقلق و الخوف يعتصرهم حتى خرجت إحدى الممرضات والقلق بادياً على وجهها ليتقدم السيد سليم نحوها قائلاً في غضب"
- ايه اللي بيحصل بالظبط؟ ليه التأخير ده كله؟ ابني كويس ولا لا؟

"قالت الممرضة سريعاً"
- الإصابة خطيرة، والمريض نزف كتير ومحتاجين تلات أكياس دم إضافية فصيلة a+

"جاء صوت شمس من خلف والديه قائلاً"
- أنا هتبرع

"نظر لها السيد سليم ولم ينتبه لها إلا الآن، لقد اتصلت به من هاتف رامـي وأخبرته بما حدث ليأتي كما اتصلت بـ رامز وبوالدته كذلك.
لقد نسي أمرها تماماً ولم يسألها عمن تكون، ولكنه تذكر أنه قد رآها يوم الحفل، لقد رآها حين كانت ترقص هي ورامـي في تلك الليلة، والآن هي على استعداد أن تتبرع بالدم لأجله، ما علاقتها به؟
بينما كانت كل تلك التساؤلات تدور في رأسه، كانت رقية تنظر إليها في امتنان لتمنحها شمس ابتسامة واهنة في محاولة منها لطمأنتها قبل أن تذهب مع الممرضة سريعاً لتتبرع بالدم، نظر إلى رقية وسألها قائلاً"
- أنتِ تعرفيها يا رقية؟

"اومأت رقية إيجاباً ليسألها"
- مين هي؟

"نظرت إليه لتقول في هدوء"
- شمس... البنت اللي رامـي بيحبها

.....

"و في الطريق، وأثناء ما كان كرم ورامز عائدان إلى المشفى، قال كرم في غضب"
- أنت مجنون يا رامز؟ في حد يروح ويعمل اللي أنت عملته ده؟ عارف كان هيحصل ايه لو ماكنتش لحقتك؟

"نظر إليه رامز قائلاً في ضيق"
- كنت قتلته، شفت بقى إنك عطلتني؟

"نظر إليه كرم في غضب قائلاً"
- وتتحبس، مش كده؟

"ثم اتبع وهو ينظر إلى الطريق أمامه"
- في حياتي كلها ماشفتش مجانين اكتر منك أنت وأخوك

"قال رامز بلا مبالاة"
- وتدخل نفسك في مشاكل مع مجانين ليه؟ ماكنتش جيت احسن

"عاد كرم لينظر له في غضب ثم قال"
- عشان أخوك صاحبي، وماينفعش الاقيك عاوز تضيع نفسك واسيبك

"قال رامز متوعداً"
- أهم حاجة دلوقتي رامـي يبقى كويس، لو جراله حاجة والله العظيم ما هرحمه

"صمت كرم دون رد، مهما تحدث فلن يجدي حديثه في أي شيء، إنه مجنون بالفعل، ولا حديث يثمر مع المجانين."

.....

"على الرغم من محاولات الممرضة في إقناع شمس بالتبرع بكيسين فقط وأخذ الكيس الثالث من أحد أفراد عائلته لأجل صحتها خاصة في حالتها المتعبة تلك، إلا أن شمس قد صممت على التبرع بالعدد المطلوب، وإن قدمت روحها بأكملها لأجله فلن تتردد لحظة، هي من فعلت به هذا وهي من يجب أن تنقذه لعلها تغفر لنفسها عجزها عن إنقاذه من تلك الرصاصة اللعينة.
عندما تبرعت بالكمية المطلوبة، خرجت الممرضة سريعاً بأكياس الدم عائدة إلى غرفة العمليات بينما ظلت ممرضة أخرى إلى جوار شمس.
مرت دقائق حتى وجدت السيد سليم يدخل من الباب، تقدم ناحيتها حتى جلس على الكرسي إلى جوار السرير دون كلمة.
تعجبت قليلاً من مجيئه، ولكنها كانت متعبة بما يكفي لئلا تستطرد بفكرها حول قدومه إليها. ساد الصمت للحظات حتى قطعه هو قائلاً في هدوء"
- عاملة ايه دلوقتي؟ كويسة؟

"اومأت برأسها في هدوء ليتبع هو قائلاً"
- أنتِ كنتي مع رامـي وقت اللي حصل؟

"ظلت صامتة فاتبع"
- يعني بما إنك أنتِ اللي كلمتينا كلنا يبقى أكيد كنتي معاه

"عادت لتومئ برأسها وقد دمعت عيناها ثانيةً ليسألها قائلاً"
- ايه اللي حصل؟ مين اللي عمل كده في ابني؟

"صمتت في خوف، ماذا سيفعل إن علم أنها السبب فيما حدث؟ مهما كان رد فعله فهي تستحقه، هي تستحق أي شيء.
نظرت له وقد قررت أن تروي له كل شيء. مر بعض الوقت وهي تحكي له كل ما حدث وهو يستمع إلى حديثها وشعور بالغضب يتملكه، ولكن رؤيته لحالتها الباكية بخوف على ابنه قد أشعرته بصدق مشاعرها تجاهه وكرهها الشديد للوغد الذي فعل ذلك.
إن سنوات عمره الطويلة وتجربته المريرة مع الحب في الماضي كانت كافية له ليعلم حقيقة ومعدن هذه الفتاة جيداً. عندما انتهت من حديثها، صمتت ليقول هو ولم يتخلَ عن هدوئه"
- يعني أنتِ السبب في اللي حصل لابني مش كده؟

"انهمرت المزيد من الدموع وهي تومئ برأسها إيجاباً في حزن، ولكنها قالت سريعاً"
- بس صدقني حضرتك أنا ماكنتش اتخيل إنه ممكن يعمل كل ده وياخد البيت من كمال، وماكنتش اتخيل إن كمال ممكن توصل به للدرجة دي ويحاول يقتله

"ثم صدرت منها شهقة باكية وهي تقول في ألم"
- أنا هعمل أي حاجة عشان رامـي يبقى كويس، ومستعدة أشهد باللي حصل واقول إن كمال هو اللي عمل كده، وصدقني حضرتك لو عدم وجودي هيبقى أحسنله فأنا هختفي من حياته خالص ومش هيشوفني

"نظر لها قبل أن يقول"
- بعد كل اللي عمله عشانك هتسيبيه وتمشي؟

"ظلت صامتة ودموعها لا تزال تنهمر فاتبع قائلاً"
- ماعتقدش إن رامـي ممكن يحب واحدة ضعيفة

"نظرت إليه وقالت بصوت متألم"
- طيب أعمل ايه عشان يبقى كويس؟

"قال في ثقة"
- تفضلي جنبه، تثبتيله إنك تستحقي اللي عمله عشانك، ولا أنتِ ايه رأيك؟

"اومأت برأسها دون كلمة ليتبع قائلاً"
- لولا اللي أنتِ عملتيه عشانه دلوقتي، ولولا إني حاسس إنك صادقة في كلامك، كان زمان تصرفي معاكي مختلف تماماً

"ثم صمت للحظات واتبع"
- أنا عمري ما شكرت حد قبل كده، بس أنا بشكرك دلوقتي يا شمس

"ثم قام من مكانه ورحل دون أي إضافة أخرى ودون أن ينتظر منها أي رد. شعرت ببعض الراحة لذلك الحديث الغير المتوقع أبداً.
كانت تتوقع أن يهاجمها ويتوعدها ولكن لم يحدث، بدى هادئاً للغاية على عكس ما كانت تتصور من خلال ما تسمع عنه، تماماً مثلما كانت تتصور رامـي... ظنته رجلاً قاسياً متسلطاً حتى ما إن اقتربت منه وجدته يمتلك من الحنان والدفء الكثير."

.....

"وصل رامز وكرم إلى المشفى ليتقدم رامز ناحية والدته ويسألها في قلق"
- ايه الأخبار؟

"قالت والدته في حزن"
- لسة ماخرجش، من شوية نقلوله دم عشان نزف كتير

"ثم اتبعت بعينين دامعتين"
- بيقولوا إصابته خطيرة

"احتضنها رامز مطمئناً إياها وهو يشعر بالغضب يشتعل داخله أكثر، كيف لم يقتل ذلك الوغد ولم تصب رصاصاته سوى قدمه فقط؟ قال في هدوء"
- رامـي هيبقى كويس، أنا متأكد

"نظرت إليه لتلاحظ بعض الكدمات على وجهه لتقول في قلق"
- ايه اللي في وشك ده يا رامز؟ أنت كنت فين؟

"ابتسم لها قائلاً"
- حاجة بسيطة، ماتشغليش بالك

"انتبه الجميع لباب غرفة العمليات الذي فُتح للتو ليخرج منه رامـي نائماً على السرير الذي ينقله الممرضين إلى العناية المركزة، وخلفهم الطبيب الذي تقدموا ناحيته للاطمئنان فقال"
- اتطمنوا! العملية كانت صعبة فعلاً بس الحمد لله الدم اللي اتنقل أنقذه، دلوقتي هيفضل في العناية فترة لغاية ما يتحسن وبعد كده هيتنقل لغرفة عادية، عن إذنكم!

"رحل الطبيب تاركاً إياهم وقد استطاعوا أخيراً أن يلتقطوا أنفاسهم في راحة خاصة رقية التي شعرت بأن قلبها عاد ليخفق مرة أخرى بعد ساعات من الرعب، وتوجهت فوراً إلى غرفة شمس التي قد نامت لبعض الوقت وسرعان ما استيقظت في فزع ثانية عندما رأت ما حدث في منامها لتجد رقية تطرق الباب ثم تدخل إليها وابتسامة راحة مرسومة على وجهها، قالت شمس في لهفة"
- رامـي عامل إيه؟

"جلست رقية إلى جوارها وقالت بابتسامة"
- الحمد لله خرج من العمليات ونقلوه عالعناية لغاية ما يتحسن وبعدين هيتنقل لأوضة عادية

"التقطت شمس أنفاسها أخيراً وهي تهمس"
- الحمد لله

"أمسكت رقية بيدها وقالت"
- طمنيني عنك، أنتِ كويسة دلوقتي؟

"مسحت دمعة هربت من عينيها وهي تقول"
- طول ما هو كويس أنا كمان كويسة

"ابتسمت رقية في حنان وهي تقول"
- أنا مش عارفة أشكرك ازاي يا شمس عاللي عملتيه

"ثم دمعت عيناها رغماً عنها وهي تقول"
- أنتِ ردتيلي روحي

"ابتسمت شمس لها فاقتربت رقية منها لتحتضنها قائلة في حنان"
- أنا كان نفسي يبقى عندي بنت حلوة زيك كده، فأنا هعتبرك من دلوقتي بنتي يا شمس!

.....

"وفي المساء، كانت شمس تقف خلف زجاج غرفة العناية تراه محاطاً بالأجهزة وقلبها يتألم. كيف يشعر الآن؟ هل يتألم لكل تلك الأجهزة؟ هل يوجعه موضع ما استخرجوا الرصاصة؟ كيف سيخبرهم بأنه متألم؟ لن يستطيع الحديث ولن يفهموه.
هي من تشعر به، هي السبب، لو كانت قد قتلت كمال لما وصل إليه ولما أتى إلى هنا، متى سيفيق؟ وكيف سيكون شعوره إن علم بأن من فعل ذلك هو كمال؟ هل سيكرهها؟
دمعت عيناها دون أن تشعر فحاولت مسحها لتجد رامز يقف إلى جوارها وقد قال وهو ينظر ناحية أخيه من خلف الزجاج"
- أنا كنت هقتله

"نظرت إليه شمس في قلق فاتبع"
- قدرت أوصل لمكانه ولقيته وكنت هقتله

"ثم تنهد قائلاً"
- بس كرم منعني، ماقدرتش أعمل حاجة غير إني أصيبه في رجله قبل ما البوليس يقبض عليه ويرموه في الحبس

"قالت شمس في ثبات"
- أنا هروح معاك للنيابة وهشهد ضده

"نظر لها رامز دون رد لتتبع وقد عادت إليها قوتها"
- لازم ياخد جزاءه، كفاية أذى لغاية كده

"ثم عادت لتنظر ناحية رامـي لتقول في شرود"
- أنا كنت هقتله برضو، لولا إن رامـي اتدخل كان زماني قتلته فعلاً

"عادت لتهرب دمعة من عينيها وهي تقول"
- عالأقل ماكنتش هشوف رامـي هنا دلوقتي

"نظر لها رامز قبل أن يقول"
- بتحبيه؟

"نظرت له ثم قالت بابتسامة متألمة"
- بحبه دي حاجة قليلة عاللي أنا حساه دلوقتي

.....

"مرت فترة تحسنت فيها حالة رامـي واستعاد وعيه تدريجياً وتم نقله إلى غرفة عادية. وفي اليوم التالي لنقله، كانت والدته تجلس إلى جواره تنتظره أن يستيقظ وهي تمسح بيدها فوق شعره مثلما كانت تفعل في الماضي عندما كان طفلاً صغيراً وهي تحمد الله أن سلمه مما حدث.
بعد عدة دقائق، وجدته يفتح عينيه وقد استيقظ أخيراً، ابتسمت والدته في سعادة قائلة"
- أخيراً صحيت يا حبيبي!

"ابتسم رامـي لها ابتسامة متعبة لتتبع"
- قولي عامل إيه؟ حاسس إنك كويس دلوقتي؟

"اومأ برأسه في هدوء لتقول هي في راحة"
- الحمد لله

"نظر من حوله ففهمت أنه يسأل عن البقية فقالت عندما عاد ليلتفت لها"
- سليم تحت في الحسابات، ورامز راح بيت المزرعة يجيب لك شوية حاجات

"لم تكد تنهي جملتها حتى وجدت رامز يدخل، وقد استغل ذهابه إلى بيت المزرعة ليغير ثيابه ويحلق ذقنه وقد اختفت آثار تلك الكدمات منذ أيام قليلة وعاد مشرقاً من جديد. عندما وجد رامـي قد استيقظ، اقترب ناحيته بابتسامة واسعة ثم قال"
- حمد لله عالسلامة يا وحش!

"ابتسم رامـي له فاتبع رامز ممازحاً إياه في عبث"
- وحشتيني أوي يا بطة!

"ضحك رامـي متأوهاً من الألم لتقول رقية معاتبةً رامز"
- ماتضحّكوش يا رامز! لسة مالحقش يخف

"ضحك رامز قائلاً"
- خلاص بلاش هزار دلوقتي، لما يخرج بس

"دخل السيد سليم إلى الغرفة ثم اقترب ناحية سريره وابتسم قائلاً في هدوء بعد أن أمسك بيده"
- حمد لله عالسلامة يا رامـي

"ابتسم رامـي له فاتبع"
- بقيت أحسن دلوقتي؟

"اومأ رامـي برأسه فابتسم والده قائلاً"
- أنا عارف إنك قوي وهترجع أحسن من الأول

"شعورٌ بالألم أصاب رامز، الذي كان يجلس على الطرف الآخر من السرير ويتجنب النظر إلى والده. لم يكن يشعر بالغيرة من أخيه أبداً، ولكنه كان يتمنى في داخله لو يهتم به مثل اهتمامه بـ رامـي.
قطع شروده رنين هاتفه ليجد المتصل نانسي، قام من مكانه وخرج من الغرفة وسار إلى آخر الممر ثم فتح الخط"
- ألو!

"قالت نانسي في لهفة"
- أخيراً رديت يا رامز! قلقتني عليك أوي

"قال في هدوء"
- أنا آسف إني اختفيت فجأة وماتصلتش بيكي، بس حصلت ظروف كده

"قالت نانسي في قلق"
- حصل إيه؟ أنت كويس؟

"قال مطمئناً إياها"
- أنا كويس يا نانسي! ماتخافيش

"ثم تنهد وهو يتبع"
- بالليل هجيلك واحكيلك اللي حصل

"قالت في حنان"
- ماشي يا حبيبي! هستناك

"ابتسم قائلاً"
- سلام يا حلوة!

"عاد إلى حيث الغرفة ثانية، ولكنه توقف عندما رأى شمس لا تزال تجلس مكانها ولا تدخل أبداً. جلس إلى جوارها وابتسم لها قائلاً"
- مش ناوية تدخلي ولا إيه؟

"نظرت إليه ثم قالت في حزن"
- هو صحي مش كده؟

"رد قائلاً"
- وبيضحك كمان

"ثم همس وكأنه يفشي لها سراً"
- بس ماتضحكيهوش زيادة لا يتعب وماما تزعقلك

"ضحكت شمس رغماً عنها ليتبع مبتسماً"
- ادخليله يا شمس! هو أكيد عايز يشوفك

.....

"دخلت شمس إلى الغرفة في هدوء وهي تتجنب النظر إليه حتى توقفت مكانها.
شعرت رقية بأن حديث ما على وشك أن يجري ولا يجب أن يكون غيرهما هنا، لذا قامت من مكانها لتخرج وتبعها سليم أيضاً بينما كان رامز لا يزال بالخارج.
اقتربت ناحية الكرسي المجاور لسريره ثم جلست في هدوء دون أن ترفع عيناها حتى وجدته يمد يده ناحية وجهها ليرفعه إليه في هدوء، نظرت إليه بعينين دامعتين، حاولت التحدث قائلة"
- أنا آسفة

"ثم انهمرت دموعها لتتبع"
- أنا شفته بس مالحقتش أبعدك، هو كان أسرع مني وضرب النار وأنا...

"وضع أصابعه على شفتيها لتكف عن هذا الحديث، لقد حكى له والده منذ قليل كل ما أخبرته به، وما لم تعلمه هي أنه كان يتوقع ذلك بالفعل، ولكنه لم يكن يعلم أن يحدث بتلك السرعة.
وعندما علم ما قامت به شمس لأجله، ازداد حبه لها أكثر، إنها تستحق، تستحق أن تكون روحه فداءاً لها.
أخذ يمسح دموعها برفق ليمنحها إحدى ابتساماته الحنونة التي تُدخل السَكينة في نفسها، وجدت نفسها تقول"
- أنت مش زعلان مني؟

"هز رأسه في نفي بابتسامته لتقول في بلاهة"
- بجد؟

"ضحك منها فآلمه جرحه ليتأوه فقالت هي في لهفة"
- خلاص خلاص، أنا مش هتعبك، المهم إنك كويس

"ثم اتبعت في تردد"
- هو أنت... يعني...

"نظر لها متسائلاً لتتبع في خفوت"
- بتحبني بجد؟

"اومأ لها برأسه بابتسامته الساحرة لتقول بنفس التردد"
- يعني مش بتجاملني عشان رسمتلك لوحة وقلتلك أغنية؟

"حاول أن يسيطر على ضحكته حتى لا يتألم مجدداً ثم أشار لها بإصبعه أن تقترب، وكلما اقتربت أشار لها بالمزيد حتى أمسك ذقنها بين أصابعه برفق وقرَّبها من وجهه أكثر ليقبِّل جانب فكَّها للمرة الثالثة، والتي لن تكون الأخيرة أبداً."

.....

"عندما حل الليل، ذهب رامز إلى منزل نانسي -حيث راحته-، وعندما دخل كانت رائحة شهية للغاية في استقباله لتسحبه بخفة نحو المطبخ ليجد ساحرته الحمراء تقوم بإعداد بعض الحلوى الشهية لأجله، وكأنها تعلم أن ما مر به في تلك الفترة لم يكن سهلاً أبداً فأرادت، كعادتها، أن تريحه.
اقترب ناحيتها في خفة حتى احتضنها من الخلف في شوق قائلاً"
- أنا جيت يا حلوة!

"ابتسمت ضاحكة منه، لم تعد ترتعب عندما يفاجئها هكذا بل أصبحت تفرح إن فعل، التفتت إليه ثم احتضنته في حنان قائلة"
- وحشتني أوي!

"ثم عادت لتنظر إليه وهي تقول بابتسامة"
- عملتلك حاجة حلوة عشان ترتاح

"ثم اتبعت وهي تتلمس وجهه بأصابعها"
- شكلك تعبان اوي

"قال في تعب وهو يسند جبينه إلى جبينها"
- تعبان جداً يا نانسي! بقالي كتير مارتحتش

"مسحت بيدها على شعره ثم قالت في حنان"
- تعالى نقعد برة، ناكل الكيك وتحكيلي

"و في غرفتهما الصغيرة، وبعد أن تناولا الطعام، كانت نانسي تجلس على السرير وهو ممدداً إلى جوارها مستنداً برأسه إلى ساقها مغمض العينين يحكي كل شيء حدث معه منذ اتصال شمس به لتخبره بخبر إصابة رامـي نهاية إلى اليوم، وهي تستمع إليه بإنصات وهدوء حتى انتهى تماماً عندما تنهد قائلاً"
- ده كل اللي حصل

"لتنحني هي على جبينه مقبِّلةً إياه لتقول"
- الحمد لله إنك رجعتلي بالسلامة!

"ابتسم لها في حنان لتتبع"
- طيب ورامـي عامل إيه دلوقتي؟

"تنهد قائلاً في راحة"
- فاق وبقى كويس، مش عارف لو كان جراله حاجة أنا كان هيحصلي إيه

"ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة مريرة وهو يقول"
- شكلي مش هبطل أخاف من الخسارة

"مسحت نانسي بيدها على شعره وهي تقول محاولة إدخال الطمأنينة إلى نفسه"
- ماتخافش، مش هتخسر أي حد من اللي بتحبهم، كل حاجة هتبقى كويسة

"نظر لها وهو يقول بابتسامة"
- عاوزك تقوليلي كده كتير

"ثم أغمض عينيه يكرر كلماتها"
- ماتخافش. مش هتخسر أي حد من اللي بتحبهم. كل حاجة هتبقى كويسة.

"أخذ يكررها في خفوت وهي تكررها معه بينما تسير بأصابعها بين خصلات شعره حتى غط في نومٍ عميق، وكأنه لم ينم منذ أعوام."

.....

"وفي اليوم التالي، كانت السيدة سناء قد وصلت إلى القاهرة عندما أبلغها رامز بما حدث، وتوجهت سريعاً إلى المشفى وهي في حالة من القلق لأجل ذلك المتهور الذي لا تدري حتى الآن أي مشكلة قد فعلها لتكون تلك هي النتيجة.
وعندما وصلت هناك، بحثت عن الغرفة سريعاً ودخلت، ولم يكن بالداخل سوى سليم ورامز. لم تلتفت لأيٍ منهما بل توجهت ناحية رامـي الذي كان مدركاً لحالتها القلقة فابتسم لها في هدوء لتهدأ.
جلست إلى جوار سريره وهي تسأله في قلق"
- عامل إيه يا رامـي؟ كويس؟

"ابتسم لها رامـي مطمئناً إياها وهو يهز رأسه بالإيجاب فقالت ولم يختفِ قلقها"
- بس شكلك لسة تعبان اوي

"قال رامز من خلفها بابتسامة"
- ماتقلقيش يا عمتو! الدكتور طمننا الحمد لله

"التفتت إليه هو وأبيه وقد عادت نظرتها القوية إليها وهي تقول"
- مش عاوزة اتكلم مع أي حد فيكم

"قال رامز متسائلاً"
- ليه بس يا عمتو؟

"قالت في ضيق"
- ابني يبقى في المستشفى الفترة دي كلها وماتقولوش حصله إيه غير لما يفوق؟ خلاص عشان عايشة بعيد مش مهم أعرف اللي بيحصلكم هنا؟

"قال سليم بابتسامة"
- غصب عننا يا سناء، الفترة اللي فاتت كانت صعبة أوي، ماخدناش نفسنا غير لما رامـي اتحسن وفاق

"ثم نظرت إلى رامـي وهي تتبع"
- ماعرفتوش مين اللي عمل كده؟

"ساد الصمت للحظات قبل أن يقول سليم"
- ابن عم شمس

"نظرت إليه في تعجب ليتبع"
- البنت اللي رامـي بيحبها

"عادت لتنظر إلى رامـي ثم همست قائلة حتى لا يسمعها أحد"
- يعني حبيتها؟

"ابتسم رامـي لها لتعود هي قائلة بعد أن التفتت إليهما مجدداً"
- وعرفتوا عمل كده ليه؟ البوليس مسكه ولا لا؟

"قال رامز بدوره"
- البوليس قبض عليه من أول يوم وبيحققوا معاه دلوقتي

"ثم صمت قبل أن يتبع"
- وعمل كده ليه... عشان رامـي رجع لشمس بيتها اللي كمال كان سارقه منها وعاوز يطردها منه

"صمتت ثم عادت لتنظر إلى رامـي وهي تقول"
- هتحكيلي كل حاجة بالتفصيل لما تتحسن، مفهوم؟

"اومأ رامـي برأسه لتتبع في تساؤل"
- وفين شمس اللي حصل عشانها كل ده؟

"بمجرد أن أنهت سؤالها حتى وجدت شمس تدخل من الباب، ومعها... رقية. نظرت إليها سناء للحظات تحاول أن تتأكد مما تراه، يا إلهي! إنها رقية... لقد عادت مجدداً، وجدت نفسها تهمس قائلة"
- رقية!!

"ابتسمت رقية في سعادة لرؤيتها، فلطالما كانت سناء قريبةً منها على الرغم من الفارق الكبير في العمر بينهما، قالت رقية بابتسامتها الرقيقة"
- سناء!! وحشتيني

"قامت سناء من مكانها وتقدمت ناحيتها لتحتضنها بشدة وهي تقول"
- وحشتيني أوي

"كان الجميع يراقبهما في صمت، خاصة سليم الذي أصبح يدرك حجم خسارته يوماً بعد يوم. اتضح له أن الجميع قد ربحها... ما عداه هو.
أمسكت سناء بيدها وهي تقول"
- لازم نتكلم يا رقية!

"هزت رقية رأسها بالإيجاب قائلة بابتسامتها المعتادة"
- أكيد

"عادت سناء لتنظر إلى شمس، التي نظرت لها هي الأخرى بابتسامة، لتقول بابتسامة غامضة"
- كنت عارفة إني هشوفك تاني يا شمس!

"ابتسمت شمس لتتبع السيدة سناء قائلة"
- متهيألي في كلام تاني بيننا بس لما رامـي يقوم بالسلامة

"هزت شمس رأسها بالإيجاب لتقول بابتسامة"
- أكيد

.....

"مرت فترة، تحسنت فيها حالة رامـي كثيراً وأصبح يمكنه الخروج من المشفى، وفي اليوم الأخير، وأثناء ما كان الجميع مجتمعاً في غرفته بالمشفى، قال والده بما لا يوحي بالمناقشة"
- أعمل حسابك يا رامـي إنك هترجع تعيش معايا في القصر، وحاجتك كلها اتنقلت من بيت المزرعة على هناك

"لم يكد رامـي يشير إليه بالرفض حتى قاطعه والده في حزم"
- مافيش نقاش، كفاية عِند لغاية كده، هترجع يعني هترجع

"ثم اتبع مجيباً عن التساؤلات التي تدور داخل الجميع دون أن ينطقوا بها"
- أنا بقيت عايش لوحدي فيه، خلاص طلقت سالي

"صُدِمَ الجميع لأجل ذلك الخبر الغريب والغير متوقع، فلم يرَ أيٌ منهم ما يدعو لانفصالهما المفاجئ هذا، ولكن رغم تلك المفاجأة إلا أنها كانت متوقعة نوعاً ما.
فقد كان رامز يعلم منذ ليلة الحفل أن ما بينهما قد أصبح على وشك الانتهاء، وأن دلالها وميوعتها قد فقدا سيطرتهما على والده.
وكان رامـي ينتظر هذا الخبر منذ أن علم بزواجهما، فلم يكن يوماً مقتنعاً بها زوجة لأبيه وتأكَّد موقفه بعد تلك الليلة التي حاولت فيها إغواءه.
أما شمس، فقد شعرت في داخلها بالسعادة لهذا الانفصال، فهذا يعني أن هناك فرصة، ولو كانت ضئيلة، لرجوع السيد سليم إلى السيدة رقية حتى تكتمل الصورة الرائعة لكلٍ منهما.
أما رقية، فتلك ليست المرة الأولى التي لا تستطيع فيها تحديد مشاعرها تجاه أيٍ مما يخص هذا الرجل، ولكن بعيداً عن أي مشاعر أخرى كانت تشعرها تجاهه، كان أكثر شعور يتملكها الآن هو شعور الغضب والخذلان، خذلها قديماً ويخذلها الآن بما يفعله بابنها العزيز. متي سيكف عن عناده وقسوته تلك؟ لمَ تلك التفرقة في المعاملة بينه وبين أخيه؟ فلينفصل وليتزوج من يشاء، لم تعد تهتم، قلبها يحترق لأجل ابنيها وكالعادة هو لا يكترث إلا لنفسه.
أما سناء، فقد شعرت بالراحة لذلك الخبر الذي كانت تنتظره منذ أن علمت بزواجهما البائس، وازداد توقعها لذلك الأمر منذ رؤيتها لرقية مجدداً، تعلم أن ظهورها في هذا التوقيت هو سبب كبير لهذا الطلاق.
تعلم حماقة أخيها جيداً تماماً كما تعلم حبه لهذه المرأة التي لم يقدِّرها حق قدرها، لكنها رغم كل ذلك لم تعلّق على هذا الخبر، فمنذ البداية كان موقفها واضحاً.
وأثناء ما كانت كل تلك الأفكار تدور في رؤوسهم جميعاً، كان والده ينتظر الموافقة من رامـي بالمجيء معه، والذي، وللمرة الأولى، قد وافق على شيء يقرره والده."

.....

"عاد الجميع إلى القصر بمشاعر متضاربة، فلقد شعر رامز بأنه يدخل مكاناً أصبح غريباً عنه بعد كل ما حدث، ولكنه قد أتى فقط حتى لا تشعر عمته بما يجري.
وقد شعر رامـي بأن الهواء قد أصبح نظيفاً في هذا القصر الواسع بعد خروج تلك الحية الشقراء. يمكنه الآن أن ينعته بقصره ومنزله أيضاً خاصة وأنه الآن يدخله بصحبة أبيه وأخيه وأمه، ولم يكن يتوقع أبداً أن يحدث ذلك مجدداً بعد ما حدث منذ سنوات، وإن كان يتمناه في قرارة نفسه، لكنه كان بمثابة الحلم المستحيل الذي، وللعجب، تحقق بشكل من الأشكال.
شعرت رقية بشعورٍ غريب. هذه هي المرة الثانية التي تدخل فيها هذا القصر بعد كل تلك السنوات. المرة الأولى كانت مليئة بالعتاب والغضب الذي يخفي في باطنه ألماً كبيراً، والآن تدخله ثانيةً بصحبته وبصحبة طفليهما الصغيرين اللذين كبرا الآن. للحظة شعرت بأن الزمن قد عاد إلى الوراء فجأة. تباً لذلك الحنين الذي يداهمها في أشد لحظات غضبها منه.
أما شمس، فلقد كانت تشعر بالحرج قليلاً من الذهاب معهم لكونهم عائلة وهي لا تزال غريبةً بينهم، ولكن رامـي قد رفض هذا التفكير وأصَّر عليها أن تأتي معهم لأنه يريدها معه.
وعندما وصلوا، انبهرت لمنظر القصر الفخم المُحاط بحدائق واسعة من حوله، وازداد انبهارها أكثر عندما رأته من الداخل. لقد كان واسعاً للغاية ومليء بالأثاث الراقي الكلاسيكي والتحف الفنية في كل مكان.
صعدوا سوياً إلى غرفة رامـي، الذي شعر براحةٍ كبيرة عندما عاد إلى غرفته ثانيةً بعد كل هذا الغياب، جلس على سريره ووضعت والدته خلفه وسادة مريحة كي يُريح عليها ظهره ثم نظرت إليها وأشارت بابتسامة حنونة"
- مرتاح؟

"اومأ برأسه إيجاباً بابتسامة لتقبِّل جبينه ثم تقول"
- حمد لله على سلامتك يا حبيبي!

"كانت السيدة سناء تجلس إلى جواره وقد علمت كل ما حدث من السيد سليم، وكانت تشعر بالفخر لكل ما فعل لأجل شمس. إن لم يتصرف رامـي بتلك الشجاعة، فمن سيفعل؟
وبعد أن علمت بما فعلته شمس لأجله في المشفى وإنقاذها لحياته، وشهادتها معه ضد ابن عمها في النيابة بل وعدم تركها له في المشفى طوال وجوده هناك حتى عاد إلى القصر الآن، شعرت بأن نظرتها بهذه الفتاة لم تخب، هي تستحق كل ما فعله لأجلها.
أشارت له قائلة بابتسامة"
- حمد لله على سلامتك يا رامـي!

"ابتسم لها رامـي ممسكاً بيدها فالتفتت إلى شمس وقالت"
- لازم نشكر شمس إنها أنقذت حياة رامـي

"ابتسمت شمس قائلة في هدوء"
- أنا ماعملتش أي حاجة، مايهمنيش غير إن رامـي يكون بخير وبس

"شعر الجميع بالإعجاب ناحية هذه الفتاة القوية والمحبة بصدق، وشعر رامـي بالفخر والسعادة بوجودها في حياته، قالت السيدة سناء بعد أن تنهدت في راحة"
- الحمد لله إننا اتطمننا على رامـي، دلوقتي لازم نسيبه يرتاح شوية

"ثم التفتت ناحية رقية واتبعت"
- تعالي معايا يا رقية! بيننا كلام كتير

"اومأت رقية برأسها مبتسمة ثم خرجت معها من الغرفة متوجهتان معاً إلى الحديقة لتتحدثا سوياً، بينما توجه السيد سليم ناحية رامـي ثم ربت على كتفه برفق قائلاً بابتسامة خفيفة"
- حمد لله على سلامتك يا رامـي!

"ربت رامـي على يد والده برفقٍ مماثل ثم أومأ له برأسه فخرج والده من الغرفة، ولم يتبقَ سواه هو وشمس ورامز، الذي توجه ليجلس إلى جوار رامـي مشيراً بابتسامة"
- حمد لله عالسلامة

"ابتسم له رامـي فاتبع في عبث"
- مستنيك لما تتحسن أكتر عشان احتفل بيك في مكاني

"ضحك رامـي مشيراً"
- لا لو كده مش هتحسن خالص

"أشار رامز بابتسامة ساخرة"
- خلاص هاخدك ونشرب قهوة، يا لها من حفلة!

"ضحك رامـي كثيراً حتى أنه تألم فاتبع رامز سريعاً"
- اهدى عشان الجرح مايتأثرش، احنا ما صدقنا إننا عدينا من كل ده

"ثم اتبع بابتسامة ماكرة"
- أنا هروح اوضتي عشان وحشتني

"ثم اتبع بغمزة فهم رامـي مغزاها"
- أوعى تتشاقى

"أمسك رامـي بالوسادة جواره ثم ألقى بها في وجهه فضحك رامز ثم قام من مكانه وخرج دون كلمة.
حمد الله أن شمس لم تكن إلى جوارهما لتفهم إشارات رامز العابثة بل إنها كانت تجلس في مكانها مطرقة برأسها وقد شعرت بالخجل لرحيل الجميع وبقائها بمفردها معه الآن.
وبعد خروج رامز، رفعت رأسها إليه لتراه يطالعها بابتسامة رقيقة.
توقفت مكانها ثم تقدمت ناحيته في هدوء حتى وصلت عنده لتشير بارتباك"
- أنا... أنا كمان لازم أمشي

"ضم حاجبيه في تساؤل لتتبع"
- لازم أسيبك ترتاح شوية، وبكرة هاجي اتطمن عليك تاني

"ابتسم مشيراً"
- بس أنا مش عاوزك تمشي يا شمس! هتسيبيني لوحدي؟

"أطرقت برأسها دون رد فأمسك بيدها في هدوء لتجلس أمامه، نظرت إليه فأشار بابتسامة"
- مش عاوزة تشوفي دولابي الإزاز؟

"ثم أشار برأسه ناحية الدولاب لتلتفت إليه وقد شعرت بالذهول، لم تنتبه إليه في البداية عندما دخلت، ولكنها الآن تشعر بانبهار لجمال كل ما فيه، بيوتٌ ومبانٍ رائعة صنعت من مكعبات طفولية ملونة ومن قطع الميكانو وألوانها الأنيقة، وبيوت خشبية صُممت من قطع أخشاب صغيرة تم تلوينها بعد ذلك بأناقة، ما هذه الروعة!
نظرت إليه وأشارت بابتسامة عريضة"
- إيه الجمال ده كله!

"ابتسم لها ثم أشار ممازحاً إياها"
- مش أنتِ بس اللي فنانة، أنا كمان فنان

"ضحكت وهي تعود لتتأمل كل تفصيلة في هذا الدولاب، ثم عادت لتلتفت إليه وهي تشير دون أن تختفِ ابتسامتها أبداً"
- أكيد فنان، اللي يصمم الروعة دي كلها لازم يكون فنان

"ابتسم في سعادة فاتبعت في حماس"
- أنا متأكدة إن المدينة الحقيقية لما تكمل مش هتقل روعة عنهم أبداً

"أشار ممازحاً إياها بطريقة المدير"
- همتك معانا يا باشمهندسة! لازم شغل من نار

"أشارت شمس في حماس وثقة"
- أكيد، وهتبقى أحسن مدينة سكنية في مصر كلها والعالم كمان


.....

"أما عن سناء ورقية، فقد توجهتا سوياً إلى حديقة القصر وجلستا عند الأريكة العريضة في وسط الحديقة.
ساد الصمت بينهما وسناء تطالع رقية وكأنها لا تصدق إلى الآن أنها قد عادت بالفعل، للحظة عادت كل ذكريات الماضي في رأسها ليراودها شعور الندم من جديد. لو فقط كانت تعلم عما تعانيه رقية دون أن يشعر أحد، لو فقط استطاعت تقديم المساعدة لها لما وصل الجميع لتلك النقطة، تلك الـ لو اللعينة مجدداً.
قالت أخيراً بنبرة هادئة"
- مش مصدقة إنك ادامي بعد السنين دي كلها

"ابتسمت رقية دون رد وهي تشعر بمشاعر لا تقل وجعاً عنها، اتبعت"
- ايه اللي حصل؟

"قالت رقية بابتسامتها"
- سليم كان وعد رامـي إنه يلاقيني، ولقاني، ورجعت لولادي تاني

"قالت سناء في هدوء تشوبه بعض المرارة"
- يا ريت لو فضلت كل حاجة زي ما كانت من سنين

"ابتسمت رقية في ألم لتقول"
- مافيش حاجة بتفضل على حالها، كل حاجة لازم تتغير

"قالت سناء في عتاب"
- لو كنتي قلتيلي كنت ساعدتك، كنت منعته عن اللي بيعمله

"ابتسمت رقية قائلة"
- في حد يقدر يمنع سليم عن حاجة؟

"صمتت سناء دون رد، هي أيضاً تعلم حال أخيها يابس الرأس، اتبعت رقية قائلة بابتسامة منكسرة"
- أنا اللي عرفته وحبيته ماقدرتش أعمل حاجة، ماقدرتش أخليه يحبني بالشكل اللي يغيره، ازاي كان هيسمع كلام حد تاني؟

"قالت سناء سريعاً"
- لو كنتي طلبتي مني المساعدة بعد الطلاق كان ممكن أقف قصاده في قراره بحرمانك من الولاد

"ثم اتبعت في ثقة"
- مهما عمل كان بييجي عندي ويفكر مرتين قبل أي حاجة، أنا متأكدة إني كنت هقدر اخليكي تشوفي ولادك غصب عنه

"ابتسمت رقية وهي تربت على يدها برفق لتقول"
- اللي حصل حصل يا سناء، المهم إن ولادي رجعوا لحضني تاني، مش عاوزة حاجة غير إني أفضل شايفاهم كويسين وبخير وبس

"ثم اتبعت في امتنان"
- مهما عملت أو قلت مش هقدر أشكرك على تربيتك لولادي واهتمامك بيهم، أنتِ خليتيهم أحسن من اللي كنت اتخيله كمان

"قالت سناء في حنان تشوبه مرارة خفية"
- دول ولادي اللي ماخلفتهمش، وهيفضلوا ولادي على طول

"لتتبع بضحكة خفيفة"
- مع إنهم خلوا بيني وبين الجنان شعرة بس معلش فداهم

"ضحكت رقية ثم قالت"
- بكرة نربي ولادهم سوى

"عادت سناء لتصمت للحظات قبل أن تقول ببطء"
- رقية!... أنتِ وسليم... مافيش أي أمل ترجعوا لبعض تاني؟

"ابتسمت رقية دون رد، ولكن قد فضحت عيناها الكثير من الألم، قالت في قوة وثقة ناقضت ما يظهر في عينيها"
- اللي اكتشفته بعد السنين دي كلها إن أي حاجة ممكن تتغير، لكن سليم... لا.

.....

"مرت فترة كانت سالي فيها تحترق غيظاً وغضباً، لقد خسرت كل شيء ولم تربح مثلما كانت تظن.
لقد تزوجها لأجل قضاء بعض الوقت معها وتركها، لم يحبها كما كانت تظن بل إن طليقته تلك لا تزال تستحوذ على قلبه، وهي قد ولى زمنها مثل من سبقنها، لكن لا... ليست هي من تُترك خاسرة بعد كل ما ذاقت من تلك العائلة، ستنتقم منهم جميعاً، وستربح في النهاية، وليس أمامها إلا حل واحد."

****

"في أحد المرات مساءاً، عندما كان رامز يجلس في شقته الخاصة، التي اشتراها منذ عدة سنوات لنفسه كي تكون مهربه من الجميع ولم يخبر بها أحداً، دق جرس الباب ليفتح فيجدها تقف أمامه في إشراق وجمال، وكأنها لم تنفصل عن والده منذ مدة قصيرة فقط.
وكالعادة لم تشترِ ملابس لها لتتخلى عن ملابس أختها الصغرى أبداً، المسكينة... ليس لديها أموال، هكذا فكر عندما رآها بتلك الهيئة الاصطيادية. ابتسمت هي ابتسامة رائعة قائلة"
- مفاجأة!!

"ابتسم لها رافعاً حاجبه الأيسر وهو يقول"
- سالي! مفاجأة غير متوقعة فعلاً

"دخلت دون إذن ثم جلست على الأريكة الواسعة وهي تتلفت حولها متأملة شقته الفخمة قائلة"
- شقتك حلوة اوي

"استند على الباب بظهره بعد أن أغلقه وهو يقول متسائلاً"
- ويا ترى عرفتي مكان الشقة الحلوة دي منين؟

"ابتسمت له في مكر قائلة"
- سالي تعرف كل حاجة

"هز رأسه في نفي وهو يبادلها الابتسامة ذاتها قائلاً"
- ماعتقدش سالي تعرف كل حاجة

"نظرت إليه في تعجب فاتبع"
- يعني... عالأقل كانت عرفت تحافظ على سليم الراوي في إيدها

"نظرت إليه في ضيق"
- هو اللي ماعرفش يحافظ عليا

"ضحك ضحكة خفيفة قائلاً"
- صح، مالوش حق

"ثم اختفت ابتسامته تماماً ليسألها بوضوح"
- جاية ليه يا سالي؟

"قامت من مكانها ثم تقدمت نحوه في خطوات مدللة حتى أصبحت أمامه لتقول بابتسامتها الناعمة"
- جاية اسأل عليك يا رامز!

"لتتبع في وداعة"
- ماينفعش اعرف إن سليم مقاطعك واسيبك كده وماسألش، احنا برضو كنا أهل

"ضحك ضحكة عالية حرَّكت بداخلها الكثير من المشاعر التي لطالما صارعتها في وجوده ثم نظر لها وهو يقول في مكر"
- إلا أنا يا سالي!... إلا أنا

"ثم اتبع قائلاً بابتسامة ماكرة"
- مش أنا اللي تضحكي عليه بالكلام الفارغ ده، أنا عارف كويس أنتِ جاية ليه

"ابتسمت في مكر هي الأخرى لتقول"
- جاية ليه بقى؟

"قال بابتسامة ساخرة"
- كرامة الأنثى ناقحة عليكيِ حبتين، مش قادرة تتخيلي إنه اتنازل عنك ببساطة كده

"نظرت إليه دون رد ليتبع"
- مش قادرة تتخيلي إنه سابك عشان لسة بيحب مراته الأولى، ومن ساعتها وأنتِ هتموتي وتنتقمي منه، هتموتي وتثبتي لنفسك إن ليكي قيمة وفي حد ممكن يتمسك بيكي، ومالقيتيش ادامك غير ابنه اللي مقاطعه، ده طبعاً بعد ما ابنه التاني رماكي نفس الرمية

"تبدلت نظراتها بين الصدمة والألم من كلماته اللاذعة، ليتبع هو بابتسامة ماكرة وقد أمسك بذقنها بين أصابعه"
- فاكراني مش عارف كنتي بتعملي ايه في بيتنا يا جميلة أنتِ؟!

"اختفت نظرة الصدمة والألم من عينيها لتحل محلهما نظرة عاطفية وهي تقول"
- أنا جيتلك عشان بحبك

"عاد ليضحك عالياً مرة أخرى لتتبع هي متسائلة"
- ايه؟! مش مصدقني؟

"ثم قالت سريعاً مفسرة"
- أنا مش جاية عشان انتقم ولا اثبت حاجة، أنا فعلاً بحبك، وعاوزاك تصدقني

"نظر لها ثم قال من بين ضحكاته"
- عيب! معاكي حق، سالي ماتكدبش أبداً

"لتختفي ضحكته وهو ينظر في عينيها قائلاً في ثقة"
- وأنا هرجعلك كرامتك

"لمعت عيناها في سعادة ليتبع هو قائلاً"
- بشرط واحد بس

"نظرت إليه متسائلة فقال وهو يعبث بخصلة من شعرها"
- كلمة واحدة تتقال لأي حد عن اللي بيننا هخليكي تندمي عليها طول عمرك

"سحبت الخصلة من بين أصابعه بسرعة وقد أصبحت تكره تلك الحركة كثيراً، ليتبع بابتسامة وكأنه قد فهمها"
- اتفقنا؟

"اومأت موافقة في هدوء لتقول هامسة بينما كانت تقترب منه أكثر"
- اتفقنا

****

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:58 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.