آخر 10 مشاركات
موسم الورد* متميزه * مكتملة (الكاتـب : Asma- - )           »          نون عربية (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          حــــصاد مــــاضي...روايتي الثانية *متميزة&مكتملة* (الكاتـب : nobian - )           »          [تحميل] مهلاً يا قدر ،للكاتبة/ أقدار (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          [تحميل] كنا فمتى نعود ؟للكاتبة/ الكريستال " مميزة " (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          201 - لقاء في الظلام - باتريشيا ويلسون - ع.ق (مكتبة مدبولي) (الكاتـب : Gege86 - )           »          بلسم جراحي (28) للكاتبة الرائعة: salmanlina *مميزة & مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          راسين في الحلال .. كوميديا رومانسية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : منال سالم - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree31Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-05-22, 10:43 PM   #21

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد


الفصل الخامس عشر


"وفي الصباح، استيقظ رامز ونظر جواره ليجدها نائمة، لم تتحقق أمنيته أن يكون ما حدث ليلة أمس مجرد حلم سخيف. كيف فعل ذلك؟ هل حقاً حقق انتقاماً لنفسها؟ أم انتقاماً لنفسه هو؟
استند بظهره إلى السرير وهو يزفر في ضيق، ما كان عليه أن يفعل ذلك، متى أصبح بتلك الحماقة؟
نظر إلى جواره وأخذ يفكر... حسناً، ليس حلماً سخيفاً تماماً فهي ليست بذلك السوء، ولكنها سالي... زوجة أبيه، حتى وإن أصبحت الآن طليقته، فهو لم يكن يطيقها منذ أن رآها والآن قد استجاب لها بكامل إرادته.
ابتسم ابتسامة هازئة وهو يفكر... هو الذي كان يحتقرها كثيراً لأنه يعلم نيتها جيداً منذ أن أتت إلى قصر والده، ومنذ أن رأى نظراتها إلى رامـي، الآن يجد نفسه لا يختلف كثيراً عنها، بل هو أسوء منها... هو خائن، هي لم تتعدَ خيانتها لزوجها مجرد نظرات وقحة لابنه، بينما هو قد فعل الأسوأ وقام بخيانة ندى.
ندى... وكأنها كانت تفكر فيه ليجدها تتصل به، نظر إلى الهاتف في فزع، هل رأته في حلمها أم ماذا؟
قام من مكانه بهدوء حتى لا تستيقظ الأخرى ثم خرج من الغرفة ليرد عليها"
- ألو؟!

"ابتسمت ندى قائلة"
- صباح الخير!

"ابتسم قائلاً"
- صباح النور يا ندى!

"قالت وهي تنظر في ساعتها"
- في مدير شركة يتأخر عن ميعاد اجتماعه كده؟

"رد متسائلاً"
- ليه هي الساعة كام؟

"ضحكت قائلة"
- الساعة 11

"نظر إلى الساعة في صدمة، لقد كان لديه اجتماعٌ هام مع ندى لمناقشة تصاميم المرحلة الثانية، لقد نسي تماماً، تباً... كيف استطاعت سالي أن تفعل هذا؟ لقد تزوجها والده لعدة أشهر ولم يتأخر عن ميعاده مرة.
ابتسم في سخرية لينقطع شروده بصوت ندى القائل"
- رامز! أنت معايا؟

"قال سريعاً"
- آه معاكي، أنا جاي مش هتأخر

"ابتسمت ندى قائلة"
- هستناك

"قال رامز مقلداً هند رستم في إشاعة حب"
- هستناك العمر كله يا سونة

"ضحكت ندى بشدة ثم سرعان ما كتمت ضحكتها حتى لا ينتبه لها الموظفون بالخارج"
- يا رامز ماينفعش كده أنا في الشركة

"قال في مكر"
- كويس، فكريني لما آجي أبقى اخصملك يومين عالضحكة دي

"قالت ندى سريعاً وقد عادت إلى عمليتها المصطنعة"
- طيب أنا هستنى حضرتك لما تيجي عشان نبدأ الاجتماع

"قال بنفس الاصطناع"
- أشوفك كمان ساعة يا باشمهندسة، مع السلامة!

"أغلق الخط ثم التفت ليجد سالي تتوقف خلفه تنظر إليه بابتسامة ماكرة وهي تقول"
- آسفة، أخرتك عن اجتماعك مع الباشمهندسة

"رد قائلاً"
- ده حقيقي

"ضحكت ثم اقتربت ناحيته حتى توقفت أمامه لتقول في دلال"
- دي أيامك الجاية هتبقى كلها تأخير بقى

"ابتسم في مكر وقد فهم قصدها ليقول ممسكاً بذقنها وهو يهز رأسه في نفي"
- مش كلها، أنا بس اللي أحدد أنهي يوم اتأخر فيه مش أنتِ

"ثم اقترب من وجهها قليلاً ليتبع"
- يعني أنتِ هتمشي دلوقتي، ولما أنا اكلمك عشان تيجي... هتيجي

"نظرت إليه في خيبة أمل ولكن عادت عيناها تلتمعان بالثقة لتقول في دلال"
- هتكلمني قريب، أنا عارفة

.....

"وصل رامز إلى الشركة وتوجه إلى مكتبه فوراً ثم طلب من السكرتيرة استدعاء ندى لأجل الاجتماع، فلم يكن لديه الكثير من المواعيد الأخرى كي يؤجله ليوم آخر.
مر بعض الوقت حتى وصلت ندى إلى مكتبه ثم دخلت لتغلق الباب خلفها وتتوجه ناحيته بابتسامة قائلة"
- مساء الخير!

"نظر لها في تعجب فقالت وهي تنظر ناحية الساعة"
- الساعة 12 الضُهر، يعني مساء الخير

"ضحك قائلاً"
- معاكي حق، مساء النور!

"قالت متسائلة بابتسامة ماكرة"
- يا ترى رامز بيه كان فين؟

"قام رامز من مكانه وتوجه ناحيتها حتى أصبح أمامها ليبادلها نفس الابتسامة قائلاً"
- هو احنا مش في الشغل؟

"اومأت برأسها فاتبع مشيراً ناحية طاولة الاجتماعات"
- يبقى نتكلم في الشغل يا باشمهندسة! اتفضلي.

"مر بعض الوقت وهما يتحدثان في أمور العمل، وأثناء ما كانت ندى تحدثه عن المشروع، كانت تفكر فيما إذا كان يدري أن غداً هو عيد ميلادها أم لا، هل تخبره؟ لكن لا، سيكون الأمر سخيفاً إن أخبرته وكأنها تطلب منه أن يحتفل بها ويجلب لها هدية، هو بالتأكيد يعرف وربما يفاجئها كعادته بشيء رائع.
وعندما انتهيا من الاجتماع، لاحظ شرودها الذي عاد من جديد في نفس الأمر ليقول"
- ندى!

"وعندما لم تسمعه هتف بصوت أعلى"
- يا ندى!

"لتنتبه إليه وهو يقول"
- سرحانة في إيه؟

"نظرت إليه دون رد، هل تسأله؟ قالت بابتسامة"
- مافيش

"نظر لها في ارتياب قبل أن يقول"
- أنا هسافر بكرة

"قالت في صدمة"
- مسافر؟

"تجاهل صدمتها ليقول"
- أيوة، سفرية شغل، وهرجع بعد يومين

"اومأت برأسها في إحباط وهي تقول"
- ترجع بالسلامة

"أمسك بيديها وهو يسألها برفق"
- مالك؟ في حاجة؟

"هزت رأسها نفياً وهي تبتسم قائلة"
- مافيش، أنت بس هتوحشني

"رفع يدها إلى فمه ليقبِّلها قائلاً في دفء"
- أنا بحبك

"ابتسمت له قائلة هي الأخرى"
- أنا كمان بحبك

.....

"وفي مكان آخر، قام رامـي باصطحاب شمس إلى المزرعة لرؤية أقرب كائن له في هذا العالم...
وهناك، كانت شمس سعيدة لرؤيته، فلقد كان ورد لطيفاً للغاية، كانت تمسح على شعره وتقترب منه دون خوف بل إنها كانت تطعمه مكعبات السكر بنفسها.
لقد بدت وكأنها اعتادت ذلك منذ زمن بعيد، كان رامـي يراقبها بابتسامة، وكان متعجباً من ورد الذي لم يعتد على أحدٍ سواه والآن استطاعت هي الاستحواذ عليه بمنتهى البساطة. نظرت شمس إليه فوجدته شارداً فيها لتشير بابتسامة"
- سرحان في إيه؟

"ابتسم مشيراً"
- فيكي

"ابتسمت ليتبع"
- وفي ورد، أول مرة يتعود على حد غيري بسرعة كده

"ابتسمت شمس في زهو مشيرة"
- أنا لا أُقاوم

"ضحك منها لتتبع بعد أن مسحت على شعر ورد"
- أنا حبيته أوي، شكلنا هنبقى أصحاب

"ابتسم مشيراً"
- يبقى نخلي ورد ياخدنا لفة كده في المزرعة، موافقة؟

"وافقت في حماس ثم ركضت سريعاً لتخبر السائس بأن يجهِّز ورد للخروج، وبالفعل تم تجهيز ورد ليركباه سوياً.
كانت شمس سعيدة للغاية بتلك الجولة الرائعة بصحبته. لكم كانت تتمنى أن تتواجد في مكان أخضر واسع خالٍ من الضوضاء كهذا المكان!
وعندما اقترب منها رامـي برأسه ليراها، ابتسمت له قبل أن تشير"
- خلّي ورد يجري

"نظر لها متعجباً قبل أن يشير"
- بجد؟ مش هتخافي؟

"ضحكت في هدوء ثم هزت رأسها في نفي قائلة"
- مش هخاف

"نكز جانبي الفرس كي يركض بهما في خفة وهي تضحك في سعادة وتحاول التمسك جيداً، وكان هو سعيداً لسعادتها.
وعندما توقف أخيراً، أسندت رأسها إلى كتفه وهي تضحك عالياً وهو يراقبها في حنان. من كان يصدق أن يوماً ما سيمتلك من تنير حياته مثلما تفعل هي؟ إنها حقاً لشمس... شمس ساطعة أشرقت في حياته لتجعلها أجمل.
نظرت إليه في سعادة ثم قالت"
- أنا مبسوطة جداً!

"ضحك هو الآخر لتتبع في حماس"
- ممكن نيجي هنا كل اسبوع؟

"اومأ برأسه بابتسامة لتضحك في سعادة كالأطفال وتقبِّله من وجنته ثم تقول"
- أنا بحبك أوي!

.....

"في المساء، كانت نانسي تجلس على الأريكة أمام التلفاز تحاول إلهاء نفسها عن التعب الذي تشعر به. إن الصغير داخلها يتحرك كثيراً وكأن بطنها عبارة عن طريق طويل واسع يقطعه ركضاً بكل حرية غير عابئاً بالألم الذي تسببه قدماه أثناء الركض.
وكلما التهت بالتلفاز وشردت فيمَ تشاهد، جاءت ركلته بالداخل لتنبهها لألمها مجدداً، وعندما فعلها مرة أخرى، ابتسمت في ألم وهي تحدثه قائلة"
- وبعدين معاك يا رامز؟ أنت مابتهداش أبداً؟ من امبارح مش سايبني ارتاح، لما أقضيها نوم بعد الولادة عشان أعوض اللي عملته مين هيهتم بيك وأنا نايمة؟

"شعرت بركلته ثانيةً لتضحك قائلة"
- خلاص ماتزعلش، أنا ههتم بيك برضو

"ثم اتبعت بابتسامة حزينة"
- وبابا كمان هيهتم بيك، هينشغل شوية بس هيرجعلك تاني، أنت مش عارف هو متلهف يشوفك ازاي

"ثم ضحكت ضحكة خفيفة وهي تقول"
- احتمال يبقى عندك اخوات تانيين كمان

"ركلها ثانية لتضحك مرة أخرى، إنه سيكون مثل أبيه تماماً، لن يقبل بأن يوَّزع الحب بينه وبين آخر، إما أن يأخذه كله أو يتركه كله، وإن تركه فلن يسعد أبداً.
قالت وهي تحاوط بطنها بذراعيها وكأنها تحتضنه مثلما تحتضن أبيه عند شعوره بالضيق والغيرة"
- ماتزعلش، بابا هيفضل يحبك أنت، أنت ليك حدوتة مختلفة عن الباقيين، بابا عمل حاجات كتير عشانك من قبل ما تيجي، ما بالك هيعمل إيه بقى لما تيجي؟ هيحبك أكتر.

"وجدت الباب يُفتح ليدخل رامز منه، كالعادة، محملاً بأكياس الهدايا التي لا تفرغ منها جعبته. ابتسمت نانسي في سعادة لرؤيته فتقدم ناحيتها ثم قبَّلها قائلاً"
- مساء الخير يا حلوة!

"ابتسمت في حنان قائلة"
- مساء النور يا حبيبي!

"جلس إلى جوارها ثم أخرج دميةً كبيرة ذات شعرٍ أحمرٍ من أحد الأكياس ليقدِّمها لها قائلاً بابتسامة واسعة"
- شفتها وعجبتني اوي، شعرها أحمر زيك

"أمسكت بها في سعادة قائلة"
- حلوة أوي، هسميها نانسي

"ثم عانقته قائلة"
- حبيبي! شكراً عالهدية الحلوة دي

"ضمها إليه قبل أن ينظر لها ويسألها"
- قوليلي عاملة إيه

"ثم أمسك بوجهها المتعب بين يديه وهو يقول"
- شكلك تعبانة ومش نايمة كويس

"لم تكد ترد حتى شعرت بالصغير قد عاد لحركته مجدداً فشعرت بالألم من ركلته لينكمش وجهها من الوجع، قال في قلق"
- في إيه يا نانسي؟ مالك؟

"ابتسمت في وهن قائلة"
- مافيش يا حبيبي! بس رامز الصغير بيلعب معايا شوية من امبارح وتاعبني

"قال وقد ازداد قلقه"
- خلينا نروح للدكتور أحسن

"هزت رأسها في نفي وهي تقول محاولة طمأنته"
- مالوش داعي يا رامز! طبيعي يتحرك

"عاد الصغير يتحرك ثانية لتتأوه رغماً عنها، عندها حملها رامز فجأة ليتوجه بها ناحية الباب وهي تقول"
- يا رامز!...

"قاطعها قائلاً في قوة"
- هنروح للدكتور يعني هنروح، مافيش كلام تاني

"وبالفعل ذهبا إلى الطبيب الذي قام بالكشف عليها، وعندما انتهى، سأله رامز في قلق"
- خير يا دكتور؟ ايه المشكلة؟

"رد الطبيب قائلاً"
- الجنين بيتحرك كتير، وده شيء طبيعي في الحمل، بس السونار موضح إن الحبل السري ملفوف حوالين رقبة الجنين بسبب الحركة الكتير

"قالت نانسي في خوف"
- والحل؟

"اتبع الطبيب قائلاً"
- للأسف مافيش وسيلة إننا نمنع الحركة دي، وعادة وجود الحبل السري حوالين الرقبة مش بيكون مشكلة كبيرة، بس هنحتاج نتابع الفترة الجاية كتير، وإذا استمر الوضع كده وبدأ الالتفاف ده يضيق حوالين الرقبة فعلاً يبقى مافيش غير الولادة المبكرة قبل ما تحصل أي مضاعفات لا قدر الله

"تركا عيادة الطبيب وركبا السيارة دون كلمة، كان ينظر لها طوال الطريق بين الحين والآخر ليجدها شاردة في حزنٍ لم يعتده عليها من قبل.
لطالما كانت تمنحه السعادة والراحة، والآن هي غارقة في قلقها وحزنها وهو غير قادر على فعل شيء. هو أيضاً خائف... ما تلك المضاعفات التي تحدث عنها الطبيب؟ أن يموت طفله؟ أن يخسر بذرة عائلته الأولى؟
حاول أن ينفض رأسه من تلك الأفكار اللعينة وهو يعود لينظر إليها ليجدها على نفس الحالة بل وجدها تمد يدها لتمسح دمعة هربت من جانب عينها في الخفاء ظناً منها أنه لن يراها.
هو يدري جيداً كل المخاوف والتساؤلات التي تدور في ذهنها الآن، لا... لن يسمح بأن تغرق في حزنها وخوفها دون أن يساعدها، فمن إذن سيتحمل عِنده وغروره وغضبه وعبثه الذي يزيد عليه الأمر سوءاً سواها؟ لا بد أن يقدِّم لها شيئاً تجاه كل ما فعلته له عندما كان في لحظات مشابهة.
وفجأة، غيَّر وجهته من منزلهما إلى الساحل الشمالي، يعلم أنه لا شيء سيهدئ روعها سوى مكان مزيَّنٌ بصوت أمواج البحر.
وعندما انتبهت هي إلى تغيُّر الطريق، نظرت إليه وسألته بنبرة هادئة"
- احنا رايحين فين يا رامز؟

"ابتسم لها في حنان قائلاً"
- هنغيَّر جو شوية

"عادت لتنظر من النافذة دون كلمة حتى وصلا إلى هناك. صفَّ سيارته إلى جوار منزله هناك، ثم نظر لها وأمسك بيدها قائلاً"
- وصلنا، تعالي!

"نزلت معه ليأخذها ناحية الشط ويجلسا سوياً أمامه، كان محتضناً إياها، وهي صامتة مكتفية بأن تسند رأسها إلى صدره دون كلمة.
ظلا على هذا الحال لبعض الوقت حتى قال هو في هدوء مداعباً خصلات شعرها التي يحبها كثيراً"
- بتفكري في إيه؟

"تنهدت قائلة في هدوء"
- خايفة

"ظل صامتاً منتظراً إياها أن تكمل لتفعل قائلة"
- خايفة اخسره أوي، ماتعرفش أنا فرحانة به قد إيه، ومستنياه ازاي، هو أحلى هدية أنت قدمتهالي

"ثم صمتت لتتبع بغصة بكاء"
- هو اللي هيبقالي، ولو راح هبقى خسرت كل حاجة

"رد قائلاً"
- وأنا مش باقيلك؟ مين قال إنك هتخسريني؟

"تنهدت قائلة"
- أنا وأنت عارفين إن اللي احنا فيه ده عمره ما كان هيحصل لولا وجوده هو

"ثم اتبعت بابتسامة متألمة"
- كان ممكن ماشوفكش تاني بعد ليلة الفندق، وكانت كل حاجة هتخلص وتنساني

"ابتسم هازئاً ثم قال"
- أنساكي؟

"ليتبع بعدها قائلاً"
- أنتِ فاكرة إنك كنتي مجرد واحدة عدت في حياتي كده وخلاص؟

"ثم صمت للحظات قبل أن يقول"
- أنتِ عارفة إنك أول واحدة ادخل معاها في علاقة؟

"نظرت إليه دون رد ليقول بابتسامة"
- آه، ماتستغربيش، كل اللي عرفتهم كانوا طياري إلا أنتِ، وكل مرة كنت بمشي فيها كنت بقرر مارجعش، وبرضو برجع

"سألته في تردد"
- ليه أنا؟؟

"هز رأسه في نفي قائلاً"
- ماعرفش، من ساعة ما قابلتك أول مرة وأنا بسأل نفسي ليه، ودايماً الإجابة ماعرفش

"ثم اتبع بابتسامة غامضة"
- بس دلوقتي وبعد كل اللي عدينا به سوى أقدر أقولك إنك الوحيدة اللي حسيتي بيَّ، الوحيدة اللي حسستيني إن في حد بيحبني بجد ومحتاجلي بجد، ومهما عملت مش هيمشي، عشان كده بتعذب لما بحس إني ممكن أزعلك، بحس إن حبك ده كتير عليا وماستحقوش

"قالت سريعاً"
- أنت تستحق كل الحب اللي في الدنيا

"ضحك ضحكة خفيفة ليتبع وهو يمسح بأصابعه على وجنتها"
- عرفتي ليه ماينفعش أنساكي؟ ماحدش هيحبني زيك

"تنهدت ثم قالت وهي تنظر بعيداً"
- برضو ماقدرش اتجاهل إن في يوم هتمشي وتسيبني، وإن رامز الصغير هو الحاجة الوحيدة اللي هتفضل حية بيننا

"تنهد هو الآخر دون رد، كيف يعدها بشيء لا يعلم مصيره؟ هو نفسه بحاجة لمن يطمئنه بأن ما تسبب به من عبث طوال حياته وزاده ليلة أمس لن يضره في شيء، وأنه سيُحكِم القبض على خيوط اللعبة جيداً. ما الذي سيحدث يا تُرى؟
حاول أن يبعد تفكيره الآن عن أي شيء يخصه، كفاه أنانية معها حتى في تفكيره، هي الآن بحاجة إليه، هي من تحتاج لمن يطمئنها.
ضمَّها إليه في حنان وهو يقول هامساً في أذنها وكأنه يغرس كلماته في روحها"
- مش هنساكي يا نانسي! واللي بيننا هيفضل حي

"مر بعض الوقت حتى شعر أنها أصبحت بحال أفضل فقاما معاً عائدين إلى المنزل مرة أخرى.
عندما وصلا إلى هناك، حملها رامز إلى الغرفة ووضعها في السرير وساعدها في تبديل ملابسها ثم بدَّل هو الآخر ملابسه وتمدد إلى جوارها وقرَّب رأسها إلى كتفه وهو يقول في حنان"
- كل مرة أنتِ اللي بتفضلي صاحية لغاية ما أنام، المرة دي أنا اللي هنيمك

"ضحكت في هدوء قائلة"
- أنا محظوظة أوي بقى، ممكن آخد عالدلع ده خلي بالك

"قبَّل جبينها قائلاً بابتسامة"
- الفترة الجاية كلها دلع، يمكن رامز الصغير يهدى شوية ويبطل يتعبك

"لفَّت ذراعها حول خصره ثم قالت وهي تغمض عينيها"
- ربنا يخليكم ليَّ
.....

"وفي اليوم التالي مساءاً، كان الجميع في منزل ندى يحتفل معها بعيد ميلادها السادس والعشرين.
كان حفلاً رائعاً حضره الكثير من الأصدقاء من بينهم شمس وسما ونهال وأختها يارا، وقد جاءت أختها وأسرتها الصغيرة من الخارج خصيصاً لأجل الاحتفال معها، وقد جلب الجميع الكثير من الهدايا الرائعة، ولكنها لم تكن سعيدة بكل ذلك.
على الرغم من أنها كانت تنتظر هذا اليوم من كل عام، إلا أن هذه السنة تحديداً مختلفة، كان يجب أن تقضي عيد ميلادها بصحبته هو، أين هو الآن؟ ألم يجد وقتاً مناسباً للسفر سوى اليوم؟ لو كان إلى جوارها الآن لكانت أكثر سعادة.
لقد سئمت قضاء الوقت في هذا الحفل وهي تبتسم وتتحدث وتفكيرها كله معه هو.
مر الوقت سريعاً ورحل الجميع ولم يتبقَ معها سوى شمس، التي كانت تقف إلى جوارها في شرفة المنزل.
كانت ندى شاردة في حزن بينما كانت شمس تعلم حالتها تماماً فصمتت حتى تتكلم هي. ساد الصمت بينهما لدقائق قليلة حتى نظرت ندى إليها دون رد لتبتسم شمس قائلة"
- عيد ميلاد سعيد!

"ابتسمت ندى في سخرية لتقول"
- سعيد؟

"ابتسمت شمس ابتسامة ذات مغزى وهي تقول"
- شايفة فيكي سخرية مش غريبة عليا

"ضحكت ندى رغماً عنها، لقد اكتسبت من طبعه دون أن تدري، قالت في حزن"
- كنت فاكرة إنه عارف عيد ميلادي

"ثم اتبعت"
- كان نفسي يكون موجود معايا

"قطع حديثهما صوت هاتف ندى لترد في لهفة"
- رامز!!

"ضحك قائلاً"
- إيه ده؟! ندى؟ أنا اتصلت غلط ولا إيه؟

"ضحكت ثم قالت ببعض الحزن"
- وحشتني

"ابتسم قائلاً"
- اخرجي يا ندى! أنا مستنيكي برة

"قالت دون فهم"
- ازاي؟

"عاد ليقول"
- اخرجي

"ثم أغلق الخط سريعاً لتلتفت إلى شمس التي كانت تراقبها بابتسامة وكأنها كانت تعلم، قالت ندى"
- كنتي عارفة؟

"ضحكت شمس ثم اومأت برأسها إيجاباً فانقضت ندى عليها لتحاول شمس دفعها وهي تقول ضاحكة"
- تعالي موتيني بعدين بس روحي معاه دلوقتي

"نظرت إليها ندى في صدمة وقد تذكرت أنه ينتظرها بالفعل، قالت سريعاً"
- صح، هموتك بعدين بس الحقه الأول، باي باي!

"خرجت ندى من الشرفة راكضة لتوقفها والدتها قائلة"
- رايحة فين يا ندى؟

"توقفت ندى مكانها ثم عادت إلى والدتها لتقول في تردد"
- رامز...

"نظرت إليها والدتها قبل أن تقول"
- الوقت اتأخر

"قالت ندى سريعاً"
- والله يا ماما مش هتأخر، رامز ماكانش مسافر، قالي كده بس عشان يعملي مفاجأة، ساعة واحدة بس من فضلك

"صمتت والدتها ثم قالت"
- ساعة واحدة بس، فاهمة؟

"قبلَّت ندى وجنتها في سعادة ثم قالت"
- فاهمة، مع السلامة!

"خرجت ندى من المنزل راكضة وهي تتلفت باحثة عن سيارته حتى رأته فركضت ناحيته ليخرج من السيارة ويتلقفها بين ذراعيه في سعادة وشوق، وأخيراً يمكنها القول أن لديها عيد ميلاد لهذا العام، قال في حنان"
- كل سنة وأنتِ أحلى حاجة حصلت في حياتي!

"نظرت إليه في سعادة لتقول"
- وأنت كمان أحلى حاجة حصلت في حياتي!

"ابتسم لها فاتبعت بعينين دامعتين"
- كنت فاكراك ماتعرفش إن النهاردة عيد ميلادي

"ضحك قائلاً"
- طبعاً، أمال تبقى مفاجأة ازاي؟

"ابتسمت ضاحكة لتقول"
- ويا ترى كل سنة هتفاجئني كده؟

"قال بابتسامته الماكرة"
- حياتك معايا هتبقى كلها مفاجآت

"ثم اتبع في حماس"
- يلا نمشي بقى عشان محضرلك سهرة تجنن

"أخذها إلى حيث ذهبا سوياً أول مرة، إلى ذلك المطعم الذي لطالما جعلها تترك عملها لتذهب معه إليه حيث يتبادلان تلك الأحاديث التي كانت تثير غضبها بقدر ما تثير استمتاعه،
وعلى نفس الطاولة التي كانت على وشك أن تطعنه عليها آخر مرة جلسا.
كانت تتأمل المطعم الذي كان خالياً من الجميع سواهما مع إضاءة خافتة وموسيقى هادئة تأسر الروح مثله تماماً.
جلس هو أمامها يتأمل انبهارها بما حولهما لتلتفت إليه فترى تلك الابتسامة الساحرة مرسومة على وجهه، قال"
- إيه رأيك؟

"نظرت إليه حتى ابتسمت قائلة"
- المكان ده...

"ثم ضحكت ليفهم هو كل ما خطر ببالها من ذكريات ومشاكسات في هذا المكان المميز، قال في مكر"
- كنا كام كام؟

"ضحكت قائلة"
- رامز:4 وندى:2

"ضحك هو الآخر ثم قال"
- واحشك؟

"تنهدت في راحة قائلة"
- واحشني جداً

"ثم نظرت إليه وقالت رافعة حاجبها الأيسر"
- كان نفسي اقتل حد هنا آخر مرة، عارفه؟

"ضحك عالياً ليشتد هيامها بقطعة الفانيليا أمامها كما السابق تماماً، كيف كانت لتقتله؟ ومن أين ستحلو حياتها إن لم تحليها الفانيليا؟ قال"
- بتظلمي الخبير المتخصص يا ندى!

"أمسكت بالسكين مجدداً ثم أشارت بها ناحيته قائلة في تهديد"
- وبعدين بقى؟

"قال بابتسامته العابثة"
- كله عشانك في الآخر يا جميل!

"تركت السكين ثم أشاحت بنظرها عنه في خجل ليضحك مرة أخرى قبل أن يقوم من مكانه ويمِّد يده ناحيتها قائلاً بابتسامة"
- تسمحيلي بالرقصة دي؟

"وضعت كفها في كفه لتقوم معه ويذهبا ناحية ساحة الرقص الخالية إلا منهما ليطوق خصرها بيديه ويلتف ذراعيها حول رقبته، قال"
- اتمنيتي إيه في عيد ميلادك؟

"ابتسمت قائلة"
- إني مابعدش عنك أبداً

"مال على أذنها ثم قال"
- سميتي ولادنا إيه؟

"نظرت إليه في دهشة ليتبع بابتسامته"
- من أول يوم اتقابلنا فيه وأنا عارف إنك فكرتي فيهم

"صمتت وقد شعرت بأن لسانها قد انعقد ليتبع ممازحاً إياها"
- هتلوني اوضتهم ازرق ولا بنفسجي؟

"قالت هامسة دون وعي"
- بنفسجي

"ضمها إلى صدره ضاحكاً لتخفي هي وجهها الخَجِل فيه حتى تمالكت نفسها لترفع رأسها إليه قائلة"
- عرفت ازاي كل ده؟

"هز رأسه في نفي وهو يقول بابتسامة الخبير المتخصص"
- الخبير المتخصص مايتسألش... يسأل بس

"ابتسمت في دهشة وهي لا تكاد تصدق، إنه يقرأ أفكارها... يعرفها تماماً، حتماً هو مجنون، أو هي التي على وشك أن تجن.
قطع هو سيل أفكارها التي، وكالعادة، يعرفها تماماً ليقول بابتسامته الماكرة"
- ماقلتليش، سميتيهم إيه؟

"صمتت بابتسامة محرَجة ومترددة قبل أن تقول"
- ستة... تلات ولاد وتلات بنات... الولاد هيكون اسمهم أدهم وكريم وزياد، والبنات هيكونوا فرح وفريدة ورقية

"رد بابتسامة متعجبة"
- رقية؟

"اومأت برأسها قائلة"
- أنا عارفة إنك بتحب مامتك اوي، وممكن تسمي بنتك على اسمها

"عاد ليضمها إليه بابتسامة قائلاً"
- أنتِ بقيتي عارفاني كويس

"نظرت إليه قائلة"
- يا ريت... كل ما اعرفك اكتر، الاقي لسة في مفاجآت

"رد قائلاً بابتسامته الماكرة"
- حلو... التشويق في أي علاقة مطلوب

.....

"في اليوم التالي، وفي وقتٍ متأخر من الليل، كانت سالي تجلس إلى جواره على الأريكة الواسعة رافعة قدميها إلى جوارها ومستندة برأسها إلى صدره وهما يشاهدان أحد الأفلام الأجنبية.
كان هو، وكعادته، يفكر في ندى، لم يشعر بالذنب تجاهها مع نانسي بقدر ما يشعره تجاهها مع سالي، ليس تجاه ندى فحسب بل تجاه نفسه أيضاً، كيف آل به الحال إلى ما هو عليه الآن؟ هل نسي نفسه وما أقسم عليه مراراً ألا يكرر فعلة أبيه؟
إنه يخونها، يلقاها ويرفعها إلى أعلى سماوات الحب ليخسف بها الأرض مع أخرى، يعدها ببقائه وإخلاصه ويتخذ منها الوعود بألا تتركه مهما حدث دون أن يرف له جفن، متى كان بتلك الحقارة؟ لا يحق له أن يلومها إن أخلّت بوعودها إليه، وهل بعد الخيانة حديث؟
تماماً مثلما فعل أبيه منذ زمن بعيد، ولكن الغريب أن رغم كل ما حدث، لا يزال يرى طيف من الحنين في عيني والدته، يكاد يقسم أنه شعر بالراحة التي ملأت وجهها للحظات عندما علمت بخبر طلاقه، هل لا تزال تحبه بعد كل ما حدث؟
رغم كل الألم والجرح الذي لا يزال يزين نظراتها وملامحها عندما تتحدث عنه أو تراه، لا يزال يوجد هناك حب وحنين لما مضى، وإلا لماذا تحتفظ ببعض الصور التي تجمعها معه في منزلها الخاص؟ هل يكون هو مثل أبيه وتكون ندى مثل والدته؟ هل سيعيد تلك القصة مجدداً؟

جاء صوتٌ معاند بداخله ليخبره أن لا، لن يحدث، ومن أين ستعلم ندى بكل ما يجري؟ قريباً سيترك سالي، ولن تكون هناك مشكلة.
تساؤلات عدة أتت فجأة لتجعله يفكر فيما إذا علمت بأمر نانسي، ماذا ستفعل؟ إن الأمر ليس نانسي وحسب بل هناك طفل، ماذا ستفعل إن علمت أنه رجلٌ متزوجٌ وسيكون لديه طفل عما قريب، وأن هذا هو سبب تركه للشركة ومقاطعة أبيه له؟
لا، ما كان عليها أن تخبره بأنها لن تستطيع الابتعاد عنه، إنها حتماً ستتركه إن علمت، ولكن أو ليس هو يستحق ما هو أكثر من ذلك؟
أغمض عينيه بشدة محاولاً إبعاد تلك الأفكار عن رأسه، وعندما فتحها وجد سالي ترفع رأسها إليه وقد شعرت بضربات قلبه المضطربة أسفلها، نظرت إليه في قلق لتقول"
- أنت كويس يا رامز؟

"نظر لها دون رد حتى عاد ليغمض عينيه ثانيةً وهو يهز يومئ برأسه إيجاباً فاتبعت وهي تمسح بأصابعها على جانب وجهه لتقول في رقة"
- ماتفكرش في حاجة وأنت معايا خالص

"نظر إليها للحظات دون رد حتى تفوَّه قائلاً في هدوء غريب"
- عايز أسألك سؤال

"ابتسمت قائلة"
- اسأل يا حبيبي!

"ارتسم شبح ابتسامة ساخرة على شفتيه من تلك الكلمة، قال"
- أنتِ اتجوزتي بابا ليه؟

"ابتسمت في سخرية دون رد ليبتسم هو الآخر قائلاً"
- أنا عارف الإجابة، بس أنا عاوز أسمع منك، تخيلي إنك ولا مرة حكيتي عن نفسك قبل كده؟

"ضحكت ضحكة خفيفة ثم قالت مجيبة على سؤاله"
- راجل زي سليم حلم بنات كتير زيي

"ثم اتبعت وهي تعبث بخصلة من شعرها"
- منصب... فلوس... شخصية... فكرة إني أبقى مرات سليم الراوي معناها إن ماحدش أبداً يقدر يقولي لا...

"ثم اتبعت ضاحكة في عبث"
- ده غير صفاته التانية

"ضحك هو الآخر وقد فهم مقصدها ثم اتبع"
- وبعد ما كل ده كان في إيدك، حاولتي مع ابنه ليه؟

"ردت قائلة"
- كان عاجبني

"لتتبع في ثقة"
- وأنا أي حاجة تعجبني لازم اخدها

"ابتسم قائلاً في مكر"
- صح... حتى الألم اللي علِّم في وشك كام يوم يشهد

"نظرت إليه في صدمة ليتبع"
- قلتلك إني عارف أنتِ كنتي بتعملي إيه كويس

"هزت رأسها في نفي قائلة"
- عرفت ازاي؟ ماكانش في حد موجود

"ابتسم في مكر قائلاً"
- أنا كنت متأكد إنك هتستغلي غيابي أنا وبابا وتعملي حاجة، فاستخبيت عشان أشوف هتعملي إيه، واللي حسبته لقيته بالمللي

"نظرت إليه في صدمة لم تخلُ من الألم ليتبع قائلاً"
- أنتِ حبيتي قبل كده يا سالي؟

"أغمضت عينيها ثم عادت لتفتحهما وهي تقول في ملل"
- مالك يا رامز؟ كان نفسك تبقى وكيل نيابة؟

"ضحك منها ثم قال"
- أبداً، أنا بس كل ما ببصلك بسأل نفسي أنتِ تعرفي الحب ولا لا

"اقتربت بوجهها من وجهه وهي تقول بابتسامة"
- أنت إيه رأيك؟

"أبعد وجهها عنه بهدوء وهو يقول بابتسامة"
- أنا أقصد الحب التاني، قلب... مشاعر... الحاجات الغريبة دي يعني

"صمتت قبل أن تقول أخيراً في هدوء"
- أيوة... حبيت

"اومأ برأسه متسائلاً"
- وبعدين؟

"قالت ببساطة ناقضت ما اعتمل بنفسها عندما تذكرت الماضي البعيد، والذي لن يعود أبداً"
- ماكانش مناسب وسيبنا بعض

"لم يدعها تغلق الموضوع بل سأل"
- حصل إيه؟

"تنهدت في ضيق ثم قالت"
- أحلامه كانت أقل بكتير من أحلامي

"ابتسم في سخرية قائلاً"
- كنتي بتحلمي بالفلوس والمنصب والمصلحة، وهو كان عايز عش عصافير، مش كده؟

"نظرت إليه قائلة في ضيق"
- أنت عاوز إيه من ورا كلامك ده؟

"ابتسم قائلاً في وداعة"
- بتعرف عليكي

"تأففت قائلة في ضيق"
- لو عايز تتعرف بالطريقة دي فبلاها أحسن

"ثم اتبعت في سخرية قائلة"
- وبعدين أنت بقى اللي تعرف الحب، مش كده؟

"ضم حاجبيه في ضيق ليسألها"
- قصدك إيه؟

"ابتسمت في سخريتها لتقول"
- بتحب ندى وبتخونها في نفس الوقت، ده الحب مش كده؟

"شعور بالغضب والضيق بدأ يتملكه وهي تتبع قائلة"
- عارف الفرق بيننا إيه؟ أنا حبيت ومشيت لما حسيت إني مش هقدر، وسليم ماخنتوش مع رامـي حتى لو كنت حاولت، لكن أنت...

"قطع جملتها عندما أمسك برقبتها بين يده لتشهق في رعب، قرَّبها منه ليقول بهدوء مخيف"
- أحسنلك ماتدَّخليش في اللي مالكيش فيه، وإلا صدقيني هندمك عاليوم اللي جيتي فيه لحد عندي برجلك.

"اومأت برأسها سريعاً ليفلت رقبتها ويدفعها بعيداً عنه ويتوجه إلى الغرفة ليبدِّل ملابسه ويخرج متوجهاً ناحية الباب قبل أن ينظر لها قائلاً بازدراء"
- عايز ارجع الصبح مالقاكيش، سلام!

"ثم خرج صافقاً الباب خلفه في عنف لتجهش هي بالبكاء فجأة، لماذا عليها أن تتلقى الإهانة في المقابل كل مرة؟ إلى متى ستظل تتخبط في الأرجاء دون أن تتلقفها يدُ أحد؟
لقد نبش جرحها القديم ثم رحل بقلبٍ بارد. لا أحد يعلم قدر حبها... قدر غبائها... قدر ندمها على كل ما فعلت وما تفعل، وربما ما ستفعل، فمن مثلها لن يجد طريقَ رجعة أبداً، ليت هناك رجعة من الأساس."

.....

"دخل إلى المنزل ليجد الأضواء مطفأة، من الواضح أنها قد نامت، خلع حذاءه ثم تقدَّم ناحية الغرفة ليفتح بابها في هدوء ويغلقه خلفه ثم يبدِّل ملابسه ليندس بجوارها في الفراش.
تمدد على ظهره جوارها وهو شاخصاً ببصره في السقف المظلم، لقد هرب النوم منه فجأة وربما سيظل يهرب هكذا طويلاً، متى سيحصل على الراحة؟ متى سيصل؟ إلى متى هذا التعب؟ أفاق من شروده على صوتها الناعم قائلاً"
- رامز!

"انتبه لها فالتفت إليها مستنداً على مرفقه ليقول برفق"
- صحيتك؟

"أضاءت المصباح الصغير بجانبها ثم نظرت إليه وهزت رأسها نفياً ثم ابتسمت قائلة"
- أبداً، أنا بس قلقت

"قال في هدوء مداعباً خصلات شعرها"
- عاملة إيه؟

"أمسكت بيده بين خصلات شعرها ثم قربتها من فمها لتقبِّل باطنها للحظات قبل أن تقول أخيراً"
- بقيت كويسة

"ابتسم لها قائلاً"
- بجد؟

"اومأت برأسها مؤكدة فاتبع"
- أنا مش جايلي نوم، إيه رأيك نقعد في الجنينة شوية؟

"ردت بابتسامة قائلة"
- أكيد

"ثم اتبعت في قلق قائلة"
- بس ليه مش جايلك نوم؟ في حاجة حصلت ضايقتك؟

"اقترب بوجهه منها كثيراً ثم ابتسم قائلاً في هدوء مشاكس"
- مراتي وحشتني وعاوز اقعد معاها شوية، في مانع؟

"ضحكت لتهز رأسها في نفي قائلة"
- مافيش طبعاً

"وهناك، في حديقة المنزل، كانا يجلسان سوياً وقد أحضرت نانسي بعض العصير والبوشار كي يستمتعا سوياً بتلك السهرة التي أجاد رامز ملأها بالضحك ليس فقط لستر كل ما يدور بداخله من غضب، ولكن لأنه كان يريد تحسين مزاجها ونفسيتها كي تمر شهورها الأخيرة في الحمل بسعادة وراحة، كما أنها تستحق أن تكون سعيدة، إن مجرد دخوله إلى منزلها يشعره بأنه قد انفصل عن ذلك العالم الخارجي الذي لا يعنيه في أي شيء، إن شعوره بالأمان هنا لا يُقدَّر بثمن.
وإلى جواره كانت هي تضحك كما لم تضحك من قبل. إن الأيام التي تقضيها بمفردها بعيداً عنه تكون مليئة بالملل والسكوت، لقد كانت تعتاد تلك الوحدة لسنوات قبل ظهوره هو، منذ أن ظهر في حياتها وهي تشعر بالسعادة، تشعر أن في دنياها ما تنتظره... ما تحبه... تمتلكه.
نعم... رغم كل شيء لقد استطاعت أن تمتلك جزءاً فيه، تعلم أنه يفتقر إلى الراحة والأمان عندما يكون بعيداً، تماماً كما تعلم أنه رغم احتياجه إليها لن يكمل حياته معها.
رغم كل شيء بينهما، لم تستطع الوصول إلى قلبه المشغول بمن تشعره بالخوف من تركها إياه.
لن يتغير... يعلم أين يقع خوفه ليذهب إليه ويتعلق به، ولكنها راضية... راضية بقليله الذي يعادل الدنيا بالنسبة لها، ويكفي أنه، رغم خوفه، سعيد، حتى وإن كان إلى جوار امرأة أخرى.
وبعد وقت طويل من الضحك، أمسك بيدها قائلاً بابتسامة"
- عاوز اخدك واسافر

"ابتسمت قائلة"
- فين؟

"صمت يفكر ثم قال فجأة"
- الريفيرا

"ضحكت قائلة"
- شهر العسل

"قال في عبث"
- مش كان عسل؟

"ضحكت ثانيةً ثم قالت"
- هسافر وأنا حامل كده؟

"صمت ثانيةً ليفكر ثم قال"
- يبقى بعد ما تولدي على طول

"ابتسمت قائلة"
- طب ورامز؟

"قال سريعاً"
- ماما هتهتم به على ما نرجع

"نظرت إليه باندهاش قائلة"
- مامتك؟

"ابتسم قائلاً"
- ماما عارفة كل اللي بيننا

"أخفضت بصرها لتقول في ارتباك"
- وإيه رأيها؟

"أمسك بيدها وشدَّ عليها برفق قائلاً"
- ماعارضتش، ومش هتعارض، وهتكون أسعد مننا بالطفل ده

"نظرت إليه دون رد فاتبع بابتسامة بعد أن أمسك بذقنها بين أصابعه"
- ماتخافيش يا نانسي!

"طوقت عنقه بذراعيها وهي تضمه إليها قبل أن تقول"
- عاوزة اغنيلك اغنية سمعتها وعجبتني

"نظر لها بابتسامة وهو يقول"
- بجد؟

"اومأت برأسها إيجاباً فطوقها بذراعيه وهو يضم ظهرها إليه ليقول"
- غنّي!

"أمالت رأسها على كتفه ثم أغمضت عينيها وبدأت في الغناء بصوتها الناعم قائلة"
حكيني! قلي بدي وحدك معي تكوني
غويني! بسهرة حمرا فيها غمرة ونظرة مجنونة
قلي يا حبي ضلي بقلبي
لفتات عيونك بتضوي دربي
سقيني! خمرة سمرا بتشعل جمرة تحرقلي جفوني
سفرني و حملني مرجحني بقلبك خبيني و حميني
انا ببحرك غرقانة، موج العالي رماني
نارك جنة ولعانة، شو اللي علقني فيك
بشوف خيالك عم يومي
يا همومي زيدي همومي
يمكن أنا مغرومة، شو اللي علقني فيك
هديني! بوسة وردة يبقى عطرا بقلبي ذكرى
رميني! على صدرِك بدي حدك إنسى جايي بكرة
قلي ببالي ضلي قبالي أغلى الغوالي ضلي ببالي

"كان يستمع إليها باستمتاع شديد، الأغنية رائعة، ولكن صوتها وشعورها بكل حرف من كل كلمة تنطقها كان ينتقل من روحها إلى روحه ليغرس فيه شعوراً بالراحة والطمأنينة لا يوصف.
إن هذه المرأة تحمل من الحب أنهاراً جارفة تكاد تغرقه وهو لا يجيد السباحة بها كما يليق، إنها تستحق من هو أفضل منه بالتأكيد، رغم أنه لو عاد به الزمن ألف مرة سيعيد كل ما فعله ثانيةً، إنها لا تُعوَّض... هذا الكنز لا يُعوَّض.
وعندما انتهت أخيراً، ضمَّها إليه أكثر وهو يدفن وجهه بين خصلات شعرها ثم قبّلها قائلاً بعاطفة شعوره بها الآن"
- يا حلوة!

"ابتسمت في حنان فاتبع بابتسامة بعد أن حملها وقام بها متوجهاً إلى الداخل"
- دلوقتي جه دور أغنيتي أنا

.....


"في اليوم التالي مساءاً، وأثناء ما كان رامـي يجلس مع نسمة في إحدى جلساتهما معاً، أشارت نسمة في ضيق"
- يعني أنت يحصلك كل ده، وتقضي شهر كامل في المستشفى والبيت، وابقى عايزة اجي ازورك وأنت ترفض، بذمتك دي صداقة؟

"ضحك رامـي ضحكة خفيفة ثم أشار"
- أنا آسف، بس أنتِ عارفة إني مش عاوز حد يعرف موضوع العلاج النفسي ده

"أشارت نسمة مجادلة"
- بس أنت مش هتقدمني على أساس إني الدكتورة بتاعتك، هتقولهم إني صديقة وبس

"ثم اتبعت بابتسامة ماكرة"
- ولا أنت خايف شمس تفهم غلط وتحصل مشكلة؟

"ضحك دون رد فأشارت"
- واضح إن الغيرة هتشتغل بقى

"ابتسم مشيراً"
- أنا بحبها يا نسمة

"ابتسمت فاتبع"
- عمري ما تخيلت إني ممكن أحب أو أعمل كل ده عشان خاطر حد

"ابتسمت مشيرة في ثقة"
- عشان تعرف إن توقعاتي ماتنزلش الأرض أبداً

"اومأ برأسه مبتسماً قبل أن يشير"
- على فكرة أنا رجعت القصر تاني

"نظرت إليه في دهشة ليتبع"
- بابا أصَّر وأنا ماقدرتش أعارض

"ابتسمت مشيرة"
- ماقدرتش تعارض ولا ماكنتش عايز تعارض؟

"ضحك ضحكة خفيفة ليشير"
- ماكنتش عايز

"ثم تنَّهد مشيراً"
- حاسس إن في حاجة في بابا اتغيرت، مش قادر أحدد إيه هي بس حاسس إنه بقى مختلف عن الشخص اللي اتعودنا عليه خمسة وعشرين سنة

"ثم ابتسم مشيراً بهدوء"
- من ساعة ما هو وماما اتطلقوا

"أشارت متسائلة"
- تقصد إن رجوعها فرق معاه؟

"رد مشيراً"
- مش عارف، بس هو طلق سالي

"اندهشت مشيرة"
- معقول؟

"ثم صمتت للحظات قبل أن تشير"
- اعتقد إن رجوع مامتك له دور في اللي بيحصل دلوقتي

"سألها مشيراً في تردد"
- قصدك... إنه لسة بيحبها؟

"أشارت بابتسامة"
- أنت اللي المفروض تجاوب

"تنهد في حيرة قبل أن يشير"
- مش عارف، يعني...

"ثم صمت لتكمل هي جملته التي لم يُشِر بها"
- لو كان بيحبها فعلاً ماكانش عمل اللي عمله، صح؟

"نظر لها دون رد لتعلم أن توقعها في محله، اتبعت"
- فاكر وقت كلامنا عن زيارته ليك في المزرعة قلنا إيه؟

"اومأ برأسه لتتبع بابتسامة"
- باباك بيحبكم فعلاً، وبيحب مامتكم كمان، هو بس اتصرف غلط، ولو كل التغيير اللي بتتكلم عنه ده له علاقة بظهور مامتك، فاعتقد إنه هيعرف ازاي يصلح كل اللي فات

"أشار بابتسامة هادئة"
- لما رجعنا كلنا من المستشفى للقصر، حسيت للحظة إن مافيش حاجة اتغيرت، مابعدناش وكل حاجة كويسة

"ابتسمت متسائلة"
- يعني تتمنى لو يرجعوا لبعض؟

"أشار بنفس ابتسامته"
- أتمنى

.....

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-05-22, 10:46 PM   #22

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل السادس عشر


"أما نهال، ففي أحد المرات، وبعد انتهاء الاجتماع بين رامـي وهذا الرجل غريب الأطوار المسمى بـ نادر، وعند خروجها معه وسيرهما سوياً حتى وصلا إلى المصعد، التفت إليها نادر قائلاً"
- آنسة نهال! أنا كنت عاوز أطلب منك طلب

"اومأت برأسها قائلة"
- اتفضل!

"ابتسم قائلاً"
- اتمنى لو تقبلي عزومتي عالغدا النهاردة

"شعرت نهال بالارتباك ولكنها حاولت التحدث قائلة"
- أنا... أنا آسفة مش هينفع

"قلِّت ابتسامته قليلاً وهو يقول"
- ليه؟

"قالت بوضوح"
- لأن مافيش أي سبب للعزومة دي

"رد في ثقة"
- بس في سبب للعزومة دي يا آنسة نهال

"نظرت إليه متسائلة ليتبع قائلاً"
- أنا كنت عاوز اتكلم معاكي شوية

"كادت أن تتحدث ليقاطعها هو قائلاً في ثقته تلك"
- هستناكي الساعة 4 عشان نتغدى سوى

"ثم أنهى حديثه قائلاً بابتسامة واثقة أخرى"
- مع السلامة

"ثم اختفى داخل المصعد ليرحل تاركاً إياها في حالة من الذهول.
لقد رحل وكأنه اتخذ منها وعداً بالذهاب معه حيث يريد، ما هذا الجنون؟ بالطبع لن تذهب، فلينتظر كما يشاء وليرى من سيأتيه."

.....

"عند الساعة الرابعة عصراً، كان هو في انتظارها أمام الشركة ليجدها تخرج منها بالفعل، خرج هو من سيارته وتوجه ناحيتها قائلاً بابتسامة"
- ماتأخرتيش

"نظرت إليه قبل أن تقول مباشرة باقتضاب"
- نادر بيه! اسمحلي ارفض عزومة حضرتك لأني مش لاقيالها سبب واضح، والحقيقة مش هقدر آجي معاك عشان اعرفه، أنا آسفة.

"كان يستمع إليها في هدوء شديد مما وترها أكثر لتقول"
- بعد إذن حضرتك!

"ثم همَّت بالرحيل ليوقفها قائلاً في تصميم"
- متهيألي أنا سمعتك للآخر يا نهال! فماينفعش تمشي كده من غير ما تسمعيني أنا كمان

"نظرت إليه في دهشة لرفعه الألقاب دون إذنٍ منها ليتبع هو في إصرار واثق"
- عشان كده أنتِ هتيجي معايا عشان تعرفي أنا عايز أقولك إيه

"وهناك، حيث جلسا في المطعم الذي أراد، كانت نهال تجلس في غضب تحاول كبته قدر الإمكان بينما كان هو في منتهى الهدوء.
استغلت انشغاله مع النادل لطلب الغداء لتبعث برسالة إلى أختها يارا قائلة"
- يارا حبيبتي! أنا هتأخر شوية، اتغدي أنتِ وماتستنيش، باي!

"أعادت الهاتف إلى حقيبتها ثم عادت لتنظر إليه لتجده ينظر إليها هو الآخر، قال متسائلاً"
- في مشكلة؟

"تنهدت في ضيق ثم قالت باقتضاب"
- أبداً، كنت ببعت رسالة لأختي بقولها إني هتأخر شوية

"ابتسم قائلاً"
- ماكانش باين عليكي إنك مضايقة في المرات اللي شفتك فيهم قبل كده، اشمعنا المرة دي؟

"قالت في وضوح"
- عشان حضرتك كمان ماكنتش كده، وأنا بصراحة مش قادرة أفهم في إيه

"جاء النادل بالغداء ووزع الأطباق على الطاولة ثم رحل، قال بابتسامة متجاهلاً كل حديثها"
- اتفضلي! أكيد تعبانة من الشغل ومحتاجة تاكلي

"قالت في غيظ"
- هو الحقيقة أنا محتاجة افهم

"اومأ برأسه قائلاً بابتسامة"
- أكيد، بس لما نخلص الغدا الأول

"مر بعض الوقت وهما يتناولان طعامهما في صمت مزين بتوترها هي وبهدوئه هو خاصةً مع ابتسامته التي كانت تتفحصها من وقتٍ لآخر لتزيد توترها وارتباكها.
انتهى الطعام أخيراً ليأتي النادل ويرفع الأطباق ثم يرحل، عندها نظر لها نادر مبتسماً ثم قال"
- تشربي إيه؟

"نظرت إليه في اندهاش، ما باله يتصرف بطبيعية غريبة وكأنها راضية؟ قالت في محاولة منها للاحتفاظ بهدوئها"
- نادر بيه! أنا عاوزة أعرف إيه الموضوع اللي حضرتك جبتنا هنا عشانه

"نظر لها دون رد حتى قال في هدوء واختصار شديد"
- أنا معجب بيكي

"اتسعت عيناها في صدمة أعجزت لسانها عن الرد، معجبٌ بها؟ كيف؟ مستحيل، اتبع هو قائلاً"
- أنا فاهم إن الموضوع مفاجئ، بس أنا مابعرفش أعيش الفترة بتاعة التلميحات اللي بيتكلموا عنها دي، كل اللي يهمني إني يوم ما أعبر عن مشاعري بخصوص الموضوع ده تحديداً أكون صادق، وأنا صادق في شعوري ناحيتك

"ثم صمت قبل أن يقول بنبرة أكثر هدوءاً تحمل بعض الأمل"
- واتمنى إن المشاعر دي تكون متبادلة


- لأ!!

"قالتها واضحة، صريحة، وحاسمة، وكانت تلك الثقة في عينيها أكثر ما أخافه من أن تكون صادقة بالفعل، قال في خفوت"
- ليه؟

"قالت في ثقة وحسم"
- مش لازم أقول أسبابي لحد

"قال في إصرار"
- أنا مش أي حد

"ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجهها لهذه الجملة التي يفوح منها الغرور، قال"
- أي أسباب هتقوليها أنا قادر عليها، فهميني ايه أسبابك

"قالت نهال بنفس الحسم"
- أسبابي مش هتهم حضرتك في حاجة، أنا مش بفكر في الموضوع ده، ولا هفكر بعدين

"ثم قامت من مكانها والتقطت حقيبتها قبل أن تنظر إليه وتقول منهية هذا الحوار الذي لا يعني لها شيئاً"
- شكراً على كل حاجة، عن إذنك

"ثم رحلت سريعاً قبل أن يفكر باللحاق بها وإيقافها كما فعل من قبل، ولكنه لم يفعل هذه المرة بل جلس في مكانه والضيق يكسو ملامحه.
هذه هي المرة الأولى في سنوات حياته التي قاربت الأربعين التي يقوم فيها بالتعبير عن مشاعر الإعجاب تجاه امرأة.
لقد سُرِقت حياته بالكامل في العمل والدراسة حتى ظن أنه لن يجرِّب شعور الإعجاب والحب مطلقاً، كان يظن أنه لن يستطيع أن يوازن في حياته بين شيء آخر إلى جوار عمله الذي كافح فيه لعمرٍ كامل حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، ما كان ليستطيع أن يظلم أي امرأة إلى جواره حتى ولو كان يحبها.
والآن عندما وجدها أخيراً، شعر بشيء غريب يجذبه ناحيتها، هو الذي عاش عمراً كاملاً لم يلتفت ولم ينجذب لأي امرأة ما عداها هي فقط، لم يضع في حياته أية مواصفات للمرأة التي سيرتبط بها لأنه كان يشك أن يفعل، ولكنه عندما رآها في ليلة الحفل، شعر وكأنه كان يمتلك مواصفات بالفعل، هي كانت كل المواصفات التي تعجبه حتى وإن لم يتمناها إلى الدرجة التي دفعته للتقدم ناحيتها والتحدث معها بكل ثقة وكأنه خبير في أمر كذلك.
وعندما علم بأنها مديرة أعمال رامـي الخاصة، شعر بالسعادة لأنه سيراها مجدداً بل وفي كل مرة يجتمع فيها معه، والآن وقد وجد الفرصة للاعتراف لها ترفضه؟ ما تلك الأسباب التي تتحجج بها؟
لا بد أن يعرفها، ولا بد أن يتجاوزها، لم يعتد ترك أي شيء يريده بل يحتاجه... نعم، هو يحتاجها ولن يتركها بهذه البساطة."

.....

"عادت نهال إلى المنزل وأغلقت الباب خلفها ثم استندت عليه لتلتقط أنفاسها أخيراً.
نهرت نفسها مراراً لقبولها تلك العزيمة، إلى متى سيظل هذا الأمر يلاحقها؟
سنوات وهي ترفض الزواج من أحد بل وترفض حتى مجرد الارتباط. لا يجب أن تفكر في أي أحد سوى في أختها فقط، يجب أن تعيش لأجلها تهتم بها وترعاها جيداً حتى تكبر وتنجح في حياتها.
لم تشعر أبداً أنها بحاجة إلى أي رجل، هي قادرة على فعل كل شيء لنفسها ولأختها، نعم، فهي ليست ناقصة ليكملها رجل، كانت تعلم أن الأمر ليس تكميلاً لانتقاص بقدر ما هو الحاجة لقوة تدفعنا للأمام، ليست قوة الرجل بقدر ما هي قوة الحب، لكن لا، حبها لأختها يكفيها للمضي.
انقطع شرودها عندما خرجت يارا من المطبخ لتجدها أمامها، ابتسمت في سعادة ثم اقتربت ناحيتها واحتضنتها في ترحيب، ضمتها نهال إليها في حنان واحتياج فلقد كانت بحاجة إلى ذلك العناق إلى أقصى حد الآن.
شعرت يارا من طول احتضانها لها أنها ليست على ما يرام، نظرت إليها في قلق وأشارت"
- نهال! أنتِ كويسة؟

"ردت نهال بابتسامتها الحنون لتشير"
- ماتخافيش يا حبيبتي! أنا كويسة

"أشارت يارا متسائلة"
- اتأخرتي ليه؟

"تنهدت نهال دون رد قبل أن تشير"
- مشوار مش مهم بس اضطريت اروحه

"ثم ابتسمت لتشير مغيرة الموضوع"
- تعالي نقعد في البلكونة شوية

"وبالفعل جلسا هناك بعد أن أعدت نهال كوبين من الكاكاو الساخن الذي تعشقه يارا في الشتاء.
شردت نهال رغماً عنها في السماء ولم يغادر هذا الأمر رأسها، شيءٌ ما بداخلها يخبرها أن رجلاً مثله لن يستسلم، هو ليس من ذلك النوع العابث ولا الذي يمل، كما أنها استشعرت صدق حديثه وثقته مما يقول بالفعل.
هي لا تنكر أن شعوراً عابراً بالإعجاب مسّها حين رأته أول مرة، إنه طبقاً لمواصفات وضعتها يوماً ما منذ زمن بعيد رائعاً للغاية، ربما لو كانت الظروف مختلفة لكانت أعطته فرصة، لكن لا... لا أحد سيقبل بظروفها تلك أو يحتمل انشغالها المستمر بأختها، وهي لن تفضِّل أحداً على يارا أبداً.
أفاقت من شرودها على طرقة يارا على الطاولة الصغيرة بينهما، التفتت إليها وابتسمت مشيرة باعتذار"
- أنا آسفة يا يارا! سرحت شوية

"أشارت يارا في حزن"
- شكلك زعلان، في إيه؟

"أمسكت نهال بيدها قبل أن تشير"
- مافيش حاجة، مشاكل في الشغل بس

"بدت يارا غير مصدقة، وهل هي نفسها تصدق ما تقول؟! حاولت أن تشغلها عن شعورها الزائد بها وهي تشير"
- قوليلي يومك كان عامل ازاي النهاردة؟

"أشارت يارا في سعادة"
- كان يوم حلو اوي، رحت النادي وقابلت صحابي هناك

"ابتسمت نهال هي الأخرى في سعادة لتشير"
- حلو اوي، وبعدين؟

"سكنت يارا للحظات قبل أن تقول"
- وكان معاهم ولد جديد قالوا إنه هيكون ضمن المجموعة

"أشارت نهال متسائلة"
- وإيه المشكلة؟

"عادت يارا لتسكن قليلاً قبل أن تشير"
- كان بيتكلم معايا كتير، وكان عاوز نكون صحاب

"كررت نهال في مكر"
- وإيه المشكلة؟

"تنهدت يارا في حيرة لتشير"
- في بنت من صحابي قالتلي إنه كان عاوز يتعرف عليا قبل كده بس مكسوف

"ابتسمت نهال في مرح مشيرة"
- ده شكله معجب بقى

"نظرت إليها يارا في حزن لتشير نهال في قلق"
- مالك؟ اتضايقتي ليه؟

"أشارت يارا بنفس الحزن"
- ماينفعش حد يعجب بيا يا نهال

"شعرت نهال بجملتها كالسهم اخترق قلبها ليؤلمه خاصة مع استطراد يارا التي اشارت"
- ولا أنا كمان ينفع أحب حد

"أشارت نهال سريعاً"
- إيه الكلام ده بقى؟! مين قال كده؟

"أشارت يارا بعينين دامعتين"
- عشان أنا ليّ ظروف مختلفة عن الكل

"أشارت نهال في قوة حاولت أن تغرسها في نفس أختها الصغيرة مع كلماتها"
- أنتِ مالكيش ظروف مختلفة عن غيرك ولا حاجة، أنتِ زي كل البنات الموجودين وأحلى كمان، وحياتك كمان حلوة جداً ولما هتكبري شوية وتكملي تعليمك هتبقي أحسن، وهيحبك أحسن راجل في الدنيا دي، فاهمة؟

"ظلت يارا تنظر لها دون رد لتتبع نهال مشيرة"
- ماتخليش إحساسك ده يمنعك عن إنك تعيشي حياتك بالطريقة اللي تخليكي مبسوطة ومرتاحة مهما كانت، وهييجي يوم وتحققي كل اللي نفسك فيه

"هزت يارا رأسها في نفي مشيرة"
- بس الحقيقة إن أنا ليَّ ظروف خاصة يا نهال! وإلا كنتي أنتِ كمان حبيتي واتجوزتي

"نظرت إليها نهال دون رد وقد شعرت بأن الصغيرة تحاصرها وتواجهها بتفكيرها الذي وإن كان صحيحاً من جانب لكنه أبداً لا يجعلها تراها عاجزة أو بحاجة إلى الرعاية.
أشارت سريعاً"
- مش صحيح، أنا ماتجوزتش لغاية دلوقتي لإنك كنتي لسة صغيرة وكنتي محتاجة حد يفضل جنبك زي أي حد في الدنيا، ولإني كمان مالقيتش الراجل المناسب بالنسبالي

"ثم اتبعت في حنان لا تدعيه"
- وبعدين أنا مش عايزة اتجوز، أنا عاوزة أفضل جنبك كده لغاية ما أشوفك بنوتة كبيرة وناجحة ومتجوزة كمان

"عادت يارا لتهز رأسها في نفي ثانيةً مع إشارتها"
- أنا دلوقتي بقيت كبيرة وبهتم بنفسي كويس، أنتِ لازم تهتمي بنفسك وتحبي وتتجوزي

"ضحكت نهال وأشارت بعد أن قرصتها من وجنتها"
- أنتِ خلاص بقيتي مامتي ولا إيه؟!

"أشارت يارا بإصرار"
- أوعديني إنك هتحبي

"ابتسمت نهال مشيرة"
- بس مافيش حاجة اسمها كده، الحب مش قرار، الحب إحساس يا ييجي يا مايجيش، احنا بس بنفتح الباب مش أكتر

"أشارت يارا بدورها"
- يبقى اوعديني إنك هتفتحي الباب!

"أشارت نهال ممازحة"
- نتسرق من الحرامي كده

"عبست يارا في ضيق لتضحك نهال مرة أخرى ثم تشير"
- طيب يا ستي! أوعدك، استريحتي كده؟

"ابتسمت يارا في سعادة ثم اقتربت من مكان نهال على الأريكة لتحتضنها بشدة.
ابتسمت نهال في هدوء وهي تشدد من احتضانها هي الأخرى، كان يجب أن تعدها لترتاح، فهي تعلم أختها جيداً، عنيدة ولن تكف حتى تصل، لذا لم تكن تشعر بأنها حالة خاصة بين البشر، ومنذ أن عملت في الشركة مديرة أعمال لرامـي ورأت نجاحه وصفاته المبهرة رغم حالته المشابهة ليارا، شعرت بالاطمئنان على مستقبل أختها، وأنها يوماً ما يمكنها أن تكون مثله تماماً.
أما عن يارا، فعندما حصلت على هذا الوعد الزائف، شعرت بالارتياح لأن أختها لن تجعلها حجة لرفض كل من يريد الارتباط بها، وأنها أخيراً ستمنح نفسها فرصة للسعادة."

.....

"في اليوم التالي، و أثناء ما كانت نهال في مكتب رامـي تقدِّم له بعض الأوراق ليوقعها، انتبه رامـي لوجهها الواجم منذ الصباح والذي تتخلله بعض الابتسامات الخفيفة عندما ينظر إليها ظناً منها أنه لم يلاحظ حالتها.
وعندما انتهى من توقيع الأوراق، جمعتها نهال ثانية لتخرج من المكتب، ولكن قبل أن ترحل أوقفها بإشارة منه لتشير بابتسامتها الخفيفة التي أصبحت تستفزه"
- اتفضل يا رامـي!

"أشار لها بأن تجلس فجلست على الكرسي المقابل لمكتبه، أشار مباشرة"
- إيه الموضوع؟

"نظرت إليه قبل أن تشير في عدم فهم"
- موضوع إيه؟

"احتدت عيناه ليشير"
- أنا ماتعودتش إنك تلفي وتدوري كده

"نظرت إليه دون رد ليتبع"
- بقالك مدة سرحانة ومش زي عادتك، والنهاردة من أول اليوم وأنتِ مضايقة، في إيه؟

"صمتت قبل أن تتنهد مشيرة"
- عندي مشكلة كده الفترة دي

"ضم حاجبيه في ضيق ليشير"
- مشكلة إيه؟

"قالت في ثقة"
- مشكلة شخصية، وأنا خلاص حليتها

"نظر لها في تفحص وهو يشير"
- وليه مضايقة لو حليتيها؟

"ابتسمت في خفة مشيرة"
- أوعدك إن من بكرة كل ده هيتغير

"ثم اتبعت محاولة استعادة مرحها"
- بس النهاردة سامحني مضطرة أكشّر شوية

"نظر لها قبل أن يشير"
- نهال! أنتِ مش مجرد مساعدة ليّ وخلاص، أنتِ عارفة كويس قيمتك عندي، لو في أي حاجة حاصلة معاكي ماتتردديش تيجي تقوليلي، فاهمة؟

"اومأت نهال برأسها لتشير بامتنان"
- أكيد يا رامـي! ماتقلقش

.....

"عادت يارا من النادي إلى المنزل ولم تكن نهال قد عادت بعد، أحضرت بعض المقرمشات معها وجلست أمام التلفاز لتتناولها أثناء مشاهدة أحد أفلام الكارتون التي تعشقها.
مر بعض الوقت وهي جالسة حتى وجدت المصباح الخاص بجرس الباب يضيء علامةً على من يرن الجرس.
قامت من مكانها ثم نظرت إلى الشاشة التي توضح من يتوقف أمام الباب، بناءاً على تعليمات نهال، لتجد رجلاً مفرط الأناقة والوسامة على التوازي يقف أمام الباب ومعه باقة كبيرة من الورود الحمراء، من يكون؟ هل أخطأ العنوان؟ يا له من خطأٌ رائعٌ للغاية، هل تفتح الباب أم لا؟
لقد نبهتها نهال مراراً من أن تفتح الباب لأي شخصٍ غريب، حسناً... ولكنه لا يبدو شريراً بل كانت هيئته تشبه هيئة رامز ورامـي كثيراً، هل تفتح؟
أخذت نفساً عميقاً ثم أمسكت بهاتفها لتكتب له باختصار أنه قد اخطأ العنوان ليرحل فوراً دون حديثٍ طويل، ما الذي سيحدث؟ لا شيء، كما أن نهال على وشك القدوم ولن تتأخر أكثر.
نظرت ثانيةً من العين لتجده لا يزال متوقفاً مكانه، أمسكت بمقبض الباب لتفتحه في ثقة انهارت في الداخل عندما طالعها بابتسامة مهذبة، ارتفع حاجباها في دهشة وقد أصبحت هيئته أكثر وضوحاً الآن.
قطع هو شرودها قائلاً في تهذيب"
- مساء الخير!

"وجدت نفسها تومأ له برأسها بابتسامة هي الأخرى ليتبع هو قائلاً"
- مش ده بيت الآنسة نهال؟

"اومأت برأسها إيجاباً وهي تحمد الله سراً على قدرتها على قراءة الشفاه لتفهم قوله بينما كان هو متعجباً من إيماءاتها الصامتة دون أن تتفوه بأي شيء، قال"
- أقدر أقابلها؟

"هزت رأسها نفياً قبل أن تمسك بهاتفها وتكتب عليه بضع كلمات تحت نظراته المتعجبة لتناوله إياه ليقرأ"
- هي لسة مارجعتش من شغلها

"نظر إليها دون رد، هذه الطريقة ليست غريبة بالنسبة إليه، لقد كان رامـي يتحدث معه بنفس الطريقة من قبل عندما لا تكون نهال معه، هل هذه الفتاة الصغيرة والجميلة أمامه...؟
انقطع تفكيره عندما وجدها تكتب شيئاً آخراً لتناوله الهاتف مجدداً ليقرأ"
- أول ما تيجي هبلغها إن حضرتك جيت وسألت عنها، بس مين حضرتك؟

"ابتسم قائلاً"
- نادر رؤوف

"اومأت له برأسها بابتسامة قبل أن يقول"
- في الحقيقة أنا مش عاوزك تبلغيها إني جيت وسألت عنها

"نظرت إليه يارا في تعجب ليتبع بابتسامة"
- أنا كنت عايز أعملهالها مفاجأة، أكيد هتنبسط

"نظرت إليه يارا دون رد وهي تفكر، من يكون هذا الذي ستسعد نهال لرؤيته هكذا؟ طوال حياتها لم تعرف أي رجال تتعامل معهم نهال بودٍ ولطف سوى رامز ورامـي، فمن يكون هذا الغريب؟
خطر ببالها الوعد الذي جعلتها تعدها به بأن تعطي فرصة للحب. هل قامت بتنفيذ الوعد بهذه السرعة؟
أفاقت من شرودها على حركة يده أمام عينيها لتنتبه إليه ثانية فتجده مبتسماً ليقول"
- إيه رأيك لو نستنى نهال في جنينة البيت؟

"ثم اتبع وهو يشير ناحية الطاولة المستديرة إلى جوار حوض الورود"
- عند الورد الحلو اللي هناك ده

"نظرت إليه في توجس ليقول بابتسامة مطمئنة معرفاً إياها بنفسه"
- ماتخافيش! أنا مش نصاب، أنا رجل أعمال وبشتغل مع رامـي مدير نهال في الشركة، تعرفيه، صح؟

"اومأت يارا برأسها في سعادة فابتسم ضاحكاً قبل أن تقوده ناحية الحديقة بعد أن التقطت المفتاح وأغلقت الباب خلفها ليتوجها معاً ناحية الطاولة الموجودة جوار حوض الورود ويجلسا سوياً على الكرسيين الموجودين عندها.
ساد الصمت بينهما قبل أن يقطعه هو قائلاً"
- أنتِ تبقي أختها؟

"اومأت يارا إيجاباً بابتسامة فابتسم لها هو الآخر وقد شعر بأن ظنونه بشأنها صحيحة، هذه الفتاة صمّاء.
إن كان هذا هو السبب الذي رفضته نهال لأجله فهي حقاً حمقاء، قال برفق"
- أنتِ اسمك إيه؟

"كتبت قائلة"
- يارا

"ابتسم ضاحكاً ليقول"
- أختي كمان اسمها يارا

"ابتسمت هي الأخرى ليتبع"
- أختي الصغيرة، بس هي اتجوزت وهاجرت استراليا، بشوفها كل سنة مرة

"كتبت يارا في حزن"
- بتوحشك؟

"ابتسم لها قائلاً"
- أكيد بتوحشني

"ثم تنهد ليقول بشرود"
- لولا شغلي الكتير ومكانها البعيد ماكنتش استنيت سنة كاملة عشان اشوفها يوم ولا اتنين

"شعرت بالحزن لأجله وتمنت في داخلها ألا تبتعد عن أختها أبداً وأن يظلا إلى جوار بعضهما دوماً، كتبت"
- اتمنى تشوفوا بعض كتير كل سنة

"ابتسم لها قبل أن يقول"
- أنا كمان اتمنى

"ثم اتبع"
- وبتدرسي إيه؟

"كتبت في زهو"
- أنا في أولى ثانوي، باقيلي سنتين وادخل الجامعة

"ابتسم في فخر هو الآخر قائلاً"
- هايل! ونفسك تدرسي إيه في الجامعة؟

"كتبت فوراً"
- هندسة، عاوزة أكون زي رامـي

"قال متسائلاً"
- اشمعنا؟

"كتبت في ثقة"
- رامـي دايماً يقولي إن أي حد يقدر يعمل أي حاجة نفسه فيها مهما كانت ظروفه، كل المطلوب منه بس يصدق نفسه ويحاول دايماً، وهو قدر ينجح ويحقق أحلامه، وأنا كمان بحب الهندسة وعاوزة أبقى زيه لما أكبر

"ابتسم في حنان وفخر بهذه الفتاة الطموحة أمامه وقال مشجعاً"
- وشركتي مستنية الباشمهندسة يارا من دلوقتي

"ابتسمت يارا في سعادة ليتبع هو متسائلاً بعد أن نظر حوله"
- أنتو عايشين لوحدكم هنا يا يارا؟

"اومأت برأسها قبل أن تكتب"
- ماما وبابا ماتوا وأنا صغيرة أوي، وعشت أنا ونهال لوحدنا

"ثم اتبعت بابتسامة"
- نهال ربتني زي ماما بالظبط وأكتر

"ابتسم لها قبل أن يسمع صوتها من خلف أختها وهي تقول في غضب"
- ممكن أعرف حضرتك بتعمل إيه هنا؟

"التفت إليها لتلتفت يارا أيضاً وقد بدى الخوف عليها لتلك النظرة الغاضبة التي تراها لأول مرة في عيني نهال مما أشعرها أنها قد فعلت شيئاً خاطئاً للغاية.
قال نادر بابتسامة هادئة لم تخلُ من الثقة"
- زي ما أنتِ شايفة كده، جيت اتعرف على عيلتك

"اقتربت ناحيته حتى قالت"
- متهيألي أنا قلتلك ردي امبارح واللي معناه إن الزيارة دي مالهاش معنى

"ابتسم نادر إلى يارا التي كانت تراقب الموقف في توجس قائلاً"
- يارا! ممكن تسيبينا لوحدنا شوية؟

"نقلت نظرها بينه وبين نهال، التي كانت لا تزال مثبتة نظرها عليه في غضب، ثم رحلت سريعاً، وعندها، عاد ليلتفت هو إلى نهال ليقول"
- هو ده السبب اللي رفضتيني عشانه؟

"ردت قائلة بصلابة"
- قلتلك قبل كده أسبابي ماتخصش حد غيري

"رفع سبابته في وجهها ليردف في قوة"
- وأنا مش همشي قبل ما أعرف أنتِ ليه رافضة ترتبطي بحد

"أغمضت عينيها بقوة لتزفر في ضيق وهي تتمنى لو يكون هذا أحد خيالاتها التي أخذت تراودها منذ مدة... منذ أن رأته أول مرة، وليتها لم تفعل.
التفتت لتجد يارا تتابع كل شيء من خلف زجاج الشرفة في خوف لتعاود النظر إليه قبل أن تتركه متوجهة إلى الصغيرة الخائفة هناك.
وعندما وصلت إليها، أشارت بابتسامتها الحنونة التي تظهر تلقائياً عند تحدثها إليها"
- ماتخافيش يا يارا! ادخلي أنتِ أوضتك دلوقتي

"أشارت يارا بحزن"
- أنا آسفة يا نهال! أنا ماكنتش أعرف إنك هتضايقي كده

"هزت نهال رأسها في نفي لتشير في حزم حنون"
- ماتضايقتش، بس ده مايمنعش إني كنت أتوقع منك تسمعي كلامي في حاجة تخص سلامتك

"أشارت يارا بعينين دامعتين"
- أنا آسفة

"أشارت نهال في حنان"
- وأنا مش زعلانة منك أبداً، بس هزعل لو عيطتي

"مسحت يارا دموعها سريعاً لتعود الابتسامة لوجهها وهي تشير سريعاً"
- لا خلاص مش هعيط

"ثم نظرت ناحية نادر الذي كان يراقب الموقف من بعيد لتعاود النظر إلى أختها وتشير"
- عمو نادر شكله طيب، اتكلمنا كتير وأنا ارتحتله اوي

"ثم اتبعت في رجاء"
- من فضلك ماتعامليهوش وحش

"ضحكت نهال ضحكة خفيفة لبراءة أختها لتشير"
- مش هعامله وحش، ماتقلقيش

"اومأت يارا لها في امتنان قبل أن تتركها متوجهة إلى غرفتها لتعود نهال إلى نادر مجدداً، والذي كان يراقب الموقف ومشاعر جديدة تجتاحه تجاهها.
إن علاقتها بأختها الصغرى ليست مجرد علاقة أختين، كما أخبرته يارا تماماً... نهال ربتها مثل أمها، إنهما تبدوان وكأنهما متعلقتان ببعضهما البعض حقاً، كم هو ممتن لزيارته تلك التي جعلته يرى هذا الجانب الحنون منها الآن!
انقطع شروده عندما وجدها تتقدم ناحيته وقد بدت أهدى قليلاً لتشير إليه بالجلوس قائلة"
- اتفضل يا نادر بيه!

"جلس ثم نظر لها قائلاً بابتسامة مرحة"
- متهيألي مابقاش في مساحة للألقاب بيننا دلوقتي، أنا بقولك يا نهال، نادر بس هتبقى أحسن

"ازداد توترها لتقول محاولة الثبات"
- تشرب إيه؟

"قال في وضوح"
- أنا عايز اتكلم مش اشرب

"ارتسمت ابتسامة متكلفة على وجهها للحظة قبل أن تردف قائلة"
- اعتقد إن الكلام هيطول، ولازم تشرب حاجة

"بادلها هو الآخر بنفس الابتسامة قبل أن يقول"
- كويس إنك عارفة إني مش همشي من هنا بالساهل

"ثم اتبع قائلاً"
- شاي... هشرب شاي

"ذهبا لدقائق قليلة قبل أن تعود حاملة صينية عليها كوبين من الشاي، وضعتها على الطاولة الصغيرة بينهما ثم ناولته فنجانه لتجلس وتأخذ فنجانها هي الأخرى.
ساد الصمت بينهما قبل أن يقول هو"
- اتكلمي يا نهال! أنا سامعك

"نظرت إليه قبل أن تأخذ نفساً عميقاً لتقول بثبات وثقة"
- نادر!...

"ابتسم لوقع اسمه على أذنه بصوتها لتردف بعدها"
- أنا عشت سنين ماعنديش أي حاجة في حياتي أهم من أختي يارا، أنا اللي ربيتها واهتميت بيها من أول يوم، ماما ماتت وهي صغيرة أوي وبابا مات بعدها بشهور قليلة من حزنه عليها وعلى حالة أختي اللي اتولدت عندها صمم مالوش علاج، ماتبقاش غيري أنا وهي، كنت لها كل حاجة... الأب والأم والأخت والصاحبة، سنين عدت عليا وأنا بحاول أغرس فيها إنها إنسانة طبيعية جداً ومش أقل من غيرها، حاولت أدخلها في كل النشاطات اللي تشغل وقتها وتعلمها وتخليها أقوى وأحسن، اشتغلت وعافرت كتير عشان اوفرلها مستوى معيشة أحسن تقدر توصل به لكل حاجة تتمناها، كل حاجة عملتها كانت عشانها هي وبس

"كان يستمع إليها بإنصات وقد مست قلبه الطريقة التي كانت تتحدث بها وكأنها تتحدث عن ابنتها أو عن شيء أغلى عليها من نفسها، اتبعت قائلة"
- وقرار الارتباط ده كان خارج تفكيري تماماً، أنا ماعنديش استعداد أبداً إني اتخلى عن أختي بأي شكل أو حتى انشغل عنها، ومافيش حد هيتحمل حاجة زي دي، وأنا ماقبلش إني أعرض أختي لموقف زي ده

"ثم ختمت حديثها قائلة"
- متهيألي كده عرفت السبب اللي ورا رفضي

"صمت قبل أن يقول في هدوء"
- خلصتي كل اللي عندك؟

"اومأت برأسها ليتبع بابتسامة هادئة"
- يبقى اسمعيني أنا كمان

"التقط أنفاسه ليقول بنفس ابتسامته"
- أنا عمري تسعة وتلاتين سنة يا نهال! منهم تلاتين سنة شغل

"بدت الدهشة عليها ليضحك هو ضحكة خفيفة قائلاً"
- غريبة صح؟! أنا كمان لما ببص على سنين عمري اللي راحت في الشغل بستغرب، ازاي بدأت بدري وازاي عدت بسرعة كده، أنا ماتولدتش كده، أنا اتولدت في أسرة بسيطة جداً واضطريت إني اعتمد على نفسي من بدري لغاية ما وصلت لكل اللي أنا فيه دلوقتي...

"ثم تنهد في حرارة قبل أن يتبع"
- أنا عشت عمري كله مافيش في حياتي غير الشغل بس، أي لحظة كنت بتعب فيها كنت بفتكر الحياة اللي عشتها زمان عشان اشتغل اكتر وأقدر احافظ عالمستوى اللي وصلتله، ماكنتش بفكر لا في حب ولا ارتباط ولا عيلة خالص، كنت بحس إن أي حاجة من دي هتعطلني عن شغلي، وكمان ماكنتش عايز أظلم الإنسانة اللي هرتبط بيها لإني ماكنتش هقدر اديلها الوقت والاهتمام الكافي

"لينظر لها بابتسامة حانية وهو يقول"
- لغاية ما شفتك، دخلتي قلبي من أول لحظة، أنا عمري ما التفت لأي واحدة قبل كده إلا أنتِ، وماعنديش استعداد أبداً أخسرك عشان مخاوف أقل من إنها تشغل بالك وتمنعك عن حياتك بالطريقة دي

"نظرت إليه في ضيق لتقول"
- يعني إيه أقل؟

"قال في ثقة"
- أنا قلتلك قبل كده إن أياً كانت أسبابك فأنا قادر عليها، وصدقيني لو أختك هي سببك الوحيد فأنا اقدر أقولك إن اهتمامك بيها واللي شفته بعيني من شوية وفي كلامك عنها خلاكي تكبري في نظري أكتر وإعجابي بيكي يزيد، وأوعدك إنك لو قبلتي إني هكون أكتر حرص عليها منك أنتِ شخصياً.

"ثم أردف وكأنه يؤكد كلماته في رأسها"
- أنا لما بقول كلمة... بكون قدها

"قالت في حذر"
- أقبل بإيه؟

"قال بابتسامته الحانية مجدداً"
- تتجوزيني يا نهال!

"نظرت إليه في صدمة ليتبع في هدوء شابته بعض المرارة"
- صدقيني مش هتلاقي حد يفهم يعني إيه تعيشي عمرك كله ناسية نفسك عشان خايفة على حاجة غيري أنا

"ثم اتبع بابتسامة صافية غادرتها المرارة"
- وأنا هكون أسعد واحد في الدنيا لو سمحتيلي أكمل معاكي حياتك وأثبتلك صدق مشاعري ناحيتك، واللي أكيد هتبادليني زيها في يوم من الأيام

"كانت تستمع إلى كلماته وشعور بالخوف و الارتباك يتملكها. عندما رأته أول مرة، لم تتصور أن تصل الأمور بينهما إلى تلك الدرجة، في البداية يصرِّح لها بإعجابه والآن يطلب الزواج منها، كيف؟ كيف ستجعل أحداً آخراً يشاركها أمور حياتها التي لطالما اعتادت أن تتملك هي زمامها بمفردها؟
لقد قال أنه سيكون أكثر حرصاً منها على أختها، هل يفعل؟ تذكرت الوعد الذي طلبته يارا منها بالأمس بأن تعطي فرصة لنفسها كي تجد الرجل المناسب، ومنذ قليل طلبت منها ألا تحزنه فهو رجلٌ طيب. هل استطاع الدخول إلى قلب يارا بتلك البساطة؟ أم إنه يدَّعي كل هذا ليمل لاحقاً ويبتعد؟
استغرقت في شرودها دقائق ليقطعه هو قائلاً بهدوء"
- ماتخافيش

"نظرت إليه في اندهاش ليتبع قائلاً بثقة"
- أنا عارف كل اللي بتفكري فيه وكل حاجة قلقاكي، أوعدك إننا هنقدر على كل حاجة سوى

"هزت رأسها في نفي قائلة"
- أنا مابحبش الوعود، أنت ماتقدرش تضمن حاجة لسة ماحصلتش

"ابتسم بإعجاب قائلاً"
- مش هوعدك، هثبتلك بكل حاجة هعملها عشانك إني قد كلامي

"صمتت لتقول أخيراً"
- اديني فرصة أفكر وأرد عليك

"خفتت ابتسامته قليلاً وقد خاب أمله في أن تعطيه الجواب الآن، ولكنه اومأ برأسه قائلاً"
- هستناكي يا نهال!
…..

"دخلت نهال إلى غرفة يارا، التي كانت تسير ذهاباً و عودة في قلق حتى انتبهت لدخول نهال، تقدمت ناحيتها لتشير في توتر"
- إيه اللي حصل؟

"ابتسمت نهال لها قبل أن تأخذها ناحية الأريكة الزهرية في غرفتها لتجلسا عليها قبل أن تنظر إليها نهال وتشير بهدوء"
- ممكن تحكيلي أنتِ ونادر اتكلمتوا في إيه؟

"ابتسمت يارا في سعادة وهي تشير بكل ما حدث وبكل الحديث الذي تحدثاه سوياً، ونهال تستمع إليها وشعور بالاطمئنان قد غزاها لارتياح يارا له.
ختمت يارا حديثها مشيرة بتساؤل"
- بس هو مين ده؟

"صمتت نهال حتى أشارت"
- نادر معجب بيّ

"ثم تنهدت لتتبع مشيرة"
- والنهاردة قالي إنه عايز يتجوزني

"أشارت يارا في سعادة"
- بجد يا نهال؟

"ابتسمت نهال ابتسامة هادئة مشيرة"
- دي حاجة تفرحك؟

"ردت يارا في حماس لتشير"
- أكيد

"لتتبع بعدها في حذر"
- بس... أنتِ مش بتحبيه؟

"ابتسمت نهال في هدوء لتعاود ذكرى ذلك اليوم الذي رأته فيه لأول مرة.
لا زالت تذكر كيف قضت ليلتها وهي تفكر فيه رغماً عنها لتفاجأ به في اليوم التالي يأتي للقاء رامـي. لا تزال تذكر تلك النظرات الغريبة والجديدة كلياً بالنسبة لها التي كان يطالعها بها والتي كانت تربكها كثيراً، ولا تزال تفعل في الواقع.
لا تستطيع حسم أمرها فيما إذا كانت معجبة به أم لا، إن شخصيته من النوع المفضل لديها، تلك الشخصية القوية الواثقة التي تدرك قيمة نفسها جيداً، وازداد انبهارها بشخصيته عندما علمت بكفاحه واجتهاده منذ الصغر حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، والأهم من كل ذلك... كلمته، لقد أعطاها كلمة بأن يثبت لها صدقه وحبه، بأن يثبت لها أنه سيكون أشد حرصاً على أختها، وهي لسببٍ ما لا تعلمه شعرت بصدقه.
انقطع شرودها عندما لمست يارا يدها لتشير بقلق"
- سرحتي في إيه؟

"نظرت إليها لتشير"
- مش عارفة إذا كنت بحبه ولا لا

"أشارت يارا مجادلة"
- بس أنتِ وعدتيني إنك هتفتحي الباب

"ضحكت نهال ضحكة خفيفة لتشير"
- نفتح الباب تاني؟

"لتتبع بعد أن قرصت وجنتها قرصة خفيفة"
- مش كفاية اللي عملتيه النهاردة

"رفعت يارا كتفيها إلى أعلى لتشير"
- أنا متأكدة إن المرة دي الباب اتفتح بجد... دي علامة

"صمتت نهال وقد شعرت بأن جملة أختها صحيحة، ألا يمكن أن يكون ما حدث اليوم إشارة لتمضي؟ أم إنها... عادت يارا لتقطع شرودها ثانيةً لتشير في ضيق"
- ماتسرحيش، قوليلي إنك هتديله فرصة

"أشارت لها نهال بابتسامة خفيفة"
- القرارات دي مابتتاخدش بسرعة كده، محتاجة تفكير، القرار ده مايخصنيش لوحدي، يخصك أنتِ كمان، لازم اتطمن إنك أنتِ كمان هتكوني في أمان ومافيش أي حاجة هتتأثر

"أشارت يارا في ثقة مما تتحدث عنه"
- عمو نادر شجعني أكمل دراستي واجتهد فيها وقالي إن شركته مستنياني لما أكبر وأكون مهندسة زي رامـي

"ظلت نهال صامتة حتى وجدت يارا تنظر إليها في رجاء لتلك الفرصة، ربما لم تكن يارا هي من ترجوها بقدر ما كان قلبها الذي سأم وحدته هو من يرجوها لذلك.
لطالما كانت ترفض الزواج الذي يتخذه الناس مهرباً من وحدتهم فحسب، فما حاجتها هي لكي تسكن مع رجلٍ لا تحبه فقط حتى لا تكون وحيدة؟ وحدتها أفضل بالطبع.
ولكنه ليس مجرد رجلٍ عادي، ولا شعوره نحوها عادي، بل ولا حتى مشاعرها المرتبكة تجاهه عادية، كل شيء مختلف... مربك... محير إلى أقصى حد.
أخذت نفساً عميقاً لتشير"
- هفكر وأقول قراري النهائي


…..

"مرت عدة أيام بعدها لم يحاول نادر الاتصال بها أو رؤيتها حتى لا يؤثر عليها على الرغم من أنه كان يتوق لمعرفة ردها الذي لن يسمح بأن يكون شيئاً آخراً غير الموافقة.
جاء موعده مع رامـي في الشركة ليذهب إلى هناك ويجدها تجلس شاردة في مكانها غير منتبهة لقدومه بعد، ولكنها أفاقت على صوته وهو يقول"
- صباح الخير يا نهال!

"نظرت إليه نهال في صدمة، لقد كانت تفكر به الآن، وكأنه قد قفز من رأسها إلى الخارج فجأة... غريبٌ هذا الرجل.
قامت من مكانها ثم قالت بنبرة حاولت قدر الإمكان أن تكون طبيعية"
- صباح النور يا نادر بيه!

"ابتسم لها حتى عاد ليقول"
- رامـي وصل؟

"اومأت برأسها إيجاباً وهي تبتعد عن مكتبها متوجهة إلى مكتب رامـي قائلة"
- أيوة، حالاً هبلغه بوصول حضرتك

"وبعد لحظات، خرجت إليه لتتبع بابتسامة رسمية"
- اتفضل حضرتك!

"رمقها بابتسامة ماكرة قبل دخوله ليزداد ارتباكها وهي تتقدم خلفه. تقدَّم نادر ناحية رامـي، الذي استقبله بابتسامة مرحبة، ليصافحه ثم يجلسا معاً ليبدأ الاجتماع.
كانت نهال كعادتها تقوم بالترجمة بينهما ولكن ذهنها كان شارداً في ذلك الحديث الذي حتماً سيُفتح بمجرد خروجهما من هنا، وكانت تلاحظ نفس الشيء في نظراته إليها أثناء حديثها عما تعنيه إشارات رامـي الخاصة بالحوار.
كان كأنه يحاول أن يسألها بعينيه ويتمنى لو تجيبه عيناها أيضاً، ولكنه لم يجد سوى الارتباك فقط، وعندما انتهى الاجتماع، قاموا جميعاً ليقوم نادر بمصافحة رامـي ثم يرحل.
خرجت نهال من خلفه ثم أغلقت الباب خلفها لتجده يلتفت إليها لتتوقع هي أن يسألها عن رأيها، ولكنه فاجأها عندما قال بابتسامته الرقيقة"
- مع السلامة يا نهال!

"لتتبعه عيناها وهو يتقدم ناحية المصعد ليختفي بداخله تاركاً إياها في موجة من التساؤلات. لماذا لم يتحدث إليها في ذلك الشأن؟ هل نسي؟ ولكن نظرته لها بالداخل كانت تعني العكس تماماً، ما الذي حدث؟"

.....

"عادت نهال إلى المنزل وهي غاضبة للغاية. إن تصرفه قد أزعجها، كيف لم يسألها؟ أم أنه لم يعد مهتم وهي التي فهمته بشكل خاطئ؟ فلينسَ أو يتذكر، كل هذا لم يعد يهم، لقد أخذ هذا الأمر أكبر من حجمه ويجب أن ينتهي.
وضعت حقيبتها جانباً لتتوجه إلى غرفة يارا، التي كانت تجلس في غرفتها تقرأ كتاباً ما، وعندما لمحتها، أغلقت الكتاب ثم تقدمت ناحيتها لتعانقها في ترحيب كالعادة، نظرت إليها نهال مشيرة بابتسامة"
- عاملة إيه؟

"ابتسمت يارا في سعادة مشيرة"
- كويسة، مستنياكي عشان نتغدى سوى

"اومأت نهال برأسها بابتسامة حنونة مشيرة"
- حالاً والأكل يكون جاهز

"مر بعض الوقت بينما كانت نهال تقوم بتحضير الغداء حتى سمعت صوت جرس الباب.
تركت ما بيدها لتخرج متوجهة ناحية الباب، فتحته لتفاجأ به أمامها حاملاً باقة من الورود أجمل من تلك التي أحضرها من قبل، وكان هو ينافسها جمالاً بهيئته وابتسامته الرائعة، التي حاولت جاهدة أن تنكر حقيقة أنها تعجبها كثيراً.
قال بتهذيب"
- مساء الخير!

"صمتت للحظات قبل أن تقول بهدوء"
- مساء النور!

"وصلته رائحة الطعام الشهية ليقول في فضول مَرِح"
- حلوة أوي الريحة دي، أنتِ طابخة إيه النهاردة؟

"لم تستطع منع ابتسامتها وهي تقول"
- صينية فراخ مشوية، ومكرونة اسباجيتي

"ازدرد ريقه بصعوبة وهو يقول"
- بحبها اوي

"عادت نهال لتبتسم رغماً عنها وهي تقول بصوت خرج حنوناً"
- يبقى اتفضل نتغدى سوى لأول مرة

"ابتسم في سعادة ليتقدَّم إلى الداخل ويهديها باقة الورود قائلاً"
- الورد ده علشانك، اتفضلي!

"أخذته منه لتقول بابتسامة هادئة"
- شكراً

"ثم قالت قبل أن تتوجه إلى الداخل"
- اتفضل! حالاً والغدا يكون جاهز

"جلس في مكانه وهو يتأمل شكل البيت من حوله لأول مرة.
بيتاً كلاسيكياً هادئاً يحمل قدراً كبيراً من الدفء الذي أشعره بأنه بيته هو أيضاً، ثم وقعت عيناه على صورة موضوعة على طاولة جانبية في برواز أنيق الشكل تجمع نهال ووالديها معاً، وإلى جوار تلك الصورة العديد من الصور الأخرى الخاصة بـ يارا في مراحل عمرها المختلفة، والتي تجمعها بنهال أيضاً وتظهر مدى ارتباطهما ببعضهما البعض.
وجد يارا تأتي إليه بابتسامة كبيرة عبَّرت عن مدى سعادتها بوجوده، صافحته ليصافحها هو الآخر بمثل ابتسامتها ليقول"
- ازيك يا يارا؟

"اومأت له برأسها بابتسامة تدل على أن كل شيء على ما يرام، ثم وجدها تكتب"
- على فكرة أنا مبسوطة أوي إن حضرتك جيت النهاردة، نهال كانت مضايقة لما رجعت

"نظر لها متسائلاً وهو يقول بصوت خفيض حتى لا تسمعه نهال"
- ليه؟

"رفعت يارا كتفيها لأعلى وهي تكتب"
- مش عارفة، يمكن حاجة في الشغل ضايقتها

"صمت نادر وقد عاد ليتذكر ما حدث في الصباح ليبتسم في مكر، إنها غاضبة منه إذن، لذلك قابلته بوجه واجم عندما فتحت الباب.
قطع حديثهما قدوم نهال بصينية الدجاج الشهية التي وضعتها على السفرة لتوجِّه حديثها إلى يارا مشيرة"
- تعالي يا يارا ساعديني

"ركضت يارا خلفها لتتركاه وحيداً لدقائق قليلة أصبحت فيها السفرة جاهزة تماماً.
جلسوا جميعاً إليها وبدأوا في تناول الطعام ليجده هو أشهى طعام عرفه منذ زمن بعيد، قال بنهم"
- الأكل تحفة يا نهال! عظيم

"وجدت نفسها تبتسم في سعادة كبيرة وهي تقول في مرح"
- صحة وعافية! يا رب بس ماتكونش بتجاملني

"ضحك قائلاً"
- أنا عمري ما أجامل في الأكل أبداً

"ضحكوا جميعاً ليمر الوقت بهم وهم يتناولون الطعام باستمتاع شديد خاصة مع أحاديث نادر المرحة والتي كشفت جانباً جديداً من شخصيته.
كانت نهال تشاركه بعض فكاهاته بينما يارا تراقبهما باستمتاع وهي تضحك كثيراً، فبالرغم من الأجواء السعيدة والضاحكة التي كانت تعيشها هي ونهال إلا أنها تكاد تشعر بضجيج الحيوية الذي دبَّ في المكان وإن لم تكن تسمعه.
لم تكن نهال تناقضها في شعورها، بل إنها تشعر بذلك الاختلاف الذي طرأ من مجرد عزيمة على الغداء، ولا تستطيع إنكار تلك الراحة التي تشعر بها والتي أسعدها أن تشاركها يارا بمثلها أيضاً.
لكنها عادت لتتذكر غرابة موقفه منها في الصباح لتشعر بالضيق قليلاً، هل حقاً لم يعد يهتم؟ ولكن إن كان ذلك صحيحاً فما سر قدومه إلى هنا؟
وعندما انتهى الغداء، جلسوا سوياً لبعض الوقت في مزيد من المرح حتى دخلت يارا إلى غرفتها لتتركهما سوياً وهي تكاد تجزم بأنه قد جاء إلى هنا لأجل معرفة ردها الذي أصبحت تتمنى من الله أن يكون بالموافقة. نظر نادر إلى نهال ليقول"
- يارا قالتلي إنك رجعتي من الشغل النهاردة مضايقة، حصل حاجة ضايقتك؟

"نظرت إليه قبل أن تقول في فتور"
- لا أبداً

"ابتسم لها قبل أن يسأل"
- فكرتي يا نهال؟

"نظرت إليه في دهشة لتقول"
- في إيه؟

"نظر لها في تعجب قائلاً"
- في الموضوع اللي كلمتك فيه آخر مرة هنا... جوازنا

"صمتت للحظات قبل أن تقول"
- كنت فاكراك نسيت

"رد قائلاً"
- أنسى؟ أنسى ازاي؟

"تنهدت قائلة"
- يعني... الصبح ماتكلمتش معايا في حاجة فحسيت إنك...


"صمتت للحظات قبل أن تقول بخفوت"
- صرفت نظر

"ابتسم لها وقد فهم جيداً قلقها من أن يكون قد نسي هذا الأمر، لقد نجحت حيلته إذن... إنها تحمل له مشاعر متبادلة بعكس طريقتها الرسمية معه في بعض الأحيان.
هز رأسه في نفي وهو يقول بابتسامته"
- مش ممكن أنسى

"ارتبكت ليتبع هو بابتسامة أرق"
- موافقة؟

"عادت مخاوفها القديمة تراودها بشأنه مجدداً لتمر لحظات وهي صامتة، فقط تنظر إليه وهي تحاول أن تُسكِت كل تلك المخاوف.
إنه لا يبدو بذلك السوء، أليس ذلك واضحاً في تصرفاته معها ومع أختها من قبل؟ كان من الممكن أن يفعل أي شيء عندما كانت غائبة في تلك المرة ويؤذي أختها ولكنه لم يفعل بل إنه وعدها بأن يعتني بها معها، وبداخلها كان هناك صوتٌ يصدِّق وعوده حقاً.
وأمامها كان هو يفهم كل ما يدور في رأسها ويستوعبه تماماً، أراد أن يطمئنها فقام من مكانه ليجلس إلى جوارها ويقول في ثقة"
- مستعد اعيدهالك بدل المرة ألف، أنا هثبتلك كل يوم صدق مشاعري ناحيتك، وهثبتلك إني قادر أحافظ على يارا زيك بالظبط وأكتر، واهتمامك بيها مش هيقل أبداً... أنا مش هسمح بكده، فاهمة؟

"اومأت برأسها إيجاباً ليتبع بنفس الثقة"
- والأهم... مصدقاني؟

"عادت لتومئ برأسها من جديد بعينين دامعتين ليتبع هو بابتسامته الحنونة"
- يعني موافقة؟

"دمعت عيناها رغماً عنها لتقول"
- موافقة

"ابتسم في سعادة وقد امتلأ قلبه بالراحة ليحتضنها فجأة لتشهق هي في صدمة قبل أن تشعر بيدها التي تمسكت به وبدموعها التي انهمرت فجأة وكأنها كانت بحاجة إلى هذا العناق منذ سنوات دون أن تدري.
تلك الراحة التي سكنتها فجأة أشعرتها وكأنها لم توافق على مجرد الزواج منه بل على الحياة نفسها.
ولم يكن هو بحالٍ مختلفٍ عنها فلقد شعر حقاً كيف يكون الركض لسنوات حتى الوصول إلى النهاية... الراحة... والسكن، أشياء جديدة كان يتمناها دون أن يعلم ويتعلمها الآن إلى جوارها.
لحظات مرت كالنسيم على كليهما قبل أن ينظر إليها ويقول بصوتٍ رقيق"
- أنا بحبك يا نهال!

"نظرت إليه للحظات لم تستطع فيها تحديد أيٍ مما تشعر. الشعور الذي سكن روحها فجأة والذي تكاد تصرخ به الآن هو الراحة، لذلك لم يكن غريباً عندما قالت بهدوء يملأ روحها"
- وأنا مرتاحة!

.....

"لم يمر شهر حتى أتم نادر كل التحضيرات الخاصة بالعُرس الكبير الذي سيقيمه بعد أسبوعين فقط، وعلى الرغم من أن نهال كانت لا تريد تلك العجلة لأن لديها الكثير لتفعله إلا أنه لم يكن يطيق صبراً حتى تصبح زوجته.
لقد قام بدعوة الجميع إلى العرس إلا رامـي ورامز، فلقد أصرت نهال على أن تدعوهما بنفسها، ولهذا قد انتهزت نهال فرصة اليوم الذي يتواجد فيه رامـي بشركته الثانية كي تذهب إليه، ولحسن الحظ، كان رامز في مكتبه أيضاً.
عندما وصلت نهال إلى المكتب، طلبت من السكرتيرة أن تبلغ رامـي بقدومها، وبعد لحظات خرجت لها السكرتيرة تدعوها للدخول.
ابتسمت لها نهال قبل أن تدخل بابتسامتها التي ازدادت إشراقاً في آخر فترة قائلة"
- صباح الخير!

"اومأ لها رامـي مبتسماً بينما قال رامز بابتسامة شقية"
- صباح العسل!

"أشار رامـي لها بأن تجلس لتفعل وهي تضحك قائلة"
- أخبارك إيه يا رامز؟ الشركة من غيرك ساكتة كده

"قال رامز في غرور مصطنع"
- ساكتة بس؟ أنا قلت المعجبات انتحروا من زمان

"ضحكت قائلة"
- مافيش فايدة

"ابتسم رامز قائلاً"
- قوليلنا بقى إيه سر الزيارة الحلوة دي

"صمتت للحظات قبل أن تقول بابتسامة"
- دعوة فرح

"لتصمت ثانيةً قبل أن تقول"
- فرحي أنا

"نظر لها كلٌ منهما في دهشة دون رد لتطالعهما بابتسامة متعجبة وهي تقول"
- متفاجئين كده ليه؟

"أشار رامـي في دهشة"
- فرحك؟ فجأة كده؟

"ابتسمت في خجل وهي تشير"
- كل حاجة جت بسرعة

"أشار متسائلاً"
- ومين العريس؟

"صمتت قبل أن تقول بنفس الابتسامة"
- نادر رؤوف

"نظرا لها بنفس الدهشة قبل أن يقول رامز بعدها"
- ده أنا فاتني كتير هناك فعلاً

"ليتبعه رامـي مشيراً بابتسامة ماكرة"
- يعني طلع نادر بيه هو سبب لخبطتك الفترة اللي فاتت دي كلها

"ازداد خجلها لتشير مرة أخرى"
- كل حاجة حصلت بسرعة

"هز رامز رأسه في نفي وهو يقول في حزن مصطنع"
- ماكنتش أعرف إن المنافسين هيظهروا بالسرعة دي أول ما امشي

"ضحكت نهال ضحكة خجل ليتبع قائلاً بابتسامة حقيقية"
- ألف مبروك يا نهال!

"ليتبع رامـي مشيراً هو الآخر بابتسامة سعيدة"
- مبروك يا نهال! ربنا يسعدكم

"قالت في سعادة"
- الله يبارك فيكم، شكراً

"ثم أخرجت الدعوتين من حقيبتها لتناولهما إياهما وهي تقول بابتسامة"
- الفرح هيكون كمان أسبوعين إن شاء الله، هستناكم

"اومأ رامـي برأسه بينما قال رامز بابتسامة"
- أكيد هنيجي

"قامت من مكانها لتقول بابتسامة"
- هستأذنكم بقى عشان أرجع للشغل هناك، مع السلامة

****
انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-05-22, 09:49 PM   #23

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل السابع عشر

"مرت فترة استمرت فيها حركة الصغير بداخلها ليزيد ألمها ورعبها أكثر من ذلك الاحتمال الذي أثاره الطبيب.
هذا الصغير الأحمق بداخلها سيؤذي نفسه دون أن يعلم، وليس أذىً عادياً وإنما أذىً سيودي بحياته وبعشقها معه.
إنه السبب الوحيد في بقاء أبيه إلى جوارها حتى الآن، وسيكون كل ما تبقى من قصتهما الغريبة التي لا تعرف لها مسمى سوى الراحة بالنسبة إليه والحياة بالنسبة لها، وخسارته ستعني خسارة هذه الحياة وهذه الراحة، سيبتعد وينتهي كل شيء، سينتهي حلم أمومتها التي كانت تتوق لتعيشه، ستخسر كل تلك الخيالات التي لطالما نسجتها ليومياتها معه، ستخسر متعة رؤية طفلها في ملابسه الصغيرة الملونة.
لا لا هذا لن يحدث... سيبقى، وسيولد وستنعم به وبرؤية أبيه وهو يلاعبه ويهتم به.
سالت دموعها في جزع وألم لتقول في وجع مخاطبةً صغيرها"
- كفاية حركة يا رامز عشان خاطري

"وكأن الصغير كان يعاندها لتزداد حركته أكثر فتتألم، وهنا ازداد خوفها لتمسك بالهاتف وتتصل بـ رامز، الذي كان جالساً مع ندى في مكانهما الخاص بذلك المطعم.
وجد هاتفه يرن باسمها، نظر إلى الهاتف وقد شعر بالقلق ولكنه لم يستطع الرد، عاد ليضعه في جيبه ثم التفت إلى ندى التي قالت متسائلة"
- مين يا رامز؟

"نظر لها قبل أن ترتسم ابتسامة مرتبكة على شفتيه قائلاً"
- تليفون مش مهم

"كانت نانسي تنتظر رده بفارغ الصبر، وعندما لم يرد، ازدادت دموعها وهي تقول في ألم"
- ماينفعش يوم ما احتاجك ماتكونش موجود... ماينفعش

"عادت لتتصل به ثانيةً في إصرار، لم يعد الأمر خاضعاً لهواه، إنها حياة طفلها وهي لن تقصر في حمايتها مهما حدث.
وعلى الناحية الأخرى، كان يحاول أن يشغل نفسه بالحديث مع ندى ولكنه كان يشعر في داخله أن هناك أمرٌ ما، وتأكد حدسه عندما وجد نانسي تتصل مرة أخرى.
نظر إلى ندى ليقول بابتسامة خفيفة"
- عن إذنك، مكالمة مهمة

"وعندما ابتعد عنها قليلاً، فتح الخط قائلاً"
- ألو!

"وصله صوت أنينها ليزداد قلقه فقالت هي في وجع"
- الحقني يا رامز! الحركة زادت

"قال سريعاً محاولاً تهدئتها"
- ماتخافيش، أنا جاي حالاً

"أغلق الخط ثم عاد إلى ندى التي تعجبت لمظهره القَلِق وهو يقول"
- أنا آسف يا ندى! بس لازم أمشي دلوقتي حالاً

"سألته في قلق"
- خير في إيه؟

"قال سريعاً"
- في واحد صاحبي عمل حادثة

"لم يعرف كيف وصل إلى منزلها بهذه السرعة لينزل من سيارته راكضاً إلى الداخل ليجدها جالسة على السرير محتضنة بطنها في ألم، وعندما رأته، قالت في خوف"
- الحقني يا رامز! أنا خايفة

"قال محاولاً طمأنتها وهو يحملها متوجهاً بها إلى الخارج"
- ماتخافيش! هنروح المستشفى حالاً وهتبقوا كويسين

"وبنفس السرعة التي ذهب بها إلى منزلها، وصل إلى المشفى بعد أن هاتفَ الطبيب وأخبره بما يحدث.
وهناك... قام الطبيب بفحصها ورؤية وضع الجنين الذي أدت كثرة حركته إلى ضيق التفاف الحبل السري حول رقبته مما أدى إلى ضعف نبضات قلبه، نظر الطبيب إلى رامز ليقول"
- نبضات القلب ضعيفة ولازم يحصل ولادة مبكرة قبل ما نفقده

"شهقت نانسي في خوف شعر رامز بأضعافه ليقول الطبيب"
- أبلغهم يجهزوا غرفة العمليات؟

"صمت رامز وهو ينظر لنانسي التي كانت دموعها منهمرة ليعاود النظر إلى الطبيب قائلاً في حسم"
- أيوة

"تركهم الطبيب ليبلغ بسرعة تجهيز غرفة العمليات بينما اقترب رامز ناحية نانسي ليمسك يدها، قالت في جزع"
- أنا خايفة يا رامز! خايفة يموت...

"شد على يديها برفق بينما أغمض عينيه بقوة يحاول أن يطرد تلك الفكرة من رأسه، ثم عاد ليفتحهما مجدداً وهو ينظر في عينيها قائلاً بهدوء واثق محاولاً أن يغرس كلماته في رأسها"
- ماتخافيش، هتبقوا كويسين، وهيعيش، ماتفكريش في حاجة غير كده، فاهمة؟

"دخلت الممرضة إلى الغرفة لتقول موجهة حديثها إلى رامز"
- لو سمحت حضرتك لازم تخرج عشان نجهز المدام للعمليات

"اومأ لها برأسه ليلتفت إلى نانسي مقبلِّاً جبينها قبل أن يخرج ليمر بعض الوقت حتى دخلت غرفة العمليات لتضع صغيرها المجهول مصيره إلى الآن."

.....

"كان رامـي يجلس مع شمس في ذلك المقهى الذي اجتمعا به صدفةً لأول مرة، وأثناء ما كانا يتحدثان، أشار رامـي بابتسامته"
- على فكرة عمتو سناء معجبة بيكي جداً، وقالتلي إنها عايزة تعزمنا عندها في الفيوم عشان تشوفي بيت العيلة الكبير

"ابتسمت شمس في سعادة وهي تشير"
- أنا كمان ارتحتلها أوي وفرحانة إني قدرت ادخل قلبها كمان

"ثم اتبعت مترددة"
- مع إن كلامكم عنها ساعات كان بيخوفني منها

"ضحك ثم أشار"
- دي مش إشاعات، هي فعلاً مش سهلة، ودي حاجة غريبة إنها تُعجب بيكي أنتِ وندى بالبساطة دي

"ضحكت شمس في زهو لتشير"
- احنا كمان مش سهلين

"ابتسم مشيراً"
- أنتِ عملتي معجزات، عارفة يعني إيه تكسبي عمتو وماما وبابا وورد في صفك؟

"بادلته الابتسامة ذاتها وهي تشير"
- يعني لو فكرت تزعلني أنت الخسران

"ابتسم في إعجاب لتلك الثقة التي تتحدث بها لتتبع هي"
- احكيلي بقى عن بيت العيلة ده

"رد مشيراً"
- جدي فريد الراوي بنى قصر كبير في الفيوم وكان عاوز إن ولاده وأحفاده كمان يعيشوا فيه ويفضلوا سوى، بس مات قبل ما الحلم ده يتحقق، عمتو أمل ماتت قبل ما تتجوز، وعمتو سناء اتجوزت لكن ربنا مارزقهاش بأولاد، وبابا أول ما اتجوز ماما جابها على هنا عشان يعيشوا سوى في القصر اللي احنا عايشين فيه دلوقتي، يعني تقريباً بقى فاضي

"أشارت شمس في حزن"
- زي بيتي كده

"أمسك بيدها للحظات قبل أن يشير"
- أنا مش عاوز أشوف الحزن ده يا شمس!

"ثم اتبع بابتسامة"
- هنعمل عيلة كبيرة عشان بيتنا مايفضاش

"ابتسمت له قبل أن يقطع حوارهما اهتزاز هاتفه ليجدها رسالة من رامز، فتحها ليجده كاتباً"
- أنا في المستشفى يا رامـي! نانسي بتولد، واحتمال كبير تخسر الولد، أنا مش عارف اعمل ايه

"ثم كتب له عنوان المشفى الذي هو فيها ليأتي إليه، لاحظت شمس تغير ملامحه إلى الضيق لينظر إليها مشيراً"
- تعالي أوصلك يا شمس! في مشوار مهم لازم اروحه

"أشارت شمس في قلق"
- إيه اللي حصل؟

"نظر لها قبل أن يشير"
- بعدين هحكيلك، بس دلوقتي خلينا نمشي

"بعد أن أوصل شمس، توجه بأقصى سرعته إلى المشفى ليجد رامز يجلس على الكرسي واضعاً رأسه بين كفيه في عجز.
تقدَّم رامـي ناحيته ليجلس إلى جواره ويضع يده على كتفه، التفت له رامز بعينين مملوءتين بالعجز والوجع الذي لم يشعر به من قبل، أشار رامـي بحذر"
- إيه اللي حصل؟ أنت مش قلت لسة باقي شهرين عالولادة؟

"قال رامز في تعب دون إشارة وكأنه قد شعر بعدم القدرة على فعل أي شيء حتى الإشارة"
- البيبي كان بيتحرك كتير وحركته خلت الحبل السري يضيق حوالين رقبته لغاية ما نبضات قلبه بقت ضعيفة، الدكتور قال مافيش حل غير إنه يتولد بدري عشان ينقذه و... مايموتش

"نطق كلمته الأخيرة بخفوت وكأنه يخشى أن تتحقق بالفعل، ربت رامـي على كتفه قبل أن يشير مطمئناً إياه"
- ماتخافش، إن شاء الله هيبقى كويس

"مر بعض الوقت حتى وجدا الطبيب يخرج من غرفة العمليات، توجه رامز ناحيته بسرعة ليسأله في قلق"
- طمنني يا دكتور!

"قال الطبيب بهدوء"
- مدام نانسي كويسة، وقدرنا ننقذ الولد الحمد لله

"ولكنه اتبع في تردد"
- لكن...

"لم تكد ملامح رامز ترتخي في ارتياح حتى عادت لتتشنج من القلق وهو يسأل"
- لكن إيه؟

"اتبع الطبيب قائلاً"
- الولد لسة حالته خطيرة، ومحتاج يفضل في الحضّانة فترة لغاية ما حالته تستقر

"قال رامز في حذر"
- يعني... هيعيش... صح؟

"رد الطبيب قائلاً"
- للأسف دي حاجة مانقدرش نضمنها، لكن هنعمل اللي علينا والباقي على ربنا

"وعندما رحل الطبيب، نظر رامز إلى رامـي الذي كان يراقب حديث الطبيب وفهم الوضع جيداً، ربت رامـي على كتفه ليقول هو في ألم"
- إيه اللي بيحصل؟ بعد كل اللي عملته عشان خاطره، وبعد كل أحلامي اللي علقتها عليه بإنه يكون أول حجر في عيلتي اللي هبنيها، ألاقي نفسي هخسره بالبساطة دي؟ ونانسي... اقولها إيه؟ إننا ممكن نخسره؟ أنا لو خسرته هخسرها هي كمان، نانسي هتبعد عني لو ده حصل، هخسر مرتين

"كان رامـي يتألم هو الآخر لحال أخيه الذي يراه الآن مهدداً في أكبر مخاوفه... الخسارة والفقد.
لطالما كان يكره شعور العجز الذي يتملكه عندما يجده خائفاً متألماً هكذا ولا يستطيع فعل أي شيء لأجله. لطالما كان يحاول أن يثبت له وجوده إلى جواره، وعلى الرغم من نجاحه في ذلك إلا أنه كان يعلم أن مخاوف أخيه أكبر من هذا، ليته يستطيع محوها.
عاد ليربت على كتفه ويشير محاولاً بث الثقة والاطمئنان في نفسه مجدداً"
- مش هتخسرهم يا رامز! هتطمن نانسي إنه بخير، وهتطمن نفسك قبلها، ماتعرفش إيه اللي ممكن يحصل بكرة، أكيد هيتحسن وهيبقى كويس

"نظر له رامز قبل أن يستند برأسه إلى كتفه وقد شعر بحاجة حقيقية لإسقاط ذلك القناع الساخر قليلاً وإظهار عجزه لمن هو أقوى منه الآن.
لطالما كانت قوة أخيه سنداً له ولم تخذله أبداً، لو يعلم أن ليس ما يؤلمه هو خوفه على صغيره الذي هو بين الحياة والموت الآن فقط، وإنما هو خوفه من أن يشتعل كل شيء من حوله بفعل عبثه وضياعه الذي ألقى به في الهاوية.
ما بين خوف وألم وعشق وخيانة وتملك وخسارة هو ضائع، يبحث عن المخرج كالمجانين فيصطدم بكل ما يزيد أوجاعه ومخاوفه أكثر، لا أحد يشعر بتلك النيران المشتعلة في صدره الآن... لا أحد.
كان رامـي يشعر بكم التخبط والألم الذي يعانيه دون كلمة، أخذ يربت على ظهره حتى نظر إليه ليشير في ثقة"
- لازم تكون قوي يا رامز!

"ثم اتبع بابتسامة هادئة"
- عيلتك الصغيرة محتاجالك

.....

"في المساء، دخل إلى غرفتها ليجدها لا تزال نائمة، جلس إلى جوارها وأمسك يدها بهدوء، وعندما نظر إلى وجهها، وجده مبللاً بالدموع، هل كانت تبكي؟ هل استيقظت ولم يكن هنا؟ أم أنها رأت شيئاً في حلمها؟ لا... لا يجب أن تعرف أي شيء الآن، هي لا تزال متعبة... لن تعرف الآن.
مد يده ناحية وجهها ليمسح دموعها برفق قبل أن يجدها تفتح عينيها لترى ابتسامته الهادئة التي تحاول جاهدة أن تخفي ألمه وهو يقول بصوته الحنون"
- حمد لله عالسلامة يا حلوة!

"ورغم التعب الذي تشعر به، شعرت بأنه يخفي شيئاً ما، وجدت نفسها تقول بخفوتٍ قَلِق وهي تنظر حولها"
- ابني فين؟

"أغمض عينيه ليعاود فتحها وهو يقول مطمئناً إياها"
- موجود يا نانسي! بس في الحضّانة

"دمعت عيناها وهي تقول"
- طب هو كويس؟ أنا عاوزة أشوفه

"عاد ليمسح دموعها برفق وهو يقول"
- هتشوفيه، أول ما تتحسني شوية هنروح ونشوفه

"هزت رأسها في نفي وهي تقول"
- ليه مايجيش هنا؟

"رد قائلاً"
- عشان لازم يفضل في الحضّانة شوية، أنتِ ناسية إنه اتولد بدري؟

"نظرت إليه قبل أن تقول في خوف"
- أنت مش مخبي عليا حاجة يا رامز؟

"هز رأسه في نفي وهو يقول محاولاً إقناع نفسه معها"
- لا، صدقيني رامز الصغير كويس

"ثم اقترب منها ليقبِّل جبينها بعمق قبل أن يهمس قائلاً"
- ارتاحي يا نانسي! أنتِ تعبتي

"أغمضت عينيها في ألم وهي تشعر بأن جملته لا تعني فقط ما هي فيه الآن بل هي ملخص ما تعيشه منذ أن ظهر في حياتها إلى هذه اللحظة، ومن يدري ما الذي ستلاقيه فيما بعد.
لو يتوقف قلبها عن شعوره بالخوف والقلق للحظات... فقط لحظات تلتقط فيها أنفاسها، أنفاسها التي، وللأسف، لا تجدها سوى بين ذراعي تلك المخاوف والآلام، ليته يدري... وليتها ترتاح."

.....

"خرج رامز من الغرفة ليعود إلى رامـي، الذي كان لا يزال جالساً بالخارج، جلس إلى جواره في تعب، ساد الصمت بينهما للحظات قبل أن يشير رامـي متسائلاً"
- عاملة إيه دلوقتي؟

"اومأ رامز برأسه وهو يشير"
- كويسة، عاوزة تشوفه

"ثم اتبع بسخريته المتألمة"
- بس أنا طمنتها

"شعر رامـي بالألم لأجله ولم يدرِ ماذا يقول أو يفعل، نظر رامز إليه ليشير بابتسامة خفيفة"
- شكراً إنك موجود يا رامـي! مش عارف كنت هعمل إيه وأنا لوحدي قصاد كل ده

"نظر له رامـي في ضيق وهو يشير"
- بعد شكراً دي أنا ممكن اسيبك وامشي

"ضحك رامز ضحكة خفيفة ثم أشار"
- أنت فعلاً لازم ترجع البيت دلوقتي عشان ماحدش يحس بحاجة، ومش عايز أي حد يعرف بولادة نانسي

"ثم تنهد في تعب ليتبع"
- لازم اتأكد إن كل حاجة كويسة وأخرج بيهم من هنا قبل ما ابدأ المعركة الجديدة

"أشار رامـي في ثقة"
- ماتقلقش، أنا معاك دايماً، مش هتواجه لوحدك

"نظر له رامز بامتنان وهو يشير"
- ومش عايزني أقولك شكراً؟

"زفر رامـي في ضيق ليشير قبل أن يقوم من مكانه"
- لا أنا بقول اسيبك واجيلك بكرة أحسن، سلام!

"ضحك رامز مشيراً"
- سلام!

.....

"كانت ندى في حالة من القلق والضيق منذ الصباح، تركها وذهب فجأة دون أن يخبرها ما الذي حدث. أي حادث هذا بل أي صديق هذا الذي يتحدث عنه؟
حاولت أن تتصل به عدة مرات ولكن لا فائدة... هاتفه مغلق. لم تدرِ ماذا تفعل حتى وجدت نفسها تتصل بشمس التي كانت ستذهب إلى النوم لولا اتصالها لترد ضاحكة"
- بتعرفي تنقي أوقات نومي يا ندى

"قالت ندى مباشرة"
- ماتعرفيش حاجة عن رامز؟

"تعجبت شمس من نبرتها الخالية من المزاح هذه المرة لتقول"
- لا ماعرفش، ليه هو ماله؟

"قالت ندى في ضيق"
- النهاردة كنا بنتغدى سوى وفجأة تليفونه رن وماردش، ولما سألته مين قالي تليفون مش مهم، وبعدها بشوية تليفونه رن تاني وقام يرد بعيد، ولما رجع قالي إنه لازم يمشي حالاً عشان صاحبه عمل حادثة

"قالت شمس في دهشة"
- حادثة؟!

"قالت ندى فوراً"
- شفتي؟ مش مصدقة، صح؟

"قالت شمس متعجبة"
- وهكدبه ليه يعني؟ أكيد في مشكلة حصلت

"قالت ندى في ضيق"
- بس مش صاحبه

"صمتت شمس قبل أن تسأل بحذر"
- أنتِ قصدك إيه؟

"صمتت ندى هي الأخرى قبل أن تقول بوضوح"
- أنا حاسة إنه عارف واحدة تانية

"ردت شمس قائلة"
- واحدة تانية؟ إيه الهبل اللي بتقوليه ده؟

"قالت ندى في غضب"
- دي مش أول مرة حد يكلمه واحنا سوى ويسيبني عشان يرد بعيد ويرجع يقولي شغل، شغل ايه ده؟! هو أنا ببيع جزر؟ ما أنا معاه في الشغل

"كتمت شمس ضحكتها من جملتها الأخيرة حتى لا تثير غضبها أكثر لتقول بنبرة محايدة"
- ماتظلميهوش، يمكن فعلاً في مشكلة حاصلة وهو مش عايز يقلقك معاه، استني لما تتكلموا وافهمي منه براحتك

"ضربت ندى الأرض بقدمها وهي تقول"
- بكلمه من الصبح وتليفونه مقفول

"ثم صمتت للحظات لتقول"
- ماينفعش تسألي رامـي عليه؟ هما على طول سوى وأكيد عارف مكانه

"صمتت شمس وقد عادت لتتذكر ما حدث مع رامـي أيضاً، والذي لم يختلف كثيراً عما روته ندى عن رامز، هل من المعقول أن يكونا سوياً؟
قالت أخيراً"
- الوقت اتأخر، بكرة الصبح هسأله ده إن مالقيتيش رامز بيكلمك دلوقتي وبيطمنك

"كادت ندى أن ترد لولا أن وجدته يتصل لتقول سريعاً في سعادة"
- بيتصل أهو يا شمس! باي باي أنتِ دلوقتي

"ثم أغلقت الخط فوراً لتنظر شمس إلى الهاتف في دهشة وهي تقول"
- بيتصل يا شمس؟ باي باي أنتِ دلوقتي؟ أنا يتقالي كده؟

"ثم ألقت بالهاتف جانباً لتتبع وهي تندس في فراشها المريح"
- والله ما هرد عليها بالليل تاني

.....

"كان يقف خلف الزجاج وهو يراقب طفله الصغير الذي اتصلت به العديد من أجهزة التنفس، يا إلهي! كيف سيتحمل هذا الصغير كل هذه الأجهزة والأسلاك؟
وجده يحرك قدميه فابتسم بعينين دامعتين وهو يراقب حركاته العشوائية، كم هو عجول! استعجل المجيء إلى الحياة ولم يبالِ بما في ذلك من خطر عليه، والآن يراه مستعجلاً على الخروج من هذا الصندوق الزجاجي الذي لا يكفي اتساعه لحرية حركاته.
تُرى ما هو لون عينيه؟ هل أخذ منه عينيه الخضراوين المشرقتين أم عيني والدته العسليتين الفاتنتين؟ بالتأكيد سيصبح أجمل طفل في المدينة.
لماذا يقف هو بالخارج بعيداً عن صغيره هكذا؟ لماذا لا يستطيع الاقتراب منه وحمله واحتضانه للحظات... لحظات فقط يشعر فيها أنه أصبح أباً بالفعل، وأن عائلته الصغيرة قد أصبحت قائمة.
عندما تذكر كلمات الطبيب حول حالة صغيره، عاد ليشعر بالألم الذي يفتك بقلبه منذ الصباح، لا... لا يجب أن يموت، يجب أن يعيش، إن لم يكن لأجله هو فلأجلها هي... هي التي تحملت الكثير... الألم، والإهانة، والانتظار، والعطاء دون المقابل الذي يليق... فقط لأجل هذا الصغير.
ظل واقفاً في مكانه لبعض الوقت حتى عاد إلى حيث غرفتها ليجلس خارجها قليلاً ويفتح هاتفه المغلق منذ الصباح ليجد عشرات المكالمات الفائتة والمتصل واحد... ندى.
إن رؤية اسمها الآن فجَّرت لديه المزيد من المخاوف، إن الأمر معها يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وعلى الرغم من أنه ليس في مزاج جيد للحديث، كان بحاجة لسماع صوتها ليشعر بالاطمئنان أنها لا تزال موجودة، ولم تبتعد.
اتصل بها لتمر لحظات حتى سمع صوتها الرقيق يجيبه في لهفة"
- رامز! وحشتني!

"ابتسم دون رد حتى وجدها تقول في قلق"
- أنت معايا؟

"رد قائلاً"
- معاكي

"ثم اتبع بابتسامة هادئة"
- أنتِ كمان وحشتيني

"ابتسمت هي الأخرى للحظات قبل أن تسأله في قلق"
- أنت فين يا رامز؟ بكلمك من الصبح وتليفونك مقفول

"تنهد وهو يسند ظهره إلى الكرسي وهو يقول"
- في المستشفى، زي ما قلتلك... صاحبي عمل حادثة

"قالت متعجبة"
- طب وأنت ليه لسة موجود لغاية دلوقتي؟ أهله مش موجودين؟

"ابتسم في حزن وهو ينظر ناحية باب غرفتها قائلاً"
- لا يا ندى! مش موجودين

"صمتت قبل أن تقول"
- طب هشوفك بكرة؟

"قال بهدوء"
- لا، أنا هفضل جنبه الفترة دي

"شعرت بالغضب الذي يدفعها الآن لأن تصرخ فيه بكل شكوكها، ولكنها قالت بنبرة غلب عليها الضيق دون قصد"
- ماشي، بس من فضلك خلي تليفونك مفتوح

"شعر بالضيق الذي طغى على صوتها فجأة، ولكنه لم يكن قادراً على المجادلة أو حتى إطفاء شكوكها التي فضحها ضيقها المفاجئ ليقول"
- حاضر

"ساد الصمت بينهما ليهمس قائلاً"
- ندى!

"ظلت صامتة ليتبع بصوت متهدج"
- خليكي متأكدة إني بحبك!

"شعرت بأن جملته قد أذابت كل مخاوفها وشكوكها فجأة وكأنها شيئاً لم يكن، كانت كلمته كالدواء لجروح أفكارها لتجد نفسها تقول هي الأخرى"
- أنا كمان بحبك!

"أغلق الخط معها ليضع الهاتف في جيبه ثانيةً ويسند رأسه إلى الحائط خلفه مغمض العينين في تعب.
كم يتمنى لو يدخل إلى غرفتها الآن ويرتمي بين ذراعيها فجأة بلا مقدمات أو حديث!
إنه يفتقدها كثيراً، يفتقد أناملها التي كانت تسير بين خصلات شعره ورأسه مستندة إلى كتفها في تعب وخوف مع همساتها الناعمة التي تخبره ألا يخاف، لا أحد ممن يحبهم سيتركه، وأن كل شيء سيكون بخير، ولكنه لا يستطيع.
هذه هي المرة الأولى التي يشعر بحاجته ولا يستطيع الذهاب إليها، ما كل هذا العجز الذي ملأه فجأة؟
قام من مكانه ليفتح باب الغرفة ويغلقه خلفه في هدوء، أحضر كرسياً إلى جوار سريرها ليجلس عليه ممسكاً بيدها محاولاً أن يستمد منها ذلك الإحساس الذي كان يشعره معها دوماً، ثم وجد نفسه يضع رأسه على تلك المساحة الفارغة جوارها وهو يضع يدها فوق رأسه مغمضاً عينيه ليهمس قائلاً في تعب"
- محتاجلك أوي

"شعر بأناملها تتحرك بين خصلات شعره ببطء يذيب كل أوجاعه ليعاود فتح عينيه ليجدها تنظر إليه في حنان لم يخذله أبداً حتى في أشد احتياجها هي لمن يحن عليها.
أمسك بيدها الموضوعة فوق رأسه ليقبِّل باطنها بعمق وهو يرفع رأسه ليقترب منها وهو يقول بهدوء"
- أنا آسف! أنا بس كنت محتاج...

"قاطعه همسها المتعب"
- قرَّب يا رامز!

"لم يستطع إلا أن يقترب برأسه ليسندها إلى كتفها بهدوء صامت يضج بأوجاعه ومخاوفه التي تعلمها هي تماماً، وربما تعاني مثلها بالضبط، ولكن الفارق أنها لطالما احتوته هو ومخاوفه دون أن يعلم شيئاً عن ضجيج صمتها هي.
ورغم ذلك، لا يمكنها أن تتهمه بالأنانية، على العكس... لقد أعطاها الكثير، إن احتياجه إليها يساوي لديها الكثير، ولكن يبقى ذلك الشيء المنقوص بينهما هو ما يقتلها، علاقتهما التي تبدو في ظاهرها كاملة وفي باطنها مبتورة... ناقصة... موجوعة.
ورغم كل الضجيج الذي تحدثه أفكارها، لم تستطع سوى أن تربت على ظهره وتسير بأصابعها بين خصلات شعره وكأنها تربت على روحها فيه... عسى أن يهدأ وجعها منه وعليه."

.....

"وفي الصباح، استيقظت من نومها لتجده لا يزال مسنداً رأسه إلى كتفها وقد نام في مكانه دون أن يشعر، والغريب أنها لم تشعر بالتعب أبداً بل شعرت بالراحة كعادتها في كل مرة يكون نائماً إلى جوارها.
شعرت به وقد استيقظ، رفع رأسه عنها لتطالعه نظرتها الحنونة التي لم تخفَ أبداً... ولن تفعل.
ابتسم قائلاً في هدوء"
- صباح الخير يا حلوة!

"ارتسمت على وجهها ابتسامة خفيفة لم تخلُ من الحنان وهي تقول واضعة يدها على جانب وجهه"
- صباح النور يا حبيبي!

"أمسك بيدها مقبلاً باطنها ليقول في أسف"
- أنا آسف، نمت من غير ما أحس وتعبتك

"هزت رأسها في نفي وهي تقول بابتسامة تشوبها المرارة"
- تعبك راحة

"قطع حديثهما دخول الممرضة بعربة الإفطار الذي يحتوي على طعام مناسب لحالتها الصحية، وعندما خرجت، حاولت نانسي الجلوس ليساعدها رامز في ذلك قبل أن يأخذ ملعقة من طبق الحساء أمامه ويقرِّبه من فمها قائلاً"
- هم يا جمل!

"أخذتها منه ليتبعها بملعقة أخرى، وهكذا حتى قالت"
- كفاية يا رامز! مش عاوزة

"هز رأسه في نفي قائلاً"
- لازم الطبق كله يخلص، مش باقي فيه كتير

"ثم اتبع وهو يقرِّب الملعقة من فمها قائلاً مرة أخرى"
- هم يا جمل!

"ابتسمت وهي تتناولها، انتهى الطعام ليمسح فمها بالمنديل قائلاً برفق"
- بالهنا والشفا يا حلوة!

"صمتت للحظات قبل أن تنظر له قائلة بهدوء"
- رامز! أنا عاوزة أشوف ابني

"رد قائلاً"
- بس يا نانسي! أنتِ لسة...

"قاطعته قائلة في رجاء"
- أنا كويسة، وهبقى أحسن لما أشوفه

"عاد ليصمت ثانيةً قبل أن يقول"
- ماشي... بس خليني أسأل الدكتور الأول إن كان ينفع تتحركي ولا لا

"لم يمر الكثير من الوقت حتى توجها سوياً ناحية قسم الحضّانات لرؤية الصغير، وذلك بعد أن سمح لها الطبيب بالحركة ولكن لفترة بسيطة حتى لا تُصاب بالتعب.
وعندما وصلا هناك، توقفا خلف الزجاج لتدور عيناها بلهفة وسط الأطفال تبحث عن طفلها الصغير قبل أن يشير هو ناحية الصغير الموجود في وسط الغرفة تحديداً في الصف الثالث بين حضّانتين وهو يقول بهدوء"
- في الصف التالت يا نانسي، الحضّانة اللي في النص

"لتقع عيناها حيث أشار على طفلٍ صغير للغاية موصلاً بالعديد من الأسلاك التي تساعده على التنفس في حالته الخطيرة تلك.
وضعت يدها على فمها وهي تشهق في صدمة لتقول محاولة الحديث"
- هما... هما ليه موصلينه بالأسلاك دي كلها؟

"شعر بقلبه ينكمش من الوجع ليقول بنبرة حاول جاهداً أن يُظهر فيها الثبات"
- رامز الصغير تعبان شوية، محتاج يفضل متوصل بالأجهزة دي عشان يتحسن

"لم تشعر بنفسها إلا وهي تقول بعينين دامعتين مشيرة تجاهه"
- بس... بس ده صغير أوي يا رامز!... مش هيستحمل الحاجات الكتير دي كلها... ليه كده؟

"ضمَّها إليه بقوة مخفياً رأسها في كتفه حتى لا ترى الصغير الذي بدى وكأنه قد ضجَّ بتلك الأسلاك الكثيرة بالفعل.
أخذت تبكي في ألم حتى شعر بتعبها ليحملها فوراً ويتجه بها عائداً إلى غرفتها، وعندما دخل بها، وضعها في سريرها وهو يضمها إليه بينما هي تبكي كثيراً لما رأت صغيرها عليه من حال، قال إلى جوار أذنها"
- ماتخافيش، هيبقى كويس، صدقيني!

"قالت بصوت باكٍ متقطع"
- كتير... ده كتير عليه... مش هيقدر...

"قاطعها قائلاً في إصرار ممسكاً إياها من كتفيها وهو ينظر إليها"
- هيقدر يا نانسي! هيقدر ويقاوم زي ما احنا كمان قاومنا عشانه حاجات كتير، فاهمة؟

"حاولت أن تهدأ وهي تقنع نفسها بكلماته ليعاود ضمَّها إليها ثانيةً وهو يربت على ظهرها برفق قائلاً"
- كل حاجة هتبقى كويسة، ماتخافيش!

"مر بعض الوقت حتى نامت بين ذراعيه ليسند رأسها إلى الوسادة ثانيةً لترتاح قبل أن يخرج من الغرفة متوجهاً ناحية قسم الحضّانات ثانيةً ليرى صغيره الذي عاد إلى حركته مرة أخرى...
نظر إليه من خلف الزجاج وهو يهمس مخاطباً إياه"
- قاوم يا رامز! أنت ماتعرفش أنا بقالي قد إيه مستنيك، ماتعرفش أنا ممكن أخسر إيه لو رحت، حاجات كتير واقفة عليك أنت... أولهم سعادتها وآخرهم وصولي بعد سنين توهان، أنا قاومت عشانك ولسة هقاوم... بس دلوقتي دورك أنت... قاوم!

"مرت ساعة كاملة وهو يقف خلف الزجاج يراقبه ويهمس إليه بالكثير وكأنه سيسمعه بينما كان الصغير يتحرك كثيراً.
ظل على هذا الحال حتى وجد حركة الصغير قد سكنت فجأة، تعجَّب بعض الشيء قبل أن ينقلب تعجبه قلقاً وهو يجد الممرضة التي أسرعت ناحية الصغير وهي تعاين سير الأجهزة في قلق قبل أن تركض إلى مكتب الطبيب وهو يلتفت ناحيتها في قلق، ما الذي يحدث؟ عاد لينظر ناحية الصغير الذي لم يتحرك ثانيةً، ما بهم؟ لعله قد نام.
وجد الطبيب يدخل إلى القسم متوجهاً ناحية الصغير وهو يفحص حالته حتى تحوَّل فحصه إلى محاولة لإنعاش الصغير الذي من الواضح أنه قد... فقد أنفاسه.
دقائق قليلة مرت كالدهر على رامز الذي كان يراقب كل شيء وشعور بالصدمة بدأ ينتابه تدريجياً حتى طغى عليه بالكامل عندما وجد الطبيب يخرج إليه والحزن يكسو وجهه ليقول"
- أنا آسف! الطفل مات.

"نظر إليه رامز دون رد ليلتفت خلفه ويجدها متوقفة في صدمة أشد وقد احتقن وجهها بشدة واغرورقت عيناها بالدموع.
لقد استيقظت فجأة على حلمٍ سيء، وعندما لم تجده إلى جوارها شعرت بأن ثمة شيء ما قد حدث لصغيرها لتخرج من غرفتها عائدة إليه لتصل عند جملة الطبيب الأخيرة، أي طفل؟ طفلها هي؟ قد مات؟ بهذه البساطة؟ ولكنها لم تره سوى لدقائق معدودة.
شعرت بأن كل شيء قد توقف من حولها قبل أن تجد رامز يلتفت إليها ووجهه يضج بالصدمة والألم.
اقترب ناحيتها في هدوء ليتوقف أمامها دون رد، ساد الصمت القاتل بينهما للحظات قبل أن تتفوه هي هامسة"
- مات؟ مات يا رامز؟

"نظر لها دون رد حتى همس في وجع"
- نانسي!...

"انهمرت دموعها ليقترب منها أكثر قبل أن تسقط بين ذراعيه فجأة فاقدة الوعي."

****

"مر الوقت وهي نائمة بعد إغمائها المفاجئ وهو إلى جوارها بوجه مصدوم لا يدري كيف يستوعب كل ما حدث.
هل حقاً مات طفله؟ بهذه البساطة؟ ألم يخبره بأن يقاوم لأجله؟ ماذا عليه أن يفعل الآن؟ وكيف ستكون حالتها هي إن استيقظت ووجدت أن ما حدث للتو لم يكن كابوساً سيئاً فحسب؟ الكثير من الأسئلة والمخاوف سيطرت على عقله حتى شعر بأنه سينفجر.
لم يجد سوى أن يمسك بهاتفه ويبعث برسالة إلى رامـي كي يأتي ويكون إلى جواره، وبالفعل لم يمر الكثير من الوقت حتى وجد رامـي يدخل إليه، وعندما لمح نانسي نائمة ووجهها مليء بالدموع والتعب، نظر إلى رامز الذي كان وجهه صادماً.
لأول مرة يجد كل ذلك الألم والحزن الذي ملأ وجهه فجأة، نظر له متسائلاً فقام رامز من مكانه وخرج معه من الغرفة قبل أن يجلسا على الكراسي الموجودة بالخارج، أشار رامـي في قلق"
- إيه اللي حصل؟

"نظر له رامز قبل أن يقول بعينين امتلأت بالدموع التي لم تنزل"
- مات... رامز مات

"كانت جملته كالصاعقة أصابت رامـي ليكمل رامز حديثه المؤلم قائلاً"
- أنا كنت من شوية بطلب منه يقاوم لأني عايزه يعيش، وجوده كان هيفرق كتير... خصوصاً لنانسي، لكن دلوقتي خلاص... خسرته، وهخسرها هي كمان، هخسر كل حاجة معاه

"عانقه رامـي وهو يربت على ظهره وقد شعر بأن كل كلمات المواساة لن تليق ولن تشفي جرحه أبداً.
كان يعلم جيداً ما الذي يقصده من وراء كلماته ويعرف جيداً أهمية هذا الطفل في ضمان الوصول والراحة. إنه يخشى ابتعادها عنه ولن يجد ما هو أهم وأكبر من هذا الطفل كي يقدمه إليها عوضاً عن حبه الذي لم يخرج سوى في صورة احتياج وعطاء لا يليق.
كان هذا الطفل هو بذرة عائلته الخاصة والتي اختفت مبكراً كما بدأت مبكراً."

.....

"مر يومان حتى قام رامز بكافة الإجراءات الخاصة بدفن الطفل حتى تم كل شيء سريعاً كما بدأ سريعاً.
كان يقوم بكل شيء دون شعور، فقط كل ما يشعر به كان الخواء، الخواء الذي امتلأ ألماً وكمداً عندما قام بدفن طفله الصغير بنفسه، لم يكن يتخيل أبداً أن تأتي لحظة كهذه، كان الموت عنده أهون من أن يشهدها، ولكنها حدثت.
لم يتركه رامـي للحظة واحدة بل كان إلى جواره طوال الوقت يتألم لأجله ويحاول أن يمده ببعض القوة التي هو في أمس الحاجة لها الآن.
عندما انتهت مراسم الدفن، عادا سوياً إلى المشفى، وعندما وصلا إلى هناك، توجه رامز إلى غرفة نانسي التي كانت تجلس في مكانها صامتة كالعادة منذ ذلك اليوم، فقط دموعها تنهمر في صمت دون أدنى إرادة منها.
دخل إليها ليجدها تجلس في هذه الحالة فجلس أمامها دون كلمة.
رأى في يديها قطعة ملابس صغيرة كانت ضمن الأشياء التي جاءت معها ليلبسها صغيرها عندما يُولد.
عاد لينظر إليها ليجدها تنظر إليه بعينين تشف ما يعتري روحها من آلام تعتصرها في صمت. دقائق من الصمت مرت عليهما وبينهما يدور حديث لا يُسمع، حديثٌ كان يتسيده سؤالٌ واحد... والآن... ماذا؟
كانت نظراته تنم عن قدر الضياع والحيرة التي هو واقع فيها دون مخرج، بينما كانت نظراتها هي متألمة... خائفة... ونادمة، حاول أن يكذِّب شعوره بالأخيرة ولكنه لم يستطع.
إن كان كل ما فات قد قتله مرة، فتلك النظرة في عينيها تقتله الآن ألف مرة، ولكنها لم تستمر طويلاً فسرعان ما انقلبت إلى أشد ما تحتاجه الآن... مكانها الآمن بين ذراعيه.
اقتربت منه ببطء حتى أسندت جبينها إلى صدره دون كلمة في ضعف لم تعد تمتلك سواه الآن، لفَّ ذراعيه حولها ببطء استمر للحظات قبل أن يتحول إلى قوة كادت تخفيها بداخله لعل ذلك الطيف الذي مر في عينيها يختفي حتى لا تفكر للحظة في الابتعاد، لن يسمح... لن يخسر المزيد... لا.
بدأ صوت أنينها يرتفع تدريجياً حتى اشتد بكاؤها فجأة، وكأنها قد سمعت كل ما يدور في رأسه لتبكي على كل ما وصلا إليه، لا يريد أن يدرك أن علاقتهما لم تجرُّ سوى الخسارة، ولن تفعل سواها.
جميعهم قد دفعوا الثمن، إن كان هو بضياعه وخوفه الذي ازداد بسبب تملكه، أو هي التي ضحت بمشاعرها وكرامتها لأجله كي يطمئن، أو حتى الصغير الذي لم يدرِ شيئاً عما حدث فدفع حياته ثمناً لمتاهة لم يقصد دخولها أيٌ منهما.
المشكلة أنها لا تستطيع لومه أو كرهه، لم يقصد أياً مما حدث كما لم تفعل هي أيضاً، لقد كانا بحاجة بعضهما البعض فقط. هل هذا هو الجزاء في النهاية؟ كان هذا الطفل هو كل ما سيتبقى بينهما، والآن... ماذا؟
أخذ يضمها إليه دون كلمة لدقائق طويلة حتى هدأت تماماً ورفعت رأسها إليه، أخذ يمسح دموعها برفق ليقطع صمتهما الطويل قائلاً بهدوء"
- خلينا نمشي من هنا، لازم نبعد

"ظهر على وجهها شبح ابتسامة سرعان ما اختفى فور ظهوره لتلك الكلمة الأخيرة، بالضبط... هذا ما كان يجب أن يحدث منذ زمن طويل."

****

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-05-22, 10:19 PM   #24

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل الثامن عشر


"عاد رامـي إلى القصر أخيراً بعد هذا اليوم الطويل ليجد والده في انتظاره ونظرته تدل على ضيقٍ واضح فهمه رامـي فوراً، بالتأكيد سيسأله أين كان خلال اليومين الماضيين، أشار"
- مساء الخير يا بابا!

"نظر له والده قبل أن يشير"
- تعالى ندخل المكتب، لازم نتكلم

"ثم أولاه ظهره متجهاً إلى المكتب، أخذ رامـي نفساً عميقاً قبل أن يتبعه، وعندما دخلا سوياً، أشار له والده أن يجلس، وعندما جلس، سأله في ضيق"
- كنت فين اليومين اللي فاتوا دول؟

"صمت رامـي وقد هربت كل الإجابات التي كان يحضرها لأجل جلسة كهذه، لم يجد بداً من الحديث فأشار بهدوء"
- كنت مع رامز

"ازداد ضيقه وهو يشير متهكماً"
- فين؟ مصيبة جديدة من مصايبه، مش كده؟

"نظر له رامـي قبل أن يشير"
- ابنه مات

"ألجمت تلك الجملة لسان والده فجأة، لم يدرِ بماذا شعر تحديداً، ولكن الألم الذي رآه في عيني رامـي قد كشف له الكثير عما يمكن أن يكون رامز يعانيه الآن أيضاً، وجد نفسه يهمس قائلاً"
- ازاي؟ وامتى؟

"أشار له رامـي بكل ما حدث منذ ولادة نانسي وحتى صباح اليوم، ووالده يستمع إليه في صدمة أجاد إخفائها جيداً خلف ملامح وجهه الثابتة.
كيف حدث كل ذلك بتلك الطريقة؟ وكيف استطاع رامز تحمُّل كل ذلك بمفرده؟
ولكن صوتاً أتاه معانداً ليقول... هذا هو الأفضل للجميع، فلو كان هذا الطفل قد عاش فسوف يعاني مما سيلاقيه من نسبٍ مخزٍ لوالدته وإنكارٍ منه هو نفسه، فمهما حدث ما كان ليقبل بطفل لا يزال مجهولَ النسب بالنسبة إليه.
أتى صوتٌ آخر يستجديه أن يكون إلى جوار ابنه الآن، مهما كانت طبيعة موقفه من ذلك الطفل فلا يجب أن يغفل تلك المعاناة التي عاشها ابنه طوال تلك الفترة بدونه، لا يجب أن يثبت له تلك الأوهام التي أخبره بها من قبل حول أنه لا يعنيه مثلما يعني أخيه له، وبين الصوتين كان يشعر بالحيرة ولا يدري ماذا يفعل.
وجد نفسه يقول بهدوء"
- البقاء لله

"صمت رامـي قبل أن يشير متسائلاً"
- حضرتك مش هتكلمه؟

"ظل صامتاً ليفهم رامـي طبيعة موقفه الذي لا يزال كما هو ليشير قبل أن يقوم من مكانه"
- بعد إذن حضرتك

.....

"وصلا إلى البيت سوياً ليدخلها هو إلى الغرفة ويساعدها في تبديل ملابسها ويضعها في سريرها، وطوال تلك الفترة لم تتكلم أيضاً، كانت مكتفية بذلك الصمت الذي يخيفه الآن أكثر من أي شيء.
قام بطلب بعض الطعام من الخارج، والذي كان يحتوي على الحساء لأجلها، وعندما وصل الطعام، قام بتحضير طبقها الخاص ليعود إليها ثانيةً ويجلس أمامها ليأخذ ملعقة من الطبق ويقربه من فمها لتبتعد هي في رفض، قال في حزم حنون"
- لازم تاكلي يا نانسي! مش هسيبك تنامي غير لما تاكلي

"وبعد إصرار منه، بدأت في تناول الطعام وهو يرفض إلا أن يطعمها بنفسه وكأنه يحاول تعويض كل ما فات بشتى الطرق حتى لا تشعر للحظة أخرى بذلك الندم الذي لمحه بعينيها.
عندما انتهت من تناول طعامها، وضع الطبق جانباً ومسح فمها برفق قبل أن تتمدد في سريرها كي تنام، أطفأ الأنوار ما عدا مصباحٍ صغيرٍ إلى جوارهما ثم اندس جوارها في الفراش ليسند رأسها على ذراعه.
مر بعض الوقت في صمت حتى قطعه هو قائلاً بهدوء"
- أنا عارف إن الفترة دي صعبة... صعبة جداً كمان علينا احنا الاتنين، بس كمان متأكد إننا هنقدر نعديها سوى زي ما عدينا حاجات كتير قبلها، هنقاوم وكل حاجة هترجع زي الأول وأحسن، أوعدك!

"عاد شبح تلك الابتسامة المريرة يرتسم على شفتيها ليختفي سريعاً وهي تلف ذراعيها حول خصره وتدفن وجهه في كتفه تستنشق عطره في محاولة يائسة لكي تأخذ منه ما يكفيها لتنفيذ قرارها في قوة هي أعلم الناس أنها لا تمتلكها، ولن تفعل يوماً أمامه، ولكن لا بد من التنفيذ... لا بد من تلك القوة الواهنة."

.....

"وفي الصباح، استيقظ رامز من قبلها ليتوجه ناحية المطبخ ويعد لها المزيد من الطعام الذي أحضره بالأمس ليقاطع عمله صوت الهاتف، تعجَّب كثيراً لرؤية اسم والده على الشاشة.
ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجهه مجدداً، هل علم بما حدث؟ تردد قليلاً في الرد قبل أن يحسم قراره"
- ألو!

"ساد الصمت في الجهة الاخرى قبل أن يسمع صوت والده الذي قال"
- ازيك يا رامز؟

"ارتسمت ابتسامة على وجهه وهو يقول بنبرة ساخرة لم تخلُ من المرارة"
- أنا كويس جداً

"عاد والده ليصمت قليلاً قبل أن يقول بهدوء"
- رامـي حكالي عاللي حصل... البقية في حياتك

"قال رامز بدوره"
- حياتك الباقية

"ليتبع بعدها قائلاً بابتسامة مريرة"
- اتمنى تكون مبسوط دلوقتي

"قال والده في ضيق متعجباً"
- مبسوط؟!

"رد رامز بنفس الابتسامة"
- طبعاً، خلاص... مش هيكون عندك حفيد ماتعرفلوش أصل... اتطمن!

"كاد والده أن يرد في غضب قبل أن يقول رامز في حسم لينهي تلك المكالمة"
- واجبك وصل يا سليم بيه! مع السلامة!

"أغلق الهاتف ثم ألقاه جانباً في غضب، لماذا اتصل؟ لم يتحمل أن يمرر خبراً كهذا دون أن يتصل ويشمت، وكأن هذا ما كان ينقصه الآن.
أخذ نفساً عميقاً قبل أن يحمل صينية الطعام ويخرج من المطبخ متوجهاً إلى غرفتها ليجدها لا تزال نائمة.
وضع الصينية إلى جوارها ثم اقترب منها وهو يهمس أثناء ما كان يسير بأصابعه بين خصلات شعرها"
- نانسي! يلا اصحي!

"لم تستيقظ فأعاد نداءه قائلاً برفق"
- يلا قومي يا حبيبتي!

"استيقظت، ولكنها لم تستطع فتح عينيها بسبب الألم الذي أصابها الآن لهذه الكلمة التي خرجت صادقة بالفعل، لم تكن عفوية كتلك المرة التي نطقها فيها من قبل، نعم... ومن غيرها قادر على تمييز عفويته وسخريته من حقيقته التي لم تُكشَف لسواها؟!
ربما لو فتحت عيناها الآن لبكت رغماً عنها، ولكنها حاولت أن تتماسك لتفتح عينيها على ابتسامته التي كانت أيضاً مختلفة.
لم تكن طريقته معها من قبل عفوية أو مصطنعة بل كانت حقيقية، ولكن هذه الفترة كل ما يفعله معها حقيقي أكثر من أي شيء مضى، ينبع من شيء آخر لم تره من قبل، وكم تتمنى ألا يكون ما تظنه بالفعل!
اقترب منها أكثر ليقبِّل وجنتها كعادته معها كل صباح وهو يقول"
- صباح الخير يا حلوة!

"ثم اتبع وهو يجلسها"
- يلا نفطر عشان اتأخرنا

"نظرت إليه متسائلة ليتبع بابتسامة"
- هنروح البحر

"أغمضت عينيها في تعب وهي تهز رأسها في نفي ليقول هو في إصرار"
- هنروح يا نانسي! أنا عارف إنك محتاجة تقعدي ادامه شوية عشان تهدِّي أعصابك

"الآن يتحدث عما تحتاج، الآن يفكر فيها، لماذا يريد أن يجعل الأمر شاقاً عليها أكثر؟ إن اقترابه على راحته معاناة، وابتعاده على شقائه خلاص لها من ذلك العذاب الذي لا ينتهي. لم تشعر بالحيرة والضعف في حياتها مثلما تشعر الآن.
أخذ يطعمها بنفسه كالعادة حتى انتهت من طعامها تماماً ليقوم هو بتجهيزها بنفسه ويستعد هو أيضاً كي يذهبا سوياً إلى ذلك المكان الذي أصبح يحتوي على العديد من الذكريات بينهما، والتي ربما لن تُمحى أبداً.
عندما وصلا هناك، حملها رامز إلى حيث الشاطئ الخاص ببيته هناك وأجلسها ليجلس هو من خلفها وهو يضم ظهرها إليه.
كان البحر هائجاً كعادته في الشتاء، كانت هي تتأمله في صمت وهي تشعر بأن قلبها هائجاً تماماً كهذا البحر، أمواجه تتقلب في حيرة قاسية بين القرب والبعد.
رغم تلك الرغبة الكاسحة التي تستجديها للرجوع عن قرارها والبقاء إلى جواره، فهي بحاجته أكثر منه هو، لكن البقاء يستلزم المزيد من المعاناة، وجودها سيضعه في اختيار سيحتّم عليه أن يخسر إحداهن... هي أو ندى، وهي تعلم أنه، على حاجته لها هي، سيختار ندى.
لذا هي لا تريد أن تضعه في هذا الموقف الذي سيأتي فيه ليواجهها بقراره، لن تنتظر ذلك اليوم أبداً، إن ما تبقى لها من كرامة افتدت حبه بها يحتِّم عليها أن تأخذ هي تلك الخطوة وترحل.
قطع شرودها همسه الحاني قائلاً"
- عارفة؟ عمري ما تخيلت إني ممكن أجيب حد هنا، البيت ده واحد من الأماكن الخاصة بيّ لوحدي، بحب اجيله لما اعوز أهرب من الناس

"ليتبع بابتسامة"
- بس من ساعة ما ظهرتي في حياتي، وأنا بقيت أحب أهربلك أنتِ، ومبسوط إن المكان ده جمع ذكريات حلوة لينا مع بعض

"كانت تستمع إليه في هدوء شديد مكتفية بصمتها واستماعها لحديثه الصادق معها كالعادة، ليقترب من أذنها ويهمس بابتسامته العابثة"
- فاكرة أول مرة جينا فيها هنا؟

"اومأت بابتسامة هادئة ليتبع هو الآخر بنفس الابتسامة"
- طيب فاكرة أول مرة شفتك فيها؟

"ليتبع قائلاً"
- أنا مش ناسي ولا كلمة من اللي قلتيهالي يومها، وقتها قلتي "أنا اللي هلخبطلك كيانك"، أنتِ فعلاً لخبطتيه يا نانسي!

"أغمضت عينيها في ألم وهي ترى تلك الذكرى أمام عينيها وكأنها كانت بالأمس فقط وليس منذ عامين.
لو أن ذلك اليوم لم يأتِ، لو أنها ظلت كما هي... مجرد فتاة ليل تقضي أيامها بلا شعور، لو أنه لم يعيدها إلى نفسها القديمة، ولو أنها لم تقع في شراك حبه الذي لن تجد له خلاصاً، تلك الـ لو اللعينة مجدداً التي لن تعيد الزمن أبداً على الرغم من يقينها أنها لو عاد بها ثانيةً لذهبت إليه مرةً أخرى دون تفكير.
قال في هدوء"
- أنا عارف إن جواكي حاجات كتير عايزة تحكيها ومش قادرة، مش هجبرك تخرجي من سكوتك ده، بس أرجوكي بلاش يطول، أنا وحشني الكلام معاكي، وحشني أسمع صوتك...

"ثم اتبع بصوت متهدج"
- وحشتيني أوي

"عادت لتغلق عينيها محاولة منع تلك الدموع من النزول قبل أن تلتفت له بهدوء لتنظر في عينيه قليلاً وهي تفكر... هل كان صغيرها سيحمل نفس هاتين العينين الجميلتين وهذا الوجه الرائع أم لا؟ ربما لذلك قد رحل... حتى ينفرد هو وحده بهذا الجمال الساحر.
وضعت يدها على جانب وجهه لتقبِّل جانبه الآخر بهدوء أجادت به إخفاء وداعها الصامت له، احتضن يدها الموضوعة على جانب وجهه مغمضاً عينيه في راحة وهو يشعر بها وكأنها تربت على روحه المتعبة برفقٍ ناعم لا تجيده سواها."

.....

"وفي مساء اليوم التالي، عادا إلى المنزل سوياً، كانت ستتجه ناحية الغرفة قبل أن يمسك بيدها ليقرِّبها منه قائلاً بابتسامة"
- خلينا نقعد في الجنينة شوية، موافقة؟

"اومأت موافقة ليتوجها سوياً إلى الحديقة ويجلسا معاً على الأرض، ساد الصمت قبل أن يقول بابتسامة بعد أن أمسك بيدها"
- فاكرة الأغنية اللي غنيتيهالي هنا؟

"اومأت برأسها إيجاباً ليتبع"
- نفسي اسمعها منك تاني

"عادت لتتذكر ذلك اليوم الذي قضت فيه بصحبته سهرة رائعة، وأهدته تلك الأغنية التي عندما استمعت إليها أول مرة شعرت وأنها كُتبت لأجله هو فقط.
حقاً... نارهُ جنةٌ مشتعلة، وكم ودت هي أن تحترق فيه!
ظل يتأمل صمتها قبل أن يقترب منها ويتلمس وجنتها بأصابعه حتى وصل إلى شفتيها ليقول في هدوء"
- أعمل إيه عشان اسمع صوتك تاني؟

"أغمضت عينيها في ألم وهو يتبع قائلاً"
- هعمل أي حاجة، مستعد اخدك واسافر بعيد عن هنا ومانرجعش غير لما تبقي كويسة، لو عايزاني...

"قاطعته بهمستها الموجوعة وهي تقول دون أن تفتح عينيها"
- طلقني!

"صمت فجأة يحاول أن يستوعب ما تفوهت به للتو، فتحت عينيها أخيراً ليرى الاحمرار الذي ملأها ودموعها التي انهمرت فجأة دون إرادتها، قال في ضيق"
- أنتِ بتقولي إيه؟

"قالت محاولة أن تتماسك"
- طلقني يا رامز!

"هز رأسه في نفي لتقول هي بصوت باكٍ لم تختفِ منه القوة"
- أنا تعبت، مش هقدر... اللي كان ممكن استحمله زمان مابقاش ينفع دلوقتي، شوف وصلنا لإيه يا رامز! مافيش أي حاجة تجبرنا نكمل بعد كده، اللي كان بيننا خلاص... مات، اللي اتجوزتني عشانه ووقفت قصاد عيلتك عشانه مات، كفاية اللي خسرناه، ارجع لعيلتك اللي خسرتها عشاني، ارجع لندى عشان ماتخسرهاش هي كمان، أنا مش هستنى لما تيجي تقولي إنك اخترتها هي وإنك لازم تسيبني...

"قال في غضب"
- مش هسيبك يا نانسي!

"قالت في غضب هي الأخرى"
- كفاية بقى! كفاية أنانية وفكر في اللي حواليك شوية، أنت ليه فاكر إنك هتقدر تسيطر على كل حاجة وتاخد كل حاجة؟ مش هتعرف، قلتلك إن هييجي اليوم اللي هتختار فيه بيني وبينها، وأنا مش هخسر كرامتي أكتر من كده، أنا خلاص مش قادرة أكمل اللعبة السخيفة دي

"قال متسائلاً"
- لعبة؟ بتسمي كل اللي بيننا لعبة؟

"قالت في إصرار"
- أنت عارف كويس إن اللي احنا فيه عمره ما كان هيحصل لولا وجوده، أنت من البداية اخترتها هي، وأنا ماكنتش عايزة حاجة، ماكنتش عايزة غير إني اشوفك مرتاح وبس، وماطلبتش اكتر من إنك تحميه، وخلاص... مابقاش في حاجة تحميها، مابقاش في حاجة تخليك عايش بدورين، دور معايا ودور معاها، أنت لو فعلاً عايز ترتاح يبقى تختارها هي عشان أنا مش هقبل إنك تفضل معايا من باب الشفقة والامتنان لحبي ليك


"خيَّم الصمت بينهما لدقائق مرت كالدهور، هل كان ذلك ما تخبئه خلف صمتها طوال الوقت؟ هل حقاً ستبتعد؟ سيخسرها؟ هل حقاً جاء وقت الاختيار؟ لم يكن يتوقع أن تتخلى عنه بهذه السرعة، وتحديداً في هذا الوقت... الوقت الذي استطاع أن يصل فيه إلى حقيقة كان يهرب منها ويغفلها طوال تلك المدة.
ولكن أليس ما قالته هو الحقيقة؟ لقد كانت هي وطفلهما ضحية تملكه وخوفه من الوحدة، ألم يكن يرى نفسه دوماً أنه لا يليق بها؟ لماذا الآن أصبحت فكرة ابتعادها عنه مرعبة؟ معها حق... كفاه أنانية... خاصةً تجاهها هي التي تحملته كما لم يفعل أحد قط.
نظر لها ليجدها تنظر له هي الأخرى بعينين دامعتين تحملان من الألم والجرح الكثير، مد يده في هدوء ليمسح دموعها ليقول بعدها بهدوء غريب"
- هعملك اللي أنتِ عايزاه، بس قبلها في حاجة لازم تعرفيها...

"ثم صمت للحظات قبل أن يقول"
- أنا بحبك!

"خرجت منها شهقة باكية ومصدومة كتمتها بيدها وهي ترى الآن السر خلف حقيقة كل ما يقوم به معها هذه الفترة، يحبها؟ والآن؟ الآن يقولها بعد كل ما مرَّا به معاً؟ وماذا ستفعل الآن سوى أن تزيدهما ألماً فوق الألم؟
وكأنه كان يعلم ما يدور برأسها ليتبع"
- عارف إنها متأخرة أوي بس صدقيني إن لو في حاجة واحدة في حياتي متأكد منها دلوقتي فهي إني بحبك. كنت بهرب دايماً من الحقيقة دي، وبحاول أحط مسميات كتير لعلاقتنا مالهاش دعوة بالحقيقة، احتياج على راحة على أمان، وكل الحاجات دي ماينفعش تتسمى غير حب، ساعات كنت بسأل نفسي لو رجع الزمن بيا لورا كنت هعيد كل اللي حصل بيننا ولا لا، وماكنتش بفكر في الإجابة لأني كنت متأكد منها... هعيده يا نانسي! هعيده رغم إني عارف إني ماستاهلش حبك وكل اللي عملتيه عشاني، هعيده وأنا عارف إن مهما كان حبي ليكي فهو مش كفاية إنه يمحي أنانيتي وغروري، وإنك تستحقي حد يقدر يفكر فيكي زي ما بيفكر في نفسه مش كل همه إنه ياخد حبك وحنيتك وبس

"ثم تنهد ليتبع بنبرة موجوعة"
- سامحيني عشان رغم كل حاجة عملتها عشانك ماقدرتش أكون الشخص اللي تستحقيه، سامحيني لإني كنت أضعف من إني افكر في حد غير نفسي

"ثم اقترب منها ليقبِّل وجنتها المبللة بالدموع للحظات شعرت بها تذيب روحها التي ازدادت احتراقاً بكلماته التي تمهِّد وداعه لها ليبتعد عنها قليلاً لينظر في عينيها وهو يقول"
- أنا بحبك... أنتِ طالق!

.....

"خرج رامز من المنزل وقاد سيارته بسرعة جنونية وهو لا يدري أين يذهب، لقد خرج للتو من المكان الوحيد الذي كان يجد فيه راحته، ولن يعود ثانيةً، الخسارة الثانية على التوالي في أقل من أسبوع، ما الذي ينتظره الآن ليخسره أيضاً؟
ندى... بالتأكيد هي تبحث عنه ولا تستطيع الوصول إليه، لقد عاد ليغلق هاتفه ثانيةً بعد أن فتحه لتأتيه مكالمة أبيه التي زادته ألماً، ويأتي ذلك السؤال الذي يراوده منذ مدة... والآن... ماذا؟
تنهد في حرارة وهو يتمنى لو يعود لها ثانيةً ويتراجع عن كل ما حدث ويُنسيها كل شيء، هو قادر على ذلك، وهي لن ترفض، خاصة بعد اعترافه الأخير الذي يوجعه الآن أكثر مما يوجعها.
الآن يصل إلى حقيقة حبه لها... بعد أن قررت هي الابتعاد، معها حق... هذه المرة لن يستطيع السيطرة على كل شيء كما يتمنى.
لم يجد سوى أن يتوجه إلى شقته السرية لعله يجد هناك الراحة... الراحة التي أصبحت ملوثة الآن بالخيانة، لا بأس... سيقيم فيها هذه الليلة ليبيعها فيما بعد ويتخلص من تلك الذكرى الحقيرة إلى الأبد.
وعندما صعد إلى الشقة ودخل من الباب، توقف مكانه عندما وجدها تجلس على الأريكة، قال في ضيق"
- أنتِ بتعملي ايه هنا ودخلتي ازاي؟

"قامت من مكانها ثم قالت وهي تتوجه نحوه بابتسامة مُهلكة"
- بعمل إيه هنا؟ مستنياك تيجي

"ثم توقفت أمامه وهي على مسافة قريبة جداً منه لتتبع بصوتها المدلل"
- أما دخلت هنا ازاي؟

"وضعت ذراعيها حول عنقه لتقول بهمس ناعم"
- فأنا ممكن اعمل أي حاجة عشان أشوفك... نطيت من الشباك

"انزل ذراعيها عنه وهو يقول في ضيق"
- دخلتي هنا ازاي؟

"ضحكت ضحكة ناعمة وهي تقول"
- هو صعب إني آخد نسخة من مفتاح حبيبي ولا إيه؟

"ابتسم في سخرية قبل أن يتركها ليجلس على الأريكة وهو يقول بنبرة حادة"
- متهيألي إني آخر مرة قلتلك عاوز ارجع مالقاكيش، صح ولا غلط؟

"تقدمت ناحيته ثم جلست على ركبتيها أمامه لتقول في حزن مدلل"
- صح، بس أنت وحشتني، اعمل إيه؟

"ابتسم قائلاً في سخرية"
- ماتشوفيش وحش

"ثم اتبع في قسوة وقد تغيرت ملامحه تماماً"
- يمكن كلامي ماكانش مفهوم آخر مرة، بس خلاص... اعتبري إن كل اللي فات ده ماحصلش

"ثم اتبع وهو يضع يده على جانب وجهها"
- ووشك الحلو ده... أنا مش عايز أشوفه تاني


"سألته في حزن"
- ليه؟ أنا عملت إيه؟

"أغمض عينيه في غضب لتتبع وهي تقترب منه أكثر"
- أنا بحبك يا رامز!

"عاد ليفتح عينيه وهو يقول بسخرية قاسية"
- حب؟! هو اللي زيك يعرف يعني إيه حب؟ اوعي تكوني فاكرة إني مصدق الهبل اللي كل شوية تقوليه ده، أنا وأنتِ عارفين اللي فيها، وعارفين اللي جابك هنا إيه، واحدة واترمت في الشارع وعايزة تحس إن ليها قيمة، وأنا اديتلك اكتر من القيمة اللي تستحقيها

"نظرت له في صدمة وهي تشعر بأن كلماته تجلدها بقسوة ليتبع"
- أنا مش عايز أشوف وشك تاني، وصدقيني لو لمحتك يا سالي هندِّمك عالساعة اللي ظهرتي فيها ادامي

"قالت في شراسة"
- أنت فاكرها بالبساطة دي؟ تبقى ماتعرفنيش كويس

"لتتبع مهددة"
- أنا ممكن اروح أقول لسليم على كل حاجة

"ضحك ضحكة قاسية ليقول"
- تقوليله؟ تقوليله إيه؟ تقوليله إنك حاولتي تخونيه مع رامـي؟ ولا تحكيله عالكام يوم اللي قضيناهم سوى؟ ومستنياه يعمل إيه بقى؟ يساعدك؟

"ثم التمعت عيناه بقسوة رأت مثلها في عيني أبيه وهو يقول في سخرية مهينة"
- أنتِ فاكرة إن كان ليكي قيمة عنده؟ أنتِ قيمتك عنده ساعة بالكتير، بالظبط زي الساعة اللي كنتي بتقضيها هنا، هي دي قيمتك الحقيقية

"ثم قام من مكانه تاركاً إياها قبل أن تتوقف هي من خلفه لتقول بازدراء"
- ماكنتش اعرف إنك كده... طلعت أحقر من اللي كنت اتخيله

"لم تكد تنهي جملتها حتى التفت إليها ليصفعها بقوة اسقطتها أرضاً، ثم انحنى ليمسك بشعرها ويشدها إليه ثانيةً وهي تصرخ من شدة الألم، وهو يقول في غضب قاسٍ"
- ورحمة ابني يا سالي لو ما اختفيتي من حياتي لأكون موريكي الحقير ده شكله ايه، وهخفيكي من على وش الدنيا

"دبت كلماته المهددة ونبرته القاسية الرعب في أوصالها قبل أن تنظر إليه بوجهٍ ملأه الاحمرار، وغطته الدموع لتهتف قائلة في رعب"
- خلاص يا رامز!... أنا همشي... والله العظيم همشي ومش هتشوف وشي تاني

"ألقى بها فسقطت على الأرض وهي تشهق باكية ثم توجه ناحية الأريكة ليمسك بحقيبتها ويلقيها ناحيتها في قوة لتأخذها وتجري مسرعة من الشقة ليغلق هو الباب خلفها بعنف وهو يلعن اليوم الذي استمع فيه لشيطانه بشأنها."

.....

"ذات ليلة، ذهب إلى النادي الليلي الذي أصبح يتردد عليه منذ أشهر قليلة، وكالعادة قضى وقتاً رائعاً مع أصدقائه الذين لا يقابلهم سوى هناك فقط حتى انتبه لاختفاء الموسيقى الصاخبة التي كانت تملأ المكان لتحل محلها أغنية حديثة تمزج بين الألحان الغربية والشرقية معاً في مزيج رائع زادته روعة تلك الشعلة الحمراء التي ظهرت على المسرح.
امرأة أقل ما يقال عنها أنها فاتنة... طويلة، ذات شعر أحمر طويل لا يليق بامرأة غيرها هي فقط، وبشرة بيضاء حد الاحمرار الذي يعطيها لوناً زهرياً، ترتدي حذاءاً باللون الأحمر القاتم ذي كعباً عالياً رفيعاً، وثوباً عاري الكتفين قصيراً يصل إلى أعلى ركبتيها بمسافة بسيطة ضيقاً يرسم منحنياتها بخطورة خاصة مع لونه المماثل للون الحذاء تماماً.
التفت الجميع إليها لتبدأ الرقص على أنغام الأغنية وتتعلق عيناه بعينيها اللتين كانتا مثبتتين عليه طوال الرقص، وكأنها كانت تعنيه هو من بين الجميع، ولأول مرة منذ أن دخل ذلك المكان يستمتع بمشاهدة هذا النوع من الرقص، هذه المرة مختلفة للغاية، طريقتها مختلفة ومميزة، وكأنها تعلم تماماً ما الذي يعجبه لتقوم به بمهارة.
لم تختر لحناً شرقياً فقط بل اختارت ما يجمع بين ما يحب وما يجعلها تجيد جذبه إليها، وكان رقصها ناعماً... مثيراً... وصاخباً بحضورها المميز.
كانت نظراتها تخترقه بمنتهى السهولة لتحتجز نظراته رغماً عنه، أو ربما بإرادته المستمتعة بما يجري.
انتهت الرقصة بعد مدة لم يشعر بها أبداً ليتعالى صوت صراخ وتصفيق الجميع لتظل عيناها معلقة عليه هو حتى أهدته إحدى غمزاتها المشاكسة مع ابتسامة لا تقل مشاكسةً أيضاً ليجد نفسه يضحك هو الآخر ويصفق مع البقية، من هذه الساحرة الحمراء؟
أخذ هذا السؤال يراوده حتى وجدها تنزل أخيراً عن المسرح لتتقدم ناحيته بخطوات ثابتة مدللة حتى وصلت إليه وتوقفت أمامه عند الطاولة التي كان يجلس إليها، كانت تنظر إليه بابتسامة رائعة حتى ضحك وهو يقول"
- أنتِ مين؟

"اقتربت منه قليلاً لتقول هامسة في دلال"
- أنا اللي هلخبطلك كيانك

"ضحك عالياً وقد أعجبته للغاية ليقول بعدها"
- ويا ترى بقى اللي هتلخبطلي كياني دي اسمها إيه؟

"ابتسمت قائلة"
- نانسي

"قال بابتسامة مشاكسة"
- طبعاً نانسي... نانسي جداً يعني

"ضحكت هي الأخرى ليتبع بابتسامة واثقة"
- وعارفة أنا مين يا نانسي؟

"بادلته هي الأخرى نفس الابتسامة وهي تقول"
- معقول ماعرفش رامز الراوي؟!

"اومأ برأسه وهو يقول بابتسامته المغرورة"
- ده أنتِ شكلك مركزة معايا أوي

"ردت بابتسامتها الناعمة التي أصبحت تعجبه للغاية"
- أكيد، واتمنى تكون الرقصة عجبتك

"قال ولم تختفِ ابتسامته المغرورة"
- يعني كانت عشاني؟

"اومأت إيجاباً ثم اقتربت منه أكثر لتهمس إلى جوار أذنه بنعومة"
- وهكون أسعد واحدة في الدنيا لو جيت معايا عشان تشوف الهدية التانية

"ثم ابتعدت عنه قليلاً لتجده ينظر لها بابتسامة ماكرة قائلاً"
- هدية إيه؟

"هزت رأسها في نفي لتتبع بعد لمسة سريعة على جانب وجهه قامت بالتأثير المطلوب"
- مش هنا

"ثم أشار بسبابتها إلى الأعلى وهي تهمس بابتسامة مُهلكة"
- فوق

"نظر لها بابتسامة دون رد قبل أن يصعد معها إلى الأعلى كي يرى تلك الهدية التي استطاعت فعل ما لم تفعله جميع من حاولن قبلها الوصول."

.....

"في الصباح، استيقظ من نومه المريح لينظر إلى جواره فيجده خالياً، أين ذهبت؟ هل رحلت بهذه السرعة؟ كيف لا تنتظره أولاً؟
لم يكد الغضب يتملكه حتى وجدها تأتي إليه ثانيةً مرتدية روب الاستحمام وشعرها الأحمر المبلل مرفوعٌ لأعلى، اقتربت ناحيته ثم قبَّلت وجنته قائلة بدلال"
- صباح الخير!

"نظر لها في ضيق فقالت متسائلة"
- ليه مكشَّر كده؟

"قال في ضيق"
- كنت فاكرك مشيتي، بعد كده ماتتحركيش من مكانك غير لما اصحى، مفهوم؟

"ابتسمت له قبل أن تقبِّل وجنته ثانيةً لتقول في وداعة"
- مفهوم، أنا آسفة

"ثم اتبعت مشاكسىة وهي تمسد بإصبعيها ما بين حاجبيه المضمومين في ضيق"
- بس ممكن تفك التكشيرة دي وتقولي...

"لتبتسم في دلال وهي تكمل جملتها"
- عجبتك الهدية؟

"ابتسم ضاحكاً دون رد لتفهم جوابه جيداً فتبتسم في ثقة، قال"
- بخصوص الهدية، كان في اتفاق عايز اتفق معاكي عليه

"نظرت إليه متسائلة لتقول"
- اتفاق إيه؟

"اقترب منها قائلاً"
- الهدية بتكون لواحد بس، ماينفعش تكون لغيره

"ظلت صامتة ليتبع بابتسامة واثقة"
- ماحدش أبداً يحقله يقرَّب لهدية رامز الراوي

"ثم ختم حديثه قائلاً وهو يلمس وجنتها الوردية بإصبعيه"
- فاهمة يا حلوة؟

"ردت بابتسامة"
- فاهمة

"قبِّل وجنتها الأخرى ليهمس أمام وجهها"
- شاطرة!

.....

"كانت تجلس أمام المرآة وهي تتذكر كل تلك الذكريات بينما دموعها تنهمر بلا توقف منذ أن تركها ليلة أمس.
ما الحل؟ إن كان اقترابه شقاءاً وابتعاده عذاباً، لم يحتمل أن يتركها في سلام ليرحل بعد أن أخبرها بأن حلمها المستحيل قد تحقق ولكن بعد فوات الأوان. لحسن الحظ أنه لم يرحل ويأخذ كل شيءٍ معه بل ترك زجاجة عطره وبعض الملابس التي كانت موجودة هنا ليرتديها متى جاء.
أمسكت بزجاجة عطره ورشَّت منها قليلاً كي تشعر بعطره الذي ملأ الأرجاء وكأنها لا يزال هنا، ليته هنا بالفعل، أفاقت من ذكرياتها على صوت جرس الباب لتشعر بقلبها يرتجف، هل عاد؟
سعادة كبيرة غمرتها وهي تترك كل شيء وتركض ناحية الباب لتفتحه في لهفة لتجد أمامها شخصاً آخراً ممسكاً بباقة ورود كبيرة باللون الأحمر الذي تعشقه كثيراً، اختفت ابتسامتها لتسأله في هدوء"
- مين حضرتك؟

"قال الرجل بابتسامة خفيفة"
- أنا تبع محل الورد اللي في أول الشارع، والورد ده عشان حضرتك!

"أخذت منه الورود ليقدِّم لها ظرفاً وهو يتبع"
- والظرف ده كمان عشان حضرتك

"كانت على وشك أن تسأله من الذي أرسله لتمتنع وقد شعرت بغباء سؤالها، فمن سيكون غيره؟ قالت بهدوء"
- شكراً

"رحل الرجل لتغلق هي الباب خلفه قبل أن تعود إلى غرفتها مجدداً ممسكة بباقة الورود والظرف الأبيض في يدها.
وعندما دخلت الغرفة وجلست على السرير، أمسكت بباقة الورود ودفنت وجهها فيها بسعادة قبل أن تمسك بالظرف أخيراً وتفتحه لتجد بداخله ثلاثة أوراق أحدهم رسالة، أمسكت بالرسالة لتقرأ ما كُتِب"
صباح الخير يا حلوة!

"ابتسمت في ألم لتلك الكلمة التي ستشتاقها كثيراً منه لتتبع القراءة بعدها"
وحشتيني ولسة ماعداش على فراقنا اكتر من اتناشر ساعة بس، كان نفسي اجيلك واقولك بنفسي كل الكلام المكتوب هنا بس عارف إنك مش هتخليني أكمل، كده أحسن.
في نفس الظرف اللي فيه الرسالة هتلاقي ورقتين كمان، واحدة منهم عقد ملكية البيت اللي أنتِ فيه ده باسمك، مش عايزك تخرجي منه أبداً، ماينفعش حد يسكنه غيرك مهما حصل.
والورقة التانية كشف حساب باسمك في البنك وفيه مبلغ هيقدر يوفرلك الأمان في اللي جاي من حياتك، عارف إنه مش هيقدر يوفرلك الأمان الحقيقي اللي تستاهليه، بس عالأقل... هيخليني متطمن عليكي وأنا بعيد.
أنا عارف إن الحاجات دي ماتهمكيش، ولا حتى هتصلح اللي عملته أو ترجَّع أي حاجة زي ما كانت، كان نفسي أقدر أعوضك عن كل اللي فات، بس أنا عارف إن وجودي في حياتك هيأذيكي اكتر زي ما أنا عارف إن بُعدي كمان مؤذي، مغرور، صح؟ بس دي الحقيقة اللي أنتِ مستحيل تعترفي بيها ادامي يا نانسي! وعشان أنا كمان زيك بالظبط... مش مرتاح وأنتِ بعيد، يمكن مع الوقت كل حاجة تتصلح لكن الأكيد إني مش هنسى يوم واحد من الأيام اللي عشتها معاكي، أنا وعدتك... مش هنساكي، واللي بيننا هيفضل حي.
عايزك تكوني متأكدة إن حتى وأنا بعيد هكون جنبك وقت ما تحتاجيني، مش عايزك تخافي من أي حاجة أبداً، أنا دايماً هكون موجود عشانك.

بحبك يا حلوة!
رامز

"عادت دموعها لتنهمر ثانيةً خاصة وهي تقرأ سطور الرسالة وهي تسمع صوته في أذنها يقول هذه الكلمات.
ما حاجتها بالبيت والنقود إن لم يكن هو معها؟ وما هو الأمان إن لم تغمض عينيها لتنام بين ذراعيه وهي تشعر بوجوده من حولها يملأ فجوات خوفها؟
ولكنها رغم ذلك ممتنة، على الأقل لن تضطر لترك البيت الذي أصبح محملاً برائحته وصوته في جميع أركانه، والذي لن تستطيع أن تبتعد عنه أبداً.
احتضنت رسالته متنهدة في حرارة وهي تشعر وكأنها تحتضنه هو كما كانت تفعل فيما مضى، عليها أن تعتاد من الآن احتضان الهواء الفارغ إلا من رائحته العطرة فقط."

.....

"وصل إلى هناك، إلى حيث أتيا سوياً منذ يومين فقط، صفَّ سيارته أمام بيته ثم نزل منها وسار نحو الشاطئ ليجلس في نفس المكان الذي كانا يجلسان فيه معاً.
عاد ليتذكر كل مرة أتى بها إلى هنا، كل كلمة قالاها، وكل شعورٌ شعراه معاً جعل كلاً منهما يتأكد أن لا مجال لبديل عن الآخر.
إنه حتى لا يزال يشعر بها تجلس بين ذراعيه الآن بنفس ذلك الصمت المخيف الذي كان يتلبسها في آخر مرة. ليتها ظلت صامتة وليته لم يطلب منها التحدُّث، ليتها لم تختَر الفراق وليته من الأساس لم...
لا... لا يستطيع أن يندم على معرفتها، وإن كان الندم واجباً في هذه الحالة فعليه أن يندم على ما فعله بها، لو لم يأخذها إلى عالمه منذ البداية ولو رحل بعد أول مرة دون رجعة لما جعلها تعيش كل ذلك العذاب.
كما أنه لا يستطيع أن يندم على قبوله لطلب الفراق، إن كان هناك ما يقدمه لها ليريحها حقاً فهو ابتعاده عنها كي تستطيع، لمرة واحدة، أن تفكر في نفسها قليلاً مثلما فعل هو كثيراً...
ولكن ماذا عليه أن يفعل الآن وهو بحاجة إليها؟ كم كان يتمنى ذلك الطفل! عندها حتى لو كان الفراق هو النهاية لعلاقتهما إلا أنه سيكون حجته لرؤيتها مجدداً.
عادت ذكرى ذلك اليوم الذي حمل فيه طفله لأول مرة جثةً هامدة بلا روح كي يواريه في الثرى تراوده، وكأنه لم يكن يدفنه فقط بل يدفن معه احتياجاً أنانياً وحباً خاسراً انتهى قبل أن يبدأ.
تنهد في حرارة وهو يشعر بروحه تتألم كما لم تفعل من قبل، رأسه يكاد ينفجر من الضجيج ولا يقدر على شيء سوى الصمت.
لم يعد هناك من يسمع ويفهم بل لم يعد هو قادراً على البوح بأي شيء، لقد تعدَّى ما بداخله الكلام، فليتعذب بضجيج صمته مثلما عذَّب من حوله بأنانيته."

.....

"دخل إلى المنزل لتراوده المزيد من الذكريات حول كل مرة أتيا فيها إلى هنا.
شعر بأنه يسمع صوت ضحكاتها في كل مكان، لم تترك مكاناً إلا وجعلته يركض فيه خلفها كالأطفال. إن أشد ما كان يعجبه فيها هو طفولتها تلك التي كانت تجيد اختيار أوقات ظهورها.
صعد إلى الأعلى حتى دخل إلى غرفته ليشعر برائحة عطرها لا تزال عالقة في الأرجاء، توجه ناحية السرير ليتمدد على ظهره مغمضاً عينيه متنهداً في هدوء وهو يترك ذرات عطرها تعرف طريقها إلى صدره المتعب ببطء ناعم يشبهها تماماً، ولم يشعر بنفسه حتى غط في نومٍ عميق لمدة لا يعلمها تليق بكل ما رآه من تعبٍ طوال الأيام الماضية.
استيقظ في وقتٍ متأخر من الليل وهو يشعر بصداعٍ شديد فتوجه إلى الأسفل كي يعد كوباً من القهوة لعلها تخمد هذا الوجع قليلاً، وعندما قام بإعدادها، صعد بها مجدداً إلى غرفة النوم ليجلس في الشرفة متناولاً إياها.
مر بعض الوقت حتى خطرت ندى بباله مجدداً فشعر بأنه يشتاق إليها حقاً، لقد ظلمها هي أيضاً للأسف، ابتعد فجأة ولم يخبرها بأي شيء.
فتح هاتفه ليجد أنها اتصلت به، حرفياً، مائة مرة، يا إلهي! ما الذي حدث لكل ذلك؟
شعر بالقلق عليها فاتصل بها سريعاً، لم ترد في أول مرة فكرر الاتصال ثانياً وأيضاً لم ترد، انتابه القلق أكثر ليتصل مرة أخرى في إصرار حتى فتح الخط ولكن لم يصله صوت، قال في قلق"
- ندى!

"عاد الصمت ليقابله مرة أخرى قبل أن يهتف في غضب"
- ندى!!

"أجابه صوتها الباكي وهي تقول"
- عرفت أنا كنت حاسة بإيه الأيام اللي فاتت وأنا مش قادرة أوصلك؟ عرفت يعني إيه أفضل بالأيام اكلمك وأنت ماتردش عليا؟

"صمت دون رد لتتبع وهي لا تعرف كيف تسيطر على دموعها المنهمرة"
- مش هتعرف، عشان دايماً بتعمل كل حاجة بمزاجك يا رامز

"تنهد في حرارة ليقول بهدوء"
- أنا آسف يا ندى!

"ابتسمت في مرارة لتقول"
- آسف؟ هي دي أسهل حاجة عندك؟

"قال في أسف"
- أنا عارف إني تعبتك آخر فترة بس...

"قاطعته قائلة"
- مش آخر فترة، أنت تعبتني معاك من ساعة ما اتقابلنا

"أغمض عينيه وهو يقول"
- أول ما ارجع هشرحلك كل حاجة، بس دلوقتي أنا محتاج أكون لوحدي، أرجوكي تفهميني

"ردت بألم"
- أنا اللي لازم افهم واستنى دايماً، بس أنا مابقيتش فاهماك...

"لتتبع وهي تهز رأسها في نفي"
- ولأ... أنا مش تايهة في حياتي على طول زي ما أنت قلت، أنا تايهة فيك أنت، وبجد أنا مابقيتش متأكدة من أي حاجة

"قال في إصرار"
- لازم تتأكدي إني مش هسيبك

"قالت في يأس"
- بس أنت سايبني يا رامز! أنا بس اللي ماسكة فيك

"كاد أن يتحدث قبل أن تسبقه هي بقولها الذي اكتسب بعض الثقة والقوة"
- عموماً... أنا مش هضغط عليك، هستناك لما تبقى جاهز ترجع ونتكلم، لازم نحط حد لكل اللي احنا فيه ده

"قال في ضيق"
- قصدك ايه؟

"قالت بابتسامة"
- ولا حاجة... مع السلامة!

"ثم أغلقت الخط فوراً ليعاود هو الاتصال بها قبل أن يجد هاتفها مغلقاً، كان على وشك أن يلقي بهاتفه من الشرفة قبل أن يلقي به في الداخل وغضبٌ كبيرٌ يجتاحه من كلماتها المبهمة التي لأول مرة لا يفهم معناها، أو ربما فهمها وذلك ما أثار غضبه.
هل تنوي هي الأخرى الرحيل؟ هل أصبح الآن شيطاناً مكروهاً وجميعهن مظلومات؟
لكن لا... لن يسمح لها هي أن ترحل، إن خسر نانسي فلن يسمح بخسارتها هي، هي شيء آخر، شيء لا يستطع فهمه ولكنه يريده... يحتاجه بشدة ويجب أن يظل معه مهما حدث.
هي فقط سحابة سوداء ستمر، وسيستعيد قوته مجدداً."

.....

"وفي الصباح، عادت ندى لتفتح هاتفها مجدداً لتجد اتصالاً آخراً منه، لا بأس... فليجرب كيف يكون الركض خلف السراب، ثم وجدت هاتفها يرن برقمٍ غريب لتفتح هي الخط قائلة"
- ألو!

"وصلها صوتٌ أنثويٌ ناعمٌ يقول"
- آنسة ندى؟

"ردت قائلة"
- أيوة، مين معايا؟

"ابتسمت صاحبة الصوت في مكر وهي تقول"
- أنا اللي هقولك رامز كان فين الفترة اللي فاتت

"قالت ندى في ضيق"
- وحضرتك مين عشان تكوني عارفة؟

"ضحكت صاحبة الصوت في ميوعة وهي تقول"
- أنا سالي... طليقة سليم الراوي

"ثم صمتت للحظات قبل أن تفجِّر قنبلتها قائلة"
- وواحدة من اللي رامز بيه بيخونك معاهم

"وضعت ندى يدها على فمها والأخرى تتبع في تأثر مصطنع"
- وأنتِ يا حرام... نايمة على ودانك

"صرخت ندى فجأة"
- أنتِ كدابة، رامز مستحيل يعمل كده، رامز كان في المستشفى مع صاحبه

"ضحكت سالي ضحكة عالية لتقول بعدها"
- صاحبه؟ بجد؟ طيب اسأليه كده عن نانسي... مراته

"شهقت ندى في صدمة قائلة"
- مراته؟

"ردت سالي قائلة"
- آه... مراته، وأم ابنه كمان

"جلست ندى على السرير بعينين متسعتين لتختم سالي حديثها قائلة"
- أنا قلت أفوقك من وهم الحب اللي معيشك فيه عشان بس تعرفي إنك مش لوحدك، وإنك يا حرام... مجرد رقم في قايمة مالهاش آخر

"ثم ضحكت مودعة إياها"
- باي باي!

"ثم أغلقت الخط تاركة ندى التي كانت تنظر أمامها في صدمة، ما هذا الهراء الذي سمعته للتو؟ كذب... كله كذب... رامز لا يفعل شيئاً كهذا أبداً، هو ليس بتلك الحقارة التي وصفتها تلك المرأة، لا... مستحيل.
ولكن لماذا تكذِّبها؟ أو ليست كانت تشك في شيءٍ كهذا من الأساس؟ أو لم تحبه وهي تعلم حديث الجميع عن علاقاته الكثيرة؟ أو لم يتركها أكثر من مرة ليرد على الهاتف ثم يعود ليخبرها أنه مجدر اتصال عمل؟ أو لم تشك في حقيقة صديقه ذاك؟ أي صديق وهي لم ترَ معه أحد؟ أو لم تكن هذه هي شكوكها التي روتها لشمس مسبقاً وأخبرتها ألا تظلمه بمجرد أوهام؟
ها هي الأوهام قد انقلبت حقيقة بل كارثة، كارثة لا تقدر حتى على استيعابها، ولكنه... يحبها... نعم... هي شعرت بذلك، ما الذي جعله يلاحقها ويوقعها في حبه إن لم يكن يحبها؟
بالتأكيد لم يكن يريد منها أي شيء، هو يعلم جيداً أنها ليست كالبقية، أم أنها هي وحدها التي تظن ذلك فحسب؟
عندها، ألقت بهاتفها بقوة ناحية المرآة لتتكسر متحولة إلى قطع صغيرة كقلبها الذي تحطم الآن تماماً لتبكي بعدها في حدة."

.....

"ومثلما فعلت مع ندى، قررت أن تفعل المثل مع شمس، لن تنسى ذلك اليوم الذي صفعها فيه هو الآخر، يجب أن تنتقم منهما على كل الأذى الذي سبباه لها، لن تدعهم يهنئون جميعاً لتظل هي وحيدة منبوذة، ستفعل أي شيء لترد كرامتها المُهدرة.
بحثت عن رقم شمس في هاتفها ثم قامت بالاتصال بها، مرت لحظات قبل أن تقوم شمس بالرد"
- ألو!

"قالت سالي بصوتها المدلل"
- ازيك يا شمس؟

"قالت شمس في تهذيب"
- أنا كويسة الحمد لله

"ثم اتبعت متسائلة"
- بس مين حضرتك؟

"ردت سالي قائلة"
- أنا سالي، مش عارفاني؟

"وكيف لا تعرفها؟ إن دلالها و ميوعتها الصارخة التي كانت واضحة في الحفل تجعلها لا تُنسى،
ولكن مهلاً... إن كانت تلك طريقتها في التحدث مع النساء، فكيف تكون مع الرجال؟ كانت على وشك أن تضحك قبل أن تتمالك نفسها لتقول بجدية"
- أكيد عارفة حضرتك، أهلاً و سهلاً

"قالت سالي في مكر"
- أنا اتصلت بيكي عشان أباركلك، أصلي عرفت إنك أنتِ ورامـي اتخطبتوا

"ابتسمت شمس قائلة"
- هو في الحقيقة ماتخطبناش لسة بس الله يبارك فيكي

"قالت سالي بابتسامة ماكرة"
- آه... كويس، يمكن تغيري رأيك لما تعرفي اللي عايزة أقولهولك

"صمتت شمس وهي تتعجب من عبارتها قبل أن تسألها"
- اللي هو إيه؟

"أخذت سالي تروي لها كل ما حدث في تلك الليلة التي حاول رامـي فيها إغواءها وعندما امتنعت، صفعها بقوة لتظل لصفعته علامتها التي حاولت أن تداريها حتى لا تظهر لزوجها فيسألها ويعرف حقيقة ابنه الذي يدَّعي الفضيلة والشرف بينما يتلاعب بالجميع في الخفاء.
نعم... أخبرتها كل شيء على عكس حقيقته تماماً، وقد أجادت كذبتها باحترافية جعلت شمس تستمع لها في صدمة حقيقية، هل هي تتحدث عن رامـي؟ حقاً؟ وعندما انتهت من روايتها، قالت شمس في غضب"
- أنتِ كدابة، رامـي مستحيل يعمل كده... مستحيل!

"صمتت سالي قبل أن تقول في حزن"
- معاكي حق ماتصدقيش، أنا نفسي ماتخيلتش أبداً إن رامـي يطلع بالصورة البشعة دي، عشان كده ماقدرتش احكي لسليم أي حاجة

"ثم صمتت للحظات لتمنح جملتها التأثير المطلوب وهي تكمل"
- بس لما لقيتك مصدقة الصورة الحلوة اللي مفهمها للكل حبيت أقولك وانبهك، أنتِ إنسانة كويسة وماتستاهليش كده أبداً

"ثم قالت منهية اتصالها"
- اتمنى تفكري تاني قبل ما تقرري تكملي حياتك معاه، مع السلامة!

"ثم أغلقت الخط تاركة شمس في حالة من الذهول، لا... من المستحيل أن يكون هذا هو رامـي، كيف يكون؟ وهو الذي لطالما حدثها عن كرهه لاقتراب أحدٍ منه، فكيف يحاول إغواء تلك المرأة؟ إنها لم تكن أي امرأة، لقد كانت زوجة أبيه، لا... مستحيل أن يكون رامـي بهذا السوء، هناك شيءٌ خاطئ.
عادت ذكرى ذلك اليوم الذي تركها فيه فجأة تراود ذهنها من جديد، أين ذهب؟ ولماذا لم يخبرها حتى الآن أين كان؟ إنها لم تره منذ يومين.
أغمضت عينيها بقوة وهي تحاول إبعاد كل الشكوك الشيطانية التي قفزت إلى رأسها فجأة قبل أن تخرج من منزلها متجهة إلى العمل، حيث سيكون أول اجتماع بينهما بعد فترة."

.....

"وعندما وصلت إلى المكتب، دخلت لتجد رامـي شارداً وقد بدى عليه الضيق، انتابها القلق بشأنه للحظات قبل أن تعود تلك الشكوك الشيطانية لملأ رأسها، انتبه أخيراً إليها ليشير بابتسامة خفيفة"
- صباح الخير يا شمس!

"تكلفت الابتسامة وهي تشير"
- صباح النور!

"لم يلحظ تغيرها بل أشار في عملية"
- يلا نبدأ الاجتماع

"مر بعض الوقت وهما يتناقشان في أمور العمل بينما كلٌ منهما شاردٌ في مكان آخر...
هي حيث مكالمة سالي، وهو حيث مشكلة أخيه واختفائه المفاجئ.
بالأمس كانت أمه تسأله عن مكانه ولم يستطع أن يخبرها أياً مما حدث، شعر بأنه سيكون من الأفضل لو أخبرها رامز بنفسه حتى لا تزداد قلقاً عليه خاصة وهو مختفٍ ولا أحد يعلم مكانه.
وعندما انتهى الاجتماع، أشار بنفس طريقته العملية"
- تمام! تقدري تتفضلي يا شمس!

"ثم قام من مكانه وعاد ليجلس إلى مكتبه مجدداً. شعرت بالضيق لطريقته لتقوم بجمع أشيائها وتتوجه ناحية مكتبه هي الأخرى.
توقفت أمام مكتبه لينتبه أنها لم ترحل، نظر لها متسائلاً فأشارت"
- امشي؟

"اومأ برأسه إيجاباً قبل أن يشير متسائلاً"
- في حاجة عايزة تقوليها؟

"ازداد ضيقها لتشير في غيظ"
- مافيش

"تعجَّب منها ولكنه لم يعلِّق لتوليه ظهرها وهي تخرج من المكتب قبل أن تعود لتغلق الباب مرة أخرى وتتقدم ناحيته ثانيةً، نظر لها في تعجب لتشير هي بنفس الغيظ"
- لا فيه

"ثم جلست لتشير بعدها"
- عاوزة اسألك سؤالين

"تعجَّب من طريقتها وهو يشير"
- ايه هما؟

"أشارت محاولة الاحتفاظ بهدوئها الذي بدأ يخرج عن سيطرتها"
- ممكن أعرف كنت فين اليومين اللي فاتوا؟

"ظل صامتاً لتتبع هي مشيرة"
- آخر مرة كنا سوى خليتنا نمشي بسرعة وماقلتليش حصل إيه

"صمت للحظات قبل أن يشير بهدوء"
- كنت مع رامز في المستشفى

"ظلت صامتة ليتبع بعدها"
- أكيد ندى قالتلك إن صاحبه عمل حادثة وكان لازم يبقى جنبه

"ثم صمت قبل أن يشير"
- وصاحبه مات، عشان كده الفترة اللي فاتت دي كانت صعبة

"أشارت في ضيق"
- وليه ماكلمتنيش تفهمني كل ده؟

"أشار هو الآخر في ضيق مماثل"
- بقولك صاحبه مات، كنتي عايزاني اتكلم ازاي في الظروف دي؟

"أشارت في حنق"
- ورامز ليه مختفي الفترة دي؟

"نظر لها رامـي في حدة وهو يشير"
- ماعرفش، أنا مش واصي عليه عشان أعرف تحركاته كلها

"اشارت شمس مجادلة"
- أيوة بس...

"قاطعها عندما ضرب على المكتب في قوة ليشير في غضب"
- شمس!!! ده لا وقت ولا مكان الكلام اللي بتقوليه، والكلام في الموضوع ده انتهى، مفهوم؟

"قامت من مكانها لتشير في غضب هي الأخرى"
- لا مش مفهوم، أنا مش مجرد موظفة عندك عشان تعاملني كده، أنا من حقي أفهم أنت متغير معايا كده ليه

"قام هو الآخر من مكانه ليشير في حدة"
- بقولك حادثة ومستشفى وجنازة، عايزة إيه بعد كل ده؟ اتعامل كأني راجع من فرح؟

"كادت أن تتحدث قبل أن يقاطعها بإشارة منه ليشير بعدها في حسم"
- دي آخر مرة تفتحي مواضيع خاصة جوة الشغل، جوة الشركة أنتِ مهندسة وأنا مديرك، ومش من حقك تكلميني في حاجة برة اللي احنا شغالين فيه

"ساد الصمت بينهما وهما يتبادلان النظرات الغاضبة حتى قطعت هي الصمت قائلة"
- صح، أنا فعلاً عديت حدود الشغل، أنا آسفة يا باشمهندس! عن إذنك!

.....

"عادت شمس من العمل ودخلت منزلها لتغلق الباب خلفها في عنف.
توجهت ناحية غرفتها لتجلس على السرير في غضب، ما هذا الذي حدث اليوم؟ هل حقاً هو الذي كان يتحدث معها بتلك الطريقة المتسلطة؟
مستحيل... ثمة شيء خاطئ ويجب أن تفهمه، حسناً... ربما تلك الشكوك الدائرة في رأسها هي التي دفعتها لسؤاله بتلك الطريقة، ولكن ماذا عليها أن تفعل؟ لماذا كلما ظنت أن المسافات بينهما قد التغت يأتي شيء ما ليفسد كل ما بينهما؟
لكن لا... هو أيضاً مخطئ، كان يمكن أن يكون أكثر لطفاً في الحديث معها ولكنه لم يفعل بل فضَّل سبيل التسلط حتى يقطع عليها سبل النقاش، تماماً كما كان في الماضي، وكأنها عادت هي أيضاً لتكون غريبة عنه تتدخل فيما لا يعنيها، لماذا إذن لا تكون كلمات سالي صحيحة؟
شعرت بضيقٍ شديد يملأها وهي تود لو تذهب إليه وتصرخ في وجهه ثم ترحل ثانية دون كلمة واحدة، ولكنها لم تفعل سوى أن تستلقي على سريرها وتحتضن وسادتها في غضب بعد أن أغلقت هاتفها لتنام على تلك الدموع التي انهمرت من عينيها دون إرادتها.
وفي الصباح، ترددت كثيراً قبل أن تذهب إلى الشركة، مر اليوم بشكل طبيعي ولم تره مطلقاً، ولم يحاول هو رؤيتها أيضاً.
جاءت استراحة الغداء فخرجت من المكتب لتتوجه، كعادتها عندما تشعر بالضيق، إلى سلم الحريق.
مر بعض الوقت وهي جالسة على الدرجات الأولى من السلم مستندة بجانب رأسها إلى الحائط حتى سمعت صوت باب السلم يُفتح، لم تحرك ساكناً حتى وجدته يجلس إلى جوارها.
لم تلتفت إليه ليسود الصمت بينهما قبل أن تنظر إليه أخيراً، لم يستطع فهم نظراتها جيداً ولكنه قد علم أنها غاضبة لطريقته معها بالأمس، ظل ساكناً للحظات قبل أن يشير"
- أنا آسف يا شمس!

"ظلت صامتة ليتبع بعدها"
- عارف إني كنت...

"قاطعته مشيرة في ثقة"
- ماتعتذرش

"ثم اتبعت بابتسامة مريرة"
- ماينفعش المدير يعتذر لموظفينه

"أشار في ضيق"
- إيه اللي بتقوليه ده؟

"أشارت بنفس ابتسامتها"
- هي مش دي الحقيقة؟ أنت مديري وأنا بشتغل عندك، مش كده؟

"تنهد بحرارة قبل أن يشير"
- أنا عارف إني غلطت لما اتكلمت معاكي بالطريقة دي، بس صدقيني اليومين اللي فاتوا كانوا بجد صعبين

"نظرت إليه في ضيق وهي تشير"
- ولو قلتلك إني مش مصدقة اللي قلته؟

"نظر إليها في دهشة وهو يشير"
- مش مصدقة؟

"أشارت في إصرار"
- أيوة، ليه ماتكونش كدبت عليا؟

"أشار في ضيق"
- إيه اللي بتقوليه ده؟

"اومأت برأسها وهي تشير"
- الظاهر إن سالي كان عندها حق، وأنا لسة ماعرفتكش كويس

"نظر إليها في ذهول ليشير"
- سالي؟!

"نظرت إليه قبل أن تشير"
- سالي حكيتلي كل حاجة يا رامـي!

"نظر إليها متسائلاً دون رد، ولكن القلق انتابه لما ستقول، إن كان الأمر متعلق بسالي فهو بالطبع يتعلق بكارثة.
أشارت أخيراً بكل ما روته سالي وهو يراقب كلماتها في صدمة، الحقيرة... لقد زوَّرت كل الحقيقة لكي تملأ عقل شمس بالأوهام، وعندما انتهت، أشار في غضب"
- دي واحدة كدابة يا شمس! كل اللي قالته مش الحقيقة

"نظرت إليه لتشير بعينين دامعتين"
- وإيه هي الحقيقة بقى؟

"أشار سريعاً"
- الحقيقة عكس كل اللي قالته، أنا فعلاً ضربتها... ضربتها لإن هي اللي حاولت تقرَّبلي مش العكس

"أشاحت بنظرها عنه في صمت ليمسك بوجهها ويديره ناحيته برفق قبل أن يشير"
- أنتِ بجد صدقتي كلامها؟ فعلاً صدقتي إن أنا ممكن أكون ندل للدرجة دي؟

"نظرت إليه قبل أن تهز رأسها في حيرة لتشير"
- ماعرفش، صدقني أنا حاسة إني بقيت متلخبطة

"ثم اتبعت وقد انهمرت دموعها رغماً عنها"
- أنا حتى مابقيتش عارفة أنت فعلاً بتحبني ولا لأ

"أشار في غضب"
- إيه التخريف ده؟!

"ردت في غضب هي الأخرى"
- عشان كل ما أحس إني خلاص قدرت أكون قريبة منك ألاقيك بتحط بيننا مسافات

"كاد أن يشير قبل أن تقاطعه هي قائلة"
- رامـي! أنا مش عايزة اتكلم دلوقتي من فضلك، عن إذنك!

"ثم قامت من مكانها لتتركه وحده في موجة من الغضب، ما الذي تخطط له سالي هذه الفترة؟ وكأنها لم تكتفِ بكل ما حدث وبرحيلها من قصرهم لتعاود الظهور في حياتهم مرة أخرى لتخربها.
وفي نفس الوقت كان غاضباً من شمس، لم يكن يتخيل أن تصدقها بهذه البساطة، ولكن لا بأس... هو يعلم كيف يصلح كل شيء."

.....

"عادت شمس من العمل لتجد ندى تنتظرها في سيارتها أمام المنزل، تقدَّمت شمس ناحيتها لتبتسم قائلة"
- يا أهلاً وسهلاً!

"كانت ندى ترتدي نظارتها الشمسية لتخفي عينيها المنتفختين من البكاء، قالت في هدوء"
- محتاجة اتكلم معاكي يا شمس!

"تعجبت شمس من طريقتها هذه لتقول"
- أكيد، يلا انزلي

"نزلت ندى من السيارة لتدخلا سوياً إلى المنزل، وعندما جلستا على الأريكة، قالت شمس ضاحكة"
- مش هتشيلي النظارة السوداء دي بقى ولا إيه؟

"نزعت ندى النظارة ببطء لتفاجأ شمس بعينيها المليئتين بالاحمرار، قالت شمس في صدمة"
- إيه ده؟! أنتِ كنتي بتعيطي؟

"نظرت إليها ندى قبل أن تلقي بنفسها بين ذراعيها وتجهش بالبكاء، صُدمت شمس من حالتها لتحتضنها قبل أن تقول في قلق"
- إيه اللي حصل؟ ليه كل ده؟

"نظرت إليها ندى لتقول بصوت باكِ"
- رامز

"سألت شمس في قلق"
- ماله؟

"أخذت ندى تبكي قبل أن تقول في غضب من بين بكائها"
- طلع متجوز

"نظرت إليها في صدمة لتتبع قائلة"
- ومخلف كمان، وعلى علاقة بـ سالي طليقة باباه

"اتسعت عينا شمس بصدمة أكبر وهي تحاول أن تستوعب ما تسمع، زواج وطفل وعلاقة مع... سالي؟ قالت شمس بابتسامة مصدومة"
- ندى! أنتِ عارفة أنتِ بتقولي إيه؟ جبتي المصايب دي منين؟

"حاولت ندى السيطرة على بكائها لتروي لها كل ما حدث أمس عندما هاتفتها سالي، وشمس تستمع إليها في ذهول.
ما هذا الذي ترويه؟ إن كان ما ترويه صحيحاً فإنها قد ظلمت رامـي بالفعل، تلك المرأة كاذبة.
ولكن إن كانت قد كذبت بشأن رامـي، فلماذا لا تكذب بشأن رامز أيضاً؟ وعندما انتهت ندى من روايتها، قالت شمس"
- طيب أنتِ اتكلمتي مع رامز؟ سألتيه في الكلام ده؟

"قالت ندى في غضب"
- ماكلمتوش ومش هكلمه، أنا متأكدة إن كل كلامها حقيقي

"قالت شمس متسائلة"
- حقيقي ازاي؟

"ردت ندى بنفس الغضب"
- مافيش مبرر لبعده الأيام دي كلها غير إنه متجوز فعلاً، ومافيش مبرر لعلاقة أنا لوحدي اللي ماسكة فيها وعايزاها غير إن في علاقة تانية شاغلاه عني

"ثم صمتت وقد منعها بكائها عن الحديث لتتبع بعدها"
- لو كنت صحيح أفرق معاه ولو فعلاً أنا الوحيدة في حياته ماكانش غاب عني كل ده من غير سبب مقنع، حتى لما كلمني مافرقش معاه قلقي وخوفي عليه وقالي إنه لسة هيغيب، وبرضو عايزني استناه

"عادت شمس لتحتضنها مرة أخرى وهي تشعر بأنها مشتتة للغاية لتقطع ندى حيرتها قائلة"
- أنا متأكدة إن رامـي يعرف حاجة

"نظرت إليها شمس في صدمة لتتبع ندى قائلة"
- اسأليه، هو الوحيد اللي هيعرفنا الحقيقة

"هزت شمس رأسها في نفي لتقول"
- لا، رامـي قالي إن صاحبه مات وعشان كده هما الاتنين كانوا مختفيين اليومين اللي فاتوا

"قالت ندى في غضب"
- بجد مصدقة كلامه؟ أنتِ عمرك شفتي معاهم صحاب غير كرم؟

"هي لم تصدق كلامه بشأن صاحبهما الخفي ذاك، ولكن غضبه لأجل أسئلتها بشأنه كان يوحي بأنه يريد إخفاء الأمر بمنع الحديث عنه، ولكنها للتو قد علمت بكذب ادعاء سالي عليه.
كانت متأكدة من البداية أنه لا يفعل أمر كذلك، ولكن تلك الوساوس الشيطانية التي وضعتها تلك المرأة برأسها جعلتها في حيرة من أمرها.
مع ذلك، إن كان كلامها بشأن رامز حقيقة، ورامـي يعلم بكل ذلك حقاً فـ... ماذا عليها أن تفعل؟
نظرت إلى ندى لتقول أخيراً وقد حسمت موقفها."
- هتكلم معاه

.....

"رحلت ندى لتبقى شمس وحيدة بين أفكارها المشتتة والمتناقضة، ماذا إن كان رامـي يعلم بكل شيء وأخفى الحقيقة؟ هل هو مخطئ؟ هل كان عليه أن يخبرها؟ ولكن هذا شأنٌ لا يعنيه حتى وإن كان على علم به، ولكن ندى صديقتها أيضاً... ماذا عليها أن تفعل؟
انقطع شرودها على صوت جرس الباب لتفتحه فتجده أمامها، نظرت إليه في دهشة لم تستطع السيطرة عليها، لا... هي ليست مستعدة للقائه الآن.
مرت لحظات في صمت قبل أن يشير هو بابتسامة"
- اقدر ادخل؟

"انتبهت شمس للتو أنها لم تأذن له بالدخول لتفتح له الباب كي يدخل، جلس على الأريكة لتشير هي"
- أنا هعمل القهوة وآجي

"أمسك بيدها لتجلس إلى جواره، هز رأسه في نفي ليشير"
- أنا مش جاي اشرب قهوة، أنا جاي اتكلم معاكي

"قالت شمس في ارتباك"
- في إيه؟

"نظر لها قبل أن يشير"
- في اللي قلتيه الصبح، أنتِ فعلاً صدقتي اللي قالته؟

"هزت رأسها في نفي لتشير"
- أنا عارفة إنك مش كداب

"نظر لها متسائلاً لتتبع بعد أن تنهدت في حيرة"
- أنا مش هنكر إني احترت بسبب كلامها، كان جوايا حاجة بتقولي إنها كدابة بس... المشكلة اللي حصلت بيننا لخبطتني اكتر وخليتني أحس إنه ممكن...

"أشار في ضيق"
- مهما حصل يا شمس أنتِ بالذات ماينفعش تصدقي كلامها، تفتكري أنا لو ندل للدرجة دي مارحتش زورت الحقيقة ليه زي ما هي عملت وقلت لبابا؟ ليه ماحاولتش اعمل نفس اللي عملته معاكي أنتِ؟

"نظرت إليه في حزن لتهمس قائلة"
- أنا آسفة

"ثم اتبعت"
- اللي عرفته النهاردة أكد إحساسي بإنك مش كداب

"نظر لها متسائلاً ليشير"
- عرفتي إيه؟

"أشارت في حذر"
- سالي كلمت ندى امبارح، قالتلها إن رامز متجوز ومخلف

"نظر لها في صدمة لتتبع مشيرة"
- مش بس كده، قالتلها إن في بينهم علاقة

"ازدادت صدمة رامـي أكثر مع جملتها الأخيرة، علاقة مع سالي؟ كيف؟ وجد نفسه يشير في غضبٍ مخيف"
- إيه اللي بتقوليه ده؟ ازاي يكون في علاقة بين رامز وسالي؟ مستحيل!

"خافت شمس من ردة فعله قبل أن تنتبه لأنه قد تفاجأ فقط من أمر العلاقة التي بينهما بينما لم يتفاجأ بأمر زواجه وطفله، أشارت شمس في حذر"
- يعني كنت عارف إنه متجوز؟

"سكن فجأة ولم يستطع الرد، إن معرفة سالي بأمر كهذا يعني أن كلامها بشأن علاقتهما صحيح. كيف يفعلها رامز؟ وكيف سيخبر هو شمس بحقيقة معرفته بأمر الزواج؟ كيف ستكون ردة فعلها؟
الغبي... وكأنه يريد تدمير كل شيء فوق رأسيهما معاً، نظر في عينيها ليجد فيهما نظرة بدت وكأنها تستجديه أن يكون جوابه بالنفي، إن لم يخبرها فستراه كاذباً، ليس أمامه سوى أن يصارحها بالحقيقة.
أشار أخيراً"
- أيوة

"نظرت إليه شمس في صدمة ليشير سريعاً"
- بس خليني أشرحلك الحكاية

"شجعه صمتها على الحديث ليروي لها كل شيء من البداية، منذ أن علم رامز بحمل نانسي وقراره بالزواج منها، مروراً بمشكلته مع والديهما، ووصولاً إلى ولادة طفله الذي توفى بعد يومٍ واحد فقط.
وشمس تراقب إشاراته في ذهول تام، وعندما انتهى من روايته، أشارت"
- وليه خبيت عليا كل ده؟

"أشار في ثقة"
- لأن مش من حقي أتكلم، دي حاجة ماتخصنيش، أنا قمت بدوري معاه كأخ وصاحب وبس، ماكانش من حقي اتدخل أو امنعه أو احكي لحد، ولأنه فعلاً بيحب ندى، وهو كان ناوي يصارحها بالحقيقة بس كان مستني إن ابنه يبقى كويس، لكن كل اللي حصل منعه وكان صعب عليه، وصدقيني أنا ماعرفش هو فين دلوقتي

"أشارت في غضب مكتوم"
- بس ماكانش ينفع تسيبونا احنا الاتنين على عمانا كده، أنت عارف ندى حالتها عاملة ازاي دلوقتي؟ وهو مش مهتم ومش فارق معاه حاجة، عارف سكوتك ده كان هيوصلنا أنا وأنت لإيه؟ أنت...

"قاطعها مشيراً في غضب مماثل"
- قلتلك أنا ماكانش ينفع أقول حاجة، دي مشكلة رامز وندى وهما اللي المفروض يحلوها، لا أنا ولا أنتِ ينفع يبقى لنا دور بينهم

"أشار مجادلة"
- أيوة بس ندى...

"قاطعها مرة أخرى مشيراً"
- أنا مايهمنيش حد غير شمس، يهمني إنك تكوني متأكدة إني ماكدبتش عليكي في أي حاجة تخصنا احنا الاتنين، وإني مش هسمح لأي حاجة برة علاقتنا تفرق بيننا لمجرد أنها قريبة مننا، فاهمة؟

"صمتت للحظات قبل أن تسأل"
- وسالي؟ علاقته بيها حقيقية؟

"أشار رامـي في غضب"
- أنا متأكد إن دي لعبة حقيرة من سالي، ومتأكد إن رامز عمره ما يعمل كده

"أشارت شمس في حيرة"
- طيب... هي عرفت كل ده ازاي؟ وعايزة مننا إيه؟

"أمسك بيدها قبل أن يشير مطمئناً إياها"
- ماتشغليش بالك بالكلام ده، أنا هعرف كل حاجة بطريقتي

"ثم اتبع بابتسامة"
- المهم إن شمس تفضل موجودة معايا

"صمتت قبل أن تبتسم ابتسامتها الهادئة تلك ليحتضنها وقد شعر بالراحة أخيراً لعودة الأمور إلى طبيعتها بينهما مرة أخرى، ولكن عاد هذا الخبر الذي علمه للتو ليملأه بالحيرة والغضب.
عليه أن يتأكد ويفهم كل شيء، لا يجب أن يتحول رامز إلى نسخة جديدة من الخيانة والغش... لا يجب أن يفعلها."

.....

"عندما رحل رامـي، شعرت شمس بالحيرة والتردد بشأن مكالمة ندى وإخبارها بكل شيء، هل تخبرها الحقيقة أم تخفيها هي الأخرى؟
ظلت تتخبط في حيرتها لتجد ندى تقطع عليها حيرتها لتهاتفها هي، ترددت كثيراً قبل أن ترد لتفعل في النهاية"
- ألو!

"قالت ندى سريعاً"
- كلمتي رامـي يا شمس؟

"صمتت شمس للحظات قبل أن تقول"
- أيوة

"سألتها ندى في حذر"
- وقالك إيه؟

"ظلت شمس صامتة لتفهم ندى حقيقة جوابها لتبتسم في ألم قائلة"
- يعني سالي كانت صح

"قالت شمس سريعاً"
- بس صدقيني رامز بيحبك، جوازه ده كان له ظروف...

"قاطعتها قائلة في غضب"
- ظروف؟ ظروف إيه؟ كتفوه ولا هددوه ولا إيه بالظبط؟ مافيش أي حاجة في الدنيا تبرر كدبه وغشه وخيانته

"عادت شمس لتقول سريعاً"
- علاقته بسالي مش أكيدة، أكيد كدبة من سالي لإنها كدبت عليا وقالتلي كلام شبه كده عن رامـي وده ماحصلش، سالي بتحاول تخلق مشاكل عشان...

"عادت ندى لتقاطعها قائلة في هدوء مشوب بالخَيبة"
- صح أو غلط مش هتفرق، مش محتاجة أثبت علاقته بيها عشان أعرف إنه خاين وكداب

"ثم تنهدت لتتبع منهية حديثها"
- لازم الموضوع ده ينتهي

.....

"عاد رامز أخيراً من رحلة اختفائه بعد أسبوع كامل، وخلال تلك الفترة قد قام ببيع تلك الشقة اللعينة ولم يستبدلها بأخرى حتى الآن بل فضَّل أن يفعل ذلك حين عودته،
وأول ما فعله هو الذهاب إلى الشركة، والذي، وللأسف، صادف وصول ندى أيضاً، فقد قامت مُسبقاً بكتابة استقالتها وقررت تسليمها للسيد كرم.
عندما كانت تصف سيارتها في الجراج، لمحت سيارته التي دخلت للتو، نزلت من السيارة ثم أغلقت الباب وتوجهت ناحية المصعد دون أن تلتفت إليه ليوقفها صوته قائلاً"
- ندى!

"توقفت مكانها دون أن تلتفت إليه، لم تكن قادرة على رؤيته بعد كل ما عرفته، كانت متأكدة أنها ستجد شخصاً لا تعرفه بعيداً كل البعد عن ذلك الذي أحبته، ولم يتحدث هو من بعد ندائه منتظراً إياها أن تلتفت.
وعندما فعلت، ابتسم في هدوء قائلاً"
- وحشتيني

"أخذت تنظر إليه دون رد، بالفعل... لقد تغيَّر كثيراً، لم يعد بتلك الصورة التي رسمتها له من قبل، وكأنها ترى شخصاً مشوهاً بفعل حقارة كل ما علمته من كذب وخيانة.
كانت نظراتها حانقة وغاضبة على عكس تلك النظرات الحالمة والسعيدة التي كان يراها تملأ عينيها لرؤيته، ما الذي حدث؟
قالت أخيراً بهدوء مقلق"
- حمد لله عالسلامة!

"شعر من نبرتها أن شيئاً ما ليس على ما يرام، ربما غاضبة لأنه غاب لأسبوع، ابتسم قائلاً"
- الله يسلمك

"ثم حاول أن يقترب منها لتمنعه بقولها القوي"
- ماتقربش!

"نظر لها في تعجب ليسأل قائلاً"
- في إيه يا ندى؟

"ارتسمت على وجهها ابتسامة ساخرة لتقول"
- والله المفروض أنت اللي تفهمني في إيه

"قال في ضيق"
- مش فاهم

"نظرت إليه قبل أن تقول"
- أنت ليه عملت كده؟

"نظر إليها في تعجب لتتبع"
- ليه فضلت تقرب مني لغاية ما حبيتك؟ كنت عايز إيه؟

"نظر لها دون رد وهو لا يستطيع فهم أي شيء، قال"
- إيه السؤال ده؟ قربتلك لأني حبيتك

"ابتسمت قبل أن تضحك ضحكة قصيرة لتقول بعدها"
- حبيتني... زي ما حبيت نانسي، مش كده؟

"نظر لها في صدمة ولم يستطع الرد لتتبع هي بنفس ابتسامتها الساخرة"
- مراتك، وأم ابنك كمان

"قال محاولاً الحديث في هدوء لم يخفِ صدمته"
- أنتِ... أنتِ جبتي الكلام ده منين؟

"ضحكت قائلة"
- من سالي، اللي كنت بتخوني معاها برضو، كتر خيرها والله

"ازدادت صدمته وقد شعر بأنه قد فقد النطق بأي شيء، نظرت إليه وقد علمت تماماً أن لا شيء مما قالت كذب، كانت نظراتها مليئة بالغضب والاحتقار لتقول بعدها"
- بس يا ترى أنا آخر واحدة؟ ولا في واحدة رابعة معمية عن قايمتك الطويلة؟

"حاول الحديث قائلاً"
- ندى!... أنا...

"لم تشعر بنفسها إلا وهي تصفع وجهه الذي لطالما أحبَّت النظر إليه بقوة وشمت اصابعها الرفيعة على وجهه بعلامات حمراء خفيفة، وصرخت فيه قائلة"
- أنت واحد كداب وخاين! أنا صدقتك ووثقت فيك وحبيتك، بس أنت ماتستاهلش

"ثم انهمرت دموعها وصرخت في وجهه المصدوم بقوة أكبر"
- مش عاوزة اشوفك تاني

"ثم توجهت ناحية سيارتها مرة أخرى لتركبها وتخرج بها من هذا المكان تاركة إياه في حالة من الصدمة والألم.
لقد انكشف كل شيء فجأة... دون حتى أن يرتِّب هو للاعتراف به، ولكن حتى وإن اعترف بنفسه فالنتيجة واحدة، لقد رحلت بعد أن دفعها هو لكسر كل الوعود التي أخذها منها لضمان بقائها، ولم يكن يعلم أن السبيل الوحيد لوفائها بوعودها هو إخلاصه وصدقه في البداية قبل أي شيء آخر.
خسارة جديدة... وكل شيء يخرج عن السيطرة."

.....

"كان رامـي في الشركة مع كرم في اجتماعٍ مع الموظفين بشأن مناقشة المشاريع القائمة بالشركة. كان رامـي يتابع الاجتماع بنصف انتباه بينما النصف الآخر كان مركزاً في مكان آخر، وعندما انتهى الاجتماع ورحل الموظفون، نظر كرم إلى رامـي وأشار متسائلاً"
- رامـي! أنت كويس النهاردة؟

"نظر له رامـي متسائلاً ليتبع كرم مشيراً"
- شكلك متضايق، في مشكلة في الاجتماع؟

"هز رأسه نفياً قبل أن يجد رامز يدخل إليهما، ابتسم كرم قائلاً"
- حمد لله عالسلامة! عاش مين شافك يا رامز!

"نظر له رامز قبل أن يتكلف الابتسامة قائلاً"
- الله يسلمك يا كرم!

"شعر أن هو الآخر به شيءٌ غريب، ومع سكون رامـي الذي لا يقل غرابة قرر أن يتركهما وحدهما.
وعندما خرج، نظر رامز إلى رامـي الذي كان يجلس في مكانه وينظر إليه نظرات لم يفهم معناها أيضاً، أي مصيبة أخرى تنتظره؟
قام رامـي من مكانه ثم توجه ناحيته حتى توقف أمامه ولم يشِر بشيء، لم يفهم رامز ما به ولم يهتم، ليس أمامه الآن سوى أن يصارحه بكل شيء لعله يساعده، قال"
- رامـي! كان في موضوع مهم عايز اكلمك فيه

"نظر لها رامـي قبل أن يشير"
- وأنا عايز أسألك سؤال واحد بس

"نظر له رامز في قلق من طريقته الهادئة تلك ليتبع"
- أنت فعلاً على علاقة بسالي؟

"صُدِم رامز من سؤاله، كيف علم؟ هل أخبرته تلك الحقيرة؟ نظر إليه فوجد نظراته لا تنبئ بخير أبداً، هو جاء ليعترف... فليحدث ما يحدث إذن.
قال بخفوت"
- أيوة، بس...

"لم يكد يتم جملته حتى أوقفته لكمة رامـي القوية والتي أسقطته أرضاً، نظر إليه في صدمة ليرى نظرات الغضب التي بدت واضحة وصريحة في عيني رامـي اللتان اشتعلتا بقسوة جديدة عليه في علاقته معه حتى أشار أخيراً"
- أنا لما وقفت جنبك طول السنين اللي فاتت دي، وساعدتك حتى في كل مشكلة ورطت نفسك فيها وورطت اسم العيلة معاك، كنت بساعد أخويا اللي عاش عمره كله خايف يكون لوحده، كنت بحاول أثبتلك إني موجود جنبك مهما غلطت ومهما خسرت قصاد دفاعي عنك

"ثم اتبع مشيراً في قسوة"
- لكن اللي أنا شايفه ادامي ده واحد خاين وجبان، ماعرفوش ولا حتى عايز اعرفه، أنت عِدت نفس اللي عمله سليم الراوي بالظبط، نفس الخيانة والغش والأنانية، الراجل اللي عشت طول عمري بحاول اتجنبه عشان صورته اللي اتعلقت بيها من زمان تفضل موجودة وماكرهوش، الراجل اللي أذانا معاه زي ما أذى نفسه بالظبط

"كان رامز ينظر إليه بوجهٍ شاحب خاسر وقد ظهرت آلام روحه كلها على وجهه وهو يراقب حديث رامـي الذي كان أقسى عليه من الصفعات.
اتبع رامـي مشيراً في غضب لم يخلُ من الألم"
- كل يوم فيه كنا بنكبر سوى كنت بتمنى إنك ماتطلعش زيه، بالظبط زي ما كنت بتمنى لنفسي، بس زي ما شفت فيه صورة البطل وأنا صغير وهي بتتكسر ادام عيني، صورتك أنت كمان اتكسرت

"ثم اتبع مُنهياً حديثه القاسي في حسم مشيراً"
- المرة دي مش هساعدك، اخسر لوحدك يا رامز!

"ثم تركه مغادراً المكتب صافقاً الباب خلفه في عنف."


****

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-05-22, 11:17 PM   #25

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل التاسع عشر


"كانت رقية تجلس في منزلها وحالة من القلق تتملكها بشأن رامز، لم تره منذ مدة وكلما سألت رامـي عنه كان يخبرها بأن تنتظره حتى يخبرها هو بنفسه عن كل ما حدث، وعندما أصرَّت عليه، أخبرها بوفاة طفله ولم يستطرد في التفاصيل.
أيامٌ مرت وهي تبكي في ألم لأجل كل ما مر به وحيداً، ولأجل حفيدها الصغير الذي مات قبل أن تراه، ولأجل هذا القلق الذي يقتلها منذ أن أخبرها رامـي أنه اختفى ولا يعلم عنه شيئاً، أين هو الآن؟ وكيف حاله؟
أفاقت من شرودها على صوت جرس الباب، توجهت ناحيته لتفتحه فتتفاجأ من هيئة رامز الذي كان متوقفاً أمامها ووجهه شاحب حزين وأثر لكمة رامـي وصفعة ندى لا يزالان يتركان أثرهما في روحه قبل ذلك الجانب المكدوم من وجهه، ثيابه وشعره مُهملين، وعينيه مليئتين بالاحمرار، نظرت إليه في صدمة قائلة"
- رامز!!

"لم يحرِّك ساكناً ولكن نظرة عينيه الضائعة والموجوعة أخبرتها الكثير لتجذبه إليها محتضنة إياه بشدة ليتمسك هو الآخر بها ولكن في خوفٍ وتردد على غير عادته، وكأنه يخشى أن يتمسك ليخسر هذه المرة أيضاً.
أخذته ناحية الأريكة ليجلسا معاً، ساد الصمت بينهما للحظات وهي تراقب سكونه في خوف وقلق، أين ذهب ابنها المشرق الضاحك؟ ما الذي حدث له؟
همست قائلة في حذر"
- إيه اللي حصل؟

"نظر لها دون رد ليخرج صوته قائلاً بهدوء مشوب بالضعف"
- لو حكيتلك... هتبعدي عني؟

"هزت رأسها في نفي وهي تقول في ألم"
- مستحيل يا رامز! مهما حصل أنا مستحيل اسيبك

"ارتسمت على شفتيه ابتسامة ضعيفة... ساخرة... ومتألمة، قال بنفس هدوئه"
- زمان... قلتيلي إنك مش هتسيبيني برضو، وإنك بتحبيني

"دمعت عيناها وهي تتذكر ذلك الحوار القديم بينهما قبل رحيلها مباشرة، اتبع قائلاً"
- هما كمان... قالوا إنهم مش هيمشوا، ومشيوا

"سألته بهدوء"
- مين؟

"ابتسم قائلاً وهو ينظر أمامه"
- بابا... نانسي... ندى... ورامـي

"ثم اتبع"
- بابا زمان كان بيحاول يفهمني إنه بيحبني وإنه مش هيسيبني أبداً، بس دي ماكانتش الحقيقة... هو كان عايز ياخد كل حاجة وبس... حتى لو ماتهموش.
ونانسي كان لازم تمشي، مافيش واحدة مكانها تستحمل كل اللي عملته فيها، أنا كنت أناني معاها أوي، كنت عايزها تفضل مستنياني... آجي... امشي... وهي تستنى، ويوم ما اكتشفت إني بحبها، كان اليوم اللي قررت تسيبني فيه، كان لازم أطلقها، كان لازم أبطل أنانية.

"ثم تنهد في ألم ليتبع بذلك الهدوء المخزي"
- وندى... الحاجة الصح الوحيدة اللي في حياتي، دخلتها في حياتي المتلخبطة والتايهة، كنت عايزها بأي شكل، كنت عايز أضمن إنها مستحيل تبعد عني، مش عارف إذا كنت حبيتها للدرجة اللي تخليني اعمل كل ده فعلاً ولا لا، بس اللي اعرفه إنها لو ماكانتش في حياتي كنت هندم، ولما نجحت وخليتها تتعلق بيَّ، خنتها... مع سالي...

"صدمت والدته من جملته الأخيرة لينظر لها بابتسامة واهنة وهو يتبع"
- ماتخافيش... ده بعد ما اتطلقت من بابا

"ثم عاد لينظر أمامه وهو يتبع"
- ما هو ده السبب في إن رامـي يتخلى عني، شاف إني بقيت زي بابا بالظبط، واحد أناني... خاين... دمَّر نفسه وكل اللي حواليه، قرر إنه مش هيساعدني، لازم المرة دي أكون لوحدي

"ثم ارتسمت ابتسامة متألمة على وجهه وهو يقول"
- والأمل الوحيد اللي كان عندي عشان اعمل عيلة تخصني أنا وماتسيبنيش... مات، لأني ماستحقش يكون عندي حد بيحبني ويفضل موجود

"كانت تستمع إليه بعينين دامعتين تجاهدان حتى لا تذرفان الدموع وجعاً لحال ابنها الذي أُلقيَ وحيداً بمفرده بعد أن أخذ صفعات القدر المتتالية حتى تحطَّم قلبه.
نظر أخيراً إليها ليقول في ضعف بعينين دامعتين"
- خوفي ماكانش وهم زي ما كنتي بتقوليلي زمان... أنا فعلاً بقيت لوحدي

"جذبته إليها لتحتضنه ثانيةً بقوتها الحنون ليسند رأسه إلى كتفها وقد ترك عيناه تدمعان أخيراً بعد كل ما مر به في تلك المدة القصيرة والتي لم يسمح فيها لنفسه ولو لمرة واحدة أن يخرج ما بداخله من ألم.
كانت روحها هي أيضاً تتألم لأجله، لقد كانت تخبره في صغره دوماً أن مخاوفه ليست حقيقية، وليس عليه أن يلتفت إليها ويحزن لأجلها، فجميعهم من حوله يحبونه ولن يتركونه أبداً لتكون هي أول من يكسر تلك القناعات.
والآن... يعود إليها وقد وجد مخاوفه حقيقية بشكل أكثر رعباً حتى مما تصور، فلم تصبح هي الوحيدة التي تركته بل فعل الجميع، ولم يكتفوا بمجرد تركه بل بترك أثرهم الموجع في نفسه تماماً كما ترك هو في نفس من أحب بعض الأوجاع التي خبرتها هي لسنوات ولم تستطع أن تُشفى منها بعد.
كيف تُشفى؟ وهي ترى نتيجة أفعال الرجل الذي رأت فيه الحب والحياة تتجلى كل يوم بقسوة في صغيرها حتى أصبح يشبهه، لكن لا... إن كانت قد تركته هو فلن تترك صغيرها أبداً، لن تزيد أوجاعه بل ستظل إلى جواره تساعده في شفائها حتى يعود كما السابق تماماً.
ساد الصمت بينهما لدقائق حتى قطعته هي قائلة بحنان دون أن تبعده عنها"
- فاكر يا رامز وأنت صغير كنت متعلق بيَّ قد إيه؟ ماكنتش بتحب تنام غير في حضني، كنت بتسيب أوضتك وتجيلي عشان تفضل نايم جنبي

"ثم ضحكت في هدوء لتقول"
- سليم كان بيتجنن من كده

"ثم اتبعت في حنان"
- بس أنا ماكنتش بهتم، كنت بنبسط لما تجيلي، أنت كنت زي ما بيقولوا كده... طفل مدلل، حتى رامـي ماخدش الدلع والحب اللي أنت اخدته

"خرج عن صمته أخيراً ليقول"
- بس كان بينام جنبك على طول

"ضربته على ظهره ضربة خفيفة لتقول في حزم حنون"
- وأنت كنت بتنام الناحية التانية برضو، أنت بتفتكر حاجات وحاجات

"ثم اتبعت في مكر"
- عارف كام مرة بابا نام برة الأوضة بسببكم؟ لو ماكنتوش عياله كان اتبرع بيكم من زمان

"استطاعت أخيراً أن تكسر حزنه بضحكات هادئة انطلقت منه لتتبع بابتسامة هادئة"
- وهتفضل يا رامز ابني الجميل اللي بحبه مهما حصل، وحتى لو كلهم زعلوا منك أنا مستحيل اعمل كده

"نظر لها قبل أن يقول بخفوت حَذِر"
- حتى بعد كل اللي عرفتيه؟

"مدت يدها لتمسح آثار الدموع المتبقية على وجهه لتقول في حنان"
- مش مهم، كل اللي فات مش مهم، اللي يهمني إنك تبقى كويس ومرتاح

"ثم اتبعت"
- كل اللي عملته قبل كده يا رامز معناه إنك مش مرتاح، زي ما قلت... تايه، والنتيجة اللي وصلتلها دلوقتي هي نهاية التوهة دي، ودلوقتي بداية جديدة يمكن تكون سبب في إنك تصلح اللي فات... ترجع رامز الحقيقي اللي المفروض يكون موجود

"ثم أمسكت بيده لتتبع بابتسامة"
- ومش هتكون لوحدك تاني

"ابتسم في هدوء ليحتضنها قبل أن تقول هي"
- إيه رأيك لو تعيش معايا هنا؟ هكون مبسوطة بوجودك ومتطمنة عليك

"نظر إليها لتتبع بابتسامة ممازحة"
- لو وافقت، هعملك كل يوم البسكوت اللي بتحبه

"رد قائلاً بابتسامة"
- موافق

.....

"مرت أيام قليلة قضاها رامز في منزل والدته، لم يذهب إلى الشركة فقد استنتج مما حدث أن وجوده ليس مرغوباً فيه هناك أيضاً، ربما عليه أن ينشئ كياناً وظيفياً خاصاً به وحده.
حسناً... إن لم يكن لديه عائلة فلا يجب ألا يكون لديه كياناً عملياً أيضاً.
ولكنه لم يكن يهتم لكل ذلك بل كان يهتم للصورة التي هو عليها الآن في نظر أخيه، هل حقاً انكسرت صورته في نظره؟
كان رامـي له كل العائلة والأصدقاء، وخسره بسبب عبثه الأحمق، هو يستحق كل ما حدث، ولكنه لم يعتد الخصام بينه وبين أخيه أبداً، حتى عندما كانا يتشاجران في صغرهما لم يكن ينتهي اليوم حتى يهربا سوياً من القصر ويتجها إلى المزرعة احتفالاً بعودة العلاقات الطيبة، وكأنه كان خلافٌ بين دولتين عظميين.
مع ذلك، هذه المرة الأمر مختلف... أكبر، ولا يعلم كيف سينتهي."

***

"في أحد المرات، وأثناء ما كان في المنزل يجلس مع والدته، دق جرس الباب لتقوم والدته وتفتح الباب ليجد رامـي يدخل تحتضنه والدته في ترحيب كالعادة.
لا يدري لماذا شعر بالارتباك، ولكنه شعر بأن وجوده قد يزعج رامـي ففضل أن يبتعد قبل أن يجده قد التفت إليه، لاحظ تغيُّر ملامح وجهه المبتسمة منذ قليل إلى ملامح واجمة.
كانت نظراته تحمل من الضيق الكثير حتى أنه لم يستطع تحديد ما إذا كان هذا الضيق مما فعل أم أنه مثله... يشعر بأن هذا الخصام غريبٌ عليه أيضاً، في جميع الأحوال كان الجو متوتراً لا يحتمل.
نظر رامز إلى والدته التي كانت تقف في ترقُّب وحزن لما يجري ليقول بهدوء"
- عن إذنكم!

"ثم تركهم ليدخل إلى غرفته، توقفت رقية أمام رامـي لتشير في هدوء شابه بعض الحزن"
- أنا عارفة إنه غِلط يا رامـي! بس مهما حصل ماينفعش أنت بالذات تتخلى عنه

"نظر لها قبل أن يشير في ضيق"
- أنا دايماً كنت جنبه وبساعده

"أشارت سريعاً"
- المرة دي غير... ده أكتر وقت هو محتاجلك فيه

"ظل ساكناً دون رد لتتبع هي في رجاء"
- أنا اللي بطلب منك المرة دي تبقى جنبه

"نظر لها للحظات قبل أن يتركها ليدخل إليه، وعندما فتح الباب، كان رامز يجلس على السرير وقد التفت إليه للحظات قبل أن يشيح بوجهه عنه في حزن متفادياً نظراته التي كانت تحمل الضيق منذ دقائق قليلة.
أغلق رامـي الباب خلفه ليتقدم ناحيته ويجلس إلى جواره في هدوء، ساد الصمت بينهما حتى نظر رامز إليه، بادله رامـي نظراته حتى أشار أخيراً"
- ليه عملت كده؟

"عاد رامز ليخفض بصره مجدداً دون رد قبل أن يعود لينظر إليه وهو يشير في هدوء"
- ماعرفش...

"نظر له رامـي دون رد ليتبع مشيراً"
- كنت حاسس إني بنتقم لنفسي بعد ما بابا بعدني عنه بمنتهى البساطة

"ثم هز رأسه في نفي وهو يشير"
- أنا مش عايز أبرر حاجة، أنا عارف إني غلطت، زي ما بيقولوا يعني... عُذر أقبح من ذنب

"أشار رامـي أخيراً"
- عارف إنها زي ما كلمت ندى وقالتلها كل حاجة، كلمت شمس كمان وقالتلها إني حاولت اعتدي عليها قبل كده ولما رفضت ضربتها؟

"نظر له رامز في صدمة ليتبع"
- وشمس اتأثرت بكلامها فعلاً رغم إنها ماصدقتوش، ماكانتش تعرف إن هي اللي...

"ثم صمت فجأة وقد أغمض عينيه في غضب عندما تذكر تلك الليلة ليفتحهما مجدداً ليجد رامز ينظر إليه نظرة ذات مغزى قبل أن يشير"
- أنا عارف اللي حصل ليلتها يا رامـي!

"نظر له رامـي في دهشة ليتبع مشيراً"
- أنا كنت موجود، وشفتها لما دخلت اوضتك قبل ما تخرج مطرودة

"نظر له رامـي في صدمة مشيراً"
- ليه ماتكلمتش؟

"ابتسم رامز مشيراً"
- عشان ماكانش في حاجة نتكلم فيها، أنا كنت عارف أنت هتعمل إيه كويس، وأكيد ماكنتش هروح أقول لبابا حاجة زي دي، في كل الأحوال كان هيطلقها، ماكانتش هتفرق يعني

"عاد الصمت ليسود بينهما ثانيةً قبل أن يشير رامـي"
- طيب دلوقتي هتعمل إيه مع ندى؟

"هز رامز رأسه في حيرة قبل أن يشير"
- مش عارف، بس مش هقدر أعمل أي حاجة الفترة دي، هي دلوقتي مستحيل تسمعني، عالأقل لازم استنى شوية

"أشار رامـي متسائلاً"
- ونانسي؟ ندى مش هتقبل ترجع في وجود نانسي

"عادت ملامح رامز لتكتسي بالألم قبل أن يشير"
- نانسي مابقتش موجودة خلاص... اتطلقنا.

"نظر له رامـي في دهشة ليشير"
- ليه؟

"تنهد رامز في تعب قبل أن يشير"
- مش هتقدر تكمل مع كل اللي بيحصل ده، معاها حق... هي كمان اتظلمت معايا من غير ذنب

"هز رامـي رأسه متفهماً لينظر له رامز قبل أن يشير"
- بس أنا مايهمنيش كل اللي حصل ده قد ما تهمني حاجة واحدة بس...

"ثم عاد ليشير في حذر"
- أنا فعلاً صورتي اتكسرت في نظرك؟

"نظر له رامـي دون رد ليتبع رامز مشيراً في حزن"
- أنا غلطت، ومستعد اتحمل أي خسارة إلا إني أخسر قيمتي عندك

"ظل رامـي ساكناً قبل أن يشير أخيراً"
- ماتقلقش، ماكنتش ناوي ازعل كتير

"ثم اتبع بابتسامة"
- مش متعود حياتي تبقى هادية من غير مشاكلك

"ابتسم رامز ضاحكاً قبل أن يتعانقا، نظر رامـي إليه ليشير"
- على فكرة ندى قدمت استقالتها لكرم امبارح، أنا قلتله مايقبلهاش لغاية ما أنت ترجع

"ظل رامز صامتاً ليسأله رامـي مشيراً"
- اخليه يقبلها؟

"صمت قبل أن يهز رأسه في نفي قائلاً"
- لأ
.....

"ذهبت ندى إلى مكتب السيد كرم بعد أن مرت عدة أيام ولم يصلها رده بقبول استقالتها بعد، وعندما وصلت هناك، طلبت مقابلته.
وبعد لحظات، خرجت لها السكرتيرة تبلغها بأنه في انتظارها، دخلت إليه وقالت بابتسامة خفيفة"
- صباح الخير يا كرم بيه!

"ابتسم كرم قائلاً"
- صباح النور يا باشمهندسة!

"ثم اتبع قائلاً"
- طلبتي تقابليني، في مشكلة؟

"صمتت ندى قبل أن تقول"
- كنت عايزة اسأل حضرتك على طلب استقالتي واعرف إذا كان اتقبل ولا لأ

"رد قائلاً"
- بس طلب استقالتك مش عندي، طلب استقالتك مع رامز

"نظرت إليه في صدمة ليتبع قائلاً"
- أنتِ عارفة إنه مديرك المباشر، وهو في مكتبه دلوقتي لو عايزة تكلميه بخصوص استقالتك

"حاولت التحدث قائلة"
- لكن...

"لتصمت فجأة، نظر لها كرم قبل أن يقول متسائلاً"
- في حاجة يا ندى؟

"صمتت ولم تستطع النطق بأي شيء، ماذا عساها تقول؟ قالت أخيراً"
- مافيش، بعد إذن حضرتك

"خرجت من مكتبه وهي تسير في الطرقات في حيرة، عاد؟ هل عاد؟ كيف ستراه الآن؟ لن تستطيع مواجهته، لا بد من ذلك حتى تُقبل استقالتها، ولكن... هل سيقبل؟
ربما يرفضها متعمداً كي ينتقم لصفعتها على وجهه. بعد كل ما علمته عنه يجب أن تتوقع منه أي شيء، ولكن قلبها الأحمق يخبرها أنه لن يكون بذلك السوء معها هي... لقد أحبها.
كذب... يكاد عقلها يصرخ بها، لم يحبها، لو كان قد أحبها حقاً لما أخفى عليها كل ما علمت... لما قام بخيانتها، هو لا شيء سوى كاذب.
مع تلك الفكرة، شعرت بأن عقلها يدفعها للذهاب إليه الآن وانتزاع موافقته بشأن استقالتها مهما حدث، لن تستسلم لضعف قلبها أمامه ثانيةً أبداً."

****

"كان يجلس في مكتبه وهو يفكر، ماذا ستفعل إن علمت أن طلب استقالتها أصبح في يديه الآن؟
بالتأكيد ستأتي غاضبة وتنتزع منه الاستقالة ولو بالقوة، القوة التي تملكتها للحظات قليلة استطاعت فيها صفعه، وعلى الرغم من أنه كلما تذكر ما فعلت انتابه الغضب الشديد إلا أنه كان يعذرها تماماً.
لقد خدعها كما لم ولن يفعل أحد غيره، فلتفعل ما تفعل فليس لها خروجٌ من هنا مهما حدث، سيجعلها تغضب وتهجر كما تشاء فلن يدعها تهرب منه إلا إليه.
قطع أفكاره دخول لميس إليه قائلة"
- رامز بيه! باشمهندسة ندى طالبة تشوف حضرتك!

"رد قائلاً"
- قوليلها تتفضل

"خرجت لميس من مكتبه لتبلغ ندى قائلة بابتسامة"
- رامز بيه في انتظارك! تقدري تتفضلي

"اومأت ندى لها ثم توجهت ناحية الباب لتدخل إليه، وعندما أغلقت الباب خلفها والتفتت ناحية مكتبه، لم تجده بل وجدته متوقفاً أمام نافذة مكتبه الواسعة.
أصابت قلبها خيبة أمل عندما لم تستطع رؤية عينيه الخضراوين ولو للحظة واحدة فور دخولها، ولكن عقلها كان سعيداً لأجل ذلك فلا مجال للتأثر بأي شيءٍ كان، هي هنا لمهمة محددة ستنهيها وترحل.
والحقيقة التي لا تعلمها أنه لم يفعل ذلك لأجلها هي بل لأجله هو، لم يكن يريد أن يواجه عينيها اللتين بالطبع ستكونان ممتلئتان بالضيق والعتاب والجرح لما فعل. مرت لحظات قليلة حتى التفت لها أخيراً.
ساد الصمت بينهما وهما يتبادلان النظرات دون حديث، تلك النظرات التي كان يخشاها بعد أن كانت نظراتها له مملوءة بالانبهار والحب، أين ذهبت ندى التي أحبها؟
بينما لم تستطع هي فهم نظراته أو بالمعنى الأدق لم تستطع تصديقها، لا... ما تراه في عينيه ليس أسفاً أو اعتذاراً، هو فقط كاذب.
قطع هو الصمت أخيراً ليقول باقتضاب مرتدياً قناع المدير"
- خير يا باشمهندسة؟ كنتي عايزة تقابليني ليه؟

"صمتت وهي تحاول مقاومة قلبها الأحمق الذي اضطرب لسماع صوته، قالت أخيراً بنفس الاقتضاب"
- كرم بيه قالي إن طلب استقالتي مع حضرتك

"اومأ برأسه قائلاً"
- أيوة معايا

"قالت بوضوح"
- أنا جاية عشان آخد توقيع حضرتك عالاستقالة

"صمت وهو يفكر، هل حقاً هذه ندى التي كانت تبتسم لمجرد رؤيته حتى وإن كان كل حديثهما عن العمل فقط؟
ابتسم لتلك الذكريات قبل أن ينظر لها ليقول في هدوء"
- استقالتك مرفوضة

"نظرت إليه في تعجب لتقول"
- ممكن أعرف السبب؟

"صمت قبل أن يقول بحسمٍ"
- عشان أنا قلت كده

"كادت أن تتحدث قبل أن يقاطعها هو قائلاً"
- تقدري تتفضلي على مكتبك

"ثم حاد بنظره عنها إلى الأوراق أمامه ليسمع صوتها الغاضب قائلاً"
- لو فاكر إنك كده بتضغط عليا تبقى غلطان

"نظر لها نظرة وكأنه يطلب منها أن تعيد ما قالت، ولكن نظرته تلك لم تردعها فأكملت"
- أنا مش هقعد في الشركة دي لحظة واحدة حتى لو استقالتي ماتقبلتش، عن إذنك!

"ثم توجهت ناحية الباب لتفتحه قبل أن تنتبه ليده التي أمسكت بذراعها وجذبتها بعيداً عن الباب قبل أن يغلقه من الداخل تحت عينيها التي كانت تطالعه في ذهول لينظر لها قائلاً في تحدٍ"
- اخرجي يا ندى!

"نظرت إليه في غضب لتقول"
- أنت عايز مني إيه بالظبط؟

"قال في هدوء مريب"
- أنتِ اللي عايزة إيه؟ عايزة تمشي؟ مش هسمحلك

"ازداد غضبها لتقول في ثقة"
- لو فاكر إن اللي بتعمله ده هيأثر عليا ويمنعني عن اللي عايزاه تبقى غلطان، ندى مابقتش ساذجة ولا تايهة زي الأول ومش هتعرف تشدها ناحيتك تاني

"ابتسم ليقول"
- وأنا مبسوط إن ندى مابقتش تايهة زي الأول

"ثم صمت للحظات ليتبع"
- بس يا ترى عرفتي أنتِ عايزة إيه فعلاً؟

"نظرت إليه في قوة لتقول"
- أيوة... عايزة امشي من هنا ومش عايزة اشوفك تاني

"نظر لها قبل أن يقول بهدوء"
- بس أنا عايز أشوفك تاني

"ردت في ضيق قائلة"
- أنت إيه؟ مش هتبطل تكدب وتتسلى؟ فاكر إني زي كل اللي تعرفهم أول ما تشاورلي اجري عليك؟ مش هسمحلك يا رامز!

"قال بنفس هدوئه"
- بس أنا ماتسليتش بيكي، وماقدرش أعمل كده، أنا بحبك!

"قالت في ضيق"
- أنت كداب!

"صمت لتتبع في حسم"
- ومهما عملت أو قلت مايهمنيش، أنت خلاص... انتهيت من حياتي.

"اومأ برأسه وهو يرد"
- ماشي... زي ما تحبي

"ثم اتبع ببطء مخيف وقد احتدت عيناه"
- بس مش هتقدري تنهيني منها كمدير شغلك، وأنا مش هقبل استقالتك ولو مشيتي من نفسك مش هتلاقي حد تاني يشغلك ولا ليكي عندنا مستحقات

"ثم اتبع وهو يشير في وجهها بسبابته"
- وماتحاوليش تعاندي معايا

"قالت في غضب قارب الصراخ"
- أنت فاكر نفسك مين عشان...

"قاطعها عندما وضع يده على فمها ليقول بنفس هدوئه"
- اوعي تفتكري إني عشان سكت عالألم اللي اديتهولي إني هسمحلك تتكلمي معايا بالطريقة دي، لو واحدة غيرك كنت عرفت أرد عليها كويس، بس المشكلة إنك ندى، ومع ذلك لازم تعرفي إن صبري له آخر، وماتحاوليش تستغلي قيمتك عندي

"كانت تستمع إليه في صدمة بعينين متسعتين، وعندما أنهى حديثه، أبعد يده عن فمها لتحاول التقاط أنفاسها وهي تنظر إليه في غضب لم تتصور أن تشعره تجاهه من قبل، نظر لها ثم قال بلا مبالاة بعد أن فتح الباب"
- اتفضلي على شغلك! عايز كل الحاجات اللي طلبتها في آخر اجتماع جاهزة على مكتبي في أقرب وقت

"قالها ثم عاد إلى مكتبه ليجلس عليه ثانيةً وكأن شيئاً لم يكن بينما كانت تنظر إليه في ضيق وغضب وهي لا تكاد تصدق أن هذا هو نفس الشخص الذي أحبته وللأسف لا يزال قلبها يعاندها بشأنه، قالت في هدوء قبل أن ترحل"
- أنا بجد ندمانة إني حبيتك

"قالتها ثم رحلت مغلقة الباب خلفها بقوة وقد تركته غارقاً في بحورٍ من الألم لا يشعر بها غيره.
الحمقاء... لا تزال لا تدري قيمتها بالنسبة إليه، ولا تدري أنها إن كانت تتألم لخيانته لها مرة، فهو يتألم لها مائة مرة، ولكنه لن يدعها، فلتدعِ ما تشاء من كرهٍ وندم، هو يعلم جيداً أن الحقيقة ليست كذلك، هي تحبه... وستظل."

.....

"في أحد المرات مساءاً، كان رامـي جالساً في المرسم الخاص بـ شمس يقوم برسم لوحتها هي هذه المرة.
لم يكن في حاجة لأن ينتظرها حتى تعود من المطبخ بعد إعداد القهوة كي تجلس أمامه فيستطيع رسمها، فتفاصيلها منقوشة بداخله وهذا يكفي.
كان منهمكاً في الرسم وهو يحاول أن يسرع في إنهائها حتى تعود فتراها، ولكنها قد أتت وهو لا يزال في منتصف العمل.
عندما دخلت من الباب، توقفت مكانها وهي تراه يرسمها، ابتسمت في سعادة وقد وضعت القهوة جانباً وأخذت تراقبه عند الباب وهو غير منتبه لها مولياً إياها ظهره ومنهمكاً في الرسم، لاحظ ظلها المنعكس على الحائط فالتفت خلفه ليجدها تتأمل ما يفعل.
ابتسم لها وقد مد ذراعه نحوها لتأتي فاقتربت ناحيته لتنظر له وهي تشير في إعجاب"
- بترسم في وقت قياسي، برافو عليك!

"ضحك منها ثم أشار"
- ده لسة نصها، هاخدها واكملها عندي واجيبهالك تاني هدية

"أشارت في حماس"
- وأنا هستنى

"ابتسم لها فاتبعت"
- تعالى نشرب القهوة قبل ما تبرد

"قام معها ليجلسا سوياً على الوسائد الموجودة على الأرض، كانا يتناولان القهوة سوياً بينما يتبادلان أطراف الحديث حول أشياء مختلفة.
كانت شمس سعيدة للغاية بزياراته لأنه يشعرها أنها ليست بمفردها في هذا المنزل الذي تكاد تشعر فيه وهي وحدها أنها ستجن قريباً.
أحياناً كانت تشعر بالذنب لأنها قد صدقت للحظات أنه مثلما ادعت عليه تلك المرأة. إنها تشعر بطمأنينة كبيرة عندما يكون معها ولا تشعر معه بمثقال ذرة من خوف فكيف تشك به؟
رغماً عنها اجتاحها الحزن للحظات شعر فيها رامـي بما أصابها فأمسك بيدها قبل أن يسألها بحذر"
- مالك يا شمس؟

"نظرت إليه قبل أن تبتسم بحزن مشيرة"
- ماعرفش ازاي كان ممكن نبعد عن بعض بسبب المشاكل الكتير اللي حصلت آخر فترة

"ابتسم في ثقة مشيراً"
- هي اللي حصلت آخر فترة دي مشاكل؟ احنا عدى علينا اكتر من كده بكتير

"ضحكت ضحكة خفيفة لتشير"
- لو ماكنتش موجود كنت هعمل إيه؟

"ابتسم مشيراً"
- ماكنتيش هتلاقي لوح ترسميها

"ضحكت وهي تشعر بأنه محق بالفعل، فيما مضى... اعتادت أن ترسم المناظر الطبيعية الساحرة، وأما الآن... فأمامها أحدها، لماذا ترسم غيره إذن؟ ابتسم لها مشيراً"
- هتاخدي 3 أيام اجازة من الشغل

"نظرت إليه متسائلة فاتبع"
- عمتو سناء قررت تعزمنا عندها في بيت العيلة

"قالت شمس في حماس"
- بجد؟

"اومأ ضاحكاً فاتبعت متسائلة بنفس الحماس"
- هنسافر امتى؟

"صمت وهو يتأمل تلهفها وحماسها ذاك ليريحها أخيراً مشيراً"
- بكرة الصبح

"قفزت من مكانها لتحتضنه في حماس وسعادة وهو يضحك لأجلها، نظر إليها ثم أشار"
- أنا هسيبك تحضري الشنطة وبكرة الصبح هجيلك عشان السفر

"ثم قام من مكانه وأخذ اللوحة من فوق الحامل بعد أن أشار لها قائلاً بابتسامة"
- هاخد اللوحة اكملها زي ما اتفقنا

"أشارت في سعادة"
- هستناها جداً

"ابتسم لها ثم قبَّل جانب فكها قبل أن يتركها ويرحل، وعندما رحل، أخذت تقفز في سعادة وشوق ليوم الغد ثم ركضت نحو غرفتها سريعاً كي تستعد للسفر."

.....

"وفي اليوم التالي، مر رامـي بسيارته على منزل شمس ليصطحبها معه ويسافران سوياً، نزل من السيارة ثم مر من بوابة المنزل الصغيرة حتى وصل إلى الباب، رن الجرس لتمر لحظات حتى وجدها تفتح له بهيئة مختلفة تماماً عما اعتاد حتى أنه شعر أنها ليست شمس بل أختها الصغرى.
كانت ترتدي سالوبيتاً من الجينز الزهري وأسفله بلوزة طويلة الأكمام باللون الأبيض بنفس لون حذائها الرياضي، وقد صففت شعرها بطريقة مختلفة هذه المرة فقد صنعت من منتصفه جديلة جميلة ووضعتها على كتفٍ واحد، واختارت حقيبة بيضاء ذات يدٍ طويلة، ابتسمت في حماس قائلة"
- أنا جاهزة!

"نظر لها وهو يحاول أن يمنع نفسه عن الضحك قبل أن يشير"
- أنا حاسس إنها رحلة في ثانوي

"انكمش وجهها في عبوس مصطنع لتشير"
- ده لبس السفر المفضل بتاعي، وبعدين دي فسحة والفسحة يعني انبساط والانبساط يعني رحلة، صح ولا لأ؟

"عاد ليضحك لتحمل هي حقيبتها الكبيرة وتغلق الباب خلفها قبل أن تمسك بيده وهي تقول في حماس"
- يلا بسرعة هنتأخر!

"وبالفعل قد انطلقا في رحلتهما إلى الفيوم والتي لم تشعر بها شمس أبداً حيث نامت طوال الطريق بعد مرور نصف ساعة فقط.
كان رامـي ينظر لها بين الحين والآخر ويضحك، وعندما وصلا أخيراً وعلى مقربة من طريق القصر، توقف رامـي بالسيارة قليلاً حتى يوقظها.
كانت نائمة وهي محتضنة كتابها الذي كانت تقرأه في النصف ساعة الأولى، ربت على كتفها قليلاً حتى تستيقظ، وعندما لم تفعل، أمسك بالكتاب وشدَّه من بين يديها فجأة لتستيقظ قائلة في خوف"
- كتابي!

"أخذ يضحك منها حتى انتبهت إلى المكان الذي يتوقفان به، أخذت تتلفت حولها وهي تتأمل الطريق المملوء بالأشجار والنخيل لتلتفت إليه قائلة في سعادة"
- ايه ده احنا وصلنا؟

"اومأ برأسه إيجاباً قبل أن يشير"
- والقصر في آخر الطريق ده، عشان كده صحيتك قبل ما نوصل

"أشارت في حماس"
- صحيت اهو، يلا نروح بسرعة!

"تحرك بالسيارة مجدداً حتى وصلا أمام بوابة القصر ليرحب الحارس به قبل أن يدخل تحت أنظار عيني شمس المنبهرة بتلك الحدائق الواسعة المحيطة بالقصر حتى وقعت عيناها على القصر نفسه.
يا إلهي! إنه ليس قصراً عادياً، كأنه قصرٌ من قصور الأساطير... هكذا فكرت.
توقفا لينزلا سوياً من السيارة ويتقدما ناحية الباب لتفتح لهم مديرة المنزل قائلة في ترحيب بالغ"
- أهلاً وسهلاً! حمد لله عالسلامة، اتفضلوا!

"ابتسم لها رامـي وقد اومأ برأسه لتفعل شمس المثل قائلة"
- الله يسلمك، شكراً

"قالت المرأة بابتسامة"
- حالاً هبلغ سناء هانم بوصولكم

"رحلت المرأة تاركة إياهما وشمس تتأمل القصر من حولها في انبهار واضح من جماله ورقيِّه، التفتت إلى رامـي الذي كان سعيداً لتعابير وجهها وهي تشير"
- القصر يجنن يا رامـي! انتو ازاي مش عايشين هنا؟

"ضحك مشيراً"
- ممكن تسألي بابا في الموضوع ده مش أنا

"انتبهت شمس لصوت السيدة سناء التي كانت تنزل على الدرج وهي تقول"
- أهلاً وسهلاً! نورتوا

"التفت رامـي حيث تلتفت شمس ليجد عمته قد أتت، ابتسم لها ثم اقترب منها معانقاً إياها قبل أن تشير بابتسامة مرحة"
- أخيراً جيت زرتني هنا يا رامـي؟! حسابك معايا بعدين

"ابتسم رامـي ضاحكاً لتلتفت هي إلى شمس وتقول بعد أن عانقتها للحظات هي الأخرى"
- نورتي بيت العيلة يا شمس!

"ابتسمت شمس في سعادة"
- منور بحضرتك، أنا بجد مبسوطة اوي إني زرت المكان الحلو ده

"ابتسمت السيدة سناء قائلة"
- هتزوريه كتير بعد كده، ماتقلقيش

"شعرت شمس بالخجل والسعادة بنفس الوقت عندما فهمت مقصدها لتتبع السيدة سناء قائلة وهي تنظر إليهما"
- اوضكم جاهزة فوق، ولو حابين ممكن تخرجوا شوية عشان شمس تتفرج عالأماكن الحلوة اللي في الفيوم

"قالت شمس في سعادة"
- أنا عايزة أشوف البلد حتة حتة

......

"خرجا سوياً من القصر في نزهة شاهدت فيها شمس أجمل المناظر التي أبهرتها كثيراً حتى أخذت تلتقط لها صوراً عديدة، وتلتقط لنفسها ورامـي الكثير لكي تصنع منها إلبوماً يُسمى "رحلة الفيوم".
أخذها رامـي إلى حيث منطقة خضراء قُرب وادي الريان، انبهرت شمس لمنظر الشلالات هناك وأخذت الكثير من الصور قبل أن يجلسا أخيراً، أشار رامـي ضاحكاً"
- ماكنتش متخيل إنك هتقعدي أخيراً

"ضحكت مشيرة في سعادة"
- أنت مش متخيل أنا فرحانة ازاي، البلد تجنن وخصوصاً الشلالات دي

"ابتسم مشيراً"
- عارفة؟ ده المكان اللي بابا طلب فيه الجواز من ماما

"ابتسمت في سعادة وهي تشير"
- بجد؟ طب ممكن تحكيلي ازاي اتعرفوا على بعض؟

"اومأ لها برأسه مبتسماً قبل أن يروي لها كل شيء قد روته له أمه من قبل و لم ينسه أبداً على الرغم من صغر سنه وقتها، كيف رآها أول مرة و هي تلعب مع بقية الفتيات كالأطفال وكيف أخذ يلاحقها في كل مكان حتى أحبته وقبلت الزواج منه، وكيف كانت حياتهما سعيدة ومليئة بالحب الذي ازداد مع مجيء رامز ومن بعده هو.
توقف بروايته عند عامه الثالث ولم يشأ أن يكمل حتى لا يروي كل ما ناقض تلك السعادة وذلك الحب، وهي تستمع إليه في انبهار بذلك الحب الرائع الذي للأسف لم يستمر، وعندما انتهى أخيراً، أشارت في تردد"
- عايزة أقولك على حاجة كده

"اومأ لها برأسه منصتاً لتتبع"
- من ساعة ما شفت مامتك وباباك خصوصاً يوم الحفلة، وأنا اتأكدت إن صورة كل واحد فيهم ماتكملش غير بالتاني، أنا ماعرفش هما سابوا بعض ليه بس بجد بتمنى إنهم يرجعوا لبعض

"ابتسم لها دون رد لتتبع في حرج"
- أنا آسفة، دي حاجة ماتخصنيش

"أمسك بيدها مطمئناً إياها قبل أن يشير بابتسامته"
- ده نفس اللي بفكر فيه، صورة كل واحد فيهم ماتكملش غير بالتاني فعلاً

"ابتسمت مشيرة"
- اتمنى يرجعوا لبعض

"اومأ برأسه بابتسامة قبل أن يشير"
- أنا كمان عايز أقولك على حاجة كده

"اومأت برأسها منتظرة أن يُكمل قبل أن يشير"
- أنا جبتك هنا مخصوص عشان احنا كمان نبدأ حياتنا سوى من هنا

"صمت وهو يتأمل ملامح وجهها المترقبة ليبتسم في حنان مشيراً"
- تتجوزيني يا شمس؟

"نظرت إليه في ذهول وكأنها عجزت عن النطق فجأة، هل طلب الزواج؟ حقاً؟ أم كان هذا تخيلاً؟ ضحك هو مشيراً"
- رحتي فين؟

"عادت لانتباهها لتجد نفسها تضحك هي الأخرى قائلة"
- مش عارفة اتصرف ازاي

"ضحك ثم عاد ليشير مكرراً سؤاله"
- تقبلي تتجوزيني؟

"وجدت نفسها تقول مكررة في سعادة"
- أكيد... أكيد... أكيد

"ضحك مرة أخرى ليجذبها إليه محتضناً إياها بشدة وهي متمسكة به بعينين دامعتين من السعادة...
من كان يصدق أن ذلك الغريب الذي رأته صدفةً في المصعد ولم يكن يرد على أحاديثها أو يستمع إليها من الأساس، والذي كانت شدته تثير غضبها وتبعدها عنه، هو نفسه الذي أمامها الآن يطلب منها الزواج بعد كل ما مرَّا به سوياً من مصاعب. كل شيءٍ زال، والآن... مرحلة جديدة هي بداية لحياة أجمل معه."

.....

"في المساء، وأثناء ما كانت شمس تجلس بمفردها في حديقة المنزل، وجدت السيدة سناء تتقدم ناحيتها لتقول بابتسامة"
- مساء الخير يا شمس! ممكن اقعد معاكي شوية؟

"ردت شمس بابتسامة"
- مساء النور يا سناء هانم! أكيد طبعاً

"جلست السيدة سناء أمامها لتسألها"
- إيه الأخبار؟ مبسوطة هنا؟ عجبتك الفيوم؟

"ردت شمس في سعادة"
- جداً... بجد البلد حلوة أوي

"ابتسمت السيدة سناء قائلة"
- رامي قالي إنه طلب يتجوزك وأنتِ وافقتي

"اومأت شمس بابتسامة خجلة"
- أيوة

"قالت السيدة سناء بدورها"
- أنا بقى جاية دلوقتي عشان اكلمك شوية بخصوص الموضوع ده

"اومأت شمس بإنصات فاتبعت"
- عارفة يا شمس؟ أنا قضيت السنين اللي عشتها مع سليم والولاد وأنا قلقانة على رامـي. مش عشان ظروفه لا، بس كنت خايفة إن اللي حصل بين باباه ومامته يأثر فيه لدرجة إنه يمنعه يتجوز ويعيش حياة طبيعية مع إنسانة بيحبها

"شعرت شمس بالحزن لذلك الجانب الذي كانت تشعر به دون أن يخبرها رامـي عنه. أكملت السيدة سناء قائلة"
- في نفس الوقت، كنت متأكدة إنه وقت ما يختار، هيختار واحدة شبهه... قوية وواثقة من نفسها وشجاعة... وأنتِ فيكي الصفات دي كلها يا شمس.
احنا صحيح ماقعدناش مع بعض زي دلوقتي قبل كده، بس أنا نظرتي عمرها ما خيبت في الناس، واللي عملتيه مع رامـي وقت الحادثة أثبتلي ده. أنتِ حتى ماخفتيش من سليم، وسليم نفسه... مشاركني نفس الرأي. ماخبيش عليكي... ماتوقعتش الموقف ده منه. كنت متخيلة إنه هيهاجمك عشان ابنه بس ماعملش كده. على رأي رامز... شكلك ساحرالهم

"ضحكتا سوياً قبل أن تكمل السيدة سناء قائلة"
- صدقيني رامـي محظوظ بيكي، وأنتِ كمان محظوظة به... رامـي إنسان قوي بجد... رغم كل حاجة مر بيها، لسة ثابت ولسة قادر يحب ولسة عنده استعداد يعمل كل اللي يقدر عليه عشان يحافظ عاللي بيحبه. مايغركيش وشه التاني ده وماتخافيش منه... ده ابني وأنا بقولك إن مافيش أحن منه في الدنيا دي

"اومأت شمس بابتسامة هادئة لتقول"
- أنا عارفة... وصدقيني حضرتك أنا كمان هعمل كل اللي أقدر عليه عشان أسعده

"اومأت السيدة سناء قائلة في ثقة"
- أنا متأكدة من ده

"جاء رامـي إليهما لتقوم السيدة سناء من مكانها لتقول"
- الوقت اتأخر وأنا بنام بدري، هسيبكم سوى بقى، تصبحوا على خير!

"وعندما رحلت، جلس رامـي جوار شمس ليسألها مشيراً"
- كنتم بتتكلموا في إيه؟

"ابتسمت شمس في مكر مشيرة، وقد أرادت أن تحتفظ بما قيل لنفسها"
- كانت بتقولي مساحة القصر ده كام فدان

****

"وفي أحد المرات، وأثناء ما كانت ندى في طريقها إلى الشركة، كانت تنظر إلى يدها اليمنى بين حين وآخر وهي لا تدري إن كان ما فعلته هذا هو الصواب أم لا، كل ما فكرت به هو أن تضع حداً لتسلطه وغروره، يجب أن يتأكد من أن حياتها ستستمر رغماً عنه وأنها لن تضعف أمامه كما السابق.
طوال الأيام السابقة وهي تُخرس صراخ قلبها بصوت عقلها العالي، حتماً ستنساه... هي فقط مسألة وقت، هي فقط... لقد وصلت إلى الشركة، بهذه السرعة؟ كيف ستقابله؟ ربما يفعل شيئاً مجنوناً.
بعد آخر حديثٍ بينهما وقد تأكدت أنه لن يمرر الأمر بهذه البساطة، نظرت إلى خاتم الخطبة في يدها اليمنى.
أخذت نفساً عميقاً قبل أن تنزل من سيارتها... فمهما حدث... لن تضعف. توجهت ناحية المصعد لتصعد به إلى الطابق الخاص بمكتبه، وعندما وصلت وانفتح باب المصعد، أخذت نفساً أعمق قبل أن تخرج منه وتتوجه ناحية مكتبه لتطلب من السكرتيرة أن تبلغه بحضورها كي يبدآ الاجتماع.
وبعد لحظات، خرجت لها السكرتيرة لتبلغها أنه بانتظارها، دخلت ندى بخطوات هادئة وحذرة إلى الداخل وهي تخفي يدها خلف الأوراق في حركة لا إرادية، كان يجلس إلى طاولة الاجتماعات، وعندما رآها، ابتسم ابتسامة خفيفة وهو يقول"
- صباح الخير يا ندى!

"اومأت برأسها قائلة بهدوء"
- صباح النور!

"جلست أمامه لتناوله الأوراق بيدها اليسرى وهي تخفي يدها اليمنى تحت الطاولة أيضاً دون إرادتها.
مر الوقت حتى انتهى الاجتماع، وعندما همت لتجمع الأوراق، رفعت يدها اليمنى دون وعي ليمسك بها فجأة وهو ينظر لما في يدها بصدمة، شعرت بأن الدماء قد جفت في عروقها خاصة عندما رفع عيناه إليها ليسأل"
- إيه ده؟

"نظرت إليه ولم تستطع النطق بأي شيء. مرت لحظات حتى سألها مرة أخرى بغضب مكتوم"
- إيه ده يا ندى؟

"قالت محاولة الحديث"
- زي ما أنت شايف... دبلة

"قال وقد شدد قبضته على يدها حتى آلمتها ليقول بصوت مخيف"
- ما أنا عارف، دبلة مين؟

"حاولت أن تسحب يدها من يده ولكنه قد أحكم قبضته جيداً، قالت محاولة إكساب بعض القوة لصوتها"
- أنا اتخطبت من كام يوم، ودي دبلة خطيبي

"ساد الصمت بينهما لتلمح في عينيه نفس المرارة والحزن الذي لا يظهر إلا قليلاً، رق قلبها للحظة قبل أن يعود عقلها ليزجرها ثانيةً، قال في هدوء وقد خفف قبضته عن يدها قليلاً"
- ليه؟

"ردت في قوة معاندة"
- مش مطلوب مني اشرح وأبرر حاجة، أنا اللي بيني وبينك شغل وبس، مش من حقك تسألني في تفاصيل شخصية

"ابتسم ابتسامة شاحبة ليقول"
- كدابة

"نظرت إليه في عدم فهم ليتبع"
- بتكدبي عليا وبتكدبي عليه وبتكدبي على نفسك

"كادت أن ترد قبل أن يبادر هو بهدوئه الذي اكتسى بالقوة والثقة مجدداً"
- أنتِ فاكرة إن اللي بتعمليه ده مش خيانة؟ اللي بتعمليه مايفرقش حاجة عن اللي أنا عملته، تربطي نفسك بواحد وأنتِ جواكي حد تاني، وفاكرة نفسك كده هتنسي

"قالت في قوة وضيق"
- أنت آخر واحد يتكلم عن الخيانة يا رامز! أنا عارفة كويس أنا بعمل إيه وعمري ما أكون زيك

"ثم اتبعت منهية حديثها"
- دي آخر مرة تتكلم معايا عن حاجة تخصنا أنا وأنت عشان خلاص مابقاش في حاجة اسمها أنا وأنت، من هنا ورايح في أنا وبس، حياتي شيء مايخصش حد غيري أنا، وأنا هعرف ازاي احط حد لكل اللي حصل

"ابتسم هازئاً دون رد لتأخذ أوراقها وتتوجه ناحية الباب قبل أن يوقفها قائلاً"
- هتفضلي تايهة يا ندى!

"التفتت إليه في ضيق قبل أن تلتفت إلى الباب مجدداً الذي فتحته لتخرج وتغلقه خلفها بقوة لتتركه وقد عاد ليجلس إلى مكتبه وهو لا يزال مصدوماً مما حدث، هل حقاً فعلتها؟
يعلم أنها مهما غضبت ومهما قست بكلماتها ورفضها الظاهري له إلا أنها لا تزال محتفظة بمكانه في قلبها، فهل حقاً ادخلت شخصاً جديداً في الساحة لا علاقة له بما يحدث؟ أياً كان هدفها فقد نجحت... لقد استطاعت جرحه مثلما فعل تماماً."

.....

"عندما انتهى وقت العمل، خرجت ندى من الشركة وذهبت لزيارة شمس في منزلها، والتي قد عادت أخيراً من رحلة الفيوم بعد أن قضت مع رامـي أوقاتاً ممتعة للغاية في التنزه وفي القصر مع السيدة سناء التي اكتشفت فيها جانباً مرحاً وحنوناً للغاية مثل كل أفراد تلك العائلة المميزة التي يخفي كل فردٍ فيها جانباً يناقض تماماً ذلك الجانب الذي يظهروه أمام كل من لا يعرفهم.
وأثناء ما كانتا تتحدثان سوياً، أخبرتها شمس بطلب رامـي الزواج منها لتقول ندى في دهشة"
- بجد يا شمس؟

"اومأت شمس في سعادة لتتبع ندى في حماس"
- والفرح هيبقى امتى؟

"ضحكت شمس قائلة"
- فرح على طول كده؟ لسة شوية وبعدين ماحدش عرف غير سناء هانم بس

"اومأت ندى برأسها لتقول بخفوت"
- كويس برضو

"نظرت إليها شمس قبل أن تقول"
- وأنتِ فرحك امتى إن شاء الله؟

"نظرت ندى إليها لتجدها تنظر إلى الخاتم في يدها اليمنى، وضعت ندى يدها تحت يدها الأخرى لتقول في توتر"
- قصدك إيه؟

"قالت شمس في ضيق"
- دبلة طنط إيمان بتعمل إيه في إيدك؟

"نظرت إليها ندى في تعجب لتبتسم شمس قائلة"
- إيه؟ كأننا مش شبه متربيين مع بعض يعني، مش ده الخاتم اللي مابقتش تلبسه؟

"صمتت ندى وقد انكشفت كذبتها لتتبع شمس وكأنها قد فهمت كل ما يدور في رأسها"
- وطبعاً اخدتيه عشان تلبسيه في الشغل وتفهمي رامز إنك اتخطبتي ونسيتيه

"دمعت عيناها دون رد لتسألها شمس في إصرار"
- ليه؟ بتعملي كده ليه؟

"نظرت إليها لتقول في غضب"
- عشان يفهم إن حياتي مش واقفة عليه، ويشيلني من دماغه ويسيبني امشي من الشركة

"نظرت شمس إليها للحظات لتسألها"
- وأنتِ فعلاً عايزة تمشي؟

"قالت ندى في إصرار"
- أيوة

"تنهدت شمس في حيرة دون رد ليسود الصمت بينهما للحظات قبل أن تعود لتنظر إليها وتقول"
- بس أنتِ لسة بتحبيه

"هزت ندى رأسها في نفي لتتبع شمس قائلة"
- ماتحاوليش تقنعيني إنه قدر يغصبك على حاجة، أنتِ كان ممكن تمشي فعلاً ومش من حقه يجبرك عالشغل هناك، بس أنتِ مامشيتيش، أنتِ كنتي عايزة تفضلي واخدتي إصراره ده حجة ليكي

"عادت عيناها لتدمع دون رد قبل أن تمسحها وتقول في قوة"
- أيوة، أنا ماكنتش عايزة امشي، أنا عايزة افضل واثبتله إني نسيته خلاص

"لتقول بعدها في ثقة زائفة"
- وإني بطلت أحبه

.....

"مر أسبوع، وفي كل مرة تلقاه تجده يتعامل معها بطريقة عملية جافة على غير العادة. لم تعد عيناه تلتمع بذلك البريق المليء بالقوة والتحدي في نظراته إليها بل حتى إنها كلما نظرت فيهما لا تستطيع أن تقرأ فيهما أي شيء.
تصرفاته معها جعلت تساؤلاتها تشتعل أكثر مما مضى، هل ملَّ المحاولة؟ أم أنه قد فهم أن أمر خطبتها يعني أن عليه الابتعاد؟ إذن قد نجحت في خطتها، صحيح؟
لا، ليس صحيحاً، هذا ليس رد الفعل الذي تنتظره، لم تكن تريد أن يؤكد ظنونها فيه بتلك الطريقة، إن ما يفعله الآن إن دل على شيء فإنما يدل على أنه لم يعد متمسكاً بها، كان فقط يكذب... تماماً كما توقعت.
وعندما توجهت إلى المصعد كي تنزل إلى الجراج، وجدته يتوقف أمامه ينتظر المصعد أن يهبط، توقفت إلى جواره دون أن تنظر إليه أو تنطق بشيء.
في الحقيقة كانت تنتظر منه أن يبادر هو بقول أي شيء، ولكنه لم يفعل بل لم يحرك ساكناً ولم ينظر إليها وكأنها لا تقف جواره.
مرت لحظات من الصمت الثقيل حتى وصل المصعد إلى طابقهما أخيراً وانفتح الباب، ظل منتظراً إياها أن تدخل قبله ولكنها لم تفعل منتظرةً منه أن يتحدث إليها، التفت إليها ليقول بطريقة جافة"
- اتفضلي يا آنسة ندى!

"نظرت إليه لتجد تلك النظرة الباردة في عينيه التي لطالما اشتعلت بمشاعر عدة من قبل، تقدمت أمامه إلى المصعد ليتبعها وينغلق الباب، كان كل منهما ينظر أمامه ولا يلتفت إلى الآخر أبداً.
رفعت عينيها إليه وهي تفكر... منذ مدة لم تفلت زمام قلبها ليضج بمشاعره، والآن عليها أن تعترف أنها اشتاقت لمشاكسته لها، ولمشداتهما الأخيرة معاً.
لماذا هو صامتٌ هكذا؟ إنه حتى لا يتجاهلها هي بمفردها بل يتعامل مع الجميع بنفس الجفاء الذي جدَّ على حيويته وانطلاقه، وكأنه قد هدأ فجأة دون مقدمات.
انقطع صوت أفكارها عندما انفتح باب المصعد على الطابق الذي يقصده هو ليخرج منه دون كلمة، كانت على وشك أن تلحق به ولكن باب المصعد قد منعها عندما انغلق في وجهها لتنزل إلى الجراج وتترك الشركة عائدة إلى المنزل تاركة عقلها وقلبها معه."

.....

"وصل رامز إلى مكتب رامـي الذي كان في الشركة في هذا اليوم، دخل إليه ليجده يجمع أغراضه للرحيل أيضاً، وعندما انتبه إليه، أشار بابتسامة"
- أهلاً يا رامز! تعالى

"تقدَّم رامز ناحية المكتب ليجلس على الكرسي أمامه ويشير"
- أنت خلاص ماشي؟

"اومأ رامـي برأسه إيجاباً ليتبع رامز مشيراً"
- كنت بفكر لو روحنا المزرعة سوى دلوقتي

"ثم اتبع بابتسامة"
- بقالنا كتير ماتسابقناش

"ابتسم رامـي ليشير في حماس"
- صح، يلا بينا!

"وفي أقل من ساعة، كانا قد وصلا إلى بيت المزرعة، ذهب رامـي لتبديل ملابسه بينما ذهب رامز ناحية اسطبلات الخيول ليجد السائس يقوم بإطعام أسير الذي كان يبدو عليه الحزن، وعندما انتبه إليه السائس، ابتسم قائلاً في ترحيب"
- يا أهلاً وسهلاً يا رامز بيه!

"قال رامز وهو يمسح بيده فوق رأسه أسير"
- أسير أخباره إيه يا عم رفعت؟

"رد السائس قائلاً"
- مش بيطلع من الاسطبل يتمشى زي باقي الخيول خالص، واقف في جنب لوحده كده وبالعافية باخده امشيه شوية

"رحل السائس ليترك رامز وحيداً مع أسير الذي كان رأسه محنياً إلى الأسفل في حزن، أخذ رامز يسير بيده فوق رأسه وهو يقول بهدوء"
- أنا آسف، رجعت اسيبك لوحدك تاني، لو تعرف اللي حصل هتعذرني، أنا كمان بقيت لوحدي يا أسير!

"ثم اتبع بنفس الهدوء الذي شابه الألم"
- خسرت كتير، ومابقيتش قادر ارجع أي حاجة من اللي خسرتها، تقريباً كده استسلمت

"ثم أخذ يطعمه المزيد وهو يقول بابتسامة هادئة"
- مافضليش غيرك، ومش عايزك تزعل مني

"مرت دقائق حتى عاد رامـي إليه ليشير بابتسامة تحدٍ"
- جاهز عشان اسبقك؟

"ضحك رامز مشيراً"
- ده كان زمان، دلوقتي أنا اللي هسبق

"مر بعض الوقت حتى قام السائس بتجهيز كل من ورد وأسير للسباق ريثما يستعد رامز ويبدِّل ملابسه.
بعد أن أصبح كل شيء جاهز، ركب كل منهما فرسه وتوجها إلى مكان السباق، مرت لحظات قليلة حتى بدأ السباق بينهما، كان كل منهما يعدو بفرسه بقوة وإصرار على الفوز، وكان رامز هو المتقدم ولكن بشكل يثير القلق فلم يسبق له أن ركض بأسير بتلك الطريقة من قبل، وكأنه كان يفرغ غضبه في الركض بفرسه الذي كان أيضاً حزيناً وغاضباً قبل أن يأتيه.
كان شارداً في مكان آخر أثناء تلك السرعة المرعبة، وكان ذهنه عند أكبر خسارتين في حياته، نانسي... التي لو كانت في حياته إلى الآن لكان أهدى واستطاع أن يستوعب كم الصدمات التي يتلقاها دفعة واحدة دون رحمة، لقد أحسنت اختيار التوقيت المناسب تماماً لتركه.
أما ندى... حبه التائه المتعب، فلم تسبب له سوى الحيرة، أصبح لا يدري إن كانت حقاً تحبه أم أنها أصبحت لا تريده، كان غاضباً للغاية مما فعلت ولو رأى أمامه ذلك الذي قام بخطبتها لقتله، ولكنه فضَّل أن يكف عن المحاولة والتحدي الذي أصبح يزين علاقتهما مؤخراً، لم يعد لديه طاقة لادعاء شيءٍ هو لا يمتلكه، لقد أصابه كل شيء بالخواء والضعف.
وبدون أي مقدمات، سقط من فوق أسير وغاب عن الوعي بعدها فجأة ولم يرَ تلك العينين اللتين كانتا تنظران ناحيته في صدمة ودموع متحجرة وصوت عاجزٍ عن الخروج، ودقات قلبٍ صارخة خوفاً من الخسارة... خسارة جديدة ستكون سبباً في النهاية هذه المرة، لقد خسر هو الآخر الكثير من قبل... لن يسمح هذه المرة... مستحيل."


****

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-05-22, 10:51 PM   #26

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل العشرون


"وفي المشفى، كان رامي يجلس بمفرده ينتظر والديه بعد أن بعث إليهما رسالة بما حدث وبمكان المشفى.
كان يشعر بالقلق الشديد لأجل رامز الذي أدى سقوطه من فوق الفرس إلى كسر ذراعه الأيمن وكسر ضلعٍ من ضلوعه.
هذه هي المرة الأولى التي يشعر فيها بشدة كرهه وحنقه على هذا العجز الذي أصابه منذ خمسة وعشرين عاماً ولا يريد أن يرحل عنه.
لو كان قادراً على النطق لكان استطاع تنبيهه لتلك السرعة الخطرة التي كان يركض بها، لكان استطاع إنقاذه. شعر بضيق شديد وهو يريد أن يدخل ليطمئن عليه ولكنه لا يستطيع.
وجد نفسه يخرج هاتفه ويبعث برسالة إلى شمس كي تكون إلى جواره الآن، هي الوحيدة التي ستطمئنه، وبالفعل وصلت سريعاً لأن عنوان المشفى كان قريباً من منزلها.
عندما رآها، قام من مكانه وهمَّ باحتضانها فوراً لتشعر هي بخوفه وقلقه فتحتضنه هي الأخرى في حنان لم يعرفه منذ سنوات إلا معها هي فقط، نظرت إليه لتشير متسائلة"
- إيه اللي حصل يا رامي؟

"أشار لها في حزن بكل ما حدث وكيف أن إسعافه الصحيح له هو ما ساعد في إنقاذه، ثم ختم حديثه مشيراً"
- كان نفسي أقدر انقذه، عالأقل انبهه قبل ما كل ده يحصل

"أشارت في حنان"
- أنت فعلاً أنقذته، ماتخافش، هيكون كويس صدقني

"وصلت والدته إلى المشفى في خوف وفزع حتى رأته لتتوجه ناحيته وتسأله في خوف"
- إيه اللي حصل؟ رامز جراله إيه؟

"أشار رامـي في تعب"
- كنا في المزرعة بنتسابق بالخيول وبعدين فجأة وقع من فوق أسير، الدكتور قال إن حصله كسر في دراعه اليمين وكسر في ضلع وكدمات

"شهقت رقية باكية لتجد يديه التي احتضنت كتفيها في حنان لم يعرفه سوى لها وحدها، التفتت خلفها لتجده وقد أتى من بعدها ورأى إشارات رامـي بكل ما حدث ليعتصره هو الآخر الخوف والقلق لأجل ذلك الأحمق الذي لا يزال يظن أنه لا يعني له شيئاً، قال في هدوئه القوي"
- ماتخافيش يا رقية! أنا عارف إنه هيبقى كويس

"انفتح الباب ليخرج منه رامز الذي كان نائماً فوق السرير المتنقل ليتوجه به الممرضين إلى غرفته، ركضت رقية ناحيته في خوف ولهفة لتمسك بيده وتقول بصوتٍ باكٍ"
- رامز!

"قال الطبيب مطمئناً إياها والبقية"
- ماتقلقوش! هو دلوقتي هيفضل نايم بسبب المسكنات اللي اديناهاله عشان الألم، الحمد لله الإصابات مش خطيرة، وهيتحسن في أقرب وقت، عن إذنكم!

"مر بعض الوقت وهم يجلسون خارج غرفته حتى لا يزعجونه ليرتاح، نزل رامـي مع شمس إلى الأسفل بينما كانت رقية تجلس وإلى جوارها سليم.
نظرت إليه في عجز وضعف سببه خوفها لأجل صغيرها لتهمس قائلة في حزن"
- كنت خايفة ماتبقاش جنبه دلوقتي

"نظر لها لترتسم ابتسامة مريرة عل وجهه وهو يقول بهدوء مؤلم"
- ده ابني يا رقية!... أنا مش وحش للدرجة دي

"نظرت إليه قبل أن يخرج صوتها ضعيفاً يجاهد لئلا يبكي وهي تقول"
- عارفة... عشان كده ماتخيلتش إنك ممكن تعمل كل ده

"ثم حادت بنظرها عنه قبل أن تقول بخفوت"
- ماينفعش تتخلى عنه أبداً

"رد قائلاً"
- أنا كمان ماتخيلتش إنك ماتفهمينيش زيهم

"نظرت إليه ليتبع بنفس هدوئه"
- أنتِ كمان بتفكري زيه؟ بجد فاكرة إنه مايفرقش عندي؟ وإني هفرح في أي حاجة وحشة تحصله؟

"ثم صمت قبل أن يتبع بصوت مملوء بالمرارة والألم"
- أنتِ فعلاً شايفاني بالصورة دي لدرجة إنك ندمانة على كل اللي كان بيننا؟

"نظرت إليه بعينين دامعتين لينهي حديثه المؤلم متسائلاً في حذر"
- كان يا رقية؟

"أشاحت بنظرها عنه ولم تستطع منع دموعها من الانهمار قبل أن تعاود النظر إليه وتقول بصوتٍ باكٍ مقررة أن تبوح بكل ما اخفته لسنوات"
- إيه اللي وصلناله ده؟ ليه؟ أنا كنت فاكرة إني لما امشي كل حاجة هتتصلح، وكلنا هنبقى كويسين، ليه كلنا بندفع التمن لغاية دلوقتي؟ ليه السعادة اللي عيشتني فيها ماكملتش؟ ليه اتغيرت؟ وليه ماقدرتش انسى؟ ليه خوفتني لدرجة إني ماكنتش قادرة ارتاح معاك ولا قدرت ارتاح وأنت بعيد؟ ليه مش قادرة اكرهك بعد كل اللي حصل واللي لسة بيحصل؟ ليه ولادنا هما اللي بيتأذوا وبيدفعوا التمن لغاية دلوقتي؟ جاوبني يا سليم!... ليه؟

"وجد نفسه يحتضنها بقوة اشتياقه إليها الذي كان يعذبه طيلة خمسٍ وعشرين سنة كان الألم هو كل ما يملؤها.
كان يريد أن يعتذر عن كل شيء دون كلمة مثلما كان يفعل لأجلها الكثير ويخبرها الكثير دون كلمة، مجرد حضنٍ دافئ كهذا كان كفيلاً بكل شيء فتخرج كلمته من بعده قوية وصادقة، وهي أعلم الناس بذلك... هي أعلم الناس بعذابها.
كانت تعلم أنه لا يخبرها إلا صدقاً، كل كلمات الحب والاعتذار كانت صادقة غير مجاملة أو منافقة.
لم تكن تعلم كيف يكون صادقاً في كل ما يشعره وما يفعله حد الخيانة والوجع، كيف يمكنه أن يجمع بين كل شيء ونقيضه بتلك القسوة... بذلك الحب؟
لم تستطع هي أن تبتعد، وكيف تبتعد عن كل ما احتاجته لسنوات ولا زالت تحتاجه حتى هذه اللحظة؟
شعرت في داخلها بالألم لهذا القلب الذي لطالما قد خذلها بشأنه حتى لا تنساه، إنها حتى لا تدري كيف استطاع عقلها أن يتغلب عليه لتبتعد، ولكنها ممتنة، لولا ذلك الفراق لما شعرت بصدق هذه اللحظة كما تشعر بها الآن، خرج صوته هادئاً مريراً وهو يقول"
- أنا كمان اتأذيت، وبدفع التمن بقالي سنين وأنتِ بعيد

"انهمر المزيد من دموعها وهو يتبع"
- لو الزمن رجع بينا تاني ماكنتش هسيبك لحظة، ماكنتش هأذيكي أبداً

"رفعت رأسها إليه لتطالعه بنظرات متألمة ليمسح دموعها بيده وهو يقول أخيراً"
- نفسي تسامحيني يا رقية!

"أغمضت عينيها بقوة لتعاود فتحهما وهي تقول بابتسامة متألمة"
- تفتكر سهلة؟

"هز رأسه في نفي وهو يقول بابتسامة شاحبة مليئة بالندم"
- لو كانت سهلة... كنت قدرت أسامح نفسي

"ردت بهدوء شابته بعض الثقة"
- مافيش حاجة عدينا بيها كانت سهلة، الوقت يمكن يداوي حاجات كتير

.....

"انتهى وقت الزيارات، وكان على الجميع أن يرحل لكي يأتوا غداً في موعد زيارة اليوم التالي، ولكنها استطاعت أن تصل إلى الطابق الموصل لغرفته بعد أن بذلت مجهوداً في التسلل من طابق لآخر حتى تصل إليه.
لم تصدق ما تداولته الصحف الإلكترونية عن خبر دخوله المشفى إثر إصابة نتيجة الوقوع من فوق فرس، فلقد صادف يوم دخوله المشفى وجودَ أحد الصحفيين والذي علم ما حدث من إحدى الممرضات الثرثارات ليقوم بعدها بنشر الخبر فوراً.
وبمجرد أن علمت حتى خرجت من منزلها كالمجانين لتذهب إليه، لم تفكر في احتمالية وجود أحدٍ من عائلته معه ولم تفكر حتى في احتمالية وجود ندى، كل ما فكرت به هو أن تطمئن عليه فقط.
وصلت إلى الغرفة أخيراً وفتحتها في هدوء لتجده نائماً بمفرده، أغلقت الباب خلفها ثم تقدمت ناحيته لتجلس على الكرسي المجاور لسريره، انهمرت دموعها عندما رأته بتلك الحالة، ما الذي أصابه؟ هل يتألم الآن؟
كانت تحاول معرفة أخباره من بعيد طوال تلك الفترة الماضية، وعلى الرغم من أنها لم تكن تسمع عنه شيئاً سيئاً إلا أنها كانت تشعر بالقلق، كانت تعلم أنه ليس على ما يرام، كانت تعلم أنه لم يجد الراحة بعد.
أحياناً كان يقودها جنونها للتفكير في الذهاب إليه واحتضانه دون كلمة لترحل بعدها وكأن شيئاً لم يكن، ولكنها كانت تمتنع عند اللحظة الأخيرة، لا يجب أن يراها ثانيةً بل لا يجب هي أن تفعل. يجب أن تتركه كي تستقر الأمور... على الأقل بالنسبة إليه...
والآن... هو أمامها، ماذا عليها أن تفعل؟ هل ترحل بعد أن رأته أم تبقى؟
نظرت إلى يده الممددة جواره وهي تجاهد قلبها الذي يدفعها لكي تمسك بها كي تخمد هذا الحنين الكاسح الذي يقتلها منذ أن تركها.
تذكرت ذلك اليوم الذي كانت هي في مكانه وهو إلى جوارها يشتاقها ويحتاجها، ودون أن تشعر وجدت نفسها تمسك يده بقوة احتياجها له الآن لتغمض عينيها محاولة أن توقف دموعها لتفتحهما سريعاً عندما وجدت يده تمسك بيدها لتنظر إليه فتجده ينظر إليها نظرة كانت كافية بالنسبة لها كي تتراجع عن كل ما أخبرته به في آخر مرة وعن قرارها بالابتعاد.
هل يمكن لمجرد نظرة أن تحتضن جسداً وروحاً يحترقا فتجعل نار اشتياقهما برداً وسلاماً؟ نظرته هو تفعل.
ساد الصمت بينهما للحظات لم تستطع فيها أن تنطق بأي شيء، كانت فقط محتفظة بيده في يدها حتى قبَّلتها لتعاود النظر إليه ثانية ليقطع هو الصمت قائلاً في هدوء"
- وحشتيني يا حلوة!

"عادت دموعها لتنهمر ثانيةً ليتبع"
- ازاي عرفتي إني هنا؟

"نظرت إليه بعينين دامعتين لتقول"
- شفت الخبر على النت

"ثم سألته بصوت باكٍ"
- ازاي وقعت من فوق أسير؟

"ابتسم ابتسامة واهنة ليقول"
- كنت بفكر فيكي

"عادت دموعها تنهمر ثانية ليحاول هو مسحها بيده وهو يقول بابتسامته الهادئة"
- لسة بتعيطي من كل جملة يا نانسي!

"ردت محاولة السيطرة على دموعها"
- عشان حاسة إني السبب

"قال في حنان"
- عمرك ما كنتي السبب في أي أذى، كنتي دايماً سبب في راحتي

"ثم اتبع بعد أن لاحظ ارتدائها للملابس السوداء"
- أنتِ ليه لسة لابسة أسود؟

"أخفضت بصرها وهي تقول في حزن"
- مش قادرة ألبس حاجة غيره بعد كل اللي حصل

"أغمض عينيه في ألم وقد تذكر كل ما حدث ثانيةً ثم عاد ليفتحهما وهو ينظر إليها ليقول"
- أنا آسف يا نانسي! أنا...

"قاطعته قائلة بهدوئها الواثق"
- أنت كمان عمرك ما كنت سبب أي أذى، أنت كنت دايماً سبب في راحتي

"ابتسم في هدوء قائلاً"
- أنا آسف لأني ماقدرتش أقدملك الراحة قد ما قدمتلك الأذى

"وضعت يدها فوق فمها محاولة السيطرة على بكائها، قال"
- ماتلبسيش الأسود تاني، مش ده اللي يليق عليكي

"ردت متسائلة"
- إيه اللي يليق عليا؟

"ابتسم قائلاً"
- قرَّبي!

"اقتربت منه كثيراً ليهمس في أذنها ببعض الكلمات التي رسمت على وجهها ابتسامة لتنظر إلى وجهه الذي ارتسمت عليه ابتسامة ماكرة لم تخذله حتى في وضعه هذا، وتقول"
- أنت قليل الأدب!

"ضحك ضحكة جعلته يتألم لتقول هي في لهفة"
- ماتضحكش عشان الوجع مايشدش عليك

"ابتسم قائلاً"
- أنا كويس، ماتخافيش

"نظرت إلى الساعة أمامها لتنظر إليه ثانية وتقول"
- أنا لازم امشي قبل ما حد من المستشفى يجي

"أمسك بيدها ليقول"
- خليكي معايا الليلة دي

"نظرت إليه لتقول في حيرة"
- بس ممكن حد يشوفني

"قال غير مبالياً"
- مش مهم، مش أنتِ عايزة تكوني معايا؟

"نظرت إليه في حزن لتقول"
- أنت دايماً بتصعبها عليا

"مسح بيده على وجنتها وهو يقول بهدوء"
- اعتبريها ليلة وداع تانية

"نظرت إليه دون رد قبل أن تومئ إيجاباً وتسند رأسها على المساحة الفارغة جواره ليمسح بيده على رأسها مستمتعاً للغاية بحركة يده بين خصلاتها الحمراء، قال أخيراً"
- غنيلي الأغنية اللي غنيتيهالي قبل كده يا نانسي!

"ثم أغمض عينيه وهو يستمع إلى صوتها الحنون الذي بدأ في الغناء بهدوء حتى نام أخيراً عند إحدى جمل الأغنية التي قالتها في هدوء ضائع ومشتت لتنام هي الأخرى من بعده"
- "نارك جنة ولعانة، شو اللي علقني فيك؟"

.....

"في صباح اليوم التالي، فتحت نانسي عينيها لتجده لا يزال نائماً، أمسكت يده لترفعها عن رأسها وتضعها جواره ثانيةً بهدوء حتى لا يستيقظ، أمسكت بحقيبتها ثم قامت من مكانها لترحل بعد أن قبَّلته مودعة إياه للمرة الثانية كما قال.
خرجت من الغرفة لتجد الطابق فارغاً مما يعني أن أحداً من عائلته لم يأتِ بعد، تنهدت في ارتياح وهي تسير حتى وصلت إلى آخر الممر لتمر إلى جوار ندى التي استوقفتها قائلة"
- لو سمحتي!

"نظرت إليها نانسي قائلة"
- ايوة!

"سألت ندى وهي تبحث بعينيها عن الغرفة"
- اوضة رقم 304 فين؟

"صمتت نانسي فجأة وهي تنظر إليها، هل هذه هي... ندى؟ حاولت أن تبدو طبيعية لتقول"
- اعتقد في آخر الممر

"لاحظت ندى نظراتها الغريبة إليها ولكنها لم تفكر كثيراً بل قالت بابتسامة خفيفة"
- شكراً جداً!

"اومأت نانسي لها بابتسامة مشابهة قبل أن ترحل وهي تود الهرب من هذا الموقف الغير متوقع، بينما تقدمت ندى في السير حتى وصلت إلى آخر الممر ووجدت الغرفة.
توقفت يدها على المقبض وقد حثها عقلها على التراجع محاولاً إسكات قلبها الذي نجح في دفعها حتى أتت إلى هنا بعدما أخبرتها شمس بكل ما حدث في الأمس.
حينها شعرت بقلبها الذي ارتعب خوفاً عليه ولم تستطع النوم وهي تحاول حسم ذلك الصراع الذي كان بين أمرين... إما أن تتجاهل ما سمعت بما أن كل شيء قد انتهى بينهما، أو تأتي كي تطمئن عليه، وانتهى الصراع أخيراً بمجيئها إلى هنا لتكتشف أنه ليس بعد.
عليها أن تحسم صراعاً جديداً الآن... أتدخل إليه أم لا؟ وبعد دقائق قليلة، حسمته أخيراً لتفتح الباب، وتدخل إليه لتجده نائماً.
ذراعه اليمنى مُجبَّسة، وصدره محاط بدعامتين مثبتتين بالشاش كي لا يتألم عند الحركة، وضعت يدها على فمها كي تكتم شهقتها المتألمة لأجله، كيف حدث هذا فجأة؟
اقتربت ناحية سريره ببطء لترى وجهه الذي كانت علامات التعب بادية عليه بوضوح، في تلك اللحظة شعرت بأنها قد نسيت كل شيء حدث من قبل، شعرت بأنها لا تريد تركه أبداً.
وجدته يفتح عينيه ببطء ليراها أمامه، شعرت حينها بارتباك كبير ورغبة في الهرب، لم يكن عليه أن يراها... لقد كانت تنوي رؤيته وترحل دون أن يعرف، همس قائلاً"
- ندى!

"شعرت بأن ارتباكها يزداد فحاولت الحديث قائلة وهي تضع خصلات قليلة من شعرها خلف أذنها"
- أنا... أنا عرفت اللي حصل من شمس، وجيت... عشان...

"صمتت فجأة ولم تدرِ ماذا تقول ليكمل هو جملتها قائلاً بهدوء"
- تطمني عليا

"كانت جملته جواباً أقرب منها إلى السؤال، قالت متجاهلة إجابته"
- ازاي... ده حصل؟

"ابتسم ابتسامة شاحبة وهو يقول"
- أسير كان زعلان مني، وأنا ماقدَّرتش زعله... ودي كانت النتيجة

"وضعت خصلات أخرى خلف أذنها ثانيةً لتقول رغماً عنها"
- كان لازم تقدَّر زعله، مش أنت بس اللي بتزعل

"اومأ برأسه قائلاً بغموض"
- معاكي حق

"ساد الصمت بينهما قبل أن تقول هي"
- أنا لازم امشي... سلامتك!... مع السلامة!

"وعندما استدارت لتتجه ناحية الباب أوقفها قائلاً"
- فين دبلتك؟

"نظرت إلى يدها اليمنى لتجد أنها نسيت ارتداء الخاتم قبل أن تخرج من المنزل، أغمضت عينيها بشدة وهي تحاول التفكير في كذبة مقنعة كي تقولها ليقطع هو تفكيرها قائلاً"
- أنتِ ماتخطبتيش يا ندى!

"مرة أخرى... نفس الطريقة التي تشعرها وكأنه ليس في حاجة كي يسألها عن أي شيء، هو يعلم كل ما يدور برأسها جيداً، التفتت إليه ببطء ليتبع قائلاً في هدوء"
- بس كدبتك نجحت

"ابتسمت في سخرية لتقول"
- أنت شايف كده؟

"قال بابتسامة مريرة"
- أكيد... وإلا ماكانش زماني هنا دلوقتي

"قالت ولم تختفِ ابتسامتها الساخرة التي تزينت بالألم"
- يعني عرفت إحساس الخيانة عامل ازاي؟

"قال ولم تختفِ ابتسامته هو الآخر"
- أنا عارفه من زمان، عارفه لدرجة إني مش قادر اعتذرلك

"التمعت عيناها بدموعٍ أبت أن تنزل أمامه ليتبع"
- لكن الحاجة الوحيدة اللي أقدر اقولهالك... إني بجد حبيتك

"قالت في ألم"
- تفتكر هتفرق؟

"ابتسم بهدوء قائلاً"
- يمكن... بس اللي يفرق معايا أكتر إنك تكوني عارفة ده كويس...

"نظرت إليه دون رد للحظات سقطت فيها دمعة هاربة من عينيها ليتبع جملته قائلاً في ثقة وهو ينظر في عينيها الحائرة المتألمة"
- زي ما أنا عارف إنك بتحبيني... حتى لو فضلتي بعيد عني

"لم تستطع إلا أن ترحل دون أن تلتفت مرة أخرى هاربة من كل الحيرة والألم اللذان لا يجيد إشعالهما أحدٌ غيره."

.....

"خرجت ندى من الغرفة لتجد رامـي ووالدته قد أتيا لزيارته أيضاً، قالت رقية"
- ازيك يا ندى؟

"ارتبكت ندى قليلاً قبل أن تومئ برأسها قائلة"
- الحمد لله بخير

"ثم اتبعت في ارتباك"
- أنا كنت جاية عشان ازور رامز، عن إذنكم

"ثم رحلت سريعاً تحت أنظارهما المتعجبة من وجودها، نظرت رقية إلى رامـي مشيرة"
- هما رجعوا لبعض؟

"هز رأسه نفياً ليزداد تعجبها، ولكنها تجاهلت الأمر لتتقدم ناحية باب الغرفة وتدخل إليه لتجده مستيقظاً، توجهت ناحيته في لهفة قائلة"
- رامز! سلامتك يا حبيبي!

"ابتسم رامز قائلاً"
- الله يسلمك يا ماما

"قالت متسائلة"
- احكيلي ازاي ده حصل

"رد رامز مفسراً"
- كنا بنتسابق أنا ورامـي، وأنا جريت أسرع من اللازم

"قالت في ضيق معاتبة إياه"
- ليه كده يا رامز؟ كان هيجرى إيه بقى لو حصلك حاجة أكبر لا قدر الله؟

"قال رامز ممازحاً إياها"
- ماتخافيش ما أنا كويس اهو يا روكا!

"قبَّلت وجنته قائلة"
- الحمد لله يا حبيبي!

"جلس رامـي على الجانب الآخر من السرير ليشير بابتسامة"
- أنا لو اعرف إن كل ده هيحصل ماكنتش هددتك إني هكسبك

"رد رامز بابتسامة"
- هثبتلك لما ابقى كويس

"قالت رقية سريعاً"
- ايه اللي بتقولوه ده؟! لا انسى خالص السباق ده دلوقتي، انتو الاتنين خلاص تعبتوني، مالحقتش اهدى من حادثة رامـي وبعدين تيجي إصابة السباق دي، مستحيل تعملوا كده تاني، مفهوم؟

"قال رامز مهدئاً إياها"
- ماتقلقيش يا ماما! مش هنعمل كده تاني أبداً

"ثم قال موجهاً حديثه إلى رامـي مزيناً إياه بغمزة ماكرة"
- صح يا رامـي؟ مش سلامتنا أهم حاجة برضو؟

"فهم رامـي مقصده جيداً ليشير"
- أكيد

"نظرت إليهما في حنق وقد فهمت لعبتهما لتقول"
- نصابين!

"طرق سليم الباب قبل أن يفتحه ليدخل إليهم، تعجب رامز من وجوده فقد توقع أنه لن يأتي على الرغم من أنه كان يتمنى في نفسه لو يفعل.
شعرت رقية أنه سيكون من الأفضل لو تركتهما بمفردهما كي يتحدثا، التفتت إلى رامـي وهي تشير"
- رامـي! تعالى ننزل الكافيتريا سوى نجيب حاجة تتشرب

"اومأ رامـي برأسه لها وقد فهم قصدها جيداً ليخرجا سوياً من الغرفة، جلس السيد سليم على الكرسي المجاور له وقال"
- حمد لله على سلامتك يا رامز!

"نظر له رامز قبل أن يقول بهدوء حذر"
- الله يسلمك

"ساد الصمت بينهما قبل أن يقطعه رامز قائلاً"
- شكراً إن حضرتك جيت

"ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجهه أشعرت رامز بمدى بلاهة ما تفوه به للتو وهو يقول"
- لا شكر على واجب

"ثم اتبع متسائلاً"
- أنا عايز اسألك سؤال، أنا لما كلمتك آخر مرة عشان اعزيك... بجد كنت مصدق إني فرحان؟؟

"ظل رامز صامتاً ولم يدرِ ماذا يقول ليتأكد ظن والده، حاول التحدث قائلاً"
- أنا...

"ثم صمت فجأة ليقول والده"
- أنا ماكنتش اتخيل إنك تكون بالغباء ده

"نظر له دون رد ليتبع والده قائلاً في هدوء مليء بالقوة"
- أنا مش هنكر إني غلطت لما حاولت اكرّهك في رقية، وغلطت لما حاولت اهتم بأخوك اكتر عشان احاول أمحي جواه أي ذرة كره ناحيتي بعد اللي حصل، وغلطت لما انشغلت بنفسي عنكم لما كبرتوا، لكن اللي لازم تفهمه كويس إني ماحبيتش حد فيكم اكتر من التاني، وحتى لو كنت بنيت على رامـي أحلام كتير زمان فلازم تعرف إن أنت ماكنتش برة أي حاجة أنا حلمت بيها

"ظل رامز صامتاً ليتبع والده قائلاً"
- أنا ماكنتش اقدر اجبر رقية تبقى معايا غصب عنها، وماكانش ينفع اسيب رامـي يخرج برة الأحلام اللي رسمتها زمان، وماكانش ينفع اسيبك لأنك كنت الحاجة الوحيدة اللي خلتني اتحمل غيابها السنين دي كلها من غير ما ارجعها بالعافية عشان ماتبقاش بعيد عني

"قال رامز في خفوت"
- كنت بتفكر في نفسك بس

"رد والده في قوة"
- أيوة، قلتلك إني مش هنكر حاجة، لكن ده مالغاش قيمتكم عندي أبداً، ولازم تعرف إنك لو فعلاً ماتفرقش معايا أنا ماكنتش فضلت سنين بحاسبك على غلطاتك اللي مابتخلصش، وماكنتش هشغل نفسي بإني أحاول أبعد نانسي عنك، وماكنتش هكلمك اعزيك في ابنك

"نظر له رامز وقد لفتته تلك الكلمة ليقول والده مؤكداً تفكيره"
- أيوة... ابنك، مش مهم إذا كنت أنا مقتنع ولا لا، بس بعد كل اللي حصل ده كفاية إن أنت مقتنع، وأنا ماكانش ينفع اعرف إنك موجوع على موته من غير حتى ما اكلمك

"ثم صمت للحظات قبل أن يفجِّر مفاجأته قائلاً"
- زي ما بعدت سالي عن البلد كلها عشان ماتبقاش سبب في أذاك بعد اللي حصل بينكم

"نظر له رامز في صدمة ليبتسم والده قائلاً"
- كنت فاكر إني مش عارف؟ أنت فاكر إني طلقت سالي بس عشان خلاص دورها خلص عندي؟ فاكر إني ماعرفش حصل إيه بينها وبين رامـي؟ وماعرفش إنها بعد طلاقنا ماعرفتش تروح فين فراحتلك أنت؟

"ألجمت الصدمة لسانه، لأول مرة يتمنى لو تبتلعه الأرض ويختفي حتى لا يظهر أمام والده بهذه الصورة المخزية، حاول أن يتحدث قائلاً"
- أنا...

"قاطعه والده قائلاً"
- أنا مش بقولك الكلام ده عشان احاسبك على حاجة، كفاية إنك ماخنتنيش وهي مراتي يا رامز! أنا بقولك الكلام ده عشان تعرف إنك فارق معايا، وإني ممكن اعمل أي حاجة عشان ماخسركش... لإنك ابني مهما حصل ومهما غلطت

"نظر له في ألم ليقول في خفوت"
- أنا آسف

"ربت والده على يده قائلاً بابتسامة هادئة"
- مايهمنيش تعتذر ولا لا، يهمني إنك تكون مصدق كلامي، ولما تخرج من هنا ترجع البيت زي ما هترجع الشركة في مكانك زي الأول، مفهوم؟

"صمت رامز وهو يشعر بأنه قد أخطأ الحكم تماماً، ما فعله والده الآن جعله يشعر بالخجل من نفسه، إنه يحبه حقاً، معه حق... كيف كان بذلك الغباء؟ وجد نفسه يقول أخيراً بابتسامة"
- مفهوم يا بابا!

.....

"مرت فترة تحسنت فيها حالة رامز وأصبح بإمكانه مغادرة المشفى، وبالفعل قد غادرها ليعود إلى قصر والده كما اتفقا. كانت والدته حزينة لأنه سيغادر المنزل ولكن عزاءها كان رؤيتها لعودة الأمور لطبيعتها مع والده.
وبشكل عام قد تحسنت الأمور عما قد علمت في البداية، كما أنها تشعر بأن سليم قد تغيَّر للأفضل أو بمعنى أدق... لقد عادت تلك النسخة التي أحبتها في البداية مجدداً.
لطالما أجاد كلا جانبيه بمهارة لا يجيدها سواه إلى درجة كانت تجعل كل جانب قادراً على أن ينسيها الآخر ليفاجئها ثانيةً بالظهور.
أما عن رامز، فقد شعر براحةٍ كبيرة عندما عاد إلى القصر... منزله ثانيةً، شعر بأن ذلك الجزء الموجوع في داخله بسبب الخوف من الفراق والخسارة قد بدأ يهدأ، لقد عادت عائلته مجدداً كما الماضي.
مع ذلك، وفي قرارة نفسه، كان يتمنى لو تكتمل هذه السعادة بوجود والدته، وبوجود ندى إلى جواره، ولكنه كما أخبرها... لا يستطيع حتى تقديم الاعتذار وطلب الصفح، فبالرغم من حبه لها كان يعلم أنه يجب أن يبتعد... لعله يفسح الطريق لمن يستحقها أكثر منه.
لذلك قام بقبول طلب استقالتها الذي كان لا يزال محتفظاً به قبل أن يترك شركة أخيه ليعود إلى شركة والده مجدداً.
وفي أحد المرات، عندما ذهبت ندى إلى الشركة، قابلت كرم في أحد الطوابق ليتعجب هو من وجودها، ابتسمت قائلة"
- صباح الخير يا كرم بيه!

"ابتسم قائلاً"
- صباح النور يا ندى!

"ثم اتبع متسائلاً"
- أنتِ بتعملي إيه هنا؟

"نظرت إليه دون فهم ليلاحظ ذلك ويقول"
- أنتِ ماتعرفيش إن استقالتك اتمضت؟

"نظرت إليه في صدمة لتقول"
- ازاي؟

"قال كرم وهو لا يفهم صدمتها"
- رامز... رامز مضاها قبل ما يسيب الشركة هو كمان

"اتسعت عيناها في صدمة أكبر، هل ما تسمعه صحيحاً؟ قد ترك الشركة؟ انقطعت افكارها على صوت كرم القائل"
- في مشكلة؟

"نظرت إليه قبل أن تهز رأسها في نفي وهي تقول بصوت جاهد أن يخرج واضحاً"
- أبداً، عن إذنك!

"ثم ذهبت من أمامه لتمسك بهاتفها وتتصل بشمس"
- ألو! ازيك يا ندى؟

"قالت ندى سريعاً"
- شمس! أنا عايزة اشوفك دلوقتي

"لم تفهم شمس سر غرابة لهجتها وتوترها، قالت"
- بس أنا في الشغل دلوقتي، ممكن نتقابل بعد الشغل

"لم يصلها رداً من جانب ندى التي ظلت صامتة وهي تجاهد كي لا تبكي، قالت شمس في قلق"
- في ايه؟ أنتِ كويسة؟

"قالت ندى محاولة أن تبدو طبيعية"
- كويسة... قوليلي بس... هو رامز رجع الشركة عندكم؟

"ردت شمس وقد فهمت سر هذا التوتر"
- لا، أنتِ عارفة إنه لسة تعبان، مش قبل اسبوعين عشان يرجع

"عادت ندى لصمتها ثانية قبل أن تقول"
- طيب أنا هبقى استناكي ادام الشركة بعد الشغل

"اومأت شمس قائلة"
- تمام... مع السلامة!

.....

"وفي نهاية يوم العمل، كانت ندى تتوقف بسيارتها أمام الشركة في انتظار شمس. مر بعض الوقت حتى وجدتها تخرج إليها حتى وصلت إلى سيارتها وركبت إلى جوارها وقالت بابتسامة"
- اديني جيت اهو! هنروح فين؟

"ردت ندى قائلة"
- خلينا نروح أي كافيه نشرب حاجة ونتكلم

"ذهبا إلى أحد المقاهي لتروي لها ندى ما حدث معها في الصباح وشمس تستمع بإنصات وهي تشعر بضيقها لما فعل، ختمت ندى حديثها أخيراً"
- ليه عمل كده يا شمس؟

"صمتت شمس للحظات قبل أن تقول"
- أنتِ ليه زعلانة؟ أنتِ مش كنتي عايزة تمشي؟

"قالت ندى في ضيق"
- مش بالطريقة دي، أنا عايزة افهم حصل إيه

"ردت شمس قائلة"
- اعتقد هو اللي يقدر يجاوبك

"سألتها ندى في حذر"
- قصدك اقابله؟

"اومأت شمس برأسها لتصمت ندى قبل أن تهز رأسها نفياً وهي تقول"
- لا يا شمس! مش هقدر

"ثم صمتت للحظات قبل أن تقول بخفوت"
- مش هقدر اشوفه تاني بعد آخر مرة

"نظرت إليها شمس في تعجب متسائلة"
- أنتِ زرتيه في المستشفى؟

"أخذت تروي لها كل ما حدث وهي تحاول ألا تبكي، وشمس تستمع إليها بتأثر حتى انتهت ندى من روايتها قائلة في ألم"
- أنا متلخبطة ومش عارفة اعمل إيه

"صمتت شمس ولا تدري ما الذي تقوله، قالت ندى بعينين دامعتين"
- ده حتى ماحاولش يعتذر عن كل اللي عمله، كل الكدب والخيانة دي مايستاهلوش اعتذار؟

"سألتها شمس بهدوء"
- هتفرق؟ كنتي هتصدقيه وتسامحيه؟

"ردت ندى في إصرار"
- مش مهم كنت هعمل ايه بس أحس إنه ندمان عالأقل

"قالت شمس محاولة إيجاد تفسير لموقفه"
- بس هو فعلاً ندمان، وشايف إن حتى اعتذاره مش هيعمل حاجة قصاد كل اللي عمله، أنا حاسة إن عدم اعتذاره ده جزء من ندمه

"ظلت ندى صامتة لتتبع شمس قائلة"
- أنا فاهمة كويس إن الموقف مش سهل، بس حتى لو ماسامحتيهوش وحتى لو دي كانت النهاية، أنا حاسة إنك محتاجة تتكلمي معاه

"قالت ندى بصوتٍ باكٍ"
- ما أنا اتكلمت، إيه اللي حصل؟

"ردت شمس قائلة"
- اللي حصل إنه أكدلك تاني إنه بيحبك، رامز صحيح غلط، بس بعد كل المدة اللي احنا عرفناهم فيها دي أنا شايفة إنه مش من النوع اللي محتاج يكدب بمشاعر مش حاسسها عشان يكسب غيره

"كادت ندى أن تتحدث قبل أن تقاطعها شمس قائلة وهي تعلم تماماً ردها"
- عارفة هتقولي إيه، بس هو خبى لإنه كان خايف يخسرك، لو كان بيحاول يستغلك ماكانش هيبذل مجهود معاكي بعد ما عرفتي الحقيقة لإن كده اللعبة هتكون خلصت خلاص، وأنا قلتلك إن ظروف جوازه كانت مختلفة وماكانش ادامه حل تاني غير كده، علاقته بنانسي كانت هتنتهي فعلاً من قبل ما علاقتكم تبدأ لولا إنها بقت حامل، من غير حملها ماكانتش هتبقى في حياته تاني خلاص

"صمتت ندى قبل أن تقول في ألم"
- وسالي؟ ظروف مختلفة برضو؟

"ردت شمس في أسف قائلة"
- هي دي الغلطة فعلاً، لكن خلاص خلصت، ولو ماكانتش خلصت ماكانتش هتكلمك وتقولك كل حاجة، سالي كانت عايزة تنتقم منه هو ورامـي بعد كل اللي حصل

"ظلت ندى صامتة ودموعها تنهمر لتمر دقائق قليلة حتى نظرت إلى شمس لتتبع الأخيرة مشجعة إياها"
- فكري في كلامي يا ندى! وروحي قابليه وأنتِ مقررة إنك هتحسمي كل حاجة في المقابلة دي، يا هتكملوا سوى يا تبعدوا خالص، لكن ماتفضليش في الحيرة دي

.....

"مرت فترة، كانت فيها ندى في حيرة من أمرها، كانت لا تدري أتذهب أم لا، إن ذهبت ماذا ستقول؟ وإن لم تذهب فكيف تُنهي حيرتها بمفردها؟
لا يزال آخر حديثٍ بينها وبينه يشغلها، لقد أكَّد مجدداً على حبه لها، لماذا يفعل إن كان كاذباً؟ ومن أين له بكل تلك الثقة التي تحدَّث بها عن حبها له؟ من أين له بتلك القدرة الغريبة على قراءتها رغماً عنها؟ وللأسف كل ما يقرأه صحيح.
هي لم تستطع حتى الآن أن تتغلب على قلبها الذي لا يكف عن تذكيرها به... بذلك الذي استطاع أن يوقعها في حبه منذ اللحظة الأولى، وعلى الرغم من أنه لا يزال مجروحاً مما فعل به إلا أنه لا يزال يوجد جزءٌ يدفعها كي تمنحه فرصة أخرى.
عاد عقلها ليثور عليها مرة أخرى... لا يجب أن تثق ولا أن تمنح أي فرص، يكفي ما حدث، عليها الابتعاد، وبين حنين هذا وثورة ذاك، حسمت قرارها بالذهاب إليه حتى ولو لم تعرف ماذا تخبره."

***

"في عطلة آخر الأسبوع، كان واقفاً في حديقة القصر وحده عند ركن الأزهار يسقيها بعد أن تركته والدته للتو، فلقد دعاها والده كي تقضي معهم يوم العطلة، وقد استعادا سوياً تلك الذكريات عندما كان يساعدها في سقاية الأزهار في صغره ويحفر حفراً جديدة ليضع فيها البذور لأزهار أخرى.
لقد أخبرهم رامـي ساعة الغداء أنه قد طلب الزواج من شمس وقد وافقت، لقد سعدوا كثيراً لأجله خاصة هو، كان يعلم جيداً مقدار السعادة التي تدخلها شمس في نفس أخيه، لقد تغيَّر كثيراً منذ أن أحبها وعاد كما كان في صغره قبل أن يختلف كل شيء.
كان يتمنى لو كان لديه هو الآخر ما يخبرهم به، لو لم يحدث كل ما حدث في الفترة الأخيرة لكان في يدها الآن خاتم خطبتها منه هو وليس خاتماً مزيفاً كالتي كانت ترتديه في الأيام الماضية قبل أن تنكشف لعبتها الساذجة.
لقد اشتاقها كثيراً، منذ مدة وذكرياتهما معاً تتردد على ذهنه ليبتسم ويتمنى لو يستطيع مشاكستها مرة أخرى، لكم كان يحب إثارة غيظها بكلماته كي يدخلا معاً في مباراة تزيد رصيدهما الذي توقف عند 4/2 لصالحه هو.
وجد نفسه يضحك لتلك الذكريات التي كان يتمنى لو استمرت، لمح ظلاً على الورود ليلتفت فيجدها أمامه، قلت ضحكته تدريجياً حتى تبقَّت ابتسامة هادئة على وجهه ليهمس بصوتٍ لم يخفِ حنينه قائلاً"
- ندى!

"حاولت النطق ولكنها لم تستطع، لماذا ترتبك أمامه إلى هذه الدرجة؟ شيءٌ ما في داخلها كان سعيداً لرؤيته وقد تعافى قليلاً بعد آخر مرة، على الرغم من أن ذراعه لا يزال مجبَّراً ولكنه بخير، وتأكد شعورها به في المرات الأخيرة التي رأته فيها، لقد اختلف عما سبق.
ساد الصمت بينهما قبل أن يقول وقد وضع إبريق السقاية جانباً"
- ازيك؟

"نظرت إلى ابتسامته وهي تفكر... هل أصبحت أجمل مما كانت عليه من قبل بالفعل أم أن ذلك الحنين الذي يكتسح قلبها قد زادها جمالاً كي تزداد هي حيرة وتيه؟
خرج صوتها أخيراً حائراً رغماً عنه يقول"
- مش عارفة

"ثم سرعان ما تداركت نفسها لتقول"
- كويسة... أنا كويسة

"ابتسم لها دون رد لتفهم أنه يعلم كل شيء دون أن تتحدث، قالت محاولة تجاهل كل ما تشعره من توتر"
- أنا جيت عشان... عشان اتكلم معاك شوية

"اومأ لها برأسه دون رد منتظراً إياها أن تكمل لتقول بكلمات مبعثرة عبرت عن مشاعرها المتضاربة"
- أنت... ليه مشيت؟ قصدي... ليه قبلت استقالتي؟

"ابتسم لها قائلاً"
- مش ده كان طلبك؟

"قالت في ضيق لم تستطع إخفائه"
- وأنت رفضته

"رد قائلاً"
- صح، بس بعد كده قبلته، متهيألي كده أحسن

"سألته قائلة"
- أحسن في إيه؟

"تنهد قائلاً"
- أنتِ جيتي شركة رامـي عشان أنا كمان نقلت شغلي هناك، ودلوقتي أنا خلاص رجعت لمكاني الأساسي، ومع طلبك للاستقالة قبل كده، متهيألي مابقاش في سبب يخليكي هناك

"نظرت إليه دون رد وهي تود لو تصرخ فيه وتضربه مرة أخرى، ولكنها كانت تخشى عليه مما لا يزال يعانيه من آلام حتى الآن. نظر لها للحظات قبل أن يقول في هدوء لم يدارِ حزنه"
- كمان... أنتِ من حقك تبعدي عن أي حاجة تفكرك بيَّ، يعني عشان تقدري تبدأي حياة جديدة من غير تعب

"نظرت إليه بنصف ابتسامة دون رد قبل أن تقول"
- أنت بجد حبيتني؟

"ابتسم قائلاً"
- أنتِ عندك شك في كده؟

"اومأت قائلة"
- آه يا رامز! كل اللي بتعمله بيشككني في حبك ليَّ اللي أنت بتقول إنه موجود

"نظر لها دون رد لتتبع"
- بحبك بس بخونك، بحبك بس مش هعتذرلك، بحبك بس هسيبك تبعدي عني

"ثم نظرت إليه لتقول في ضيق"
- أنت إيه بالظبط؟ إيه اللي أنت بتعمله ده؟

"نظر لها للحظات استطاعت فيها أن ترى الألم في عينيه بوضوح أكثر من أي مرة سابقة، قال"
- أنا غلطت، أنا أكتر واحد عارف اللي عملته كويس حتى أكتر منك، غلطتي ماينفعش فيها اعتذار، غلطتي مايصلحهاش غير إني اعيش طول عمري بثبتلك أنا بحبك قد إيه وندمان قد إيه، مش بس ندمان على اللي عملته فيكي... ندمان على كل اللي اتسبب في أذى غيري وأذايا أنا كمان، لكن آسف مش هتنفع

"قالت في غضب"
- وإيه اللي مانعك تعمل كده؟

"قال هو الآخر في غضبٍ مماثل"
- أنتِ اللي مانعاني، مش هقدر بعد كل اللي عملته اضغط عليكي عشان ترجعيلي، زي ما أنا عارف غلطي وعارف حبي وعارف حبك ليَّ، عارف كمان إني ماينفعش افضل محاصرك عشان ترجعي، ماينفعش أنا اللي ارجعك، أنا مش عايز اعيش وأنا شايف الخوف والشك في عينيكي ناحيتي، مش هقدر ألومك لكن كمان مش هقدر اتحمل

"نظرت إليه بعينين دامعتين ليتبع في هدوء مؤلم وقد انطفأ غضبه"
- أنا تعبت، تعبت ومابقيتش قادر اطلب منك تفضلي جنبي وأنا محتاجلك، مابقتيش حاسس إن من حقي أطالبك بأي حاجة لمجرد إنك مش قادرة تنسيني، مش عايز أكون أناني

"ساد الصمت بينهما لدقائق قليلة، لم تستطع منع دموعها من الانهمار وهي تشعر بقلبها يؤلمها أكثر من أي وقتٍ مضى.
أخفضت رأسها وهي تكتم بيدها شهقة موجوعة لتجده يقترب منها وهو يرفع رأسها إليه بيده السليمة ليرى دموعها المنهمرة التي آلمت قلبه كثيراً هو الآخر، همس قائلاً في وجع"
- ندى!

"وفجأة، وجدها تتمسك بقميصه وتدفن وجهها في صدره لتبكي دون أن تمنع دموعها هذه المرة، ضمها إليه بذراعه غير آبه بالوجع الذي يشعره الآن بسبب ضلعه المصاب.
مرت لحظات وهو يمسح بيده فوق شعرها ليسمعها تقول في غضب من بين بكائها"
- أنا بكرهك!

"ظل صامتاً قبل أن يرفع رأسها إليه دون أن يبعدها عنه ليقول وهو ينظر في عينيها الدامعتين"
- تتجوزيني؟

"نظرت إليه في صدمة من بين دموعها ولم تستطع النطق، ساد الصمت بينهما ليسألها في حذر"
- لو مش...

"وضعت يدها على فمه لتمنعه من إكمال سؤاله لتقول سريعاً"
- موافقة... أنا موافقة

"عادت عيناه لتشرق من جديد ليمسك بيدها الموضوعة على فمه ويقبِّل باطنها بعمق، بينما شعرت هي بالراحة أخيراً وقد حسمت تلك الحرب التي أجهدتها طوال تلك الفترة. لقد ذهبت الحيرة ليأتي اليقين... يقين أن لا حياة لها سوى معه هو فقط."

****

"جاء يوم العُرس، وقد اتفق كل من رامز ورامـي أن يقيما عُرسهما في نفس الليلة وقد وافقت كل من ندى وشمس فوراً فقد كانت تلك هي أمنيتهما منذ الصغر.
وبالفعل قد قاما بتحضير حفلة عُرس كبيرة حضرها كبار رجال الأعمال داخل مصر وخارجها، وكانت الأكثر سعادة في هذا اليوم هي رقية.
كانت تتمنى منذ سنوات طويلة أن ترى ابنيها قبل هذا اليوم حتى تكون حاضرة فيه، وقد تحققت أمنيتها لتراهما في وقتٍ رأت فيه كل نجاحاتهما وسقطاتهما التي جعلتهما يكبران في نظرها أكثر، ولكن رغم ذلك لم تستطع محو صورة طفليها الصغيرين اللذان كانا يبكيان إن غابت عنهما لدقائق قليلة من رأسها.
كانت تقف مع شمس في غرفتها بالفندق المقام فيه العُرس تساعدها في وضع اللمسات الأخيرة، وقد كانت شمس في غاية الجمال بثوب العرس الذي صنع خصيصاً لأجلها، وشعرها الذي لم تسمح لمصففة الشعر أن ترفعه بل تركته منسدلاً لأنه يعجبه هكذا.
وكانت رقية إلى جوارها سعيدة بها وكأنها بالفعل ابنتها التي لم تنجبها، وكانت شمس سعيدة بوجودها أيضاً، فقد كانت تشعر بالحزن لعدم وجود والديها إلى جوارها في يومٍ مميزٍ كهذا، ولكن وجود رقية إلى جوارها أشعرها بالاطمئنان خاصة عندما طلبت منها رقية أن تناديها بـعد الآن بـ "ماما"، وقد وافقت شمس على ذلك بل وسعدت لأجله أيضاً، على الأقل هي ليست وحيدة الآن ولديها عائلة تحبها.
وعندما انتهت خبيرة التجميل من عملها، خرجت لتنظر شمس إلى رقية في سعادة وتقول"
- شكلي حلو يا ماما؟

"ابتسمت رقية في حنان وهي تقول"
- تجنني يا شمس! اسم على مسمى

"نظرت شمس إلى المرآة في سعادة ثم عادت لتنظر إليها ثانيةً لتقول بامتنان"
- شكراً

"نظرت إليها رقية وسألت متعجبة"
- على ايه؟

"ابتسمت شمس قائلة"
- على كل حاجة، حضرتك بقيتي مكان ماما الله يرحمها بالظبط، و...

"قاطعتها رقية قائلة في حزم حنون"
- أنتِ قلتي اهو، أنا بقيت مكان ماما، أكيد ماكنتيش هتشكري مامتك على وجودها في يوم زي ده

"ثم اتبعت بابتسامة وقد احتضنتها في حنان"
- وبعدين أنا مبسوطة إنك حققتيلي أمنيتي إن يبقى عندي بنت حلوة زيك كده

"ابتسمت شمس في راحة حتى استمعت إلى صوت طرقات خفيفة على الباب، انتبهت رقية للصوت أيضاً وقالت في مرح"
- العريس جه، أنا هسيبكم وهروح اشوف ندى

"اومأت شمس مبتسمة في سعادة لتتركها رقية وتفتح الباب لتجد رامـي هو الطارق بالفعل، ابتسمت مشيرة في مرح"
- يا أهلاً وسهلاً! كل ده تأخير؟

"ابتسم مشيراً في حرج"
- أنا قلت استنى شوية عشان تكونوا خلصتوا، خلاص مش كده؟

"أشارت في سعادة"
- خلاص، والعروسة مستنياك جوة

"ابتسم في سعادة لتتبع"
- أنا هروح أشوف ندى ورامز، ماتتأخروش

"دخل إلى الغرفة وأغلق الباب من خلفه وتقدَّم إلى الداخل حتى رآها أمامه، توقف في مكانه وهو يتأمل جمالها الذي ازداد فجأة.

لقد كان ثوب العُرس ملائماً لها تماماً. طوال المدة الماضية لم يستطع رؤيته لأنها كانت تخبره أن رؤية العريس لثوب العُرس ليس فأل خير، وعلى الرغم من عدم اقتناعه بتلك العادات الغريبة، ولكنه لم يشأ أن يجادلها، وها هو الآن يرى الخير بأكمله أمامه.
أما هي... فقد كانت تتوقع أن يكون بهذه الهيئة الجذابة، ماذا يمكن أن تتوقع من هذا الكم من الفانيليا أمامها غير ما ترى الآن؟
توقف أمامها للحظات كاد فيها أن ينطق بأي شيء ولكنه تراجع عندما تذكر ليجدها تبتسم له ابتسامة تُظهِر كل ما في داخلها من حنان وحب.
اقترب منها كثيراً ليقبِّلها قبلته الأثيرة على فكِّها، ثم عاد لينظر إليها وهو يشير"
- أنا عايز أقولك كلام كتير بس...

"قطع جملته ليجد نفسه يضحك ضحكة خفيفة وهو يتبع"
- أنتِ جميلة!

"ضحكت هي الأخرى في خجل ليشير في مكر"
- خلي بقية الكلام بعدين أحسن

…..

"كانت ندى هي الأخرى في غرفتها مع أختها بعد أن انتهت أيضاً من وضع اللمسات الأخيرة وقد تركتهما أمهما ونزلت هي ووالدهما إلى الأسفل.
كانت ندى سعيدة للغاية وقد ظهرت تلك السعادة على محياها لتزيدها إشراقاً وجمالاً خاصة في ثوبِ عرسها الرائع الذي أيضاً صنع خصيصاً لأجلها بتدخل منه شخصياً، فلم يستمع لأقاويلها حول وجوب عدم رؤيته للثوب بل كان يريد أن يرى تفاصيل الثوب كما رسمه في خياله تماماً ووصفه لمن صممه.
نظرت ندى إلى أختها قائلة في توتر"
- شكلي حلو يا سارة؟

"قالت أختها في سعادة"
- تجنني يا حبيبتي!

"سمعتا صوت طرقات على الباب فذهبت أختها لتفتح الباب، وبعد لحظات وجدت ندى رقية تأتي إليها بابتسامة بشوشة وتقول"
- إيه الجمال ده كله يا ندى؟!

"ابتسمت ندى في سعادة لتقول أختها في مرح"
- بقالي ساعة بقنع فيها إن شكلها حلو وهي مش مصدقة

"ضحكت رقية قائلة"
- معلش! العروسة لازم تبقى متوترة كده وكل شوية تطمن على شكلها

"ثم نظرت إلى ندى واتبعت في مرح"
- بس شكلك زي القمر، والفستان يجنن عليكي!

"كادت ندى أن ترد لولا صوت طرقات متسارعة على الباب أوقفها لتفهم رقية أن هذا لن يكون أحداً غير ذلك المجنون، نظرت إليها لتقول في مرح"
- شفتي مستعجل ازاي؟ أنا هاخد سارة وانزل بسرعة

"سبقتها سارة ناحية الباب لتفتحه فتجده أمامها بالفعل، ابتسمت قائلة"
- مبروك يا عريس!

"قال سريعاً بابتسامة دون أن ينتبه وهو يحاول النظر إلى الداخل"
- الله يبارك فيكي يا سارة! عقبالك!

"تركته سارة وهي تضحك لما قال للتو وقد نسي كونها متزوجة بالفعل، من الواضح أنه فقد تركيزه تماماً، أتت والدته لتقول بابتسامة"
- مستعجل كده ليه؟

"نظر لها في صدمة قائلاً"
- ماجهزتش؟

"ضحكت قائلة"
- لا لا جهزت... اتطمن!

"التقط أنفاسه ثانيةً لتتبع قائلة قبل أن تتركه"
- أنا هنزل استناكم تحت بقى، ماتتأخروش!

"ثم تركته لتنزل هي إلى القاعة، تقدَّم إلى الداخل سريعاً حتى رآها أمامه في أجمل حالاتها، لقد ناسبها الثوب تماماً مثلما تخيَّل.
كان ضيقاً ذا حمالتين رفيعتين وظهرٍ مكشوف منقوشاً بأناقة عند الصدر حريرياً ناعماً في أسفله وذيلٍ طويل نسبياً، وقصة شعر رقيقة تناسبها مختلفة عن المعتاد في الأعراس.
كانت على وشك أن تذوب من شدة الخجل وهي تراه يتأملها بهذا الإعجاب الواضح، ثم فاجأها بأن أطلق صفيراً عالياً ليقول بعدها"
- إيه الحلاوة دي!!

"وضعت يديها على وجهها في خجل ليضحك عالياً وهو يقترب منها ليمسك بيديها ويبعدهما عن وجهها، ثم أمسك بذقنها ليرفع وجهها إليه وهو يقول بابتسامة"
- مكسوفة ليه؟ أنا ماقلتش حاجة جديدة، أنتِ جميلة

"ابتسمت في خجل ليتبع بابتسامة ماكرة"
- إيه رأيك نسيب الفرح ونسافر كده من برة برة؟!

"نظرت له في ذهول قائلة"
- والفرح يا رامز؟

"اختفت ابتسامته لينظر لها في غيظ قائلاً"
- خلي الفرح ينفعك

"ضحكت في نعومة قائلة وقد وضعت يديها على كتفيه"
- خلاص ماتزعلش!

"عاد ليهيم بها ثانيةً وقد أمسك بيديها ليضعهما حول عنقه وهو يلف ذراعيه حول خصرها ضاماً إياها إليه ليسمع صوتاً من الخارج يستعجلهما في النزول، أغمض عينيه في غضب ليقول بعدها"
- كان لازم نعمل فرحنا في مكان تاني

"ضحكت قائلة"
- يلا ننزل!

.....

"نزل الثنائيين إلى قاعة العُرس الكبيرة أخيراً مع تصفيق ونظرات انبهار الحضور.
كان كل ثنائي ينافس الآخر جمالاً وإبهاراً.
بدأت الرقصة الأولى بـ رامز وندى ليرقصا على نفس الأغنية التي رقصا عليها يوم عيد ميلادها، وطوال الرقص لم تختفِ الابتسامة من وجهها وهو يهمس جوار أذنها بالكثير من كلمات الحب والغزل التي لا يجيدها سواه.
ومن بعيد... خارج باب القاعة... كانت هناك من تشاهد هذا المنظر الذي كان يفتك بقلبها دون رحمة.
لقد علمت بالخبر من الجرائد وارتدت أحد أجمل أثوابها لتذهب إلى هناك وتراه، كانت حريصة كل الحرص ألا يراها فاختبأت خلف الباب وهي تشاهدهما.
كانت تنظر إليه وهو يهمس في أذن ندى بابتسامة حقيقية أشعرتها بمدى صدقه والأهم... مدى سعادته بها، لقد بدى أجمل وأسعد من ذي قبل، هذا هو عُرسه الحقيقي وليس ذلك الذي كان لأجل طفلهما، وهذه هي عروسه الحقيقية وليست مجرد عشيقة أحب وجودها إلى جواره فقط.
وعلى الرغم من أنها كانت تعلم أنه لا يراها بتلك الصورة إلا أنها لم تستطع أن تمحو من عقلها تلك الفكرة. رغم حبه الذي صرَّح به لها يوم طلاقهما إلا أنها تعلم أن قلبه لن يكون لها بل لهذه الجميلة التي هي بين ذراعيه الآن.
انتهت الرقصة ليرفعها بذراعيه من خصرها إلى الأعلى قليلاً ويدور بها في خفة ضاحكاً قبل أن يُنزلها إلى الأرض ثانيةً ويقبِّلها.
انهمرت دموعها دون أن تشعر لتسمع صوت أحدهم من خلفها قائلاً"
- لو سمحتي!

"التفتت إليه متوترة ليتبع الرجل قائلاً"
- حضرتك من المدعوين؟

"هزت رأسها نفياً ثم رحلت سريعاً من أمامه متوجهة نحو الخارج وهي تحاول مسح دموعها حتى لا تلفت النظر إليها أكثر... يكفيها ما رأته من وجع."

.....

"بدأت الرقصة الخاصة بـ رامـي وشمس، وكانت الأغنية من اختيار شمس نظراً لكلماتها الجميلة التي تود أن تخبرها به مستغلة فرصة إخبارها له بكلمات كل أغنية سيقومان بالرقص عليها من الآن فصاعداً، يجب أن تنتقي له كل ما يعبر عما تشعره تجاهه بالكامل.
لفَّت ذراعيها حول عنقه بينما طوَّق هو خصرها بذراعيه مسنداً جبينه إلى جبينها كي يستطيع قراءة كل ما تخبره به، أخذت تخبره بالكلمات التي كانت تغنيها هامسة بالفعل ولا تنطقها مجرد النطق فقط.
وفي الجزء الخاص بالموسيقى كانت تخبره بكلامها الخاص الذي كان عنده أجمل من أي أغنية أخبرته بها من قبل.
كان يقرأ الكلمات من شفاهها وهو يحاول أن يتخيل كيف هو صوتها، كان يتخيله ناعماً وحنوناً كصوت والدته في طفولته، لو يُردُّ له سمعه الآن فقط كي يسمع صوتها للحظات ثم يعود الحال لما كان عليه مجدداً!
انتهت الرقصة أخيراً لتفاجأ به وقد انحنى ليقبِّلها جاعلاً من هذا أفضل جوابٍ منه على كلماتٍ لم يستطع أن يخبرها بمثلها في يومٍ كهذا."

.....

"وصلت نسمة إلى الفندق المقام به العُرس، وكانت تبحث أثناء سيرها عن القاعة الخاصة بالعُرس قبل أن تصطدم بأحدهم وهو يتحدث في الهاتف، نظر إليها ليقول في حرج بابتسامة"
- أنا آسف!

"اومأت له برأسها قبل أن تتركه وتتبع سيرها ناحية القاعة حتى وصلت أخيراً، وعندما دخلت وتوجهت ناحية رامـي وشمس، استقبلها رامـي بابتسامة كبيرة لتشير في سعادة"
- ألف مبروك يا عريس!

"أشار رامـي في سعادة هو الآخر"
- الله يبارك فيكي يا نسمة! عقبالك!

"التفتت نسمة إلى شمس وصافحتها قائلة بابتسامة بشوشة"
- ألف مبروك يا شمس!

"لم ترها شمس من قبل، ولكنها ظنت أنها من الممكن أن تكون أحد أقربائه فابتسمت قائلة في سعادة"
- الله يبارك فيكي!

"وعندما رحلت، التفتت شمس إلى رامـي لتسأله"
- هي مين دي يا رامـي؟ من العيلة؟

"ابتسم مشيراً"
- بكرة هحكيلك على كل حد موجود في الفرح

"عادت نسمة لتجلس إلى طاولتها لتجد نفس الشخص يدخل من باب القاعة ومعه شخصين آخرين، يبدو أنه كان يحدِّث أحدهما على الهاتف عندما اصطدم بها دون قصد.
أوصلهما إلى طاولتهما ثم عاد إلى طاولته ليجلس جوار امرأة جميلة تحمل طفلاً صغيراً عمره عامٌ تقريباً جميلاً أيضاً.
أخذت تتأمل تلك الأسرة الصغيرة للحظات حتى حادت بنظرها عنهم وهي تفكر... غالباً ما يكون الرجل الجذاب متزوجاً أو مرتبطاً بأي شكلٍ كان، لم يصادفها الحظ مرة لتلقى رجلاً وسيماً دون أن تلمح في يده خاتم خطبة أو زواج أو باقة ورد بالطبع هي لامرأة، وكأنه وُلِدَ بامرأته دون حاجة للبحث عنها، أو، ولسوء الحظ، كارهاً للنساء أجمعين، غالباً ما يوجد عائق في طريق الوصول لهذا النوع من الرجال."

.....

"في اليوم التالي صباحاً، تسللت أشعة الشمس ببطء لتعرف طريقها إلى عينيها كي تفتحهما وتجد نفسها بين ذراعيه، أغمضت عينيها بابتسامة كبيرة وهي تتذكر ليلة أمس.
لا تكاد تصدق أنهما بالفعل قد تزوجا، ثم انتبهت لحركة أصابعه على طول ذراعها لتفتح عينيها مجدداً وتلتفت إليه لترى أحد أكثر ابتساماته سحراً، ابتسمت قائلة"
- صباح الخير!

"مال برأسه على وجنتها الوردية ليقبِّلها بحرارة للحظات حتى ابتعد عنها قليلاً لينظر في عينيها قائلاً بطريقته العابثة"
- صباح القشطة!

"نظرت إليه للحظات بابتسامة أخذت تتسع حتى وجدت نفسها تضحك بشدة، وعلى الرغم من أنه يعرف ما أضحكها إلا أنه سألها"
- بتضحكي على إيه؟

"توقفت عن الضحك أخيراً لتنظر له بابتسامة واسعة وهي تقول"
- أنت ازاي بتتكلم كده؟

"تذكر ليلة عيد الميلاد عندما سألته سؤالاً مشابهاً ليسير بين خصلات شعرها بأصابعه ثانيةً ويقول بعدها بابتسامة مشاكسة"
- كرياتين ده يا ندى؟

"عادت لتضحك ثانيةً ليشاركها هو الآخر الضحك للحظات قبل أن يقول هو"
- مش ناسية حاجة؟

"نظرت إليه متسائلة لتقول"
- حاجة إيه؟

"صمت قليلاً وكأنه يفكر لينظر لها قائلاً"
- شهر العسل مثلاً؟

"نظرت إلى الساعة فوراً لتجد أن المتبقي فقط أربع ساعات، عادت لتنظر إليه في صدمة لتقول"
- اتأخرنا

"ثم حاولت أن تقفز من نومتها كي تستعد للسفر قبل أن يتشبث بها دون كلمة، قالت سريعاً"
- لازم نقوم يا رامز! الطيارة هتفوتنا

"ابتسم في مكر قائلاً"
- هو أنا ماقلتلكيش؟ أنا أخَّرت ميعادها

"نظرت إليه متسائلة"
- ليه؟

"رد قائلاً"
- حالاً هقولك

.....

"وفي مكانٍ آخر، كانا يجلسان في حديقة منزلهما الخاص فوق الحشائش منذ الصباح الباكر، حيث استيقظت شمس باكراً كعادتها التي لم تستطع أن تتخلى عنها حتى في صباح ليلة زفافها.
تسللت من الفراش قبل أن يستيقظ ثم قامت بإعداد جلسة ظريفة في حديقة المنزل كما قامت بإعداد بعض الألوان لأجل شيءٍ آخر، وعندما انتهت، ذهبت إليه لتوقظه ويخرجان سوياً إلى الحديقة.
وجد طبقين من النقانق والمقرمشات، وبالتة من الألوان ووسادتين للجلوس على الأرض أمام المسبح، نظر لها في دهشة مشيراً"
- أنتِ عملتي كل ده امتى؟

"ابتسمت في زهو مشيرة"
- ماخدش في ايدي أكتر من ساعة

"ابتسم في إعجاب يزداد يوماً بعد يوم بشمسه الجميلة لتمسك بيده وهي تقول"
- تعالى نقعد عشان ناكل وارسمك

"جلسا سوياً ليشير ضاحكاً"
- ترسميني؟ تاني يا شمس؟

"أشارت في مكر"
- المرة دي غير

"ثم اتبعت وقد تذكرت أمر نسمة"
- صحيح! قولي الأول مين نسمة دي

"أشار بابتسامة مراوغة"
- أنا كنت فاكرك نسيتي

"رفعت حاجبها مشيرة بطريقة المحققين"
- لا مانسيتش، أوعى تطلع زير نساء!

"ضحك عالياً من جملتها التي صدرت منها بعفوية رائعة لتضحك هي الأخرى. إن ضحكته هذه ترسم لها أجمل الخيالات عن صوته الذي تتوق لسماعه، لطالما تخيلت صوته عند الحديث من قبل، كانت تتخيله عميقاً دافئاً مثل حبه تماماً. عندما توقف عن الضحك، أشار"
- نسمة دي صحبتي يا شمس!

"نظرت إليه في تعجب متسائلة"
- غريبة! أول مرة أشوفها

"ظل ساكناً قبل أن يشير"
- لأني ماكانتش عايز أعرَّف دكتوري النفسي لحد

"قالت متعجبة"
- نسمة تبقى دكتورتك النفسية؟

"أشار موضحاً"
- أنا اعرفها من اكتر من 3 سنين، نسمة ساعدتني اتخطى أمور كتير كانت تعباني في حياتي أهمها كرهي لقرب الناس مني، ومع الوقت حاجات كتير اتغيرت فيَّ خصوصاً لما قابلت ماما بعد السنين دي كلها

"ثم أشار بابتسامة حنونة"
- وحاجات كتير بقت أحسن بعد ما حبيتك

"ابتسمت هي الأخرى في حنان قبل أن تعانقه وكلٌ منهما يفكر في حياة كلٍ منهما والتي تغيرت بوجود الآخر، بفضله استطاعت أن تتجاوز أصعب أيام حياتها، وبوجودها أشرقت حياته أكثر، ابتعدت عنه قليلاً لتشير في مرح"
- طالما الحكاية كده يبقى خلاص... براءة!

"ابتسم لها قبل أن يميل برأسه على ساقيها لتمسك هي بالفرشاة وتبدأ في رسم ملامحه مجدداً مع إضافة بعض الرتوش على جانبي وجهه كما لوَّنت أنفه باللون الأحمر.
كانت تحاول أن تحافظ على تعابير وجهها حتى لا تضحك، وكانت تحاول إلهائه أثناء ذلك من خلال التقاط بعض المقرمشات وإطعامه إياها بيدٍ بينما اليد الأخرى تلوِّن وجهه كما يحلو لها، أشار لها متسائلاً"
- بتعملي إيه؟

"أشارت محاولة منع نفسها عن الضحك"
- بعيد رسم وشك من الأول

"رفع رأسه عنها لينظر لها في ارتياب وهي تحاول أن تتمالك نفسها حتى انفجرت ضاحكة.
قام رامـي من مكانه ثم توجه إلى الداخل للحظات كي يرى وجهه في المرآة ليُصدم بما رأى... وجهه ملطخ بالألوان في كل جانب، مهلاً... ما هذه الدائرة الحمراء الكبيرة فوق أنفه؟
خرج عائداً إليها ليجدها لا تزال تضحك، توجه ناحيتها بسرعة ليحملها فجأة من الأرض ويلقي بنفسه وإياها في المسبح، صرخت من المفاجأة لينظر لها مشيراً في غيظ"
- دايرة حمرا على مناخيري؟ بلياتشو أنا؟!

"عادت لتضحك بشدة من شكله مرة أخرى خاصة بعد أن بللته المياه فازدادت ألوانه، تركها ليغسل وجهه بالمياه حتى تخلص من معظمها عدى بعض العلامات هنا وهناك ثم عاد ليلتفت إليها ثانية متسائلاً"
- راح؟

"أخذت بعض الماء بقبضتيها قبل أن تقول ضاحكة"
- لسة، بس أنا همسحه كله

"ثم أفرغت المياه الموجودة في قبضتيها على وجهه وحاولت أن تسبح بعيداً قبل أن يمسك بها مرة أخرى ويفعل معها المثل ضاحكاً بشدة، أخذا يتبادلان رش المياه في مرح وضحك قبل أن ينتبها لميعاد الطائرة الذي اقترب ليخرجا سريعاً استعداداً للسفر إلى رحلة شهر العسل التي أعدها خصيصاً لأجلها."

.....

"مرت عدة أيام، اشتاقت فيها رقية صغيريها كثيراً، كانت تعُدُّ الأيام حتى تراهما مجدداً بعد عودتهما من السفر، ورغماً عنها ذهب تفكيرها إلى سليم، إنه يعيش وحيداً الآن بالقصر، تُرى كيف حاله؟
منذ يوم المشفى وهي تشعر أن جانبه القديم قد عاد، ذلك الجانب الذي أحبته وظنت أنه اختفى خلف جانبه القاسي المغرور، عاد قلبها لتمرده مجدداً وأصبح يذكِّرها به كثيراً.
لا تزال تذكر معاملته الرقيقة معها عندما قام بدعوتها لقضاء يوم العطلة معهم، وفي يوم الزفاف كيف لم يحد بنظره عنها أبداً وهي تكاد ترى الإعجاب الذي يملأ عينيه والذي صرَّح به عندما قام بتوصيلها في آخر اليوم وأخبرها بأنها كانت أجمل من في الحفل، وكالعادة لم تكن تجد رداً على كلماته سوى احمرار وجهها الذي كان يفضح شعورها ليصل إليه كاملاً فتتركه سريعاً.
كانت تتذكر كل ذلك وتبتسم في سخرية من نفسها... وكأن الزمن لم يمر، وكأنها لا تزال تلك المراهقة الصغيرة التي افتتنت بصاحب العينين الرماديتين، وكأنه لم يفعل أيَّ شيءٍ دمَّر كل السعادة التي عاشتها معه.
كان ذلك أحد عجائبه التي لطالما حيَّرتها... تارةً يُنسيها كل ما فعل بها من قبل بنظرة واحدة منه تنطق بحبٍ لم يُظهره إلا لها، وتارةً يذكِّرها بجانبه الأسود القاسي الذي أوصلها إلى حد الندم.
في أحد المرات، عندما كانت تجلس في مطبخها تقوم، كالعادة، بصنع بعض الحلويات، والتي هي هوايتها المفضلة كلما شعرت بالوحدة أو غرقت في التفكير، وصلها صوت جرس الباب...
خرجت من المطبخ لتفتح الباب لتجده أمامها، كان يحمل في يده باقة ورد من التيوليب المفضل بالنسبة لها، تعجبت من هذه الزيارة ولكنها حاولت الحديث قائلة"
- سليم!

"ابتسم قائلاً"
- ازيك يا رقية؟

"ابتسمت قائلة"
- الحمد لله... اتفضل!

"تقدَّم إلى الداخل ثم قدَّم لها باقة الورود قائلاً"
- الورد ده عشانك

"أمسكت بالباقة لتبتسم بهدوء قائلة"
- لسة فاكر إني بحب التيوليب؟

"ابتسم في حنان قائلاً"
- عمري ما انسى حاجة تخصِّك

"شعرت بالارتباك قليلاً لتقول"
- شكراً

"ابتسم لها دون رد لتتبع"
- تشرب إيه؟

"رد قائلاً"
- مش جاي اشرب حاجة، أنا جاي عشان اتكلم معاكي

"نظرت إليه متسائلة ليقول مشيراً ناحية الأريكة"
- تعالي نقعد

"جلسا سوياً على الأريكة ليسود الصمت بينهما قبل أن يلقي نظرة على المنزل ليلتفت إليها ثانيةً ويقول"
- أول مرة جيتلك فيها هنا كانت ذكرى وحشة

"نظرت إليه دون رد واكتفت بابتسامة ذات مغزى ليقول بعدها"
- المرة دي اعتبريها اعتذار مني على أول مرة

"ابتسمت له ليتبع قائلاً بابتسامة هادئة"
- كمان خليني أقولك إن بيتك حلو أوي

"ثم صمت قبل أن ينظر إليها بحنين فضحته عيناه قائلاً"
- شبهك

"شعرت بالارتباك الذي لم يختفِ رغم مرور سنواتٍ طويلة لتحيد بنظرها عنه وهي تقول بهدوء"
- شكراً

"ضحك وقد تذكر شيئاً ما لينظر لها قائلاً بابتسامة"
- فاكرة أول مرة قلتلك فيها إنك حلوة؟ وقتها برضو قلتيلي شكراً

"ثم اتبع قائلاً بهدوء"
- ماتغيرتيش يا رقية!

"نظرت إليه قبل أن تقول هي الأخرى"
- أنت كمان ماتغيرتش يا سليم!

"هز رأسه في نفي قائلاً بابتسامة"
- اتغيرت... حاجات كتير اتغيرت

"صمت للحظات قبل أن يتبع مفصحاً عما في قلبه"
- كل اللي حصل في آخر فترة خلاني اشوف كل حاجة كنت رافض اشوفها، خلاني احس قد إيه كنت غلطان وأناني

"ثم نظر لها في حزن قائلاً"
- وأكبر غلطة كانت إني ضيعتك من إيدي زمان

"نظرت إليه دون رد وقد كانت نظراتها هي الأخرى تفضح حزنها وألمها، اتبع"
- عارفة كام مرة فكرت إني ماطلقكيش؟ كام مرة فكرت إني ارجعك واخليكي جنبي بالعافية مهما رفضتي؟ بس ماكنتش بقدر اعمل كده، كنت بخاف تكرهيني

"ثم تنهد قائلاً"
- كنت فاكر إني لما اخدت منك الولاد زمان إنك هترجعي تعيشي معايا تاني عشان ماتبعديش عنهم عالأقل، كنت عايزك بأي طريقة وأنا مقتنع إني ماغلطتش، ويمكن كمان ماكنتش هتغير

"ثم نظر لها قائلاً بابتسامة حزينة"
- بس أنتِ ماعملتيش كده، وأنا اتعلمت درسي كويس

"نظرت إليه حتى نطقت أخيراً بهدوء حاولت أن تخفي خلفه كل ما تشعر به من ألم"
- بلاش نتكلم في اللي فات يا سليم! الكلام فيه مش هيجيب غير الوجع، وكفاية اللي عيشناه

"قال في إصرار"
- بس أنا عايز اتكلم، سنين وأنا ساكت عشان ماكانش في حد بيسمعني ويفهمني قدك

"نظرت إليه دون رد ليتبع"
- أنتِ كمان وجعتيني يا رقية!

"نظرت إليه متسائلة ليقول في ألم"
- عارفة يعني إيه تقوليلي إنك ندمانة على كل اللي كان بيننا؟ عارفة حسستيني بإيه وقتها؟ أنتِ بجملة واحدة اخدتي حق سنين

"نظرت إليه بعينين دامعتين ليتبع"
- حتى لو ماقدرتيش تكرهيني بعد كل اللي عملته لكن ماينفعش تندمي، أي حاجة ممكن تحصل اتحملها إلا ندمك

"قالت وصوتها يجاهد لئلا يبكي"
- اللي عملته كان قادر ينسيني كل حاجة حلوة، أنا كنت بحس بالذنب لما كنت بتيجي في بالي وأحس إنك...

"صمتت فجأة ولم تستطع أن تكمل، لا... لن تخبره بأنها كانت تشتاق إليه أبداً، أكمل جملتها قائلاً ما يدور في نفسه أيضاً"
- أنتِ كمان وحشتيني

"نزلت دمعة وحيدة من عينيها لتمسحها سريعاً وهو يتبع"
- دي الحاجة الوحيدة اللي عمري ما قدرت أنكرها، أنتِ ماروحتيش عن بالي لحظة، وصدقيني أنا بجد ندمان على كل وقت عدى عليا وأنتِ بعيد

"ثم صمت قبل أن يتبع في رجاء قائلاً"
- سامحيني يا رقية! سامحيني على كل اللي عملته، سامحيني على السنين اللي ضاعت في عِند ووجع، سامحيني وأنا مستعد اعيشلك اللي باقي من عمري وأنا بعوضك عن كل اللي فات

"نظرت إليه دون رد ليتبع وقد عرفت يده طريقها إلى يدها"
- مش عايز اكتر من فرصة تانية، فرصة واحدة بس اكون فيها الراجل اللي حبيتيه وماندمتيش

"انهمرت دموعها فجأة ولم تستطع أن تمنعها هذه المرة، ماذا عساها أن تقول؟ في جلسة واحدة وبكلمات قليلة هيَّج جروحها ومشاعرها القديمة تجاهه في آنٍ واحد، وجوده الذي لا يزال يربكها وحديثه الذي لا يزال يوترها وكأنها المرة الأولى، هو الوحيد الذي يستطيع أن يجعلها تشعر بكل شيء لأول مرة، سأل في هدوء حَذِر"
- إيه رأيك؟

"نظرت إليه قبل أن تقول وهي تحاول أن توقف انهمار دموعها"
- أنت لسة بتوترني

"تبسَّم ضاحكاً وقد تذكر ذلك اليوم الذي صارحها فيه بمشاعره دفعة واحدة ولم تجد حيلة سوى البكاء كلما توترت أمام حصار المشاعر الذي كان يقيمه حولها.
قال أخيراً في ثقة"
- أرجوكي توافقي يا رقية! مش عايز أكتر من إن العمر اللي ابتدى بيكي ينتهي بيكي

"نظرت إليه للحظات لم تجد فيها رداً وهي غارقة في حيرتها لا تدري أتفعل أم لا، لحظات تحولت لدقائق قليلة وهو يتحلى بصبرٍ مشتعل يفتك بقلبه الذي يخشى أن تكون إجابتها بالرفض، نطقت أخيراً قائلة"
- استناني لحظة

"ثم قامت من مكانها متوجهة إلى الداخل لتغيب لدقائق أخرى أحرقت المزيد من أعصابه لتخرج إليه مجدداً وتجلس إلى جواره لتفتح يدها أمامه فيجد فيها خاتم زواجهما الذي أهداه إياها، عاد لينظر إليها لتقول بهدوء واثق"
- الخاتم ده أنا قلعته أول ما سِبت القصر، لازم أنت اللي تلبسهولي تاني دلوقتي

"أشرقت ملامحه من جديد بابتسامة قديمة لم تكن تفارقه وهي معه، أمسك بالخاتم ووضعه في مكانه الذي ما كان ينبغي أن يفارقه أبداً في يدها اليسرى، ثم أمسك بيدها ليقبِّلها بكل مشاعر الاعتذار والحب والاشتياق الذي يحمله في قلبه لها الآن."

.....

"مر الشهر سريعاً، وعاد كلٌ من رامز وندى، ورامـي وشمس، وذهبوا إلى قصر والدهما لتستقبلهم السيدة صفية بالزغاريد العالية ليضحكوا جميعاً، قالت أخيراً"
- ألف حمد لله عالسلامة! القصر نوَّر

"ضحك رامز قائلاً"
- الله يسلمك يا دادة! أمال بابا فين؟

"قالت السيدة صفية بوجهٍ فَرِحٍ بشوش"
- حالاً نازلين

"تعجب رامز من جملتها قبل أن ينتبه لوجه رامـي المندهش لينظر ناحية ما يرى ليندهش هو الآخر.
والدهما ينزل إليهما ممسكاً بيد والدتهما التي أشرقت ملامحها من جديد كما كانت منذ زمن بعيد ليلتفت رامز إلى رامـي قائلاً وعلامات التعجب تملأ وجهه"
- هو في إيه؟ هو احنا رجعنا صغيرين تاني؟

"نظر له رامـي وهو يشعر مثله، هل حقاً عادا من جديد؟ وعندما وصلا إليهما، اقتربت رقية محتضنة كلاً منهما بحنان واشتياق قائلة"
- حمد لله عالسلامة يا حبايبي! وحشتوني اوي

"ابتسم رامـي مشيراً"
- الله يسلمك يا ماما! انتو كمان وحشتونا اوي

"دقائق قليلة مرت وهم يتبادلون السلام والترحيب ليقول رامز أخيراً بابتسامة مرحة"
- كأن في حاجات كتير فاتتنا واحنا مسافرين

"ابتسم السيد سليم قائلاً"
- أنا ورقية رجعنا لبعض تاني

"أشرق وجه الجميع بسعادة كبيرة خاصة شمس التي كانت تتمنى ذلك بشدة وها هي أمنيتها قد تحققت، بينما شعر رامـي أيضاً بالسعادة لتحقيق أمنيته هو الآخر، وقد شاركه رامز هذا الشعور خاصة وهذا الأمان الناقص الذي كان يشعر به قد اكتمل أخيراً وهو يجد كل شيءٍ خسره قد عاد مجدداً، وكأن شيئاً لم يكن من قبل، وكأن الزمن لم يمر."

****

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-05-22, 09:38 PM   #27

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل الواحد والعشرون

بعد مرور عامين


"في أحد المرات، كان رامز وندى يسيران معاً في إحدى المولات التجارية الشهيرة بعد أن قاما بنزهة طوال اليوم، وأثناء السير، اصطدمت كرة صغيرة بقدم رامز.
انتبه إليها لينزل إلى الأرض ويلتقطها فيلمح الطفل الصغير الذي ركض خلف كرته، وعندما وصل إليه، قال بصوته الطفولي"
- أنا آسف!

"ابتسم رامز من نطقه لحرف السين وكأنها ثاء، قال"
- أنت اسمك إيه؟

"ابتسم الصغير قائلاً"
- رامز!

"تعجَّب رامز من هذه المصادفة الغريبة ثم بدأ يلاحظ شكل الصغير الجميل أمامه وخاصة عينيه الخضراوين، هل كان صغيره سيشبهه هكذا؟ قطع الطفل شروده عندما قال"
- ممكن آخد كرتي؟

"اومأ له رامز مبتسماً قبل أن يعطيه كرته ليأخذها الصغير ويركض ناحية أسرته ثانيةً.
قام من مكانه وهو لا يزال شارداً ببصره نحوه، أمسكت ندى بيده لتسأله بابتسامة"
- سرحت في إيه يا حبيبي؟

"ابتسم لها قائلاً"
- مافيش... الولد ده جميل اوي

"ضحكت قائلة"
- أجمل من دومي؟

"ضحك هو الآخر قائلاً بينما يتبعان سيرهما مجدداً"
- دومي مايتقارنش، لما يكبر هيبقى مصيبة

"ابتسمت قائلة"
- وحشني اوي، خلينا بكرة نزور شمس ورامـي ونشوفه

"هز رأسه بالموافقة قائلاً"
- أكيد

"ولكن قبل أن يغادرا المكان، توقف مكانه عندما شاهدها أمامه مجدداً بعد كل تلك الفترة، وكانت في حاجته بالفعل."

****

"كانت تشعر بالملل والضيق من الوحدة كعادتها في الفترة الأخيرة فخرجت من المنزل وذهبت للتسوق لعلها تنسى همومها.
قضت بعض الوقت اللطيف نسبياً عندما سارت بين الزحام والمحلات حتى توقفت أمام أحد محلات الألعاب.
شردت في إحدى العرائس الكبيرة الموجودة بالداخل وابتسمت في هدوء، لقد امتلكت مثلها الكثير في فترةٍ ما، ولو كان معها الآن لاشتراها لها فوراً.
أين هو الآن؟ لقد ذهب في طريقه وحياته مع زوجته الجميلة ونسيها تماماً.
انقطع شرودها على صوتِ أحدهم بالقرب منها وهو يقول"
- نانسي! عاش مين شافك والله

"التفتت نانسي إليه لترى ابتسامة وقحة على وجهه وتلاحظ توقفه القريب جداً منها، ابتعدت عنه عدة خطوات لتقول"
- أنت مين؟

"اتسعت ابتسامته ليقول"
- معقول مش فاكراني؟

"نظرت إليه في تعجب وهي لا تستطيع أن تتذكره أبداً، قال بابتسامة ساخرة"
- معلش... هتفتكري مين ولا مين

"ثم اتبع متسائلاً"
- قوليلي صحيح... اختفيتي فين الكام سنة اللي فاتوا؟ آخر حاجة سمعتها إنك كنتي مع رامز الراوي قبل ما تختفي وماحدش يعرفلك طريق

"انقبض قلبها لسماع كلماته، إنه أحد آثار ماضيها الذي ظنت أنها قد تخلصت منه وانتهى. من الواضح أن ما عاشت من قبل سيظل يطاردها مهما حدث، قطع شرودها قائلاً"
- عموماً مش مهم، كويس إننا اتقابلنا تاني، تعالي معايا!

"نظرت إليه في دهشة قبل أن تقول في حزم"
- أنا خلاص بعدت عن كل القرف اللي بتتكلم فيه ده، روح شوفلك واحدة تانية

"اتسعت ابتسامته الوقحة ليقول"
- اعتزلتي يعني؟ وماله... يبقى لازم نعملك حفلة اعتزال تليق بيكي

"نظرت إليه بازدراء قبل أن تهم بتركه ليوقفها ممسكاً بذراعها قائلاً"
- رايحة فين؟

"نفضت ذراعها من يده في قوة قائلة"
- ابعد عني احسنلك

"عندها وصلت وقاحته أن يضع يده حول خصرها لتدفعه مبتعدة عنه قبل أن تجد لكمة توجهت لوجه الرجل أسقطته أرضاً لتنتبه لرامز الذي جاء من خلفها وانقض على الرجل يضربه بعنف وغضب.
انهمرت دموعها في خوف وهي تضع يدها على فمها، بينما جاء رجال الأمن ليفضوا اشتباك الرجلين حتى أبعدوا رامز عنه ليفر الرجل هارباً فوراً.
التفت إليها فوجدها تنظر إليه في خوف وفزع لتركض هاربة هي الأخرى قبل أن يحاول اللحاق بها، أخذ يراقبها وهو يلهث محاولاً التقاط أنفاسه حتى وجد ندى تقترب منه وهي تقول في قلق"
- رامز! أنت كويس؟

"نظر لها قبل أن يقول في تعبٍ وضيق"
- خلينا نمشي

"نزلا إلى الجراج ليركبا السيارة ويعودا إلى المنزل، وعندما وصلا إلى هناك، توقف رامز بالسيارة ثم نظر لها قائلاً بنبرة حاول قدر الإمكان أن تكون هادئة ومحايدة حتى لا تلاحظ شيئاً غريباً"
- ادخلي أنتِ البيت وأنا شوية وهاجي

"قالت متسائلة"
- ليه؟ رايح فين؟

"تنهد قائلاً"
- رايح أشوف رامـي

"نظرت إليه للحظات قبل أن تقول"
- أنت تعرف الست اللي دافعت عنها دي؟

"نظر لها ليقول في ضيق لم يقصده"
- ندى! ده مش وقت كلام

"قالت في ضيق هي الأخرى"
- بس أنا عايزة اتكلم

"أغمض عينيه محاولاً أن يسيطر على غضبه ليقول بعدها وقد نظر إليها"
- ممكن نأجل الكلام لغاية ما آجى؟ مش ههرب... هجيلك

"نزلت من السيارة دون كلمة ليتحرك بسيارته بسرعة ليتوقف فجأة وقد تذكر شيئاً، أمسك بهاتفه ليبعث برسالة إلى رامـي قائلاً"
- رامـي! عايز أشوفك كمان شوية

"ثم بعث إليه بعنوان المكان الذي سيتقابلان فيه ليضع الهاتف جانباً قبل أن يقود السيارة مجدداً متجهاً إلى منزلها."

.....

"دخلت ندى إلى المنزل وهي تكاد تنفجر من الضيق والشكوك، أين ذهب؟ وما علاقته بتلك المرأة؟ أمسكت بالهاتف فوراً لتطلب شمس، هي من ستخبرها إن كان صادقاً أم لا، لحظات مرت حتى ردت"
- ألو! ازيك يا ندى؟

"حاولت ندى أن تكون طبيعية، قالت"
- الحمد لله، دومي عامل إيه؟

"ابتسمت شمس قائلة وهي تطالع صغيرها الذي نام للتو"
- كويس، لسة نايم حالاً

"ابتسمت ندى قائلة"
- أنا ورامز كنا ناويين نيجي بكرة نشوفه

"قالت شمس في سعادة"
- بجد؟ ده هيفرح خالص

"صمتت ندى للحظات قبل أن تقول"
- هو رامـي هيقابل رامز دلوقتي؟

"قالت شمس وهي تخرج من غرفة الصغير حتى لا توقظه"
- مش عارفة

"قالت ندى في رجاء"
- طب ممكن تسألي رامـي؟

"تعجبت شمس منها ولكنها قالت"
- حاضر، خليكي معايا

"ذهبت شمس إلى مكتب رامـي لتدخل إليه، اقتربت ناحيته ثم أشارت بابتسامة"
- معطلاك عن حاجة؟

"هز رأسه نفياً بابتسامة لتسأله"
- هو أنت ماعندكش أي مشاوير النهاردة؟

"كاد أن يرد قبل أن يشعر باهتزاز هاتفه ليمسكه فيجد رسالة رامز قد وصلته، قرأها قبل أن ينظر إليها مجدداً ليشير بابتسامة"
- هخرج أقابل رامز دلوقتي

"اومأت برأسها قبل أن يشير هو"
- في حاجة مهمة عاوزة تقوليها؟

"ردت بابتسامة مشيرة"
- لا أبداً، كنت بس بسأل

"ثم قبَّلت وجنته قبل أن تشير"
- هستناك لما ترجع، ماتتأخرش!

"اومأ برأسه بابتسامة لتتركه وتعود إلى ندى التي كان الانتظار قد أكل قلبها، أمسكت بالهاتف لتقول"
- أيوة يا ندى! هيخرجوا سوى

"صمتت ندى لتسألها شمس"
- هو في إيه؟ هو مش رامز قالك خارجين؟ ليه بتسألي؟

"تنهدت ندى قائلة"
- مافيش، أنا بس...

"ثم عادت لتصمت ثانية قبل أن تقول بإرهاق"
- لما اشوفك بكرة هبقى احكيلك

"شعرت شمس أن ثمة مشكلة ما، قالت"
- ماشي، هستناكي، مع السلامة!

.....

"وصل رامز إلى منزل نانسي، وعندما فتح الباب، وجدها تجلس على الأريكة وهي تبكي، وعندما رأته، انتفضت من مكانها وركضت ناحية الغرفة وأغلقت الباب خلفها.
جلست على الأرض خلف الباب تبكي بشدة حتى سمعت صوت طرقاته وهو يقول بصوت هادئ"
- نانسي! افتحي الباب

"أخذت تبكي دون رد فاتبع مطمئناً إياها"
- ماحدش هيقرب منك تاني، أنا هحميكي

"قالت بصوت باكٍ"
- مش عاوزة حاجة من حد، ابعد عني!

"قال بصوتٍ بدأ الغضب يتسلل إليه"
- نانسي! افتحي الباب، خلينا نعرف نتكلم زي الناس

"قالت بصوت موجوع"
- مش هفتح، سيبني في حالي بقى وامشي

"شعر بالألم لصوتها وقال"
- أنا مش همشي غير لما اتطمن عليكي، عشان خاطري افتحي الباب

"مرت لحظات لم يلقَ فيها استجابة حتى فُتِحَ الباب قليلاً فوجدها تجلس على الأرض تبكي ووجهها بين كفيها كالأطفال.
نزل إليها حتى أصبح أمامها وأمسك بيديها وأبعدهما عن وجهها فوجد عينيها المليئة بالدموع تنظر إليه في وجع فضمها إليه بقوة فازدادت دموعها انهماراً، أخذ يمسد ظهرها قائلاً"
- أنا آسف!

"قالت من بين بكائها"
- كل الناس هتفضل شايفاني كده، هفضل في نظرهم واحدة...

"قاطعها عندما وضع يده خلف رأسها وضمَّها إلى كتفه ليسكتها قائلاً"
- أنتِ عارفة إنك ست جميلة؟

"رفع رأسها ليراها ثم اتبع وهو ينظر في عينيها الغارقة في الدموع"
- وأنا محظوظ إنك سمحتيلي أكون جزء من حياتك في يوم من الأيام

"هزت رأسها نفياً قائلة"
- ماتجاملنيش يا رامز! أنا عارفة إني ولا حاجة

"رد قائلاً"
- أنتِ كل حاجة حلوة، أنا اللي ماقدرتش أكون لك كل حاجة، عشان كده بعتذرلك، سامحيني!

"عادت لتبكي مجدداً فاتبع"
- مافيش حد هيتعرضلك تاني، من بكرة هيبقى في اتنين يحموكي وهيبقوا معاكي في كل مكان عشان ابقى متطمن عليكي

"قالت بصوت موجوع خائف"
- هيأذوني

"قال في قوة وثقة"
- مايقدروش، امحيهم لو فكروا بس

"ابتعد عنها قليلاً ثم مد يده ليمسح دموعها وهو يقول"
- مش عاوزك تخافي أبداً، حتى لو ماتقابلناش، أنا هفضل موجود ووقت ما تحتاجيني هتلاقيني

"وعندما هدأت شهقاتها ودموعها المنهمرة، قال"
- أرجوكي يا نانسي! عاوز امشي وأنا متطمن عليكي

"نظرت له للحظات قبل أن تقول وهي تحاول كتم دموعها التي لم تتوقف منذ أن عرفته"
- اتطمن، أنا كويسة

"اقترب منها وقبَّل جبينها وقال"
- خلي بالك من نفسك

"ثم أكمل جملته بابتسامة هادئة قائلاً"
- يا حلوة!

"عادت ابتسامتها العاشقة لترتسم على وجهها وفي داخلها تتساءل، كيف يستطيع الولوج إلى قلبها مرة بعد مرة بهذه الطريقة رغم جرحها منه؟ كيف يمكنه أن يُدخل الطمأنينة إلى نفسها وهي تشعر بوحشة وغُربة ألقاها بها ليتركها ويرحل؟
وجدت نفسها تومئ برأسها مطمئنة إياه ليقوم من مكانه ويرحل ثانيةً وشعور بالذنب يقتله لأجلها أكثر من ذي قبل."

.....

"ذهب إلى عنوان المقهى الشهير الذي أرسله لرامـي ليجده منتظراً إياه هناك بالفعل، وعندما وصل إليه، أشار بابتسامة خفيفة"
- اتأخرت عليك؟

"هز رأسه في نفي مشيراً بابتسامة"
- أبداً، أنا لسة جاي

"ثم لاحظ هيئته ليشير متسائلاً"
- إيه اللي حصل؟ شكلك ليه كده؟

"تنهد رامز مشيراً"
- خلينا نطلب قهوة الأول عشان نعرف نتكلم

"ثم طلب من النادل فنجانين من القهوة ليذهب النادل ويعود بعد دقائق قليلة إليهما بالطلب، وعندما رحل النادل، أخذ رامز رشفة من فنجانه ثم التفت إلى رامـي وأخذ يشير له بكل ما حدث منذ قليل ورامـي يراقب إشاراته في ذهول.
ختم رامز إشاراته مشيراً"
- أنا من بكرة هبعت اتنين حرس يقفوا عند بيتها يحموها ويبقوا معاها في أي مكان تروحه، بعد اللي شفته النهاردة ده مستحيل اخليها لوحدها

"اومأ رامـي برأسه ولكنه لم يعلق على كلامه بل ظل ساكناً، شعر رامز بأنه معترض، سأله"
- معترض على إيه؟

"نظر له رامـي للحظات قبل أن يشير"
- هو أنت لسة بتحبها؟

"صمت رامز قليلاً قبل أن يشير"
- حتى لو كنت حبيتها في يوم يا رامـي! أنا مدين لنانسي بحاجات كتير، متهيألي يعني اللي بعمله معاها ده مش كتير عليها قصاد كل الأذى اللي سببتهولها، ولا أنت إيه رأيك؟

"أشار رامـي متسائلاً"
- وندى؟

"ابتسم رامز في سخرية مشيراً"
- أنا سايبها وهي محضرالي تحقيق بخصوص اللي حصل النهاردة

"أشار رامـي بنفس الابتسامة"
- مش معاها حق؟

"تنَّهد رامز دون رد وهو ينظر بعيداً قبل أن يعود بنظره إليه ويشير في غموض"
- ندى مش مستنية اللي حصل عشان تحقق معايا

"أشار رامـي متسائلاً"
- يعني إيه؟

"ابتسم نصف ابتسامة ليشير"
- ندى حاسة إني بعمل حاجة من وراها

"ظل رامـي ساكناً ليتبع"
- وأنا متأكد إنها اتصلت بشمس عشان تعرف أنت فعلاً خارج معايا ولا لا، عشان كده بعتلك رسالة أقولك فيها إني عايز اشوفك

"تذكر رامـي عندما دخلت شمس إليه لتسأله إن كان ذاهباً في مكان ما أم لا، أشار"
- تقريباً ده اللي حصل فعلاً عشان شمس جت تسألني أنا رايح في حتة ولا لا

"ابتسم رامز دون رد ليشير رامـي في ضيق"
- وإيه اللي يخليها تشك فيك؟

"ابتسم رامز مشيراً"
- ممكن تسألها

"ثم تنهد ليشير بعدها"
- أنا مش هخبي عليها موضوع نانسي، هقوله وأنا عارف إن ده هيزود المشاكل، بس أحسن من إني اخبي عليها عالأقل

"ظل رامـي ساكناً قبل أن يشير"
- أنا خايف يكون موضوع الحرس ده سبب في إنك تشوفها تاني أو تفضل في بالك

"أشار رامز في هدوء مشوب بالحزن"
- أنا مافيش في بالي غير ندى... الوحيدة اللي مش واخدة بالها

"ثم اتبع في ثقة"
- اللي هعمله مع نانسي ده حاجة بسيطة عشان أقدر أسامح نفسي بعد اللي عملته معاها، وأنا فعلاً مش هشوفها تاني، أي حاجة هعرفها من الحرس وبس

"رد رامـي مشيراً"
- المهم دلوقتي ندى، أنت عارف إنها بتحبك، هي بس قلقانة حاجة تحصل تخرب كل اللي بينكم زي ما حصل قبل كده

"ابتسم رامز مشيراً"
- من ناحية بتحبني فأنا متأكد من ده، كل اللي خايف منه تكون رجعتلي عشان بتحبني مش عشان سامحتني ووثقت فيَّ تاني

"هز رامـي رأسه نفياً ليشير في ثقة"
- صدقني لو ماكانتش سامحتك مستحيل كانت ترجع، هي خايفة وأنت المطلوب منك دلوقتي تمحي الخوف ده خصوصاً لو ناوي تصارحها بموضوع نانسي عشان ماتحسش إنك بتكدب عليها

"رد رامز قائلاً"
- ربنا يستر!

.....

"وعندما عاد رامـي إلى المنزل، كانت شمس تنتظره في الحديقة، اقترب ناحيتها ليجلس إلى جوارها، نظرت إليه بابتسامة قبل تسند رأسها إلى صدره دون كلمة.
مرت دقائق قليلة قبل أن يرفع رأسها إليه لتراه وهو يشير متسائلاً"
- مافيش حاجة عايزة تقوليهالي يا شمس؟

"نظرت إليه متسائلة لتقول بابتسامة"
- حاجة إيه؟

"نظر لها قبل أن يشير"
- يعني... ليه جيتي تسأليني إن كنت هخرج ولا لا؟ مش عادتك

"صمتت وقد شعرت بأن محاولتها الكذب لن تجدي، نظرت إليه للحظات قبل أن تشير أخيراً"
- مش عارفة...

"ظل ساكناً لتتبع في ارتباك"
- ندى كلمتني وطلبت مني اسألك إن كنت أنت ورامز هتبقوا سوى ولا لا، ماعرفش ليه لكن أنا جيت اسألك عشان تطمن وبس

"ظل رامـي ساكناً دون رد لتشير شمس في حيرة"
- هو حصل حاجة؟ أنا مافهمتش هي طلبت كده ليه

"نظر لها للحظات قبل أن يشير"
- أنا عارف إنها صحبتك، بس يا ريت تحاولي تخرجي برة دايرة شكوكها دي

"أشارت شمس متعجبة"
- شكوك؟! يعني إيه؟

"تنهد مشيراً"
- كل مرة بتبقى مش متأكدة من حاجة بتكلمك أنتِ عشان تسأليني، وده غلط يا شمس! أنتِ فاهماني كويس وأنا مش محتاج ألفت نظرك لحاجة زي دي

"أشارت في حزن"
- بس ندى صحبتي

"اومأ برأسه متفهماً قبل أن يشير"
- عارف، بس أنا قلتلك قبل كده إننا مش عايزين مشاكلهم تطولنا

"اومأت متفهمة قبل أن تشير في حذر"
- يعني أنت مازعلتش مني؟

"هز رأسه نفياً بابتسامة لتبتسم هي الأخرى في راحة قبل أن تعاود وضع رأسها على صدره من جديد.
كانت في داخلها تتساءل عن سر ما فعلته ندى اليوم، لولا تفهم رامـي لكان الأمر قد تحوَّل إلى مشكلة بالفعل، هل يُعقَل أن تكون ندى بعد كل تلك الفترة... تخشى خيانته مجدداً؟"

.....

"وصل رامز إلى المنزل ليجدها تجلس في الشرفة الواسعة، كانت تبدو شاردة وحزينة، اقترب ناحيتها حتى جلس إلى جوارها، ساد الصمت بينهما وهي لا تنظر إليه، قال بهدوء"
- مش هتسألي؟

"قالت بهدوء هي الأخرى دون أن تنظر إليه"
- أنت عارف سؤالي كويس

"قال متسائلاً"
- قبل سؤالك، أنتِ شايفة إنها حاجة غريبة أوي أساعد واحدة كانت في موقف زي اللي شفتيه بعينك ده؟

"نظرت إليه أخيراً لتقول"
- لا مش غريب، بس أنا شفت الست دي قبل كده

"نظر لها متسائلاً لتتبع"
- أنا شفتها لما كنت في المستشفى وقت حادثة أسير، سألتها على رقم اوضتك

"ثم ابتسمت في سخرية من نفسها قائلة"
- كنت فاكراها واحدة غريبة، ماكنتش اعرف إنها كانت ضيفتك

"نظر لها في ذهول، هل رأت نانسي في ذلك اليوم؟ سألته"
- كانت صدفة برضو مش كده؟

"أسند مرفقيه إلى ركبتيه واضعاً رأسه بين كفيه للحظات قبل أن ينظر إليها أخيراً ليقول"
- نانسي... طليقتي

"أبعدت نظرها عنه وهي تبتسم في ألم ليتبع"
- أنا ماشفتهاش من ساعتها يا ندى! اتطلقنا بعد ما ابننا مات وماشفتهاش غير النهاردة، والله العظيم كانت صدفة!

"نظرت إليه للحظات لتسأله في ضيق"
- يعني مارحتش تشوفها لما سيبتني؟

"رد في ضيق هو الآخر"
- قلتلك كنت مع رامـي، وماتحاوليش تكدبيني لإني متأكد إنك سألتي من ورايا واتأكدتي بنفسك

"قالت بعصبية"
- ماكانش من حقي اتأكد كمان؟ مش من حقي أعرف أنت...

"قاطعها قائلاً في حسم"
- لا مش من حقك

"نظرت إليه في ذهول ليتبع قائلاً"
- أنتِ عارفة كويس إني لو ماحبتكيش ولو كنت بفكر في أي واحدة تانية ماكنتش هتجوزك، مافيش حاجة في الدنيا تجبرني على حاجة مش عايزها حتى لو كنتي بتحبيني

"ردت في غضب"
- واللي حصل زمان كان إيه؟ ماكنتش بتحبني وقتها؟

"قال في غضبٍ هو الآخر"
- أنتِ ليه مصممة تفتحي مواضيع اتقفلت من زمان وخلصنا منها؟

"هزت رأسها في نفي قائلة"
- ماخلصناش، وإلا ماكانش حصل اللي حصل النهاردة

"قال بنفس نبرته"
- إيه الجنان اللي بتقوليه ده؟ أنتِ عايزاني اشوفها في موقف حقير زي ده وماساعدهاش؟ لو متخيلة إن إخلاصي معناه إني أغمض عيني عن موقف زي اللي شفته النهاردة ده عشان بس اثبتلك إنها مابقتش في دماغي تبقي غلطانة ومش أنا اللي اعمل كده

"نظرت إليه في صدمة دون رد ليتبع في ضيق"
- قلتلك قبل كده لو هتعيشي معايا وأنتِ شاكة يبقى تفكري مرة تانية في حياتنا سوى

"ثم تركها وخرج من المنزل ثانيةً وهي متوقفة مكانها تضع يدها على فمها تحاول منع نفسها عن البكاء قبل أن تركض إلى الغرفة وتندس في الفراش لتبكي بشدة.
هل هكذا أنهى النقاش؟ أن تعيد التفكير في حياتهما معاً؟ ألم يستطع أن يطمئنها بدلاً من أن يزيد مخاوفها أكثر؟
أخذت تبكي حتى نامت في تعب لتستيقظ في الصباح لتجد نفسها محاطة بذراعيه، لم تلتفت إليه بل حاولت الابتعاد عنه ولكنه تمسك بها لتكف هي عن المحاولة وتسكن في تعب بسبب الصداع الذي سبَّبه البكاء.
ساد الصمت لدقائق قليلة حتى قطعه هو قائلاً بهدوء ناقض وقع كلمته"
- غبية!

"ازداد ضيقها منه ولكنها لم ترد، كانت تعلم أنه يحاول استفزازها، اتبع هدوئه الذي جعلها تشعر بصدق ما يقول"
- لسة عايزاني بعد كل ده اشرحلك إن مافيش غيرك، وإن ماينفعش يكون في غيرك لإني بحبك أنتِ، بس دايماً بتوصليني لأخري وتخليني أقول كلام أندم عليه

"خرجت عن صمتها أخيراً لتقول في هدوء حزين"
- يعني مافكرتش في حياتنا تاني زي ما قلتلي افكر أنا كمان؟

"قال في حسم"
- لا يا ندى! مش هسمح بكده، أنا ماعنديش استعداد اغلط غلطة حصلت من سنين واعيش عمري كله ندمان، ماعنديش استعداد اندم وأنتِ بعيد

"ظلت صامتة وهي تشعر بعينيها تدمع رغماً عنها، أدارها ناحيته لينظر في عينيها الدامعتين قائلاً بثقة حملت وعده الصادق"
- مش هسيبك، ومش هشوف حد غيرك، افهمي!

"حاولت التحدث قائلة بنبرة أوشكت على البكاء"
- أنا فاهمة بس...

"حاولت أن تبتلع غصتها لتتبع"
- أنا بخاف يا رامز! بخاف... سعادتنا تنتهي، بخاف...

"لم تستطع أن تكمل وقد غلبتها دموعها ليضمها إليه بشدة لتفرغ دموعها على صدره، قال"
- مافيش حاجة هتنتهي، ابعدي كل الأفكار دي عن دماغك، أنا جنبك وماعنديش استعداد ابعد عنك أبداً، أنا بحبك

"مر بعض الوقت حتى هدأت تماماً ليرفع وجهها إليه ويمسح دموعها بهدوء قبل أن يبتسم قائلاً"
- خلينا نقوم نجهز نفسنا، هنفطر برة النهاردة، وبعد كده نروح نشوف دومي زي ما اتفقنا

"اومأت موافقة لتقول بابتسامة عاد إليها إشراقها"
- دقايق واجهز!

.....

- لا يا ندى! أنتِ غلطانة!

"قالتها شمس وهي تطعم الصغير إلى جوارها بينما تستمع إلى حديث ندى عن كل ما حدث بالأمس، قالت ندى مجادلة"
- كنتي عايزاني اعمل إيه؟ مش حقي اضايق؟

"أخذت شمس ملعقة من الطبق الخاص بطعام الصغير ثم قالت"
- اللي عمله رامز ممكن يعمله أي حد مش بس مع نانسي لكن مع أي واحدة غيرها

"كان الصغير ينتظر أن تعطيه ملعقة الطعام التي أخذتها من الطبق، بينما ظلت ندى صامتة لتتبع شمس قائلة"
- وكمان ماينفعش تفضلي تتأكدي من كل حاجة يقولهالك من وراه كده، وهو عرف اللي عملتيه من غير ما تقولي، كده ماينفعش

"عبس وجه الصغير وهو ينظر للملعقة بفم مفتوح، بينما قالت ندى في هدوء"
- أنا خايفة يا شمس! خايفة تحصل أي حاجة زي ما حصل قبل كده

"كادت شمس أن تتحدث قبل أن يقاطعها صوت الصغير قائلاً بوجه عابس"
- ماما!!

"التفتت شمس إليه لتجده ينظر نحو الملعقة في عبوس لتنتبه أنها أخذت ملعقة من طبق طعامه ولم تطعمه إياها بعد، ضحكت ثم قبَّلته قائلة وهي تطعمه إياها"
- أنا آسفة يا حبيبي!

"أخذ الملعقة لينهي طعامه أخيراً، قامت شمس بتنظيف فمه ثم أعطته لعبته كي يلتهي بها، بينما التفتت إلى ندى ثانيةً لتقول"
- خوفك مش صح، كلنا شايفين رامز بيحبك قد إيه وفرحان بيكي ازاي، هو أنا اللي هقولك؟ معقول مش شايفة كل اللي بيعمله عشانك؟

"ظلت ندى صامتة وبدى الحزن عليها، قالت شمس بهدوء"
- الحل الوحيد للخوف ده إنك ماتفكريش فيه، وتحاولي تخلي حياتكم سوى أسعد، ومن غير أي محاولات أساساً حياتكم سعيدة مع بعض، اشغلي نفسك بعلاقتكم وبس، الخوف مش هيعمل حاجة غير إنه هيأذيكم

"اومأت ندى دون كلمة قبل أن تغير الموضوع وهي تنظر إلى الصغير قائلة بابتسامة"
- رامز بيحب دومي أوي، ماكنتش أعرف إنه بيحب الأطفال أوي كده

"ضحكت شمس قائلة"
- دومي كمان بيحبه حتى اكتر ما بيحبني أنا

"ضحكت ندى لتقول بعدها"
- بس مش واخد حاجة منك خالص يا شمس!

"ردت شمس قائلة"
- ازاي بقى؟ نفس المناخير الصغيرة

"ضحكت ندى قائلة"
- أهم حاجة في كل واحد عينيه، وهو نفس عينين رامـي

"ابتسمت شمس قائلة"
- دي أحلى حاجة فيه

"صرخ الصغير في سعادة قائلاً بنطقه الطفولي الغير واضح"
- رامز!!

"انتبهت شمس لقدوم رامز إليهما ليرفع الصغير ذراعيه إليه ليحمله رامز ويقذفه في الهواء ويلتقطه مجدداً بينما الصغير يضحك بشدة، ضحكت شمس قائلة"
- ازاي خليته ياخد عليك كده؟ ده على ما استوعب إني مامته كانت في عيد ميلاده اللي فات

"ضحك رامز وندى كثيراً ليقول هو"
- أنتِ عايزاني أقولك السر عشان تنافسيني ولا إيه؟! استني لعيد ميلاده الجاي أحسن!

"ضحكت شمس منه بينما كانت ندى تفكر... إن ما تراه في تعامل رامز مع آدم الصغير يُشعرها بمدى الروعة التي سيكون عليها إن كان أباً، ولولا تلك المخاوف التي تعجز عن إبعادها عن رأسها لكانت تمنت في داخلها أن ينجبا طفلاً جميلاً كآدم، ولكن ليس قبل أن تطمئن."

****

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-05-22, 11:25 PM   #28

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل الثاني والعشرون

بعد مرور عامين و نصف


"كان آدم يجلس في المطبخ مع السيدة إسراء التي كانت تتحدث مع ابنتها في عصبية على الهاتف، وشعور بالملل يكاد يقتله، وعندما تأكد من أنها لن تنتهي من مكالمتها المريبة نزل من على الكرسي وذهب يبحث عن والدته.
وصل إليها ليجدها منشغلة في رسم بعض التصاميم، توجَّه ناحيتها ثم جلس إلى جوارها وقال في ملل"
- ماما!

"التفتت إليه شمس وابتسمت قائلة"
- نعم يا حبيبي؟

"فرك رأسه بيده الصغيرة وهو يقول"
- دومـي زهقان... عاوز العب

"ابتسمت في حنان قائلة"
- حاضر يا حبيبي! اخلص بس التصميم ده واجيلك نلعب زي ما أنت عايز

"مر بعض الوقت وهو جالس إلى جوارها فشعر أيضاً بالملل فقام من مكانه وقرر الذهاب إلى والده، الذي كان أيضاً يعمل منذ مدة ولم يخرج من غرفة المكتب.
طرق الباب مرتين ولكنه لم يسمع رداً فأخذ يحاول النظر من خلف الزجاج المنقوش، وقبل أن يرحل أيضاً وهو عابس الوجه، فُتح الباب ليجد والده أمامه يسارع بحمله فوراً بابتسامة كبيرة، وعندما أغلق الباب، نظر إليه حتى ضم حاجبيه فجأة في عبوس مصطنع ففعل آدم الحركة ذاتها كالعادة بينهما ليضحك رامـي ويتأكد كم هو يشبهه، قال آدم في ضيق"
- دومـي زعلان

"نظر له رامـي نظرة متسائلة فاتبع في تذمر طفولي"
- زهقت من اللعب لوحدي وماما بتشتغل كمان ودادة إسراء بنتها اتصلت عشان قفشت جوزها بيخونها

"نظر له رامـي في دهشة مما يقوله فاتبع آدم في بلاهة"
- يعني ايه يا بابا الكلام ده؟

"انقلبت تعابير رامـي إلى الضيق فوضع آدم على الأريكة وضغط على كتفيه برفق وابتسامة تدعوه ليبقى في مكانه حتى يعود، وعندما خرج من المكتب، ضم آدم حاجبيه في عبوس وقال"
- هقعد لوحدي هنا كمان؟

"توجه رامـي ناحية المطبخ ليدخل ويجدها بالفعل تتحدث في الهاتف بعصبية، وعندما رأته السيدة إسراء ورأت وجهه الغاضب، أغلقت الخط سريعاً ثم وضعت الهاتف جانباً، أمسك رامـي بهاتفه ثم كتب باقتضاب"
- دادة إسراء! اعتقد إن ده مش وقت ولا مكان أي مكالمات عائلية خالص، وخصوصاً اللي فيها مشاكل وخناق عشان أنا مش هسمح إن ابني يبقى قاعد معاكي وييجي يردد كلامك ويسألني عن معناه، مفهوم؟

"شحب وجهها عندما قرأت تلك الكلمات ونظرت إلى رامـي قائلة""
- أنا آسفة جداً، مش هتتكرر تاني والله

"اومأ رامـي برأسه وقد اطمئن أن رسالته قد وصلت وخرج ثانية من المطبخ عائداً إلى مكتبه فوجد آدم يحاول الصعود على الكرسي الكبير، توجه ناحيته وحمله ليجلس به على الكرسي ويضعه أمامه وهو يستكمل عمله.
كان آدم في منتهى الهدوء والتركيز وهو يطالع كل ما يقوم به، وعندما انتهى من عمله، نظر إلى صغيره الذي كان يبدو مستمتعاً بمطالعة الأوراق معه وقد خفَّ الملل عنه فقبَّل وجنته فضحك الصغير، وعندها، حمله رامـي واتجه به إلى غرفته كي يلعبا سوياً بالألعاب.
وهناك، كانا يلعبان بالمكعبات -لعبة آدم المفضلة- ليقول آدم وقد أخذ قطعة المكعبات من والده"
- يا بابا! دي هتتحط هنا...

"رفع رامـي حاجبه في اعتراض فضحك الصغير، ابتسم له رامـي فاتبع آدم قائلاً"
- دومـي عنده سؤال

"اومأ رامـي برأسه له فاتبع في حزن"
- ليه بابا مش بيكلم دومـي؟

"نظر له رامـي وشعر بنفس الغصة التي تصيبه دوماً وتؤلمه دون أن يشعر أحد، لطالما تمنى أن يسمع صوت صغيره الجميل ويحدثه طويلاً بدلاً من تلك الإيماءات السخيفة بالنسبة له والتي لا تعينه على التواصل بشكل جيد معه، قال آدم في حزن"
- بابا زعلان مني؟

"هز رامـي رأسه نفياً سريعاً ثم أخذ يبحث بعينيه عن أي شيء يعينه على إيصال ما يريد بطريقة يفهمها الصغير فوجد كراسة للرسم وقلم تلوين فمد يده وأخذهما ثم وضع الكراسة بينهما وأمسك القلم ورسم شخصاً طويلاً، وعلى بعد مسافة صغيرة منه، رسم شخصاً صغيراً وبينهما قلب كبير باللون الأحمر.
أشار بالقلم ناحية الشخص الكبير ونظر إلى آدم لكي يخبره من يكون، قال آدم"
- ده بابا

"ابتسم رامـي ثم اومأ برأسه إيجاباً قبل أن يشير بالقلم ناحية القلب ليقول الصغير في سعادة"
- ماما بتقول قلب يعني حب

"ضحك رامـي ثم اومأ أيضاً برأسه إيجاباً ثم أشار بالقلم ناحية الشخص الصغير ليقول آدم مشيراً بإصبعه ناحيته قائلاً"
- ده دومـي

"أشار رامـي بالقلم من البداية مجدداً ثم نظر إلى آدم الذي قال كلمة كلمة"
- بابا... حب... دومـي

"ثم قال في سعادة كبيرة"
- بابا بيحب دومـي

"ضحك رامـي في سعادة هو الآخر وهز رأسه إيجاباً ثم حمله إليه وضمه في حنان، شعر ببعض الراحة عندما استطاع أن يوصل رسالته له دون عناء، وكان آدم دائماً يبهره بذكائه في قدرته على ملاحظة وفهم الأشياء.
وعندما دخلت شمس ووجدتهما هكذا، ابتسمت في سعادة ثم نظرت إلى وجه رامـي، وشعرت بأنها تفهم كل ما يدور في رأسه، اقتربت ناحيتهما ثم جلست إلى جواره، وعندما انتبه لها، فتح ذراعه الآخر لها كي يضمها هي الأخرى."

.....

"وفي الشركة الخاصة برامـي، كان كرم طوال الوقت شارداً حتى انتبه لإشارة رامـي الذي سأله"
- كرم! سرحان في إيه؟

"نظر إليه قبل أن يشير بحزن"
- عمر يا رامـي! خايف عليه اوي، من ساعة موت أميرة وهو على طول ساكت وقاعد لوحده، مش عارف اعمله إيه

"رد رامـي مشيراً"
- أنا أعرف دكتورة نفسية شاطرة اوي، متأكد إنها هتقدر تساعده

"أشار كرم في أمل"
- بجد؟ اسمها إيه؟

"أشار رامـي بابتسامة"
- نسمة توفيق، هي صديقة ليَّ وأنا اضمنها

"ثم أخرج بطاقة ما من مكتبه وأعطاه إياه ليشير بعدها"
- ده الكارت بتاعها فيه عنوان عيادتها ورقمها

"أشار كرم بامتنان"
- شكراً يا رامـي!

"ابتسم رامـي مشيراً"
- على إيه يا كرم؟ عمر زي آدم بالظبط

"ثم اتبع وقد خطرت بباله فكرة"
- إيه رأيك تجيبه النهاردة وتقضوا معانا بقية اليوم؟ آدم معظم الوقت لوحده كمان ومن يومين سألني عليه، متهيألي ممكن ينبسط لما يلعب مع حد من سنه

"صمت كرم وهو لا يدري إن كان الصغير سيقبل أم لا، أشار أخيراً"
- هحاول، اتمنى يوافق ويخرج

.....

"وفي المساء، استطاع كرم أن يحضر صغيره معه إلى منزل رامـي كي يجلس مع آدم ويلعبان سوياً، وعندما وصلا هناك، استقبله رامـي وشمس في ترحيب كبير، قالت شمس بابتسامتها المشرقة"
- أهلاً وسهلاً يا كرم! عامل إيه؟

"ابتسم كرم قائلاً"
- الحمد لله يا شمس! كله تمام

"نزلت شمس إلى الصغير الذي أصبح وجهه حزيناً لتقول بابتسامتها الحنونة التي تخاطب بها آدم دوماً"
- ازيك يا عمر؟ اخبارك إيه؟

"ظل الصغير صامتاً وهو ينظر للأسفل قبل أن ينزل كرم إليه ويمسح على رأسه قائلاً بهدوء"
- عمر! بنقول إيه لما حد يسألنا ازيك؟

"ظل الصغير صامتاً قبل أن يرفع عينيه إليها ويقول في خفوت"
- كويس

"مسحت شمس على رأسه في حنان قبل أن تقول في مرح"
- دومي مستنيك من الصبح، كان فرحان أوي لما عرف إنك هتيجي عشان تلعب معاه، تعالى معايا نخرج للجنينة

"لم يعلق الصغير على أي شيء فأمسكت بيده كي يذهب معها، وبالفعل أخذته إلى الحديقة حيث كان آدم يجلس وأمامه بعض الألعاب، وعندما رأى عمر، قال في سعادة"
- هيييه!! عمر هيلعب مع دومي

"ضحكت شمس مخاطبة عمر"
- شفت بقى يا عمر؟ دومي مستعد يخليك تلعب معاه، خلي بالك مش أي حد يقعد القعدة دي

"ثم نظرت إلى آدم واتبعت"
- دومي! العبوا سوى وماتزعلوش من بعض أبداً، ماشي؟

"اومأ آدم برأسه في طاعة لتقبِّل وجنتيهما وترحل، أخذ آدم يرص المكعبات بينما ظل عمر ساكناً والحزن يملأ وجهه، وعندما انتبه له آدم، سأله"
- ليه مش بتلعب معايا؟

"قال عمر في حزن"
- عشان زعلان

"قال آدم في حزن لحالته"
- ليه زعلان؟ خلاص مش هاخد المكعبات الملونة، خدها أنت

"ظل عمر صامتاً فأخذ آدم مكعب صغير ووضعه في يده ثم رفع يده ومدها ناحية البيت الصغير ليضعها في مكانها.
تكررت نفس الحركة أكثر من مرة حتى أخذ عمر يستجيب ويرص المكعبات بنفسه دون أن يتحدث إلا نادراً، وعندما انتهى البيت، صفق آدم في سعادة قائلاً"
- خلصنا البيت!

"وعندما لم يصفق عمر، سأله"
- ليه مش بتسقف؟ مش فرحان؟

"رد عمر عابساً"
البيت مش حلو

"ضم آدم حاجبيه قائلاً في عناد"
- لا حلو

"هز عمر رأسه في نفي ثم دفع البيت الصغير بيده ليتفكك، ضم آدم حاجبيه في غضب ليقول"
- ليه بوظت بيتي؟

"قام عمر من مكانه ليركض إلى الداخل قبل أن يركض آدم خلفه في غضب عازماً أن يضربه.
وجد الكبار عمر يدخل من الشرفة راكضاً يختبئ خلف والده ومن خلفه آدم عابس الوجه يركض خلفه.
أمسك به رامـي قبل أن يصل إلى عمر ليستمر ركض الصغير في الهواء وهو يقول في ضيق"
- يا بابا نزلني عالأرض عشان اوصل

"حاولت شمس أن تكتم ضحكتها قبل أن تسأله في جدية حاولت جمعها قدر الإمكان"
- في إيه يا دومي؟ أنا مش قلت مافيش خناق؟

"نظر كرم إلى عمر بعد أن حمله وقال"
- إيه اللي حصل يا عمر؟

"ظل عمر صامتاً ليقول آدم ضاماً حاجبيه في غضب"
- عمر بوظلي بيت المكعبات بتاعي اللي بنيته

"نظر له رامـي نظرة مؤنبة بينما كانت شمس سعيدة للغاية لأن صغيرها يشبه أباه كثيراً، مجدداً... قالت محاولة أن تكون جدّية"
- وإيه المشكلة يا دومي؟ تبنوه تاني

"ظل آدم صامتاً بينما نظر عمر إلى والده قائلاً بصوته الخافت"
- عايز ارجع اوضتي

"نظر له كرم وهو يتألم لأجل حالته هذه قبل أن يقول باعتذار مهذب"
- أنا آسف عاللخبطة اللي حصلت دي

"أشار رامـي فوراً"
- ايه اللي بتقوله ده يا كرم؟ ماحصلش حاجة

"ثم نظر إلى آدم نظرة مؤنبة أخرى قبل أن يلتفت إلى كرم ثانيةً ويشير"
- آدم غلطان وأنا هتفاهم معاه، والمرة الجاية مش هيتكرر اللي حصل ده تاني

"وبعد أن رحل كرم وعمر، جلس رامـي لتجلس شمس جواره وتوقف آدم أمامها، أشار رامـي لتقول شمس عنه"
- اللي عملته كان غلط يا آدم!

"شعر الصغير بالحزن لأنها نادته باسمه ليقول"
- أنا كنت عايز نلعب سوى بس هو خلى البيت يقع، أنا مابحبش حد يوقع بيتي

"أشار رامـي مرة أخرى لتقول شمس عنه"
- ولو... ماكانش المفروض تتصرف بالطريقة دي، الحاجة اللي بتقع نبنيها تاني مش نضيع وقت في خناق عليها وبس

"نظر آدم إلى رامـي وقال"
- أنا آسف!

"ثم اتبع في رجاء"
- ممكن ارجع دومي تاني؟

"ابتسم رامـي ليحتضنه للحظات قبل أن ينظر إليه ليهز رأسه إيجاباً ليصفق الصغير في سعادة.
وبعد أن نام، وأثناء ما كانت شمس تجلس أمام المرآة في غرفتهما، تذكرت ما حدث قبل قليل لتجد نفسها تضحك كثيراً.
نظر رامـي ناحيتها في تعجب لتلتفت إليه وهي تضحك حتى قامت من مكانها وتوجهت ناحية السرير لتجلس إلى جواره وتشير محاولة منع نفسها عن الضحك"
- هو مش اللي عمله دومي كان غلط؟

"اومأ برأسه إيجاباً فاتبعت ضاحكة"
- بس شكله وهو مكشر وبيجري ورا عمر كان أحلى موقف شفت دومي فيه

"ثم قلدت شكله وهو مضموم الحاجبين في عبوسه الطفولي ليضحك رامـي أيضاً قبل أن يشير"
- بس برضو ماينفعش خصوصاً مع الظروف اللي عمر بيمر بيها

"اومأت برأسها متفهمة لتشير"
- طيب مش ممكن نسمة تساعده؟

"رد مشيراً"
- أنا قلت لكرم عنها، هيروحلها في أقرب وقت

"عادت لتومئ برأسها مجدداً قبل أن يطالع هو شكلها الرائع أمامه وقد عادت لتترك شعرها الأسود منسدلاً من جديد، ووضعت أحمر شفاهٍ داكن، وكحلاً باللون الأسود حول عينيها زادهما جمالاً لتبدو في عينيه فاتنة للغاية، أشار بابتسامة تحمل إعجابه كالعادة"
- بحب شكلك كده

"ضحكت شمس لتقول بنبرة مثيرة وهي تعبث بشعرها مقلدة نجمات السينما"
- نجمة إغراء!

.....

"كانت نسمة جالسة في عيادتها وقد انتهت للتو من إحدى الحالات لتأتي الحالة التالية من بعدها.
مرت لحظات حتى وجدت رجلاً يبدو عليه أنه في أواخر الثلاثينات، وكان وجهه مألوفاً بالنسبة إليها، ابتسم الرجل ابتسامة خفيفة قائلاً"
- مساء الخير!

"ابتسمت نسمة قائلة"
- مساء النور! اتفضل

"قال قبل أن يجلس"
- شكراً

"وعندما جلس، قالت نسمة متسائلة"
- هو احنا اتقابلنا قبل كده؟

"نظر لها للحظات قبل أن يقول"
- تقريباً...

"ثم اتبع بابتسامة"
- اعتقد اتقابلنا في فرح رامـي باعتبار إنه صديق مشترك بيننا

"تذكرت نسمة على الفور ذلك الرجل الذي اصطدمت به بالخطأ قبل أن تدخل إلى حفل الزفاف، ذلك الرجل الجذاب الذي يمتلك أسرة صغيرة مثالية، وفي نفس الوقت، كان قد تذكرها هو الآخر، قالا سوياً في نفس الوقت"
- افتكرت

"ضحك كل منهما ضحكة خفيفة ليتبع هو معرفاً إياها بنفسه"
- أنا اسمي كرم الصاوي، المدير التنفيذي لشركة رامـي

"اومأت برأسها بابتسامة قائلة"
- أهلاً وسهلاً! فرصة سعيدة!

"ابتسم قائلاً"
- أنا أسعد

"ثم صمت للحظات قبل أن يتبع"
- في الحقيقة أنا جيت لحضرتك عشان في مشكلة، ورامـي نصحني اجيلك لأنك دكتورة شاطرة وممكن تساعديني

"قالت متسائلة"
- أكيد، ايه هي المشكلة؟

"قال وقد بدت معالم الألم على وجهه"
- أنا كنت متجوز وعندي ولد اسمه عمر، هو دلوقتي عنده خمس سنين

"صمت للحظات قبل أن يُكمل"
- من 3 شهور أميرة مراتي اتوفت في حادثة

"قالت في هدوء"
- البقية في حياتك

"اومأ لها قائلاً"
- حياتك الباقية

"ثم اتبع حديثه قائلاً"
- الفترة اللي فاتت كانت صعبة، بس للأسف عمر اتغير خالص بعد اللي حصل، كان على طول بيجري ويلعب ويتحرك ويتكلم كتير ويضحك، دلوقتي فجأة كل حاجة اختفت حتى الكلام... مابقاش بيتكلم أبداً غير نادراً، بيدخل اوضته يعيط لوحده ولما بدخله بيحاول يمسح دموعه بسرعة عشان مايعرفنيش حاجة، أنا في البداية قلت إنه حزين وهياخد وقت وهيرجع لطبيعته بالتدريج، بس مافيش أي حاجة بتتغير وخايف عليه اوي

"كانت تستمع إليه في تركيز، وعندما انتهى من حديثه، اومأت متفهمة لتتبع بعدها"
- طيب ليه هو مش موجود مع حضرتك دلوقتي؟

"رد قائلاً"
- حاولت اجيبه وقلتله إني هفسحه شوية، بس مارضيش يخرج، بصراحة خفت اضغط عليه عشان مايتعبش اكتر، فضّلت إني اشرح لحضرتك كل حاجة الأول وبعد كده هحاول واجيبه المرة الجاية

"ابتسمت نسمة قائلة"
- مش محتاج تجيبه، لو تسمحلي اروحله أنا بنفسي المرة الجاية هيبقى أحسن كتير، المكان هنا ممكن يخليه يغضب ويرفض يتكلم، لكن في مكانه وفي وسط حاجته ولعبه هيبقى مرتاح أكتر وهقدر اتكلم معاه

"ابتسم كرم في أمل قائلاً"
- أكيد أنا ماعنديش مانع

.....

"كان رامز يجلس في الشرفة وحيداً وهو يفكر... مرت أربعة أعوام على زواجهما ولم يُرزقا بطفلٍ إلى الآن، لكم يتمنى أن يُرزق بطفلٍ مثل آدم الذي يعتبره بالفعل ابناً له أيضاً!
يريده لسببين... أولاً، أن يعوِّض خسارة طفله الأول الذي لم يره سوى من بعيد فقط،
وثانياً، أن يحصل على طفل بل ستة من ندى، يريد أن يكوِّن أسرة كبيرة خاصة به كي يعوِّض شعوره بالوحدة وعدم الانتماء، الذي وإن تحسَّن نسبياً بعد عودة الأمور لطبيعتها، ولكن يظل ينخر داخله بين حينٍ وآخر.
قطع شروده قدوم ندى التي جلست إلى جواره وقالت بابتسامة"
- سرحان في إيه؟

"ابتسم لها قبل أن يضُّمها إليه قائلاً"
- فيكي

"ابتسمت ليتبع"
- وفي دومي

"ضحكت قائلة"
- دومي خلاص بقى واكل عقلك

"ضحك ثم قال"
- إيه رأيك نخطفه؟

"نظرت إليه في شرٍ مصطنع لتقول"
- ازاي؟ ايه الخطة؟

"ضحك قائلاً"
- أنتِ كنتي في عصابة ولا ايه؟!

"ضحكت ليتبع"
- أنا كنت بفكر نخطفه يقضي معانا يوم كامل من الأول للآخر، وبعد كده نبقى نرجع الضحية لأصحابها في اليوم التاني، إيه رأيك؟

"قالت ندى في حماس"
- موافقة! هجهز الرجالة واديلك خبر!

.....

"في اليوم التالي، ذهب رامز منذ الصباح الباكر إلى منزل رامـي وشمس كي يأخذ الصغير معه في نزهة، وعندما مر من الحديقة، أوقفه صراخ آدم في سعادة قائلاً"
- رامز!!

"ركض ناحيته ليحمله رامز في سعادة ويجلسه فوق كتفه ليقول بابتسامة ماكرة"
- مش ناوي تقولي عمو وتحسسني إني مهم؟

"هز الصغير رأسه نفياً ثم نزل برأسه أمام عينيه ليقول"
- أنت صاحبي، وصاحبي مش هقوله عمو

"ضحك رامز قائلاً"
- ناصح زي أبوك

"ثم اتبع متسائلاً"
- صحيح هو فين؟

"رد الصغير في ملل"
- بابا وماما في الشغل، ودومي زهقان

"ابتسم رامز في مكر قائلاً"
- طب إيه رأيك اخطفك؟

"قال الصغير في حماس"
- دنجل!!

"قال رامز متسائلاً"
- أنت عرفت دنجل منين؟

"رد الصغير بنفس الحماس"
- ماما بتحكيلي حواديت ميكي وبطوط كلها

"ضحك رامز قائلاً"
- حلو! غير إني مش عمو بقيت دنجل كمان، طب موافق دنجل يخطفك النهاردة كله؟

"هز رأسه إيجاباً ثم قال متسائلاً"
- موافق! بس بابا هيدور علينا

"رد رامز في مكر"
- ما احنا هنكلمه ونطلب فدية، تطلب إيه؟

"قال الصغير في سعادة"
- ايس كريم شوكولاتة كتييير

"أخبر رامز المربية أنه سيأخذه معه حتى لا تقلق بشأنه ثم طلب منها إحضار حقيبة صغيرة تحتوي على بعض حاجيات الصغير الأساسية كي يبيت هذه الليلة عنده.
وعندما خرجا من المنزل، كانت ندى بانتظارهما في السيارة ثم نزلت كي تستقبل الصغير محتضنة إياه في سعادة قائلة"
- وحشتني يا دومي!

"قال الصغير في سعادة"
- وأنتِ كمان! هنروح فين؟

"ضحكت قائلة"
- خليها مفاجأة، ماتسألش عن حاجة خالص، هتنبسط النهاردة جداً

"ذهبا سوياً إلى الملاهي ليقضوا وقتاً ممتعاً للغاية ثم ذهبوا إلى متجر الألعاب، وأثناء ما كان رامز وندى يسيران معاً، كان آدم يجلس فوق كتفيه ليشاهد الألعاب التي في الأدوار العالية، نظر رامز إليه في الأعلى ليقول"
- مبسوط يا دومي؟

"هز الصغير رأسه إيجاباً ليرن هاتف رامز كي يرفع رأسه إليه ثانية وهو يقول"
- ماما بتتصل، أرد واطلب الفدية ولا استنى شوية كمان؟

"قال الصغير في حذر"
- اطلب الفدية وبعدين اقفل التليفون عشان مايعرفوش مكاننا

"رفع رامز حاجبيه في اندهاش ليقول"
- ماما كانت بتحكيلك ميكي ولا روايات بوليسية؟

"كانت ندى تضحك من حديثهما وهي تفكر... إن هذا الصغير ليس في الرابعة من عمره أبداً، من الواضح أن شمس قد ألقت بداخله مغامرات سنواتها الماضية بأكملها ليصبح بهذا الذكاء وهذه الحيطة، فتح رامز الخط أخيراً ليقول"
- ألو! ميكي؟

"ضحكت شمس مستغربة لتقول"
- ميكي؟!

"ضحك قائلاً"
- مين هينقذ دومي من دنجل غير ميكي وبطوط؟

"قالت شمس في حزن"
- حرام عليك يا دنجل خطفته قبل ما اخلص معاه المجلد النهاردة

"رد رامز متعجباً"
- انتو فعلاً عيلة غريبة

"ضحكت شمس منه ليتبع قائلاً"
- أنا هخليه عندي النهاردة، واخدت شوية حاجات عشان الليلة دي

"ابتسمت شمس قائلة"
- طب كويس إنك قلت عشان دادة إسراء نسيت تقولنا ورامـي كان هيرفدها ويبلغ البوليس لولا إنها افتكرت، عشان كده بكلمك واعرف انتو فين

"نظر رامز إلى دومي ليقول"
- دادة إسراء كانت هتضيع مننا يا دومي، بابا دايماً متهور كده

"ثم عاد ليقول مخاطباً شمس في مكر"
- طيب موافق اخليه عندي ولا هيبلغ البوليس خلاص؟

"ضحكت قائلة في مكر هي الأخرى"
- لا خلاص موافق، بس استحمل بقى اللي دومي هيعمله فيك قبل ما ينام، مع السلامة!

"ثم أغلقت الخط لينظر رامز إلى آدم في ريبة قائلاً"
- أنت بتعمل إيه قبل ما تنام؟

"رد الصغير في وداعة"
- دومي مابيعملش حاجة

.....

"وقبل النوم، كانت ندى تحاول أن تروي له بعض القصص كي ينام ولكن لا حياة لمن تنادي، نظرت إليه متسائلة"
- ماما بتنيمك ازاي يا دومي؟

"قال الصغير وهو يعبث بطرف غطائه"
- بتحكيلي حدوتة

"قالت ندى في حزن"
- ما أنا بحكيلك من الصبح، مش بتنام ليه؟

"ثم خرجت من غرفته لتعود إلى غرفتهما ليسألها رامز قائلاً"
- نام؟

"هزت رأسها نفياً لتقول"
- حكيتله حواديت قد كده ومش عايز ينام، الخطف ده طلع صعب اوي

"ضحك ليقوم من مكانه قائلاً"
- أنا هنيمه

"وعندما دخل إلى غرفة الصغير، تمدد إلى جواره ووضع ساقاً فوق أخرى لينظر إليه قائلاً"
- مش عايز تنام ليه بقى؟

"فعل الصغير مثله ووضع ساقاً فوق أخرى ليقول"
- بفكر في موضوع

"نظر رامز إليه باندهاش ليقول"
- أنت عندك أربع سنين؟

"هز الصغير رأسه إيجاباً ليسأله رامز"
- وإيه الموضوع اللي شاغلك يا دومي بيه؟

"نظر إليه الصغير ليقول"
- بابا وماما ممكن يبقى عندهم دومي تاني غيري؟

"قال رامز متسائلاً"
- مش عايز؟

"قال الصغير وهو يشبك أصابعه"
- دومي بيقعد لوحده يلعب وبيزهق، بس ممكن يحبوه اكتر مني، صح؟

"هز رأسه نفياً ليقول"
- مستحيل، هيحبوه قد دومي بالظبط

"نظر إليه الصغير ليقول"
- ليه أنت مش عندك دومي؟

"نظر إليه رامز قبل أن يقول"
- كان هيبقى عندي يا دومي

"قال الصغير متسائلاً"
- راح فين؟

"نظر رامز إلى السقف قبل أن يقول"
- سافر فوق، بس أنا عايز اجيب دومي تاني

"قال الصغير في حذر"
- هتلعب معاه وتسيبني؟

"نظر له رامز وقال بابتسامة"
- أبداً، أنا ماقدرش اسيب دومي أبداً

"قال الصغير في حيرة"
- دومي مين فينا لخبطتني

"وجد نفسه يضحك بشدة لينظر له قائلاً"
- أنت طالع بتتكلم كتير كده لمين؟

"رد الصغير قائلاً"
- ماما بتتكلم كتير، بابا بيسمعني بس

"نظر له رامز قبل أن يقول بابتسامة"
- بابا بيكلمك كتير على فكرة

"قال الصغير متسائلاً"
- ازاي؟

"ابتسم رامز قائلاً"
- بعينيه، لما تكبر هتعرف إن في كلام كتير بنقوله بعينينا بيبقى أهم بكتير من أي حاجة بنقولها بلساننا

"قال الصغير في سعادة"
- أنا وبابا عينينا زي بعضها

"ضحك رامز ضحكة خفيفة ليقول"
- يبقى هتتفاهموا

.....

"في آخر الأسبوع، ذهبت نسمة إلى منزل كرم حسب اتفاقهما لرؤية الصغير والتحدث معه، وعندما وصلت هناك، استقبلها كرم في ترحيب قائلاً بابتسامة"
- أهلاً وسهلاً يا دكتور!

"صافحته قائلة بابتسامة"
- أهلاً بحضرتك

"سارا سوياً إلى الداخل ليقول"
- اوضة عمر في آخر الطرقة، بس...

"صمت قبل أن يقول بحذر"
- أنا عملت زي ما حضرتك قلتيلي وفهمته إن في صديقة جاية زيارة وعايزة تشوفه عشان وحشها

"سألته نسمة قائلة"
- كويس، عمل إيه؟

"هز رأسه في نفي ليقول في حزن"
- ماعلقش أبداً، من الصبح وهو في اوضته مابيخرجش غير للأكل وبس

"ابتسمت مطمئنة إياه لتقول"
- ماتقلقش حضرتك، أنا هقدر اتصرف

"كان الصغير يجلس في غرفته وهو يلعب بالألعاب وحيداً في حزن كالعادة منذ وفاة والدته، ثم انتبه لباب الغرفة يُفتح ليجد امرأة لم يرها من قبل تدخل إليه، تقدمت ناحيته ثم نزلت إليه لتقول بابتسامة"
- ازيك يا عمر؟

"صمت الصغير للحظات قبل أن يقول بخفوت"
- كويس

"ابتسمت له قائلة"
- ممكن اقعد معاك شوية؟

"ظل الصغير صامتاً ولم يرد، جلست إلى جواره لتقول"
- اشمعنا رديت على سؤال ازيك وماردتش على سؤال اقعد معاك شوية؟

"ظل الصغير صامتاً لتقول"
- طب مش عايز تعرف أنا مين؟

"هز الصغير رأسه نفياً لتقول متعجبة"
- غريبة! مش ده اللي سمعته عن عمر خالص

"ثم اتبعت قائلة"
- أنا سمعت إنه في المدرسة عنده أصحاب كتير اوي، وأي حد عايز يبقى صاحبه ماكانش بيقوله لا خالص

"نظر إليها الصغير دون رد لتتبع"
- عارف؟ أنا ماعنديش صحاب، عايشة لوحدي على طول

"قال الصغير في حزن"
- أنتِ كمان ماعندكيش ماما؟

"اومأت برأسها إيجاباً ليتبع"
- زعلانة، صح؟

"قالت بهدوء"
- زعلانة، بس أنا بعمل حاجة حلوة بتخرجني من الزعل، حابب تعرفها؟

"ظل الصغير صامتاً لتتبع بابتسامة"
- بخرج كتير وبسافر وبشتغل وبحاول اتعرف على ناس جديدة دايماً

"ثم اتبعت في حزن"
- بس أنت مش عايز تتعرف عليا

"نظر إليها ليقول بخفوت"
- أنا مش عايز يبقى عندي أصحاب تاني

"قالت متسائلة"
- ليه؟

"صمت للحظات ليتبع في حزن"
- عشان مايمشوش زي ماما

"ابتسمت نسمة قائلة"
- ولو مشيوا؟ اعمل زي ما أنا بعمل، اتعرف على ناس جديدة وحبهم والعب معاهم وافرح وانبسط، وكمان أنت مش لوحدك، معاك بابا ومعاك أصحابك في المدرسة، ومعاك دومي كمان، مش دومي صاحبك؟

"نظر لها في حزن ليقول"
- دومي زعلان مني

"نظرت إليه متسائلة"
- ليه؟

"قال في حزن"
- عشان أنا وقعتله بيت المكعبات اللي بناه، هو كان عايز يلعب معايا وقال هيسيبلي المكعبات الملونة العب بيها، بس أنا زعلته مني

"ابتسمت قائلة"
- أنا عارفة دومي كمان، دومي مستحيل يزعل منك، هو بيحبك أوي، وأنا متأكدة إنكم لو لعبتوا سوى تاني هيفرح اوي

"نظر لها للحظات لتبتسم قائلة"
- ممكن بقى نكون صحاب وتخليني ألعب معاك باللعب الحلوة دي؟

"ظل صامتاً قبل أن يقول"
- أنتِ اسمك إيه؟

"ابتسمت قائلة في مرح"
- نسمة، حلو؟ اوعى تقول وحش هاخد اللعب دي معايا وأنا ماشية

"ارتسمت ابتسامة على وجه الصغير أخيراً لتمد نسمة يدها إليه قائلة"
- بقينا صحاب؟

"مد يده ناحيتها ليقول"
- بقينا صحاب

.....

"مرت فترة، كانت نسمة فيها مستمرة على زياراتها الدورية لمنزل كرم كي ترى الصغير، والذي بالفعل قد تحسَّن كثيراً بعد زياراتها له بل أصبح ينتظرها، وإن تأخرت يسأل عنها.
شعر كرم بالارتياح وهو يرى صغيره قد عاد إلى طبيعته مجدداً، ومن خلال المرات التي أتت فيها نسمة، استطاع أن يتعرف عليها أكثر، ويتبادلان أطراف الحديث في أمور شتى.
وفي أحد الأيام، وعندما انتهت نسمة من زيارتها للصغير، خرجت إليه وكان ينتظرها في الخارج، سألها قائلاً"
- إيه الأخبار؟

"ابتسمت قائلة"
- الأخبار زي الفل، عمر خلاص مابقاش محتاجني، رجع زي الأول وأحسن كمان

"ابتسم قائلاً في امتنان"
- أنا مش عارف اشكرك ازاي، أنا تعبتك جداً الفترة اللي فاتت

"ابتسمت نسمة قائلة"
- لا شكر على واجب، ده شغلي، وبعدين أنا حبيت عمر خالص، وبقى صاحبي فعلاً

"ثم اتبعت"
- متهيألي كده مش هيكون في زيارات تانية، عمر اتحسن خلاص ومابقاش في داعي لوجودي

"قال كرم سريعاً"
- ازاي؟ وجودك مهم جداً

"نظرت إليه متسائلة ليتدارك نفسه قائلاً"
- اقصد... عمر اعتبرك صحبته خلاص، لازم تتقابلوا تاني عشان مايرجعش يزعل

"اومأت برأسها قائلة بابتسامة"
- اكيد، بس في مكان تاني غير البيت

"اومأ برأسه متفهماً ليسود الصمت بينهما قبل أن ينظر لها متسائلاً"
- أنا كنت عايز اطلب منك طلب

"نظرت إليه منتظرة أن يُكمل ليتبع قائلاً"
- ممكن... اعزمك على فنجان قهوة؟

.....

"في يوم العطلة، كان رامز وندى في منزل شمس ورامـي، وكانت شمس وندى في المطبخ تقومان بتحضير بعض المقرمشات والبطاطس المقلية التي يعشقها آدم.
كان رامـي ورامز في الحديقة يلعبان مع آدم. كان رامز يشاهد رامـي وآدم وهو يتخيل... هل لو عاش صغيره كان ليصبح مثل آدم؟
كلما فكر في التحدث إلى ندى بشأن الأطفال خشي أن يزعجها، هل يمكن أن يكون هناك سببٌ ما يمنعها عن الإنجاب؟
كان يريد أن يتحدث معها بهذا الشأن ليجدا له علاجاً إن وجد، ولكنه كان يفكر أكثر في ردة فعلها فيمتنع، لربما تظن أنه سيتركها إن كان هناك مانع بالفعل.
وعندما ذهب آدم إلى والدته، التفت رامـي إليه ليشير"
- سرحان في إيه؟

"نظر إليه قبل أن يشير بابتسامة غامضة"
- تفتكر رامز لو كان لسة عايش كان هيبقى زي دومي؟ أو أنا هحبه قد ما بحب دومي؟

"لم يعرف رامـي بمَ يرد ليتبع رامز مشيراً"
- أنا عايز أخلف، عدت أربع سنين وأنا لسة مابقاش عندي العيلة اللي نفسي فيها

"أشار رامـي متسائلاً"
- اتكلمت مع ندى؟

"هز رأسه نفياً ليشير"
- خايف اتكلم، مش عارف ممكن تفكر ازاي، ولو في مشكلة عندها أخاف اجرحها

"ثم صمت ليتبع بعدها"
- الغريب إن هي كمان مابتتكلمش، مع إنها عارفة إن أكيد أنا ماعنديش مشكلة يعني كلامها مش هيسببلي أي حساسية

"أشار رامـي"
- ممكن يكون في مشكلة وهي خايفة تصارحك بيها لا تسيبها

"اومأ رامز برأسه ليشير بعدها"
- دي كمان مشكلة، إنها ممكن تربط أي حاجة باحتمالية إني اسيبها، وأنا عمري ما هعمل كده، أنا بس عايز افهم في ايه

"ظل رامـي ساكناً قبل أن يشير"
- أنا شايف إنك تتكلم معاها وتتفاهموا، بعد أربع سنين أكيد ندى دلوقتي بقت متأكدة إنك بتحبها ومش ممكن تسيبها

"شعر رامز بأنه محق، التأجيل لن يجعل الأمور أفضل، حتى وإن حدثت مشكلة سيستطيع احتواءها كعادته، عندما يعودان إلى المنزل سيتحدثان، أشار رامـي"
- أنا هروح أشوفهم بيعملوا ايه كل ده

"وعندما توجه رامـي ناحية المطبخ، توقف مكانه عندما وجد وجه شمس الضائق وهي تقول"
- أنتِ بتقولي إيه؟ أنتِ لسة مكملة في حبوب منع الحمل دي؟!!

"قالت ندى في خوف"
- ارجوكي اهدي، أنا خايفة رامز يسمعك

"حاولت شمس أن تسيطر على انفعالها وهي تقول"
- ليه يا ندى؟ كملتي ليه؟ مش قلتيلي قبل كده إنها مؤقتة لغاية ما تتأكدي من حبه ليكي؟

"صمتت ندى قبل أن تقول بصوت قارب على البكاء"
- خايفة يا شمس!

"ردت شمس في غضب مكتوم"
- أنتِ على طول خايفة، ولما أنتِ خايفة اتجوزتيه ليه؟ بتخدعيه ليه؟

"كادت ندى أن ترد قبل أن تنتبه إلى مجيء رامـي، عادت شمس لتبتسم مرة أخرى وكأن شيئاً لم يكن منذ قليل لتشير"
- في حاجة ناقصة برة يا رامـي؟

"نظر رامـي إليهما قبل أن يشير باقتضاب"
- مافيش، بس انتو اتأخرتوا فقلت آجي اشوفكم

"أشارت شمس بابتسامة"
- احنا خلاص خلصنا وكنا جايين اهو

"أمسكت ندى بطبقين من المقرمشات ثم خرجت من المطبخ ليسود الصمت بين رامـي وشمس، شعرت بأن شيئاً ما ليس على ما يرام، سألته مشيرة"
- في حاجة عاوز تقولها؟

"هز رأسه نفياً ليشير بهدوء"
- مافيش

"كانت هذه الجلسة مختلفة عما سبقها، فعلى الرغم من الجو الضاحك إلا أن باطنه كان متوتراً بحق.
كان رامز يفكر في الحديث الذي سيخبر ندى به بشكل مناسب حتى لا يحدث أي توتر بينهما...

كانت ندى تتألم بداخلها لأجل حديثها مع شمس في الصباح، هي بالفعل مخادعة وكاذبة، كلما حاولت أن تتوقف كانت تأتي شكوكها لترغمها على الاستمرار متجاهلة رغبتها الشديدة في المجيء منه بطفل.
وكانت شمس تنظر إلى رامـي بين وحين وآخر لتراه يرمقها بنظراتٍ غريبة لم تفهمها أبداً، يوجد شيءٌ ما يخفيه ويغضبه منها، ربما لا تفهم معنى نظراته ولكنها تعلم أنه لا يرمقها هكذا إلا في غضبه، ولا يغضب إلا لأمر كبير، هل...؟ حاولت أن تبعد تلك الفكرة عن ذهنها، من المستحيل أن يكون قد علم شيئاً.
وأما رامـي... فكان مصدوماً مما علم، لم يكن يستبعد كارثة كتلك من ندى، ولكنه لم يكن يتوقع معرفة شمس بالأمر بل وتكتمها عليه أيضاً، كيف فعلتها؟
مر اليوم أخيراً ليقوم رامـي وشمس بتوديع رامز وندى، وعندما رحلا وأخذت المربية آدم إلى غرفته كي ينام، عاد رامـي ليلتفت إلى شمس بتلك النظرات التي لا تفهمها أبداً، تركها ثم توجه إلى غرفتهما لتلحق به وتغلق الباب خلفها.
جلس على السرير وهو ينظر أمامه بملامح بدأ الغضب يظهر عليها، أشارت هي في حذر"
- في إيه يا حبيبي؟ إيه اللي مضايقك؟

"نظر لها للحظات ليشير أخيراً"
- أنتِ ليه عملتي كده؟

"شعرت شمس بأن توقعها أوشك أن يكون حقيقة، ولكنها فضلت ادعاء البلاهة لتشير"
- عملت إيه؟

"ابتسم ابتسامة ضائقة ليشير"
- أنا عرفت يا شمس! ماتعمليش نفسك مش فاهمة

"نظرت إليه متسائلة لتشير"
- قصدك إيه؟

"نظر لها في ضيق ليشير"
- أنا دايماً أعرف إنك صريحة بس أول مرة اعرف إنك بتكدبي وتخبي

"نظرت إليه في دهشة ليتبع"
- ليه ماقلتيش إن ندى بتاخد حبوب منع الحمل من زمان؟ ليه خبيتي؟

"أشارت شمس سريعاً"
- أنا كنت فاكرة إنها بطلتها، وبما إنك راقبت كلامي الصبح يبقى اكيد اخدت بالك إني اتفاجئت زيك إنها لسة بتاخدها

"أشار رامـي في غضب"
- يعني كنتي عارفة من البداية، كنتي عارفة إنها بتكدب عليه وساكتة

"أشارت في ضيق"
- أنا ماكانش من حقي اقولها تعمل ايه وماتعملش ايه، حاولت امنعها في البداية بس هي صممت بسبب شكوكها وخوفها منه

"أشار في قسوة"
- كان لازم تيجي وتقوليلي، مافيش أي حاجة في الدنيا تخلي واحدة تخدع جوزها بالطريقة دي، وأنتِ عملتي زيها بالظبط، انتو الاتنين كدابين!

"خرج صوت شمس عالياً لتقول"
- وأنت عملت إيه لما كنت عارف بكل اللي عمله رامز زمان؟ مش خبيت وكدبت برضو؟ ولا رحت قلت لندى خلي بالك عشان أنتِ بيتضحك عليكي من ورا ضهرك؟ اشمعنا أنا دلوقتي اللي بقيت كدابة يا رامـي؟

"انتبه آدم لصوتها العالي على غير العادة ليلتفت إلى المربية ويقول"
- دادة إسراء! ماما بتزعق ليه؟

"قالت السيدة إسراء محاولة إلهاء الصغير"
- مش بتزعق يا حبيبي، هي وبابا بيتكلموا مش اكتر، يلا خلينا نغير هدومك عشان تنام

"هز رأسه في نفي ليقول"
- بابا مش بيتكلم، ماما بس اللي بتتكلم، ماما متضايقة

"ثم توجه ناحية باب الغرفة لتسبقه المربية ناحية الباب وتتوقف أمامه، ضم الصغير حاجبيه قائلاً في ضيق"
- عاوز اخرج

"هزت رأسها نفياً لتقول"
- ماينفعش يا دومي! ميعاد نومك جه ولازم تنام

"وفي غرفتهما، ساد صمتٌ قاتل بينهما بعد جملتها الأخيرة الغاضبة، أشار أخيراً بهدوء مخيف ونظرة قاسية"
- لو أنتِ شايفة إن اللي عملته زمان يساوي اللي أنتِ عملتيه دلوقتي، يبقى أي كلام هنقوله مالوش فايدة، بس خليكي فاكرة إني حذرتك لا مشاكلهم تطولنا في يوم، واهو حصل

"أنهى حديثه ثم خرج من الغرفة مغلقاً الباب خلفه في عنف تاركاً إياها بمشاعر متضاربة يشملها الغضب، الآن أصبحت هي مخطئة بشأن أمرٍ لا يخصها؟ أمرٌ كانت تهاجمه في الصباح لتُهاجم هي به في المساء؟
سمعت صوت آدم الصارخ قائلاً"
- ماما!!

"ركضت ناحية الغرفة لتفتحها لتجد صغيرها، الذي كان يبكي، والمربية يتوقفان عند الباب، قالت"
- في إيه؟

"لم تكد تشرح المربية لها ما حدث حتى وجدت الصغير قد مر من بينهما ليركض نحو الخارج، ركضت خلفه لتجده قد خرج إلى الحديقة ليلحق بوالده الذي كان يتوجه ناحية سيارته ليرحل.
وصل إليه ثم أمسك بيده ليوقفه، توقف رامـي ليلتفت إليه ليرى وجهه الباكي فيحمله فوراً، قال آدم"
- رايح فين؟

"وصلت شمس إليهما لتقول"
- آدم! أنت المفروض تنام، تعالى معايا!

"هز رأسه نفياً ليقول في ضيق"
- أنا مش هنام، أنا عايز اروح مع بابا

"ثم التفت إلى والده ليقول"
- دومي هييجي معاك

"نظر رامـي إلى شمس للحظات قبل أن يتركها ويأخذ الصغير معه، والذي كان متمسكاً به، حتى ركبا في السيارة ليرحلا سوياً.
هنا، لم تتمالك شمس نفسها لتبكي حتى وجدت المربية تأتي إليها وتربت على كتفيها في حنان قائلة"
- ماتزعليش كده يا بنتي! أنتِ خايفة من إيه؟ ده أبوه!

"نظرت إليها شمس لتقول بصوتٍ باكٍ"
- اخده مني يا دادة!

"قالت المربية في استنكار"
- أنتِ بتقولي إيه يا بنتي؟ انتو هتعملوا من خناقة صغيرة مشكلة كبيرة ولا ايه؟ هو اخده عشان مسك فيه وبس، هيرجعوا تاني لما يهدى شوية، ماتخافيش!

"ثم احتضنتها لتُهدئ من بكائها وهي تقول"
- هو أنا اللي هقولك جوزك بيحبك قد إيه؟ دول يومين وهيعدوا وكل حاجة هترجع زي الأول، أنتِ بس اصبري!


*****

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-05-22, 08:56 PM   #29

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل الثالث والعشرون


"أما رامز وندى، فقد قرر رامز أن يُعِد لها سهرة رائعة حتى تكون في مزاج جيد للحديث فيما يريد، وعندما أصبحت، نظر إليها قائلاً بابتسامة"
- ندى! أنا كان في موضوع عايز اكلمك فيه

"ابتسمت ندى قائلة"
- موضوع إيه؟

"صمت للحظات قبل أن يسألها بهدوء"
- إيه رأيك لو... يبقى عندنا طفل صغير كده شبه دومي؟

"ظلت صامتة ليتبع هو بهدوء حريص"
- أنا من زمان نفسي في كده يا ندى! بس ماكنتش بتكلم عشان كنت بقول إنه مش مشكلة نستنى شوية وبعدين ناخد الخطوة دي، متهيألي ده الوقت المناسب لينا ومافيش مانع

"نظرت إليه في صدمة دون رد، الآن يحدثها بهذا الشأن؟ كانت دوماً تراها في عينيه والآن قد صرَّح بها، ماذا تخبره؟ ظلت صامتة رغماً عنها ليقول هو متسائلاً"
- مالك يا ندى؟ ساكتة ليه؟

"حاولت أن تتحدث ولكنها لم تستطع، سأل بحذر"
- إيه رأيك؟

"قالت محاولة أن تتحدث وهي تتغلب على غصة البكاء التي سيطرت على حلقها"
- في.. حاجة... عايزة أقولك عليها

"نظر إليها متسائلاً لتنظر إليه للحظات قبل أن تنزلق دمعة من عينيها وهي تقول"
- أنا باخد حبوب لمنع الحمل

"نظر لها دون رد وقد وجمت ملامحه فجأة، ساد صمت قاتل بينهما ليقطعه هو قائلاً بهدوء أخافها أكثر من احتمالية صراخه"
- ليه يا ندى؟

"انهمر المزيد من دموعها لتقول بصوت خائف باكٍ"
- أنا... أنا كنت خايفة... كنت خايفة تحصل أي حاجة تبعدنا عن بعض، وتحرمني من ولادي لو خلفنا

"نظر لها دون رد لترتسم على وجهه فجأة ابتسامة هازئة ليقول بنفس هدوئه"
- خايفة تحصل حاجة تبعدنا عن بعض؟

"وضعت يدها على فمها لتكتم بكائها وهو يتبع"
- ليه؟ أنا عملت إيه عشان تخافي؟ أربع سنين يا ندى! أربع سنين ماكنتش بعمل فيهم أي حاجة غير إني أحبك، أربع سنين استحملت فيهم خوف وشك وخناق وكنت بقول معلش... كل ده هيعدي، أربع سنين ولسة بتحاسبيني على غلطة أنا مابعملش أي حاجة غير إني بندم عليها وبس، وبعد كل ده... لسة بتقوليلي خايفة؟

"قالت محاولة التحدث"
- أنا...

"قاطعها قائلاً بابتسامة رأت فيها كل معاني الألم"
- أنتِ طالق يا ندى!

.....

"وصل رامـي إلى بيت المزرعة وهو يحمل صغيره، الذي قد نام منذ بداية الطريق، ليصعد به إلى الغرفة ويضعه في السرير.
نزل إلى الطابق الأسفل ليجلس وحده وشعورٌ بالغضب يتملكه، لم يكن يتوقع أن تفعل شمس شيئاً كذلك، لقد حذرها أكثر من مرة أن تبتعد عن دائرة شكوك ندى حتى لا يتعكر صفو حياتهما معاً، والآن ماذا حدث؟
هذه هي المرة الأولى التي يتشاجران فيها منذ زواجهما... المرة الأولى التي يتركها فيها... المرة الأولى التي لا تكون فيها معه، للحظة عادت إلى ذهنه ذكريات ما حدث قبل زواجهما، عندما تسبب عبث رامز في حدوث نفس المشكلة بينهما، وما بين عبث رامز وشكوك ندى، كانا هما من يدفعان ثمن اقترابهما منهما.
ربما هي محقة... موقفها لا يختلف كثيراً عن موقفه فيما مضى، ولكن شعوره بأخيه وبكل المعاناة التي عاشها من قبل واستمر فيها حتى بعد زواجه تجعله يشعر بالغضب تجاهها، ربما لو كانت قد أخبرته من قبل لكان الأمر أهون، ماذا لو علم رامز بالحقيقة الآن؟
لم تكد تخطر الفكرة بباله حتى وجد رامز يدخل من الباب ويغلقه خلفه ليتفاجأ من وجود رامـي هنا، لم يعلق بل تقدم ناحيته ليجلس على الأريكة أمامه ويسند رأسه إلى الخلف دون كلمة، ومن تعابير وجهه المتعبة والمصدومة، استطاع رامـي أن يستشف ما حدث... لقد تحققت فكرته بالفعل.
مرت دقائق طويلة على كليهما دون كلمة حتى رفع رامز رأسه ببطء لينظر إليه للحظات قبل أن ينطق أخيراً"
- أنا طلقت ندى

"ظل رامـي ساكناً وكأنه كان يتوقع أمراً كهذا، ومن وجوده هنا، استطاع رامز أن يفهم معرفة شمس بالأمر أيضاً، نظر إليه ليقول بابتسامة شاحبة"
- يعني الكل عارف وأنا الوحيد اللي نايم على وداني؟

"أشار رامـي بهدوء"
- أنا وشمس اتخانقنا بسبب الموضوع ده، أنا عرفت بالصدفة الصبح

"ابتسم رامز مشيراً"
- عارف قالتلي إيه؟ قالتلي إنها خايفة نبعد عن بعض واحرمها من ولادها لو خلفنا، شفت تفكيرها راح فين؟ أنا هعمل زي ما بابا عمل زمان

"ثم وجد نفسه يضحك كثيراً، شعر رامـي بالقلق عليه خاصة وهو يعلم مدى ما يشعره من ألم وخذلان في هذه اللحظة.
مرت دقائق قليلة حتى توقف عن الضحك أخيراً لينظر إليه قائلاً"
- أنا شكلي هعيش طول عمري بدفع تمن غلطتي وغلطة غيري

"قالها لتنهمر دمعة من عينيه في ألم، قام رامـي من مكانه ليجلس إلى جواره وهو لا يدري ماذا يفعل أو بمَ يرد، ربت على كتفه في هدوء لينظر إليه ويقول"
- المشكلة إني بحبها، لو كنت شاكك للحظة في حبي ليها ماكنتش هحس اللي أنا حاسه دلوقتي، أربع سنين ضاعوا معاها في كدب، ازاي حبتني بالطريقة دي وكدبت عليا كده؟

"أشار رامـي في هدوء"
- أنت كمان حبيتها وكدبت عليها، وأنا كمان ماحكيتش لشمس حاجة زي ما حاسبتها على غلطها إنها ماحكيتش اللي عملته ندى

"نظر إليه رامز دون رد ليتبع رامـي حديثه"
- الظاهر إن كلنا اتساوينا ببعض في الآخر، ومافيش ادامنا غير إننا نستنى الوقت مرة كمان ونشوف هيعمل إيه

.....

"وفي الصباح، ذهبت ندى إلى منزل شمس لتفتح لها المربية، قالت ندى بهدوء ووجهها الشاحب يحكي الكثير عن ليلتها الصعبة وبكائها المستمر"
- صباح الخير يا دادة! شمس موجودة؟

"شعرت المربية بالإشفاق لحالتها التي من الواضح أنها لم تختلف عن حالة شمس، التي قضت ليلتها الماضية في البكاء داخل غرفتها لدرجة أشعرتها بالقلق عليها ولم تذهب إلى بيتها لتكون إلى جوارها، قالت في هدوء"
- موجودة، اتفضلي!

"دخلت ندى لتجلس على الأريكة بينما ذهبت المربية لتبلغ شمس بقدومها. مر بعض الوقت حتى خرجت شمس إليها.
تعجبت ندى من هيئتها التي لم تتغير منذ البارحة صباحاً، عيناها الحمراوان واللتان تدلان على بكاء مستمر.
جلست شمس على الكرسي المجاور للأريكة دون كلمة، ساد الصمت بينهما للحظات حتى نطقت ندى قائلة بصوت موجوع"
- رامز طلقني

"نظرت إليها شمس دون رد حتى نطقت أخيراً بصوت شاحب بسبب كثرة البكاء"
- ورامـي أخد آدم وسابلي البيت

"صُدمت ندى لسماعها ذلك لتتبع شمس قائلة"
- اتمنى تكوني ارتحتي، آدي آخرة شكك وخوفك

"انهمرت دموع ندى دون رد لتتبع شمس قائلة بعينين دامعتين"
- بس أنا عملت إيه؟ ليه سابني أنا؟ ليه اتحاسب معاكي على غلطة أنتِ اللي عملتيها وأنا ماعملتش حاجة غير إني احترمت سرك وماتكلمتش؟ ليه كل مشكلة تحصل بيني وبينه تكوني أنتِ ورامز جزء منها؟

"قالت ندى بصوت باكٍ"
- أنا آسفة!

"ابتسمت شمس في ألم لتقول"
- آسفة؟ الكلمة دي هتعملّي إيه دلوقتي لما اخسره؟ ولو ماخسرتوش... هنرجع زي ما كنا؟

"ظلت ندى صامتة وشعورها بالألم والندم يقتلها، لم تأذي نفسها فحسب بل أذت الجميع معها، قالت شمس أخيراً"
- أنا مش هقدر أساعدك يا ندى! ساعدي نفسك المرة دي زي ما أنا كمان هعمل أي حاجة عشان يرجعلي تاني

.....

"طلع الصباح وهو لا يزال جالساً وحيداً في شرفة غرفته، هذه هي الليلة الأولى من دونها، لقد اشتاقها كثيراً، يعلم أنها لم تنم مثله تماماً وهي، ربما، تفكر في نفس ما يفكر به، لقد ابتعدا لأجل ذنب لم يقترفه أيٌ منهما، هل تظن به مثلما ظنت ندى برامز؟ هل رأت في أخذه لصغيرهما علامة على حرمانها منه؟
شعر بالقلق لأجل هذه الفكرة، ولم يتردد في الإمساك بهاتفه كي يرسل لها"
- آدم كويس، هرجعه البيت كمان يومين، ماتقلقيش!

"لم تمر دقيقة حتى وصلته رسالتها"
- أنا متطمنة عليه وهو معاك... هستناكم.

"ابتسم وهو يقرأ كلماتها التي تفصح عما تشعر به الآن، إنها تنتظره، هي أيضاً لم تعتد هذا الخصام والابتعاد، ولكنه لا يستطيع العودة.
لا يزال يشعر بالغضب لكل ما حدث بالأمس خاصة بعد الحالة التي رأى رامز فيها، وعلى الرغم من أنه لا يراها السبب فيما حدث، إلا أنه بحاجة لبعض الوقت كي يعود وهو لا يحمل لها في قلبه ذرة غضب واحدة، ولن يطول الغياب كثيراً... رغم الشمس الساطعة في السماء الآن إلا أنه يشعر بأن الليل لم يرحل بعد، يجب أن يراها كي يشعر بأن يوماً جديداً قد بدأ، وما فات قد انتهى."

*****

"أما رامز، فلم ينم أيضاً منذ البارحة ورأسه تشتعل بالتفكير وقلبه يشتعل بالألم، هل هذه هي مكافأة أربعة أعوام من الحب؟ من الثقة؟
ما يثير غضبه أنها بالفعل قد أحبته... مهما حدث لا يمكنه إنكار هذه الحقيقة أبداً، لو كان لديه ذرة شك واحدة في حبها له لتفهم موقفها، ولكنها تحبه، ويقسم أنها الآن تتألم ندماً لما فعلته، لماذا إذن فعلتها؟
أربعة أعوام مرت أمام عينيه وهو يبحث عن شيءٍ واحدٍ فعله يجعلها تصل إلى هذه الدرجة من الخوف والشك، وكلما عجز عن ذلك ازداد غضبه أكثر.
كان ما يثير جنونه أيضاً هو شعور غادر بالاشتياق إليها حتى في ظل خيانتها له، نعم... ما فعلته ما هو إلا خيانة وكذب، لقد أخبرها قبل زواجهما أنه لن يتحمل أن يعيشا سوياً وفي قلبها مثقال ذرة من خوف وشك تجاهه، ولكن...
شعر بأن رأسه تكاد تنفجر من شدة الضجيج، الضجيج الذي قطعه صوت آدم وهو يصرخ باسمه قائلاً"
- رامز!!

"ارتعب رامز من صوته المفاجئ الذي أتاه وهو غارق في شروده وأفكاره التعيسة، التفت إليه ليركض الصغير ناحيته ويعانقه في سعادة، ابتسم رامز قائلاً"
- أنت بتطلعلي منين يا واد أنت؟ خضتني!

"ضحك الصغير ليتبع رامز قائلاً"
- أنت هنا من امتى؟

"قال آدم بعد أن جلس فوق ساقه"
- بابا وماما كانوا زعلانين، وخفت بابا يمشي ويسيبني، جيت معاه عشان مايسيبنيش

"ثم نظر إليه واتبع متسائلاً"
- أنت وندى زعلانين كمان؟

"ابتسم رامز قائلاً"
- زعلانين شوية فعلاً

"هز الصغير رأسه في نفي قائلاً في حذر"
- ماينفعش ندى تفضل لوحدها، ممكن الأشباح الشريرة تخوفها بالليل

"ابتسم رامز متسائلاً"
- ما أنت سبت ماما ومشيت، مش خايف عليها من الأشباح؟

"رد آدم قائلاً"
- دادة إسراء معاها، وكمان ماما مش بتخاف زي ندى

"قال رامز متسائلاً"
- عرفت ازاي؟

"قال الصغير بعفوية"
- عشان ندى امبارح كانت بتقول لماما إنها خايفة تسيبها وتمشي

"ابتسم رامز في ألم قائلاً"
- هي خايفة من الأشباح مش خايفة أسيبها

"قال الصغير في حماس"
- لازم تجيب سيف كبير وتحارب الأشباح كلها، وبعدين ندى مش هتخاف تاني

"صمت رامز قبل أن يسأله"
- ولو أنا حاربت الأشباح وهي فضلت خايفة، اعمل إيه؟

"صمت الصغير وهو يفكر بعمق كي يقول أخيراً"
- لسة في أشباح ماحاربتهاش، لما كلهم يمشوا ندى مش هتخاف تاني

"رد رامز قائلاً"
- بس أنا تعبت يا دومي!

"هز الصغير رأسه في نفي قائلاً"
- ندى كمان هتتعب لما تحارب الأشباح لوحدها، ماما دايماً تقول إن لما اتنين يحاربوا الأشباح سوى مش هيتعبوا خالص والأشباح مش هتيجي تاني، عشان كده ماما مش بتخاف خالص لأن هي وبابا ودومي بيحاربوها سوى

"نظر له رامز حتى ابتسم قائلاً"
- أنا بحبك اوي يا دومي!

"قال الصغير في سعادة"
- دومي كمان بيحب رامز

"جاء رامـي إليهما ليركض الصغير ناحيته فيحمله ويقبِّل وجنته كالعادة قبل أن يتجه ناحية الكرسي المجاور لرامز ويجلس، نظر إليه الصغير قائلاً"
- هنروح لماما النهاردة؟

"هز رأسه نفياً ليقول الصغير في حزن"
- بس ماما زعلانة

"نظر رامـي إلى رامز ليشير ببعض الكلمات ليقول هو عنه للصغير بابتسامة"
- ماما مش زعلانة يا دومي! هي مستنياكم ترجعوا كمان يومين، ولا أنت زهقت وعايز تمشي؟

"هز الصغير رأسه نفياً لينظر إلى أبيه ثانية ويقول"
- دومي عايز يركب الحصان

"هز رامـي رأسه نفياً حيث أنه لا يزال صغيراً للغاية لشيء كهذا، ضم الصغير حاجبيه في اعتراض ليقول بتذمر طفولي"
- كل مرة بابا يقول لا، عايز اركب الحصان

"عاد رامـي ليهز رأسه نفياً من جديد ليجد الصغير قد أوشك على البكاء، أشار رامز إليه"
- اركبوه سوى يا رامـي! بلاش تزعله

"نظر رامـي إليه قبل أن يلتفت إلى الصغير الذي التوت شفتيه إلى الأسفل في حزن وهو ينظر إليه، هز رأسه موافقاً بابتسامة ليضحك الصغير فجأة وهو يصفق في سعادة، ضحك رامـي ليحمله ويخرج به هو ورامز إلى الإسطبل ليطلب من السائس تجهيز ورد ليركباه ويسير هو به في أنحاء المزرعة والصغير يصفق من جديد في سعادة، نظر إلى والده ليسأله قائلاً"
- بابا! ممكن ماما تركب معانا الحصان المرة الجاية؟

"هز رامـي رأسه موافقاً ليضحك الصغير في سعادة من جديد، بينما تذكر رامـي ذلك اليوم الذي أتيا فيه هنا أول مرة عندما ركض بها فوق الحصان في أنحاء المزرعة الواسعة، وكل مرة أتيا فيها حتى آخر مرة في الشهر الماضي عندما اجتمعت العائلة بأكملها هنا، لقد اشتاقها كثيراً بحجم غضبه منها تماماً."

.....

"وفي صباح اليوم التالي، استيقظ رامـي ليخرج من غرفته ويذهب إلى غرفة الصغير للاطمئنان عليه، ولكنه عندما فتح الغرفة، لم يجده.
نزل إلى الطابق الأسفل وأخذ يبحث عنه، ولم يجده أيضاً حتى لمحه بالخارج يركض ويقفز في سعادة ليخرج إليه فيجد السماء تمطر، عندما رآه الصغير، صفق في سعادة قائلاً"
- يا بابا! تعالى ألعب معايا تحت المطرة

"توجه رامـي ناحيته ثم حمله ليدخل به إلى المنزل ثانية ويصعد به إلى غرفته، وعندما دخلا إلى الغرفة، أخذ يبدِّل له ثيابه وسط اعتراض الصغير الذي قال"
- دومي عايز يلعب تحت المطرة، ليه دخلنا؟

"كيف يفهمه الآن أن الأمطار اليوم شديدة وربما تؤذيه؟ لم يكف الصغير عن الاعتراض، وعندما وجده سيوشك على البكاء، خرج من الغرفة وذهب إلى غرفة رامز، الذي كان مستيقظاً للتو، وأشار له بما حدث وطلب منه أن يأتي معه كي يُفهِم الصغير بأنه لا يجب عليه اللعب تحت المطر الآن حتى لا يتأذى.
توجه رامز معه إلى غرفة الصغير الذي كان يقف فوق السرير مكتفاً ذراعيه في اعتراض وحاجبيه مضمومين في غضب، ابتسم رامز قائلاً"
- صباح الخير يا دومي! مكشر ليه عالصبح؟

"قال الصغير في تذمر"
- كل حاجة لأ، مافيش ركوب عالحصان ومافيش لعب تحت المطر، ليه؟

"ابتسم رامز قائلاً"
- شفت بقى إنك ظالم؟ أنت مش ركبت الحصان امبارح؟

"هز الصغير رأسه في نفي ليقول"
- عاوز اركب الحصان تحت المطر

"قال رامز ممازحاً إياه"
- ده في فيلم صلاح الدين يا دومي مش هنا

"ثم اتبع قائلاً برفق"
- اللعب تحت المطر دلوقتي غلط عليك، لو جالك برد مين هيركب الحصان؟ لازم تبقى كويس عشان ماتقعش من فوقيه، وأول ما المطرة تخلص هركب أنا وأنت الحصان وهنلعب زي ما أنت عايز

"قال الصغير في ضيق"
- بابا هيقول لا

"ابتسم رامز في مكر قائلاً"
- ما هو احنا مش هنلاعبه معانا، هلعب أنا ودومي لوحدنا، موافق؟

"هز الصغير رأسه موافقاً ثم اقترب منه هامساً بحذر"
- بس ماتقولوش على خطتنا، ماشي؟

"ضحك رامز قائلاً"
- ماتخافش!

.....

"وفي اليوم التالي، كان يجب أن يعيده رامـي إلى المنزل حتى لا تقلق شمس بشأنه أكثر.
في الصباح، بعد أن قام بتجهيزه، نزل به إلى الأسفل ليجد رامز جالساً، أشار رامـي إليه"
- أنا هرَّجع دومي البيت، وآجي هنا تاني

"اومأ رامز برأسه قبل أن يتبع رامـي متسائلاً"
- أنت مش هترجع؟

"أشار رامز بهدوء"
- هروح الشركة وارجع على هنا تاني، مش عايز أشوف حد

"ابتسم رامـي مشيراً"
- ماما عرفت اللي حصل، لما لقت تليفونك مقفول اتصلت بندى وعرفت بطلاقكم لكن ماعرفتش السبب، المفروض تروح وتشرح اللي حصل

"زفر رامز في ملل مشيراً"
- حاضر، هزورهم النهاردة

"ثم اقترب ناحية الصغير ليقبِّل وجنته قائلاً"
- هتوحشني يا دومي!

"قبَّل الصغير وجنته أيضاً وهو يقول"
- أنت كمان هتوحشني

"ثم اتبع متسائلاً"
- ليه مش هتيجي معانا؟

"ابتسم رامز قائلاً"
- حبيت القعدة هنا، بس كام يوم وهرجع تاني

"قال الصغير موصياً إياه في حذر"
- ماتتأخرش عشان الأشباح

"ضحك رامز ضحكة خفيفة وهو يقول"
- حاضر، مش هتأخر

"ودَّعه رامـي أيضاً ليأخذ الصغير ويترك المزرعة عائداً به إلى البيت."

****

"كانت شمس في ذلك اليوم تعلم بقدومهما فحاولت التخلص من أثر الإرهاق والدموع ليعود إشراقها مجدداً، وعندما انتبهت لصوت السيارة الذي أعلن عن وصولهما، خرجت من المنزل لتستقبلهما في الخارج.
عندما نزل الصغير من السيارة، ركض ناحيتها في سعادة لتنزل إليه وتحتضنه بقوة قائلة"
- دومي! وحشتني أوي يا حبيبي!

"قال الصغير بابتسامة طفولية اشتاقتها كثيراً"
- ماما كمان وحشت دومي اوي

"نظرت إليه لتقول بابتسامة"
- عملت إيه في المزرعة؟

"قال الصغير وهو يصفق في سعادة"
- ركبت الحصان

"ضحكت قائلة"
- بجد؟! لوحدك؟

"هز رأسه في نفي ليقول"
- بابا كان معايا، بس دومي هو اللي كان ماسك اللجام

"قبَّلت شمس وجنته وهي تقول بابتسامة واسعة"
- برافو عليك، دومي بطل!

"ثم اتبعت"
- يلا ادخل سلِّم على دادة إسراء عشان وحشتها أوي

"ركض الصغير إلى الداخل وهو يهتف باسمها، قامت شمس من مكانها لتتوقف أمامه أخيراً، ساد الصمت بينهما حتى قطعته هي أخيراً لتشير"
- شكراً

"لم يفهم قصدها لتشير"
- إنكم ماتأخرتوش كتير

"ظل ساكناً قبل أن يشير أخيراً بجفاء ناقض كل مشاعره"
- أنا راجع المزرعة تاني

"أشارت شمس في لهفة"
- ليه؟

"ظل ساكناً لتتبع وهي تحاول السيطرة على دموعها"
- احنا ممكن نتكلم

"أشار بنفس الجفاء"
- قلتلك قبل كده إن كلامنا مابقاش له فايدة

"أشارت بعينين دامعتين"
- ارجوك تفهمني، أنت اتحطيت في نفس موقفي ده قبل كده، كنت هعمل إيه بس؟ أنا كمان ماكانش من حقي افضح سرها، والله حاولت امنعها لغاية ما اقنعتني إنها بطلتها، ليه عايز تحاسبني على غلطة ماغلطتهاش؟

"ظل ساكناً لتتبع قائلة دون إشارة بوجع شعر به في صوتها الذي لم يسمعه"
- أنا ماتعودتش إننا نزعل من بعض وتسيبني كده، أنا مابحبش أكون لوحدي يا رامـي!

"ثم صمتت للحظات لتحاول منع دموعها وهي تتبع"
- ازعل مني وأنت هنا بس ماتمشيش

"ظل على سكونه دون رد، لو تعلم أن حالته في اليومين الماضيين لم تختلف كثيراً عن حالتها، هو أيضاً لم يكن يود تركها، ولكن ما شعر به من غضب جعله يرحل حتى لا يتسبب غضبه في المزيد من الألم.
منذ أن رحل، هذه هي المرة الأولى التي شعر فيها ببداية يومٍ جديد عندما رأى شمسه الخاصة، لقد خفف ابتعاده من حدة ضيقه وغضبه منها خاصة وهو يعلم أنهما قد تشابها بالفعل فيما فعل كل منهما، ولكن...
قُطِعَ شروده عندما رآها وقد اقتربت منه قليلاً لتضع يدها على صدره لتقول وقد هربت دمعة من عينيها"
- ماتمشيش!

"ضمَّها إليه دون رد، تمسكت في قميصه بشدة لتنهمر المزيد من دموعها، يومان فقط أخبراها الكثير عن مدى عشقها وافتقادها له، ومدى الأثر الذى يحدثه غيابه وعمق الفراغ الذي يتركه رحيله في قلبها، لن تسمح لأي شيء أن يبعدهما مرة أخرى، هو كل عائلتها وفراقه صعب وشاق.
لم يكن شعوره بها مختلفاً أبداً، فالآن فقط... شعر بالراحة في اقترابها، لن يسمح ثانيةً بأن يبعدهما شيء لم يقترفاه، سيظلان إلى جوار بعضهما البعض مهما حدث."

.....

- إيه!! اتطلقتوا؟

"قالتها رقية في صدمة لتتبع قائلة"
- ليه؟ إيه اللي حصل؟

"قال رامز في هدوء"
- ماحصلش حاجة يا ماما! اتطلقنا وبس

"قالت رقية في ضيق"
- يعني إيه اتطلقتوا وبس؟ احكيلي في إيه

"صمت رامز للحظات قبل أن يقول"
- ماتفقناش يا ماما! الحاجة اللي اتفقنا عليها هي الطلاق، واتطلقنا!

"سألت رقية مستنكرة"
- واكتشفتوا الموضوع ده بعد أربع سنين جواز؟

"ابتسم رامز قائلاً"
- وبعد عشرة كمان، مافيش حاجة تضمن استمرار الاتفاق

"هزت رقية رأسها في نفي لتنظر إلى سليم الذي كان صامتاً لتقول"
- أنت ساكت ليه يا سليم؟

"ظل سليم صامتاً للحظات قبل أن يقول"
- مافيش حاجة تتقال، لو هما شايفين إن ده القرار الصح فهما أدرى

"عادت رقية لتقول في حيرة"
- لا أنا ماليش دعوة بالكلام ده، أنتم لغاية آخر مرة شفتكم فيها كنتم حلوين جداً مع بعض، أكيد حصل حاجة لكل ده

"ثم سألته قائلة"
- أنت زعلتها في حاجة يا رامز؟

"ابتسم رامز دون رد قبل أن يقول"
- لا يا ماما

"ظلت رقية صامتة والضيق والتساؤل باديان على وجهها ليتبع هو قائلاً"
- أنا مش عايز اتكلم في اللي حصل، أنا وندى مش هينفع نكمل سوى، بحبها وبتحبني ومبسوطين سوى لكن مش هينفع، واحنا بعيد أحسن.

"وبعد أن رحل رامز، نظرت رقية إلى سليم لتقول"
- أنت ليه ماقلتش حاجة؟ كل ده ومافيش حاجة تتقال؟

"رد سليم قائلاً"
- ندى خايفة من رامز يا رقية!

"نظرت إليه متسائلة لتقول"
- يعني إيه؟

"ابتسم سليم بغموض ليقول"
- رامز غلط نفس غلطتي زمان، وحكايته مع ندى ماتختلفش كتير عن حكايتنا احنا الاتنين، الفرق... إن ندى مش قادرة تنسى... بتخاف.

"صمتت رقية وهي تشعر أن معه حق بالفعل، الحب ثم الخيانة ثم... اختلفت النهايات فقط، فهي قد سامحته ونسيت كل شيء بالفعل، بينما ندى لا تزال تتخبط في مخاوفها كما يقول الآن، نظرت إليه لتسأله"
- عرفت منين؟

"رد سليم قائلاً"
- كل مرة بيتفتح موضوع الأطفال ادامها بترتبك، هي خايفة تاخد خطوة زي دي عشان مش عارفة إيه اللي ممكن يحصل، ماتضمنش إن رامز يفضل يحبها للآخر، أنا أصلاً كنت مستغرب ازاي رامز ماخدش باله من ارتباكها ده، أو... يمكن يكون فاهم، وعشان كده اتطلقوا!

"قالت رقية في حزن"
- بس رامز بيحبها اوي، أنا ما صدقت أخيراً إن كل مشاكله انتهت وعمل عيلته الخاصة

"ابتسم سليم في هدوء قائلاً"
- يمكن هما كمان محتاجين وقت زي اللي احنا اخدناه عشان يتعلموا

.....

"مر يوم منذ أن عاد رامـي وآدم إلى المنزل، وفي صباح اليوم الثاني، ذهبت المربية لإيقاظ آدم الذي لم يقم من سريره في نشاط على غير العادة، اقتربت ناحية سريره وقالت بصوتها الحنون"
- يلا يا دومي اصحى عشان تفطر مع بابا وماما

"فتح الصغير عينيه بدرجة بسيطة وهو يقول"
- دومي راسه بتوجعه

"وضعت يدها فوق جبهة الصغير لتجد حرارته مرتفعة للغاية، قامت من مكانها لتخرج إلى شمس ورامـي لتقول في لهفة"
- الحقي يا مدام شمس! آدم حرارته عالية اوي

"قام كل من رامـي وشمس فوراً متجهين إلى غرفة الصغير الذي بدأ يهذي بكلمات غير مفهومة، اقتربت شمس ناحيته لتقول"
- دومي! حبيبي أنت حاسس بإيه؟

"أخذ الصغير يهذي بكلمات لم تفهمها حتى قال أخيراً"
- دومي تعبان

"وضعت شمس يدها على جبينه لتجد حرارته مرتفعة بالفعل، التفتت إلى رامـي لتقول في خوف"
- حرارته عالية أوي يا رامـي!

"أشار لها رامـي سريعاً"
- اتصلي بالدكتور بسرعة

"قامت شمس من مكانها واتصلت بالطبيب الذي أتى سريعاً وقام بفحص الصغير، كانا يراقبانه في خوف وقلق حتى انتهى من فحصه، قالت شمس في لهفة"
- خير يا دكتور؟

"قال الطبيب محاولاً إيجاد الكلمات المناسبة"
- هيكون خير لو حرارته نزلت خلال يومين، لكن لو مانزلتش هننقله المستشفى

"قالت شمس في صدمة"
- مستشفى؟

"رد الطبيب قائلاً"
- حرارته عالية جداً، وأنا شاكك إنها حمى، لازم نستنى يومين عشان نشوف الأدوية هتجيب نتيجة ولا لا، وإذا ماحصلش يبقى زي ما قلت لحضرتك هننقله المستشفى

"رحل الطبيب لتنظر شمس إلى رامـي في خوف وتقول"
- إيه اللي الدكتور قاله ده يا رامـي؟ ليه مستشفى؟

"أشار رامـي مطمئناً إياها"
- ماتخافيش! إن شاء الله هيتحسن خلال اليومين دول ومش هيكون في داعي للمستشفى

"نظرت شمس إلى صغيرها النائم لتقبِّل وجنته وتمسح على رأسه بحنان وهي تقول بعينين دامعتين"
- خف بسرعة يا دومي! هتكون كويس، ماشي؟

"ضمَّها رامـي إليه ليهدئها بينما ذهب فكره هو إلى ما قد حدث له منذ سنوات طويلة، لقد حدثوه عن كلمات مشابهة من قبل... حرارة مرتفعة... حمى... و...
نفض رأسه من كل ما ذهب إليه فكره وهو يدعو الله أن تتحسن حالة صغيره سريعاً دون الحاجة للذهاب لأي مكان."

.....

"مر يومان، لم يستطع كلاهما النوم وهما يجلسان إلى جوار الصغير الذي لم يرفع رأسه عن الوسادة لحظة واحدة إلا لأخذ الدواء ومن ثم يعود إلى النوم مجدداً، لا تحسن... والحرارة لا تزال مرتفعة.
في الليلة الثانية، كانا يجلسان إلى جوار الصغير وشمس ترفع رأس الصغير كي تعطيه الدواء ليأخذه دون كلمة وعينيه مفتوحة بدرجة بسيطة للغاية.
سألته بهدوء قائلة وهي تضع رأسه على الوسادة مرة أخرى"
- حاسس بإيه يا دومي؟

"قال الصغير في خفوت"
- دومي راسه واجعاه

"قالها ثم ذهب في النوم فوراً، نظرت شمس إلى رامـي بعينين دامعتين لتشير"
- دومي مابيتحسنش، هنعمل إيه؟

"أشار رامـي أخيراً"
- غيريله هدومه، هناخده عالمستشفى دلوقتي!

****

"ذهب رامـي وشمس بالصغير إلى المشفى، وكان الطبيب في انتظاره ليقوم بفحصه ثانيةً ليتأكد من حدسه السابق وهو إصابته بالحمى، نظر إلى شمس ورامـي ليقول"
- زي ما توقعت، الولد بيعاني من حمى قوية، ولازم يفضل في المستشفى لغاية ما حالته تتحسن

"كتمت شمس شهقتها الخائفة بيدها ليقول الطبيب مطمئناً إياها"
- اتطمني حضرتك! احنا هنعمل اللازم عشان يتحسن إن شاء الله

"تم حجز غرفة خاصة به كي يكون تحت الإشراف المستمر، كان رامـي يرى ما يحدث من حوله وهو يزداد خوفاً. إنه نفس الطريق الذي سار فيه من قبل، ما الذي ينتظره مجدداً... النتيجة نفسها؟
أفاق من شروده عندما أمسكت شمس بيده محاولة أن تستمد القوة والطمأنينة منه، أشارت في خوف"
- دومي هيكون كويس؟

"هز رأسه إيجاباً ليشير بعدها بابتسامة مطمئنة"
- ماتخافيش يا شمس! دومي عارف ازاي يحارب الأشباح

.....

"في صباح اليوم التالي، أتى رامز ومعه والديهما، كان رامـي بانتظارهم بالخارج، وعندما وصلوا، تقدموا ناحيته ليسأله رامز في قلق"
- إيه اللي حصل؟ دومي عامل إيه؟

"أشار رامـي في ألم"
- حمى شديدة، حرارته مابتنزلش من تلات أيام، بيصحى دقايق قليلة أوي ياخد الدوا وينام تاني

"استطاع والده أن يفهم ألمه بسهولة شديدة وهو الذي عاش مثل شعوره في وقتٍ مضى.
أسابيع قليلة مرت وصغيره لم يكن حتى يفتح عينيه، وعندما فعل، لم يحدِّثه أو حتى يسمعه، كان يرجو من كل قلبه أن يتعافى حفيده الصغير ولا تُعاد تلك القصة مجدداً.
أما رقية فقد كانت خائفة للغاية بشأن الصغير خاصة بعد أن دخلت إليه الغرفة لتجد شمس تجلس إلى جواره ممسكة بيده وعيناها تدمع رغماً عنها، وضعت رقية يدها على كتفها لتربت عليها قائلة"
- ماتخافيش يا شمس!

"نظرت إليها شمس بعينيها الدامعتين وهي تقول"
- تلات أيام ومافيش حاجة اتغيرت يا ماما! لغاية امتى؟

"احتضنتها رقية في حنان وهي تحاول منع نفسها عن البكاء أيضاً، نظرت ناحية حفيدها الصغير الذي كان يركض ويلعب منذ أسبوع واحد فقط، والآن هو نائم بلا حراك، هل كان رامـي يعاني مثله أيضاً عندما أصيب بتلك الحمى المشابهة في صغره؟
أخذت تدعو الله في داخلها ألا يصيبه ما أصابه وأن يتحسن في أقرب وقت."

.....

بعد مرور ثلاث أسابيع

"لا جديد... لا تحسن بل إن الوضع يزداد سوءاً، أصبحت شمس لا تفعل شيئاً سوى البكاء كلما رأت صغيرها وهي تشعر بمعاناته كل يوم تزداد، بينما يجلس رامـي إلى جواره والألم يعتصر قلبه دون رحمة.
لا يمكنه تصوَّر أن تمنحه الحياة هدية رائعة كصغيره الجميل ثم تهدده بالحرمان منه بهذه الطريقة... بهذه السرعة.
عادت تلك الأعراض التي كان يعاني منها كلما شعر برغبته في إخراج كل ما بداخله من مشاعر مؤلمة وقاسية، عاد إليه تنفسه السريع الضائق، وعادت عيناه تؤلمه بدموعه التي تلمع دون انهمار.
كان ممسكاً بيد صغيره في أحد الأيام عندما شعر بحركة أصابعه ليلتفت إليه سريعاً فيجده قد فتح عينيه قليلاً، رفع يده إليه ليقبِّلها وهو يبتسم في أمل أن يكون صغيره قد بدأ يتعافى، ولكن أمله سرعان ما خاب وتحول إلى ألم يحرق قلبه عندما قال الصغير ببطء"
- بابا!... دومي... عيان

"كره رامـي نفسه في تلك اللحظة وهو يرى صغيره يعاني وهو يجلس إلى جواره عاجزاً غير قادر على فعل أي شيء لإنقاذه.
حاول أن يستغل هذه اللحظات القليلة التي يفتح فيها الصغير عينيه ليشير له بالجملة التي لا يجيد فهم سواها منه.
أشار ناحية نفسه ثم صنع شكل قلب بأصابعه ليشير بعدها ناحية الصغير الذي ردد الكلمات قائلاً"
- بابا... بيحب... دومي

"هز رامـي رأسه إيجاباً سريعاً وهو يبتسم ليمنحه الصغير إحدى ابتساماته الطفولية قبل أن ينام مرة أخرى.
انحنى رامـي ليقبِّل جبينه في ألم قبل أن يخرج من الغرفة ويجلس إلى جوار شمس، التي أصبحت تبكي دون إرادة منها، لتلتفت إليه وتقول بلهفة موجوعة"
- دومي صحي؟

"أشار بهدوء مؤلم"
- صحي... دقيقة... ورجع ينام

"انهمر المزيد من دموعها ليضمها هو إليه محاولاً أن يطمئنها ويطمئن نفسه بها أن شيئاً سيئاً لن يحدث، وأنهما سيخرجان من هنا ومعهما صغيرهما ولن يعودا إلى هنا ثانيةً.
إلى جوارهما، كانت ندى تجلس وهي تشعر بالألم لأجل معاناتهما ولأجل الصغير الذي أحبته كثيراً ولم تكن تتخيل أن يصيبه مكروه كهذا، وكلما استرقت النظر إلى رامز، كانت ترى معالم الألم والخوف بوضوح على وجهه وكأنه طفله هو بالفعل.
هي أعلم الناس بمدى حبه للصغير ومدى تعلقه به، وتعلم أن أيَّ مكروهٍ سيصيبه سيتسبب بمزيد من الألم لقلبه الذي لم يُشفَ بعد من جرحها له.
مر بعض الوقت حتى جاء الطبيب كعادته لفحص الصغير ومتابعة حالته، دخل إلى الغرفة وغاب بالداخل لعدة دقائق أطول من المعتاد ليخرج إليهم بوجهٍ حزين، توقف الجميع في قلق وصمته هذا يقتلهم لينطق أخيراً قائلاً"
- أنا آسف... البقية في حياتكم

"صرخت شمس فجأة في صدمة قبل أن تفقد وعيها وتسقط على الأرض، لحقت بها الممرضات لتأخذنها إلى أقرب غرفة، بينما ذهبت ندى معها وهي في حالة من الصدمة.
ولم تكن حالة رقية مختلفة كثيراً حيث وجدت نفسها تشهق في ألم وصدمة تبعتهما دموعها المنهمرة.
شعر رامز بصدمة أوجعت قلبه وكأن طفله هو من رحل فجأة ونظر ناحية رامـي، الذي تسمَّر في مكانه وكأنه قد عجز عن التحرك. هل ما قرأ على لسان الطبيب صحيح؟ من يقصد؟ صغيره؟ هل مات "دومي"؟
وجد نفسه يفتح الباب ليدخل إليه فوراً ليجدهم قد شدوا فوقه غطاءاً أبيضاً، تقدَّم ناحيته ثم نفض عنه الغطاء وحاول أن يحركه كي يستيقظ، هم يكذبون، لقد استيقظ منذ دقائق، حدَّثه، فهم إشارته، وابتسم له مثلما يفعل دوماً.
من المستحيل أن يموت بهذه السرعة، لا يزال لديه الكثير كي يخبره به، كان سيعلمه من العام القادم لغة الإشارة كي يفهم حديثه ويحاوره كما يشاء.
التفت خلفه ليجد رامز إلى جواره يربت على كتفه بوجهٍ متألم وهو يحاول التماسك ليقول"
- لازم نخرج يا رامـي! تعالى معايا!

"عاد لينظر ناحية الصغير مرة أخرى وهو يمسك بيده التي ذهبت عنها حرارة الحمى تماماً، لماذا لا يكون نومه هذا هو استراحة بسيطة بعد معاناة أسابيع مع الحمى إذن؟ لعله يستيقظ في المساء ويبحث عنه ولا يجده، لا يجب أن يتركه.
ولكنه شعر فجأة بأنه قد فقد القدرة على التماسك ليستطيع رامز أخيراً أخذه للخارج ليدخل الممرضين ويقوموا بعملهم."

.....

"مرت ثلاثة أيام، لم يعرف رامـي خلالها ما الذي يحدث من حوله بل كيف تماسك طوال تلك المدة، كل ما هو أمام عينيه صورة صغيره.
منذ شهر واحد فقط، كانا يلعبان سوياً ويحدثه الصغير كثيراً بلا توقف دون أن ينتظر أي رد سوى ضحكاته على كل مزاحه وشقاوته، ومنذ ثلاثة أيام فقط، واراه في التراب ليتركه وحيداً هناك ويرحل، سيخاف... ما كان يجب أن يتركه أبداً.
إلى جواره، كان رامز يحاول أن يسانده ويستقبل عنه واجب العزاء، وهو يراه بالكاد يستطيع التوقف طوال تلك المدة.
هو أعلم الناس بشعوره، هو يعلم كيف هو شعور الحرمان من طفله الصغير، وإن كانت مصيبته هو أشد... فلقد شهد صغيره يكبر أمامه يوماً بعد يوم وتعلق به كثيراً بل تعلقوا جميعاً به خاصة هو الذي يشعر وكأن صغيره قد مات مرة أخرى ليشعر بنفس الوجع مجدداً.
بدأ الناس في الرحيل ليلتفت رامز إلى أخيه، الذي كان شارداً أمامه لا يشعر بأي شيء حوله، ربت على كتفه لينتبه رامـي إليه، أشار رامز بهدوء"
- أنت لازم ترتاح يا رامـي! أنا هفضل هنا مكانك لغاية ما الناس تمشي

"ظل رامـي ساكناً وهو لا يدري هل يذهب أم لا، يجب أن يذهب للاطمئنان على شمس، لم يرها منذ ثلاثة أيام، بالتأكيد هي بحاجته مثلما هو بحاجتها الآن، عاد ليلتفت إلى رامز ليفهم هو ما يفكر به فيشير"
- روح المستشفى، شمس محتاجاك أكتر من هنا

****

"ذهب رامـي إلى المشفى، وصل إلى غرفتها وفتح الباب ليجدها تجلس فوق السرير وهي شاردة أمامها ودموعها تنزلق ببطء من عينيها.
كانت والدته قد أخبرته أنها لم تنطق بكلمة واحدة مذ أفاقت من إغمائها بعدما علمت بالخبر المشؤوم.
دخل من الباب وأغلقه خلفه ثم توقف مكانه للحظات لم تلتفت فيها إليه أبداً وكأنها لم تشعر بقدومه من الأساس.
تقدَّم ناحية سريرها ثم جلس إلى جوارها وضمَّها إليه في هدوء، وقد كانت هي مستسلمة للغاية ومغيبة عن كل شيء.
شعر في هذا الوقت لأول مرة أنه يحسدها لقدرتها على البكاء، بينما هو لا يقدر حتى ولو حاول، وصمته الإجباري يمنعه حتى عن محاولة الحديث عما يشعر به من ألم، ولكن أيُّ كلامٍ سيعبر عما يشعر؟ هو عاجز عن كل شيء.
أما هي، فقد كانت شاردة بذهنها إلى حيث صغيرها، ماذا يفعل الآن؟ لا بد أنه خائف، هو يخشى الظلام كثيراً، كانت دوماً تترك مصباحاً صغيراً في غرفته حتى لا يستيقظ فجأة ويخاف.
أربعة أعوام مرت أمام عينيها كالشريط التسجيلي، أخذت تتذكر كل ذكرياتها معه، كل مرة جعلها تسهر إلى جواره كي ينام، كل مرة أخذت تغني له كي يضحك ويصفق في سعادة وهو لا يفهم الكلمات.
هي من علمته أن يصفق كلما شعر بالسعادة، علمته أن كل شيء تسبب في سعادتنا لهو أمر يستحق الاحتفال والتصفيق، لا يجب أن يمرر سعادته مرور الكرام أبداً، وقد فهم هو الدرس جيداً وأصبحت عادته أن يصفق في سعادة لأي شيء.
تذكرت كل مرة قرأت له قصة جديدة ومثلتها أمامه وهو يشاهدها حتى ينام.
لقد كان صغيرها مميزاً للغاية، كان جميلاً وذكياً ومرحاً، كان يشبهها... ويشبهه، هو... السبب."

.....

"في اليوم التالي، عادا سوياً إلى المنزل، شعرت شمس بألمٍ كبير أصاب قلبها عندما عادت وهي تشعر بصوت صغيرها يملأ المكان من حولها وكأنه موجودٌ بالفعل، لو كان هنا لركض ناحيتها وهو يصرخ في سعادة لقدومها.
دخلا البيت، وتقدَّمت شمس ناحية غرفته لتفتح الباب، توقفت مكانها وهي تتأمل الغرفة التي فرغت منه.
على الأرض كانت توجد ألعابه ومكعباته المبعثرة وبيت صغير لم يكتمل بعد، وعلى طاولته الصغيرة بالزاوية، كان يوجد دفتر التلوين وأقلام تلوين مبعثرة إلى جواره، وأيضاً صفحة تلوين لم تكتمل، وكأن كل شيءٍ يشير إلى حياة كانت هنا ولم تكتمل بالفعل.
نظرت ناحية السرير لتجد ثياب نومه لا تزال كما هي فوقه، تقدمت ناحيته لتجلس وتمسك بثيابه وتحتضنها بقوة.
كان رامـي لا يزال متوقفاً عند الباب يراقبها وهو يشعر بمثل مشاعرها وأكثر، وشعور بالخوف والقلق ينتابه لأجلها، لم تنطق بكلمة واحدة ولم توجِّه له حديثاً منذ البارحة، كان يخشى عليها من أن يصيبها مكروه.
وعندما وجدها تبكي، تقدَّم ناحيتها ليجلس إلى جوارها، وضع ذراعه حول كتفيها ليضمها إليه ولكنها ابتعدت عنه دون كلمة.
تعجَّب من ردة فعلها ليجدها قد رفعت رأسها إليه لتقول في ثقة لم تخذلها في حالتها هذه"
- أنا عايزة اروح بيتي، مش عايزة اقعد هنا

"نظر لها متسائلاً ليشير بعدها"
- هنا بيتك يا شمس!

"هزت رأسها نفياً لتتبع قائلة ببطء ضائق"
- أنا مش هعيش مع اللي اتسبب في موت ابني

"نظر لها في ذهول مشيراً"
- أنتِ بتقولي إيه؟

"قالت في قوة"
- دومي قالي إن الدنيا مطرت وهو هناك، وخرج يلعب تحت المطرة من غير جاكيت

"أشار رامـي سريعاً"
- وأنا لما شفته اخدته جوة عشان مايتأذيش منها

"قالت ببطء وكأنها تعد كلماتها عداً"
- لو ماكنتش اخدته مني ومشيت يومها، ماكانش لِعب تحت المطرة من غير ما حد يشوفه، وماكانش تعب، وماكانش مات... أنت السبب يا رامـي!

"أنهت جملتها لتقوم من مكانها وتتوجه إلى غرفتهما لتجمع ثيابها استعداداً للرحيل، وهو جالس في مكانه بحالة من الذهول والصدمة، هل هذه هي نتيجة صمتها؟ هل هذا ما كانت تفكر به طوال تلك المدة؟ هل حقاً تراه السبب؟ حتماً لقد جُنَّت.
قام من مكانه ليجدها قد جمعت ثيابها كلها بالفعل، أشار في دهشة"
- أنتِ بتعملي إيه؟

"قامت بإغلاق حقيبتها لتنظر له في ضيق وتقول"
- قلتلك إني همشي، مش هقعد هنا دقيقة واحدة بعد اللي حصل

"ثم مرت من جواره لتخرج قبل أن يمسك بذراعها في قوة ويرجعها إلى الداخل ويغلق الباب، أشار في ضيق"
- أنتِ فاكرة إني هسمحلك؟ مش هتخرجي من هنا يا شمس!

"وضعت حقيبتها على الأرض لتنظر له قائلة في تحدٍ"
- مافيش حاجة في الدنيا هتجبرني أفضل هنا بعد النهاردة، ولا حتى أنت

"أشار في غضب"
- أنتِ فاكرة إن التخريف اللي قلتيه ده حقيقة؟ أنتِ أصلاً واعية للكلام اللي بتقوليه؟

"قالت في غضب هي الأخرى وقد عادت دموعها لتنهمر"
- أيوة مصدقة، مصدقة عشان دي الحقيقة، لو ماكنتش اخدته معاك ماكانش كل ده هيحصل، كان زمانه معايا وفي حضني، لكن أنت مابتسمعش غير نفسك وبس، خلقت مشكلة من مافيش ومشيت واخدته معاك، ودي النتيجة... اتسببت في إن ابني مات!

"أشار في غضب"
- أنتِ خلاص اتجننتي ومابقيتيش فاهمة اللي بتقوليه

"صرخت في غضب قائلة"
- أيوة أنا بقيت مجنونة، والمجنونة دي مش عايزة تشوفك ولا تعيش معاك تاني، ارتحت؟

"أعماه غضبه حتى كاد أن يصفعها قبل أن تتوقف يده في الهواء وقد انتبه للتو لهول ما كان على وشك أن يفعل خاصة عندما نظر إلى عينيها التي كانت تطالعه في صدمة وألم قبل أن تنطق أخيراً"
- طلقني يا رامـي!

****

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-06-22, 01:36 PM   #30

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل الرابع والعشرون


"ساد الصمت بينهما قبل أن تحمل حقيبتها مرة أخرى وتتركه راحلة من المنزل كله. ظل في مكانه مصدوماً وهو بالكاد يستوعب كل ما قالته من جنون وما كان على وشك أن يفعله، وأخيراً... طلبها الطلاق.
هل حقاً هو السبب؟ للحظة عاد كل شيء حدث منذ مدة يتكرر أمام عينيه خاصة عندما وجد صغيره يلعب تحت المطر ليحمله ويدخل به بعيداً عن تلك الأمطار الغزيرة، ولكنه لم يمرض إلا بعد.
لا... لا مستحيل، هو ليس السبب، ربما كان عليه أن يتركه معها عند رحيله، ولكن... كيف يتركه؟ هل يتركه مثلما فعلت أمه فيما مضى؟ ربما قد يلحق به وتتكرر نفس القصة الموجعة مجدداً، هل كانت ستتهمه هو أيضاً إن حدث؟ هل هذه هي المساندة التي تقدمها إليه في أكثر أوقاته ألماً ووجعاً؟ أن تتركه وترحل بل وتطلب الفراق أيضاً؟
لقد أصبح وحيداً مرة أخرى، لقد تركاه في نفس الوقت، لن تسامحه... حتى ولو تفهمَّت أنه ليس السبب في موت صغيرهما فلن تغفر له أنه قد رفع يده عليها للتو، ولكنها قد اتهمته بكارثة، وكأن من مات ليس صغيره هو أيضاً، لقد أخبرته أنها لا تريده ولا تريد العيش معه، هل عنت حقاً ما تقوله؟
أخذ ضجيج الأفكار والتساؤلات يعلو في ذهنه بقسوة وشراسة لم يستطع تحملها فضرب زجاج المرآة أمامه بيده في قوة لتتحطم وليدمي الزجاج يده ليؤلمه بشدة... شدة كان ليتحملها لو كان في ظروف أخرى غير هذه التي كانت كالقشة التي جعلته يحاول الصراخ في ألم بالرغم من عدم قدرته على إخراج ما بداخله أبداً، ولكنه أخذ يحاول في غضب وقد سأم هذا القيد الذي يحجِّم صوته وأوجاعه عن الخروج دون وعي منه حتى خرج صوته فجأة متألماً موجوعاً صارخاً.
اتسعت عيناه في صدمة وقد انتبه للتو لما حدث، هل صرخ للتو؟ هل خرج صوته؟ هل... سمعه؟
سقط على الأرض عند ظهر السرير المقابل للمرآة، وعاد ليصرخ مجدداً ليجد أن ظنه صحيحاً بالفعل، لقد خرج صوته... لقد سمع ما يدور من حوله لأول مرة منذ ثلاثين عاماً، ولكنه لم يتوقف عن الصراخ بل أخذ يفرغ كل ما بداخله حتى شعر بدموعه قد خرجت أيضاً.
دقائق مرت عليه حتى توقف عن الصراخ وأخذ يبكي في حدة وهو يرى كل ما بداخله قد خرج دفعة واحدة، كل ما شعر به طوال تلك السنوات يخرج الآن، كل ألمٍ وكل وجعٍ وكل حزن وغضب كتمه في نفسه ولم يستطع التعبير عنه سوى بتكسير أي شيء حوله أو في هيئة أنفاس متسارعة كان يشعر بها تخرج بروحه لا بأوجاعه... وليتها كفَتْ.
كل ما شعر به في الفترة الأخيرة من وجع لمعاناة صغيره الذي كان يعاني أمام عينيه ولم يستطع هو فعل أي شيء له حتى مات وتركه لتتركه هي الأخرى وترحل دون أن تعي وقع ما قالت على نفسه، كل شيء يخرج، كل شيء بدى وكأنه حدث الآن فقط... وانتهى الآن فقط.
توقف أخيراً عن البكاء بعد ساعة أو أكثر ليلتقط أنفاسه بحدة في تعب كمن ظل يركض في سباق طويل لسنوات بلا توقف إلى الآن.
أخذ يميل شيئاً فشيئاً حتى أسند رأسه إلى الأرض لينام فجأة بلا مقدمات، وكأن كل ما حدث للتو أصبح أكبر من أن يتحمله دون أن يغيب عن الوعي حتى يتمكن من استيعاب كل ما حدث في وقت آخر... لعله يكون بخير حينها."

.....

"استيقظ في المساء وهو يشعر بألم شديد في رأسه كمن تلقى ضربة فوقها، رفع رأسه عن الأرض ببطء لتقع عيناه على الزجاج المحطم على الأرض جواره وينظر إلى يده التي امتلأت بالدماء.
قام من مكانه وتوجه ناحية أحد الأدراج ليخرج شاشاً ويتوجه به إلى الحمام، أخذ يلفه حول يده بعد أن قام بغسلها ونزع قطع الزجاج الصغيرة منها، خرج من الحمام ليجلس على السرير ثانيةً حتى اتسعت عيناه بدهشة عندما تذكر ما حدث قبل أن ينام، وما حدث للتو، هل سمع صوت المياه؟
عاد إلى الحمام ثانية وفتح الصنبور ليسمع صوت المياه... إنه يسمع بالفعل، نظر إلى المرآة وقال"
- أنا... بتكلم... أنا... بتكلم

أخذ يكررها في صدمة... هو يتكلم... يسمع... لقد انتهى عجزه أخيراً، هل يفرح؟
أخذ سترته ثم خرج من المنزل وتوَّجه إلى عيادة نسمة فوراً... يجب أن يتحدث مع أحد قبل أن يجن.
طوال الطريق وهو في حالة من الذهول خاصة وهو يسمع صوت الشارع من حوله، يسمع الضجيج... ضجيجٌ آخر غير ذلك الذي كان بداخله لسنوات طويلة ظن أنها لن تنتهي.
عندما وصل إلى العيادة، أخبرته السكرتيرة أن هناك حالة في الداخل على وشك الانتهاء، ولكنه لم يستطع الانتظار بل تقدَّم ناحية الباب وفتحه ومن خلفه السكرتيرة تحاول منعه.
انتبهت نسمة لقدومه وتعجبت لحالته، يده الملفوفة بالشاش الملوث بآثار الدماء، وجهه الشاحب ولحيته الغير مهذبة، وشعره الغير مصفف، شعرت أنه ليس على ما يرام، عادت لتلتفت إلى الحالة قائلة بابتسامة هادئة"
- احنا خلاص خلصنا جلسة النهاردة، وهنكمل الأسبوع الجاي في نفس الميعاد إن شاء الله

"رحلت الحالة ليدخل رامـي ويجلس على الكرسي دون كلمة، والسكرتيرة لا تزال متوقفة ترمق الموقف بنظرات معترضة، نظرت نسمة إليها لتقول بنبرة ذات مغزى"
- روحي هاتي فنجانين قهوة يا سميرة

"قالت السكرتيرة في ضيق"
- حاضر

"وعندما خرجت وأغلقت الباب خلفها، التفتت نسمة إلى رامـي الذي كان يجلس في شرود وكأنه لم ينتبه لحديثهما.
كانت تعلم بموت ابنه وذهبت إليه لتعزيته منذ يومين، ولكن من حالته هذه يبدو أن هناك شيئاً آخراً قد حدث، أشارت بيدها أمام وجهه كي يلتفت إليها ليرفع عينيه إليها بابتسامة لم تفهمها، أشارت"
- رامـي! أنت كويس؟

"نظر لها قبل أن ينطق أخيراً قائلاً في هدوء"
- أنا بتكلم

"نظرت إليه نسمة في ذهول لتتسع ابتسامته قليلاً وهو يتبع بكلمات متلعثمة بعض الشيء بعد سنوات من عدم الحديث"
- وبسمع كمان... سمعت كلامك مع سميرة مع إني... ماكنتش مركز فيه، سميرة طلع صوتها مسرسع بجد... أنا سمعته

"كادت نسمة أن تشير بما ستقوله قبل أن تدرك ما سمعت للتو لتتوقف قبل أن تسأله"
- ازاي؟

"رد بعينين مملوءتين بالألم"
- مش مهم ازاي... السؤال اللي في بالي دلوقتي هو "ليه... ليه دلوقتي؟"

"ظلت صامتة ليتبع قائلاً"
- أنا بقالي سنين بتمنى عجزي ده... ينتهي، بتمنى إني أقدر بس... اتكلم عن اللي جوايا يمكن ارتاح

"ثم صمت قبل أن يتبع بصوت موجوع"
- ولما دومي جه و... كبر شوية وبقى يتكلم، كنت بتمنى أقدر اكلمه واسمع صوته، كان عندي حاجات كتير عايز اقولهاله، كنت عايز اسمع صوته وهو بيحكيلي أي حاجة، ماكنتش بقدر أقوله غير إني... بحبه وبس، حتى لو ردي ده مالوش علاقة باللي بيقوله، أسابيع عدت وهو بيعاني ادامي وأنا... مش قادر اعمله حاجة، ولما صحي لدقيقة واحدة بس ماعرفتش أقوله غير إني بحبه، ليه دلوقتي بتكلم بعد ما مات؟ ليه دلوقتي رجعت اسمع كل حاجة حواليا بعد مابقاش صوته موجود؟

"كانت نسمة تستمع إليه بعينين دامعتين وهي تشعر بمدى وجعه الذي ظهر في عينيه بوضوح ليتبع قائلاً بابتسامة منكسرة"
- حتى شمس... سابتني ومشيت، قالتلي إني السبب في موته، لو ماكنتش اخدته معايا المزرعة... ماكانش لعب تحت المطر من غير ما اشوفه وماكانش مات، مش بس كده... قالتلي إنها مش عايزة تشوفني أو تعيش معايا تاني، وطلبت الطلاق

"سألته في ذهول"
- شمس؟! معقول؟!

"اومأ إيجاباً بابتسامة متألمة ليقول"
- آه... شمس قالتلي كل ده ومشيت، مشيت عشان أبقى خسرت كل حاجة مرة واحدة، وعشان لما ارجع اتكلم واسمع تاني... يبقى كل ده مالوش معنى، لأني في كل وقت كان المفروض اتكلم فيه... كنت ساكت غصب عني.

"ظلت نسمة صامتة في ذهول وهي لا تدري بماذا ترد، لأول مرة تشعر بالعجز عن الرد أو حتى محاولة التخفيف عنه، كلما جاءت جملة إلى ذهنها شعرت بمدى سخافتها أمام ما يعانيه الآن. قطع هو الصمت متسائلاً في حذر"
- هو أنا بجد السبب في موته؟ بجد لو ماكنتش اخدته... ماكانش هيموت؟

"أجابته سريعاً قائلة في ثقة"
- أنت مش السبب أبداً، دومي كان ممكن يفضل في البيت ويلعب تحت المطر ويتعب برضو، وكان ممكن يتعب من غير أي حاجة، مافيش حد السبب يا رامـي!

"ظل صامتاً دون رد لتتبع هي قائلة"
- شمس دلوقتي مش واعية للي قالته لأن اللي حصل كونلها صدمة، هي لسة مش قادرة تستوعب اللي حصل فاتهمتك أنت، لكن بعد فترة هتفوق وهتفكر كويس وهتعرف إن اللي حصل ده كان هيحصل سواء أنت اخدته أو لا، وساعتها لو رجعت اتكلمت معاها تاني هتفهم وهتتراجع عن موقفها، أنا متأكدة

"ثم صمتت للحظات قبل أن تتبع"
- أنا شايفة إنك تسيبها الفترة دي لوحدها، وأنت كمان محتاج تاخد فترة على ما تستوعب كل اللي حصل في الفترة القصيرة دي وتبقى أقوى، ساعتها لما تروحلها وتتكلموا تاني كل حاجة هتتصلح

.....

"عاد رامـي إلى المنزل بعد جلسته مع نسمة، وجد نفسه يتقدَّم ناحية غرفة المعيشة، توجَّه ناحية التلفاز وأخذ يبحث في الاسطوانات الموجودة إلى جواره حتى وجد عدة اسطوانات خاصة بصغيره آدم، أخذ إحداها ووضعها في المشغِّل وجلس على الأريكة وقام بتشغيله.
كانت الاسطوانة عبارة عن فيديو قد صوره هو بنفسه لشمس والصغير وهما يلعبان سوياً في الحديقة، كان الصغير يركض كثيراً ويضحك أكثر ويتحدث بكلمات متعددة.
بمجرد أن استمع رامـي إلى صوته عادت دموعه لتنهمر فجأة دون إرادة منه، كم كان صوته جميلاً ضاحكاً ومليئاً بالحياة! وصوتها هي أيضاً... إنه كما تخيَّل تماماً... ناعماً وحنوناً للغاية.
أخذ يشاهد الاسطوانة حتى انتهت ليفتح بعدها اسطوانة عيد ميلاده الرابع والأخير، كان مليئاً بالبالونات كما يحب. في هذا العيد تحديداً أحضر له رامز الكثير من الهدايا التي يمكنها أن تعفيه عن الهدايا مجدداً مدة عشر سنوات لن تأتي.
كان يتأمل ملامح الصغير وهو يضحك كثيراً ويصفق في سعادة كعادته، وكان هو وشمس يقفان إلى جواره ليحمله هو كي يساعده في إطفاء الشمعات الأربعة ليصرخ بعدها في سعادة ضاحكاً.
أخذ يشاهد الاسطوانات واحدة تلو الأخرى منذ ولادة الصغير إلى عيد ميلاده الأخير حتى نام في مكانه دون أن يشعر ليرى صغيره في الحلم وهو يلاعبه ويضحك معه حتى الصباح."

.....

"في الصباح، فتحت نانسي عينيها لتجده نائماً إلى جوارها، خرجت منها شهقة مصدومة كتمتها فوراً لتجده قد فتح عينيه مستيقظاً، أخذا ينظران لبعضهما البعض ليقطع هو الصمت قائلاً بهدوء"
- أنا آسف إني دخلت بالطريقة دي، بس حسيت إني محتاجلك

"ظلت صامتة وعيناها تطالعه بذهول ليشعر بأنه غير مرحَّب به ليتبع قائلاً بخفوت"
- أنا آسف... همشي دلوقتي

"ولكن قبل أن يتحرك، وجدها قد اقتربت منه فجأة لتحتضنه بشدة، لف ذراعيه حول خصرها وهو يتعجب من ردة فعلها، وكأنها كانت تنتظره. وجدها تقول بهدوء عَكَسَ مشاعرها"
- وحشتني أوي يا رامز!

"شدد من احتضانه لها وهو يهمس قائلاً"
- إيه اللي حصل يا نانسي؟

"قالت بعينين دامعتين"
- اللي حصل إنك وحشتني، أربع سنين ماغبتش عن بالي ثانية، أربع سنين وأنا نفسي أشوفك... نفسي يوم واحد بس نرجع فيه زي زمان وبعدين كل حاجة ترجع زي ما هي

"ثم صمتت قبل أن تتبع"
- كنت خايفة ماشوفكش تاني

"ظل صامتاً دون رد قبل أن يجلس على السرير دون أن يتركها، أخذ يمسح على شعرها في حنان وهو يشعر بأنه يكره نفسه كثيراً، إنها أكثر من ظلم في مشوار ضياعه وتيهه الذي لم ينتهِ بعد، قال"
- كنت أناني معاكي أوي، مش قادر اسامح نفسي عاللي عملته فيكي

"قالت هي سريعاً"
- أنا مش زعلانة منك، مش عاوزاك تحس إنك ظلمتني أبداً، أنا اللي مش قادرة انسى أو... مش عايزة انسى

"ثم همست قائلة"
- أنا بحبك

"ابتسم بهدوء قائلاً"
- وأنا كمان حبيتك، بس... كان نفسي اديلك الحب اللي تستاهليه بجد مش بس اللي أنا حاسه، كان نفسي اعملك حاجات كتير

"صمت ولم يستطع أن يكمل لتكمل هي جملته قائلة بهدوء متألم"
- حبيتها هي أكتر

"همس قائلاً في ألم هو الآخر"
- للأسف

"رفعت رأسها عن كتفه لتنظر إليه لتقول في هدوء بابتسامة لم تخذلها رغم ما تشعر به من ألم"
- وحشني نفطر سوى، ثواني والفطار يكون جاهز

"رد بابتسامة هادئة وهو يمسح بيده على وجنتها"
- هحضره أنا النهاردة

"ثم اتبع مزيناً كلماته بغمزة"
- أنا بقيت شاطر في المطبخ

"خرجا سوياً من الغرفة وتوجها إلى المطبخ لتجلس هي على الكرسي بينما يقوم هو بعمل كل شيء. كانت تراقبه أثناء العمل وهي لا تكاد تصدق أنه هنا بالفعل، الشيء الوحيد الذي لم يتغير بينهما، إلى جانب الألم، هو عنصر المفاجأة، لطالما كان يأتيها فجأة لتفتح عينيها في الصباح فتجده جوارها.
ولكن نظرة أكثر تدقيقاً على وجهه وعينيه جعلتها تشعر بأنه ليس على ما يرام، لقد أخبرها في البداية أنه بحاجتها، ما الذي حدث؟
وعندما انتهى من إعداد الفطور، حمل الصينية وخرج بها إلى الحديقة ثم جلس ليجلسها فوق ساقه ليطعمها بنفسه، ولقد كانت سعيدة بذلك فقد افتقدت تدليله لها كثيراً وقد أصبحت أيامها تشبه بعضها البعض منذ أن غاب عنها لسنوات، لكن صمته كان يشعرها بالقلق، انتظرت حتى انتهيا سوياً من الفطور لتمسح بيدها فوق رأسه لتقول بهدوء"
- إيه اللي حصل يا رامز؟

"نظر لها دون رد لتتبع"
- أنا حاسة إنك مش كويس

"صمت قبل أن يقول"
- حصل حاجات كتير، مش عارف ابدأ بإيه

"قالت في حنان"
- اتكلم وبس، مش مهم تبدأ بإيه

"عاد ليصمت ثانيةً قبل أن يقول"
- أنا طلقت ندى

"نظرت إليه في دهشة لتقول"
- ليه؟

"ابتسم قائلاً"
- مابتحبنيش

"نظرت إليه متسائلة ليتبع هو في ألم"
- خايفة تخلف مني، شاكة فيَّ... واتطلقنا

"ردت قائلة"
- بس أنتو بتحبوا بعض، ماكانش ينفع تطلقوا

"ابتسم بهدوء قائلاً"
- حتى أكتر واحدة حبيتها ماقدرتش احافظ عليها في حياتي وخسرتها، أنا بخسر سواء حبيت أو اتحبيت

"لم تعلم بمَ ترد ليتبع هو قائلاً بألمٍ تجلى في عينيه بوضوح"
- ودومي مات

"نظرت إليه في دهشة وتساؤل ليتبع قائلاً بهدوء موجع"
- آدم... ابن رامـي، أنا وهو كنا متعلقين ببعض أوي، مات من خمس أيام بالظبط...

"وضعت يدها على فمها في صدمة ليتبع بعينين دامعتين"
- ماحدش هيفهم أنا كنت بحبه قد إيه، عمري ما تخيلت إن حاجة زي دي ممكن تحصل، حاسس إن ابني مات تاني يا نانسي!

"ضمته إليها وهي تفهم ألمه تماماً أكثر من الجميع، هي التي فقدت طفلها قبل حتى أن تلمسه أو تضمه إليها، فكيف به هو إذن الذي يشعر بالفقد مرتين؟ قال دون أن يبتعد عنها"
- أنا تعبت... مش عاوز افضل هنا بعد كل اللي حصل، بقالي سنين بخسر وبس، تعبت وزهقت من كل حاجة وعايز أبعد

"ظلت صامتة تسمعه ليبتعد عنها قليلاً ليقول"
- أنا قررت أسافر

"قالت في صدمة"
- تسافر؟

"رد بابتسامة شاحبة"
- لازم اسيب هنا، كده أحسن للكل وليَّ أنا كمان، الحاجة اللي كانت مخلياني أفضل هنا هي ندى ودومي، والاتنين خلاص راحوا

"ظلت تنظر إليه في حزن دون رد ليتبع هو قائلاً في حنان"
- وجيتلك عشان أودعك، المرة دي هتكون آخر مرة بجد

"دمعت عيناها ليتبع سريعاً"
- ارجوكي ماتعيطيش، صدقيني كده أحسن ليكي كمان، أنا تعبتك وأنتِ استنيتي كتير

"ثم نظر لها قبل أن يتبع بهدوء"
- جه الوقت اللي لازم نانسي فيه تشوف نفسها وحياتها بجد بدل ما تفضل مستنية طول عمرها

"قالت بصوت باكٍ"
- يعني إيه؟

"ابتسم قائلاً"
- لازم تنسيني، لازم تخرجيني من حياتك مهما ده كان صعب في البداية

"هزت رأسها في نفي لتقول في ألم"
- مش هقدر

"قال في إصرار"
- أنا متأكد إنك هتقدري، هتنسيني وهتحبي حد تاني... بس المرة دي لازم يكون يستاهل حبك

"خرجت منها شهقة باكية وهي تقول"
- مستحيل! أنا مش هقدر اعمل كده، أنا حتى لو قدرت أنساك مش هقدر أحب حد تاني زي ما حبيتك أنت، ولا هقدر اعيش معاه كل اللي عيشته معاك أنت، أنت مش فاهم... أنا عايشة عشانك بس

"هز رأسه في نفي ليقول"
- جه الوقت اللي تبطلي تعيشي فيه لغيرك، لازم تعيشي لنفسك، لازم تخرجي للدنيا من جديد وماتخافيش، لازم تبقي اقوى من كده، وأنا متأكد إنك هتلاقي الإنسان اللي يحبك ويعمل عشانك كل اللي أنا ماقدرتش اعمله، في حاجات كتير أحلى من اللي عشناها سوى... هتعرفيها لما تحبي إنسان مافيش عنده أهم منك ومن سعادتك أنتِ بس، ولما هيحصل هتعرفي إن كان عندي حق.

"حاولت أن تتحدث قائلة"
- بس... أنا بحبك...

"ابتسم في حنان قائلاً"
- أنتِ أجمل من إنك تحبيني

"ثم عاد ليضمها إليه لدقائق قليلة مودعاً إياها شعرت فيها بالألم والحزن الشديد، هل حقاً لن تراه مجدداً؟ هل هذه هي النهاية؟ كيف تعيش إن لم تنتظره؟ كيف ستكون حياتها من دون رؤيته ولو مرة كل عام؟
طوال حياتها لم تتوقع أن تحب أحداً مثلما أحبته هو، والآن هو يطالبها أن تنزع هذا الحب من قلبها كي يكف عن التألم، هل تستطيع؟
ابتعد عنها لينظر لها قبل أن يقبِّلها في هدوء ليعاود النظر إليها مجدداً قائلاً بابتسامته الهادئة"
- مع السلامة يا حلوة!

"وضعت يدها على جانب وجهه وهي تتأمل ملامحه مجدداً وكأنها تحاول أن تتشربها في ذاكرتها حتى لا تنساها أبداً لتهمس قائلة"
- مع السلامة يا حبيبي!

"قام من مكانه ثم دخل ليلتقط سترته ويرحل قبل أن توقفه هي قائلة"
- رامز!

"التفت إليها لتتقدم ناحيته وتقول"
- ممكن... تقول للحرس يمشوا؟

"سألها قائلاً"
- متأكدة إنك مش هتحتاجيهم؟

"هزت رأسها في نفي لتقول"
- لو فضلوا موجودين هفضل خايفة اخرج للناس، لو مشيوا هقدر اخرج واواجه لوحدي من غير ما اخاف

"ابتسم في إعجاب بهذه الثقة التي تحاول اكتسابها بمفردها هذه المرة ليومئ برأسه قائلاً"
- هخليهم يمشوا

"ابتسمت في هدوء قائلة"
- شكراً

"ابتسم لها قبل أن يفتح الباب ويرحل تاركاً إياها وهي تحاول أن تمنع نفسها عن البكاء، ستحاول التماسك... ستكون أقوى... وستبدأ من جديد."

.....

"استيقظ رامـي في الصباح وتوجه إلى المطبخ ليقوم بإعداد القهوة بنفسه، فلقد أعطى السيدة إسراء إجازة مدفوعة الأجر حتى يستطيع معرفة ما سيحدث في الفترة القادمة ومن ثم يقرر إن كانت ستستمر في العمل أم لا.
عندما انتهى من صنع القهوة وخرج بها من المطبخ، سمع صوت جرس الباب يرن ليفتح فيجد والديه قد أتيا لزيارته، وبمجرد أن رأته رقية بخير، تقدمت ناحيته لتعانقه قبل أن تنظر إليه وتشير"
- الحمد لله إنك بخير يا رامـي! كنت خايفة عليك أوي الأيام اللي فاتت

"نظر إليها قبل أن ينطق محاولاً الحديث"
- أنا كويس

"نظرت له والدته في صدمة شعر مثلها والده الذي لم يصدق ما سمعه للتو قبل أن ينظر رامـي إليهما ويقول بابتسامة"
- أنا بقيت كويس

"وضعت رقية يديها فوق وجهها في فرح وهي لا تصدق أنها قد عادت لتسمع صوت صغيرها مجدداً لتعانقه بشدة وهي تقول بعينين دامعتين في سعادة"
- أخيراً سمعت صوتك، الحمد لله يا رب

"ابتسم رامـي في راحة حقيقية وهو يستمع إلى صوت والدته مجدداً، ذلك الصوت الحنون الذي كان يحاول أن يحتفظ به في ذاكرته منذ الطفولة قدر الإمكان حتى لا ينساه في زحام الضجيج الذي كان يملأ رأسه في صمت.
كان والده يراقب ما يحدث وهو يحاول أن يستوعب ما سمع بالفعل، هل تعافى صغيره حقاً؟ هل سمع صوته للتو؟
سنوات طويلة وهو يتمنى لو يستطيع سماعه ولو للحظة واحدة، وقد تسبب الوقت في يأسه من تحقق أمنيته قبل أن يجدها واقعاً أمام عينيه الآن.
عندما ابتعدت رقية عنه أخيراً، تقدم هو ناحيته ليعانقه هو الآخر وهو يقول"
- أخيراً يا رامـي! الحمد لله

"ابتسم رامـي وهو يعلم تماماً شعور والده، لقد عايش مثله ليلة البارحة وهو يرى صغيره من خلال الاسطوانات المسجلة ويستمع إلى صوته لأول مرة لينتابه شعورٌ غريب بين السعادة والألم، مزيجٌ غريب يقف أمامه المرء عاجزاً إلا عن البكاء، سألته والدته قائلة"
- ازاي ده حصل يا رامــي؟

"صمت رامـي للحظات قبل أن يقول بابتسامة هادئة"
- حصل... فجأة لقيتني بتكلم

"ابتسمت رقية في فرح لتقول"
- الحمد لله يا رب

"وعندما دخلوا سوياً إلى غرفة المعيشة ليجلسوا، قالت هي متسائلة"
- فين شمس؟؟

"عاد ليصمت ثانية قبل أن يقول"
- شمس مش هنا، كانت حابة تقعد لوحدها الفترة دي في بيتها لغاية ما تهدى، وبعد كده هترجع

"قالت والدته مستنكرة"
- ازاي تسيبها في ظروف زي دي؟ ده اكتر وقت لازم تكونوا فيه جنب بعض

"ابتسم دون رد وهو يتذكر كل ما حدث بينهما ليقول"
- هيحصل يا ماما! ماتقلقيش حضرتك!

"قطع حديثهم صوت جرس الباب ليذهب رامـي لفتحه فيجد رامز قد أتى لزيارته، أشار رامز في هدوء وهو يقول"
- أنا مش رايح الشركة النهاردة، مش هسيبك لوحدك اليومين دول

"ابتسم رامـي في راحة مجدداً وهو يجد نفسه يستمع إلى كل الأصوات التي افتقدها لسنوات طويلة قبل أن يجد نفسه يقول"
- وحشتني يا رامز!

"اتسعت عينا رامز في دهشة وهو لا يصدق ما سمعه للتو، هل تحدث؟؟ كان رامـي يراقب تعبيراته ولم تختفِ ابتسامته ليقول رامز"
- أنت قلت حاجة؟

"ضحك رامـي قائلاً"
- صوتك وحشني

"جاء سليم ورقية من الداخل على صوت صيحات رامز التي انطلقت منه في سعادة لما حدث للتو وهو يعانق أخاه في فرح قائلاً"
- أنا مش مصدق نفسي! أنا فرحان أوي

"أخذ رامـي يضحك وهو يشعر أن أحزانه قد اختفت في هذا الوقت تحديداً ليقول رامز في سعادة"
- أنا مش عايزك تبطل كلام أبداً، اتكلم كتير عشان اصدق وداني

"ضحك رامـي قائلاً"
- حاضر، هحاول

"مر اليوم بأكمله وهم سوياً حتى حل المساء في الكثير من الحديث، فجأة انقلب حزنهم جميعاً إلى سعادة بانتهاء سنوات من الصمت الإجباري.
وجد رامز هذا التجمع فرصة مناسبة لإخبارهم بما قد انتوى، تردد قبل أن يخبرهم، ولكنه لم يشأ أن يعطله شيء عما يريد أن يفعل، قال"
- أنا هسافر

"تعجبوا منه قبل أن تسأله رقية"
- تسافر فين يا رامز؟

"صمت قبل أن يقول"
- لندن... هسافر واستقر هناك

"قال والده متعجباً"
- تستقر؟! يعني إيه؟

"رد رامز محاولاً شرح الأمر"
- أنا بقالي فترة بفكر في الموضوع ده، تحديداً من ساعة ما طلقت ندى، بصراحة مش حاسس إني هكون مرتاح هنا اكتر من كده، لو بعدت هيكون أحسن كتير

"ظل رامـي صامتاً وهو يشعر بأنه يفهمه تماماً، ربما يكون قرار ابتعاده هذا أفضل بالنسبة إليه من المكوث هنا ومواجهة أحزانه مجدداً، قالت رقية مستنكرة"
- أحسن كتير؟! أنت ماكتفيتش من التلاتين سنة اللي فاتوا، عاوز تزودهم كمان بسفرك وبعدك؟

"قال رامز محاولاً الحديث"
- يا ماما! افهميني أرجوكي...

"قاطعته قائلة في ضيق"
- أفهم إيه؟ مش كفاية كل اللي بيحصلنا؟ أنا ما صدقت سمعت صوت أخوك من جديد وحسيت إني فرحانة بعد كل اللي حصل آخر فترة، عاوز تمشي دلوقتي؟

"قال في هدوء واثق"
- مافيش حاجة تخليني استنى هنا كمان بعد كل اللي حصل، ولو في... أنا محتاج أبعد دلوقتي، محتاج ارتاح... اعتقد ده حقي

"نظرت رقية إلى رامـي لتقول"
- ساكت ليه يا رامـي؟ أنت موافقه عالكلام ده؟

"صمت رامـي قبل أن يقول أخيراً"
- أنا فاهم كل اللي رامز بيقوله، عشان كده أنا لو مكانه... همشي، حتى لو لمجرد فترة ابعد فيها عن كل اللي حصل هنا

"حادت بنظرها عنه لتلتفت إلى سليم الذي قال موجهاً حديثه إلى رامز"
- سافر يا رامز! لكن مش استقرار... أنا عارف إنها مجرد فترة وهترجع تاني، عشان كده خد الوقت اللي أنت عايزه لغاية ما تبقى جاهز للرجوع مرة تانية

"صمتت رقية وبدى عليها الضيق والحزن ليتقدم رامز ناحيتها قائلاً بابتسامة"
- أرجوكي يا ماما افهميني وماتزعليش، مين عارف؟ جايز ارجع تاني فعلاً زي ما بابا قال، أنا متأكد إنك عايزاني مرتاح، مش كده؟

"نظرت إليه لتقول في حزن"
- أنا مايهمنيش أي حاجة غير راحتكم، بس...

"صمتت ولم تدرِ ماذا تقول، أمسك رامز بيدها ليقول بابتسامة"
- ماتقلقيش يا ماما! أنا فعلاً محتاج السفر ده

"نظرت إليه قبل أن تحاول رسم ابتسامة على وجهها وهي تقول بهدوء حاولت به تغطية حزنها"
- سافر يا رامز! بس هستناك ترجع تاني

.....

"طوال الفترة الماضية وحتى الآن، لم تغادر ندى منزلها هي ورامز أبداً على الرغم من أن والديها قد طلبا منها أن تغادره وتعود إلى بيتها معهما، ولكنها كانت ترفض ذلك لأنها لا تستطيع الابتعاد عن مكان جمع بينهما في يومٍ ما. كانت تنتظره رغم كل شيء، رغم علمها أنه ربما لن يعود مرة أخرى، وإن كان هناك احتمالية... فلن تكون بهذه السرعة والبساطة.
لقد شعرت في آخر فترة بوحدة لم تتخيل أن تعيشها يوماً، وكلما حاولت الاتصال بشمس كانت إما تجد هاتفها مغلقاً أو تبعث لها برسالة أنها ليست قادرة على الحديث أو رؤية أحد لتجد نفسها مجبورة على هذه الوحدة القاسية.
كل يومٍ يمر تشعر فيه بمدى سوء عاقبة ما فعلت، الندم يعذِّبها والاشتياق يقتلها، كانت تتمنى لو أن الزمن يعود ثانيةً حتى لا تفعل ما فعلته، أو على الأقل... لا تخبره بما فعلت وتبدأ صفحة جديدة تتوقف فيها عن أخذ تلك الحبوب لتأتي بذلك الطفل الذي كانت تتمناه.
إن تلك النظرة التي رأتها في عينيه بتلك الليلة عندما أخبرته لا تزال تطارد أحلامها، رأت فيها ألماً وخذلاناً لم تتخيلهما أبداً.
كيف هو الآن يا تُرى؟ كلما حاولت الاتصال به كانت تجد التجاهل هو الرد الدائم على مكالماتها، وكلما حاولت أن تسأل رامـي عنه، كانت تتردد كثيراً، من جهة هو ليس في ظرف مناسب للتحدث بذلك الأمر، ومن جهة هي تعلم موقفه جيداً، لقد كانت على وشك أن تتسبب في فراقه هو وشمس لولا تفهمه أن لا علاقة لشمس بالأمر.
في كل مرة رأت رامز فيها في المشفى أثناء مرض الصغير، كانت تسترق النظر إليه لتجده يتجاهل وجودها تماماً، ولم تستطع رؤيته أثناء فترة العزاء لأنها كانت إلى جوار شمس بالمشفى، كيف تطمئن عليه إذن؟ كيف تشعر بأنه لا يزال يكِّن لها مشاعر لم يمحها ما فعلته به؟
كان الوقت متأخراً عندما أمسكت بهاتفها وقررت أن تتصل به... مهما تجاهلها، ستظل تتصل حتى يقوم بالرد، ولو كان رده مجرد أنفاس بلا كلمات... ستكفيها.
أخذت مكالمة تتبع أخرى وهو لا يرد، لا يهم... ستستمر.
مر بعض الوقت حتى وجدت نفسها قد اتصلت به سبعين مرة، ظلت مستمرة في الاتصال حتى فُتِحَ الخط أخيراً، ولكن لم يكن هناك أي رد من الجهة الأخرى...
وصلها صوت أنفاسه لتشعر بقلبها الذي اضطرب لتهمس قائلة"
- رامز!!

"ظل صامتاً قبل أن يقول في هدوء"
- أيوة يا ندى!

"حاولت أن تسيطر على دموعها وهي تقول"
- وحشتني!

"ظل صامتاً بعض الوقت قبل أن يسألها"
- أنتِ حبيتيني بجد؟

"سقطت دموعها وهي تقول"
- حبيتك أكتر من أي حاجة في حياتي

"شعرت به يبتسم وهو يقول"
- يعني عرفتي إن اللي بيحب ممكن يغلط، وممكن يندم، صح؟

"قالت بصوتٍ باكٍ"
- أنا آسفة

"اتبع قائلاً بابتسامته"
- أنتِ فاكرة أنا قلتلك إيه قبل ما اطلب منك تتجوزيني؟

"ظلت صامتة وهي لا تستطيع أن تنطق بما تعلم جيداً ليتبع هو قائلاً"
- قلت إني عارف غلطتي كويس وعشان كده ماقدرش اعتذرلك ولا من حقي أطلب منك ترجعيلي، قلت إني عايزك أنتِ اللي تقرري ده بنفسك لأني مش هتحمل اعيش وأنا شايف الخوف والشك في عينيكي، مش هقدر ألومك لكن كمان مش هقدر اتحمل، صح؟

"ظلت صامتة قبل أن تهمس قائلة في وجع"
- صح

"اتبع حديثه قائلاً بهدوء"
- وأنا التزمت بكلامي يا ندى! عشت معاكي أربع سنين وأنا بحبك وبحاول أعوضك عن كل اللي عملته، ماكانش ندم على قد ما كان حب، حتى لو ماكنتش غلطت، كنت هعمل عشانك كل اللي عملته طول الأربع سنين اللي فاتوا، ولو كنتي سمحتيلي... كنت هعمل اكتر كمان

"انهمرت دموعها وهو يتبع وقد شاب هدوءه بعض المرارة"
- بس أنتِ مالتزمتيش، أنتِ ردتيلي الخيانة وكأنك بتنتقمي مني، وكأني ماعملتش أي حاجة تطمنك وتخليكي تتمني يكون عندنا عيلة زي ما أنا ماكنتش بحلم بحاجة غيرها

"قالت محاولة الحديث"
- سامحني، وخلينا نبدأ من جديد، حاول تفهمني

"تنهَّد دون رد ليقول"
- أنا مسافر

"قالت في صدمة"
- مسافر؟! مسافر فين؟

"رد قائلاً"
- مش مهم، أنا رديت عليكي عشان يمكن كان لازم نقول الكلام ده وتكون دي آخر مرة نتكلم فيها قبل ما نبعد نهائياً

"هزت رأسها في نفي لتقول بصوتٍ باكٍ"
- بلاش يا رامز! ماتعاقبنيش بالطريقة دي ارجوك

"قال في ثقة"
- ده مش عقاب، ده اللي المفروض يحصل من زمان، احنا الاتنين ماينفعش نكون سوى، لازم نصدق الحقيقة دي

"قالت سريعاً في ألم"
- بس أنا بحبك، خفت منك وغلطت بس بحبك، ومش عايزة غير فرصة جديدة، ماتعملش فيَّ كده

"ظل صامتاً قبل أن يقول"
- الفرصة اخدناها احنا الاتنين من أربع سنين وضاعت. يمكن ماتكونش غلطتك لوحدك قد ما أنا كمان اتحمل جزء منها لأني وصلتك لكده، بس في النهاية النتيجة واحدة، خلاص... لازم ننسى!

"كادت أن تتحدث قبل أن يقاطعها قائلاً"
- مع السلامة يا ندى!

"أغلق الخط لتجد نفسها تبكي بحدة، لا... لا يمكن أن تكون هذه هي النهاية، لا يمكنها أن تعيش من دونه، لو كانت تستطيع لما عادت له بعد ما فعل، سارت خلف حماقتها وأخطأت ولكنه لا يجب أن يبتعد.
لقد عادت إليه رغم ما فعل فلماذا لا يفعلها هو الآن؟ كل ما في حبهما موجع على قدر جماله، كلٌ منهما يؤلم الآخر بقدر محبته له."

.....

"ذهبت ندى إلى منزل رامـي كي تسأله عن رامز، ولكن عندما لم تجد سيارته، ذهبت إلى الشركة لتسأل عنه فاخبروها أنه هناك بالفعل، صعدت إلى الطابق الخاص به لتستقبلها السكرتيرة الجديدة بابتسامة فحاولت ندى أن تبتسم أيضاً قائلة"
- صباح الخير!

"ثم اتبعت متسائلة"
- رامـي موجود؟

"ردت السكرتيرة بابتسامة قائلة"
- صباح النور! موجود يا فندم! ثانية واحدة أبلغه بوجود حضرتك

"وبعد لحظات، خرجت لها ثانيةً لتقول بابتسامة"
- اتفضلي!

"دخلت ندى إليه لتغلق السكرتيرة الباب من خلفها، ابتسم رامـي ابتسامة خفيفة وهو يشير ناحية الكرسي كي تجلس ليقول"
- اتفضلي يا ندى!

"نظرت إليه ندى في ذهول لما سمعت للتو ليبتسم دون رد وقد اعتاد نظرات الذهول خلال الفترة الماضية، قالت ندى في حذر"
- أنت...

"صمتت ولم تدرِ ماذا تقول، إن ما تتلقى من مفاجآت وصدمات هذه الأيام لهو شيء مريبٌ حقاً، ابتسم رامـي قائلاً"
- أيوة، رجعت اتكلم من جديد

"ابتسمت ندى قائلة"
- حمد لله عالسلامة يا رامـي!

"اومأ لها رامـي بابتسامة قبل أن يدعوها مجدداً للجلوس لتجلس هي في هدوء فيسألها"
- تشربي إيه؟

"هزت رأسها في نفي لتقول بعدها"
- شكراً! ولا حاجة، أنا كنت جاية عشان اسألك عن رامز

"ظل رامـي صامتاً لتتبع"
- أنا اتصلت به امبارح واتكلمنا شوية، قالي إنه مسافر

"اومأ برأسه إيجاباً لتتبع متسائلة بهدوء حَذِر"
- امتى؟ وفين؟

"صمت رامـي قبل أن يقول"
- لو بتسألي امتى عشان تلحقيه فهو خلاص سافر امبارح

"شعرت بوجعٍ أصاب قلبها وهو يتبع قائلاً"
- وفين؟ فأنا مش هقدر أقولك

"قالت محاولة أن تمنع دموعها"
- ليه؟

"قال بنبرة محايدة"
- رامز سافر عشان يرتاح، واعتقد إن مكالمتكم سوى حسمت حاجات كتير بينكم بما إنك عرفتي إنه مسافر، عشان كده مش هقدر أقولك مكانه

"قالت في رجاء"
- بس أنا عاوزة اشوفه عشان اتكلم معاه تاني جايز حاجة تتغير

"تردد رامـي قبل أن يقول"
- أنتِ اللي اخترتي النهاية دي يا ندى! ماينفعش بعد كل اللي حصل ده تحاولي تاني

"هربت دمعة من عينيها رغماً عنها وهي تقول"
- بس...

"لم تستطع أن تكمل حتى لا تنهمر المزيد من الدموع التي لم تجف منذ البارحة ليقوم هو من مكانه ويجلس على الكرسي المقابل لها ويقول بهدوء"
- أنا آسف لو كان كلامي قاسي عليكي، لكن صدقيني أي محاولة دلوقتي مش هتجيب نتيجة فعلاً، جايز مع الوقت حاجة تتغير بس كمان ماقدرش انصحك تفضلي مستنية، حاولي تكملي حياتك زي ما هو كمان بيحاول

"نظرت إليه قبل أن تمسح دمعتها الهاربة وتقول"
- هكمل حياتي يا رامـي! لكن وأنا مستنياه، حتى لو مارجعناش تاني، أنا هفضل مستنية ومش هعمل حاجة غير كده، حاول تفهمه ده لما تكلمه، عن إذنك!

****

"مر شهرٌ كاملٌ على غيابها، وهو يطمئن عليها كل يوم من بعيد ليجدها لا تخرج من المنزل أبداً. كان يتحرَّق شوقاً لرؤيتها في كل يوم ولكنه يمتنع عن الذهاب، ولكن الآن... لا مزيد من الانتظار والبُعد، سيرجعها حتى لو اضطر لحملها قسراً إلى بيتهما مجدداً.
كانت تجلس في المرسم كعادتها منذ مدة على الأرض تشرد في الفراغ أمامها وتبكي بين حينٍ وآخر. شهرٌ كامل افترست فيه الأفكار والذكريات رأسها بوحشية، ذكريات كثيرة لها مع صغيرها الجميل الذي كان بمثابة صديقها وجانبها المرح في الحياة، وذكريات أخرى معه هو... كلما تذكرته، وكثيراً ما تفعل.
كان ينتابها شعورٌ بالغضب والحزن معاً، كانت تعلم أنه لم يزرها طوال تلك المدة ليتركها حتى تهدأ فلا يثير غضبها بمجيئه، ولقد كان محقاً... فلقد كانت وحدتها هذه سبباً في أن تأتي إليها بعض الأفكار حول أنه ليس السبب فيما حدث لطفلهما.
لكن تلك الأفكار التي كانت تأتي وتذهب لم تُخفِ شعورها بالغضب وهي تتذكر مشاجرتهما الأخيرة والتي كان على وشك أن يصفعها فيها، كيف يفعلها؟ وكيف لم يحاول الاتصال بها طوال تلك المدة؟ وكيف...؟
قطع أفكارها صوت جرس الباب، شعرت بالارتباك، لن يكون أحدٌ غيره، هل تفتح؟ هل هي مستعدة للقائه الآن؟
عادت لتشرد ثانيةً قبل أن يعاود هو رن الجرس لتقوم من مكانها وتتوجه ناحية الباب لتفتح وتراه أمامها بعد كل هذه الفترة لتشعر بقلبها الذي ارتبك فجأة لوجوده الآن.
ساد الصمت بينهما وكلٌ منهما ينظر إلى الآخر حتى قطع هو الصمت مشيراً دون كلمة"
- تسمحيلي ادخل؟

"ارتبكت شمس قبل أن تشير للداخل"
- اتفضل!

"دخل رامـي من الباب ثم توجَّه ناحية المرسم المفتوح لتتبعه هي إلى الداخل ليجلسا سوياً على الأرض.
ساد الصمت بينهما لدقائق قليلة وهي إلى جواره تشعر بالارتباك وكأنها تراه للمرة الأولى، هذا الشعور الذي لم يفارقها حتى بعد أن أصبح زوجها، عادت أفكارها تجاهه تشتعل من جديد بشأن ما حدث آخر مرة، لماذا جاء يا تُرى؟
ظلا على هذه الحالة حتى نظر لها للحظات قبل أن يقطع الصمت قائلاً بهدوء"
- وحشتيني يا شمس!

"نظرت إليه في صدمة وهي لا تكاد تصدق ما سمعت للتو، هل تحدَّث؟ أخذ يتأمل صدمتها حتى ارتسمت ابتسامة على وجهه وهو يتبع"
- على قد ما أنا مش قادر أصدق اللي أنتِ عملتيه آخر مرة، على قد ما أنا مدين ليكي إنك كنتي الشعرة الفاصلة اللي بيني وبين اللي وصلني لإني اتكلم أخيراً بعد تلاتين سنة

"ظلت صامتة لا تقدر على النطق ليتبع هو قائلاً"
- أول ما ده حصل كنت عايز اجيلك بس... خفت تحصل مشكلة جديدة أكبر فقلت استنى لغاية ما أنتِ كمان أعصابك ترتاح وتهدي وساعتها نقدر نتكلم

"صمت قليلاً قبل أن يتبع"
- أنا مش عارف... مش عارف إذا كان المفروض اعاتبك ولا لا، اللي قلتيه ماكانش سهل أبداً، وكل ما بفتكره مابقدرش اتخيل إنك فعلاً قلتي كده، مش قادر اتخيل إن شمس ممكن تفكر كده وإنها فعلاً مش عايزاني

"ردت قائلة وهي تقاوم دموعها"
- كنت عايزني أفكر ازاي وابني راح مني في غمضة عين ببساطة كده؟

"نظر لها ليقول"
- عارفة فكرت في إيه لما دومي جري ورايا عشان اخده معايا وكان بيعيط؟

"ظلت صامتة ليتبع في ألم"
- افتكرت اليوم اللي كنت همشي فيه أنا وماما من القصر، وبابا اخدني منها بالعافية ومشاها، عارفة حصل إيه بعدها بأيام قليلة؟ هربت من البيت لوحدي عشان اروح وراها والاقيها، وفجأة الدنيا مطرت وأنا لوحدي في الشارع قاعد تحت شجرة مش عارف اعمل إيه لغاية ما نمت، وفتحت عيني في المستشفى، كل الناس بتتكلم من حواليا وأنا مش سامع أي حاجة، ومش قادر اقولهم إني مش سامعهم، تلاتين سنة وأنا مش سامعهم ولا هم سامعيني

"التمعت عيناها في ألم ليتبع هو قائلاً"
- للحظة تخيلت دومي في كل ده، اترعبت... كنت خايف يعمل أي حاجة عشان يلحقني لو سبته ومشيت، خفت يا شمس! تفتكري لو كنت سبته ماكانش هيموت بجد؟ ولو حصل... مين اللي هيكون السبب وقتها؟

"انهمرت دموعها في صمت ليتبع قائلاً بعينين تنضحان بالألم"
- ماكنتش اعرف، ماكنتش اعرف إنه هيصحى قبل الكل ويخرج يلعب تحت المطر، ماكنتش اعرف إن كل ده هيحصل، ماكنتش اعرف إنك هتلوميني على كل ده وتسيبيني وتمشي في اكتر وقت محتاجلك فيه، والمفروض إنك كمان محتاجاني

"ثم سألها بحذر قائلاً"
- ولا أنتِ بجد مش عايزة تعيشي معايا؟

"نظرت إليه قبل أن تقوم من مكانها وتقترب منه محتضنة إياه لتبكي، ضمَّها إليه بقوة وقد هربت دمعة من عينيه ليمسحها سريعاً وهي تقول"
- أنا آسفة

"ثم شهقت في ألم وهي تتبع"
- أنا حاسة إني تايهة ومش فاهمة حاجة، مش قادرة أصدق إن دومي خلاص مش موجود، تعبانة يا رامـي! أنا...

"لم تستطع أن تكمل بسبب كثرة البكاء ليضمها هو إليه أكثر، وعندما هدأ بكاؤها قليلاً، قال بهدوء"
- أنا مش عايزك تتأسفي على حاجة، أنا اللي آسف على اللي عملته آخر مرة

"ثم اتبع"
- أنا مش عايز نبعد عن بعض في اكتر وقت محتاجين نكون فيه سوى، احنا عدينا بظروف صعبة كتير واحنا مع بعض، هنقدر كمان نتحمل اللي حصل سوى... لكن اوعي تبعدي

"نظرت إليه بعينين دامعتين ليمسح دموعها ببطء ربت على أوجاعها ليتبع بعدها قائلاً"
- خلينا نرجع البيت

"هزت رأسها نفياً قائلة في خوف"
- لا... مش هقدر، مش قادرة ادخل البيت وهو مش فيه

"أغمض عينيه في ألم حاول أن يداريه عنها ليفتحهما ثانيةً ويقول في هدوء"
- طيب... خلينا نسافر فترة، وأول ما تهدي نرجع تاني

"سألته قائلة"
- فين؟

"ابتسم في حنان قائلاً"
- أي مكان... المهم شمس تكون مرتاحة

.....

"وبالفعل قد سافرا سوياً خارج البلاد كي ينعما بوقتٍ هادئ خاصة هي التي قضت أوقاتاً صعبة بمفردها. كان يجب أن يكونا معاً كي يهوِّنا على بعضهما البعض ما يشعر به كلاهما من ألم.
وقد ساعدها ابتعادهما كثيراً، فلقد شعرت بالراحة منذ أن عاد إليها بعد أن كانت تخشى أن يتسبب ما حدث في فراقهما حقاً، ولكن بمجرد أن رأته أخذت تفكر... كيف كانت لتبتعد عنه؟ كيف كانت لتُحرم من سماع صوته الذي كان هو علاجها لكل أوجاع روحها التي أرهقتها في آخر فترة؟
في كل ليلة، كانت تطلب منه أن يحدِّثها عن أي شيء يخطر في باله حتى تنام وهي تستمع إلى صوته الذي كان كما تخيلته تماماً.
ولم تكن مشاعره وأفكاره تختلف عنها كثيراً، شعر بأنه لم يخسر كل شيء دفعة واحدة فوجودها قد منحه طمأنينة بأن كل ما قالت من قبل كان مثلما أخبرته نسمة... نتيجة الصدمة التي تلقتها لوفاة طفلهما.
في أحد الأيام، كانا جالسين على أحد الكراسي المطلة على شاطئ البحر أمامهما، كانت تضع رأسها على صدره وهي تنظر ناحية البحر في شرود حتى وجدت نفسها تهمس قائلة"
- رامـي!

"مال برأسه إليها لترفع رأسها إليه قليلاً كي تنظر إليه قائلة بابتسامة"
- اتكلم!

"ضحك ضحكة هادئة ليقول"
- أنا بقالي اسبوعين بتكلم

"ضحكت هي الأخرى لتتبع"
- اعمل إيه؟ عاوزة اسمعك

"ابتسم قائلاً"
- طيب ما تتكلمي أنتِ المرة دي؟ قولي أي حاجة! أنا كمان عايز اسمع صوتك

"نظرت له بابتسامة عاشقة لتقول"
- صوتك حلو اوي

"عاد ليضحك ثانيةً لتتبع هي قائلة"
- فاكر أول مرة شفتك فيها وقت ما عرفت إنك صاحب الشركة؟

"اومأ برأسه بابتسامة لتتبع هي"
- وقتها ضحكت مني وساعتها أنا اتخيلت ازاي ممكن يكون صوت واحد عنده ضحكة حلوة كده

"ثم رفعت رأسها إليه لتقول في عبوس مصطنع"
- بس ده مايمنعش إني كنت متضايقة منك قبلها عشان ماكنتش بترد عليا

"ضحك منها ثم قال"
- أنا كمان كنت متضايق منك لأني ماكنتش فاهم أنتِ بتعملي كده ليه

"ثم سألها قائلاً"
- بس احنا اتصالحنا وقتها، لسة مضايقة؟

"قالت بابتسامة ماكرة"
- أنا مش متضايقة، بس لو عايز تصالحني تاني... مافيش مانع

"بادلها ابتسامتها قبل أن ينحني ليقبِّل جانب فكًّها مجدداً ليعاود النظر إليها قائلاً"
- أنا بحبك يا شمس!

"ابتسمت قائلة هي الأخرى"
- بحبك!

"ثم عادت لتضع رأسها على صدره مجدداً ليمر بعض الوقت دون كلمة لتجده يقول"
- إيه رأيك لو رجعنا تاني؟

"عادت لترفع رأسها إليه لتسأله"
- نرجع فين؟

"قال بدوره"
- مصر... نرجع بيتنا

"ظلت صامتة وبدى عليها الحزن قليلاً قبل أن تنظر له قائلة بهدوء"
- ماشي... احنا كمان اتأخرنا عالشغل كتير

"قال في ثقة"
- أنا مش بسألك عشان الشغل يا شمس! أنا مش هعمل حاجة أنتِ مش مرتاحالها، أنا بس عايز اعرف أنتِ بقيتي أحسن ولا لا؟

"تنهدت دون رد قبل أن تقول"
- مرتاحة عشان معاك، لكن البيت...

"ثم عادت لتصمت قليلاً قبل أن تتبع"
- مش عارفة إذا كنت هقدر ولا لا

"ضمها إليه وهو يقول في ثقة حاول أن يبثها فيها"
- هتقدري، احنا عشنا في بيتنا ذكريات حلوة اوي سواء بيننا أو مع دومي، مستحيل الذكريات الحلوة اللي عيشناها هناك تزعلنا ومانتحملهاش، أنا متأكد إن رجوعنا هيكون صح، وأي حاجة هنقدر عليها سوى

"ظلت صامتة تفكر في كلماته لبعض الوقت قبل أن ينظر لها قائلاً"
- أنا معاكي في أي قرار يريحك

"نظرت له قبل أن تقول في هدوء واثق"
- هنرجع بيتنا

.....

"عادا من السفر إلى البيت مجدداً، وعندما دخلا سوياً، انتابها نفس الشعور الذي شعرته مسبقاً عندما أتت إلى هنا بعد ما حدث.
كان رامـي يشعر بما تفكر فيه فشدد احتضانه ليدها بيده حتى تطمئن، مرَّا من جانب غرفة الصغير لتتوقف شمس عندها، كان الباب مغلقاً فهمَّت بفتحه قبل أن يمسك رامـي بيدها قائلاً بهدوء"
- بلاش يا شمس!

"نظرت إليه بعينين دامعتين لتقول"
- هيوحشني أوي!

"ضمَّها إليه ليهدئها قبل أن يعاود النظر إليها ويقول"
- لازم نستحمل، وكل حاجة هتبقى كويسة

"دخلا سوياً إلى الغرفة لتلاحظ شمس تغيُّر المرآة، التفتت إليه لتسأله"
- إيه اللي حصل للمراية؟

"ابتسم قائلاً"
- اتكسرت فغيرتها

"نظرت إليه متعجبة لتقول"
- اتكسرت؟ ليه؟

"اتسعت ابتسامته ليقول"
- عشان تعرفي غيابك عمل إيه

"لفت ذراعيها حول عنقه لتعانقه قبل أن تقول بهدوء"
- ماكانش ينفع اعمل اللي عملته أبداً، ماتزعلش مني!

"ضمها إليه أكثر ليقول هو الآخر"
- أنا كمان آسف يا شمس!

"ثم اتبع قائلاً بابتسامة هادئة"
- أنا مش عايز غير إنك تكوني موجودة معايا وبس

"وضعت يدها على جانب وجهه لتقول"
- هفضل، وعمري ما هسيبك

.....

"في اليوم التالي، ذهبت شمس إلى منزل ندى كي تطمئن عليها، وعندما فتحت ندى الباب، كان وجهها حزيناً قبل أن تنتبه أنها شمس لتندفع ناحيتها معانقة إياها بشدة قائلة"
- شمس! وحشتيني أوي!

"عانقتها شمس بقوة وهي تبتسم قائلة"
- أنتِ كمان وحشتيني اوي

"أمسكت ندى بيدها ثم أخذتها إلى الداخل لتجلسا على الأريكة سوياً قبل أن تقول شمس بهدوء"
- أنا آسفة يا ندى! أنا بعدت كتير وماطمنتش عليكي خالص

"هزت ندى رأسها في نفي قائلة بابتسامة هادئة"
- ماتقوليش كده، أنتِ كنتي محتاجة ترتاحي

"ثم صمتت قليلاً قبل أن تتبع"
- كمان... أنا كويسة

"نظرت إليها شمس وهي تعلم أنها تتظاهر بعكس ما تشعر، لقد أخبرها رامـي كل شيء بالبارحة، قالت بهدوء"
- أنا عرفت إن رامز سافر

"ردت ندى بابتسامة"
- بيحاول يبدأ حياة جديدة بعيد عني

"ثم قالت بصوتٍ قارب على البكاء"
- احنا اتكلمنا قبل ما يسافر بالظبط، طلبت منه يسامحني ونبدأ من جديد بس...

"قالت بعينين دامعتين"
- كل حاجة خلصت

"ربتت شمس على كتفها لتقول بهدوء"
- أرجوكي كفاية، حاولي تعملي زيه وتبدأي أنتِ كمان حياة جديدة

"هزت رأسها في نفي لتقول"
- مش هتنفع حياة تانية مع غيره، مستحيل!

"قالت شمس في ثقة"
- مش لازم تكون حياتك مع حد، ابدأيها مع نفسك الأول، ارجعي تاني لشغلك وحياتك الخاصة وعيشي عشان تقدري تكملي، الوضع ده مش هيرجعلك رامز ولا حتى نفسك، لازم تركزي في حياتك دلوقتي

"نظرت لها ندى دون رد لتتبع شمس قائلة"
- شوفي! أنا هطلب من رامـي يرجعك تاني الشركة زي الأول، أنا متأكدة إن الشغل هيفرق معاكي جداً وهيشغلك عن التفكير

"ثم اتبعت قائلة بابتسامة"
- وهنرجع نكون سوى في مكتب واحد، ولا المكتب بتاعنا ماوحشكيش؟ كفاية سما اللي من ساعة ما سافرت بعد جوازها، وأنا بقيت وحيدة في المكتب

"ابتسمت ندى ابتسامة صغيرة وهي تقول"
- وحشني

"ردت شمس في حماس"
- خلاص يبقى من النهاردة هتكلم مع رامـي في الموضوع ده، وهو مستحيل يرفض

****

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:30 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.