آخر 10 مشاركات
الزوج المنسي (10) للكاتبة: Helen Bianchin *كاملة+روابط* (الكاتـب : raan - )           »          خانني من أجلك(2) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة بين قلبي و عقلي (الكاتـب : نغم - )           »          متى تحضني عيونك اذا هذي العيون اوطان ؟ , متميزة"مكتملة" (الكاتـب : توآقهَ ♥ لِــ ♥ لُقّياكـْ - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          عشق من قلـب الصوارم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : عاشقةديرتها - )           »          في ظلال الشرق (20) -شرقية- للكاتبة الرائعة: Moor Atia [مميزة] *كاملة&روابط* (الكاتـب : Just Faith - )           »          كل مخلص في الهوى واعزتي له...لوتروح سنين عمره ينتظرها *مكتملة* (الكاتـب : امان القلب - )           »          لمن يهتف القلب -قلوب زائرة- للكاتبة : داليا الكومى(كاملة&الروابط) (الكاتـب : دالياالكومى - )           »          [تحميل] أعشق آنانيتك عندما تتمناني لك وحدك ، للكاتبة/ &نوني بنت الجنوب& (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          112 - دمية وراء القضبان - فيوليت وينسبير - ع.ق (الكاتـب : بنوته عراقيه - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree31Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-05-22, 11:10 PM   #1

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت ( 1 ) .. سلسلة الضجيج * مكتملة *


ضـجيج الصمت

لـ نور محمد

المقدمة

أكرههم جميعاً، أحبها هي، لا أطيقُ الوحدة، لا أطيقُ اقترابهم، أخطأتُ وسأخطئ، لا أسمحُ بالخطأ، تظاهرَتْ بالعفو، تظاهرَتْ بالقوة، أقمتُ أسواراً وتمنيت أن تتجاوزها، تجاوزتها... فَخِفتْ، تمنيتُ أن تسامحَ وليتها فعلتْ، لم يستمعوا إلى ضجيجي يوماً، كان صمتي صارخاً فوق كل شيء، من قال إن الهروبَ كان حلاً؟ لقد هربتُ إلى الهاوية، من قال إن الصمتَ كان راحةً؟ لقد كان الصراخُ يصطدمُ بقلبي يدفعهُ للقفزِ خارجاً، كنا على أعتابِ خسارةِ كل شيء، كنا على أعتابِ حلِّ الوصلِ حتى شددتُ رابطته بستِ عقدٍ كانوا بمثابةِ صكِّ العفوِ عن سنواتٍ من العبثِ.

*****

الفصل الأول


"عندما حل الليل، وتأكدَتْ من أن سليم قد ترك القصر وذهب لإحدى سهراته التي لم يعد يفارقها والتي أصبح يذهب إليها كي يبتعد عن الجو الذي أصبح مشحوناً متوتراً بينهما بشكل زائد، خرجت هي من غرفتها التي انتقلت إليها مؤخراً بعد آخر شجارٍ بينهما والذي اعتادت فيه رؤية وجهٍ آخرٍ غير الذي اعتادته منه دوماً.
ذلك الشجار الذي شهده أصغر من في القصر دون أن يراه أحد... رامـي، الذي كان الأكثر شبهاً بوالده والأكثر تعلقاً به، ولكن كانت والدته تنافسه في مكانته لدى صغيرها حتى انتصرت في ذلك اليوم الذي رآها تُصفع فيه أمامه وتبكي لأول مرة منذ أن وُلد منذ خمسة أعوام لم يرَ فيها بين والديه سوى الحب والسعادة فقط، أو من الواضح هكذا كان يظن.
من بعد ذلك اليوم، تغيرت أمور كثيرة في ذلك القصر الواسع الذي ضاق بساكنيه فجأة.
انقلبت الحقائق، وحاول سليم أن يكسب صغيريه إلى صفه خاصة بعد ما رأى من نية لدى رقية أن تنفصل عنه وترحل، أخذ يحاول زرع أفكار مسممة في عقل صغيريه، فحاول إقناعهما بأنها لا تحبهم وتريد أن ترحل وتتركهم لتعيش بعيداً عنهم.
لم تنطلِ كل تلك الافتراءات على رامـي، والذي كان يعلم الحقيقة كلها حتى وإن لم يفهمها في ذلك الوقت. كان يعلم أنه يكذب، فوالدته لطالما كانت تخبره بحبها لهم جميعاً، حتى لوالده الذي لم يفكر إلا بنفسه.
على الجانب الآخر، انطلت تلك الافتراءات على صغيره الأكبر... رامز، الذي يبلغ من العمر سبع سنوات، والذي كان يحب والدته كثيراً إلى درجة الخوف من أن تتركه في يومٍ ما، وعلى الرغم من أنها لم تكن تفهم سر خوفه، إلا أنها كانت تحاول دوماً طمأنته بأنها لن ترحل.
أما والده، فقد أجاد استغلال تلك النقطة، وقد أصاب حديثه عنها مخاوف الصغير بدقة فابتعد عن والدته في محاولة منه لتعويد نفسه على رحيلها.
كانت رقية تتعذب في كل مرة تحاول فيها الحديث معه وتراه يبتعد عنها في قسوة جديدة بدأت في الظهور على موقفه منها.
***
ذهبت كعادتها لتطمئن على صغيريها، بدأت بغرفة صغيرها الأكبر... رامز، هو الأقرب إليها في الشبه بعينيه الخضراوين، وشعره الأسود اللامع، وروحه المرحة.
كانت عادته ألا ينام إلا وهي جواره تروي له بعض الحكايات، أو يذهب إليها في غرفتها هي ووالده لينام في حضنها ثم تقوم هي بنقله إلى سريره في هدوء حتى لا يستيقظ.
كان هذا في وقت مضى... وقت كان كل شيء فيه يسير على ما يرام.
وبالرغم من تغيره وابتعاده عنها، إلا أنها لم تتخلَ عن عادتها في الاطمئنان عليه كل ليلة لتتأكد من أنه لم يُزِح الغطاء أثناء نومه أو يرَ كوابيساً مزعجة."

***

"كان رامز يجلس وحيداً بعد أن خرج رامـي من الغرفة بعدما انتهيا من اللعب سوياً.
كان يريد أن يذهب إلى غرفة والدته ليقبّلها قبل أن ينام مثل رامـي ولكنه لم يستطع.
إنه غاضبٌ منها كثيراً، وغاضب من رامـي لأنه الآن أقرب إليها منه، وغاضبٌ من والده الذي أخبره بتلك الحقيقة... ستتركه وتبتعد كما توقّع من قبل. لقد كذبت في كل الوعود التي وعدته بها، سترحل وستتركه، وسيبقى وحيداً.
عند هذه الفكرة شعر بالرغبة في البكاء، قام من مكانه وركض إلى سريره واندس في فراشه وقام باحتضان وسادته الصغيرة كعادته في آخر فترة وأخذ يبكي دون صوت.
مرت عدة دقائق حتى سمع صوت الباب يُفتح، وشعر برائحة عطرها تملأ الغرفة، دفن وجهه أسفل الوسادة سريعاً وابتسم ابتسامة شاحبة وهو يجدها لا تتخلى عن عادتها في تفقدُّه كل ليلة رغم ابتعاده.
اقتربت ناحية سريره وأحكمت الغطاء عليه، وأبعدت الوسادة قليلاً عن وجهه في هدوء حتى يتمكن من التنفس، وجدت آثاراً من الدموع المتجمدة على وجنتيه فشعرت بالقلق عليه، همّت بأن توقظه، ولكنها خشيت أن يغضب منها ويبتعد.
شعرت بأنه لا يزال مستيقظاً فجلست إلى جواره وأخذت تمسح على رأسه في هدوء وهي على يقين أنه لن يبتعد حتى لا ينكشف استيقاظه، وتأكد ظنها عندما مرت دقيقة ولم يبتعد عنها. قالت بصوتها الهادئ"
- كتكوتي الأصفر بيعيط لوحده من غير ما يجيلي ويقولي اللي مزعله؟ للدرجة دي زعلان مني يا رامز؟

"كان يستمع إليها في حزن ويود لو يفتح عينيه ويلقي بنفسه بين ذراعيها قليلاً، أن يخبرها بأنه غاضب من الجميع، ولكنه لم يستطع، فضّل الاكتفاء بالصمت والألم فقط.
كان يحاول منع دموعه من النزول مرة أخرى فأغمض عينيه بشدة، لاحظت ذلك فاتبعت وهي لا تزال تمسح بيدها فوق رأسه في محاولة منها لامتصاص حزنه وغضبه الذي تعلمه جيداً حتى ولو لم يخبرها به. اتبعت بصوت حنون"
- أنا عاوزاك تعرف إنك أكتر واحد بحبه في الدنيا، ومستحيل أكرهك أو اسيبك يا رامز!

"ثم صمتت للحظات ابتلعت فيها غصة بكاء ثم أكملت"
- وحتى لو حصل وبعدت غصب عني، اتأكد إني هاخدك معايا، ومش هسيبك لوحدك أبداً، فاهم؟

"ثم مدت إصبعها لتمسح تلك الدمعة الصغيرة التي انزلقت من جانب عينه وقالت"
- أنا عارفة إنك صاحي ومش عايز ترد عليا، بس أنا عارفة كمان إنك فاهمني كويس، ولما تكبر هتفهم أكتر

"مرت عدة دقائق حتى وجدت أنفاسه قد انتظمت فتأكدت من أنه قد نام، مالت على رأسه وقبّلته قبلة النوم التي كان يجاهد نفسه كي يذهب ويأخذها مثل رامـي، ثم قالت"
- هتفضل أنت أول واحد ياخد بوسة قبل النوم مهما كنت زعلان مني، تصبح على خير يا حبيبي!

"أطفأت نور المصباح ثم خرجت من غرفته متوجهة إلى غرفة صغيرها الآخر الذي أصبح لا يفارقها مؤخراً والذي لا يكف عن أفعاله الشقية التي كانت تخشى عليه منها أن تؤذيه.
دخلت الغرفة فوجدته يحاول الصعود فوق الكرسي ليضع بيته الصغير من المكعبات في خزانته الزجاجية ذات الأرفف المتعددة، ولكنه حين يصعد يكتشف أنه قد نسي أخذ البيت معه، يحاول أن يميل بجذعه الصغير كي يجلبه ولكنه لا يستطيع، فيعاود النزول من على الكرسي ليمسك بالبيت ولكنه عندما يمسكه يقف أمام الكرسي يحاول أن يصعد فيعجز ويظل في مكانه بحاجبين مضمومين من الغضب.
ضحكت رقية وقد قررت التوقف عن مراقبته والقيام بمساعدته. عندما انتبه لها، قال"
- يا ماما تعالي شيليني عشان أحط البيت فوق

"ابتسمت وهي تتقدم نحوه ثم همّت بحمله حتى الرف المقصود فقام بوضعه بنفسه، قامت بوضعه فوق الكرسي حتى يكون مقابلاً لها فالتفت لها في سعادة وصفق قائلاً"
- رامـي خلص أول بيت مكعبات

"ضحكت وصفقت معه هي الأخرى، وقالت بعد أن قبّلته"
- رامـي هيبقى مهندس شاطر، صح؟

"اومأ برأسه في ثقة ثم قال وهو يرفع ذراعيه إلى الأعلى"
- وهبني بيوت كتيييير

"ضحكت ثم قالت مشيرة إليه بسبابتها"
- بعد كده ماتطلعش عالكرسي لوحدك وخصوصاً وأنت شايل حاجة عشان ماتقعش، مفهوم؟

"هز رأسه نفياً ليقول"
- رامـي هيعمل كل حاجة بنفسه

"رفعت حاجبها في غيظ وقالت"
- يعني بلاش أشيلك بعد كده عشان توصل للرف الأخير؟

"قال سريعاً"
- لا كده البيت يقع

"وضعت إصبعها في جانب رأسه وقالت في تحدٍ"
- يبقى اعترف إن لازم حد يساعدك

"قال قبل أن يلقي بنفسه بين ذراعيها"
- ماما تساعدني

"تلقفته من فوق الكرسي واحتضنته بشدة. كانت تحمد الله دوماً أنه لم يتأثر بأي شيء ولم يبتعد عنها مثل رامز. كان هو عزاءها الوحيد في هذا القصر الذي لم تتصور أن يضيق بها يوماً. توجهت به نحو سريره، وقالت"
- ميعاد النوم جه، رامـي لازم ينام

"وعندما وضعته في السرير وشدت فوقه الغطاء، قال"
- احكيلي حدوتة الشاطر حسن

"ضحكت قائلة"
- أنت مابتزهقش منها يا رامـي؟

"هز رأسه نفياً فتمددت إلى جواره وأخذته بين ذراعيها لتروي له قصته المفضلة عن "الشاطر حسن" و "ست الحُسن والجمال" وهو يستمع لها بإنصات حتى غط في نومٍ عميق، وعندما انتبهت له، أعادته إلى مكانه على وسادته ثم قبّلت رأسه وأطفأت المصباح وخرجت عائدة إلى غرفتها قبل أن تصطدم بسليم بمجرد أن أغلقت غرفة الصغير، شهقت في فزع فابتسم لها قائلاً"
- خضيتك؟

"نظرت إليه في ضيق ثم قالت"
- أيوة

"قال وقد اقترب منها هامساً"
- أنا آسف

"ولكنها ابتعدت عنه وهي تقول بصوت منخفض حتى لا يستيقظ رامـي"
- جيت بدري ليه النهاردة؟

"ابتسم وهو يتقدم ناحيتها حتى أصبح هو أمامها والحائط من خلفها، قال بنبرة دافئة"
- وحشتيني يا رقية!

"التمعت عيناها بدموع أبت أن تنزل أمامه، عشرات الأسئلة قفزت إلى ذهنها في تلك اللحظة،
رغم كل خذلانه لها إلا أنها لا زالت ترى في عينيه القاسية لمعة الحب تجاهها، تشعر بصدقه في حبه واشتياقه.
لماذا قام بهدم كل شيء جميلٍ إذن؟ لماذا؟ كان ذلك هو السؤال الذي خرج منها رغماً عنها بمجرد أن ابتعد قليلاً، نظر لها متسائلاً فاتبعت بصوت خافت"
- ليه يا سليم؟ عملت فينا كده ليه؟

"نظر في عينيها ثم قال في غرور"
- مافيش حاجة حصلت، ومافيش حاجة اتغيرت، أنتِ اللي عايزة تخلقي المشاكل يا رقية!

"قالت في صدمة أقرب منها إلى الحسرة"
- أنا؟

"اتبع بنبرته الواثقة والمغرورة"
- أيوة أنتِ، أنتِ عارفة كويس إني بحبك ومافيش حاجة هتغير ده، لكن أنتِ اللي مابقتيش واثقة فيّ

"ابتسمت في وجع قائلة"
- ثقة؟ بتتكلم عن الثقة وأنت كل يوم بتخوني يا سليم؟ وجاي تقولي وحشتيني وبحبك؟ ايه اللي غيرك كده؟

"أشاح بوجهه عنها وزفر في ضيق فدفعته عنها في هدوء وهي تقول"
- مالوش لزوم الكلام خلاص، وخصوصاً هنا عشان الولاد مايصحوش، تصبح على خير

"ثم توجهت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها ثم شرعت في تبديل ملابسها حتى وجدته يدخل فجأة إلى الغرفة، قالت في ضيق"
- في إيه تاني يا سليم؟

"ابتسم في عبث وكأن شيئاً لم يكن منذ لحظات، ثم قال"
- احنا لسة ماخلصناش كلامنا يا رقية! كل شوية هفكرك ولا ايه؟

"ابتسمت في يأس وقد خطرت ببالها ذكرى بعيدة لحديثٍ آخر لم يكملاه أيضاً، ولكنه أكمله رغماً عنها حتى ظنت أنها لولا إجبارها على الاستماع في ذلك اليوم لما استطاعت تذوق كل تلك السعادة التي عاشتها معه فيما بعد.
عادت من ذكراها ثم نظرت إليه وقالت في تعب"
- مافيش حاجة تانية تتقال، من فضلك اخرج

"أغلق الباب خلفه ثم اقترب ناحيتها حتى صار أمامها مباشرة وقال بابتسامته"
- مافيش كلام، بس في فعل

"بدأت تشعر بالتوتر فاتبع وهو يلف خصلة من خصلات شعرها الطويل حول إصبعه"
- أنتِ نسيتي إنك وحشتيني ولا ايه؟

"حاولت أن تحتفظ بقوتها إلى النهاية. رغم كل شيء ورغم أنها أحبته أكثر مما كانت تتصور كانت ترى أن استسلامها له الآن يعني موافقتها على كل الأوجاع التي تسبب لها فيها، وهي لن توافق أبداً على أن تكون اسماً في قائمته النسائية التي اكتشفتها مؤخراً.
وضعت كفيها أعلى صدره محاولة دفعه في هدوء وهي تقول في تعب"
- أرجوك يا سليم كفاية، أنا مش هقبل بالطريقة دي أبداً

"قال وقد بدأ يضيق بما يحدث"
- طريقة إيه؟

"قالت وقد بدأ الضيق يكسو نبرتها وملامحها أيضاً"
- أنا مش هقبل إني أكون الاستراحة اللي بترجعلها كل ليلة وقت أما تزهق من سهراتك مع اللي تعرفهم

"أمسك بذراعها وشدد قبضته حتى تألمت وقال بصوت مخيف"
- أنتِ ليه عايزة تخرجي أسوأ ما فيّ؟

"ابتسمت بلا مبالاة ثم قالت"
- عشان دي الحقيقة اللي أنا ماكنتش اعرفها. حبك ماقدرش يخفي خيانتك وأنانيتك اللي خسرتني ابني وخسرتني السعادة اللي كنت بحسها معاك، وجاي دلوقتي عايزني وكأن مافيش حاجة حصلت وشايفني أنا السبب، مش عاوزني اعتذرلك كمان؟

"بمجرد أن انتهت من عبارتها حتى اختفت لمعة الحب لتلمع عيناه ببريق القسوة الذي اعتادته مؤخراً، نظرة وازتها ابتسامته وهو يقول بنبرة مخيفة"
- أنا فعلاً هخليكي تعتذري يا رقية!

"ثم دفعها ناحية السرير في عنف، ابتسمت غير عابئة بما فعله أو ما سيفعله الآن قائلة"
- كنت عارفة، وصدقني دي هتبقى النهاية لكل اللي بيننا يا سليم!

***

"وفي الصباح، استيقظت من نومها في إرهاق شديد، لم تكن تدري هل كان بسبب الجريمة التي حدثت بالأمس أم أن الإرهاق كان ينبع من روحها.
ربما لو لم يكن من روحها لما تألمت هكذا، ولكن المشكلة أن روحها كانت تنزف وتقطر وجعاً، وجعاً تحملته بصمت وقوة حتى النهاية، حتى تثبت لنفسها أن القرار الذي اتخذته مسبقاً هو الصواب.
كان هو قد رحل منذ ليلة الأمس ولم يَبِتْ في الغرفة أبداً. تكاد تجزم أنه يعلم جيداً هول ما فعل، وهول ما تغيّر بينهما ولن يعود كما السابق.
قد كان ذلك أشد ما يوجعها فيه، علمه بقبح ما يفعل وإقدامه عليه بكل كِبرٍ وغرور لا يجيده سواه، يمكنه أن يدهس أي شيء من الممكن أن يقف أمام ما يريد فعله، حتى الحب الذي كانت تعلم أنه بداخله، إن كان سيمنعه عن فعل ما يريد ويهوى فليذهب إلى الجحيم... الجحيم الذي أدخلهم جميعاً فيه عنوة فداءاً لاستهتاره.
لم تكن تعلم هل هذا هو سليم الذي أحبته أم أن هناك ما غيّره إلى من رأته بالأمس. إن سليم الذي تعرفه حقاً ليس بهذا القبح، ليس هو من يخون وليس هو من يفرّق بينها وبين صغيرها وليس هو من يعتدي عليها بذلك السوء، إنه شخص آخر لا تعرفه ولا يشرفها حتى معرفته.
قامت من سريرها ودخلت إلى الحمام لتغتسل وتزيل أثر كل ما عاشته من وحشية وقسوة بالأمس، وكلما وقعت عيناها على كدمة أو خدش من أثر أصابعه نزلت دمعة من عينيها حتى أجهشت بالبكاء في ضعف وعجز لم تشعره يوماً من قبل.
هذا الجحيم لا بد أن ينتهي، يجب أن تنجو بنفسها وبصغيريها وتذهب من هنا... هكذا فكرت.
خرجت من الحمام وارتدت ثيابها ثم أخذت تجمع أغراضها لترحل من هنا بلا رجعة، وعندما انتهت، خرجت من الغرفة وتوجهت إلى غرفة رامز، الذي كان مستيقظاً في سريره يشعر بضيق لما رآه من أحلام سيئة اضطر لمواجهتها بمفرده حتى لا يذهب إلى غرفتها، وعندما انتبه إلى الباب الذي فُتح ووجدها تدخل، نام مولياً إياها ظهره، اقتربت ناحيته ثم جلست إلى جواره وقالت"
- صباح الخير يا رامز!

"لم يرد بل كان الضيق يملأ ملامحه، قالت في حنان"
- شفت حلم وحش النهاردة؟

"ظل ناظراً أمامه دون رد فحاولت أن تمسح بيدها فوق رأسه ولكنه ابتعد قائلاً في ضيق"
- ابعدي عني

"نظرت إليه في حزن ثم قالت"
- لسة زعلان يا رامز؟ أنت ماسمعتش كلامي امبارح؟

"نظر لها في غضب ثم قال"
- مش هصدقك، أنتِ عاوزة تمشي وتسيبيني لوحدي، أنتِ بتكدبي

"حاولت أن تتماسك ثم قالت"
- ماقدرش اسيبك يا رامز، أنا بحبك!

"ظل صامتاً دون رد فاتبعت"
- تحب تمشي معايا؟

"نظر لها في غضب ثم قال"
- يعني هتمشي مش كده؟ يعني بابا كان عنده حق لما قال إنك مش بتحبينا...

"قاطعته قائلة في قوة لم تخلُ من الحنان رغم ذلك"
- مافيش حاجة اسمها مش بحبكم، فاهم؟ كل اللي بتسمعه غلط

"قام من سريره وقال بنفس نبرته المعترضة"
- انتو الاتنين بتقولوا نفس الكلام، انتو الاتنين بتقولولي ماصدقش حد، انتو الاتنين بتكدبوا عليا

"تنهدت في حزن لحال صغيرها الذي وجد نفسه فجأة يواجه كل مخاوفه وحده ثم قالت"
- رامز يا حبيبي! في حاجات صعب اشرحهالك دلوقتي، بس صدقني هييجي يوم وهتعرف فيه كل حاجة وهتعرف إني بحبك ومستحيل اسيبك

"ظل في مكانه صامتاً، ولكنها رأت في عينيه حزناً غريباً على نظرته المرحة وروحه المفعمة بالحياة، قامت من مكانها ثم توجهت ناحيته في هدوء وقالت في حنان"
- تعالى معايا وصدقني كل حاجة هتبقى كويسة

"قال في حزن"
- هنسيب بابا ورامـي لوحدهم؟

"هزت رأسها نفياً ثم قالت"
- هناخد رامـي معانا

"قال متسائلاً"
- وبابا؟

"هزت رأسها في نفي قائلة"
- مش هييجي يا رامز!

"قال في حزن"
- ليه؟

"تنهدت قائلة في حزن هي الأخرى"
- عشان صعب يجي معانا يا رامز

"قال وقد بدأت دموعه تنزل"
- ليه لازم حد يمشي؟ ليه مانبقاش سوى؟ ليه لازم أكون خايف أبقى لوحدي؟

"احتضنته بشدة فاتبع"
- هنسيب بابا دلوقتي وبعدين أنتِ تسيبيني، ورامـي كمان هيمشي، وأنا هكون لوحدي على طول

"قالت وقد أحاطت وجهه بكفيها"
- مش هتبقى لوحدك يا رامز!

"هز رأسه نفياً ثم ابتعد عنها وقال"
- مش مصدقك، أنا مش عاوز حد معايا، لو بتحبيني مش هتمشي

"حاولت أن تقترب قائلة"
- يا رامز!...

"قاطعها صارخاً"
- سيبيني لوحدي! أنا مابحبكيش!

"دمعت عيناها في عجز ووجع وهي تراه يزداد ابتعاداً عنها كل يوم. لو فقط يعلم أنها تفعل كل ذلك لأنها تحبه هو وأخيه، لو يعلم أن أباه هو من صنع تلك الفجوة بداخله والتي تخشى عليه منها في المستقبل، ولكن لا بأس.. ستعلم كيف تردّه إليها حين تخرج من هنا."

***

"خرجت من غرفته وتوجهت ناحية غرفة صغيرها الآخر، الذي كانت تشعر أنه، ولسبب ما لا تعلمه، يفهمها أكثر من الجميع هنا، وكأنه يعلم الحقيقة.
كانت تظن أنه سيستسلم لافتراءات والده لادعائه بأنه يشبهه ربما أكثر من رامز، وأنه حين يكبر سيكون سليم راوي آخر.
كانت وقتها تشعر بالسعادة لأنها ستحصل في المستقبل على نسخة أخرى من حبيبها خاصة وهي ترى تعلق الصغير به، و لكنها الآن أصبحت تخشى أن يشبهه في قسوته وأنانيته،
والآن يفاجئها الصغير بأنه لم يصدِّق أياً من افتراءاته بل إنها تشعر بابتعاده عنه واقترابه أكثر منها.
ربما هذه أول الصفات التي اكتسبها من والده... الخروج عن المتوقع.
من الواضح أن صغيريها الاثنين أصبحا يشبهان جانبيه المختلفين حقاً... أحدهما يخذلها، والآخر يحبها حتى النهاية.
توقفت عند باب غرفته وحاولت أن تسيطر على دموعها ثم أمسكت بالمقبض لتفتح الباب، وجدته يجلس على الأرض في غرفته ويلعب بالألعاب، وعندما انتبه إليها تدلف إلى الداخل ومعها حقيبة كبيرة، قال في سعادة"
- ماما جابت لعب جديدة؟

"ابتسمت له في حنان ثم نزلت إليه على الأرض ومسحت بيدها على رأسه وقالت"
- رامـي! أنت بتحب ماما، صح؟

"قال في سعادة"
- جداً

"ابتسمت في حزن ثم قالت"
- يعني لو قلتلك أنا همشي من هنا، تيجي معايا؟

"قال في حزن"
- عشان بابا؟

"نظرت إليه في تعجب فاتبع"
- أنا سمعتكم بتتخانقوا

"نظرت إليه في صدمة وقالت"
- امتى يا رامـي؟

"نظر إلى الألعاب أمامه ثم قال"
- شفتكم في المكتب، بابا كان بيزعق وأنتِ كنتِ بتعيطي كتير، وبعدين ضربك

"وضعت يدها على فمها وكتمت شهقة مصدومة. كانت تحمد الله أن أحداً من صغيريها لم يشهد على تلك اللحظة ليأتي رامـي الآن ويخبرها أنه كان يشاهد كل شيء، ألهذا لم يصدق ادعاءات والده وابتعد عنه؟ قطع أفكارها وهو يقول"
- ليه بابا عمل كده؟ هو مش بيحبك؟

"احتضنته قائلة"
- بيحبنا يا رامـي، هو بس مابيقدرش يتحكم في زعله

"ثم دمعت عيناها رغماً عنها وهي تقول"
- وأنا مش هقدر اقعد هنا يا رامـي، وماقدرش اسيبك، حتى رامز بقى زعلان مني ومش بيكلمني

"ثم اتبعت محاولة السيطرة على دموعها"
- عشان كده هاخدك ونمشي دلوقتي، وبعد كده هعرف آخد رامز كمان عشان يعيش معانا، موافق يا حبيبي؟

"اومأ برأسه موافقاً فحملته من مكانه ثم خرجت من الغرفة ومن القصر، وقبل أن تصل إلى البوابة، وجدت سليم وقد أتى من شركته على غير موعده المتأخر، ولكن بمجرد أن دخل بسيارته من البوابة وجدها أمامه تخرج من القصر ومعها رامـي، أين تذهب؟
أما هي، فقد تسمرت في مكانها واحتضنت رامـي بشدة وقد تمسك هو الآخر بها.
عندما رآها سليم متجهة ناحية البوابة ولمح إلى جوارها حقيبة السفر، احتدت عيناه في غضب واتجه ناحيتها في خطوات ثابتة حتى أصبح أمامها وقال محاولاً الاحتفاظ بآخر ذرات هدوئه"
- على فين يا رقية؟

"قالت رقية في نبرة قوية وواثقة"
- ماشية... مش هقعد هنا تاني

"التفت سليم إلى الصغير ثم عاد لينظر لها قائلاً"
- وواخدة رامـي ليه؟

"ثم احتدت نظرته وهو يقول"
- زي ما دخلتي البيت ده... هتخرجي يا رقية، ومش هتاخدي أي حاجة معاكي

"قالت معاندة"
- مش هسيبه، مش هسمحلك تبعده عني زي ما بعدت رامز، أنا همشي وبعدين هعرف ازاي آخد رامز منك

"ابتسم ابتسامة جانبية ساخرة قبل أن يهتف في غضب باسم حارس القصر"
- حسين!!

"أتاه الحارس مهرولاً ثم قال"
- أوامرك يا سليم بيه!

"قال ولم يحد بنظره عن رقية"
- وصل رقية هانم لحد البوابة

"ثم قال لها في هدوء مخيف"
- مالكيش دخول للقصر ده تاني، ومهما عملتي مش هتشوفي ضفرهم يا رقية! وافتكري إن أنتِ اللي اخترتي.

"قالها ثم أخذ رامـي من بين ذراعيها في قوة وتركها متوجهاً إلى الداخل، حاولت رقية اللحاق به لأخذه منه، ولكن الحارس منعها وأخذ يدفعها نحو الخارج فانهمرت دموعها وهي تصرخ باسم رامـي مما جعله يبكي ويناديها حتى اختفى مع والده داخل القصر وتم طردها هي إلى الخارج."
***
"أخذ رامـي يبكي وهو يحاول التملص من بين يدي والده وهو يقول بصوت باكٍ"
- ماما!! عايز اروح مع ماما!

"قال والده محاولاً السيطرة على حركته المتملصة منه"
- رامـي!! بطّل عياط، وانسى حاجة اسمها ماما، فاهم؟

"لم يلتفت إليه بل أخذ يبكي بينما كان هو يحاول السيطرة على غضبه الذي خرج في النهاية عندما صعد به إلى غرفة رامز، الذي صُدِم لمنظر أخيه الباكي، فوضعه على السرير ثم قال في غضب"
- قلتلك بطّل عياط، لازم تعرف إنها لو بتحبك ماكانتش مشيت، هي مش عاوزاك ومش بتحبك... افهم!!

"قال الصغير صارخاً"
- ماما بتحب رامـي... عاوزاني اروح معاها

"التفت والده إلى رامز، الذي كان يتابع الحوار في ذهول ولا يدري عما يتحدثان، ثم قال ناسياً أن من يتحدث إليه ليس سوى طفلٍ صغيرٍ أيضاً"
- رامز! من هنا ورايح تنسى أنت كمان إن في ماما، خلاص مشيت عشان تعرف إن أنا اللي صح وإنها مش بتحبكم

"ثم أشار ناحية الباب واتبع"
- اوعى تخلي رامـي يخرج من هنا، مفهوم؟ لو خرج أنت المسئول يا رامز!

"لم يفهم رامز أي شيء ولكنه اومأ برأسه إيجاباً في خوف فخرج والده صافقاً الباب خلفه في عنف، نظر رامز إلى أخيه الصغير الذي كان يبكي فاقترب ناحيته ثم قال"
- ماتعيطش يا رامـي! رامز معاك

"قال رامـي بصوت باكٍ"
- عاوز اروح لماما

"قال رامز في حزن"
- ماما مش بتحبنا يا رامـي! لو بتحبنا كانت فضلت موجودة

"قال رامـي في عناد"
- بتحبنا، كنت هروح معاها وكانت هتاخدك كمان

"ظل رامز صامتاً يفكر في حزن... هل رحلت حقاً؟ هل تركته وحيداً؟ هل كانت ستأخذ رامـي وتتركه وحده؟
لكنها طلبت منه أن يأتي وهو من رفض، ربما لو كان قد ذهب معها ما كان والده ليستطيع أخذه، من الأساس هو لن يهتم وسيتركه أيضاً.
شعر في داخله بسعادة لأن رامـي لن يرحل ولن يتركه، التفت إليه فوجده جالساً فوق السرير ضاماً حاجبيه في غضب دون كلمة.
لقد كان رامـي يفكر أن والدته كانت محقة، كان يجب أن ترحل، هو لا يلومها أبداً بل لا بد أن يلحق بها ولا يتركها وحيدة أبداً.
استمر الوضع هكذا حتى حل المساء ليجدا صفية -مديرة المنزل- تدخل إليهما بابتسامتها البشوشة قائلة"
- يلا يا ولاد عشان تتعشوا قبل النوم

"نظر لها رامـي في غضب ثم قال"
- مش هاكل

"اقتربت صفية منه ثم قالت في حنان"
- ماينفعش يا رامـي! لازم تاكل عشان ماتتعبش

"قال في ضيق وغضب جدّ عليه فجأة"
- هاكل مع ماما

"تنهدت في حزن لحاله ثم التفتت إلى رامز، الذي كان صامتاً في حزن وشرود جدّ عليه أيضاً، وقالت له"
- وأنت يا رامز؟

"نظر لها للحظات حتى قال"
- هي ماما مش راجعة تاني يا دادة؟

"هزت رأسها في نفي قائلة"
- مش عارفة يا رامز! بس أكيد بابا هيحاول يرجعها تاني

"هز رأسه في نفي هو الآخر ثم قال"
- مش هترجع

"نظرت إلى الاثنين ثم قالت محاولة تخفيف حزنهما"
- اسمعوا بقى! أنتم هتاكلوا يعني هتاكلوا، إيه رأيكم ناكل في الجنينة النهاردة؟ وأنا هقعد معاكم أونسكم ونتكلم ونضحك كتير، موافقين؟

"لم يهتم أيٌ منهما بعرضها، فتنهدت في يأس ثم خرجت من الغرفة وهي تشعر بالحزن لأول مرة منذ أن دخلت ذلك القصر منذ سبع سنوات.
لقد بهت كل شيء فجأة ولم يمر على غياب السيدة رقية سوى بضع ساعات، فماذا لو لم تعد حقاً؟ عند هذه الفكرة، أخذت تدعو الله أن تعود إلى القصر مرة أخرى لأجل الصغيرين اللذين تلونا بلون الحزن فجأة.
نزلت إلى الأسفل متوجهة إلى غرفة مكتب السيد سليم الذي كان يجلس في مكانه منذ ساعات وداخله مشتعل بالغضب من كل شيء.
لقد رحلت حقاً كما كانت تخبره، لم تكترث له ولكل ما قدّمه لها من حب وسعادة، ولم تكتفِ بذلك بل حاولت أخذ صغيره منه، رامـي... الذي وضع فيه كل أحلامه وأمنياته بأن يحافظ على كل ما بناه وسيبنيه من ثروة ونفوذ، ولو لم يعمل لكسب رامز في صفه لكانت قد أخذته هو الآخر.
الواهمة... تظن أنها ستنجح في أخذهما منه. مثلما استطاعت أن ترحل دون أن تلتفت إليه فسيريها وجهه الآخر الذي أجبرته هي على الظهور، لن يسمح لأحد أن يحرمه من صغيريه، وسيجعلها تندم على رحيلها أشد الندم.
انقطعت أفكاره عندما سمع صوت طرقات خفيفة على الباب فأذن للطارق بالدخول، دخلت صفية من الباب ثم توجهت عدة خطوات ناحية المكتب، قال في فتور"
- خير يا صفية؟

"قالت في هدوء"
- الولاد مش راضيين ينزلوا يتعشوا يا سليم بيه

"نظر لها في ضيق ثم قال"
- يعني إيه؟ ده النظام هنا ولازم يمشوا عليه

"اومأت برأسها متفهمة ثم قالت بتهذيب"
- هما زعلانين عشان رقية هانم

"اشتعلت عيناه في غضب ثم قام من مكانه وخرج من المكتب صاعداً إلى غرفة رامز، وعندما وصل هناك، فتح الباب ودخل إليهما.
كانا جالسين على السرير في صمت دون كلمة، رامز شاردٌ في حزن ورامـي غاضبٌ، وقد اتضح غضبه عندما وجد أباه يدخل فطالعه في ضيق لما حدث في الصباح، نظرة جعلت والده يشعر بأن ثمة شيء ما قد تغيّر في هذا الصغير الذي كان يركض ناحيته كلما رآه، حاد بنظره عنه وقال في ضيق"
- مانزلتوش تتعشوا ليه؟

"قال رامز في حزن"
- مش جعانين يا بابا

"قال في غضب"
- في حاجة هنا اسمها نظام الكل هيلتزم به مهما حصل، مفهوم؟

"ثم أشار بذراعه ناحية الباب قائلاً"
- يلا قوموا عشان تنزلوا تحت

"لم يحرك أياً منهما ساكناً فاتبع بنبرته الغاضبة"
- قلتلكم قوموا بسرعة

"خرج رامـي عن صمته قائلاً بنبرة ضائقة ومنخفضة"
- مش هننزل غير لما ماما تيجي

"نظر له عاقداً حاجبيه في اندهاش من طريقته الجديدة تلك وكأنه لم يعد صغيراً، قال مشيراً بسبابته ناحيته"
- قلتلك الصبح إنك تنسى حاجة اسمها ماما لأنها مش هترجع، أنا بس الموجود هنا وأنا اللي بحبكم أكتر منها، مفهوم؟

"نزل رامـي من على السرير ثم ركض ناحية الباب وفتحه ليخرج منه متوجهاً إلى غرفته، ظل والده واقفاً في مكانه دون حتى أن يلحق به، لا يدري لماذا شعر أنه لو لحق به الآن لأثار غضبه وابتعاده أكثر، عاد ليلتفت إلى رامز وقال"
- وأنت؟ مافيش حاجة عاوز تقولها أنت كمان؟

"نظر له للحظات ثم قال"
- مش هترجع تاني؟

"تقدم ناحيته حتى جلس أمامه ثم قال"
- لا مش هترجع يا رامز! هي قررت تمشي وتسيبنا... هي حرة

"قال في تردد"
- كانت عاوزة تاخدني معاها

"نظر له للحظات ثم قال"
- وأنت قلت إيه؟

"صمت الصغير حتى قال"
- خفت لما امشي تسيبني أنا كمان بعدين

"قال والده في ثقة"
- شفت؟ هو ده اللي أنا قلتهولك، عشان تعرف إنها لو كانت عايزانا فعلاً كانت فضلت موجودة يا رامز!

"ظل الصغير صامتاً في حزن فاتبع والده بعد أن ضمّه إليه"
- أنا وأنت ورامـي هنفضل سوى، أنا مش هسيبكم أبداً، فاهم؟

"اومأ برأسه فأمسك سليم بيده وقال"
- تعالى نتعشى سوى

***

"مرت عدة أيام قام فيها سليم بتطليق رقية والعمل على إخفاء الصغيرين عنها تماماً.
لم يكن يخشى محاولاتها في رفع القضايا لأخذ الصغيرين، حتى والدها نفسه لم يستطع فعل شيء أمام نفوذه هو وعائلته، فهو كفيلٌ بأن يقلب الأمور كلها لصالحه، ولكن مشكلته الحقيقية كانت في قصره... تحديداً في صغيره رامـي.
لقد أصبح يتجنبه دوماً ولا يخرج من غرفته إلا في موعد الطعام فقط، كان صمته يقلقه كثيراً وقد صدقت ظنونه حين استيقظ على صوت طرقات متسارعة على الباب ليلاً،
قام من سريره في انزعاج ثم فتح الباب ليجد أمامه رامز يقول في خوف شديد"
- رامـي مش موجود في البيت يا بابا!

"ركض سليم ناحية الغرفة فوجد سريره خالياً بالفعل ليركض إلى الأسفل باحثاً عنه في كل غرف وطرقات القصر، خرج متوجهاً ناحية البوابة وهو يهتف في غضب أفزع الجميع"
- حسين! أنت يا زفت!

"خرج حسين من غرفة حراسته مهرولاً وهو يقول"
- أوامرك يا سليم بيه

"صرخ سليم في وجهه قائلاً"
- حالاً تقلب جنينة القصر كلها وتدور على رامـي، مفهوم؟ والله لو ما لقيته دلوقتي لأمحيكم كلكم من على وش الدنيا

"ركض حسين وبقية الحراس بحثاً عن الصغير الذي اختفى فجأة، كانت الحديقة واسعة للغاية وقد بحث الحراس في كل شبرٍ فيها ولم يجدوا له أثراً، ولكنهم وجدوا الباب الخشبي الخلفي للحديقة مفتوح.
خرج الحراس يبحثون عنه بينما عاد حسين إلى السيد سليم الذي كان يشتعل من شدة الغضب والخوف على هذا الأحمق الذي لا يعرف أي شيء بعد ليهرب بتلك الطريقة وفي ليلة ممطرة كهذه، ربما يصيبه مكروه أو يختطفه أحد، تلاعبت الوساوس برأسه حتى وجد حسين يتقدم نحوه فصرخ فيه قائلاً"
- عملت إيه؟

"قال حسين متوتراً"
- مالقيناهوش...

"قاطعه سليم عندما أمسك بياقة قميصه في غضب وقال"
- أنا مش عاوز أسمع الكلمة دي، مفهوم؟ ابني لو ماظهرش هقتلكم كلكم

"قال حسين سريعاً"
- الباب الخشب بتاع الجنينة من ورا مفتوح، أكيد هرب منه، الحرس راحوا يدوروا عليه وهيلاقوه

***

"خرج رامـي من القصر وعلى ظهره حقيبته الصغيرة ليذهب إلى والدته ومن ثم يستطيعان سوياً أخذ رامز معهما، كان حريصاً للغاية ألا يراه أحد مستغلاً قدرته على الاختباء حتى خرج إلى الحديقة وأخذ يسير حتى وصل إلى باب خشبي وجده من قبل عندما كان يقوم بلعبة الاستكشاف مع رامز.
حاول عدة مرات أن يفتحه فقد كان كبيراً بالنسبة إليه، ومع بعض التصميم استطاع فتحه، وخرج تاركاً القصر في سعادة لأنه سيصل إلى والدته.
كان يعلم أنه لكي يذهب إلى أي مكان يجب أن يستقل سيارة، ولكن المشكلة كانت في الطريق الخالي من السيارات ومن الناس أيضاً خاصة في ليلة باردة كهذه.
أخذ يسير وهو يشعر بالبرد فلقد نسيَ أخذ سترته معه كما كانت أمه دوماً تنبهه، ومع كثير من السير والتلفت في كل اتجاه لعله يرى والدته، شعر بالتعب فتوجه ناحية إحدى الأشجار وجلس أسفلها، ولكن دب الرعب في قلبه مباشرة عندما سمع صوت الرعد فجأة ليعلن عن بداية ليلة ممطرة جديدة.
شعر بالخوف فضم ركبتيه إلى صدره منتظراً أن تنتهي الأمطار ويكمل رحلته، ولكن المطر لم يتوقف ومع تأخر الوقت أيضاً شعر الصغير بالتعب والحاجة إلى النوم، وكان أيضاً جائعاً فأخرج من حقيبته تفاحة صغيرة أخذ يأكلها حتى نام.
مر وقت طويل للغاية حتى فتح عينيه ليجد نفسه في غرفة ذات حوائط بيضاء وزرقاء ونور ساطع، التفت برأسه ولكنه لم يجد أحداً معه، شعر بالخوف فحاول أن ينادي والدته ولكنه لم يستطع.
فجأة وجد والده يدخل إليه في خوف ولهفة خاصة حين رآه وقد استيقظ فجلس أمامه على السرير واحتضنه بقوة، قال في راحة"
- أخيراً صحيت يا رامـي! الحمد لله

"قال الطبيب بابتسامة"
- عامل إيه دلوقتي يا رامـي؟

"نظر له رامـي في تعجب، كيف يتحدث هذا الطبيب دون أن يصدر صوتاً؟ عاد لينظر إلى والده الذي كان لا يزال محتضناً إياه في خوف ونظر له هو الآخر وقال"
- عامل إيه يا حبيبي؟ حاسس بإيه؟

"والده أيضاً يتحدث بنفس الطريقة، أين ذهب صوتهما؟ فتح فمه كي يتحدث ولكنه لم يستطع الحديث أو حتى سماع صوته، لكنه وجد والده ينظر له في تعجب لتلك الهمهمات الغير مفهومة التي تصدر منه، ثم وجد الطبيب يمسك برأسه ليلتفت إليه ليقول في قلق"
- رامـي! حاول تتكلم تاني كده

"طالعه الصغير دون فهم، حاول أن يتحدث كي يخبره أنه لا يسمعه، ولكن دون جدوى. ازداد قلق الطبيب وازداد خوف سليم، وضع الطبيب يده إلى جوار أذنه وأصدر صوتاً بأصابعه وقال"
- سمعت صوت صوابعي؟

"ظل رامـي صامتاً وقد بدأ الخوف يظهر على وجهه خاصة مع عجزه عن الكلام، التفت السيد سليم إلى الطبيب وقال في قلق"
- ايه اللي بيحصل؟

"صمت الطبيب للحظات قبل أن يقول"
- للأسف، واضح إن الحمى اتسببت في عجز عن النطق والسمع

"نظر له في صدمة ثم عاد ليلتفت إلى صغيره الذي ازداد خوفه بسبب عدم قدرته على سماع ما يحدث حوله وبدأ في البكاء، عاد سليم ليلتفت إلى الطبيب وهو يقول في غضب"
- أنت قلتلي هيبقى كويس، لازم تتصرف، فاهم؟

"وسط صراخ والده ومحاولة الطبيب شرح الوضع، كان رامـي ينظر لكل شيء في ذهول. إنه لا يسمع أي شيء ولا يستطيع النطق بأي شيء، ما الذي حدث؟ كيف نام تحت الشجرة ليجد نفسه في تلك المشفى؟
ما حدث أن الحراس قد عثروا عليه بعد بحثٍ لساعات وحاولوا إيقاظه ولكنه كان فاقداً للوعي وحرارته عالية جداً ليتم نقله إلى المشفى سريعاً ويقوم الطبيب بفحصه ليخبرهم بأنه قد أصيب بحمى شديدة استمرت لأسابيع قليلة كان يستيقظ فيها للحظات ثم يعود لنومه ثانيةً.
لم ينتظر والده لحظة واحدة بل خرج به من المشفى إلى أكبر المستشفيات بالخارج كي يتم علاجه، ولكن للأسف لم يحدث أي شفاء واستمر الحال هكذا لأشهر قليلة حتى عاد إلى القصر مع والده، وبمجرد أن دخل حتى ركض إلى غرفته وأغلق الباب خلفه.
طوال تلك الفترة وهو لا يسمع أو يفهم أي شيء مما يحدث حوله، عن ماذا يتحدثون عندما ينظرون إليه؟ ولماذا جميعهم ينظرون إليه بتلك الشفقة والحزن؟
اندس في فراشه وظل شارداً في الفراغ، أين والدته الآن؟ إنه يريد الذهاب إليها، لا يريد أحداً منهم، لا بد أنها تنتظره، ولكن ماذا إن لم يستطع أن يحدِّثها هي الأخرى؟
شعر بمن يجلس إلى جواره ليلتفت في حدة فيجده رامز، لقد تغيّر قليلاً في تلك الفترة... بدى أكبر وأكثر حزناً، قال"
- صحيح اللي بابا بيقوله؟ أنت مش سامعنا؟

"ظل رامـي ينظر إليه رغماً عنه دون رد، حاول أن يتحدث ولكن دون جدوى، قال رامز في حزن"
- أنت كمان كنت عاوز تمشي وتسيبني، كنت هزعل منك لو ماكنتش رجعت تاني

"ثم اتبع محاولاً أن يضحكه حتى ولو لم يسمعه"
- بس بابا قال إننا هنفضل نتكلم عادي لما نتعلم لغة الإشارة، صحيح أنا ماعرفهاش بس لما نتعلمها هنفضل نتكلم على طول

"ثم حاول أن يحتضنه قائلاً"
- مش هسيبك أبداً

"ولكنه تفاجأ عندما ابتعد رامـي عنه فجأة وبدى الغضب عليه. شعر رامز بالحزن لأنه لم يحتضنه وكاد أن يتحدث، ولكن قاطعه صوت الباب الذي انفتح ليجد والده يدخل، اقترب منهما ثم جلس على السرير دون كلمة.
لم يكن يتخيل أن أمر كهذا يمكن أن يحدث خاصة لابنه الذي علّق عليه أحلاماً كبيرة، نظر إليه فوجد في عينيه نظرة لم يفهمها أبداً، لم يدرِ إن كانت خوفاً أم ضيقاً أم حزناً، حاول الحديث مطمئناً إياه"
- كل حاجة هتبقى كويسة، ماتخافش!

"طالعه الصغير دون رد فشعر بوجع كبير ينخر روحه. لم يدرِ كيف يواسيه فاقترب منه محاولاً أن يحتضنه، ولكنه تفاجأ عندما ابتعد عنه ونظر له في غضب، وتكرر نفس رد الفعل في كل مرة وفي كل يوم وفي كل عام ليتأكد أن ما انكسر بداخله أكبر من أن يصلحه ثانيةً."

****
انتهى الفصل


روابط الفصول

المقدمة والفصل 1.. اعلاه
الفصول 2, 3, 4, 5 .. بالأسفل

الفصول 6, 7, 8, 9, 10, 11, 12, 13, 14 نفس الصفحة
الفصول 15, 16, 17, 18, 19, 20 ,21, 22, 23, 24 نفس الصفحة
الفصل 25 الأخير والخاتمة




التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 11-06-22 الساعة 11:34 AM
روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-05-22, 11:25 PM   #2

tetofeto
 
الصورة الرمزية tetofeto

? العضوٌ??? » 315778
?  التسِجيلٌ » Apr 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,576
?  نُقآطِيْ » tetofeto has a reputation beyond reputetetofeto has a reputation beyond reputetetofeto has a reputation beyond reputetetofeto has a reputation beyond reputetetofeto has a reputation beyond reputetetofeto has a reputation beyond reputetetofeto has a reputation beyond reputetetofeto has a reputation beyond reputetetofeto has a reputation beyond reputetetofeto has a reputation beyond reputetetofeto has a reputation beyond repute
افتراضي

جميل جدا رغم ان البداية محزنة

tetofeto غير متواجد حالياً  
التوقيع
[Teto Feto
رد مع اقتباس
قديم 07-05-22, 11:46 PM   #3

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة tetofeto مشاهدة المشاركة
جميل جدا رغم ان البداية محزنة
شكراً جزيلاً ♥♥

كل يوم هينزل فصل في نفس الميعاد... الساعة 10 بتوقيت القاهرة، الفصول الجاية هتعجبك اكتر إن شاء الله ♥♥

دانه عبد likes this.

روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-05-22, 10:56 PM   #4

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل الثاني

بعد خمسة وعشرين عاماً

"استيقظ رامـي من نومه على كابوسه المعتاد في الصباح، فتح عينيه في فزع ثم جلس واستند بظهره على السرير وأخذ يلهث بعنف.
متى سيكف هذا الكابوس عن مطاردته في نومه؟ نفس الأصوات... نفس الصراخ... نفس الشيء من كل شيء، ذلك اليوم الذي لا يفارقه أبداً في أحلامه ليحرمه راحة النوم.
أخذ يفرك وجهه بقوة حتى يفيق، ثم قام من سريره ليستحم ويبدّل ملابسه استعداداً للذهاب إلى الشركة، وعندما أصبح جاهزاً نزل إلى الأسفل حيث كان البقية قد اجتمعوا على طاولة السفرة لتناول الإفطار.
كان والده يجلس على رأس الطاولة، وعلى يساره كانت تجلس سالي، زوجته الرابعة من بعد رقية، والتي لم تكمل في القصر أكثر من ستة أشهر فقط.
فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها، جميلة ذات قوامٍ ممشوق وشعر ناعم باللون الأصفر يكاد يقسم رامز كل يوم أنه ليس طبيعياً كما تدعّي وإنما هو بفعل الأوكسجين الذي أصبح متفشياً في شعور الشقراوات اللواتي انتشرن فجأة في المدينة، وتحمل من الدلال والميوعة ما يكفي -على حد قول رامز أيضاً- لتدمير تلك المدينة والمدن المجاورة لها.
وعلى اليمين، كان يجلس رامز وقد عاد من إحدى سهراته منذ ساعات قليلة للغاية وبالكاد استطاع الاستيقاظ حتى لا يدخل في حوارٍ موبخٍ من والده كالمعتاد، وما إن رأى رامـي حتى تنفس الصعداء لأن هناك من سيشعر به في تلك الجلسة البائسة، وعندما جلس إلى جواره أشار له قائلاً"
- صباح الخير!

"ابتسم رامـي في هدوء مشيراً"
- صباح النور!

"طالعه والده بنظرة جانبية ولم يوجه له حديثاً كعادتهما منذ مدة طويلة، فمنذ تلك الحادثة وقد تغيّر رامـي تماماً، أصبح ينفر من الجميع ويكره أن يقترب منه أحد، وخاصة والده لأنه كان يراه السبب في كل ما حدث، ولكن والده لم يكن يلتفت بل كان دوماً يكرر كلماته بأن والدته هي السبب في كل شيء وأنه لو لم يكن يحبهما لما أبقاهما إلى جواره ولكان قد تركهما إليها.
وكان رامـي يكره ذلك الغرور وتلك القسوة التي لم يكن يراها فيه من قبل عندما كان صغيراً... عندما كان كل شيء على أفضل حال.
كان السيد سليم يأمل في تغيّر الحال خاصة مع محاولاته الكثيرة في تعويضه عن والدته بإحضار عمته سناء لتقوم بالاعتناء به هو وأخيه بعد أن توفى زوجها، والتي قامت بالاعتناء بهما على أكمل وجه في الوقت الذي انشغل فيه هو بسهراته وزواجاته القصيرة المتعددة، والتي زادت من غضب كل منهما كثيراً تجاهه، وازداد ابتعادهما بعد سفرهما للدراسة بالخارج نظراً لظروف رامـي التي استدعت أن يكمل تعليمه خارجاً لعدم وجود جامعات مناسبة له في مصر.
عادا بعد ذلك شخصين آخرين تماماً لا ينشغل كلٌ منهما إلا بنفسه...
تحوّل رامز إلى نسخة من والده في صفاته المستهترة والعابثة التي كانت سبباً في ازدياد الخلاف بينهما، وتحوّل رامـي ليصبح نسخة ثانية عن والده في كل شيء سواء أكان في الشكل أو في شخصيته القوية ذات الكبرياء الواضح والقسوة أحياناً، الأمر الذي كان يدخل في نفس والده الراحة بالرغم من تلك النديّة في التعامل بينهما.
كانت سالي جالسة كالعادة لا تفهم ما سر هذا التوتر بينهما، وكلما كانت تسأل سليم كان يحذرها من التدخل فيما لا يعنيها.
مرت دقائق والصمت هو سيد الموقف حتى انتهوا جميعاً من فطورهم وقاموا للذهاب إلى الشركة، خرج رامـي ورامز من القصر بينما أمسكت سالي بيد سليم لتوقفه، التفت لها قائلاً"
- في إيه يا سالي؟

"ابتسمت في دلال قائلة"
- ممكن أطلب من حبيبي طلب؟

"نظر لها في مكر قائلاً"
- حاف كده؟

"ضحكت ثم قبّلت وجنته قائلة"
- حلو كده؟

"ضحك ضحكة خفيفة ثم قال"
- عاوزة إيه؟

"قالت في حماس"
- عاوزة اروح النادي مع اصحابي النهاردة

"قال في ضيق"
- أنتِ كل يوم تقوليلي النادي ده؟

"قالت في حزن ودلال"
- وفيها إيه يا سليم؟ أنا هنا مابعملش حاجة خالص، عالأقل بغيّر جو

"ظل صامتاً فاتبعت وهي تتعلق بذراعه كالأطفال"
- عشان خاطري

"نظر لها للحظات ثم قال"
- ماشي... روحي

"ضحكت في سعادة ثم قبّلته وركضت إلى غرفتها لتستعد بينما ذهب هو متوجهاً إلى الشركة وهو يفكر...
إن سالي تجعله يشعر أنه لا يزال شاباً صغيراً حقاً رغم سنوات عمره الخامسة والخمسين، وعلى الرغم من أنه لا يكّن لها أي مشاعر لعدم اعترافه بالحب الذي لم يجربه سوى مع رقية ولم يؤتِ ثماره كما تمنّى، إلا أن وجود سالي يضيف إلى حياته لوناً مختلفاً سعيداً... إلى حد ما."

.....

"استيقظت شمس من نومها على صوت المنبه المزعج الذي لا يكل ولا يمل إلا حين تمسك به وتلقيه أرضاً، قامت من سريرها في تكاسل ثم استعدت للذهاب إلى تلك الشركة الكبيرة التي تعينت فيها هي وصديقتيها ندى وسما، وعلى الرغم من أنها لم ترَ أياً من أصحابها حتى الآن ولا تعرف عنهم إلا أسمائهم إلا أنها تشعر بالراحة النفسية في العمل هناك، فالموظفون ودودون للغاية وقد قامت هي وصديقتيها بالتعرف على فتاة الاستقبال، زينة، والتي أخبرتهن بكل شيء عن كل شخص في تلك الشركة بما فيهم أصحاب الشركة أنفسهم.
وعندما أصبحت جاهزة، خرجت من الغرفة لتناول الفطور مع والدتها، قالت شمس وهي تجلس إلى الطاولة"
- صباح الخير يا ماما!

"ابتسمت والدتها قائلة"
- صباح النور يا شمس! نمتي كويس؟

"هزت رأسها نفياً ثم قالت"
- ماعرفتش، كان ورايا شغل ونمت متأخر

"قالت والدتها في ضيق"
- شكلها شركة صعبة من الأول

"قالت شمس سريعاً"
- خالص والله يا ماما! ده أنا مرتاحة فيها جداً عكس الشركة التانية خالص

"قالت والدتها متسائلة"
- المديرين محترمين يعني؟

"هزت شمس رأسها في نفي ثم قالت"
- لسة ماشفتش حد منهم، بس زينة قالتلنا إنهم محترمين جداً، وإن تقريباً اللي بيديروها مهندسين صغيرين في السن وتعاملنا بعد كده هيبقى معاهم هما

"رفعت والدتها حاجبها في ضيق قائلة"
- صغيرين؟ يا خوفي لا يطلعوا زي اللي فات

"قالت شمس وقد أمسكت بالسكين على الطاولة"
- ولو طلعوا... بالسكينة على طول

"ضحكت والدتها ثم قالت"
- أنتِ هتقوليلي؟!

"قامت شمس من مكانها ثم أخذت حاجياتها وقالت مودعة والدتها"
- أنا اتأخرت، سلام بقى!

"غادرت المنزل متوجهة إلى الشركة وعندما وصلت هناك توجهت إلى مكتبها المشترك مع صديقتيها ندى وسما، وعندما دخلت، وجدت ندى تجلس عند مكتب سما وتضحك كثيراً، دخلت شمس وأغلقت الباب خلفها ورفعت حاجبها قائلة"
- نمّاية جديدة؟ ومن غيري؟ اعتبر ده انتهاء لعشرين سنة صداقة؟

"ضحكت ندى ثم قالت"
- تعالي تعالي! شوفي سما بتقول ايه

"جلست على الكرسي المقابل لندى ونظرت إلى سما قائلة"
- إيه؟

"نظرت إليها سما ثم قالت"
- انتو هتعملوني حكايتكم بقى ولا ايه؟! مش هحكي

"ثم أدارت وجهها وكتفت ذراعيها كالأطفال فالتفتت شمس إلى ندى وقالت"
- على حظي أنا مش عاوزة تتكلم، في إيه؟

"ضحكت ندى قائلة"
- فاكرة سامح جارها اللي كانت بتقولنا إنها حاسة إنه معجب بيها؟

"اومأت شمس برأسها إيجاباً فاتبعت ندى بابتسامة ماكرة"
- النهاردة اتكلم معاها لأول مرة في حياته

"نظرت شمس إلى سما وقالت في حماس"
- حلو! حصل ايه؟

"قالت سما بوجوم"
- ماديتلوش وش طبعاً

"قالت شمس بنفس طريقتها"
- ليه طبعاً؟

"قالت سما في انفعال رغماً عنها"
- عشان مش هسمح لحد تاني يدخل حياتي يقلبهالي ويطلع، فاهمين؟

"نظرت شمس إلى ندى التي نظرت إليها أيضاً وشعرتا بالحزن لأجل صديقتهما التي عانت من علاقة استغلالية انتهت بالخيانة، ومنذ ذلك الحين وهي ترفض دخول أي شخص إلى حياتها، أمسكت شمس بيد سما وقالت"
- اهدي يا سما! ماتدخليش حد أنتِ مش عاوزاه في حياتك، كل حاجة هتبقى كويسة، ماتخافيش

"هدأت سما قليلاً ثم قالت"
- فين الشوكولاتة اللي قلتلك تجيبيهالي معاكي؟

"ضحكت شمس قائلة"
- حتى وأنتِ مضايقة بتفكري في الأكل؟

"أخرجتها من حقيبتها ثم أعطتها إياها قائلة"
- اتفضلي يا ستي!

"اخذت سما الشوكولا منها ثم نظرت إليهما قائلة في امتنان"
- أنا بحبكم أوي

"ساد الصمت بينهما للحظات من الابتسامات المتبادلة حتى قطعته ندى قائلة"
- لا أكيد مش هنحضن يعني، شوفي شغلك منك ليها

"قامت شمس هي الأخرى من مكانها ضاحكة بينما انهمكت سما في تناول الشوكولا وهي تقوم بإنجاز أعمالها."

.....

"وصل السيد سليم ومعه رامـز ورامـي إلى الشركة واتجهوا إلى غرفة الاجتماعات لحضور أول اجتماع وفق جدول أعمال اليوم.
مرت ساعتين وهما في هذا الاجتماع لمناقشة خطط الأعمال القادمة وآخر الصفقات خاصة في المشروع الكبير الخاص بـكلٍ من رامز ورامـي، وعندما انتهى الاجتماع، ذهب الموظفون بينما بقي رامـي ورامز مع والدهما.
كالعادة كان رامـي يجلس صامتاً دون أن يوجه أي إشارة إلى والده، فقط نظرات القسوة المتجلية في حديثهما البصري حتى أشار رامـي مستأذناً للذهاب إلى مكتبه، أومأ والده برأسه فقام رامـي من مكانه ليخرج فأوقفه رامز مشيراً بابتسامة"
- شوية وهجيلك نشرب قهوة سوى

"ابتسم رامـي ثم أومأ برأسه وخرج، قال والده"
- أنت ناسي إن وراك شغل ولا ايه؟ هو ده وقت قهوة؟

"نظر له رامز للحظات، أحياناً يشعر أنه ليس والدهما بل اختطفهما معاً منذ زمن بعيد وأقنعهما بالعكس، قال"
- حضرتك عارف إني بحب اقضي وقتي مع رامـي وهخلص شغلي من عنده

"قال والده بنبرة جافة"
- خليكم انتو الاتنين كده عاملين حِلف عليا طول الوقت

"رد رامز بنفس النبرة"
- أنا فعلاً مش عارف ليه حضرتك طول الوقت محسسنا إننا في حرب، ليه بحس إنك شايف رامـي عدوك؟

"قال والده في قسوة"
- بص لنظرته وأنت تعرف

"ابتسم رامز في سخرية قائلاً"
- غريبة! مع إني مابشوفش نظرة غيرها من حضرتك

"قال والده في حدة"
- رامز! افتكر إنك بتكلم أبوك

"ابتسم رامز في حسرة ثم قال هامساً قبل أن يخرج ذاهباً إلى مكتب رامـي"
- هي دي المشكلة

***
"عندما خرج رامـي من مكتب والده، توجه ناحية المصعد، وهناك كانت شمس واقفة تنتظر هبوط المصعد أيضاً.
توقف رامـي إلى جانبها ينتظر وعندما هبط وفُتِح الباب، نظرت إليه شمس كي يدخل ولكنه ابتسم لها مشيراً ناحية المصعد كي تسبقه في الدخول.
دخلت شمس مبتسمة من هذا الرقي في التعامل، فغالباً ما كان باقي الموظفون يسبقونها ويتركونها هي في الخلف، وعندما دخلت تبعها رامـي وضغط كل منهما على الطابق الذي سيصعد إليه.
كان رامـي ممسكاً بهاتفه ينظر فيه بتركيز شديد بينما كانت شمس تنظر في المرآة تطالع شكلها، لمحته في الخلف وهو يضم حاجبيه ويمعن النظر في هاتفه، حسناً... أياً كان ما يطالعه فهو محظوظ بالطبع لأنه نال اهتمام هذا الوسيم الغريب. قالت محاولة الحديث"
- هو أنت جديد في الشركة؟

"لم يرد بل لم يظهر عليه أنه قد سمعها أصلاً، قالت بصوت أعلى"
- يا أخ!

"لم يرد ايضاً، تباً... ما هذا الشيء الذي يركز فيه إلى تلك الدرجة؟
مالت برأسها قليلاً لترى فوجدتها لعبة... تلك التي يقومون فيها بجمع الحلوى المتشابهة...
حقاً؟ هذا ما يشغله إلى هذه الدرجة؟ أم أنه يتعمد تجاهلها؟ وصل المصعد إلى الطابق الخاص بها، وعندما فتح الباب كانت في ذروة غيظها فخرجت متعمدة ضربه بحقيبة حاسوبها الخاصة على ذراعه ولم تنظر خلفها...
تأوّه قليلاً وهو ينظر ناحيتها متعجباً... من تلك المجنونة؟
وعندما وصل المصعد إلى طابقه المقصود، خرج رامـي منه ليجد رامز قد وصل في نفس اللحظة لكن من مصعد آخر، اقترب منه رامز وقال في سخرية"
- ماستحملتش اقعد معاه شوية كمان الحقيقة، أبوك بقى غريب أوي

"نظر له رامـي نظرة مؤنبة ولكنه ابتسم رغماً عنه، فهو أيضاً لا يحب التواجد معه كثيراً... يشعره بالتوتر ويبث فيه ذكريات يحاول جاهداً أن ينساها.
عندما وصلا عند مكتب السكرتيرة، وجدا موظفة أخرى غير نهال، وعندما رأتهما توقفت وكادت عيناها تخرج من مكانها من شدة الإعجاب بهذين الوسيمين اللذين أطلا فجأة من حيث لا يعلم إلا الله.
تقدم رامز ناحيتها قائلاً بابتسامة جذابة"
- صباح الخير

"قالت بابتسامة حاولت جاهدة ألا تكون بلهاء"
- صباح النور والله

"نظر لها رامز للحظات، إنها جميلة وهو خير من يقدِّر الجمال، اتبع"
- أمال نهال فين يا...؟

"قالت سريعاً"
- زينة

"ابتسم قائلاً"
- زينة!... نهال فين يا زينة؟

"قالت زينة سريعاً"
- نهال راحت الشئون القانونية تخلص حاجات و راجعة على طول

"اومأ برأسه وهو يسألها"
- وأنتِ بقى شغالة فين يا زينة؟

"قالت هي بدورها"
- في الاستقبال

"قال بدهشة مصطنعة"
- مش ممكن! ازاي ماشفتش القمر ده قبل كده؟

"كانت عيناها على وشك أن تنتج قلوباً حمراء من السعادة بإطراء هذا الوسيم، لكن رامـي وكز رامز فقال وقد عاد من غُمرة مغازلاته"
- اعمليلنا فنجانين قهوة يا زينة

"قالت بابتسامة حالمة"
- سكر زيادة، صح؟

"قال رامز مزيناً كلماته بغمزة سريعة قبل أن يدخل"
- صح

"وعندما دخل، نظرت إلى رامـي بنفس الابتسامة الحالمة وقالت في هيام"
- باشمهندس رامـي سكر زيادة برضو؟

"أخذ رامـي ورقة صغيرة وكتب عليها بخط عريض وأعطاها إليها وقد رفع حاجبه الأيسر عابساً كي ترتجع ثم دخل وأغلق الباب خلفه، نظرت في الورقة ثم قالت"
- سادة؟! طيب... خلينا في السكر زيادة اللي جوة بقى

"عندما دخل رامـي، جلس على مكتبه ونظر إلى رامز نظرة لائمة فابتسم الأخير ابتسامة عابثة وقال"
- إيه! ما أنت عارف إني أعِز السكرتيرات اوي

"مرت دقائق قليلة حتى دخلت الموظفة الحسناء بالقهوة، وعندما وضعتها على المكتب، نظرت إليهما قائلة"
- تأمروني بحاجة تاني؟

"ابتسم رامز قائلاً بعبث"
- مانتحرمش

"ابتسمت في دلال ثم سمعت صوت طرقة رامـي على المكتب كي تلتفت إليه، مد يده إليها بورقة مكتوب فيها أن تذهب إلى نهال وتخبرها بالعودة حالاً أياً كانت أهمية العمل، وأن تعود هي أدراجها من حيث أتت، نظرت زينة إلى الورقة في حزن ثم قالت"
- تحت أمرك يا باشمهندس!

"وعندما ذهبت، التفت رامـي إلى أخيه وأشار له بأن يروي له ما حدث مع والده كي يتركه سريعاً هكذا، قال رامز"
- بيتهمنا إننا عاملين حلف عليه وبنكرهه، وبيعتب عالقسوة اللي فيك ناحيته

"ثم اتبع في سخرية قائلاً"
- قال يعني الحنية مغرقانا معاه أوي

"ظل رامـي ساكناً ولم يبدِ أي ردة فعل، فاتبع رامز قائلاً"
- رامـي! هو احنا هنفضل كده لغاية امتى؟

"نظر له رامـي نظرة مستفهمة فاتبع"
- الجو بقى متوتر طول الوقت بيننا، إيه الحل؟

"أشار له رامـي في ضيق"
- مافيش حاجة هتتغير طول ما هو مش عايز يقول مكانها فين

"نظر له رامز ثم قال"
- هتفرق؟

"ظل رامـي صامتاً فاتبع رامز قائلاً"
- وجودها مش هيعملنا حاجة دلوقتي يا رامـي! احنا خلاص كبرنا

"أشار له رامـي متسائلاً"
- مابتوحشكش؟ مابتحسش إنك عايز تشوفها؟

"صمت رامز ثم قال محاولاً إقناع نفسه بما سيقوله"
- ما احنا مش واحشينها يا رامـي... لو كنا فارقين معاها ماكانتش مشيت

"نظر له رامـي في غضب وقد عادت القسوة تملأ عينيه مجدداً فاتبع رامز قائلاً"
- كان ممكن ببساطة تستحمل عشاننا بس هي مارضيتش تضحي

"ابتسم رامـي ابتسامة قاسية ثم أشار له"
- تستحمل خيانة كل يوم؟ تستحمل إهانة ومعاملة زي الزفت؟ تستحمل الضرب؟ هي دي التضحية اللي كنت مستنيها؟ وهو ماضحاش بمزاجه وخيانته ليه؟ تفتكر احنا فارقين معاه هو؟

"ظل رامز صامتاً فاتبع رامـي في قسوته التي تذكره بوالده كثيراً"
- صحيح أنا أصغر منك لكن أنت ماشفتش أي حاجة من اللي أنا شفتها، أنا أكتر واحد عارف هي تعبت قد ايه، هو السبب في بعدها وهو السبب في معاملتي له وهو السبب في عجزي لغاية النهاردة، وعمري ما هسامحه مهما حصل

"ظل رامز صامتاً ثم قال"
- هو أنا قلتلك قبل كده إنك شبهه؟

"غضب رامـي لسماعه ذلك. آخر ما يحب معرفته هو شبهه برجل كان سبباً في معاناته لسنين مضت ولا تزال مستمرة، أغمض عينيه وأخذ نفساً عميقاً محاولاً أن يهدأ ثم التفت إلى رامز وأشار له"
- خلينا ننزل الكافيتريا تحت أحسن... مش طايق اقعد في المكتب اكتر

"وعندما نزلا سوياً إلى الكافيتريا، كان وقت استراحة الموظفين، وكانت زينة وندى وسما معاً يتناولن غدائهن، وعندما لمحتهما زينة قالت في هيام"
- معمولين من ايه دول ياخواتي... فانيليا؟!

"نظرت ندى وسما إلى حيث تشير، قالت ندى في انبهار"
- فينك يا شمس تشوفي اللي أنا شايفاه

"قالت سما بنبرة جدية"
- شمس بتشوف شغلها، مش جاية تعطف وتلطف

"نظرت زينة إليها ثم قالت ساخرة"
- عاملة زي نهال... عسكري!

"وكزتها سما مؤنبة ثم قالت"
- بقى اللي يشوف شغله عسكري؟

"قالت ندى مقاطعة حديثهما الممل"
- اسكتوا بقى خليني اركز

"قالت زينة وقد مالت عليها"
- تركزي في ايه ها؟

"قالت ندى أثناء تركيزها على ايديهما"
-بحاول المح ايديهم واشوف خاطبين ولا متجوزين ولا مطلقين ولا ايه

"قالت زينة في هيام"
- مش مرتبط لا

"قالت ندى في فضول"
- مين فيهم؟

"أجابت زينة قائلة"
- رامز

"قالت سما"
- اوام بقى اسمه رامز؟

"قالت زينة في هيام"
- لا طبعاً... ده يتقاله يا رورو

"نظرت لها سما بطرف عينيها قائلة"
- تافهة!

"زفرت زينة في حنق منها بينما شدتها ندى إليها وقالت بفضول"
- وتعرفي عنه إيه كمان؟

"لمعت عينا زينة سريعاً فهي تعشق هذا النوع من الأحاديث خاصة وإن كان محورها أخضر العينين ذاك"
- ماعرفش كتير، بس اتفاجئ اوي إني شغالة في الاستقبال، قالي "ازاي ماشفتش القمر ده قبل كده؟!"

"نظرت إليها ندى في صدمة فاتبعت زينة قائلة"
- وغمزلي

"قالت ندى في حنق"
- ما لازم يغمز طبعاً، هو في دلع كده؟!

"نظرت ناحيتهما ثم التفتت إليها ثانية قائلة"
- ومين التاني؟ أخوه، صح؟

"أومأت زينة قائلة"
- أيوة ده باشمهندس رامـي، أخوه الصغير، بس مابيضحكش

"نظرت سما ناحيته فوجدته يبتسم كثيراً أثناء حديثه مع رامز فوكزت زينة قائلة"
- ما الراجل فُلة وبيضحك اهو... بطلوا افترا بقى

"قالت زينة في ضيق"
- برضو مش زي اخوه

"قالت ندى ساخرة"
- طبعاً! لازم يغمز عشان يعجب

"ضحكت سما وندى بينما كانت زينة تنظر لهما في غيظ، اتبعت ندى متسائلة"
- بس ايه جو الإشارات ده؟ هما مابيتكلموش؟

"قالت زينة هامسة"
- رامـي بس اللي مش بيتكلم ولا بيسمع... أصم

"شهقت كل من ندى وسما في صدمة، قالت سما في حزن"
- يا خسارة... الحلو مايكملش

"قالت ندى بفضولها المعتاد"
- امال أنتِ كنتي مكان نهال ازاي؟ كنتي بتتفاهمي معاه ازاي؟

"تناولت زينة رشفة من كوب قهوتها ثم قالت"
- ماكانش في تعامل مباشر عشان رامز كان موجود، وأصلاً كان بيكتبلي ورقة باللي عايزه

"نظرن ناحيتهما ثانية فوجدنهما قد قاما من مكانهما، نظرن إلى بعضهن في حزن حتى قالت زينة"
- هي الأوقات الحلوة كده بتعدي بسرعة

***

"كانت شمس كعادتها أحياناً عندما تحب أن تختلي بنفسها وقت الاستراحة تذهب إلى سلم الحريق وتجلس في الطابق السفلي للباب وتتناول طعامها في هدوء بعيداً عن صخب الحديث وثرثرة زينة المستمرة، ولكنها كانت حانقة من ذلك الغريب وتجاهله المتعمد لها.
انتهى وقت استراحة الغداء فخرجت شمس من السلم وتوجهت إلى المكتب لتجد سما وندى تضحكان سوياً مرة أخرى، قالت متذمرة"
- بتضحكوا من غيري تاني؟ امشي من المكتب خالص؟

"ضحكت ندى قائلة"
- فاتتك قعدة زينة النهاردة

"جلست شمس على مكتبها ثم قالت"
- حصل إيه تاني؟

"قالت سما هذه المرة في حماس غريب عليها"
- شفنا باشمهندس رامـي وباشمهندس رامز

"نظرت إليها في دهشة ولكنها قالت"
- مين دول؟

"قالت ندى سريعاً"
- هو أنتِ بتشتغلي فين؟ دول أصحاب الشركة اللي احنا فيها دي

"قالت شمس وقد عاد انتباهها كاملاً لها الآن"
- آآآه افتكرت

"قالت ندى في ملل"
- الحمد لله

"عادت شمس لتقول"
- أيوة مالهم يعني؟

"قالت سما في حنق"
- مالهمش

"ثم نظرت إلى ندى واتبعت"
- دي هتجيبلي سكتة قلبية

"ضحكت ندى ثم التفتت إلى شمس وقالت في تروٍ كأنها تحادث طفلةً صغيرة"
- يا شمس يا حبيبتي واحنا قاعدين في الكافيتريا مع زينة الرويتر لقيناهم قاعدين على ترابيزة ادامنا، وزينة قعدت تحكي عليهم شوية

"ثم اتبعت في هيام"
- ماكنتش اعرف إنهم حلوين أوي كده

"قالت سما في ضيق"
- بغض النظر عن رامز واللي عرفته عنه

"التفتت إليها شمس قائلة"
- ماله؟

"قالت سما بنفس نبرتها"
- لِعَبي وبتاع بنات وأنا بكره النوع ده

"ثم اتبعت وقد ارتخت ملامحها للراحة"
- لكن باشمهندس رامـي شكله محترم وجد كده

"نظرت شمس إليهما دون رد ثم قالت"
- تخيلوا لو حد معدّي من جنب المكتب وسمعكم بتتكلموا كده، مش هنكمل شهرنا التاني هنا

"قالت ندى سريعاً وقد التفتت ناحية حاسوبها فجأة"
- نتكلم؟ نتكلم في ايه؟ احنا بنشتغل اهو، صح يا سما؟

"التفتت سما أيضاً إلى حاسوبها وقالت"
- آه طبعاً

.....

"عندما حل الليل، وقت رامز المفضل، ذهب هو ورامـي إلى النادي الليلي التابع لأكبر فنادق المدينة والمفضل بالنسبة إليه، وبالرغم من أن رامـي لا يفضل تلك الأماكن على الإطلاق، لكنه لم يشأ أن يظل في القصر وحيداً، ومع إصرار رامز الرهيب، اضطر للموافقة.
كان المكان مزدحماً بأضوائه الكثيرة والعديد من الناس سواء من نفس البلد أو من خارجها، وجميعهم يتراقصون على أنغام الموسيقى الصاخبة التي كانت تشعره بأنه يسمعها كما لو لم يصبه الصمم منذ زمن بعيد.
جلسا سوياً على إحدى الطاولات حتى جاءت فتاة ما واتجهت ناحية رامز وعانقته قائلة"
- رامز! وحشتني

"ابتسم في مكر قائلاً"
- ماوحشتينيش

"وكزته في كتفه قائلة"
- بارد

"ثم التفتت إلى رامـي وقالت"
- أنت رامـي مش كده؟

"ابتسم رامـي ابتسامة خفيفة ثم اومأ برأسه إيجاباً فقالت بابتسامة عريضة"
- مبسوطة أوي إني شفتك

"أومأ لها رامـي برأسه ثانية ثم التفت بعيداً عنها، وبعد قليل من الحديث بين تلك الفتاة ورامز رحلت، وعندها التفت رامز إلى رامـي، الذي كان شارداً، وأشار بيده أمامه ليلتفت له، وعندما التفت له قال"
- سرحان في إيه؟

"أشار رامـي قائلاً"
- في الشغل

"أشار رامز في ضيق"
- يابني أنت ارحم نفسك حبة وافصل بقى

"ثم اتبع مشيراً في مكر"
- ماخدتش بالك الصبح من التلات بنات اللي كانوا قاعدين جنبنا في الكافيتريا في الشركة؟

"هز رأسه في نفي ثم أشار"
- مين دول؟

"ضحك رامز مشيراً"
- ماعرفش، اتنين منهم ماشفتهمش قبل كده، والتالتة كانت زينة اللي شفناها الصبح

"أشار رامـي ساخراً"
- مافيش حاجة تخصهم مابتاخدش بالك منها

"ضحك رامز قائلاً"
- أنا خبير متخصص

"ثم انتبه إلى فتاته الوديعة تجلس ناحية البار وتشير له في دلال كي يأتي، ابتسم لها ثم التفت إلى رامـي مشيراً"
- رامـي! أنا هقوم شوية كده عشان في ناس عايزاني

"أشار رامـي في مكر"
- ناس؟!

"قال رامز في وداعة غريبة على طبعه العابث"
- دي نانسي... صداقة بريئة

"ضحك رامـي ثم أشار"
- مايقلقنيش قد صداقاتك البريئة دي

"ثم اتبع"
- خليك مع الناس بتوعك وأنا هرجع البيت

"قال رامز في خبث"
- هتروح في وقت غير مناسب

"وكزه رامـي ضاحكاً بخبث هو الآخر"
- سلام يا وغد!

.....

"عاد رامـي إلى القصر، وكالعادة كان القصر صامتاً للغاية بالنسبة له، ولكنه علم أن والده قد حضر باكراً من سيارته المصفوفة في الجراچ، ومع اختفاء سالي من الحديقة ومن الطابق الأسفل للقصر قد علم ما يحدث، لقد حضر في وقت غير مناسب كما أخبره رامز.
ابتسم في سخرية، لا يوجد من يحيا دون أن يبالي بشيء في هذا القصر سوى والده فقط.
دخل إلى غرفته وأغلق الباب، وتوجه ناحية مكتبه ليفتح حاسوبه ويقوم بقراءة آخر الإيميلات المرسلة من كرم، مدير شركته الخاصة، وكان يخبره فيها بآخر الأخبار وباقي التفاصيل الخاصة بالمناقصة الهامة التي يسعى لأخذها لأنها ستُحدِث فارقاً في الشركة.
منذ ثلاثة أعوام عندما أقام تلك الشركة الخاصة وهو حريصٌ على أن تكون من أنجح الشركات الحديثة الموجودة على الساحة.
وفي وقت قليل، استطاع أن يثبِّت دعائمها في السوق بحكم خبرته ومهارته في العمل بشركة العائلة، وكان حريصاً ألا يعلم والده عنها أي شيء، وفضّل أيضاً ألا يعلم رامز عنها شيئاً حتى لا يضعه هذا في مأزق مع والده ويزيد من خلافاتهما معاً.
وعلى الرغم من أنه يعلم أن تلك المناقصة الهامة التي يسعى إليها تهمُ والده أيضاً إلا أنه مُصِّرٌ على أن يحصل عليها مهما كانت النتائج، فشركة كبيرة كشركة والده لن تتأثر كثيراً إن خسرت مناقصة كتلك، ولكن شركته هو ستفعل إن لم تأخذها.
بعد أن انتهى من الرد، قام من مكانه وتمدد على السرير وأخذ يطالع السقف في شرود حتى انتبه لشعوره باهتزاز الهاتف جانبه ليجد رسالة من رامز"
- مش هعرف آجي النهاردة، هروح عالشركة على طول، قولهم إني سافرت مع اصحابي الساحل.

"ضحك رامـي في سخرية، وكأن والده لن يعلم بأنها مجرد كذبة.
لقد كان دوماً قلقاً بشأن انغماس رامز في عبثه وعلاقاته المتعددة، كان يخشى من أن يتورط في أمرٍ ما ولن يكون موقف والده في صالحه أبداً، ولكنه كان يشعر بأن رامز يعلم كل شيء ولا يبالي.
ربما لو كانت والدتهما هنا لكان كل شيء مختلف، لما أصبح رامز بهذا التهور، وما أصبح والده بتلك القسوة والغرور، ولكان استطاع هو أن يسمع كل ما يدور حوله أو أن يبوح بكل الضجيج الذي يزعجه بالداخل دون الحاجة لاستخدام إشارات بلهاء لا زال يشعر بالضيق كلما استخدمها خاصة أمام الغرباء.
لا يزال يذكر صوته جيداً عندما كان صغيراً، كيف كان عالياً في سعادة مع صوت ضحكاته الكثيرة التي كانت تملأ هذا القصر البائس مع والدته، ولا يزال يذكر صوتها الحنون الذي كان يغنّي له الكثير من الأغنيات ويغفو عليه وهي تحكي له قصته المفضلة.
لو فقط ينتهي ذلك الكابوس الذي يطارده لسنوات، كابوس ذلك اليوم الذي حاولت أخذه فيه ومنعها والده، لا يزال يتذكر صوت صراخها باسمه وصوت بكائه هو، أصوات غاضبة باكية تزعجه وتؤرق نومه حتى يستيقظ لاهثاً في تعب.
ظل شارداً في ذكرياته حتى غط في نومٍ عميق، وفي الصباح عندما استيقظ، قام من مكانه واستعد للذهاب إلى شركته أولاً ثم الذهاب إلى شركة والده، وقبل أياً منهما، عليه أن يستعد للتستُّر على عبث أخيه أمام والده.
عندما أصبح جاهزاً، نزل إلى الأسفل ليجد والده وسالي في انتظاره على طاولة السُفرة، توجه ناحيتهما ثم جلس في مكانه وأشار لوالده باقتضاب"
- صباح الخير يا بابا!

"قال والده بنفس الطريقة"
- صباح النور يا رامـي!

"ثم اتبع متسائلاً"
- فين رامز؟

"نظر له وأشار في ثقة"
- رامز سافر امبارح مع اصحابه وقالّي أبلغ حضرتك إنه هيكون موجود على ميعاد الاجتماع النهاردة

"ظل والده ينظر إليه دون رد فشعر بأنه لم يصدقه، ولكنه احتفظ بثباته حتى لا ينكشف، عندها اتبع مشيراً"
- أنا كمان هروح على ميعاد الاجتماع

"نظر والده إليه حتى قال"
- ليه؟ رايح فين؟

"أشار في ثقة"
- عندي مشوار مهم، هخلصه وآجي الشركة

"كان والده يعلم أنه يخفي شيئاً ما، ولكنه لم يسأله. لم يكن في حاجة لكي يسأله هو وأخيه عن أيٍ مما يفعلان لأنه لن يحصل على الحقيقة أبداً، كان كل منهما يجيد فن المراوغة تماماً، لذا اكتفى بالصمت فقط حتى انتهوا جميعاً من تناول الفطور، فقام هو من مكانه ورحل دون كلمة أو إشارة بينما ظل رامـي وسالي معاً، قالت سالي في ميوعة"
- ازيك يا رامـي؟

"كان رامـي يكره الحديث إليها لأن طريقتها لم تكن تعجبه على الإطلاق، ولكنه كان يكتفي ببعض الإيماءات المجاملة لها خاصة أمام والده حتى لا يغضب. اكتفى بإيماءة بسيطة لها فاتبعت بابتسامة ماكرة"
- أنا عارفة إن رامز مش مسافر

"ظل ناظراً إليها دون رد فاتبعت ولم تختفِ ابتسامتها"
- مع إنك ساعات كتير بتبقى نسخة من سليم، بس أحياناً مابتعرفش تكدب خالص

"ثم اتبعت مزينة كلماتها بغمزة شقية"
- رامز مع واحدة مش كده؟

"تحولت نظراته من الهدوء إلى القسوة وأمسك بهاتفه وكتب باقتضاب"
- ماتدخليش في اللي مالكيش فيه يا سالي!

"قرأت جملته ثم نظرت إليه وقالت في وداعة مصطنعة"
- اخص عليك يا رامـي! هو أنت فاكر إني هقول لسليم؟ مستحيل!

"ثم اتبعت في دلال"
- أنا عمري ما أحطك في موقف وحش أبداً

"نظر لها باستهانة ثم قام من مكانه ليرحل قبل أن يرتكب جريمة ستكون بالنسبة له عملاً نبيلاً للغاية كي يريح البشرية من ميوعتها المستفزة تلك، بينما أخذت هي تراقبه بنظرات وقحة حتى اختفى عن أنظارها.
لا بأس.. يوماً ما سيسقط في يدها تماماً كما سقط والده من قبل، أو ليس يشبهه؟ إذن ما أوقع والده سيوقعه هو أيضاً."

***

"لم يمر الكثير منذ أن قابلت سليم الراوي في إحدى مقابلات العمل عندما كانت سكرتيرة لدى أحد أهم رجال الأعمال.
لطالما كانت ولا تزال مهووسة بكل ما هو ذا نفوذ ومال وجاذبية، ولم يكن سليم الراوي مفتقراً لأي منهم، فبالرغم من سنوات عمره الخامسة والخمسين إلا أنه يتمتع بجاذبية ولباقة تجذب أي امرأة له، فكيف بمن هي مجنونة كسالي؟
لم تستطع أن تحيد بتفكيرها ونظراتها عنه، وقد انتبه بخبرته لذلك، ومنذ ذلك اليوم بدأت تستغل أي فرصة كي تقابله ظناً منها أنها بذلك توقع به، ولا تدري بأنه يعلم كل شيء منذ البداية وقد اختار أن يُسقِطَ نفسه في شباكها بإرادته.
فامرأة مثلها، وعلى الرغم من فارق العمر الكبير بينهما، تناسب تماماً كل المتطلبات التي يحتاجها كي تحلو مرارة عيشه في فراق لم يكن يتوقعه، ولا يزال يترك أثراً فيه يغضبه كلما خطر بباله أن رجلاً مثله قد تخلت عنه امرأة اختارها لكي يعيش معها حياته بينما اختارت هي الابتعاد والكراهية.
لذا كان يسعى دوماً لإرضاء غروره بزيجات متعددة وقصيرة كي يثبت لنفسه أنه لا يوجد من تبتعد عنه بل يوجد من تسعى دوماً للاقتراب من رجلٍ مثله، ومن مثل سليم الراوي؟
لم يمر وقت طويل إلا وكان بالفعل قد تزوجها دون أخذ رأي أحد، ولا حتى ابنيه، فعندما كان كلٌ من رامز ورامـي خارج البلاد ينهيان صفقة تخص العمل، عادا إلى القصر ليجدا شقراء مدللة ترتدي ملابس أختها الصغرى، كما يقول رامز دوماً، تجلس في حديقة المنزل.
لا تزال تذكر كيف استقبلاها بحفاوة بالغة، تقدما نحوها بينما كانت هي تقرأ مجلة خاصة بالأزياء قبل أن يقاطع رامز تركيزها قائلاً وهو ينظر إلى الفتاة الموجودة على الصفحة"
- لطيف أوي الفستان اللي لابساه البنت دي

"رفعت سالي عينيها لتصدم بعينين خضراوين ساحرتين، ووجه جذاب للغاية، قالت محاولة الحديث"
- أنت... أنت مين؟

"نظر رامز من حوله ثم قال"
- هو المفروض إن ده بيتنا وإن أنا رامز ده لو مافقدتش الذاكرة أو التركيز يعني، فأنا اللي المفروض أسألك السؤال ده... أنتِ اللي مين؟

"قالت في ارتباك لم تدرِ ما سببه"
- أنا سالي، مرات سليم

"رفع حاجبيه في اندهاش قائلاً"
- بابا؟

"اومأت مؤكدة فالتفت إلى رامـي قائلاً بابتسامة ساخرة"
- تعالى سلم على سالي مرات بابا يا رامـي!

"التفتت سالي إلى رامـي لتصدم للمرة الثانية، ولكن هذه المرة كانت صدمتها أشد،
إنه نسخة أخرى عن والده خاصة حينما كان أصغر وفقاً للصور التي رأتها، تلك العينين اللتين لا يستطيع أحد تحديد لونهما واللتين أغلب الظن تميلان للرمادية، نفس النظرة القوية الثاقبة، والوقفة ذات الكبرياء والثقة.
لم تستطع صدمتها أن تَخفى عليه فطالعها بنظرات باردة ثم أولاها ظهره راحلاً بينما قطع شرودها رامز قائلاً بسخرية"
- طيب يا سالي! شكلك منورة يعني وعرفتي المطرح، مبروك بقي وعن إذنك!

"ثم تركها هو الآخر دون أن ينتظر منها أيَ رد بينما ظلت هي تراقب رحيلهما في صمت ودهشة، ما هذه العائلة الغريبة؟ وكأنهم احتكروا كل جاذبية العالم في عائلتهم فقط."

***

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-05-22, 01:14 AM   #5

ebti

مشرفة منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية ebti

? العضوٌ??? » 262524
?  التسِجيلٌ » Sep 2012
? مشَارَ?اتْي » 14,201
?  نُقآطِيْ » ebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond repute
افتراضي

ليلتك سعيدة.. الرواية كانت بقسم المكتملة وتم نقلها ..

ebti غير متواجد حالياً  
التوقيع
إن كرماء الأصل كالغصن المثمر كلما حمل ثماراً تواضع وانحنى"
هكذا عرفتك عزيزتي um soso و هكذا تبقين في قلبي شكراً جزيلاً لك على الصورة الرمزية...

رد مع اقتباس
قديم 09-05-22, 10:15 PM   #6

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل الثالث

"ذهب رامـي إلى شركته الخاصة وهناك كان جالساً في مكتبه في انتظار كرم الذي لم يمر وقت طويل إلا وكان قد وصل ثم دخل إلى المكتب مشيراً بابتسامة"
- صباح الخير يا رامـي!

"أومأ له رامـي مبتسماً ثم أشار"
- إيه الأخبار؟

"أشار كرم مطمئناً إياه"
- كله تمام ماتقلقش، إن شاء الله المناقصة دي هتكون من نصيبنا

"هز رامـي رأسه في رضا وقد شعر بالراحة قليلاً فهو على ثقة بأن كرم قادر على إتمام هذا الأمر لصالحه بالتأكيد، أشار كرم متردداً"
- بس يا رامـي... أنت المفروض تكون موجود عشان تبقى متابع كل حاجة

"هز رامـي رأسه في نفي ثم أشار موضحاً"
- هكون موجود بس مع شركة بابا عشان مايشكش في حاجة، والنهاردة هتفق معاك على كل حاجة عشان أنت اللي هتكون في الصورة

"صمت كرم للحظات ثم أشار"
- بس أكيد سليم بيه هيعرف إن الشركة دي بتاعتك، ليه ماتقولوش أحسن؟

"أشار رامـي"
- أكيد هقوله، بس في الوقت المناسب، عالأقل مش دلوقتي خصوصاً لما المناقصة ترسى علينا عشان ده هيعمل مشكلة، مش عاوزه يحس إني بعاديه بالطريقة دي

"سأله كرم مشيراً"
- أنا عمري ما سألتك قبل كده، أنت ليه خبيت عليه لما عملت الشركة دي؟

"أشار رامـي ببساطة"
- بابا عاوز يحافظ على كيان شركتنا باعتبار إنها حاجة تخص العيلة، وخروج أي حد عن الكيان ده معناه إن الشركة الأصلية ممكن تتهد، وفي نفس الوقت أنا عاوز يكون ليّ كياني الخاص، وده مايمنعش إني هحافظ على كيان العيلة أكيد، بس مناقصة زي دي هتفرق معانا دلوقتي أكتر من شركة بابا، وأنا هعرف ازاي أكبر شركتنا الأصلية أكتر

"هز كرم رأسه متفهماً، ثم بدآ في الحديث عن باقي التفاصيل الخاصة بالمناقصة، أخذ رامـي يخبره بما ينبغي عليه فعله في الغد حتى اتفقا تماماً على كل شيء، وعندما انتهيا أشار كرم في ثقة"
- إن شاء الله المناقصة دي هتبقى من نصيبنا، أنا متأكد

"ابتسم رامـي ثم أشار"
- أنا واثق فيك يا كرم

"ثم اتبع مشيراً قبل أن يرحل"
- أنا هروح الشركة التانية عشان في اجتماع مهم، مع السلامة

"لطالما كان رامـي شخصاً من الصعب أن يثق بأحد، ولكي يثق بكرم إلى الحد الذي يجعله يقوم مقامه في شركته الخاصة، احتاجت علاقتهما أن تستمر لمدة عشر سنوات منذ أن قابله أول مرة في الخارج أثناء دراسته...
كان كرم يكبره بعامين وهو الوحيد الذي كان يتفهم ظروفه وكرهه لاقتراب الناس منه، لذا فقد كان الوحيد الذي لم يدخل في شجار معه على عكس بقية زملائه الذين دخل معهم جميعاً في شجارات متعددة لعدم تفهمهم لانعزاله، وبمرور الوقت، تعلّم كرم لغة الإشارة كي يكون على تواصل أفضل معه.
ومنذ ثلاثة أعوام، فاجأه رامـي بطلبه أن يعمل معه في شركة جديدة يقوم بتأسيسها، وقد كانت ثقته في محلها فلم يتوانَ كرم عن إثبات ذلك له في كل المواقف، وقد كان له الفضل في نجاح الشركة في وقت قصير."

.....

"كان رامز يستعد للذهاب إلى الشركة على مضض لأنه سيترك المكان الذي لا يستريح إلا به... هنا في الفندق... معها هي فقط.
بعدما قد شغلت تفكيره عن أي شيء ليلة أمس، عاد الآن ليفكر كيف سيواجه والده وكلماته اللاذعة على طيشه واستهتاره، ولكن تفكيره انقطع عندما وجدها تقف خلفه في المرآة بابتسامة رائعة وشعرها الأحمر الطويل المبلل متدلٍ على كتفيها ووجهها، التفت لها قائلاً ببساطة تناقض انفعالاته وأصبحت هي تعتادها"
- يخرب بيتك!

"ضحكت قائلة"
- ليه بس؟ هو أنا عملت ايه؟

"أزاح شعرها عن وجهها ثم قال في عبث"
- قولي إيه اللي مابتعمليهوش يا قادرة!

"ضحكت في دلال ثم قالت وهي تعدّل من رابطة عنقه"
- هتيجي بالليل؟

"هز رأسه نفياً ليقول بابتسامة ماكرة"
- أنتِ عارفاني، جرعة صغيرة كل فترة

"ثم اتبع ممازحاً"
- عشان الآثار الجانبية

"ضحكت ثانية ثم قالت وهي تنظر في عينيه التي تعشقها كثيراً"
- هستناك... حتى لو كل سنة مرة

"مازحها قائلاً بعد أن قبَّل وجنتها"
- حرام أنساكي بالمرة

"ضحكت فقال مودعاً إياها"
- سلام يا حلوة!

"ثم خرج سريعاً متوجهاً إلى الشركة لحضور الاجتماع الخاص بالمناقصة الهامة التي يسعى والده إليها باهتمام، والذي لن ينسى من قبله أن يوبخه قليلاً، لكن كان لديه بعض الأمل أن يكون رامـي قد استطاع التكفل بالأمر."
.....

"وصل رامـي إلى الشركة وتوجه ناحية المصعد منتظراً إياه كي يصعد إلى مكتبه، كان ينظر في هاتفه يطالع بعض الرسائل، ولم ينتبه إلى شمس التي جاءت لتقف إلى جواره منتظرة المصعد هي الأخرى.
عندما رأته، شعرت بالغيظ الشديد منه لتجاهله إياها أول مرة، لكنها لم تستطع منع نفسها من فتح حوار جديد، قالت"
- ماقلتليش... أنت جديد هنا في الشركة؟

"لم يرد، قالت بلهجة أكثر اقتضاباً"
- هو أنت على طول صامت كده؟

"أيضاً لم يرد، التفتت إليه بكامل جسدها فانتبه إليها ليجد وجهها غاضباً، قالت بعصبية لم تستطع السيطرة عليها"
- حضرتك مش شايف إنه من الذوق إنك ترد عاللي بيكلمك؟

"نظر لها في اندهاش لتلك الطريقة التي تحدثه بها، ولكنها لم تدع له فرصة للرد فاتبعت"
- واضح إن الذوق وقف عند دخول الموظفات قبل منك الأسانسير

"ثم ختمت حديثها غير ملتفتة لنظرته الغاضبة"
- عموماً ادخله لوحدك، السلم أحسن بكتير

" ثم رحلت من أمامه بسرعة وهو يطالعها بمزيج من الاندهاش والغضب، من تلك المجنونة؟
التفت ليجد المصعد قد فُتح ليدخله متوجهاً إلى مكتبه ليجد رامز ينتظره بالداخل، ابتسم مشيراً"
- صباح الخير

"أشار رامز قائلاً"
- صباح النور

"أشار رامـي في مكر"
- سفرية الساحل كانت حلوة؟

"ضحك رامز مشيراً في عبث"
- أنا كل سفرياتي حلوة

"أشار رامـي بطريقة ذات مغزى"
- عاوزك تقول كده لبابا عشان شكله ماصدقنيش

"ضحك رامز قائلاً"
- هو أصلاً مش هيركز في حاجة النهاردة غير المناقصة، يعني كانت فرصة كويسة

"سكن رامـي دون رد وقد عاد فكره إلى المناقصة مرة أخرى، كيف سيكون رد فعل والده إن علم بخسارتها؟ قطع رامز شروده مشيراً"
- سرحت في ايه؟

"نظر له رامـي قبل أن يشير"
- ولا حاجة

"ثم نظر في ساعته واتبع"
- خلينا نروح قاعة الاجتماعات، ميعاد الاجتماع قرب

"وعندما وصلا هناك، وجدا والدهما بالداخل وقد سبقهما بالفعل، وعندما رآهما قال في تهكم"
- حمد لله عالسلامة! ما كنتم تتأخروا شوية كمان

"جلس رامـي في صمت بينما قال رامز"
- ماينفعش نتأخر عن اجتماع مهم زي ده

"نظر والده إليه للحظات حتى قال"
- أنت حسابك معايا بعدين يا رامز

"ازدرد رامز ريقه في توتر ثم نظر في الورق أمامه حتى حان موعد الاجتماع وجاء الموظفون.
كان كل الحديث عن تلك المناقصة الهامة وما ينبغي عليهم جميعاً فعله في حال ربحهم لها.
كان رامـي يتابع كل شيء وهو يفكر فيما سيحدث، كان قد رسم مسبقاً خطة بديلة تعوض الشركة عن خسارة تلك المناقصة، ولكنه كان يفكر بوالده، إن أمراً كهذا سيدهشه كثيراً وسيسعى جاهداً لمعرفة الذي قام بأخذها منه، يبدو أن وقت المواجهة قد اقترب كثيراً.. كثيراً جداً."

.....

"أما شمس، فقد صعدت إلى مكتبها في غضب مما حدث للتو. كانت حمقاء للغاية، ما الذي يدفعها للغضب بتلك الطريقة؟ وما الذي يجعلها تصِّر على الحديث معه هكذا؟
فتحت باب المكتب فجأة ثم أغلقته وتوجهت ناحية مكتبها وجلست والشرر يتطاير من عينيها.
نظرت كلٌ من ندى وسما إليها في تعجب حتى تفوهت ندى قائلة"
- المزاج مش رايق ولّا حاجة؟

"قالت شمس في غضب"
- إنسان قليل الذوق

"قالت سما بدورها"
- مين ده؟

"التفتت إليهما شمس وقالت في عصبية"
- واحد عمري ما شفته في الشركة قبل كده، دايماً أشوفه الصبح عند الأسانسير، كل مرة أكلمه ومايردش عليا ولا يلتفتلي حتى مهما عدت كلامي، والنهاردة ماقدرتش اسكت وقلتله إنه قليل الذوق

"قالت سما في ارتباك غريب"
- هو شكله إيه يا شمس؟

"قالت شمس في ضيق"
- ماعرفش ماركزتش اوي، هو طويل وشكله حلو يعني بس برضو قليل الذوق

"نظرت كلٌ من ندى وسما إلى بعضهما البعض ثم نظرتا إليها دون رد، نظرت إليهما شمس في عدم فهم ثم قالت"
- مالكم باصينلي كده ليه؟

"ثم اتبعت بلا مبالاة"
- أنا عارفة إني اتسرعت شوية وماكانش المفروض اتعصب بس هو اللي استفزني

"ضحكت ندى ضحكة قصيرة ثم قالت"
- عادي يا حبيبتي بتحصل، هو أكيد هيعذرك يعني

"ثم اتبعت هامسة في نفسها"
- يا رب تكملي معانا آخر الشهر

.....

"جاء اليوم المُنتظَر، وذهب جميع أصحاب الشركات لمعرفة إلى من ستؤول المناقصة.
ذهب كلٌ من رامز ورامـي مع والدهما الذي كان متأكداً من أنه سيربح تلك المناقصة، بينما كان رامـي يبحث عن كرم حتى وجده يجلس في مكانه فاطمئن قليلاً.
مر بعض الوقت حتى تم الإعلان عن الشركة الرابحة للمناقصة، والتي كانت... الشركة الخاصة بـ رامـي.
كانت صدمة كبيرة للجميع أن تنال شركة جديدة بالنسبة لكبرى الشركات الموجودة مناقصة مهمة كتلك، وكانت الصدمة الأكبر من نصيب السيد سليم نفسه الذي صمَّم أن يعرف كل شيء يخص تلك الشركة المبتدئة بالنسبة إليه تحديداً.
أما رامـي، فقد شعر بالراحة خاصة عندما وجد بعض من أصحاب الشركات قد همّوا بالتعرف على كرم سعياً منهم لإقامة بعض الأعمال معه. إن تلك المناقصة ستكون عهداً جديداً في شركته التي حتماً ستنمو لتنافس كبرى الشركات في مصر بل وفي العالم كلِّه."
***
"في المساء، وأثناء ما كان رامـي ورامز يجلسان في أحد المقاهي النائية، والتي يفضلها رامـي هذه المرة، أشار رامز بعد أن أخذ رشفة من كوب قهوته"
- حاسس إن بابا دلوقتي ممكن يجراله حاجة بسبب اللي حصل ده

"أشار رامـي في هدوء"
- ماتقلقش، الصفقة دي تعتبر مهمة، لكنها مش حاجة كبيرة أوي يعني بالنسبة للشركة

"أشار رامز معارضاً"
- بس كانت فرصة كويسة

"ابتسم رامـي مشيراً"
- قلتلك ماتقلقش، أنا في دماغي مشاريع كتير الفترة الجاية هتقوّي الشركة أكتر

"نظر له رامز قبل أن يشير"
- هو أنت مالك هادي كده ليه؟ كأنك مش حاسس بأهمية اللي بنتكلم فيه

"ابتسم رامـي مشيراً"
- المفروض إني اعمل ايه؟ مناقصة وخسرناها، نفكر بقى في اللي جاي

"هز رامز رأسه في نفي مشيراً"
- مش مرتاحلك مش عارف ليه

"ظل رامـي صامتاً فاتبع رامز"
- أنت تعرف حاجة عن المناقصة دي وماقلتش، صح؟

"صمت رامـي للحظات قبل أن يشير"
- أنا اللي اخدت المناقصة دي يا رامز!

"نظر له رامز دون فهم فاتبع مشيراً"
- الشركة اللي اخدتها تبقى بتاعتي أنا

"نظر له رامز في صدمة قائلاً"
- إيه؟! ايه اللي أنت بتقوله ده؟؟

"ظل رامـي صامتاً فاتبع"
- أنت عندك شركة تانية خاصة؟

"اومأ رامي برأسه فاتبع رامز في ضيق"
- وليه ماقلتش؟ ليه عملت كده؟

"صمت رامـي قبل أن يشير"
- أولاً، لو كنت قلت إني هعمل شركة كان هيحصل مشكلة كبيرة بيني وبين بابا، ومتهيألي الحكاية مش ناقصة، وفي نفس الوقت، أنا كان لازم أعمل كيان خاص بيّ، مش عاوز أفضل في كيانه هو لوحده وبس

"أشار رامز متسائلاً"
- وثانياً؟

"أشار رامـي في ثقة"
- المناقصة دي شركتي محتاجاها أكتر بكتير من شركتنا، المناقصة دي هتوصل شركتي لمستوى أعلى من اللي هي فيه، وأنا عارف ازاي أنجّح شركتنا كويس لإني أكيد مش هسمح إن مستواها ينزل بعد السنين دي كلها

"صمت رامز للحظات قبل أن يشير"
- وبابا؟ هتقوله امتى؟

"ثم اتبع ساخراً"
- ده يعني لو ماكانش جاب قرار الشركة دي بعد اللي حصل

"هز رامـي رأسه بالإيجاب مشيراً"
- هيعرف، سواء دوَّر ورا الشركة وعرف مين صاحبها أو أنا بنفسي قلتله، أكيد هيعرف

"حك رامز جبهته مشيراً"
- بس أنا برضو مش فاهم، أنت على طول معانا في الشركة بتاعتنا، مين بيدير شركتك؟

"ابتسم رامـي مشيراً"
- كرم الصاوي، فاكره؟

"صمت رامز يحاول تذكُّره حتى هتف قائلاً"
- آآه كرم... فاكره طبعاً

"ولكنه اتبع في حذر"
- جهز نفسك بقى، مواجهة سليم الراوي مش هتكون سهلة

"ابتسم رامـي مشيراُ في ثقة"
- ماتقلقش

.....

"مرت فترة استطاع فيها السيد سليم بكثرة علاقاته ونفوذه أن يجمع الكثير من المعلومات عن تلك الشركة الجديدة، وخصوصاً عن صاحبها الذي صدمته معرفة أنه يكون ابنه شخصياً... رامي.
كيف استطاع خداعه كل تلك السنوات؟ ولماذا؟ منذ أن علم وهو يحاول جاهداً السيطرة على غضبه منتظراً الفرصة المناسبة حتى أتى موعد اجتماعهم الشهري.
عندما انتهى الاجتماع وقبل أن يقوم رامـي من مكانه ليغادر الغرفة أشار له والده أن يبقى، ومن نظراته شعر رامز بأن حرباً على وشك الاشتعال الآن.
تقدم ناحية الباب ليفتحه وينظر إلى السكرتيرة قائلاً بابتسامة قلقة"
- رشا! انزلي الكافيتريا اشربيلك قهوة وقفّلي دورين كاندي كراش كده واطلعي تاني

"ضحكت رغماً عنها ولكنها اومأت برأسها ثم قامت من مكانها بسرعة، وعندما اطمئن رامز أنها قد ذهبت، عاد ليتابع الحديث الخطير بالداخل.
كان رامـي جالساً في ثقة وهدوء على الرغم من علمه بأن نظرة والده لا تنبئ بخير أبداً.
جلس رامز إلى جوار رامـي وكأنه يستمد منه بعضاً من هدوئه.
مرت لحظات في صمت والنظرات المشتعلة تتبادل الحديث بدلاً عن الألسنة حتى قطع رامز الصمت قائلاً"
- خير يا بابا؟ في ايه؟

"قال والده ولم تحد عيناه عن عيني رامـي"
- يعني مش عارف يا رامز؟

"قال وقد بدأ قلقه يزداد"
- مش عارف إيه بالظبط؟

"قال في هدوء مخيف"
- إن أخوك عامل شركة خاصة من غير ما يعرفني

"نظر له رامز في صدمة ثم نظر إلى رامـي الذي لم تهتز فيه شعرة، اتبع والده موجهاً حديثه إلى رامـي"
- أنا عايز أعرف أنت عايز إيه، بتعمل كل ده ليه؟

"خرج رامـي عن سكونه ولكن كانت إشاراته هادئة وهو يعبِّر"
- أنا ماعملتش حاجة غلط، مش عيب يبقى عندي شغلي الخاص... ده حقي.

"قال والده في حدة"
- لا مش حقك، دي فلوسي أنا ولازم اعرف كل قرش بيخرج من الشركة دي بيروح فين

"هز رامـي رأسه نفياً ثم أشار له"
- أنا عملت الشركة دي من فلوسي أنا

"قال والده في قسوة"
- الفلوس اللي جبتها من شغلك هنا، معايا أنا، ولا نسيت كل اللي انتو عايشين فيه ده مين السبب فيه؟

"قست نظرات رامـي أيضاً وأشار"
- لولا شغلي أنا وتصاميمي أنا ورامز الشركة دي ماكانتش قدرت تكمل وسط كل الشركات الجديدة اللي ظهرت في السوق، وحضرتك عارف كده كويس

"قال والده في ذهول"
- أنت عايز تقول إن أنت اللي ليك فضل عليا؟

"قال رامز محاولاً تهدئة الموقف"
- لا يا بابا هو...

"قاطعه أبوه في حدة قائلاً"
- اخرس أنت! أنت كنت عارف كل حاجة من الأول طبعاً مش كده؟

"كاد رامز أن يتحدث ولكن قاطعته إشارة رامـي"
- رامز مايعرفش حاجة، الشركة دي بتاعتي أنا من الأول للآخر

"نظر له رامز في صدمة... لقد أخفى حقيقة معرفته بالأمر حتى لا يقصيه والده عن هنا، بينما لم يمتلك هو الشجاعة لكي ينكر كذبته وظل صامتاً، قال والده في قسوة غير واعياً لما يقوله"
- يعني إيه مايعرفش؟ أنت عايز تفهمني إنك قدرت تمشي الشركة دي لوحدك؟

"نظر له رامـي في صدمة بينما لم يتمالك رامز نفسه وقال في غضب"
- بابا! حضرتك تقصد إيه بكلامك ده؟

"ولكن والده لم يتراجع ونظر إليهما في حدة واتبع قائلاً"
- انتو الاتنين كل يوم بتثبتولي إني ماعرفتش أربي، واحد صايع وكل يوم مع واحدة، والتاني عاملّي شركة يحاربني بيها

"أشار رامـي له وقد قست عيناه وأحمرت من الغضب"
- أنا ماعملتش الشركة دي عشان أحاربك بيها، ورامز ماعرفش بالشركة دي غير من فترة قصيرة جداً، وأيوة... أنا قدرت أنجح شركتي زي ما قدرت أنجح الشركة دي لوحدي رغم عجزي اللي بتعايرني به واللي أنت السبب فيه

"نظر له والده في صدمة وساد الصمت قليلاً كان فيها رامز يراقب كل شيء بذهول وكأنه لأول مرة يرى هذا التوتر والغضب الظاهر في عيني كل منهما، ولأول مرة يشعر بأنه يريد الهرب من تلك الوقفة.
لطالما كان يشعر أن رامـي هو الأكبر، ربما كانت شجاعته وقسوته الشبيهة بوالده جعلت منه قادراً على أشياء كثيرة لم يستطع هو فعلها بسبب خوفه وتخاذله...
قطع الصمت صوت والده قائلاً"
- أنا السبب؟ أنت بتقول ايه؟

"أشار له رامـي وقد قرر إخراج كل ما بداخله منذ سنوات"
- أيوة أنت، أنت اللي بعدتها عنا، أنت اللي مافكرتش غير في نفسك وبس، أنت السبب في كل وجع عشته وكنت محتاجلها فيه وماقدرتش اشوفها، أنت السبب في كل حاجة اتكسرت وعمرها ما هتتصلح، وأنت السبب في عجزي اللي عمره ما كان هيحصل لو كنت فكرت فينا للحظة واحدة بس

"قال والده في حدة"
- أنت مش فاهم أي حاجة، الست اللي أنت واقف بتكلمني عشانها زي ما أكون عدوك هي السبب في كل حاجة حصلت، هي اللي كانت أنانية لما قررت تتنازل عنكم بمزاجها وتمشي، هي اللي خانتني وخانتكم لما قررت تسيبكم وتبعد

"أمسك رامـي بالمزهرية الموضوعة على الطاولة وقذف بها ناحية الحائط لتتهشم تماماً ثم أشار لوالده في غضب"
- مش هي بس اللي مشيت، أنا كمان ماليش مكان هنا بعد النهاردة

"ثم قام من مكانه وخرج من المكتب صافقاً الباب خلفه في عنف، بينما ساد الصمت بين رامز ووالده فقط، كانت أنفاس والده المتسارعة من شدة الغضب هي من تقطع الصمت بينما كان رامز مصدوماً من كل ما حدث للتو.
هذه أول مرة يرى رامـي بهذه الحالة، وشعر بأنه لو كان يمتلك صوتاً الآن لما وصل إلى ما حدث للتو، كان صمته صارخاً أكثر من أي صوت.
نظر إلى والده ثم قال في هدوء يناقض كل ما يعتمل في نفسه"
- أنت امتى هتتغير؟ امتى هتعترف إنك ظلمتها وظلمتنا معاها؟

"نظر له والده في حدة ثم قال"
- وأنت من امتى بتفكر زيه؟

"اتبع بهدوء مشوب ببعض الحسرة"
- من زمان، الفرق إن ماعنديش نص الشجاعة اللي قدر يواجهك بيها دلوقتي

"قال والده في تكبُّر"
- واضح إني فعلاً ربيت أعداء مش ولادي

"اومأ رامز في هدوء قائلاً"
- أعداء... شبهك بالظبط

"وقبل أن يرحل أوقفه والده قائلاً"
- لو خرجت وراه اعرف إن أنت كمان مالكش مكان هنا، وخلي شركته تنفعكم

"ابتسم رامز في حسرة قائلاً"
- أنا فعلاً ماليش مكان لو رامـي مش موجود

"ثم خرج صافقاً الباب خلفه في عنف هو الآخر."

.....

"خرج رامـي من المكتب بعد حواره مع والده غاضباً متعباً للغاية، ووجد نفسه يتوجه ناحية سلم الحريق ليجلس هناك وحيداً حتى لا يراه أحد بهذه الحالة.
فتح باب السلم ثم أغلقه خلفه وجلس على أول درجة واضعاً رأسه بين كفيه وهو يتنفس بسرعة وكأنه كان يركض لأميال وتوقف الآن فقط.
لا تزال كلمات والده ترن في رأسه رغم أنه لم يسمع صوته ولكنه كان يشعر بقسوته. لا يستطيع أحد أن يوصله إلى قمة غضبه سوى والده.
أخذ يتذكر حديث رامز إليه عن والدته وهو يعيد تساؤلاته في رأسه مجدداً... أين هي؟ لمَ لم تأتِ؟ ألا تريد تحسين صورتها في نظر ابنيها؟ وأخذ يفكر أنها ربما قد أتت ولكنه قد منعها.
أخذت أصوات ذلك اليوم الذي مر به منذ خمسة وعشرين عاماً تتردد في أذنه مجدداً.
لا تزال الصور عالقة في رأسه إلى الآن تطارده في أحلامه كل يوم دون ملل، يستيقظ كل يوم وهو يتمنى أن يعود له صوته ليصرخ وينتهي كل شيء بداخله.
كان يود الصراخ في هذه اللحظة ولكنه لم يستطع فتحولت صرخاته إلى أنفاس حارقة تخرج منه بصعوبة وعنف."
***
"كانت تجلس في الطابق الثاني من السلم تنعم ببعض الوقت بمفردها بعيداً عن زحام الزملاء والعمل شاردة في اللاشيء، أو ربما في ذلك الذي يتعمد تجاهلها في كل مرة تحدثه فيها.
قطع شرودها صوت أنفاس لاهثة وعنيفة فنظرت إلى الأعلى بتوجس تنتظر أن يظهر أحد.
صعدت الدرجات ببطء حتى رأته... كان يضع سترته جانباً ورابطة عنقه محلولة والأزرار الأولى من قميصه مفتوحة وشعره أشعث، كانت هيئته مختلفة تماماً عن كل مرة رأته فيها، ولكن رغم ذلك كان يحتفظ بجاذبيته المربكة تلك.
أخذت تصعد ببطء حتى أصبحت أمامه ولكنه لم يرها غالباً رغم أنه لم يكن مغمض العينين، بدى وكأنه شارداً بعمق إلى الحد الذي أفقده الرؤية.
اقتربت منه بهدوء وتلبستها الجرأة لتمد يدها ناحية كتفه حتى لمسته، وبمجرد أن فعلت ذلك، انتفض واقفاً في مكانه ونظر لها في قسوة وغضب، قالت محاولة الحديث بكلمات متفرقة"
- أنا... يعني... شفتك...

"أخذ ينظر إليها وهو يلهث في تعب فأعادت المحاولة ثانية ولمست ذراعه قائلة"
- أنت كويس؟

"أبعد يدها عنه في عنف وصدرت عنه همهمة لم تفهمها وأخذ سترته من الأرض ونزل راكضاً متجهاً ناحية الجراج، وهي تنظر ناحيته في صدمة لم يفيقها منها سوى صوت إطارات سيارته التي دوت في الأرجاء عند رحيله العاصف تاركاً إياها في دوامة من التساؤلات، من يكون؟ وما به؟"

.....

"أما رامز فقد خرج من مكتب والده حانقاً على كل ما يحدث. رغم أن التوتر بأكمله يقع بين رامـي ووالده، لكنه يشعر بضيق كبير لم يكن يدري مصدره تحديداً، ربما ضيق من والده أو اشتياق لوالدته أو عتاب على عدم تضحيتها من أجله، وربما من تخاذله هو في الدفاع عنها أو محاولة البحث عنها مثل رامـي.
وكان يكره تعامل والده مع رامـي ويشعر بالغضب ناحيته لأنه السبب في كل ما أصاب أخيه فيما بعد.
كان يسير شارداً في الطابق حتى اصطدم بندى التي كانت تسير بسرعة لتسلم بعض الأوراق.
كانت تسير مسرعة في الطابق تريد الوصول إلى مكتب أحد المهندسين لتسليم بعض الأوراق وتناقش معه بعض التصاميم التي قامت بإعدادها، وأثناء ما كانت تسير، اصطدمت فجأة بأحدهم.. إنه هو.. أخضر العينين ثانية.
صدمت لرؤيته وجهاً لوجه هكذا، ورغماً عنها تركت فمها مفتوحاً، مرت لحظات حتى تفوهت قائلة"
- أنا.. آسفة.. ماشفتش حضرتك!

"نظر لها ثم أخذ منها الأوراق بيد وأمسك يدها بالأخرى وسحبها من خلفه وأدخلها المصعد ثم ضغط على زر الطابق الموصل إلى الجراج، قالت ندى متسائلة"
- باشمهندس رامز!...

"قاطعها عندما وضع سبابته على شفتيه علامة على الصمت فسكتت وعينيها لا تزال تتساءل عما يجري، وعندما وصلا وفتح باب المصعد، عاد ليمسك يدها خلفه وهو يتوجه ناحية سيارته، فتح الباب ثم أجلسها وأغلق الباب ثم توجه إلى الناحية الأخرى وركب السيارة وانطلق خارج الشركة.
كانت ندى مصدومة مما يحدث وهي لا تدري أين يذهب بها وماذا يريد منها، ولكن كان شيئاً ما بداخلها سعيداً بما يجري، قالت محاولة إعادة سؤالها"
- احنا رايحين فين؟

"ظل صامتا ولم يرد، كان وجهه لا ينم عن أي شيء، قالت"
- أنا مش هينفـ...

"قال مقاطعاً إياها في ضيق"
- أنتِ بتتكلمي كتير ليه؟

"حاولت التحدث ولكنه قاطعها عندما وضع سبابته على شفتيه ثانية ثم قال"
- لو اتكلمتي تاني قبل ما نوصل هنزلك، اسكتي!

"نظرت إليه في ارتياب ثم توجهت بنظرها إلى النافذة وهي تهمس في نفسها قائلة"
- ايه المجنون ده؟!

"وعندما وصلا إلى أحد المقاهي الشهيرة، أوقف السيارة ونظر لها قائلاً"
- انزلي! وصلنا

"نظرت له في بلاهة ثم قالت"
- وصلنا فين؟

"لم يرد، نزل من السيارة ثم وصل عند بابها ففتحه في صمت، وعندما نزلت أغلق الباب من خلفها ثم قدمها أمامه كي يدخلا.
وفي الداخل، عند طاولة نائية خاصة به هو وحده، أجلسها ثم جلس أمامها، جلست وهي تتلفت من حولها... لم يكن استغرابها من المكان بقدر ما كان من كل ما يحدث، ما الذي يجري؟ نظر لها ثم قال مبتسماً"
- تشربي إيه؟

"نظرت إليه للحظات، بعد أن كان وجهه جامداً لا يعبر عن أي شيء ولا يريد أن يستمع إلى كلمة منها... ها هو يجلس أمامها يبتسم بجاذبيته المعهودة ويسألها عما تريد، قالت بارتباك"
- كابتشينو

"اتبع قائلاً بابتسامته"
- هايل... أنا كمان بحبه

"ثم أشار إلى النادل وطلب المشروب ثم عاد ليلتفت إليها واتبع قائلاً"
- أخبارك إيه يا ندى؟

"نظرت إليه في صدمة فرفع حاجبيه متسائلاً"
- مستغربة ليه؟ فاكرة إني مش عارفك؟

"قالت محاولة الحديث"
- أنا... يعني... ازاي؟

"ضحك ضحكة قصيرة جعلتها ترتبك قائلاً"
- ماعنديش حاجة اسمها ازاي يا... ندى!

"هل تفقد وعيها الآن أم تنتظر قليلاً؟ جالت في خاطرها الكثير من الأفكار التي أنستها الرد على جملته، كما أن نظرته لها كانت غريبة للغاية، كان ينظر في عمق عينيها بكل ثقة وجرأة وكأنه يعرفها بالفعل، وكأنه يقرأها.
قال وقد فهم كل ما يجول في خاطرها"
- أنتِ بقالك في الشركة قد ايه؟

"قالت وقد بدأت تستجمع زمام أمرها وثباتها الذي بعثره بطريقته المثيرة تلك"
- تلات شهور بالظبط... أنا لسة تحت التمرين.

"سألها في اهتمام"
- واشتغلتي فين قبل كده؟

"رفعت كتفيها إلى الأعلى قائلة"
- ولا مكان... دي أول شركة اشتغل فيها

"قال بابتسامة"
- خريجة جديدة يعني؟

"ضحكت ضحكة خفيفة قائلة"
- مش جديدة أوي... بقالي سنتين

"لمعت عيناه باهتمام وابتسم في مكر قائلاً"
- كنتي بتقولي ايه أنتِ وزينة في الكافيتريا؟

"فتحت فمها في صدمة، هل انتبه لحديثهن عنه هو وأخيه في ذلك اليوم؟ قال ممازحاً إياها"
- اقفلي بُقك لا حاجة تدخل

"وضعت يدها على فمها بسرعة وابتلعت ريقها لتتأكد مما إذا دخل شيء بالفعل أم لا، ثم أخذت رشفة من كوب الماء وقد أحمر وجهها من الخجل، فضحك ضحكة ساحرة ثم قال"
- ده واضح إن الإجابة صعبة اوي

"ثم اتبع بابتسامة عابثة"
- اوعوا تكونوا بتعاكسوا... عيب!

"خرجت منها ضحكة صغيرة، فرغم جرأته في الحديث والتي لم تكن لتقبلها من أحد، شعرت أنه لا بأس بالتنازل أمام هاتين العينين الجذابتين، قالت"
- عرفت منين إننا كنا بنتكلم عنكم؟

"ابتسم في مكر قائلاً"
- منك دلوقتي

"أحمر وجهها بشدة فاتبع قائلاً"
- عارفين مشكلتكم كبنات إيه؟

"نظرت إليه باهتمام فاتبع بأسلوب خبير متخصص"
- إنكم لما بتتكلموا على حد بتحبوا تبصوله اوي... اللي هو ايوة احنا بنتكلم عليك... مش واخد بالك؟ لا خد بقى!

"ضحكت بشدة ولم تدرِ كيف ضحكت هكذا حتى أنه أخذ يراقبها مبتسماً، وعندما هدأت قليلاً قالت وقد بدأت تندمج في حديثه الماكر"
- أنت عارف حاجات كتير عننا بقى

"اومأ برأسه ثم اتبع في غرور قائلاً"
- أنا خبير متخصص

"خرجت منها ضحكة أخرى معجبة بتلك الثقة الزائدة، صمت للحظات ثم قال بابتسامته"
- تعرفي إنك حلوة؟

"أحمر وجهها بشدة، ثم حاولت استجماع قوتها قائلة"
- اكيد مش أحلى من زينة

"ابتسم في سخرية قائلاً"
- زينة إيه بس بالأوكسجين اللي حطاه في شعرها ده؟!

"نظرت إليه في اندهاش قائلة"
- أنت اخدت بالك؟

"ضحك منها فاتبعت محاولة التركيز في حديثها بدلاً من التركيز في ضحكته"
- مع إنها كانت زي القمر من كام يوم

"هز رأسه بلا مبالاة قائلاً"
- لا، زينة مش النوع اللي يعجبني

"رفعت حاجبها في تحدٍ قائلة"
- أمال قلتلها ليه إنها زي القمر؟

"نظر لها في دهشة قائلاً"
- مافيش ست وحشة يا ندى

"نظرت إليه وقد ظهر شبح ابتسامة مذهولة على وجهها، فقال متسائلاً"
- بتبصيلي كده ليه؟

"سألته قائلة"
- أنت طبيعي؟

"ضحك بشدة فشعرت بمعدتها تتقلص من شدة الانبهار والارتباك، فقال من بين ضحكاته"
- هو في حد طبيعي يعمل اللي أنا عملته معاكي النهاردة ده؟

"هزت رأسها نفياً بتلقائية فاتبع"
- يبقى ازاي تسألي السؤال ده؟

"قالت بابتسامة غريبة"
- مصدومة

"عادت ابتسامته الجذابة تملأ وجهه واتبع في ثقة"
- اتعودي عالإحساس ده الفترة الجاية

"لم تفهم قصده ولكنها كانت سعيدة... سعيدة للغاية، ولم تكن تريد للوقت أن يمر في صحبته أبداً، ولكن للأسف قد مر الوقت سريعاً، وخرجا سوياً من المقهى ليوصلها رامز إلى منزلها.
وعندما وصلا، وقبل أن تنزل ندى من السيارة، نظرت إليه وابتسمت قائلة"
- شكراً

"ابتسم بدوره قائلاً"
- على ايه؟

"قالت محاولة الحديث"
- يعني... كانت خروجة غريبة

"ابتسم قائلاً في هدوء"
- أنا اللي بشكرك إنك جيتي معايا ومامشيتيش

"ثم اتبع بابتسامة عابثة"
- مافتكرتيش إني متحرش مثلاً

"ضحكت رغماً عنها ثم هزت رأسها نفياً قائلة"
- ماكنتش خايفة

"ابتسم فقالت قبل أن تفقد ثباتها مجدداً"
- مع السلامة

"ثم نزلت من السيارة وسارت في خطوات سريعة ناحية بوابة منزلها ونظرت خلفها فوجدته لا يزال ينظر ناحيتها، لوحت له في سعادة فابتسم ملوحاً لها في هدوء ثم سار بسيارته مبتعداً عنها."

.....

"عاد السيد سليم إلى القصر وهو في قمة غضبه، توجه إلى غرفة المكتب وجلس على كرسيه ورأسه تكاد تشتعل من كثرة التفكير.
في نفس اليوم خسر كليهما، وليس ذلك فحسب بل إن ما هاله أكثر كل شيء يخفيانه عنه وكأنهما يريانه بالفعل عدواً لهما، إن كان رامـي بمعارضته في كل شيء وإقامة شركة خاصة به دون علمه، بل وأخذ تلك المناقصة الهامة منه، أو رامز الذي كان يظن أنه قد كسبه إلى صفه منذ زمن بعيد بينما كان هو يخفي عنه حقيقة مشاعره.
ما الذي يخفيانه عنه أيضاً؟ الآن قد رحل كلاهما ليتركاه وحيداً ويثبتا له أن كل ما فعله للإبقاء عليهما في صفه ذهب هباءاً.
ظل في مكتبه لساعات قبل أن يخرج منه ويتوجه إلى الغرفة ليجد سالي تنتظره، وبمجرد أن رأته تقدمت ناحيته وعانقته قائلة"
- حبيبي! وحشتني!

"ضمها إليه للحظات، كان يشعر بأنه متعبٌ حقاً، ولا يدري لمَ خطر بباله لو لم تكن سالي هي التي بين ذراعيه الآن، ابتعدت عنه قليلاً ونظرت إليه قائلة في هدوء"
- أنت كويس يا سليم؟

"نظر لها قبل أن يقول في ثبات يخفي ما بداخله"
- كويس يا سالي!

"ثم اتبع"
- تعالي خلينا نتغدى سوى

"نزلت معه إلى الأسفل وجلسا إلى الطاولة التي كان قد تم وضع الطعام عليها مُسبقاً، لاحظت أن رامـي ورامز ليسا هنا، التفتت إليه قائلة"
- هو رامز ورامـي فين؟

"قال سليم في ضيق"
- سابوا البيت

"قالت في صدمة"
- ليه؟

"نظر لها قبل أن يقول وكأنه يوجه حديثه لنفسه"
- هيرجعوا... لازم يرجعوا

.....

"وفي المساء، كان رامز في جناحه الخاص بالفندق يجلس أمام التلفاز في شرود يفكر في كل ما جرى اليوم، الشجار الذي اشتعل فجأة، والذي كان يعلم أنه آتٍ لا محالة، ولكنه لم يكن يعلم أن يحتد إلى هذه الدرجة خاصة بين والده وبين رامـي الذي لطالما كان المفضل لديه.
شعر بأنه كان على حق عندما رحل هو الآخر تاركاً كل شيء، كان يجب أن يتخذ ذلك الموقف منذ زمن، وكان غضب رامـي هو الشرارة التي جعلته يتحرك.
خطرت ندى بباله فجأة، ابتسم لذلك الموقف الغريب الذي جمعهما، لقد كان يتحدث معها بأريحية غريبة لم يعتدها من قبلها أبداً. لأول مرة يكون مستمتعاً بمشاكسة أحد كمشاكستها هي، وتمنى في داخله -على غير العادة- أن يراها مرة أخرى.
قطع شروده قدوم نانسي وجلوسها إلى جواره، نظر لها للحظات فابتسمت له، لف ذراعه حولها وضمها إليه دون كلمة، أسندت رأسها إلى صدره في راحة مشوبة بالقلق، فلقد كانت تشعر بأنه ليس على ما يرام اليوم، وبينما كان هو يعبث بخصلات شعرها المبللة في شرود، قالت دون أن ترفع رأسها عنه"
- مالك يا رامز؟

"مرت لحظات لم يرد فيها، ظنت أنه لن يجيبها وأنها سألت في أمر لا يعنيها، شعرت بالحزن، ولكنها اكتفت بالصمت حتى قال في شرود"
- تايه يا نانسي!

"صمتت تنتظره أن يُكمل، وعندما لم يتبع جملته قالت"
- ازاي؟

"ابتسم ابتسامة جانبية ثم قال"
- حاسس إني...

"ثم صمت لا يدري ما الذي يقوله تحديداً حتى ضحك ضحكة خفيفة ساخرة"
- مش عارف

"ثم مال برأسه إليها ليراها وقال"
- يمكن عشان كده تايه؟

"رفعت رأسها إليه ونظرت إليه، نظرات غريبة لم يفهمها أبداً، قالت في هدوء"
- جرَّب تحكيلي يا رامز!

"ابتسم قائلاً"
- هتفهميني؟

"اومأت برأسها مؤكدة فهز رأسه في نفي قائلاً"
- بس أنا ماحدش فهمني قبل كده

"قالت بنفس الهدوء والحنان الذي امتزج ببعض الثقة"
- أنا متأكدة إني هقدر أفهمك

"ابتسم في إعجاب بثقتها تلك ثم حملها فجأة متوجهاً بها إلى الداخل قائلاً"
طيب... هحكيلك


***

"وصل رامـي إلى بيت المزرعة، وهناك استقبله الحارس في ترحاب كبير، فقد كان رامـي محبوباً من الجميع لبساطته في التعامل معهم، قال الحارس ببشاشة"
- يا أهلاً وسهلاً يا رامـي بيه! نورت المزرعة كلها والله

"حاول رامـي أن يبتسم له فظهرت على وجهه ابتسامة هادئة ومتعبة ثم دخل بسيارته إلى حيث المنزل ثم نزل منها وترك المفتاح للسائس، قال له الحارس"
- حالاً والغدا يبقى جاهز يا سعادة البيه!
"هز رامـي رأسه نفياً ثم ربت على كتفه بابتسامة شكر، ففهم الحارس أنه متعباً وسينام الآن فقال"
- خلاص يا بيه! يبقى أول ما ترتاح نحضرلك الغدا

"ابتسم رامـي له في هدوء ثم دخل إلى المنزل وأغلق الباب خلفه ثم استند عليه وتنهد في تعب...
أخذ يتأمل البيت الواسع من حوله وشعر ببعض الراحة أنه سينعم بالهدوء ولو قليلاً ثم يعود إلى معاركه اليومية.
صعد إلى الغرفة وتمدد على السرير في تعب ثم أخذه النوم قبل أن يبدل ثيابه. مرت عدة ساعات حتى استيقظ من نومه في فزع كالعادة وصوت أمه يتردد في أذنه في ذلك اليوم المشؤوم.
استند بظهره إلى ظهر السرير وأخذ يحاول التقاط أنفاسه بصعوبة، وعندما هدأ قليلاً قام من مكانه وتوجه ناحية شرفة غرفته، كانت ليلة مقمرة والجو منعش قليلاً، بدل ثيابه ثم خرج من الغرفة متوجهاً إلى حيث إسطبلات الخيل ليرى حصانه الأسود اللامع الملقب بـ "ورد."
قد سماه كذلك لأن والدته كانت تمتلك مُهرة أسمتها "ورد" ولكن والده قد قام بقتلها عقب رحيلها، وكان ذلك أحد الأشياء التي كسرت المزيد بداخله.
أخذ يمسح بيده فوق رأسه وظهره وكأنه يروي له كل ما جرى وكل ما يحزنه حتى جاءه حارس الإسطبلات وقال بتودد"
- يا اهلاً وسهلاً يا رامـي بيه! زمان والله عن آخر زيارة ليك هنا

"ابتسم رامـي له ثم اومأ برأسه في هدوء فاتبع الحارس قائلاً"
- تحب اجهز ورد وأخرجه؟

"اومأ رامي إيجاباً، وبالفعل لم يمر وقت طويل حتى أصبح ورد جاهزاً ليركبه رامـي ويسير به متجولاً في أنحاء المزرعة الواسعة حتى وصل إلى منطقة مليئة بالحواجز فركض بحصانه متجاوزاً تلك الحواجز في سرعة وخفة حتى توقف به وأخذ يتنفس بسرعة ولكن في سعادة.
شعر بأنه قد أخرج ما بداخله من طاقة غضب ثم انحنى على رأس ورد وقبَّله وأخذ يبعثر له شعره الناعم وكأنه طفله الصغير.
لطالما شعر بأن ورد هو صديقه الوحيد وحبيبه المخلص الذي يتحمله في جميع الأوقات، ولطالما أشعره ورد بذلك أيضاً.
أحياناً كان يشعر بأنه أقرب إليه من رامز على الرغم من قربهما لبعضهما البعض، ربما لأنه لا يتحاشى لمسة ورد مثلما يفعل مع جميع البشر من حوله، ولأنه لا يحتاج إلى العناء في التواصل معه مثلما يحدث مع كل من حوله، فقط لمسته توصل ما يود قوله دون كلمة أو إشارة.
ما يجمعهما معاً هو الصمت، تلك الرابطة القوية التي لا يفهمها أحد من حولهما.
عاد به إلى حيث الإسطبلات وأعطاه للسائس ثم عاد إلى المنزل فوجد العشاء قد تم تحضيره، وكان الجوع قد بدأ ينكز بطنه فتناوله كله وقد فتح ورد شهيته للتو، وبعد أن أنهى عشاءه، جلس أمام التلفاز ليشاهد فيلماً ولكنه فتح هاتفه المغلق أولاً فوجد رسالتين إحداهما من رامز قد كتب فيها"
- أنت كويس؟ أنا عاوز اشوفك

"نظر رامـي للرسالة ثم كتب"
- اتطمن أنا كويس... عاوز أكون لوحدي اليومين دول

"فتح الرسالة الثانية فوجدها من نسمة وقد كتبت"
- رامـي! أنت نسيت ميعادنا ولا ايه؟

"ابتسم لرؤية تلك الرسالة، كيف ينسى؟ وهو الميعاد الوحيد الذي يحفظه عن ظهر قلب حيث يعينه على اجتياز كل الصعاب التي تواجهه، كتب لها"
- ماينفعش أنسى.. تعالي عالعنوان ده بكرة

"وقد كتب لها عنوان المزرعة ثم عاد ليغلق هاتفه ثانيةً حتى لا يقطع سكونه ضجيج تساؤلات الرسائل المستمرة.
أخذ فيلماً يجر الآخر حتى نسيَ نفسه ونام في مكانه أمام التلفاز المفتوح بضجيج أصوات الأحداث التي لا تعنيه ولا يسمعها إلا من في الخارج فقط.
وفي الصباح، استيقظ رامـي على إحساسه بشيء ما يداعب وجهه، فتح عينيه تدريجياً فوجد نسمة تجلس إلى جوار الأريكة التي نام عليها ممسكة بريشة تحاول أن توقظه حتى لا يفزع إن لمسته.
ابتسم في سعادة لرؤيتها ثم جلس في مكانه مشيراً"
- صباح الخير!

"ضحكت نسمة ثم أشارت له قائلة"
- صباح العسل! في حد ينام هنا عالكنبة وكمان سايب التليفزيون مفتوح؟! انتو مابتدفعوش كهربا زينا؟!

"ضحك رامـي منها، لطالما كانت نسمة تستطيع إضحاكه بروحها الفكاهية، أشار لها"
- الفيلم كان حلو وماقدرتش اسيبه بس نمت في النص

"أشارت له مبتسمة"
- خلاص يبقى نكمله سوى، بس الأول هنفطر، أنا ماكلتش حاجة

"أشار لها بابتسامة ساخرة"
- عشان كده جاية من بدري

"أشارت له قائلة في غيظ"
- ده جزائي إني ضاربة المشوار ده كله عشان خاطرك؟ ده أنا المفروض ازعل منك عشان فوتت ميعاد الجلسة لأول مرة من 3 سنين

"ابتسم لها في هدوء ثم أشار"
- احنا نعرف بعض بقالنا 3 سنين؟

"اشارت له قائلة بابتسامة"
- شفت بقى؟! بقالنا زمن

"ابتسم لها دون رد فاتبعت محاولة إدخال بعض الفرح على الحوار، الذي بدى وكأنه سيحيد إلى الحزن وهذا ما تريد تأجيله لما بعد الفطور، قائلة"
- أنت شكلك بتتوه عالفطار بقى، أنا بقول امشي احسن

"ضحك ضحكة خفيفة ثم أشار لها"
- ازاي بقى؟! ده أنتِ ضيف غالي عليا... حالاً الفطار يجهز

"مر بعض الوقت حتى تم تجهيز الفطور وتناولانه سوياً في أجواء من المزاح والمرح، وبعد أن انتهيا منه خرجا إلى الحديقة بعد أن قامت نسمة بإعداد قهوتهما الخاصة، وأثناء جلوسهما كانت تراقب رامـي وهو يتناول قهوته في صمت شارداً وقد ظهر بريق حزين في عينيه، أشارت له قائلة"
- ايه اللي حصل امبارح؟

"ظل ساكنا للحظات ثم أشار لها راوياً كل ما حدث بالأمس وهي تسمعه في هدوء تراقب تعابير وجهه التي تنتقل من القسوة إلى الغضب إلى الحزن إلى التعب إلى الراحة التي نالها هنا بصحبة ورد، وأنهى حديثه مشيراً"
- ده كل اللي حصل امبارح

"هزت رأسها متفهمة ثم أشارت له قائلة"
- وبتفكر في ايه دلوقتي؟

"تنهد ثم أشار قائلاً"
- مش هرجع البيت تاني، أصلاً قراري ده جه متأخر وكان لازم امشي من زمان

"سألته بدورها"
- إيه اللي منعك؟

"نظر لها ثم أشار"
- كان لسة عندي أمل إن حاجة تتغير، لكن اللي حصل امبارح قطع كل أمل كان عندي

- ورامز؟

"سألته فهز رأسه في حيرة ثم أشار"
- ماعرفش، أنا لسة ماقابلتوش ومش حاسس إني قادر اشوف حد دلوقتي، عايز ارتاح شوية، وكمان أنا مش مستني منه يحدد موقفه من أي حاجة، رامز مالوش دعوة، المشكلة دايماً كانت بيني وبين سليم بيه

"ابتسمت في هدوء مشيرة"
- مش بابا؟

"ابتسم في حسرة مشيراً"
- أنا أكتر واحد كان نفسه يشوفه بابا يا نسمة

"ساد الصمت بينهما حتى أشارت هي قائلة"
- ماقلتليش... مين البنت اللي قابلتها في سلم الحريق؟

"تغيرت ملامحه إلى الضيق عند هذا السؤال ثم أشار ضائقاً وقد تذكر ما فعلته"
- واحدة مجنونة

"ضحكت نسمة ضحكة خفيفة ثم أشارت"
- عشان بتطمن عليك؟

"أشار في ضيق عاقداً حاجبيه"
- آخر حاجة كانت نقصاني سؤالها... ويا ريتها سألته من بعيد، لا كمان لمستني

"صمتت نسمة للحظات ثم أشارت قائلة"
- حسيت بإيه لما لمستك؟

"صمت رامـي وشعر بأن جسده عاد لينتفض مجدداً لتذكره ما فعلت ثم نظر إلى نسمة التي شعرت بما أصابه وأشار"
- حسيت إني اتلسعت، وإن حاجة جوايا وجعتني... قلبي تقريباً

- أو عينيك
"قالتها بغموض فنظر لها ثم أشار"
- يعني إيه؟

"أشارت في جدية"
- حسيت إنك في عز غضبك كنت محتاج حد جنبك يسأل عنك ويطمنك مش بس بالكلام ولكن باللمسة، ولما هي عملت كده الجزء الرافض اللي جواك اتنفض قبل ما تضعف وعينيك تدمع، لإن ببساطة دموعك ماكانتش بتنزل عشان تفرغ وجعك واتحولت الدموع دي لنفس سريع حسسك إنك بتنهج ولا اللي خارج من سباق، صح؟

"ظل ناظراً إليها دون رد فابتسمت مشيرة"
- لسة خايف تظهر ضعيف ادام حد

"أشار لها في غضب"
- مش يوم ما أظهر يبقى لحد غريب

"ردت قائلة"
- وكمان رافض ده مع القريبين منك

"ظل صامتاً فاتبعت مشيرة"
- تفتكر لو قابلت مامتك دلوقتي هتقدر تقربلها؟ ولا هتمنعها تاخدك في حضنها بعد السنين دي كلها

"ظل ناظراً إليها وكأنه لم يكن يتوقع ذلك السؤال، أشار لها في هدوء وقد ملأ الحزن ملامحه"
- أنا بتعالج عشان أقدر اقربلها

- بس أنت خايف تكسر الرفض اللي جواك ده يا رامـي، ازاي هتتعالج كده؟

"قالتها فأشار لها وقد عاد إليه الغضب ثانية"
- يعني كان لازم انهار ادام المجنونة بتاعة امبارح دي عشان اتحسن؟

"هزت نسمة رأسها نفياً ثم أشارت له"
- بس بشكل عام محتاج تتعود على قُرب اللي بيحبوك، يعني لما تقابل رامز مافيش مانع أبداً إنك تحضنه مثلاً، إنك تتحمل اللمسات الطبيعية زي السلام بالإيد مثلاً

"ثم اتبعت"
- واعتقد إن مقابلتك لمامتك هيبقى ليها عامل كبير جداً في كسر المشكلة، لإن اشتياقك ليها هيتغلب على رفضك وهيخليك تقرب، بُعدها كان سبب المشكلة ورجوعها هو الحل

"ابتسم رامـي في حسرة مشيراً"
- الاقيها فين؟

"ابتسمت نسمة في تفاؤل ثم أشارت"
- قريب جداً، أنا متأكدة

"ساد الصمت بينهما، وعاد كل منهما يمسك بكوب قهوته يشربه في هدوء حتى نظرت إليه نسمة وأشارت بابتسامة مرحة"
- على فكرة! حبيت المجنونة دي من غير ما اشوفها، أنا واثقة إنكم هتتقابلوا تاني

"بادلها رامـي نفس الابتسامة ثم عاد لينظر أمامه في شرود وهو يتذكر مواقفهما القليلة معاً ويتعجب منها، وعلى وجهه يظهر شبح ابتسامة سرعان ما اختفى حتى لا تلاحظه نسمة، ولكنها لاحظت."

.....

"مرت فترة ظل فيها رامـي في بيت المزرعة ولم يعد، كان يباشر العمل في شركته الخاصة من مكانه هناك، وكان أحياناً يأتي رامز لزيارته ثم يرحل، ولكنه لم يستطع العمل بنصيحة نسمة ويقترب منه، وقد زاد ذلك من خوفه من أن يجد أمه يوماً ما ولا يستطيع الاقتراب منها بالفعل.
وفي أحد المرات، كان رامـي جالساً في غرفة المكتب هناك حتى وجد الباب يُفتح ويدخل منه والده.
عندما رآه، قام من مكانه ولم يستطع إخفاء علامات الدهشة من تواجده، ولكنه سرعان ما تذكر ما حدث بينهما آخر مرة فقست عيناه في غضب."

***

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-05-22, 08:31 PM   #7

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل الرابع

"فكر السيد سليم كثيراً قبل تلك الزيارة، طوال حياته لم يخضع لأحد ولم يتراجع في موقف اتخذه من قبل، ولكنه كان دوماً ما يفكر مرة أخرى عندما يتعلق الأمر بـ رامـي.
رغم تلك الفجوة التي اتسعت منذ أن أبعد والدته عنه إلا أنه كان يعلم جيداً أنه لن يكون معادياً له حتى ولو بدى كذلك بنظراته التي لطالما هاجمته وبمعاملته الجافة له.
كان دوماً يسعى للإبقاء عليه في صفه، يعلم أن وجوده قوة له وهذا ما أغضبه عند معرفته بإقامته شركة خاصة به.
شعر بأن تلك القوة ستنفصل عنه وستستقل لتبدأ قوته هو في الانهيار، ولكنه للأسف قد أخرج غضبه بشكل خاطئ جعله يشعر بأنه لو كان رامـي يفكر ولو للحظة بأن يبتعد عنه فسيسعى في تنفيذ أفكاره الآن، لذلك قرر الذهاب إليه والحديث معه، وعندما أخبره رامز بمكانه، ذهب إليه وهو يحاول ترتيب أفكاره وكلماته هذه المرة حتى لا يخسره إلى الأبد.
عندما وصل هناك، استقبله الحارس مرحباً"
- يا أهلاً وسهلاً يا سليم بيه! نورت المزرعة

"قال السيد سليم بلهجة مقتضبة"
- رامـي فين؟؟

"قال الحارس سريعاً"
- في اوضة المكتب يا سليم بيه!

"وعندما دخل المنزل، توجه ناحية غرفة المكتب ووقف عند الباب للحظات قبل الدخول،
لم يكن يدري أن التعامل مع نسخة أخرى منه سيكون مربكاً هكذا بالنسبة إليه هو الذي لا يوجد شيئاً يخشاه والذي لطالما تمنى أن يمتلك ابناً يشبهه.
أخيراً فتح الباب ثم دخل فوجده جالساً على كرسي المكتب منشغلاً ببعض الأوراق الخاصة بالعمل.
تذكر حينها ذكرى مشابهة في الماضي ترجع لسبعة وعشرين عاماً كان فيها رامـي ذو الثلاث سنوات يجلس على نفس الكرسي ولكنه كان منشغلاً بتلوين الأوراق البيضاء الموجودة على المكتب وهو يدندن ألحان طفولية بلا معنى. حينها تمنى أن يكبر ويجلس في نفس المكان ولكن للعمل لا للتلوين، ظهر على وجهه شبح ابتسامة سرعان ما اختفى عندما وجد رامـي قد انتبه إليه وتوقف مكانه ونظر إليه نظرة متحفزة لأي شجارٍ جديد، أين ذهب ذلك الطفل الصغير الذي عندما رآه حينها ركض ناحيته محتضناً إياه في سعادة؟
ساد الصمت بينهما وكالعادة كانت عيناهما تبدأ الحديث قبل لسان هذا وإشارات ذاك،
لقد بدى رامـي وكأنه قد تذكر نفس الذكريات التي جالت في رأس والده فتخلل نظراته بعض الحزن الذي اختفى كالعادة وتسرب إلى الداخل ليكتمه مع الكثير من الأحزان التي خبأها منذ سنوات.
أخيراً قطع والده الصمت مستخدماً الإشارة بدلاً من الصوت قائلاً"
- ممكن تستقبلني في مكتبك؟

"صدم رامـي لما فعل وما قال للتو، لقد مرت فترة طويلة منذ آخر مرة استخدم فيها والده لغة الإشارة معه، كما أن هذه هي المرة الأولى التي يستأذن فيها لفعل أي شيء.
ابتعد عن الكرسي وتوقف إلى جوار أحد الكرسيين الموجودين أمام المكتب بينما أشار إليه كي يجلس على الكرسي الكبير.
ما فعله للتو رسم ابتسامة على وجه والده، فرغم كل شيء لم يتناسَ قواعد الاحترام، لطالما كان التوتر بينهما شريفاً دون إهانات، لكنه لم يجلس على الكرسي الكبير بل جلس على الكرسي الآخر أمام المكتب ليجلس رامـي على الكرسي المقابل له، ساد الصمت بينهما حتى أشار والده"
- ازيك يا رامـي؟

"ظل رامـي ساكناً وهو يتساءل عن سبب تلك الزيارة الغير متوقعة، ولكنه اومأ برأسه مشيراً له بأنه بخير، ظل والده ساكناً ثم أشار"
- مش ناوي ترجع؟

"قد فهم رامـي سؤاله ولكنه فضل ادعاء البلاهة مشيراً"
- ارجع فين؟

"أشار والده قائلاً"
- الشركة

"ثم أشار قائلاً"
- والبيت يا رامـي!

"رد رامـي مشيراً"
- أنا قلت لحضرتك إن ماعادش ليّ مكان فيهم

"قال والده ناطقاً وقد نسي استعمال الإشارة هذه المرة وبدى عليه الضيق"
- يعني خلاص هتفضل هنا بقية عمرك؟

"ابتسم رامـي في ثقة ثم أشار"
- لو عاوزني امشي من هنا كمان... همشي

"قال والده في غضب"
- رامـي!!

"ابتسم رامـي وكأنه يعلم أن ما يحاول والده فعله لن يستمر طويلاً، ولو لعدة دقائق فقط.
فهم والده ما دار في رأسه فحاول استعادة هدوئه قائلاً وقد عاد لاستخدام الإشارة"
-لغاية امتى اللي أنت بتعمله ده؟ ليه عايز تكبّر الفجوة بيننا بالطريقة دي؟ أنا أبوك يا رامـي مش عدوك.

"أشار رامـي في هدوء"
- مش أنا السبب في كده... حضرتك عارف ده كويس

"أشار والده في ضيق"
- تاني يا رامـي؟ أنا السبب تاني؟

"ظل رامـي ساكناً فاتبع والده مشيراً وقد تغيرت نظرته الضائقة إلى أخرى مختلطة بين الحزن والحنان، تلك النظرة التي كان رامـي قد أوشك على نسيانها"
- عارف يا رامـي؟ أنت دايماً كان ليك مكانك لوحدك عندي، مع إن رامز عمره ما كسرلي كلمة ولا عارضني في قرار، بس أنت كنت حاجة تانية، أنا كنت دايماً شايف نفسي فيك، كان كل أملي زمان إنك تكبر وتبقى زيي، كنت دايماً بقول إنك أنت اللي هتحافظ على كل حاجة بنيتها طول التلاتين سنة اللي فاتوا

"ظل رامـي ساكناً ومشاعر مختلطة وذكريات عديدة تتنوع في داخله، اتبع والده مشيراً"
- وكبرت.. وكنت كل يوم بتثبتلي إنك شبهي، نفس العِند والقوة، نادراً ما طاوعتني في حاجة، ورغم كل الغضب اللي جواك ناحيتي واللي بيحسسني ساعات إنه كره، لكن عمري ما حسيت لحظة إنك ممكن تخذلني، وفي عز زعلي منك... بكون فخور بيك يا رامـي!

"تنهد ثم اتبع مشيرًا"
- عارف أنا بعدتك عن رقية ليه؟ لأني كنت خايف... كنت مرعوب إنها تاخدك مني

"نظر له وكأنه لا يصدق أو لا يفهم، اومأ والده بابتسامة حزينة ثم أشار"
- أيوة... أنا بخاف... أنت الحاجة الوحيدة اللي باجي عندها وبخاف، كنت دايماً نقطة ضعفي يا رامـي، ورقية كانت عارفة ده كويس، عشان كده لما حاولت تاخدك مني اتجننت، ماكنتش هسمح لأي حد في الدنيا يحرمني منك ومن الحلم اللي شفته فيك، عشان كده منعتكم تشوفوها، ماكنتش عاوز اسيب أي احتمال يبعدك عني

"أشار رامـي وقد ملأ الضيق ملامحه"
- واللي عملته مابعدنيش؟

"أشار والده معانداً"
- عالأقل كنت ادام عيني، صحيح ماكناش قريبين زي الأول بس كنت ادامي

"عاد ليهدأ ثم أشار قائلاً"
- يا رامـي أنا محتاجلك جنبي، ولما عرفت موضوع الشركة بتاعتك خفت، حسيت إني هخسرك للمرة التانية والمرة دي مش هقدر امنعك زي زمان

"صمت للحظات ثم اتبع"
- كان معاك حق، أنت كنت سبب في إن شركتنا تفضل على رجلها لغاية دلوقتي، يبقى أكيد من حقي أقلق لما أعرف إنك عملت شركة تانية أكيد هتبقى سبب في بُعدك

"ابتسم رامـي ابتسامة قاسية ثم أشار"
- يعني حضرتك عارف إني ناجح رغم عجزي، مش كده؟

"عندها احتدت عينا والده وقال غاضباً"
- أنا عمري ما أقدر أعايرك بحاجة زي دي ولا اسمح لحد في الدنيا كلها يعايرك بيها، لازم تعرف إن اللي حصلك ده كسرني اكتر مما تتخيل

"ثم اتبع وقد طغى الحزن على ملامحه"
- حتى لما كبرت شوية وبقيت تفهمني، إحساس الرفض اللي كان جواك ناحيتي كان بيوجعني، ماتقدرش تنكر إني سنين وأنا بحاول أقربلك وأنت بترفض

"ظل رامـي على سكونه وشعر بأن ألمه يزداد وعينيه تؤلمه ولا تُظهر شيئاً، قال والده في هدوء"
- أنا مش جاي دلوقتي اتكلم في اللي فات... خلاص، أنا جايلك النهاردة عشان اطلب منك ترجع، مكانك في الشركة والبيت معانا، اعتقد مجيتي هنا وكل الكلام اللي قلتهولك واللي عمري ما كنت هقوله غير عشان بخاف عليك يستاهل إنك ماتخذلنيش.. أنا متأكد إن عمرك ما هتهز ثقتي فيك يا رامـي!

"أخيراً خرج رامـي عن سكونه ثم أشار في هدوء"
- هي فين؟

"أشار والده مستفهماً"
- هي مين؟

"ظهر على وجهه شبح ابتسامة ثم أشار ببساطة"
- ماما

"ظل والده صامتاً فاتبع رامـي مشيراً"
- عاوزني اسامحك وانسى كل حاجة؟ يبقى قولي مكانها وخليني اشوفها

"هز والده رأسه نفياً ثم أشار في هدوء"
- صدقني ماعرفش... آخر حاجة عرفتها عنها إنها سافرت بعد طلاقنا بسنتين عشان والدها كان عيان وكان لازم يتعالج برة مصر. قبل كده كانت أخبارها دايماً عندي عشان أعرف تحركاتها وأضمن إنها مش هتقربلكم، لكن من ساعة ما سافرت ماعرفش عنها حاجة، ماعرفش حتى إذا كانت لسة عايشة ولا...

"قاطعته إشارة رامـي وقد ظهرت القوة في ملامحه مرة أخرى"
- مافيش ولا...، لو ماتت قبل ما أنا اشوفها يبقى تعتبر إني كمان مُت، ومافيش أي حاجة في الدنيا هتخليني اسامحك مهما حصل، وهبقى ساعتها عدو بجد.

"استشعر والده الصدق في طريقته، ولمَ لا؟ وهو يعلم جيداً أنه ليس بحاجته بعد الآن، ويمكنه الرحيل إلى الأبد دون النظر وراءه، أشار أخيراً "
- هجيبلك مكانها.. ده وعد مني ليك

"ثم اتبع"
- بشرط إنك ترجع الشركة والبيت

"رد رامي مشيراً"
- هرجع الشركة، لكن البيت لا

"ظل والده صامتاً وقد بدى عليه الضيق فاتبع رامـي مشيراً"
- أنا حبيت جو المزرعة واتعودت عليه، مش عاوز اسيبه

"كان يعلم أنه لن يستطيع إجباره على العكس مهما فعل، اومأ برأسه موافقاً ثم اتبع مشيراً"
- ماشي يا رامـي! زي ما تحب

"ثم قام من مكانه فقام رامـي أيضاً، ظل ناظراً إليه للحظات، تمنى لو يستطيع ضمّه إليه ولكنه كان يعلم أنه سيرفض ويبتعد.
تمنى لو يعود الزمن إلى الوراء لحظة واحدة يستطيع فيها ضمه ورؤية ضحكته ثانية ثم ينتهي كل شيء، أشار في هدوء بابتسامة حزينة"
- أنا هعمل أي حاجة عشان ابني اللي كان بيجري عليا زمان يرجعلي تاني، ويرجع يضحكلي زي الأول

"ثم ختم حديثه قبل الرحيل"
- هستناك ترجع الشركة... مع السلامة!

"ثم خرج وأغلق الباب خلفه، عندها هبط رامـي على الكرسي فجأة وأخذت أنفاسه تتسارع تدريجياً مرة أخرى.
شعر بألم لذلك الحديث الذي لم يتوقعه أبداً، تمنى لو تطاوعه عيناه ولو لمرة واحدة ويستطيع البكاء ليخرج ما بداخله ولكنه لم يستطع، وجد نفسه يمسك بهاتفه ويكتب في تعب"
- نسمة! محتاج اشوفك حالاً.. من فضلك تعالي بسرعة!

"وبعد مرور ساعة، كانت نسمة قد وصلت إلى المزرعة، لا تدري كيف استطاعت تبديل ثيابها في خمس دقائق بل والقيادة على سرعة كالتي أتت بها، ولكن كلمات رامـي القليلة أنبأتها أنه ليس بخير، وإلا ما كان ليطلب رؤيتها ثانية وآخر جلسة لهما كانت منذ يومين فقط.

عندما وصلت هناك، أوصلها الحارس إلى حيث غرفة المكتب ثم تركها، فتحت الباب في هدوء فوجدته يجلس على الكرسي واضعاً رأسه بين كفيه في شرود وصدره يعلو ويهبط، إنها نفس الحالة التي وصفها إليها من قبل.
توجهت ناحيته حتى جلست أمامه وأشارت بيدها أمام عينيه لينظر إليها، وعندما رأت عينيه محمرة ومليئة بالحزن، وجدت نفسها تقول دون إشارة"
- حصل إيه؟

"أشار رامـي وملامحه تجمع بين الحزن والغضب"
- مافيش حاجة بتتغير، أنا هفضل كده طول عمري ومافيش أي علاج هينفع

"أشارت نسمة مهدئة إياه"
- قولّي بس حصل إيه

"حاول رامـي أن يهدأ ثم أشار لها بكل ما حدث منذ أن أتى والده وكل الحديث الذي دار بينهما، ملامحه المتعبة كانت تروي أكثر مما ترويه إشاراته، وعندما أنهى حديثه، سكن وبدى ضائعاً، ظلت نسمة صامتة قليلاً حتى أشارت في هدوء"
- أنت هترجع ليه؟

"نظر لها مستفهماً فاتبعت مشيرة"
- هترجع عشان الشرط اللي اشترطه عليك، ولا عشان زي ما هو قالك... ماتخذلوش؟

"أشار رامـي دون تفكير"
- عشان ماخذلوش... بابا عمره ما كان هييجي ويقول الكلام ده لأي حد مهما حصل، بابا عمره ما اتنازل عشان أي حد

"ابتسمت نسمة لرجوعه لكلمة "بابا" مجدداً ثم اتبعت مشيرة"
- يعني مصدق إنه بيحبك؟

"سكن رامـي للحظات ثم أشار"
- النهاردة حسيت... بس...

"نظرت له مستفهمة فاتبع مشيراً في ضيق"
- ماحدش بيحب يعمل اللي عمله

"قالت مشيرة"
- عمله عشان كان خايف تروح منه وتبعد عنه

"هز رأسه نفياً ثم أشار"
- بس أنا بعدت، ولسة بعيد

"هزت نسمة رأسها نفياً أيضاً ثم اتبعت مشيرة"
- ماعتقدش... ماكنتش هتتأثر لزيارته كده يا رامـي

"ظل ناظراً إليها دون رد فاتبعت مشيرة"
- لو كنت بعيد، ماكانش هيفرق معاك حبه من عدمه لأنك مش محتاجله، في جزء جواك لسة بيحبه رغم كل اللي حصل، وده اللي خلاك توافق ترجع... عشان بتحبه وحابب ثقته فيك

"عاد صدره يعلو ويهبط مرة أخرى فاتبعت مشيرة"
- واعتقد إنه حتى لو ماكانش جه... كنت هتفكر ترجع لوحدك

"أشار معانداً"
- مستحيل... اللي حصل آخر مرة في الشركة مايخلينيش ارجع مهما حصل

"ابتسمت نسمة مشيرة"
- انتو الاتنين مابتحبوش تتنازلوا، عشان كده كنتم بتعاندوا في بعض السنين دي كلها، بس اللي اتغير دلوقتي إنه جالك بنفسه، فأنت قررت تظهر إنك كمان بتحترمه وبتحبه وعشان كده هترجع

"ظل ساكناً قبل أن يشير في ضياع"
- قالي هيجيبلي مكانها... وعدني!

"ابتسمت نسمة مشيرة"
- وأنت صدقته... صدقته ليه؟ مش جايز يكون بالبلدي كده بيجيب رجلك؟

"ظل صامتاً دون رد ولكن هذه المرة طال الصمت قليلاً، صمتت نسمة أيضاً تراقبه وتنتظر منه أي ردة فعل، وعندما لم يصدر عنه شيء، أشارت"
- احكيلي تاني اللي حصل قبل ما يمشي بالظبط

"أشار وقد طغى الحزن على ملامحه"
- حسيت إنه... كان عاوز يحضنّي بس... ماقدرش

"ابتسمت نسمة في حنان ثم اتبعت مشيرة"
- وأنت كمان كنت عاوز بس ماقدرتش، صح؟

"عادت عينيه لاحمرارها الذي ينبئ عن وجود دموع لا تريد الانهمار، أشار"
- ايوة... بس...

"نظرت إليه مستفهمة ليكمل فاتبع مشيراً"
- نسمة أنا... أنا مش قادر انسى، أنا لسة بحلم بكابوس اليوم ده كل ليلة، لسة صوتها في وداني، صوت خناقاتهم... زعيقه... عياطها... اسمي اللي كان آخر حاجة اسمعها منها وهي بتعيط، ورد اللي اتقتلت، إحساسي لما صحيت وأنا مش سامع أي حاجة ومش قادر اتكلم أو أصرخ عشان تسمعني وترجع، لسة شنطتي الصغيرة اللي كانت معايا لما هربت من البيت في اليوم ده زي ما هي، أنا خبيتها منهم عشان أهرب تاني، أنا...

"نظر إليها في ضياع وأشار في تعب"
- أنا مابقيتش قادر على كل اللي بيحصل ده، أنا مابقيتش قادر أقرب من حد، كل ما أجرب مابقدرش، ماعرفتش أقرب من رامز ولا بابا لما جه، وحتى مابقاش عندي أمل إني أقدر على ده لما اقابلها، عاوز بس إني أقدر أخرج كل اللي جوايا، أنا زهقت من الإشارة يا نسمة! أنا عمري ما حسيت إنها بتعبر عني زي ما أنا عايز، أنا بس عاوز...

"ثم صمت ثانية لعدة دقائق، وصمتت هي معه ولم تجد ما تعينه به على ما يحدث.

ساد الصمت وهي كالعادة تنتظر منه أن يقول شيئاً آخراً بينما هو ظل صامتاً وأنفاسه المتسارعة هي ما تقطع الصمت، وعينيه ضائعة وكأنه يبحث عن شيء ما... النجاة غالباً."

- ماتضغطش على نفسك بالطريقة دي يا رامـي!

"ظل ناظراً إليها فاتبعت مشيرة وهي محتفظة بابتسامتها"
- ماتستعجلش! كل حاجة هتاخد وقتها وتخلص، أنا متأكدة إن مشكلتك دي هتتحل قريب، مش لازم نعرف ازاي دلوقتي بس المهم فعلاً إننا بنحاول، وحتى لو مجرد الإشارة مش كفاية، لكن كويس إنك عبرت بيها ولو بجزء صغير من اللي جواك ومافضلتش محتفظ بكل مشاعرك لنفسك وبس، يمكن وقتها كان بقى الحال أصعب، كل حاجة هتبقى كويسة... أنا متأكدة!

"ظهر على وجهه شبح ابتسامة ثم أشار"
- هو لو في حاجة كويسة فعلاً في كل اللي أنا عايشه فهو إن عندي صديق زيك كده يا نسمة

"اشارت ممازحة"
- طب كويس إنك ماوصلتش لمرحلة إنك تفكر إني دكتورة فاشلة ولا حاجة

"ضحك ضحكة قصيرة ثم هز رأسه نفياً مشيراً"
- ماقدرش... كفاية إنك خليتيني احكيلك، حتى لو مافيش حل

"ابتسمت مشيرة"
- مافيش حاجة مالهاش حل، كل شيء بأوانه بس

"ابتسم دون رد فاتبعت ضاحكة"
- على فكرة أنا جيت هنا بقالي 3 مرات ودي الرابعة ولسة ماشفتش ورد، ولا مش هتكشفه على حد غريب؟

"ضحك رغماً عنه ثم اتبع مشيراً"
- تعالي

"وبالفعل أخذها وخرجا من المنزل وتوجها ناحية الإسطبلات لرؤية ورد، وعندما وصلا عنده، اقترب منه رامـي وأخذ يسير بيده على رأسه يبعثر له شعره، ولكن ما حدث كان غريباً حيث مال ورد برأسه خلف ظهر رامـي ودفعه ناحيته في هدوء معانقاً إياه.
الأمر الذي أثار دهشة نسمة كثيراً خاصة حين رأت رامـي قد لف ذراعيه حول رقبة ورد اللامعة وأغمض عينيه مبتسماً لأن هناك من يشعر به في هذا العالم الصامت بالنسبة إليه.
من يصدق أنه يشعر بأنه يسمع صوت ورد أحياناً في أذنه؟ وعندما ابتعد عنه قليلاً، نظر إلى نسمة التي كانت على وشك البكاء وأشار ضاحكاً"
- مالك يا نسمة؟ هتعيطي ولا ايه؟

"أشارت نسمة محاولة منع دموعها كالأطفال"
- أنت مش فاهم... أنا بتأثر من أقل حاجة

"ابتسم فاتبعت مشيرة"
- عارف؟ أنت محظوظ عشان عندك ورد... مش نسمة

"ضحك ضحكة خفيفة ثم اتبع مشيراً"
- تحبي اخلي السايس يجهزلك فرس ونتمشى شوية؟

"أشارت نسمة في قلق"
- مش هيوقعني؟

"ضحك رامـي ثم هز رأسه نفياً مشيراً"
- ماتخافيش مش هيوقعك

"قام السائس بتجهيز ورد لأجل رامـي وفرس آخر لأجل نسمة، وقاما بالسير سوياً في المزرعة الواسعة.
كانت نسمة خائفة وتمسك باللجام جيداً حتى لا تسقط بينما كان رامـي يراقبها مبتسماً، عندما انتبهت إليه قالت عاقدة حاجبيها"
- ماتضحكش، أنا ماعرفش ازاي طاوعتك وركبت

"ازدادت ضحكته ثم أشار محاولاً رسم الجدية على وجهه"
- على فكرة لو حس إنك خايفة هيوقعك بجد

"شحب وجهها فتعالت ضحكته بشدة فقالت كالأطفال"
- على فكرة أنت بقى أنا مش هاجيلك هنا تاني

"ضحك بشدة مرة أخرى حتى أنه نسي تماماً تلك الحالة التي كان فيها منذ وقت قليل، وشعر بأن الوقت الذي يقضيه مع نسمة في المزاح والضحك يعينه على تجاوز أحزانه أكثر من كل الجلسات العلاجية التي يقومان بها منذ ثلاث سنوات إلى الآن."

.....

"قرر رامـي العودة إلى الشركة، وعندما وصل هناك وفي طريقه إلى مكتبه، رآها مجدداً أمامه.
كانت تسير مسرعة كعادة كل موظفي هذه الشركة وكأن القيامة ستُقام بعد ساعة من الآن.
كانت تشعر بالحزن والتعب لذكرى ذلك اليوم، لا تزال رأسها مليئة بالتساؤلات عمن يكون وما مشكلته، وكانت تشعر بالغضب تجاهه لتصرفه العنيف معها.
وبينما كانت تسير ورأسها تعج بالتساؤلات والصداع، تسمرت في مكانها عند رؤيته مجدداً أمام المصعد.
مرت لحظات وهما ينظران لبعضهما البعض في صمت، كانت تقف محتضنة الملف الممسكة به تنظر إليه نظرة لم يفهمها جيداً.
لقد عاد لهيئته الأنيقة مجدداً، رغم أن شكله الأخير ظل عالقاً في رأسها فترة لا بأس بها، من يصدق أنها قضت ليلة كاملة ترسم وتلون لوحة خاصة به؟ ولكنها عادت لتتذكر طريقته معها فلمعت عينيها بنظرة فهمها جيداً، نظرة مليئة بالغيظ.
لقد تحققت نبوءة نسمة إذن، ها هو قد قابلها ثانيةً في نفس المكان الذي رآها فيه أول مرة، عند المصعد.
لا تزال ذكرى لمستها السريعة له تجعله ينتفض بداخله إلى الآن، لقد رأته وهو على حافة انهياره.
رقّت نظرته لها قليلاً وكأنه يحاول أن يخبرها بأسفه عن طريقته معها في آخر مرة، ولكن ذكرى المصعد الواقفين أمامه الآن والذي خرجت منه بعد أن ضربته بحقيبتها قصداً، والذي تحدثت معه بلهجة غاضبة أمامه جعلت نظراته تشتعل مجدداً في غيظ هو الآخر.
وصل المصعد عندهما وفُتح الباب، ظل في مكانه ينتظرها أن تدخل قبله ولكنها قد مرت من جانبه متجهة إلى السلم بعد أن أودعت الهواء من حوله قليلاً من عطرها."
***

"كانت قد أنهت بعض التصاميم المطلوبة منها والتي ستقوم بتقديمها إلى السيد رامـي ليتطلع عليها.
قضت ليلتها بالكامل تفكر في تلك المقابلة خاصة بعد أن علمت بأنه أصم مما سيشكل صعوبة لها في التواصل معه، ولكن نهال قد طمأنتها بأنها ستكون حاضرة وستقوم بترجمة كل ما سيخبرها به، وأخبرتها بأنها ليست في حاجة لأن تتوتر أثناء الحديث لأنه يستطيع قراءة الشفاه جيداً فلن يجد صعوبة في فهمها.
لم تستطع إيقاف كلمات زينة وسما عن مدحهما في جاذبيته وطلته المميزة التي يرونها تفوق جاذبية رامز، الذي استطاع جذب ندى في صفه بكثرة الحديث عنه، وقد جعل ذلك شمس تتحمس لرؤيته فنادراً ما رأت سما تمدح أي رجل على وجه البسيطة.

عندما وصلت، أخذت نفساً عميقاً كي تهدأ ثم تقدمت ناحية مكتب نهال والتي كانت مشغولة بشيء ما على الحاسوب، وعندما وصلت عندها قالت بابتسامة"
- صباح الخير يا نهال!

"ابتسمت نهال ببشاشة وقالت"
- صباح النور يا شمس! جيتي في وقتك.. رامـي لسة واصل حالاً

"قالت شمس متعجبة"
- هو أنتِ بتناديلهم بأسمائهم عادي كده يا نهال؟

"ضحكت نهال ثم قالت"
- رامـي سمحلي أنا بس بكده لأن لينا مع بعض سنين في الشغل، ورامز بقى زي ما بتسمعي... آخر حاجة يفكر فيها الجد والرسمية... مش قاموسه

"ضحكت شمس فاتبعت نهال قائلة"
- جاهزة؟

"ابتلعت ريقها في توتر ثم قالت"
- هو احنا هندخل دلوقتي؟

"ابتسمت نهال ثم هزت رأسها نفياً قائلة"
- لا هنستنى شوية على ما ادخل القهوة لرامـي

"قطع حديثهما وصول الساعي بفنجان القهوة فأخذته نهال منه وفتحت الباب لتدخل، وبمجرد أن فتحت الباب صُدِمت شمس لرائحة العطر التي ظهرت للتو، لقد كانت أمامها منذ دقائق في الأسفل، هل اختلطت الأمور في ذهنها أم أنه قد يكون...
نفضت رأسها سريعاً من تلك الأفكار وجلست على الكرسي أمام مكتب نهال وأخذت كوباً الماء وشربته كاملاً لتهدأ.
وبعد عدة دقائق، قام رامـي باستدعاء نهال لتمر لحظات حتى فتحت الباب وأشارت لشمس بالدخول.
قامت شمس من مكانها وتقدمت ناحية الباب ببطء ورائحة عطره لا تفارق أنفها بل تزداد إلى أن دخلت وتسمرت في مكانها للمرة الثانية على التوالي في هذا اليوم الغريب.
عندما رآها أمامه، نظر لها للحظات في دهشة سرعان ما اختفت لتحل محلها ابتسامة هادئة مشيراً لها بأن تجلس.
شعرت شمس بأن قدمها خذلتها ولم تستطع التحرك بينما كان هو يطالعها بهدوء دون أن تختفي ابتسامته وكأنه يفهم جيداً كل ما يدور برأسها في تلك اللحظة.
أخيراً عاونتها قدماها في التقدم ناحية الكرسي والجلوس لتمر لحظات وهي تجلس مطرقة برأسها غارقة في دوامة من التساؤلات حتى نسيت أين هي ولماذا أتت.
أفاقت على صوت طرقته على المكتب بالقرب منها، رفعت نظرها إليه فوجدته يمد يده إليها، تلبسها الغباء فجأة ولم تفهم ماذا يريد، قالت نهال بطريقة أم توجه ابنتها بحزم"
- الفايل يا شمس!

"أعطته الملف سريعاً وجلست تراقبه في قلق كتلميذة تنتظر نتيجة الامتحان.
أخذ يطالعه لبعض الوقت ثم قام من مكانه وتوجه ناحية طاولة الاجتماعات فتبعتاه ليبدأ الاجتماع.
مر بعض الوقت في الاطلاع على التصاميم ومناقشة بعض الأمور، كانت شمس تحاول التركيز قدر المستطاع في العمل ولا تنشغل بالنظر إليه من حين لآخر.
كان رامـي يوجه إشاراته إلى نهال ومن ثم تقوم هي بالترجمة لها وتجيب شمس على كافة الأسئلة وكأنها مهندسة خبيرة منذ سنوات وليست تحت التمرين، وكلما أظهرت كفاءتها كان رامـي يبتسم ابتسامة تجعلها تريد إظهار كل قدراتها حتى لا تختفي بسمته الهادئة تلك.
بعد أن انهوا الاجتماع، أخذت شمس تجمع أوراقها، ولكنها لم تنتبه لأن رامـي قد أشار لنهال بأن ترحل بينما جلس هو على واحد من الكرسيين الموجودين أمام مكتبه، وعندما التفتت، وجدت نهال قد رحلت.
ابتسم لها رامـي وأشار ناحية الكرسي أمامه كي تأتي وتجلس، شعرت شمس بارتباك يزداد بداخلها كلما تقدمت ناحيته حتى جلست أمامه مباشرة.
كان ينظر لها بابتسامة هادئة جعلتها على وشك أن تخبره بأن يكف عن تلك البسمة الجميلة التي ستجعلها تنتقل إلى العمل في هذا المكتب الواسع، ربما يسع مكتباً آخراً إن أبعدنا تلك الطاولة المستديرة في الوسط.
هذه أول مرة تجلس على مقربة منه وترى وجهه بوضوح، هل هذا هو اللون الرمادي الذي يزين عينيه؟ أم أنه مائل إلى الأخضر؟ تباً.. لقد نسيت إحضار دفتر الرسم الخاص بها اليوم.

كان يطالعها في هدوء وثبات لم يُظهر أياً مما يدور في داخله، كانت تبدو كالطفلة الضائعة منذ أن دخلت بصحبة نهال إلى الآن، ولو لم تثبت كفاءتها في الاجتماع لما أبقاها في ذلك المشروع الضخم.
أين ذهبت تلك الشجاعة التي جعلتها تضربه بحقيبتها في المصعد أثناء الخروج والتي جعلتها تقترب منه وهو في حالة كان على وشك أن يحطم فيها أحدهم مثل المزهرية الثمينة في مكتب والده والتي نالت نصيبها من غضبه النادر الظهور؟
لكنها على الرغم من ضياعها ذلك تبدو ذكية وواثقة وجميلة أيضاً... جداً. حسناً.. لا بأس ببعض الضياع الآن حتى تعتاد على رؤيته.
ساد الصمت بينهما حتى قطعه عندما أمسك بهاتفه وكتب على الشاشة"
- أنتِ كويسة؟

"ناولها الهاتف لتقرأ، وعندما قرأت ازداد توترها ثم نظرت إليه قائلة"
- أيوة... لا... يعني...
"نظر لها نظرة مستفهمة لتكمل فاتبعت بعد أن أخذت نفساً عميقاً"
- أنا كنت عاوزة اعتذر لحضرتك

"ابتسم وهو يكتب على الهاتف"
- تعتذري على إيه؟

"صمتت للحظات ثم قالت"
- إني... ماكنتش اعرف إنه...

"ثم صمتت، فكتب هو "
- إني من أصحاب الشركة؟

"ثم اتبع كاتباً ببساطة"
- ولا إني أصم؟

"شحب وجهها لقراءة تلك الجمل البسيطة، وشعرت بأنها على وشك أن تخرب كل شيء بغبائها الذي يظهر في غير محله، وقالت سريعاً"
- لا لا مش قصدي، أنا بس كنت...

"قاطعتها ضحكته البشوشة التي جعلت قلبها يسقط بين قدميها، ثم كتب"
- كنتِ فاكراني بطنشك، صح؟ عشان كده ضربتيني بشنطة اللاب توب وأنتِ خارجة وزعقتيلي في آخر مرة شفتك فيها؟

"كانت على وشك أن تبكي من شدة الخجل والتوتر فخرج منها صوتاً ضعيفاً قائلاً"
- أنا آسفة

"عاد ليضحك ثانية من طريقتها التي تشبه الصغار ثم كتب على الشاشة"
- حصل خير... أنا كمان مدين ليكي باعتذار

"نظرت إليه ولم تفهم قصده، فاتبع"
- عشان طريقتي معاكي آخر مرة في سلم الحريق... أنا آسف

"هل تخبره أنها قد نسيت كل شيء لمجرد رؤيتها لوجهه يضحك بعد تلك الحالة التي كان فيها أم أنه سيفصلها من العمل؟ يبدو طيباً، أليس كذلك؟ لن يفعلها، ولكنها لا تمتلك الشجاعة لقول ذلك.
قالت محاولة أن توصل مشاعرها دون أن تفضح نفسها قائلة"
- المهم تكون كل حاجة كويسة

"ابتسم لها في هدوء ثم اومأ برأسه مطمئناً، كتب "
- كده نبدأ صفحة جديدة، ودلوقتي عايز اقولك إنك مهندسة شاطرة وأنا متأكد إنك هتثبتي نفسك وتنجحي في وقت قصير جداً

"ابتسمت في فرح وكأنها تلميذة صغيرة أشاد بها معلمها وقالت"
- إن شاء الله أكون عند حسن ظن حضرتك دايماً

"أومأ لها مبتسماً ثم عاد الصمت ليسود بينهما مجدداً، نظرت حولها في تيه ثم قالت في بلاهة"
- امشي؟

"ضحك منها مرة أخرى ثم كتب"
- أنتِ شايفة إيه يا شمس؟

"إن كان صوت ضحكته هكذا، فتُرى كيف سيكون وقع اسمها على أذنها من صوته؟ هذا أول ما خطر ببالها عند رؤيتها لاسمها على الشاشة، نظرت إليه ثم قالت بابتسامة حاولت قدر الإمكان أن تكون بسيطة"
- بعد إذن حضرتك

"أومأ لها برأسه مبتسماً فأخذت أوراقها ورحلت سريعاً، بينما هو انتظر حتى أغلقت الباب خلفها وأخذ يضحك منها... تماماً كما قال عنها... مجنونة.
وبعد عدة دقائق، دخل رامز المكتب وقال في سعادة"
- حمد لله عالسلامة يا وحش! نورت الشركة كلها والله

"ابتسم رامـي في سعادة وأشار"
- أنت كمان رجعت، حمد لله عالسلامة

"أشار رامز قائلاً في سخرية"
- ما هو بابا اتصل بيّ وادالي كلمتين حلوين الصراحة... بضعف أدام حنيته المفرطة

"ضحك رامـي فاتبع رامز مشيراً"
- راجع البيت، صح؟

"هز رامـي رأسه نفياً ثم أشار"
- لا، أنا حبيت جو المزرعة وهفضل هناك

"أشار رامز في ضيق"
- يعني هتسيبني معاهم لوحدي؟

"ابتسم رامـي مشيراً"
- احنا كل يوم بنتقابل، ولو عاوز تيجي تقعد معايا في المزرعة تعالى، بس ماعتقدش إن بابا هيخليك تفضل على طول

"زفر رامز في ضيق ثم أشار "
- عموماً لو مش هتيجي دلوقتي بمزاجك يبقى هتيجي الاسبوع الجاي غصب عنك

"نظر له رامـي مستفهماً فاتبع رامز بمكر"
- عمتو سناء جايالنا زيارة، عاملالنا حملة تفتيش

"صُدِمَ رامـي لمعرفته ذلك فاتبع رامز بابتسامة ساخرة"
- تخيل لما تعرف إن بابا اتجوز واحدة من دور ولاده، احتمال تحجر عليه وتقتل سالي

"ضحك رامـي من كلامه، فهو يعلم جيداً مدى قوة عمته سناء، أشار ساخراً"
- خلاص يبقى هتكون مشغولة في سالي ومش هتركز معايا

"رد رامز مشيراً"
- مش هتركز مع مين؟ دي تجيب بندقية البط معاها من الفيوم وتصطادك في نص مزرعتك

"ضحك رامـي بشدة من كلماته وتبعته ضحكة رامز قبل أن تدخل نهال إليهما حاملة صينية بها كوبين من مشروبها الخاص... الكركديه، قالت ضاحكة"
- يا سلام يا سلام! طب والله الشركة بترقص من الفرحة

"ابتسم رامـي في سعادة بينما أخذ رامز الكوب منها وهو يبتسم بعبث قائلاً"
- وحشتك يا نهال؟

"عقدت نهال حاجبيها وقالت عابسة"
- وبعدين بقى؟

"اتبع رامز قائلاً"
- والنبي عسل!

"ضربه رامـي ضربة خفيفة عند قدمه كي يتوقف، بينما قالت نهال"
- على فكرة يا رامز أنا أصلاً زعلانة منك

"قال متصنعاً الدهشة"
- يا نهار أبيض! زعلانة مني؟ أجرمت في إيه بس؟

"عدّلت من عويناتها وقالت"
- أنا مش وصيتك تجيبلي معاك نوع البيرفيوم اللي مش لاقياه هنا من رحلة باريس اللي رحتها؟

"ابتسم رامز بمكر"
- ومين قال ماجبتوش؟

"قالت نهال سريعاً"
- هو فين؟

"ضحك قائلاً"
- هو عيد ميلاد يارا جه؟ لما يجي هبقى اديهولها

"قالت عابسة"
- على فكرة دي كانت هديتي أنا

"ابتسم باستفزاز قائلاً"
- شوفيلك هدية تانية

"نظرت إلى رامـي وأشارت"
- شايف بيعمل ايه؟

"ابتسم رامـي مشيراً"
- معلش يا نهال! ده عيد ميلاد يارا ولازم نجيبلها هدية حلوة تبسطها، أنا هشتري هديتين واحدة ليّ وواحدة ليكي أحلى من البرفيوم اللي كنتي عايزاه، اتفقنا؟

"ابتسمت نهال في سعادة قائلة"
- دايماً ناصرني كده

"ثم نظرت إلى رامز وقالت عابسة"
- مش زي ناس

"أمسك رامز بمطفأة السجائر أمامه ثم قال موجهاً إياها على رأس نهال"
- نهال! جربتي دي عالدماغ قبل كده؟

"ركضت نهال من أمامه سريعاً بينما ضحك رامـي ثم أشار إليه"
- بعد كده تسمع كلامها وماتلاعبهاش، مش عاوزها تزعل

"ابتسم رامز ضاحكاً ثم اتبع"
- ماعرفش اشوفها ومانكشهاش

.....

"وأثناء ما كانت ندى جالسة في مكتبها منهمكة في عملها، لاحظت أن هناك بعض الأوراق الناقصة، وتذكرت فجأة أنها قد نسيت كل شيء في سيارة رامز عندما أخذ منها الأوراق في ذلك اليوم العجيب، ضربت رأسها بقوة قائلة"
- غبية!

"نظرت سما إليها باندهاش قائلة"
- مين دي اللي غبية؟

"قالت ندى في ضيق"
- أنا طبعاً، هي دي عايزة كلام؟!

"ثم قامت من مكانها سريعاً وهي تقول قبل أن تخرج من المكتب"
- أنا هروح أجيب شوية ورق وآجي

"ثم توجهت سريعاً ناحية مكتب رامز، وعندما وصلت هناك، قالت للسكرتيرة"
- لو سمحتي عايزة أقابل باشمهندس رامز!

"قالت السكرتيرة غير ملتفتة"
- رامز بيه مش موجود دلوقتي، شوية وجاي

"نظرت ندى إليها في ضيق ثم جلست دون إذن قائلة"
- هستناه

"طالعتها السكرتيرة بنظرات ضائقة ثم التفتت إلى عملها. مر بعض الوقت حتى جاء رامز ودخل إلى مكتبه وتبعته السكرتيرة دون حتى أن يلاحظ وجودها. مرت لحظات حتى خرجت لها السكرتيرة قائلة"
- اتفضلي!

"ابتسمت لها ندى ابتسامة باردة ثم دخلت وأغلقت الباب في وجهها، توجهت ناحيته في خطوات مرتبكة قليلاً حتى توقفت أمام المكتب.
قال رامز دون أن يرفع رأسه عن الورق أمامه"
- في حاجة يا باشمهندسة ندى؟

"نظرت إليه في دهشة، ما له يحدثها بعملية وكأنه لا يعرفها؟ وعندما لم ترد، رفع رأسه إليها ثم قال ولم تتغير ملامحه"
- كنتِ عاوزة إيه؟

"ارتبكت فجأة وحاولت التحدث قائلة"
- الورق بتاعي... نسيته مع حضرتك

"نظر لها وقد لاحظ ارتباكها قبل أن يفتح أحد الأدراج ويُخرج منه الملف ويقدِّمه لها قائلاً بنبرة جافة"
- اتفضلي! بعد كده تخلي بالك من شغلك عشان لو حاجة ضاعت استقالتك مش هتكفي.

"نظرت إليه في دهشة من لهجته الغريبة بالنسبة إليها ولم تستطع الرد، فأنهى حديثه قائلاً"
- اتفضلي على مكتبك

"خرجت ندى من المكتب في ضيق غير ملتفتة لابتسامة السكرتيرة الاستفزازية وعادت إلى مكتبها وهي تطرق الأرض بقدميها حتى أنها لم تنتبه لأنها قد أغلقت الباب بعنف بعد أن دخلت لتفزع سما قائلة"
- في إيه يا ندى؟

"قالت ندى في ضيق"
- مافيش يا سما! سيبيني في حالي من فضلك

"فضَّلت سما الصمت الآن لأن وجه ندى كان يُنبئ عن غضب وضيق حقيقي، بينما كانت ندى تشعر بأنها تحترق من الداخل بالفعل.
كيف يحدثها بتلك الطريقة؟ وما الذي فعلته من الأساس لكي يفعل ذلك؟ هل أساء فهمها عندما ذهبت معه إلى ذلك المقهى؟
لكنه لم يمنحها حتى فرصة الاعتراض، هل ظن أنها مثل زينة تسعى لنيل إعجابه؟
عند تلك الفكرة اشتعل غضبها أكثر وخطر ببالها أن تذهب إليه وتُسمعه من الحديث ما لذ وطاب كي يعلم الفارق بينها وبين كل الفتيات اللواتي يسعين للفت نظره. من يظن نفسه؟"

.....

"وقبل مجيء عمته بثلاثة أيام، جمع رامـي ما يكفيه لقضاء أسبوع وذهب إلى قصر والده،
وعندما ذهب هناك لم يكن والده موجوداً، ولكن سالي كانت تجلس في حديقة القصر.
زفر رامي في ضيق لرؤية تلك الحية مجدداً، وقبل أن يصل إلى باب القصر لمح ظلها ليجدها تقترب نحوه في دلال.
أغمض عينيه يحاول أن يتمالك أعصابه قبل أن يلتفت إليها.
عندما وصلت إليه، استندت على الباب أمامه حتى لا يفتحه وقالت بابتسامة ناعمة"
- ازيك يا رامـي؟ عاش مين شافك

"ابتسم لها ابتسامة باردة لا تظهر أسنانه دون أية إشارة، فاتبعت قائلة في جرأة"
- وحشتني اوي

"رمقها رامـي بنظرة قاسية ثم أبعدها عن الباب في غضب فاصطدمت بالحائط صدمة خفيفة، ثم فتح الباب ودخل بعد أن اغلقه في وجهها.
ابتسمت ابتسامة شيطانية وهمست قائلة"
- ماشي يا رامـي! هجيبك
***

"عندما دخل رامـي إلى الغرفة، أغلق الباب خلفه ثم وضع حقيبته جانباً، وأخذ يتأمل غرفته.
كان مشتاقاً إليها خاصة ذلك الدولاب الزجاجي في غرفته المملوء بالبيوت والمباني التي صنعها بالمكعبات التي كان يلعب بها في صغره وأيضاً تلك التي صنعها بقطع الميكانو المعدنية عندما كَبُرَ قليلاً.
توجه ناحيته وأخذ يشاهد تلك البيوت وكأنه يراها لأول مرة في سعادة، ثم فتح الدولاب وانحنى ليفتح ذلك الدرج الذي يوجد في الأسفل وأخرج منه حقيبة صغيرة ملونة كانت والدته قد أحضرتها إليه لتكون أول استعداداته للمدرسة.
توجه بها ناحية السرير ثم جلس وفتحها ليخرج منها كل الأغراض التي وضعها فيها منذ زمن بعيد ليهرب ويبحث عن والدته.
كانت تحتوي على بيجامة طفولية باللون الأزرق الفاتح ولعبته الصغيرة التي أحضرتها له والدته في عيد ميلاده الثاني وكان لا يتركها من يده، وصورة له ولوالدته كُتِبَ عليها تاريخاً كان يسبق تاريخ ذلك اليوم بأسبوعين فقط، وأوراق مالية ملونة من بنك الحظ، ولكنه كان يظن وقتها أنها تستطيع شراء دول العالم كلها كما أخبرته من قبل، إذاً بالطبع ستستطيع إرجاع والدته إليه، أليس كذلك؟
ابتسم في سخرية من ذلك الطفل الساذج الذي كان يتخيل أنه قادر على فعل أي شيء بأوراق مالية لا قيمة لها، ولعبة تصدر صفيراً عند الضغط عليها.
وضع كل شيء في مكانه مجدداً وأعاد الحقيبة مكانها وأغلق الدولاب بالمفتاح ثم وضع المفتاح في جيبه حتى لا يضيع.
أراد أن ينزل إلى الأسفل ولكنه لم يكن يريد لقاء تلك الحية مجدداً ففضل النوم إلى أن يجيء رامز.
وبعد ساعتين، استيقظ وبدَّل ثيابه ثم نزل إلى الأسفل فوجد رامز يجلس مع سالي يلعبان مباراة لكرة القدم أمام التلفاز ليصرخ رامز فجأة في انتصار مقلداً الكابتن مدحت شلبي"
- وجووووون... يا نهار ابيض... خلصت الماتش يابني!

"زفرت سالي في حنق قائلة"
- على فكرة أنا كنت هكسبك بس عديتها بمزاجي

"رفع رامز حاجبيه مرتين بسرعة ثم قال محاولاً استفزازها"
- فاشلة!

"قالت عابسة كالأطفال"
- غلس!

"وعندما لمح رامـي، قام من مكانه وألقى بالذراع قائلاً في سخرية"
- لاعبي التلفزيون بقى، وبرضو هتتغلبي

"قطبت حاجبيها فلم يعبأ بها وأخذ رامـي وخرجا إلى الحديقة، أشار رامـي له"
- أنت مش قلت هتتأخر في الشركة النهاردة؟

"ضحك رامز مشيراً"
- أنا فعلاً اتأخرت وجيت لقيتك نايم فقلت اغلس على سالي حبة يمكن تتهد

"قطع الحديث وصول والدهما الذي ما إن رآهما في حديقة القصر حتى تقدم ناحيتهما، وعندما وصل عندهما، قال رامز"
- حمد لله عالسلامة يا بابا!

"ابتسم والده قائلاً"
- الله يسلمك يا رامز!

"ثم نظر إلى رامـي الذي كان يراقب كل شيء في صمت فقال مبتسماً في هدوء بعد أن ربت على ذراعه"
- نورت بيتك يا رامـي!

"انتفض رامـي رغماً عنه لتلك اللمسة وابتعد خطوة قصيرة للوراء ليشعر والده بما حدث له فيبعد يده، ابتسم رامـي ابتسامة خفيفة ثم اومأ برأسه رداً على ما قال فاتبع والده قائلاً"
- اعمل حسابك إنك هتفضل هنا ومش هتمشي تاني، مفهوم؟

"أشار رامـي بملامح ثابتة"
-حضرتك عارف رأيي في الموضوع ده

"نظر إليه والده للحظات قبل أن يقول أخيراً"
- خلينا نتكلم في الموضوع ده لما زيارة عمتك تخلص

"وعلى الغداء، كانت هناك حالة من الصمت لم يكن يقطعه في بعض الأحيان سوى الحديث عن العمل بين رامز ووالده.
كانت سالي تنتهز الفرصة لتختلس النظر إلى رامـي بنظرات وقحة لم يلمحها هو ولكن رامز قد أدركها، فهو يعلم أمثالها جيداً.
وبعد الانتهاء من الغداء، صعد رامـي ورامز إلى غرفة رامـي ليتحدثا، وعندما دخلا، لمح رامز حقيبة رامـي لا تزال كما هي، أشار"
- أنت ماطلعتش هدومك من الشنطة ليه؟

"رفع رامـي كتفيه بلا مبالاة ثم اشار"
-مالوش لزوم طالما همشي تاني

"نظر رامز إليه ثم أشار"
- أنت عاوز تمشي ليه يا رامـي؟

"أشار رامـي وقد تعجب من طريقته الخالية من المزاح هذه المرة"
- قلتلك... أنا حبيت جو المزرعة وبحب اقضي وقتي مع ورد

"سأله رامز في غموض"
- بس؟

"نظر إليه رامـي دون فهم فاتبع رامز مشيراً"
- أنا اخدت بالي من نظرات سالي ليك

"أشار رامـي وهو يحاول أن يبدو ثابتاً"
- نظرات إيه؟

"ضحك رامز ضحكة خفيفة ثم أشار"
- أنت عايز تفهمني إنك مش واخد بالك هي بتتكلم معاك ازاي وبتبصلك ازاي لما بابا مابيكونش مركز معاها؟ نظرتها مش نضيفة يا رامـي! أنا فاهمها كويس.

"ظل رامـي صامتاً فاتبع رامز مشيراً"
- هي حاولت معاك قبل كده؟

"نظر إليه رامـي في غضب ثم أشار"
- أنت اتجننت يا رامز؟! إيه الكلام ده!

"أشار إليه محاولاً أن يهدئه"
- اهدى يابني! أنا ماقصدش حاجة، بس أنا متأكد إن هي السبب في إنك تمشي

"نظر إليه رامـي ثم أشار"
- أنا مش عاوز مشاكل، كفاية اللي احنا فيه، بابا لو عرف اللي بتعمله هيقلب الدنيا

"اومأ رامز مشيراً"
- بالظبط... عشان كده حبيت افهم منك
***

"وفي المساء، وأثناء ما كان السيد سليم في غرفته يستعد للخروج إلى عشاء عمل، كانت سالي تلاحقه من مكان لآخر قائلة في إلحاح"
- يا حبيبي عشان خاطري خدني معاك!

"قال سليم محاولاً الاحتفاظ بهدوئه"
- يا حبيبتي بقولك ده عشاء عمل.. يعني شغل.. يعني هتزهقي ومش هتكملي ربع ساعة وهتقولي يلا نمشي

"قالت ملحة كالأطفال"
- صدقني مش هقولك كده بس خدني معاك، أنا زهقانة لوحدي اوي، مش كفاية سايبني طول النهار لوحدي بسبب الشركة دي؟!

"نظر لها في برود ثم قال"
- عاوزاني اسيبها واقعد جنبك يعني ولا ايه؟

"لفت ذراعيها حول عنقه وقالت في دلال"
- لا طبعاً بس يعني يرضيك كده؟ بقالك فترة مش مهتم بيّ خالص، ينفع كده؟!

"ابتسم ثم اقترب منها وقبَّل وجنتها في رقة ثم قال"
- النهاردة لما ارجع، لينا كلام تاني، مبسوطة كده؟

"ضحكت ضحكة ناعمة جعلته يفكر في عدم الذهاب إلى ذلك العشاء ثم قالت هامسة"
- هستناك على نار

"في نفس الوقت، كان رامز يجلس في غرفته ينتظر خروج والده حتى يخرج هو أيضاً لسهراته المعتادة التي سيتوقف عنها طيلة فترة زيارة عمته سناء، وعندما سمع صوت انغلاق باب القصر، خرج من غرفته متوجهاً إلى غرفة رامـي الذي كان متمدداً على السرير ممسكاً بهاتفه ينظر فيه بتركيز شديد وهو يحاول تجاوز ذلك الدور الصعب من لعبته المفضلة.
لم تكن ألعاب الهاتف من هواياته أبداً حتى وجد رشا، سكرتيرة مكتب والده، تلعب تلك اللعبة على هاتفها فقام بأخذها سريعاً ومنذ ذلك الحين لم يتركها.
لا يدري حتى الآن ما الذي يعجبه فيها ولكنها قادرة على إلهائه بشكل كبير. لم يشعر حتى بوجود رامز الذي دخل إلى الغرفة واقترب ناحيته ثم التقط الهاتف من يده فجأة فوجد تلك اللعبة مرة أخرى، قال"
- يابني أنت كفاية كاندي كراش بقى هتدمر نفسك، أنا هفصل رشا بسبب اللعبة دي

"عاد رامـي ليأخذ الهاتف منه في عناد قاطباً حاجبيه كالأطفال ليبتسم رامز وقد تذكر تلك الأيام التي كان بإمكان رامـي فيها أن يركض خلفه لأميال لأنه أخذ لعبته منه، قال"
- أنا خارج، برضو مش هتيجي؟

"أشار رامـي في سأم"
- مابحبش الأماكن اللي بتسهروا فيها دي، الجو هناك بيحسسني إني سامع الدوشة اللي فيه وبيتعبني

"ابتسم رامز مشيراً"
- خلاص... هحاول ارجع بدري ونسهر سوى هنا

"اومأ رامي بابتسامة فخرج رامز من الغرفة، بينما عاد هو ليتمدد على السرير ليكمل الدور والذي تجاوزه أخيراً بعد عناء فأخذ يصفق لنفسه في سعادة ثم قام من مكانه وأخرج بعض الأغراض من حقيبته ووضعها على السرير ثم دخل إلى الحمام ليستحم.
مر بعض الوقت حتى خرج من الحمام ليُصدَم بما رأى على السرير."

***

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-05-22, 10:51 PM   #8

دانه عبد

? العضوٌ??? » 478587
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 513
?  نُقآطِيْ » دانه عبد is on a distinguished road
افتراضي

💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚

دانه عبد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-05-22, 11:20 PM   #9

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل الخامس

"كانت جالسة على السرير في وضع مُخِل وهي مرتدية أشد ثيابها جرأة تنظر إليه بوقاحة وهي تتأمل جسده النصف عارٍ بنظرات كان يشعر بها تخترقه كالأسهم، وقبل أن يفيق من صدمته ويفكر في طردها، قامت من مكانها واقتربت ناحيته في خطوات ثابتة مدللة حتى صارت أمامه.
كانت لا تزال محتفظة بنظراتها الجريئة التي كانت تصطدم بنظراته التي كانت لا تفهمها، اقتربت منه أكثر وقالت هامسة وهي تنظر في عينيه التي لم تستطع إلى الآن تحديد لونهما حتى وهي على بعد سنتيمترات قليلة منه"
- أخيراً جه الوقت اللي اقولك فيه إني بحبك


"ظل كما هو حتى أن نظرته لم تتغير حتى اتبعت"
- وعارفة إنك كمان بتحبني بس خايف من سليم


"ثم ابتسمت ابتسامة شيطانية وهي تتأمل وجهه الفاتن المنحوت وخصلات شعره المبللة ثم أكملت"
- بس النهاردة مش محتاج تخبي، الفرصة جت عشان نبقى لوحدنا


"ابتسم رامـي ابتسامة غريبة لم تفهمها ولم تهتم أن تفهمها فمدت يدها ناحيته وقبل أن تلمسه كانت صفعته قد اسقطتها أرضاً.
نظرت إليه في صدمة وقبل أن تقول أي شيء كان قد أمسك بذراعها وجرها ناحية الباب ثم فتحه وأخرجها من غرفته ثم أغلق الباب وأوصده بالمفتاح.
ظلت في مكانها على الأرض مصدومة مما فعل للتو، وعندما سمعت صوت الخدم بالأسفل، جرت مسرعة ناحية غرفتها قبل أن يراها أحدهم بذلك المنظر المخزي.
دخلت غرفتها، أغلقت الباب خلفها ثم بدلت ثيابها بسرعة، وذهبت ناحية المرآة لترى أثر صفعته على وجنتها، ولكنه كان خفيفاً وليس واضحاً رغم قوة الصفعة.
أمسكت بعلبة التجميل خاصتها ثم حاولت إخفاء تلك العلامات البسيطة حتى نجحت تماماً.
تنفست الصعداء وقد اطمأنت أن سليم لن يلاحظها ويسألها، وبالطبع لن تمتلك الشجاعة لتخبره بما حدث، حتى وإن قلبت الحقائق وادعَّت أن رامـي قد حاول الاعتداء عليها، فهو لن يصدقها وسيأخذ صف ابنه العزيز إلى قلبه والذي يعلم الجميع أنه لا يطيق لمسة أي شخص فكيف له أن يعتدي عليها؟
وفي نفس الوقت شعرت بغيظ شديد مما فعله، كيف يجرؤ على ذلك؟ كيف يرفضها هي التي كان يركض خلفها عشرات الرجال حتى استطاعت الإيقاع بسليم الراوي نفسه؟"

***

"بعد أن أغلق الباب، جلس على السرير مصدوماً مما حدث، كيف جرُأت على فعل ما فعلت؟ ماذا لو كان قد رآها أحدهم وهي تدخل غرفته وتخرج بتلك الهيئة؟
كان رامز محقاً، ولقد فهمها هو من قبل ولكنه لم يتوقع أن تصل بها الجرأة وتقدِّم نفسها بذلك الشكل المهين.
بدَّل ثيابه وخرج من الغرفة ومن القصر بأكمله ليذهب إلى رامز، حتى ولو كان يقضي سهرته الآن في نار جهنم فبالتأكيد ستكون أفضل من الجلوس وحيداً مع تلك الحية اللعينة.
وعندما خرج من القصر، وفي طريقه إلى النادي الليلي الشهير الذي يذهب إليه رامـز ليلتقي بصديقاته الكُثر، مر بجانب أحد المقاهي فوجدها تجلس إلى إحدى الطاولات المجاورة لزجاج المقهى.
توقف بسيارته قليلاً وهو ينظر ناحيتها ليرى ما إذا كانت بصحبة أحد أم لا، وعندما مرت عدة دقائق ولم يجد أحداً، صفَّ سيارته ونزل منها وتوجه ناحيتها.
كانت جالسة وحدها في ذلك المقهى المفضل تتمتع بصحبة قهوتها المفضلة، ففي آخر الأسبوع تحب أن تخصص يوماً لنفسها ترتاح فيه من رؤية الناس قليلاً، ويوم آخر لصحبة ندى وسما تستمع إلى حكاياتهما التي لا تنتهي، هذه عن جارها العاشق الذي يلاحقها من مكان لآخر ويرغب في الزواج منها، وتلك عن فارسها أخضر العينين الذي صحبها ذات مرة إلى أحد المقاهي ثم نسيها وكأنها لم تكن.
تلك العائلة ثانية وأبنائها الذين صُنعوا من الفانيليا كما تنعتهم زينة دوماً خاصة ذلك الغريب الذي صُنعَ من جرعات مفرطة من الفانيليا غالباً... لا يوجد تفسير لوسامته الصاعقة غير ذلك.
وكأنها كانت تستدعيه بالفعل حتى وجدته أمامها بتلك الابتسامة الهادئة مجدداً، لقد رسمت لابتسامته تلك ثلاث لوحات في يومين، حسناً... يبدو أن مرسمها الصغير في منزلها سيمتلئ بصوره فقط.
بادلته الابتسامة بأخرى سعيدة وأشارت على الكرسي أمامها ليجلس، وعندما جلس كتب على هاتفه"
- تضايقي لو قعدت معاكي؟

"عندما قرأت كلماته كانت على وشك أن تخبره أن وجوده الآن هو أفضل ما حدث في هذا اليوم، ولكنها قالت بدبلوماسية تخفي الطبول الراقصة بداخلها ومعها ابتسامة جميلة"
- لا أبداً، حضرتك تنورني

"ابتسم لها فاتبعت قائلة"
- تشرب ايه؟


"أشار ناحية فنجان قهوتها ففهمت أنه يريد من نفس النوع فطلبت من النادل إحضار فنجانين من القهوة، وعندما ذهب النادل، كان رامـي قد كتب على هاتفه"
- أنتِ بتيجي المكان ده كتير؟

"ابتسمت شمس قائلة"
- بقالي سنتين مواظبة عليه ولازم آجي آخر كل اسبوع، ده مكاني المفضل

"كتب رامـي مبتسماً"
- وإيه المختلف فيه؟

"قالت شمس بحماسها الذي يملأ عينيها عندما تتحدث عن شيء تحبه، حماسها الذي جعل ابتسامته تزداد"
- المكان هنا هادي اوي، مش دوشة ومش زحمة، إضاءته خفيفة، والمزيكا بتاعته حلوة ومن النوع اللي بحبه


"كتب على الهاتف وقد بدأت عدوى حماسها تصله"
- وإيه هي الموسيقى اللي بتحبيها؟


"قالت في سعادة"
- Jazz

"ابتسم في سعادة ثم كتب"
- Louis Armstrong, Frank Sinatra, Charles Aznavour
أنا كمان بحب النوع ده

"ظلت شمس محتفظة بابتسامتها ولكنها لم تستطع منع علامات الاستغراب في عينيها، كتب وقد فهم كل تساؤلاتها"
- ماما كانت بتحب تسمعهم اوي وأنا صغير، عشان كده عارفهم وكنت بحب اسمعهم معاها


"قالت شمس بارتباك وابتسامة مهزوزة"
- هو أنا ممكن اسأل سؤال؟

"ثم صمتت للحظات ونظرت إليه فوجدته لا يزال محتفظاً بابتسامته، فلم تستطع منع نفسها من إكمال سؤالها المتقطع"
- ازاي... ده حصل؟

"كتب ببساطة"
- لما كان عندي خمس سنين جاتلي حمى شديدة ودي كانت النتيجة

"شعرت شمس بالحزن لأجله ولكنها لم تظهر ذلك حتى لا تضايقه، قالت محاولة الرجوع لموضوع الموسيقى"
- ماما بتحب تسمع كل أنواع الأغاني

"ثم مالت على الطاولة و كأنها لا تريد لأحد أن يسمعها"
- أقولك على سر؟

"مال هو الآخر على الطاولة في اهتمام لما ستقوله فاتبعت بصوت خافت"
- أنا اتولدت في محل بيبيع اسطوانات مزيكا وشرايط أفلام... بس ماتقولش لحد

"نظر لها ثم أخذت ابتسامته تتسع حتى تحولت إلى ضحكة عالية فتبعته ضحكتها، وعندما هدآ، نظرت حولها فلم تجد من ينظر ناحيتهما ويحاول التطفل عليهما، وعندما عادت لتنظر إليه فوجدته يطالعها بابتسامة رائعة ثم كتب على هاتفه"
- أنا كمان هقولك على سر

"وضعت خصلات شعرها السوداء خلف أذنها ثم مالت على الطاولة ثانية وقطبت حاجبيها في اهتمام، فاتبع كاتباً"
- أنا قضيت طفولتي كلها مقتنع إن فلوس بنك الحظ فلوس حقيقية، وكنت بحوشها كلها عشان لما أكبر اشتري كل الدول اللي نفسي أزورها

"قالت في سعادة"
- أنا كمان كنت كده، لما ماما كانت بتديلي مصروف قليل كنت باخد من فلوس بنك الحظ، وكنت بدفعهم في كانتين المدرسة بس الراجل ماكانش بياخدهم مني ولا بيديلي البسكوت الغالي اللي عنده، وكنت بقعد طول الفسحة بعيط

"ضحك منها ثم كتب"
- ولما كبرتي اشتريتي البسكوت اللي نفسك فيه؟

"قالت بافتخار"
- بجيب منه بالكرتونة... بقى تخليص حق بالنسبة لي


"عاد ليضحك منها بشدة، وكان قلبها يرقص بالداخل فرحاً حتى انتبهت له يكتب"
- أنا عاوز اقولك على حاجة

"نظرت إليه باهتمام فاتبع"
- أنتِ مجنونة

"ضحكت ثم قالت في حماس"
- طب تحب احكيلك عن مغامراتي في ابتدائي؟


"مر وقت طويل وهما يتحدثان، أو بمعنى أصح هي من تتحدث باستمرار عن نوادر طفولتها، بينما هو كان يضحك منها بشدة وقد نسي كل ما حدث منذ عدة ساعات.
شعرت شمس بتأخر الوقت ونظرت حولها، وجدت أن الجميع قد رحل تقريباً، نظرت إليه قائلة"
- الناس مشيت، احنا طولنا اوي كده؟

"نظر في ساعته ثم كتب"
- بقالنا خمس ساعات تقريباً

"قالت في صدمة"
- يا خبر! ماما هتبيتني برة البيت النهاردة

"ضحك ثم كتب"
- طيب تعالي اوصلك بسرعة

"قالت في امتنان"
- شكراً! أنا جيت بعربيتي

"هز رأسه نفياً ثم كتب"
- ماينفعش تروحي دلوقتي لوحدك، هوصلك ومافيش اعتراض

"لم تجد مفراً من القبول، وبالفعل ذهبت معه وأوصلها، وقبل أن تنزل، نظرت إليه مبتسمة ثم قالت"
- أنا انبسطت اوي النهاردة، كانت صدفة حلوة جداً

"ابتسم لها ثم كتب"
- أنا كمان انبسطت، لما خرجت ماتوقعتش إني ممكن انبسط كده، شكراً!


"ابتسمت له ثم نزلت من السيارة ولوحت له قبل أن تدخل إلى المنزل، وعندما اطمئن أنها قد دخلت إلى المنزل ذهب بسيارته عائداً إلى البيت.
عندما، دخلت إلى المنزل وجدت أمها تقف ونظرتها لا تنبئ بخير، قالت شمس بابتسامة متوترة"
- ازيك يا ماما؟

"قالت والدتها في نبرة حازمة"
- كنتِ بتعملي ايه برة للوقت ده؟ و مين اللي جيتي معاه ده؟

"ابتسمت شمس ثم قالت مطمئنة إياها"
- ماتقلقيش يا ماما! أنا كنت في الكافيه اللي بروحه مع ندى وسما زي ما قلتلك

"سألتها والدتها في ضيق"
- ومين اللي جيتي معاه ده؟

"قالت شمس مفسِّرة"
- ده باشمهندس رامـي! يبقى صاحب الشركة اللي بشتغل فيها

"قالت والدتها ببادرة غضب"
- وإيه اللي يقعدكم سوى للوقت ده؟ ويوصلك بصفته إيه؟

"قالت شمس مطمئنة إياها"
- أنا كنت قاعدة هناك لوحدي، وبعدين قابلته بالصدفة هناك، اتكلمنا شوية والوقت سرقنا، ولما لقى إن الوقت اتأخر عرض عليا إنه يوصلني بعربيته عشان ماروحش لوحدي في الوقت ده

"لم يختفِ غضب والدتها بل قالت"
- وازاي توافقي يا شمس؟ يعني خفتي تيجي لوحدك في الوقت ده وماخفتيش من راجل غريب يوصلك؟

"قالت شمس بدورها"
- أنا فعلاً قلتله إني معايا عربيتي وممكن أمشي بيها بس هو صمم فماعرفتش أقوله حاجة

"ظلت والدتها صامتة والضيق لا يزال جلياً على وجهها فاقتربت شمس منها ثم قالت"
- أنا آسفة، أوعدك مش هتتكرر تاني أبداً

"ثم اتبعت"
- وصدقيني أنا لو كان عندي شك بس إنه شخص مش كويس مستحيل كنت أوافق

"قالت والدتها في ضيق"
- وعرفتي منين إنه كويس بقى؟

"ابتسمت شمس قائلة"
- هو يبقى مديري في الشغل يا ماما! واتعاملت معاه قبل كده، ولما اتكلمنا النهاردة حسيت إنه شخص محترم، وأنتِ عارفة إن نظرتي في الناس عمرها ما خيبت

"قالت والدتها في قلق"
- أيوة بس الناس بقت وحشة، ولو حد شافكم دلوقتي الله أعلم ممكن يقول إيه

"قالت شمس في ثقة"
- الناس مالهاش حاجة عندي لإني مابعملش حاجة غلط، وبعدين دي هتكون آخر مرة ومش هتحصل تاني، يعني حصل خير

"ظلت والدتها صامتة فاتبعت بعد أن قبّلتها"
- خلاص بقى يا سُميَّة!

"ابتسمت والدتها ثم قالت"
- طب روحي نامي بقى عشان شغل الصبح

"اومأت شمس برأسها ثم ابتسمت قائلة"
- حاضر، تصبحي على خير يا ماما!

***

"وصلت السيدة سناء الراوي إلى القصر في سيارتها الفخمة، نزل السائق من السيارة ثم توجه ناحية بابها وفتحه لتنزل منه سيدة أرستقراطية أنيقة في الستين من عمرها، ذات شعر أسود تتداخل معه خصلات بيضاء أضافت لها وقاراً وهيبة، لم يخفِ السن ملامح وجهها الرقيقة والحازمة، ترتدي ثوباً أنيقاً باللون الأزرق.
وعندما نزلت، توجه الحارس ناحيتها بالترحاب ثم أوصلها إلى باب القصر ودق الجرس، فتحت صفية الباب وقالت بابتسامة عريضة"
- يا أهلاً وسهلاً يا سناء هانم! نورتي

"ابتسمت سناء قائلة"
- ازيك يا صفية؟

"ابتسمت صفية قائلة"
- بخير يا سناء هانم!

"قطع حديثهما صوت باب المكتب وهو يُفتح ليخرج منه السيد سليم ومعه رامز ورامـي، تقدم السيد سليم ناحيتها ثم قال بابتسامة واسعة بعد أن عانقها"
- حمد لله عالسلامة يا سناء! نورتينا!

"قالت السيدة سناء بابتسامتها الهادئة"
- الله يسلمك يا سليم! وحشتني

"ابتسم السيد سليم قائلاً"
- وأنتِ أكتر يا سناء

"تقدم رامز ناحيتها ثم قبّل يدها قائلاً بعد أن عانقها أيضاً"
- حمد لله عالسلامة يا عمتو!

"ابتسمت السيدة سناء قائلة"
- الله يسلمك يا رامز! وحشتني اوي

"قال مبتسماً"
- وحضرتك كمان وحشتيني اوي

"ثم اتبع مغازلاً"
- وبعدين إيه الشياكة دي؟! طب والله احلويتي عن آخر مرة

"ضحكت ضحكة قصيرة، لا يوجد من يستطيع إضحاكها مثلما يفعل رامز، قالت بعد أن ربتت على كتفه"
- هتفضل طول عمرك بكاش يا رامز

"ثم التفتت إلى رامـي، الذي كان يراقب ما يحدث في صمت بابتسامة هادئة، وقالت"
- ازيك يا رامـي؟

"ابتسم رامـي مرحباً بها ولكنه لم يقترب منها ليعانقها أو يقبّل يدها مثلما فعل رامز. قالت بنبرة يشوبها بعض التأنيب"
- برضو مش هتيجي تسلم عليا؟

"لم يجد شيئاً يجيبها به، ولكن قطع صمتهم نزول سالي من الطابق الأسفل وهي ترتدي ثوباً قصيراً بحمالات رفيعة وشعرها الأشقر يتطاير حولها وتقول بصوتها المدلل"
- سليم! يا حبيبي أنت سايبني كل ده وبتعمل ايه؟

"فغر كل من رامز ورامـي فمهما خاصة بعد أن رأيا نظرة عمتهما التي اشتعلت معلنة عن بدأ معركتها الأولى في هذا القصر الفاقد للانضباط بالنسبة لها، همس رامز لرامـي معتمداً على قدرته على قراءة الشفاه"
- اهي ولعت يا حبيبي!

"وعندما وصلت سالي إلى سليم، كان يطالعها بنظرات تخبرها بأن اليوم ربما سيكون آخر أيام حياتها، نظرات لم تفهمها جيداً ولكنها نظرت إلى السيدة سناء باستغراب حتى تذكرت أن اليوم هو موعد وصول أخت زوجها، إذن هي من تقف أمامها الآن، صحيح؟
مدت يدها ناحيتها وهي تقول بميوعة"
- هاي!

"نظرت لها السيدة سناء من رأسها إلى أخمص قدميها بنظرات مليئة بالقسوة والاشمئزاز ثم نظرت إلى السيد سليم وقالت في تكبر"
- مين دي؟
"كتم رامز ورامـي ضحكتهما احتراماً لسخونة الموقف بينما قال السيد سليم محاولاً الاحتفاظ بقوته"
- سالي مراتي

"قالت في اندهاش"
- مراتك؟

"اقتربت سالي منه ثم اسندت يدها إلى كتفه قائلة"
- ايوة

"لم تلتفت إليها السيدة سناء وقالت إلى سليم"
- من امتى؟

"كاد أن يتحدث و لكن سالي سبقته قائلة"
- من ست شهور بس

"أيضاً لم تكلف نفسها عناء النظر إليها ثم التفتت إلى رامز قائلة"
- تعالى يا رامز وصلني اوضتي... العيلة دي مافيهاش غيرك باين

"اصطحبها رامز قائلاً في تملق"
- اتفضلي يا حبيبتي! منورة والله

"بينما صعد رامـي إلى غرفته أيضاً، وعندما اختفوا، التفت السيد سليم إلى سالي ممسكاً بذراعها في قوة لتتأوه قائلة"
- دراعي يا سليم!

"شدد قبضته أكثر ثم قال بنبرة حادة وحازمة"
- قسماً بالله يا سالي لو ماتصرفتي باحترام مع أختي لتشوفي مني وش عمرك ما شفتيه، فاهمة؟

"قالت متأوهة"
- أنا عملت ايه عشان كل ده؟

"قال بنفس النبرة"
- اللي يقل أدبه مع سناء يبقى بيقل أدبه معايا أنا شخصياً، عدي اليومين دول على خير احسنلك

"ثم نظر إلى ثيابها واتبع"
- وآخر مرة اشوف اللبس ده برة الأوضة، اديني حذرتك

"ثم تركها وذهب هو الآخر لتصعد إلى الغرفة وهي تدب على درجات السلم في حنق كالأطفال."
***
"صعد رامز مع عمته إلى غرفتها ودخلا، قال محاولاً الهرب من سيل الأسئلة الذي على وشك أن يغرقه الآن بابتسامة عريضة"
- ارتاحي يا عمتو على ما الغدا يجهز، لو احتجتي حاجة قولي جزر!... عن إذنك!

"وقبل أن يخرج من الغرفة، أوقفه صوت عمته الحازم"
- تعالى يا رامز!

"أغمض عينيه في قلق ثم التفت إليها محاولاً أن يبدو طبيعياً"
- عاوزاني في حاجة يا عمتو؟

"أشارت بعينيها إلى الكرسي كي يجلس، توجه ناحية الكرسي ثم جلس في وداعة وقد تذكَّر تلك الأيام التي كان يخطئ فيها عندما كان صغيراً فتعاقبه عمته بالجلوس على كرسي المشاغبين، كانت أيام لطيفة يحمد الله على مرورها كل يوم، قالت"
- سليم اتجوز امتى؟

"قال رامز في ارتباك"
- من ست شهور يا عمتو

"قالت في نبرة حازمة"
- وعرفها ازاي؟

"ابتلع رامز ريقه في توتر ثم قال"
- ماعرفش

"رمقته بنظرة غاضبة ثم قالت"
- يعني ايه ماتعرفش؟ رامـي يعرف حاجة؟

"هز رامز رأسه نفياً ثم قال"
- ولا هو كمان يعرف

"اتبعت بنفس نبرتها"
- يعني جابها من الشارع وهو جاي ولا ايه؟

"كان على وشك أن يضحك لكنه احتفظ بهدوئه ووداعته قائلاً"
- اللي اعرفه إن أنا ورامـي كنا في سفرية شغل برة مصر ورجعنا لقيناها قاعدة في الجنينة... أنتِ مين؟ أنا سالي مرات بابا، وقمنا اتغدينا كلنا

"قالت السيدة سناء في غضب معنفة إياه"
- رامز!!!

"قال رامز في نبرة جادة"
- والله يا عمتو ده اللي حصل

"قالت في قسوة"
- يعني ايه ده اللي حصل؟ ماعترضتوش؟ أخوك اللي بقاله سنين مدي العيلة كلها الوش الخشب ومش سائل في حد ماقالش حاجة؟ ازاي سكتتوا على وجود...

"كانت على وشك أن تلعن أمثالها ولكنها تمالكت نفسها قائلة"
- واحدة زي دي؟

"قال رامز محتفظاً بعلامات الجدية خاصة بعد أن وجد عمته على وشك أن تفقد أعصابها"
- الموضوع مافرقش مع رامـي عشان زي ما حضرتك قلتي مش فارق معاه حاجة

"ثم صمت للحظات قبل أن يكمل"
- وبصراحة أنا كمان مش فارق معايا، بابا مش صغير عشان نمنعه عن حاجة، هو حر

"نظرت إليه في دهشة ثم قالت"
- يعني إيه مش فارق؟ هو انتو خلاص بقيتوا كارهين أبوكم اوي كده؟

"قال رامز سريعاً"
- الحكاية مش كده اكيد يا عمتو! بس حضرتك عارفة بابا دماغه ناشفة ازاي ومهما كنا اعترضنا اكيد ماكانش هيسيبها عشاننا، وكمان لو كان رأينا مهم ماكانش هيتجوزها واحنا مسافرين، عالأقل كان أخد رأينا

"ساد الصمت حتى قالت عمته بصوت خافت"
- الله يرحم أيامك يا رقية!

"وصل صوتها الخافت إلى مسامعه ولكنه لم يعلق بل ابتلع غصة الحزن التي أصابته فجأة ثم قال محاولاً العودة إلى قناعه الساخر"
- اقوم من عالـنوتي تشير يا عمتو؟

"نظرت إليه ثم ارتسم على وجهها شبح ضحكة ثم قالت"
- قوم يا رامز!

"قام رامز ثم ابتسم لها قبل أن يرحل قائلاً"
- لما يجهز الغدا هاجي ابلغ حضرتك بنفسي... عن إذنك!


"وبعد أن رحل، جلست عمته على السرير وهي تفكر... من الواضح أن ثمة أمور كثيرة قد تغيرت منذ آخر مرة جاءت فيها إلى هنا، يجب أن تفهم كل ما يجري، لقد بدأت بـ رامز، تبقى اثنان... أخوها... ومن ثم... رامـي.
***
"عندما تم إعداد الغداء، وأصبحت السفرة جاهزة، قام رامز بإخبار عمته واصطحبها معه إلى الأسفل، وعندما نزلا كان البقية ينتظرونهما للبدء.
جلست السيدة سناء على الكرسي الأيمن لكرسي أخيها بينما جلست سالي على الكرسي الأيسر له وجلس رامـي إلى جوار عمته بينما جلس رامز إلى جوار سالي.
كان الصمت سيد الموقف يشاركه التوتر الذي تبثه السيدة سناء بنظراتها المستاءة، كان رامز يسترق النظر أحياناً إلى كل من عمته وسالي، وكان رامـي منشغلاً في طعامه ولا ينظر لأحد ولا يهتم إن كان يوجد حديثاً يفوته، ويتمنى لو تنتهي تلك الزيارة ويعود إلى صديقه ورد وحضنه العفوي مرة أخرى.
انتهى وقت الغداء بأعجوبة لتلتفت السيدة سناء إلى أخيها قائلة"
- سليم! عاوزاك في موضوع مهم

"أومأ برأسه قائلاً بابتسامة"
- أكيد يا سناء! اتفضلي

"وقبل أن يتوجها إلى المكتب، أوقفهما صوت سالي"
- سليم! انتو رايحين فين؟

"رد السيد سليم قائلاً"
- هندخل المكتب شوية ونطلع

"رفعت كتفيها إلى أعلى قائلة"
- اوك

"ثم اتبعت وقد التفتت إلى السيدة سناء"
- منورة يا طنط!

"فجأة اشتعلت عينا السيدة سناء في قوة ثم توجهت في عدة خطوات ثابتة ناحية سالي، وكان رامز قد أشار إلى رامـي بكل ما حدث وختم إشاراته قائلاً"
- سالي مصممة تتقتل النهاردة

"نظرت إليها السيدة سناء نظرة متعالية وقالت بكبرياء اختص به الأقوياء من تلك العائلة"
- سناء هانم يا... سالي!

"وقبل أن ترد سالي، كانت السيدة سناء قد التفتت إلى أخيها قائلة"
- تعالى يا سليم!

"ثم اصطحبته إلى الداخل وأغلقت الباب في وجهها، عضت سالي شفتيها في غيظ ثم التفتت إلى رامـي ورامز، اللذان كانا يتابعان المشهد وكأنه مباراة شيقة، وقالت في عصبية"
- في ايه؟

"ذهب رامز من أمامها وهو يقول ساخراً"
- يا عيني عالحلو لما تبهدله الأيام

"بينما ظل رامـي في مكانه أمامها، ساد الصمت بينهما حتى قالت في غيظ"
- مش عاوز تقول حاجة أنت كمان؟

"كانت نظرته القاسية والتي لا تختلف عن نظرة عمته للتو كافية بالنسبة لها لتصفعها صفعة أخرى كتلك التي لم يختفِ أثرها بعد، ثم ذهب من مكانه متجهاً إلى غرفة رامز."

***

"أما السيدة سناء... فعندما دخلت المكتب مع أخيها وجلسا على الأريكة الموجودة في الغرفة، قال سليم"
- خير يا سناء! موضوع ايه اللي عايزاني فيه ده؟

"نظرت إليه ثم قالت في نبرة حازمة ومنخفضة"
- امتى هتكبر وتبطل استهتار يا سليم؟

"ضحك ضحكة قصيرة ثم قال"
- امتى هكبر؟ لو مش واخدة بالك أنا عندي 55 سنة

"ظلت على نظرتها القوية قائلة"
- بس ماعقلتش يا سليم! نفس الاستهتار... الاستهتار اللي ضيع منك واحدة زي رقية، وهيضيع عيالك كمان

"نظر لها دون فهم قائلاً"
- هيضيع عيالي؟! قصدك ايه؟

"قالت في نبرة حازمة"
- أنا عايزة اعرف ايه اللي أنت اتجوزتها دي؟ ازاي اخترتها؟ وعشان ايه؟

"احتدت عيناه ثم أشار لها بسبابته قائلاً"
- سناء! اللي بتتكلمي عنها دي مراتي، ولازم تحترميها زي ما طلبتي منها من شوية تحترمك

"نظرت إليه في صدمة قائلة"
- بتدافع عنها؟ سليم! أنت طلقت رقية من زمان عشان في الآخر تكمل حياتك مع واحدة زي دي؟

"ازدادت نبرته قوة قائلاً"
- سناء!! لآخر مرة بقولك دي مراتي ولازم تحترميها

"هزت رأسها قائلة في استنكار"
- أنت عاوز تخسر عيالك خالص

"قال ببساطة"
- عيالي ماعترضوش على جوازي وخدوا الموضوع ببساطة

"ابتسمت ابتسامة جانبية ثم قالت"
- ببساطة؟ فعلاً؟ أنت فاكر عشان ماعترضوش إنهم موافقين؟

"قال في غضب طفيف"
- أنتِ عايزة تقولي ايه؟

"قالت بنبرة قوية"
- عيالك كل يوم بيبعدوا عنك، رامـي لسة رافضنا كلنا ورافض يقرب من أي حد فينا، ورامز بيخبي كل حاجة ورا هزاره وطريقته المستهترة اللي بقالك سنين بتشتكي منها وأنت مابتتصرفش غير بيها، عيالك عمرهم ما هينسوا أمهم ولا الأيام الصعبة اللي عاشوها بسببك، وأنت بعد كل ده بدل ما تصلح كل اللي كسرته فيهم رايح تجيب واحدة مانعرفلهاش أصل من فصل وتعيشها وسطكم، أنت ازاي مآمنها على اسمك؟

"قاطعها سليم في نبرة حادة"
- سناء!!!

"نظرت إليه في صدمة لصوته الذي يعلو عليها لأول مرة، حاول تمالك نفسه قائلاً"
- أنا ماسمحش لأي حد إنه يتدخل في حياتي وطريقتي حتى لو كان أنتِ يا سناء!

"أخذت تنظر إليه دون رد فاتبع"
- أنا اللي اخترت سالي وأنا اللي عارف أنا اتجوزتها ليه وازاي واقدر احكم إذا كانت تليق بيّ ولا لا... أنا مش عيل صغير.

"ثم اتبع قائلاً"
- وبالنسبة للولاد... أنا وعدت رامـي إني هجيبلهم مكان رقية عشان يشوفوها، ولما فكروا يبعدوا عني عرفت ازاي ارجعهم تاني، أنا مش هسمح لأي حاجة في الدنيا تبعدهم عني

"قالت سناء مستنكرة"
- وسالي هي اللي تنفع تكون مكان رقية؟

"قال في غضب"
- رقية هي اللي اختارت تمشي، أنا ماطلقتهاش غير لما هي طلبت ده، وأنتِ عارفة ده كويس

"اومأت قائلة"
- عارفة! زي ما أنا عارفة برضو ايه اللي خلاها تطلبه

"ظل صامتاً دون رد، فاتبعت"
- أنا كنت عارفة كل حاجة أنت بتعملها فيها وهي سكتت واستحملت عشان بتحبك وعشان خاطر عيالها، كانت تظهر معاك ادام الكل والضحكة مالية وشها عشان ماحدش يعرف حاجة، رغم كل أذى سببتهولها كانت بتفكر في شكلك ادام الناس وتنسى نفسها وحقها عليك

"قال في عناد"
- وهي غلطت لما فكرت تاخد رامـي وتهرب، كانت غلطة عمرها

"نظرت إليه في صدمة قائلة"
- غلطة عمرها؟! هو أنت كمان كنت عايزها تعيش وتستحمل كل العذاب اللي كانت عايشاه معاك؟ مش كفاية إنك حاولت تكره رامز فيها؟

"ظل صامتاً وعلامات القسوة والضيق تملأ وجهه، قالت"
- المشكلة بقى إنك ماقدرتش تبعدهم عنها، بالعكس... دول بعدوا عنك أنت

"قال معانداً"
- مش صح! لو بعدوا ماكانوش فضلوا جنبي السنين دي كلها

"ثم نظر إليها قائلاً في قوة"
- وبعدين أنتِ بتقولي الكلام ده ليه دلوقتي؟ كل ده عشان سالي؟ هو المفروض إني أفني حياتي كلها عشان رضاهم؟

"هزت رأسها في يأس قائلة"
- هتفضل زي ما أنت! عمرك ما هتعترف بغلطك يا سليم!

"ظل صامتاً ونظراته تشتعل في حدة وعناد، اتبعت قائلة قبل أن تقوم من مكانها"
- يستحسن تلاقي رقية في أسرع وقت، يمكن تكون دي أحسن حاجة ممكن تقدمهالهم بعد السنين دي كلها

"كانت سالي تقف على مقربة من الباب تستمع إلى حوارهما بالكامل، كانت سعيدة لأنه قد دافع عنها أمام تلك المرأة المتعجرفة، وعندما شعرت بأن الحديث قد أوشك على الانتهاء، جرت مسرعة ناحية غرفة المعيشة حتى لا يراها أحد."

.....

"وعندما دخل رامـي إلى غرفة رامز، وجده ممدداً على السرير فجلس في الجهة المعاكسة له وأشار"
- الظاهر إن عمتو سناء بدأت حملة تفتيشها بدري اوي

"ابتسم رامز في سخرية مشيرًا"
- قبل الغدا مسكتني وقعدتني عالنوتي تشير وماقمتش غير لما خلصت تحقيقاتها بخصوص سالي وازاي جت هنا البيت، واتعصبت أوي لما عرفت إننا وافقنا

"أشار رامـي في سخرية"
- كان المفروض نمنعه عن الجوازة دي بالسلاح يعني ولا إيه؟!
"أشار رامز وهو لا يزال محتفظاً بابتسامته الساخرة"
- جهز نفسك عشان النوتي تشير مستنيك

"ضحك رامـي ضحكة خفيفة ثم أشار"
- هو أنا عملت ايه؟

"نظر له مقلداً ملامح عمته الصارمة وقال"
- ازاي يا ولد ماتسلمش عليا لما جيت؟ خلاص مافيش تربية؟

"ضحك رامـي منه ثم أشار"
- طيب تعالى معايا اوضتي، ماوحشكش الميكانو؟

"لمعت عينا رامز في سعادة ثم أشار"
- اكيد واحشني، يلا بينا

"قاما معاً وذهبا إلى غرفة رامـي، وكما في الماضي... جلس رامز على الأرض بينما توجه رامـي ناحية أحد الأدراج وأخرج منه علبة كبيرة من قطع الميكانو ووضعها على الأرض وجلس أمام رامز وبدءا في إخراج القطع وتركيبها لصناعة منزل جديد في مدينتهم الخيالية.
أثناء العمل، أشار رامز مبتسماً"
- هو ده يعتبر البيت الكام في المدينة بتاعتنا؟

"ابتسم رامـي مشيراً"
- العشرين

"أشار رامز قائلاً"
- نفسي المشروع الجديد اللي شغالين عليه دلوقتي يبقى كله ليّ أنا وأنت بس... مايسكنوش حد، ونبقى حققنا الأمنية بتاعتنا

"ابتسم رامـي لما أشار به، لقد كان حلمهما منذ زمن بعيد أن يصنعا مدينة كبيرة خاصة بهما فقط ويعيشا بها ويتركا هذا المنزل الموحش بكل من فيه.
أشار رامـي مكملاً كلامه بابتسامة هادئة بها لمحة من الحزن"
- وماما تعيش معانا

"اومأ رامز متفقاً ثم أشار مكملاً"
- ونقفل بوابة المدينة من جوة عشان بابا مايلاقيناش وياخدنا تاني

"نظر له رامـي ثم أشار"
- يعني وحشتك؟

"لمعت عينا رامز بحزن قلما يظهر وتنهد مشيراً"
- اوي... حاسس إني محتاجلها

"ثم صمت للحظات واتبع"
- أنا بدور عليها

"نظر إليه رامـي في صدمة ثم أشار في لهفة"
- ووصلت لإيه؟

"هز رامز رأسه في يأس مشيراً"
- لسة مالقتش حاجة، خايف تكون فعلاً...

"قاطعه رامـي مشيراً في قسوة"
- موجودة... أنا متأكد، كل الحكاية إن مش سهل تلاقي معلومات عن حد اختفى من خمسة وعشرين سنة وساب البلد، بس أنا متأكد إننا هنلاقيها قريب، فاهم؟

"ابتسم رامز ابتسامة هادئة ثم اومأ برأسه متفهماً فأشار له رامـي ضاماً حاجبيه"
- كمل شغلك


"ضحك رامز منه ثم عاد ليشرد في تركيب القطع حتى سرقهما الوقت وحل المساء وهما لا يزالان منهمكان في العمل.
كان الميكانو أحد الوسائل التي تساعد على تنفيس غضب كل منهما، كلما غضب أحدهما، عمّر مدينة صغيرة.
لقد بنيا بيوتاً عديدة من الغضب قبل قطع الميكانو حتى أن رامز كان يطلق على مدينتهما الوهمية city of anger
قطع انهماكهما في العمل صوت طرقات على الباب، انتبه رامز للصوت فقال"
- ادخل!
"فُتِح الباب فدخلت عمتهما، أشار رامز لرامـي كي يلتفت، وعندما انتبه لها، قاما من مكانهما، قالت السيدة سناء بابتسامة هادئة"
- مساء الخير! ازعجتكم؟

"بادلها رامـي الابتسامة وقال رامز بابتسامة"
-مساء النور يا عمتو! أبداً مافيش ازعاج

"نظرت ناحية المدينة التي أصبحت شبه مكتملة وقالت بانبهار"
- ايه الجمال ده؟!

"قال رامز في سعادة"
- حلوة بجد؟ احنا بقالنا ست ساعات شغالين فيها

"ابتسمت قائلة"
- هايلة يا رامز! هتسموها ايه؟

"ابتسم رامز قائلاً"
- City of anger

"رفعت حاجبيها في دهشة سرعان ما اختفت وحلت محلها ابتسامة معجبة قائلة"
- غريب! بس عجبني

"ابتسم رامز في سعادة ورامـي أيضاً الذي كان يراقب الحديث بابتسامة هادئة، نظرت إليهما ثم قالت"
- تعالوا اقعدوا بقى أما اتكلم معاكم شوية

"سار رامز بيده على شعره في ضيق بينما رفع رامـي حاجبه في توتر ثم توجها ناحية الأريكة الموجودة بالغرفة وجلسا عليها بينما جلست عمتهما على الأريكة المقابلة. نظرت إليهما في استغراب ثم قالت"
- مالكم يا ولاد؟ في ايه؟

"قال رامز في دهشة"
- مالي؟

"قالت مستفهمة"
- شكلكم متوترين... في حاجة؟

"قال رامز سريعاً"
- لا خالص

"ثم أشار إلى رامـي قائلاً"
- جايز رامـي هو اللي متوتر؟

"نظر إليه رامـي في تعجب ثم نظر إلى عمته وهز رأسه نفياً علامة على عدم وجود توتر، ابتسمت عمتهما ضاحكة من منظرهما قائلة"
- فكرتوني أيام ما كنتم صغيرين، كنتم بتبقوا عاملين كده لما تعملوا مصيبة من مصايبكم القديمة... فاكرينها طبعاً

"قال رامز وقد تذكر كل المصائب الذي فعلها هو وأخيه والتي سرعان ما كانت تفتضح رغم مكر هذا وهدوء ذاك"
- قلبك أبيض يا عمتو!

"ضحكت عمته ثم نظرت إلى رامـي وقالت"
- عامل ايه يا رامـي؟ وحشتني!

"أشار رامـي قائلاً بابتسامة"
- حضرتك كمان وحشتيني يا عمتو! أنا كويس الحمد لله

"نظرت إليهما ثم قالت"
- وحبيتوا ولا لسة؟

"ظل رامـي ساكناً بينما قال رامز بابتسامة ماكرة"
- لسة، بس لو جايبالنا عرايس مش هنقول لا

"قالت عمته وقد انتهزت الفرصة"
- أنا فعلاً عندي ليكم عرايس زي القمر

"شعر رامز بالندم لما ورّط نفسه به، ولكنه قرر إكمال اللعبة إلى النهاية ثم قال"
- اساميهم ايه بقى؟

"أعطته صورتين ثم قالت"
- ريناد وإيناس، الاتنين كمان اخوات بس من عيلة كبيرة اوي ويليقوا بينا

"ثم اتبعت بينما كان كل من رامز ورامـي يطالع صورة عروسه المستقبلية"
- أنا طبعاً ماليش في الأمور دي بس بصراحة البنات هايلة ومش حابة أبداً إنهم يضيعوا منكم، وأكيد هما كمان مش هيلاقوا أحسن منك أنت وأخوك

"أشار رامز إلى رامـي الذي كان يطالع الصورة بملامح واجمة وحاجب مرفوع قائلاً"
- مش عاجباك؟ تاخد الشقرا اللي معايا؟

"قالت عمته في نبرة حازمة"
- رامز! أنت شايف إن ده موضوع يتهزر فيه؟

"ازدرد رامز ريقه في توتر ثم قال"
- بصراحة يا عمتو أنا ماليش في الكلام ده، مش هعرف اتجوز كده

"قالت عمته بملامح ضائقة"
- بس أنت من شوية ماكنتش ممانع

"قال رامز موضحاً"
- ماكنتش أعرف إن الموضوع بجد وصور وحاجات

"ثم اتبع بابتسامة عابثة"
- بس على كل حال هما مش بطّالين خالص

"نظرت إليه عمته في ضيق ثم قالت"
- عارف يا رامز؟ أنت ماخدتش من سليم الراوي غير قلة أدبه

"ضحك رامز قائلاً"
- هو في أحلى من قلة الأدب يا عمتو؟!

"نظرت إليه نظرة قوية ثم قالت"
- عارف لو كان في نوتي تشير للكبار؟ أنا كنت قعدتك عليه يوم كامل على قلة أدبك دي

"قال رامز في وداعة وقد أخفض نظره"
- انا آسف

"ثم عاد لينظر إلى رامـي الذي كان لا يزال ممسكاً بصورة ريناد بنفس الوجوم والتفحص، أشار رامز له قائلاً"
- أنت بتعد مسام وشها ولا ايه؟ مالك؟

"انتبه إليه رامـي ثم أشار"
- لون شعرها مش متناسق مع لون عينيها... شكلها صابغة

"قامت عمتهما من مكانها ثم أخذت منهما الصورتين وقالت"
- أنا غلطانة! لما نشوف هتحبوا مين في الآخر

"ابتسم رامز في مكر قائلاً"
- ماتخافيش يا عمتو! هنفاجئك

"صمتت عمتهما ثم نظرت إلى رامز قائلاً"
- رامز! ممكن تسيبني أنا ورامـي شوية لوحدنا؟

"شعر رامز بالقلق ولكنه قال"
- حاضر يا عمتو! بعد إذنك

"وبعد أن خرج رامز، نظرت عمته إلى رامـي الذي كان هادئاً للغاية وكأنه كان يعلم أنها أتت للحديث معه وليس فقط لأجل أمر العروس. قالت دون أن تحيد عيناها عن عينيه"
- أنت سايب البيت ليه يا رامـي؟

"ضم حاجبيه في دهشة، كيف علمت بأمر ابتعاده عن البيت؟ ولكنه سرعان ما فهم أنها قد رأت حقيبته الموجودة جوار السرير، أشار بهدوء"
- تغيير جو

"ابتسمت ابتسامة غير مصدقة قائلة"
- فعلاً؟
"أشار رامـي بابتسامة هو الآخر"
- حضرتك من زمان عارفة إن ماحدش بيعرف ياخد مني معلومة مش عايز اقولها، صح؟

"صمتت عمته للحظات، من الواضح أنه لن يتغير أبداً، قالت"
- هتفضل بعيد لغاية امتى يا رامـي؟

"أشار رامـي وقد تعمَّد تصنع البلاهة"
- أنا مش بعيد، أنا موجود معاكم اهو

"ظهرت ملامح الغضب على وجهها من طريقته ثم قالت"
- رامـي! بلاش الطريقة دي واتكلم بصراحة، أنا متأكدة إنك فاهمني

"نظر لها رامـي قبل أن يشير"
- بصراحة سؤال حضرتك مالوش إجابة محددة، لإني مش محتاج اكون في البيت عشان أحسسكم بقربي

"تنهدت السيدة سناء قبل أن تقول في هدوء"
- ساعات يا رامـي بشك إني قدرت اهتم بيك زي رامز لما كنتم صغيرين، إحساس إني ماقدرتش اعوضكم بيوجعني... خصوصاً ناحيتك أنت يا رامـي!


"ابتسم رامـي في هدوء مشيراً"
- حضرتك ماقصرتيش، بس في نفس الوقت... ماحدش هيقدر ياخد مكانها، أو يخلينا ننسى

"قالت سريعاً"
- سليم قالي إنه وعدك يجيبلكم مكانها، صح؟

"اومأ برأسه إيجاباً فاتبعت في أمل"
- يعني خلاص؟ القطيعة دي تعتبر انتهت؟
"ابتسم رامـي في هدوء مشيراً"
- مافيش قطيعة عشان تنتهي يا عمتو!

"قامت من مكانها ثم توجهت ناحية الأريكة التي يجلس عليها ونظرت إليه قائلة في حيرة"
- امال إيه اللي بيحصل؟ أنت وأخوك فيكم حاجة متغيرة، مش حاجة واحدة بس... حاجات كتيرة، كنت بقول جايز لما يكبروا الموضوع يتغير بس اللي أنا شايفاه إنه زاد، حتى رامز ماكانش كده... حساه بيبعد

"صمتت للحظات قبل أن تكمل"
- زيك بالظبط

"صمت رامـي قبل أن يشير"
- يمكن لما كبرنا، وحاولنا نلاقيها بنفسنا وماقدرناش... حسينا بالعجز... بالغضب كمان...

"عاد ليصمت قبل أن يشير بملامح تملأها الحسرة"
- يمكن حسينا بغيابها اكتر لما كبرنا عشان احتجناها بجد ومالقيناهاش، ماحدش بيكبر عالاحتياج خصوصاً لما مايقدرش يشبعه

"ثم ابتسم ابتسامة جانبية مشيراً"
- وبابا... حتى لو كان فاضيلنا، ماعتقدش كان هيقدر يملى مكانها، لازم الاتنين سوى، واحد مايقدرش يعمل حاجة لوحده

"أشار معبراً عن جملته الأخيرة وقد طغى الوجع على ملامحه ولكنه سرعان ما أخفاه بقوته المعهودة.
نظرت إليه عمته وكأنها تراه لأول مرة... لقد كبر ذلك الصغير الذي اتعبتها تربيته على الرغم من هدوئه ربما أكثر مما أتعبها رامز بشقاوته وعبثه.
كانت دوماً تحذر من هدوئه وتشعر بأنه ينذر بثورة ما، كان دائماً محط اهتمامها ومراقبتها مخافة أن يهرب ثانية ويختفي للأبد، أو يعود وقد أذى نفسه مرة أخرى.
لقد أصبح الآن رجلاً قوياً يعلم كيف يخبئ أوجاعه جيداً مخافة الشفقة والعطف.
قالت في ألم استشعره رغم أنه لم يسمعه"
- عارف يا رامـي؟ ودي أول مرة هقول فيها الكلام ده... بس أنا عارفة إنك هتفهمني كويس، أنا لما عرفت اللي حصل بين سليم ورقية اتوجعت عشانها اوي، أنا كنت عارفة هي بتحبه قد ايه، وعارفة هو تعبها قد ايه، بس زي ما أنت عارف... صعب تساعد إنسان ماطلبش المساعدة وماعترفش بمشكلته لحد، كنت بتمنى لهم من كل قلبي إن حياتهم ترجع هادية زي ما كانت في البداية بس للأسف أمنيتي ماتحققتش...

"صمتت قبل أن تكمل بعينين دامعتين"
- أنا ربنا مارزقنيش بأطفال وحسن الله يرحمه مات وسابني لوحدي، وماقدرتش اقبل فكرة أن يكون في حد غيره في حياتي، لما رقية مشيت وسليم طلب مني آجي اعيش معاه هنا في القصر عشان اساعده في تربيتك أنت ورامز حسيت إحساسين عكس بعض خالص

"كان رامـي يراقب كلماتها في هدوء وحزن حتى اتبعت"
- الأول إني كنت حاسة بالغضب ناحية سليم اللي مافكرش غير في نفسه، وماحسش إن المفروض رقية هي أولى بتربية أولادها من أي حد... في النهاية انتو عيالها ومحتاجينلها هي، وهو حرمكم من أبسط حقوقكم

"ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة هادئة وحزينة قبل أن تقول"
- والإحساس التاني كان فرح... كنت فرحانة إن ربنا عوضني بيك أنت ورامز عشان تملوا الفراغ اللي سابهولي حسن وعدم وجود أطفال ليّ أنا، ومن أول يوم وأنا كنت راسمالكم صورة نفسي تطلعوا عليها، كنت حاسة إنكم أمانة كبيرة من رقية سابتهالي ومشيت، كنت عايزة اعوضكم وأقدملكم كل اللي ماقدرتش أقدمه لرقية واللي ماقدرتش هي تطلبه

"ثم ضحكت في هدوء قائلة"
- وتعبتوني جداً، كنت حاسة إنكم بتخلصوا مني ذنب رقية اللي كان بيوجعني كل يوم، رامز بشقاوته وعفرتّه الكتيرة واللي لسة مافارقتهوش لغاية دلوقتي، وأنت بتمردك واعتراضك على كل حاجة... كنت بحس ساعات إنك بتكرهني وعايز تمشيني من هنا

"ابتسم رامـي في هدوء وقد جالت في خاطره كل تلك الذكريات دفعة واحدة، فبالفعل لقد أتعبها كثيراً في سنوات طفولته ومراهقته المتمردة.
كم مرة هرب فيها من المنزل ثم عاد شاعراً بالانتصار لرؤية وجوههم الشاحبة من القلق والخوف... خاصة وجه أبيه؟
إلى الآن لم يكن يعلم أحد أنه كان يذهب إلى المزرعة لرؤية الخيول والحديث معهم وملامستهم التي كان بحاجة إليها أكثر من أي شيء.
أما رامز... فسرعان ما كانت تهدأ شقاوته وعبثه أثناء الطفولة بمجرد تهديده بالجلوس على كرسي المشاغبين والذي لا يزال ذكره يشعره بالتوتر وقد شكل له فوبيا أقسم ألا يذيقها لأبنائه أبداً.
لقد كانت الوحدة والعزلة عدوه الوحيد، وفي سنين مراهقته كان يصحب رامـي في أوقات هروبه ويفعلان أشياءاً كثيرة ثم يعودان إلى البيت ليفكرا في خطة جديدة لإدخال القلق عليهم مرة أخرى.
قطع ذكرياته حديث عمته القائلة"
- بس دايماً كنت بحسكم زي ولادي بالظبط يا رامـي، وكانت أمنيتي إنكم تشوفوني زي رقية... أم تانية ليكم.


"ابتسم رامـي وقد تشجع لكي يمسك بيدها التي شد عليها برفق مطمئناً إياها، تفاجئت من تلك الحركة التي لم تحدث منذ سنوات مديدة، أشار في النهاية"
- حضرتك فعلاً أم تانية لينا، واللي عملتيه عشاننا مستحيل ننكره أو ننساه

"ثم صمت قبل أن يتبع مشيراً"
- بالعكس... وجودك كان بيفرق معانا كتير اوي... عالأقل بالنسبة لي

"عندها دمعت عينا عمته وأمسكت بيده في اشتياق وكأنها لا تزال تمسك بيد ذلك الصغير الذي كان يزمجر في غضب ويبتعد عنها بمجرد أن تفعل ذلك، شعرت أنها نالت مكافئتها على كل السنوات التي قضتها في رعايتهما معاً.
أما هو، فلم يعلم من أين أتته الشجاعة ليفعل ذلك، وكيف استطاع أن يتحمل تلك اللمسة الحنونة دون أن ينفجر بركانه الخامد... لا يدري، ولكنه شعر بالسعادة... بالأمل... فلم يصبح حالة ميؤوس منها بعد.
قالت عمته بابتسامة"
- بعد القعدة دي اللي عمري ما تخيلتها قبل كده أنا مش عاوزة حاجة تانية من الدنيا

"ابتسم لها قبل أن يشير ممازحاً إياها"
- دي اكتر مرة اشوف حضرتك بتضحكي فيها... شكلي عملت معجزة

"ضحكت منه، معه حق، فلطالما كانت حازمة قوية مسيطرة، لقد رأى الآن وجهها الآخر الذي لم يكن يظهر للجميع.
ابتسمت له قائلة"
- أنا باجي عندك وعند رامز ومابقدرش أكشّر، انتو بتخرجوا مشاعري كلها مرة واحدة

"ضحك رامـي ثم انتبه لرامز الذي فتح الباب وقال في عبوس كالأطفال"
- الله الله! خرجتوني برة لوحدي زي البطة السودا عشان ماضحكش معاكم وينوبني من الحب جانب ولا ايه؟

"ضحكت عمته ثم فتحت له ذراعيها فتوجه ناحيتها سريعاً ثم جلس على ركبتيه أمامها لتحتضنه في حنان.
تمنى رامـي في داخله أن تسعفه شجاعته لأن يلقي بنفسه في أحضان أحدهم كما فعل رامز الآن، ولكن في تلك النقطة تحديداً... كان رامز متفوقاً عليه.
قطع شروده حركة شفاه عمته التي كانت تقول لرامز وهو لا يزال بين ذراعيها"
- بقى بتقول على نفسك بطة سودا؟! طب ده أنت الوحيد في العيلة كلها اللي دلعته

"قال رامز مجادلاً إياها"
- دلعتيني؟ أنا كنت حاسس إني هشيب عالـنوتي تشير يا عمتو!

"ضحكت عمته ثم قالت بعد أن ضربته على ظهره ضربة خفيفة"
- أحسن... عشان تتعلم الأدب

"ضحك رامز وقد ارتخت ملامحه وملأها الهدوء والسلام الذي قلما يظهر عليه، فلطالما كان يشعر بحاجته لحضن دافئ من قلب يحبه كي يختبئ فيه للحظات، وكانت عمته الملجأ بالنسبة إليه إلى أن يجد موطنه الأصلي... والدته."
.....

"كانت تسير في الطرقات سريعاً وفي يدها التصميم الذي يجب عليها تسليمه وتراجع أفكارها في رأسها حتى وصلت إلى جانب إحدى الطرقات فظهر أمامها صارخاً"
- يا ندى!!!

"صرخت فجأة ورمت التصميم من يدها، وعندما وجدت ذلك المجنون ثانية، بكت فجأة، قال في اندهاش"
- ايه يا ندى! هو أنا خضيتك؟

"قالت من وسط بكاءها وفزعها"
- يا شركة مجانين!

"ضحك بشدة فنسيت بكائها وأخذت تنظر إليه حتى أنها نسيت دموعها ولم تمسحها، ثم عادت لتتذكر فزعها للتو فقطبت حاجبيها قائلة"
- بتضحك؟! انت كنت هتجيبلي سكتة قلبية

"قال بابتسامة عابثة"
- سلامة قلبك يا ندى!

"ارتسمت البسمة على وجهها دون وعي فقال بعد أن وضع يده في جيب بنطاله"
- ماسألتينيش أنا خضيتك ليه

"عبست ثانية فارتسمت تلك الثلاث خطوط بين حاجبيها قائلة"
- ليه؟

"مد أصابعه ناحية وجهها ثم ضرب على تلك الخطوط ضربة خفيفة قائلاً"
- فكي الـ 111

"أحمر وجهها بشدة لتلك اللمسة السريعة، انتبه لما حدث فقال"
- أنا حبيت افكرك بيّ يعني لا تكوني نسيتي

"هزت رأسها تلقائياً في نفي قائلة"
- مانسيتش

"ابتسم لها ثم تنهد قائلاً"
- طيب يا بشمهندستنا المتدربة أنا عازمك عالغدا النهاردة

"صمتت للحظات فلم يمهلها وأمسك بيدها وأخذها خلفه نحو المصعد متجهين نحو الجراج مجدداً.
وبعد أن ركبا السيارة، اتجها إلى نفس المكان الذي ذهبا إليه أول مرة، وجلسا عند نفس الطاولة... الطاولة الخاصة بـ رامز الراوي.
كانت ندى لا تزال مصدومة من كل شيء بينما كان هو في قمة هدوئه، وعندما أحضر النادل قوائم الطعام، أخذها رامز منه ثم التفت إلى ندى قائلاً"
- ها يا ندى! تاكلي ايه؟

"قالت محاولة أن تبدو طبيعية قدر الإمكان"
- أي حاجة

"ابتسم قائلاً"
- خلاص هطلبلك زيي بالظبط، ماشي؟

"اومأت برأسها مبتسمة فاستدعى النادل وأملاه الطلب، وعندما رحل النادل التفت إليها ليجد ملامح الاستغراب تغرق وجهها، قال بابتسامة هادئة"
- هو انتِ ليه على طول بتبصيلي باستغراب يا ندى؟

"نظرت إليه في ارتباك ثم قالت"
- بصراحة...

"صمتت لا تدري كيف ترتب كلماتها بينما كان هو يطالعها بابتسامة كأنه يراقب طفلة صغيرة تتعلم الكلام حتى قالت"
- أنا ماكنتش متخيلة إننا هنتقابل تاني، يعني...

"عادت لتصمت ثانية قبل أن تكمل بينما ظل هو محتفظاً بابتسامته"
- احنا لما خرجنا أول مرة كنت مصدومة، ماكنتش اتخيل حاجة زي دي والطريقة نفسها كانت غريبة كده، ازاي اتقابلنا صدفة في الدور... خرجنا... شربنا قهوة... وصلتني، وبعدين...

"صمتت مرة أخرى، قال مشجعاً إياها لتكمل"
- وبعدين ايه يا ندى؟ كملي!

"تنهدت قائلة"
- وبعدين... لما جيتلك المكتب عشان اخد الورق... عاملتني كأنك اول مرة تشوفني، والنهاردة... زي اول مرة بالظبط

"ثم نظرت إلى عينيه الخضراوين الداكنتين، حاولت منع نفسها عن الشرود فيهما، وقالت في حيرة"
- هو في ايه؟

"ابتسم قائلاً"
- حاسة بإيه يا ندى؟

"تنهدت قائلة"
- حاسة إني تايهة، مابحبش الإحساس ده... بيخوفني

"سألها بعفوية"
- خايفة مني؟

"صمتت فجأة وكأنها لم تكن تتوقع هذا السؤال، قد فهم هو كل ما يدور في رأسها، فقال بطريقة الخبير المتخصص ثانية"
- تاني مشكلة للبنات... دايماً تايهين، ودايماً مش حابين إحساس التوهان

"قالت بدورها"
- عشان إحساس التوهان وحش، ماحدش بيحب التوهان... الوصول راحة

"قال متسائلاً"
- يهمك في ايه إنك تفهمي أو توصلي زي ما بتقولي؟

"قالت مكررة"
- الوصول راحة

"هز رأسه نفياً قائلاً"
- مش دايماً الوصول راحة، في حاجات بتنتهي لما بنوصلها

"قالت مجادلة"
- وإيه الحلو في التوهان؟

"ابتسم قائلاً"
- التوهان اوقات بيعملنا ذكرى حلوة بتفرحنا ادام

"قالت بصوت خافت"
- ذكرى؟

"ضحك ضحكة قصيرة قائلاً"
- ندى أنتِ عاوزة ايه؟ زهقتي مني؟

"قالت سريعاً دون وعي"
- لا

"ابتسم ابتسامته الجذابة تلك فشعرت بالندم لما تفوهت به، قالت"
- قولي أنت عاوز إيه

"هز رأسه نفياً فقالت"
- يبقى همشي

"ابتسم بثقة قائلاً"
- أنتِ مش عاوزة تمشي يا ندى

"قالت وقد عقدت حاجبيها"
- ايه الثقة دي يعني؟

"قال ببساطة"
- لو هتمشي ماكنتيش جيتي معايا تاني

"ظلت عابسة حتى ضحك قائلاً"
- تالت مشكلة للبنات... عاوزين الحاجة وعكسها

"قالت وقد ازداد عبوسها"
- أنت مش ملاحظ إنك بتتكلم عن البنات كتير؟

"ابتسم في مكر قائلاً"
- قلتلك قبل كده... أنا خبير متخصص

"قالت في ضيق"
- دي حاجة تفتخر بيها؟

"قال ببساطة"
- طبعاً... ده بيساعدني افهم نفسيتكم المعقدة

"نظرت إليه في غيظ فاتبع قائلاً بمهارة الخبير المعتادة"
- رابع مشكلة للبنات، بتزعلوا من اللي مش بيفهمكم، ولما يفهمكم تقولوا ده بتاع بنات

"قالت وهي تمسك بالسكين الموضوع على الطاولة"
- مش مطلوب منك تفهم غير اللي بتحبها بس

"قال في تعجب"
- طب وأنا هفهمها ازاي لو ماكنتش اتعاملت مع بنات غيرها؟

"قالت وقد انتهزت الفرصة لإخراج غيظها من جنس الرجال"
- واحدة... اتنين... تلاتة لما تخربها، لكن الخبير المتخصص اللي ادامي ده شكله مدوبهم دستة

"ضحك بشدة من كلماتها المغتاظة فتحول الغيظ داخلها إلى هيام مفاجئ بكتلة الفانيليا التي أمامها، قالت مجاريةً مكره"
- أول مشكلة للرجالة، مغرورين وبتوع بنات

"قال مصححاً جملتها"
- دي كده مشكلتين مش واحدة

"قالت في تحدٍ"
- يعني أنا صح؟

"هز رأسه ضاحكاً"
- للأسف غلبتيني، كده ندى: 2 – رامز: 4

"لقد تحول الموضوع إلى مباراة، ثالث مشكلة للرجال، يحولون كل شيء إلى مباراة رياضية، ولولا الخوف من أن تتأذى كتلة الفانيليا أمامها تلك لحولت الأمر إلى مباراة فعلية، للملاكمة ربما.
قطع تفكيرها وصول الغداء، كانت رائحة الطعام شهية للغاية فأخذت تأكل بشهية مفتوحة، وعندما انتهيا، جاء النادل ورفع الأطباق، قال رامز مبتسماً"
- عجبك الأكل؟

"قالت في سعادة"
- جداً

"ضحك ضحكة خفيفة ثم اتبع"
- أنا لسة ماعرفتش عنك حاجة يا ندى

"قالت متسائلة"
- حاجة زي ايه؟

"ابتسم قائلاً"
- عيلتك... والحاجات اللي بتحبيها... كده يعني

"ابتسمت قائلة"
- اممم مافيش حاجات كتير، عندي اخت اكبر مني متجوزة رجل أعمال هولندي وعايشة برة مصر، وأنا الصغيرة، بابا بيشتغل في مجال هندسة الطيران، وماما مديرة بنك

"نظر لها في اهتمام قائلاً"
- وبتحبي ايه؟

"لمعت عيناها قائلة"
- الرقص

"ضحك قائلاً"
- فعلاً؟

"لمعت عيناها قائلة"
- جداً... أيام الجامعة كنت باخد دروس رقص، طاقة كده وفرحة

"قال في اهتمام"
- على كده بتحبي تسهري؟

"زمت شفتيها في حزن قائلة"
- للأسف ماسهرتش قبل كده، بس نفسي جداً

"نظر لها للحظات ثم قال"
- اكيد أمنيتك هتتحقق قريب

"قالت متسائلة"
- ازاي؟

"ضم حاجبيه قليلاً وهو يقول"
- بطلي تسألي كتير يا ندى!

"صمتت للحظات ثم قالت"
- وأنت؟

"سألها قائلاً"
- أنا ايه؟

"ابتسمت قائلة"
- احكيلي عن نفسك... عيلتك والحاجات اللي بتحبها

"ظهر طيف من الحزن في عينيه سرعان ما اختفى قائلاً"
- عيلتي مش مثيرة للاهتمام اوي عشان احكي عنها، بس تقدري تقولي إن رامـي هو عيلتي كلها وصاحبي الوحيد

"صمتت وقد اصابها الحزن والحيرة من ذلك الطيف السريع الذي ظهر في عينيه وعكّر خضارها العذب، قالت"
- والحاجات اللي بتحبها؟

"هز رأسه في حيرة قائلاً"
- مش عارف

"نظرت إليه مستفهمة"
- يعني ايه؟

"تنهد قائلاً وهو ينظر من الزجاج المجاور لهما"
- ساعات لما بتعيشي عمرك كله بتعملي حاجة شغلتها تلهيكي وبس، بتنسي تدوري على نفسك تاني أو...

"ثم قال بصوت خافت"
- بتخافي تقريباً

"نظرت إليه ثم قالت بصوت خافت أيضاً"
-وأخاف ليه؟

"قال بنبرة يشوبها الغموض و الحزن"
- يمكن... عشان ماتشوفيش الحاجة اللي بتهربي منها

"ابتسمت قائلة"
- بتحب الفلسفة

"ابتسم ضاحكاً ثم قال رافعاً كفه إليها فضربت عليه بكفها أيضاً علامة على النصر"
- صح... شاطرة

"ابتسمت فقال هو بدوره"
- وأنتِ... مش مرتبطة، صح؟

"ابتسمت ضاحكة ثم قالت"
- اتخطبت مرة قبل كده بس مش بحسبها ارتباط

"قال متسائلاً"
- ليه؟

"تنهدت قائلة"
- اصلي ماكنتش اعرفه، كنت صغيرة شوية ووافقت عليه من باب الفضول بس سيبته بعد فترة قصيرة

"سأل في اهتمام"
- حصل ايه؟

"ضحكت قائلة"
- مش النوع المفضل عندي

"ضحك هو الآخر قائلاً"
- والنوع المفضل بتاعك إيه بقى؟

"قالت بنظرة لامعة بجنون"
- يكون مجنون

"قال بنفس النظرة"
- وبيحب السهر والرقص

"ضحكت رافعة كفها إليه فضرب عليه بكفه علامة على النصر مرة أخرى... قالت ضاحكة"
- صح... شاطر

"وعندما انتهت جلستهما الممتعة، قام بتوصيلها إلى المنزل مرة أخرى، ولكنها لم تنزل بل ظلت في مكانها، قال"
- في حاجة يا ندى؟

"نظرت إليه متسائلة"
- ايوة، هي خروجاتي اللي من غير إذن من مديري دي ممكن تفصلني، صح؟

"ضحك بشدة فارتبكت، لا تدري إن كان ما أصابها كان من غباء سؤالها أم من ضحكته الساحرة، نظر لها قائلاً بمرح"
- ندى! أنتِ خارجة مع عيل في ثانوي؟ أنا صاحب الشركة يا حبيبتي!

"ارتجف قلبها لسماع تلك الكلمة العفوية منه ولم تستطع الرد.
التفت هو إلى الكراسي الخلفية وأخذ التصميم الموضوع بالخلف وقدمه لها قائلاً بابتسامة"
- التصميم اللي وقعتيه النهاردة

"ثم اتبع قائلاً بغمزة سريعة"
- عشان المدير مايفصلكيش

"ضحكت رغماً عنها قائلة"
- شكراً

"ثم قالت بعد أن فتحت باب السيارة لتنزل"
- مع السلامة

"لوَّح لها بيده مبتسماً فالتفتت متجهة إلى بوابة منزلها وقلبها يرقص فرحاً لكل ما حدث اليوم."

.....

"وبعد يومين، كانت السيدة سناء في زيارة مفاجأة إلى الشركة، وعندما وصلت هناك لفتت انتباه الموظفين، دخلت بطلتها المهيبة والواثقة إلى الشركة فتوقف الجميع وقد فهم أنها إما من رئاسة مجلس الإدارة أو أحد العملاء المهمين الذين تتعامل معهم الشركة.
من يعرفها حيَّاها بابتسامة وكلمات رقيقة، ومن لم يعرفها اكتفى بابتسامة وإيماءة فقط، تجاوزتهم جميعاً حتى وصلت عند المصعد وهناك قابلت ندى.
كانت تسير في تكاسل وتعب فلم تنم جيداً ليلة البارحة بسبب تلك السهرة التي قضتها بصحبة اختها وزوجها وطفلتيهما التؤام في مشاهدة الأفلام الأجنبية حتى نامت في وقت متأخر واستيقظت بمعجزة.
كانت تفكر في داخلها لو أن رامز ظهر لها من إحدى الطرقات مرة أخرى، ولكنها لن تتحمل أي صدمات اليوم فصرخة واحدة منه باسمها كافية لتقتلها في أرضها على الفور، ولكنها أفاقت من تفكيرها عندما وجدت امرأة أنيقة الطلة تتقدم نحوها فتوقفت مكانها وابتسمت.
توقفت السيدة سناء أمام المصعد ثم نظرت إلى ندى التي كانت رغم إرهاقها تحتفظ بمظهرها الجميل الهادئ، تنورة تصل إلى الركبة باللون الأسود، وبلوزة ناعمة باللون الزهري وشعرها البني الناعم كان مرفوعاً إلى الأعلى بشكل كعكة أعطتها مظهراً أنثوياً رقيقاً للغاية، ولم يكن مكياجها صارخاً، فقط أحمر الشفاه الزهري الذي يلائم بشرتها الزهرية أيضاً وكحل زيَّن عينيها العسلية المائلة إلى الأخضر الفاتح.
ابتسمت ندى ابتسامة هادئة قائلة"
- صباح الخير!

"وعلى غير العادة في التعامل مع الموظفين، ابتسمت السيدة سناء قائلة"
- صباح النور!

"وصل المصعد وفتح الباب لتفاجأ كل منهما بـ رامز، الذي تفاجأ هو نفسه برؤيتهما معاً أمامه. هل يحاول القدر لعب لعبته الآن؟ في وجود عمته؟
ولكنه لم يُظهر أياً مما جال في رأسه فقد طغت ابتسامته العريضة على الأجواء وقال في ترحاب ناظراً إلى عمته"
- مش ممكن! هو القمر بيطلع الصبح ولا ايه؟

"نظرت إليه عمته نظرة زاجرة حتى يتوقف عن تلك الطريقة أمام الموظفين ثم قالت"
- أنا كنت طالعة لمكتب سليم.. موجود؟؟

"هز رأسه نفياً ثم قال"
- لسة ماوصلش، أنا كمان كنت في مكتبه من شوية

"ثم نظر إلى ندى التي كانت تتابع الموقف في صمت ثم قال بابتسامة ماكرة"
- ازيك يا بشمهندسة؟

"أحمر وجه ندى وازدادت وردية وجنتيها ثم قالت بنبرة حاولت ألا تكون مرتبكة"
- تمام يا بشمهندس رامز!

"نظرت عمته إليهما نظرة ذات مغزى ثم قالت"
- انتو تعرفوا بعض؟

"قال رامز في مكر"
- طبعاً

"ازداد خجل ندى فاتبع في جدية مصطنعة"
- باشمهندسة ندى لسة جديدة هنا في الشركة بس من الموظفين المجتهدين هنا وقدرت تثبت نفسها في وقت قصير

"نظرت عمته إليها في إعجاب فاتبع قائلاً"
- انتو ماتعرفتوش على بعض؟

"هزت ندى رأسها نفياً فاتبع موجهاً حديثه إلى ندى"
- سناء هانم يا ندى!... عمتي

"قالت ندى بابتسامة مصافحةً إياها"
- فرصة سعيدة يا سناء هانم! اتشرفت بمعرفة حضرتك

"اومأت السيدة سناء برأسها بابتسامة ثم قالت بنبرة هادئة"
- أنا أسعد يا ندى!

"لاحظ رامز إعجاب عمته بها فشعر بسعادة غريبة في داخله، قال موجهاً حديثه إلى ندى"
- أنتِ كنتي طالعة فين يا ندى؟

"قالت ندى بنبرة حاولت قدر الإمكان أن تكون هادئة وواثقة"
- كنت طالعة لحضرتك عشان أسلم التصاميم اللي حضرتك طلبت تشوفها

"ارتسم شبح ابتسامة ساخرة على شفتيه لتلك الرسمية التي تعامله بها أمام عمته، هل نسيت أنها كانت تحادثه وهي ممسكة بسكين في المطعم كانت على وشك أن تطعنه به؟ قال ممازحاً"
- طيب مش معقول هنكمل كلامنا هنا.. الأسانسير يقول علينا ايه!

"ثم توقف جانباً وأشار لهما بأن يدخلا قبله ثم دخل ثانية من بعدهما وأغلق الباب المصعد عائداً إلى الطابق الخاص بمكتبه.
وهناك، جلس رامز إلى مكتبه بينما جلست عمته على الكرسي المقابل للمكتب. أعطته ندى الأوراق المطلوبة فأخذها منها بنظرة ماكرة فهمتها جيداً فأحمر وجهها.
مر وقت قليل وهو يطالعها بينما كانت عمته تنظر إليه تارة وإليها تارة وتشعر أن هناك شيئاً ما بينهما، نظر رامز إلى ندى ثم قال"
- طيب يا ندى! سيبيلي الأوراق دي هنا وأنا هبص عليهم بعدين وهبعتلك تاني عشان اناقشهم معاكي، تمام؟

"اومأت برأسها ثم قالت"
- تمام

"ابتسم ابتسامة خفيفة قائلاً"
- تقدري تتفضلي!

"أومأت ندى برأسها إليه ثم إلى عمته وودعتها بابتسامة لطيفة، وعندما خرجت، ساد الصمت بين رامز وعمته حتى تفوهت هي قائلة في مكر"
- لطيفة ندى

"نظر إليها وقد فهم نبرتها فقال محاولاً أن يبدو طبيعياً"
- هي مهندسة مجتهدة وبتحاول تثبت نفسها... ربنا معاها

"ألقت بسؤالها قائلة"
- فعلاً؟

"قال دون فهم"
- فعلاً ايه؟

"اتبعت في نبرتها الماكرة قائلة"
- مهندسة شاطرة ومجتهدة بس؟؟

"قال محاولاً إخفاء توتره"
- مش فاهم قصد حضرتك

"نظرت إليه ثم قالت"
- كأن في بينكم حاجة؟

"ضحك قائلاً"
- بيننا حاجة؟ بتقولي إيه بس يا عمتو؟!

"ثم اتبع في غرور ومكر بابتسامته العابثة"
- بس لو هي معجبة بيّ ده شيء طبيعي، حضرتك عارفة إن معجباتي كتير

"قالت وقد عاد وجهها لصرامته"
- اوعى تفكر تستغلها، فاهم؟

"صدم لطريقتها في الدفاع عنها وكأنها تعرفها، قال محاولاً طمأنتها"
- ماتخافيش يا عمتو! أنا عمري ما استغل واحدة أبداً

"ثم اتبع دون وعي"
- خصوصاً لو زي ندى

"ظهر شبح ابتسامة على وجهها وكأنها قد وصلت لما ترمي إليه ثم قامت من مكانها قائلة"
- طيب.. أنا هروح اشوف رامـي، هو موجود في مكتبه دلوقتي، صح؟

"اومأ قائلاً"
- ايوة

"ابتسمت مودعة إياه قبل الرحيل قائلة"
- مع السلامة

"وعندما خرجت من عنده، توجهت إلى مكتب رامـي الذي كان منشغلاً في العمل مع شمس، فقد كانا يتفقان على أهم النقاط التي سيقوم عليها اجتماع الأسبوع القادم.
كان مهتماً للغاية بكل التفاصيل حتى أصغرها، وكانت شمس متعجبة بعض الشيء ولا تفهم ما سر اهتمامه الشديد بهذا المشروع تحديداً.
عندما انتهيا من العمل، كتب رامـي لشمس على هاتفه قائلاً"
- كده كل حاجة تعتبر جاهزة، مش باقي غير إن الاجتماع ده يخلص على خير

"قالت شمس بابتسامة"
- ماتقلقش حضرتك! كل حاجة هتبقى كويسة

"كتب ثانيةً في اهتمام"
- شمس! مش عاوز أي حاجة تأخرك عن الاجتماع ده وعن شغله، أنا معتمد عليكي، فاهمة؟

"ابتسمت مطمئنة إياه"
- مافيش حاجة هتأخرني

"كانت عمته قد وصلت إلى مكتبه وقد التقت نهال بالخارج التي استقبلتها بابتسامة مرحبة قائلة"
- سناء هانم! أهلاً وسهلاً

"ابتسمت السيدة سناء لها قائلة"
- ازيك يا نهال؟ وازّي يارا؟

"قالت نهال ببشاشة"
- الحمد لله كويسين

"سألت السيدة سناء قائلة"
- رامـي مشغول؟

"قالت نهال وقد نظرت في ساعتها"
- لا زمانه خلص اجتماعه مع شمس

"قالت السيدة سناء متسائلة"
- شمس مين؟

"ابتسمت نهال قائلة"
- مهندسة جديدة في الشركة بس شاطرة اوي، هي من المسئولين عن المشروع الكبير اللي يخص رامـي ورامز

"صمتت السيدة سناء فقالت نهال"
- ثواني هبلغ رامـي بوصول حضرتك

"أوقفتها السيدة سناء قائلة"
- لا يا نهال! أنا هدخُله بنفسي

"فتحت السيدة سناء الباب فوجدتهما يجلسان عند طاولة الاجتماعات، وعندما انتبهت شمس لوجودها، قامت من مكانها في هدوء فالتفت رامـي خلفه، وعندما وجدها، قام من مكانه وابتسم مشيراً لها"
- أهلاً يا عمتو! إيه الزيارة الحلوة دي!

"ابتسمت عمته مشيرة"
- أنا حبيت آجي ازوركم هنا في الشركة واشوف الأخبار

"ابتسم رامـي مشيراً"
- كله تمام الحمد لله

"نظرت عمته ناحية شمس وطالعتها للحظات، كانت هادئة وجميلة، ترتدي بنطالاً أسوداً وبلوزة بيضاء أنيقة للغاية وشعرها الأسود مربوط على هيئة ذيل حصان، وجهها أبيض وعينيها سوداء لامعة، لها ملامح ساحرة وقوية.
انتبه رامـي لها فأشار مقدماً شمس لها"
- اعرفك يا عمتو! شمس... مهندسة شاطرة ولسة جديدة معانا في الشركة

"أشارت عمته قائلة"
- نهال حكتلي عنها

"التفت رامـي إلى شمس ثم كتب لها"
- سناء هانم يا شمس... عمتي

"ابتسمت شمس مصافحة إياها قائلة"
- فرصة سعيدة يا سناء هانم! اتشرفت بمعرفة حضرتك

"وللمرة الثانية على التوالي لها في هذه الشركة، ابتسمت السيدة سناء قائلة"
- انا أسعد يا شمس!

"ثم عادت لتلتفت إلى رامـي الذي كان متعجباً منها وأشارت"
- انا عطلتكم عن الشغل؟

"أشار رامـي قائلاً"
- لا أبداً احنا خلصنا خلاص

"ثم التفت إلى شمس وكتب لها قائلاً"
- تقدري تتفضلي دلوقتي يا شمس! وزي ما اتفقنا عاوز كل حاجة تبقى جاهزة عالاجتماع، مفهوم؟


"اومأت برأسها إيجاباً ثم انصرفت في هدوء. كانت عمته متعجبة من عدم وجود نهال للترجمة بينهما بدلاً من الكتابة المستمرة على الهاتف، وعندما جلسا إلى المكتب ظلت عمته صامتة حتى أشار هو"
- في حاجة يا عمتو؟

"نظرت إليه قائلة"
- هي نهال ليه ماكانتش معاكم في الاجتماع ده؟

"أشار رامـي وقد فهم مرمى سؤالها"
- لأن نهال مش دايماً بتبقى معايا في الاجتماعات، أنا قادر اتواصل مع شمس يعنى وجود نهال مالوش داعي

"قالت في خبث"
- واضح إن النهاردة يوم المهندسات

"نظر لها دون فهم فاتبعت"
- رامز كمان بيشتغل مع مهندسة اسمها ندى، ظريفة... حبيتها

"تعجب رامـي من كلماتها الأخيرة، لم يحدث قط أن مدحت أحدهم من قبل، اتبعت وقد فهمت ما يدور في رأسه"
- شمس كمان شكلها شاطرة وظريفة، صح؟

"شعر رامـي بأن مرمى كلماتها ليس مجرد مدح عابر، ولكنه شعر بتوتر جديد عليه، أشار"
- هي كويسة يعني ومجتهدة، ربنا معاها

"ابتسمت عمته في مكر وقد لاحظت توتره الجديد، ولكنها لم تلمّح لأي شيء كما فعلت مع رامز، تعلم أن هذا الطريق ليس سهلاً كالآخر، وعليها أن تكون متأنية للغاية حتى تفهم ما يحدث أولاً."

…..

"وفي المساء، خرج رامـي ورامز سوياً تاركين القصر بكل ما فيه من سيطرة والدهما وصرامة عمتهما وميوعة سالي التي لم يعد يطيقها أحد.
كان رامز يريد الذهاب إلى النادي الليلي المفضل بالنسبة إليه بينما لم يُرِد رامـي ذلك فذهبا سوياً إلى أحد المقاهي النائية عن الزحام، وعندما جلسا سوياً وطلبا فنجانين من القهوة، أشار رامز في ارتياح"
- أخيراً بعدنا عن البيت واللي فيه، كنت حاسس إني هطق

"ابتسم رامـي مشيراً"
- ماتقدرش تستحمل يوم من غير ما تسهر

"ابتسم رامز في سخرية مشيراً"
- ومين قالك إني بحب اسهر؟ بس هو ده بيت يتقعد فيه؟ لا ومش بس كده، ده كمان المراقبة وصلت للشركة النهاردة

"ابتسم رامـي مشيراً"
- جت النهاردة وشمس عندي في المكتب، مش عارف ليه حسيت إنها فهمت الموضوع غلط

"ضحك رامز مشيراً"
- حسيت؟ ده أنا كان ناقصلي خمس دقايق والاقيني بنقي شبكة ندى

"ضحك رامـي بشدة فاتبع رامز مشيراً"
- عمري ما شفتها بتمدح حد في الشركة كده، لا و كمان حذرتني إني احاول استغلها، حماتي كانت بتكلمني مش سناء هانم الراوي اللي كلنا نعرفها

"ضحك رامـي فاتبع رامز مشيراً"
- فيها حاجة متغيرة الزيارة دي، تفتكر هتتجوز؟

"ضحك رامـي مشيراً"
- أنا نفسي تكمل كلام جد للآخر

"ضحك رامز فاتبع رامـي مشيراً"
- طب والحقيقة ايه بقى؟

"أشار رامز مستفهماً"
- حقيقة ايه؟

"أشار رامـي"
- ايه حكايتك أنت وندى؟ وبصراحة!

"صمت رامز للحظات ثم أشار"
- مش عارف

"ظل رامـي صامتاً يريده أن يكمل فاتبع"
- هو أنا... يعني... حاسس إني عاوز أكون في حياتها، عايزها ماتنساش وجودي أبداً، لما بحس إنها نسيت برجع افكرها

"أشار رامـي"
- وده معناه ايه؟ بتحبها؟

"هز رأسه في حيرة مشيراً"
- مش عارف، بس محتاج إني افرض وجودي في حياتها

"نظر له رامـي دون فهم ثم أشار"
- طيب وهي؟ اكيد حسيت حاجة من ناحيتها

"صمت رامز وبدى أنه شرد حتى ظهرت ابتسامة على وجهه قائلاً"
- هي بتحبني... أنا حاسس بكده، نظرتها وكلامها، عصبيتها لما اتكلم عن البنات ادامها

"ثم اتبع ضاحكاً"
- بتصعب عليا من كتر ما وشها بيحمر ادامي، وماعتقدش إني ببالغ لو قلت إنها تخيلت حياتنا مع بعض ادام ممكن تبقى عاملة ازاي

"ظل رامـي صامتاً ينظر إليه دون رد، أشار رامز"
- ساكت ليه؟

"صمت رامـي للحظات حتى أشار "
- لما أنت عارف كل ده ليه بتعلقها بيك اكتر وأنت مش متأكد من مشاعرك؟

"صمت رامز ولم يدرِ ماذا يقول، أشار أخيراً"
- ماعرفش، حاسس إني محتاج اعمل ده وبس، بغض النظر ده هيوصلنا سوى لفين

"ثم اتبع"
- الأكيد إني مش بستغلها، و مستحيل اسمح إنها تتأذي بسببي

"صمت رامـي وقد شعر بأن أخيه يدور مبتعداً عن الحقيقة التي يدَّعي جهلها، أشار رامز"
- وأنت؟

"نظر له مستفهماً فاتبع"
- حكايتك ايه مع شمس؟

"أشار رامـي مستغرباً"
- حكاية إيه؟ مافيش أي حاجة

"ابتسم رامز في مكر مشيراً"
- عيب تكدب على أخوك الكبير، اللي يخلي سناء هانم تمدحها يبقى شافت فيها نفس اللي شافته في ندى

"أشار رامـي"
- مافيش حاجة من اللي في دماغك، شمس بالنسبة لي مهندسة شاطرة بتشتغل معايا في أهم مشروع بالنسبة لي وبس، لا فيه حب ولا غيره

"أشار رامز "
- مش لازم أنت، ممكن هي

"أشار رامـي في قوة"
- لا أنا ولا هي، أنا مش هسمح بحاجة زي دي

"أشار رامز مندهشاً"
- ليه يعني؟ مش مناسبة؟

"أشار رامـي في ثقة"
- الموضوع مالوش علاقة بمناسبة ولا لا، أنا مابعرفش أحب... أنا ببعد بس... ده الأحسن

"ابتسم رامز ابتسامة غامضة مشيراً"
- بابا عرف يربي اتنين معقدين، برافو!

"ابتسم رامـي مشيراً"
- أنت عقدتك هتتحل قريب، أنا متأكد

"ضحك رامز قائلاً"
- انسى!

"ضحك رامـي ضحكة خفيفة ثم أشار"
- بكرة افكرك

"ثم اتبع ساخراً"
- وسناء هانم هتيجي معاك وأنت بتنقي شبكة ندى

"ضحك رامز مشيراً"
- ربنا يستر وماتكونش خدت ميعاد من أبوها

.....

"استيقظت شمس من نومها المرهق بعد ساعة من الميعاد المحدد، نظرت إلى الساعة في إرهاق وعينين شبه مغلقتين سرعان ما تحولوا إلى دائرتين متسعتين عندما أدركت أن ميعاد الاجتماع الهام قد فات.
قفزت من مكانها فوراً ولم تمر دقائق حتى كانت قد بدَّلت ثيابها وخرجت من المنزل وقادت سيارتها بسرعة جنونية إلى الشركة حتى تستطيع الوصول قبل نهاية الاجتماع وتسلم آخر تعديلات لتصميمات المشروع.
وصلت إلى الشركة أخيراً بعد أن كادت تصطدم بأكثر من حادث، جرت ناحية المصعد ثم وصلت إلى الطابق الخاص بمكتب رامـي، وعندما وصلت هناك، تسمرت مكانها عندما وجدت أن الاجتماع قد انتهى وقد خرج الجميع وهم يتهامسون عن ذلك الاجتماع الفارغ الذين أتوا من أجله.
وعندما رحلوا، وجدت نهال تخرج من مكتب رامـي، وعندما رأتها أمامه نظرت لها نظرة مؤنبة، قالت شمس سريعاً"
- نهال! أنا...

"قاطعتها نهال عندما قالت بنبرة جافة"
- رامـي مستنيكي جوة يا شمس

"ابتلعت شمس ريقها في خوف وتوتر، وبخطوات بطيئة دخلت إلى المكتب فوجدته جالساً أمام طاولة الاجتماعات مستنداً بظهره إلى الخلف واضعاً ساقاً فوق أخرى شارداً بنظرات حادة وقاسية.
اقتربت ناحيته ببطء وخوف، حاولت أن تتحدث ولكنها تذكرت أنه لن يسمعها، قطع شرودها عيناه القاسية التي التقت بعينيها المرتبكة...
كانت نظراته تقتلها خاصة تلك النظرة التي كانت تحمل في طياتها كثيراً من الغضب، والخذلان أيضاً.
فجأة مد يده لها بهاتفه الذي من الواضح أنه قد رصَّ عليه كلماته مسبقاً حتى لا يخسر وقته في الجدال معها.
أمسكت الهاتف بأصابع متوترة لتقرأ ما كتب، كانت كلمات قصيرة مقتضبة شعرت بقسوتها من مجرد أحرفها فقط"
- تسلمي كل حاجة خاصة بالمشروع ده لنهال دلوقتي حالاً

"كانت الدموع على وشك أن تقفز من عينيها وحاولت أن تتحدث قائلة"
- أنا...

"أسكتها عندما أغمض عينيه علامة على رفض استكماله الحوار معها وأشار ناحية الباب لتخرج.

ظلت في مكانها تنتظره أن يفتح عينيه لتخبره بسبب تأخرها اليوم، ولكنه لم يفعل وكأنه كان يعلم ردة فعلها فظل مغمضاً عينيه في غضب.
خرجت من المكتب وأغلقت الباب خلفها، تقدمت ناحية مكتب نهال، التي حاولت التخلص من تأثير غضب رامـي عليها وعادت إلى قلبها الطيب وقالت في قلق عندما وجدت وجه شمس وقد بدى عليه الحزن الشديد وعينيها المحمرة"
- شمس! ايه اللي حصل؟

"دون أن تنطق بكلمة واحدة أعطتها الملف الخاص بالمشروع ومعه كل التصاميم المرسومة على الورق أو المصممة على الاسطوانة ورحلت في خطوات سريعة متوجهة ناحية سلم الحريق."
***
"عندما خرجت من المكتب، جلس على الكرسي مرة أخرى في غضب، لقد خذلته، لم يكن يتوقع منها أن تتكاسل في إنجاز مشروع ضخم كهذا، مشروع لطالما كان حلمه هو وأخيه، ولكن من أين لها أن تعلم؟ ولو... ما كان عليها أن تتكاسل، كان يظنها مجتهدة ولكنها لا شيء سوى مهملة."
***

"دخلت سلم الحريق وجلست على أول درجاته وأخرجت كل ما بداخلها من ضيق وتعب في الأيام الأخيرة.
كانت تريد منه أن يسمعها، ولكنه لم ينصت، طردها بمنتهى القسوة وكأنه لم يقضِ معها قرابة خمس ساعات من الضحك المتواصل على عبثها أيام الطفولة، تلك الضحكة الساحرة التي كانت تملأ وجهه والتي تحولت فجأة إلى ملامح حادة وقاسية... ولكنها رائعة رغم ذلك.
ازدادت دموعها عندما تذكرت أنها قد أخبرته بسر طفولتها، لقد علم سرها ثم طردها على الفور... سخيف، وهي حمقاء... تفكر في أشياء تافهة عند بكائها لأشياء هامة، متى ستتخلص من هذا الانفصام؟"

***

انتهى الفصل

دانه عبد likes this.

روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-05-22, 06:13 PM   #10

صل على النبي محمد
 
الصورة الرمزية صل على النبي محمد

? العضوٌ??? » 404607
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,174
?  نُقآطِيْ » صل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

لا تنسوا الباقيات الصالحات

سبحان الله

الحمد لله

لا إله إلا الله

الله أكبر

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


صل على النبي محمد غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا إله إلا الله وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:36 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.