10-05-22, 11:08 PM | #1 | ||||
| لوحة من دماء لوحة من دماء في مكان قَصِّي ، وفي منزل شبه مهجور ، ستائر مثقلة بالغبار كباقي أثاث المنزل القديم ، بل أنه يكاد يتهاوى على سنينه الطويلة ، وفي إحدى غرفه الكبيرة ، لا غبار كباقي المنزل ، فقط سرير ، ولوحات تغطي أغلب جدرانها ، لرجال مطموسة ملامحهم بخلفيات حمراء قاتمة ، ومقعد بعيد تقبع أمامه قاعدة تقف عليها لوحة بيضاء ، بجانبها فرش وألوان تنتظر فنان ينفخ فيها من فنه . يفتح باب الغرفة لتدخل منه أنثى شرقية بثوب أسود ضيق يرسم جسدها كصحراء تعلو كثبانها وتنخض ، تتماشى بشرتها الحنطية مع مظهرها الصحراوي ، تصبغ شفتيها بلون أحمر لا يختلف عن ذلك اللون في لوحاتها ، يتبعها رجل غربي أشقر بزي عسكري ، ينظر إلى لوحاتها بذهول ، يقترب معها حتى يجلس وحيداً على مقعد في ركن الغرفة ، يراقبها تسير بخطوات متأنية تصب كأس من العصير وتقدمه له ، ثم تنسحب بهدوء ، تستتر خلف تلك اللوحة البيضاء التي تنتظر مصيرها الأحمر لتعلق بعدها على ذلك الجدار مع باقي اللوحات ، يأخذ هو أول رشفة من ذلك الكأس ، وتبداء هي في أول خطوة لرسم وجهه الذي سيطمس لاحقاً ، يترك الكأس ليتأملها ، في فمه حديث ، تعرفه جيداً ، سمعته من كل الذين كانوا هنا قبله . - من الغريب مقابلة فتاة شرقية تسكن بمفردها . ترد بذات الرد الذي تستخدمه دائماً حتى اذا ما كررته الآن بدت ضجره منه ومن السؤال برمته . - أنا أمراة متمردة . تجاريه في لغته حتى ينفذ كأس العصير ، لتفصح عن لغتها ، يعود هو لتأملها لكن بدون عجب فقط برغبة جليه لا يكلف نفسه سترها . - لنأجل أمر اللوحة . قالها ضجراً من صمتها ومن ذلك المقعد الخشبي غير المريح . - حسناً فقط حتى تنهي كأس العصير ، أكون أنا قد رسمت ما يكفي لليوم . يقف فجأة في حركة فاجأتها ، تأخذ خطوة ناحية خزانتها ، حيث تخفي مسدس صغير ، لكنه لا يخطو أي خطوة فقط يرفع كأس العصير ويشربه دفعة واحدة . - أنهيته . تبتسم في وجهه إبتسامة لولا جنون الرغبة لأدرك نوعها ، تسير ناحية السرير ببطء لتكسب فيه الوقت ، يسير خلفها ليراقب تمايلها من على بعد خطوات ، وقبل خطوة من السرير تسمع سقوطه ، تلتفت لتراقبه هي هذه المرة يتلوى ، يلفض بقايا الحياة ، كأفعى هي ، تبداء بالإلتواء على فريستها وإغراءها ثم تبث السم في جسد فريستها ،ومن ثم تبتلعها ، كان السم في العصير ، والاغراء في جسدها ، والحماقة في رأس ذلك المحتل المتعجرف ،يحمل سلاحاً وتقف خلفه دبابه ويعتقد بذلك أنه يستطيع أن يقمع شعباً يقف عاري الصدر أمام دبابته ساخراً منها مستهزئاً فيها ،وهاهو الآن يموت عند قدميها يصارع السم ،لا تسعفه تلك الدبابة ، لا تنجده تلك البندقية المعلقة عند الباب ،هكذا يموت المتجبرون ، موته رخيصة لا تليق سوى بهم . تجره بصعوبة ترفعه على المقعد مرة أخرى تسنده على الجدار لتكمل لوحتها رقم أربعة وستين ، تكمل هذه المرة الحوار بلغتها ، تعجبها ردوده الصامته وعيناه الشاخصتان ، يحدقان في الفراغ ، يبدو مرعوباً ، هل الموت مخيف لهذا الحد ، أو أنه لا يخيف سوى أمثاله ، مِن مَن يعتقدون أن الحياة جسد . وهكذا تنتهي من رسم الرجل في لوحتها ثم تنسحب من خلفها لتواجهه ، وإلى ذات الكأس الذي سممته فيه ، تفرغ من دمه ليختلط مرة أخرى بالسم ، تغادره ناحية لوحتها لتصبغ له خلفيه حمراء من دمه ، ثم تمد يدها لتضيف اللمسة الأخيرة مستغنية عن فرشاة الرسم ، وبإصبعها الإبهام تطمس ملامح وجهه ، حتى تخفي هويته عن اللاحقين به .. إلى جحيم لوحة أخرى . | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|